متجدد سلسلة رمضانية : علماء ودعاة

من روائع عمر بن عبد العزيز

القصة سنداً عن عمر بن الخطاب، ولكن أخرجها أبو بكر الدينوري المالكي في المجالسة وجواهر العلم فقال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، نَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، نَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي سَفَرٍ مَعَ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ بِرَعْدٍ وَبَرْقٍ وَظُلْمَةٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ حَتَّى فَزِعُوا لِذَلِكَ، وَجَعَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَضْحَكُ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: مَا ضَحِكُكَ يَا عُمَرُ؟! أَمَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! هَذَا آثَارُ رَحْمَتِهِ فِيهِ شَدَائِدُ كَمَا تَرَى، فَكَيْفَ بِآثَارِ سَخَطِهِ وَغَضَبِهِ؟
 
عبد_الله_بن_مسعود.png

عبد الله بن مسعود ،حبر هده الأمة،الفقيه المحدث الصادح بالقرآن​



عبد الله بن مسعود صحابي جليل وفقيه ومقرئ ومحدث، وأحد رواة الحديث النبوي، وهو أحد السابقين إلى الإسلام، وصاحب نعلي النبي محمد وسواكه، وواحد ممن هاجروا الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة، وممن أدركوا القبلتين، وهو أول من جهر بقراءة القرآن في مكة وقد تولى قضاء الكوفة وبيت مالها في خلافة عمر وصدر من خلافة عثمان.

إنّ حبّ أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام من الأمور الواجب الإيمان بها في عقيدة أهل السنة والجماعة، وقال الطحاوي رحمه الله في ذلك: “ونحبُّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نفرِّط في حبّ واحدٍ منهم، ولا نتبرّأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكُرهم، ولا نذكُرهم إلّا بخير، وحبُّهم دين وإيمان وإحسان، وبُغضهم كفرٌ ونفاق وطغيان”، فالصحابة من أفضل الناس بعد الأنبياء والرسل عليهم السلام، وتجدر الإشارة إلى أنّ تعظيم مكانة الصحابة ومحبّتهم من تعظيم ومحبّة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن الفضائل التي تخصّص الصحابة بمكانةٍ رفيعةٍ خيريتهم، حيث إنّهم خير القرون، وممّا يدل على ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: “خيرُ هذه الأمةِ القرنُ الذين بعثتُ فيهم، ثمّ الذين يلونهم”، كما أنّهم نقلوا الشريعة من الرسول إلى الأمّة من بعده، ونشروا بينهم العديد من الفضائل والأخلاق الكريمة من الصدق والنصح وغيرها، وقدّموا البطولات العظيمة في الفتوحات الإسلامية.

أحد هؤلاء الصحابة، الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الفقيه المحدِّث أحد رواة الحديث، الذي كان خادما للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحب نعليه.

من هو عبد الله بن مسعود؟

هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شَمْخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة ابن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هُذَيل بن مدركة بن إلياس، الهُذَلي المكي، صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد أفقه الصحابة رضوان الله عليهم الذين رووا علمًا كثيرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان أحد السابقين الأولين الذين أسلموا قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، إذ أخرج الطبراني والبزار وغيرهما عنه أنه قال: لقد رأيتني سادس ستة ما على وجه الأرض مسلم غيرنا. روى عنه القراءة أبو عبد الرحمن السُّلَمي وعبيد بن فُضيلة وغيرهم، واتفق الإمام البخاري ومسلم في الصحيحين على أربعة وستين حديثًا، وانفرد له البخاري بواحد وعشرين حديثًا، ومسلم بخمسة وثلاثين.

وكنيته أبو عبد الرحمن، فقد روي عن علقمة عنه أنه قال: كنّاني النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبد الرحمن قبل أن يولد لي وكان يعرف أيضًا بأمه فيقال له: ابن أمّ عَبْد.

وكان رضي الله عنه لطيفا فطنا ومعدودا في أذكياء العلماء. ومن الصفات الخًلقية التي اتصف بها أنّه لم يكن ذا طول، وكان وزنه خفيفً جداً، فكان آدم شديد الأدمة، نحيفًا قصيرًا دقيق الساقين.

إسلامه

رُويَ أنّه كان من أوائل الذي أسلموا، وقيل إنه سادس من أسلم، وشارك في غزوة بدر ، وأُحُد، والخندق، وبيعة الرضوان، وغيرها من الغزوات والمشاهد، وهاجر الهجرتين.

وروى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الحادثة التي جعلته مؤمناً برسالة محمد عليه السلام، حيث قال: “كنتُ غلامًا يافعًا أرعى غنمًا لعقبةَ بنِ أبي معيطٍ فجاء النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ وأبو بكرٍ رضِيَ اللهُ تعالَى عنهُ وقد فرَّا من المشركينَ فقالا: يا غلامُ هل عندَك من لبنٍ تسقيَنا ؟ قلت: إنّي مؤتَمنٌ ولستُ ساقيَكما فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ: هل عندَك من جزعةٍ لم ينزِ عليها الفحلُ ؟ قلت: نعم فأتيتُهما بها فاعتقلها النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ ومسح الضرعَ ودعا فحفلَ الضرعُ، ثم أتاه أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ بصخرةٍ منقعرة ٍفاحتلب فيها فشرب وشرب أبو بكرٍ ثم شربتُ ثم قال للضرعِ اقلُصْ فقلص فأتيته بعد ذلك فقلت: علِّمني من هذا القولِ قال: إنك غلامٌ مُعلمٌ قال: فأخذت من فيه سبعينَ سورةً لا ينازعُني فيها أحدٌ”، وتجدر الإشارة إلى أن فرار الرسول مع أبي بكر الوارد في الرواية السابقة لم يكن فراراً من أذىً ماديٍّ أو جسديّ، وإنما من المناظرات والنقاشات التي كانت مع الكفار.

لزم ابن مسعود النبي محمد في مكة، وكان جريئًا في الدين، فكان أول من جهر بالقرآن في مكة بعد النبي محمد، فقاسى ابن مسعود ما قاساه المسلمون الأوائل من اضطهاد قريش، مما اضطره إلى الهجرة إلى الحبشة تحت وطأة هذا الاضطهاد لينجو بنفسه وبدينه. ثم عاد ابن مسعود بعد سنوات إلى مكة، قبل أن يغادرها مجددًا مهاجرًا إلى يثرب بعد أن أذن النبي محمد لأصحابه بالهجرة إليها.

حياته

لازم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه النبي عليه الصلاة والسلام، وروى عنه الكثير من الأحاديث، وآخر الرسول بينه وبين سعد بن معاذ رضي الله عنه بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، وتجدر الإشارة إلى أن عبد الله بن مسعود كان شديد وغزير العلم، وقال عن نفسه: “والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلّا أنا أعلم أين نزلت، ولا أُنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أُنزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لأتيته”، وأضاف قائلاً: (والله لقد أخذت مِنْ فِيْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضعاً وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أني مِنْ أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم)، فكان من فقهاء الأمة وعلمائهم، ووردت العديد من الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام التي تبيّن مكانته ومنزلته وفضله.

كانت غزوة الخندق من الغزوات التي شارك فيها ابن مسعود رضي الله عنه، وثبت مع الرسول عليه الصلاة والسلام مع ثمانين آخرين من الصحابة مهاجرين وأنصاراً، وكان ذلك من الأسباب التي أدّت إلى تولّي المشركين على أعقابهم، كما كان لابن مسعود العديد من المواقف مع الصحابة رضي الله عنهم، ومن ذلك ما كان من ثناء عمر بن الخطاب رضي الله عنه عليه عندما أرسله إلى الكوفة مُعلّماً ووزيراً، وكتب إلى أهل الكوفة مخاطباً لهم: (إنّي قد بعثت عمار بن ياسر أميرًا، وعبد الله بن مسعود معلمًا ووزيرًا، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله من أهل بدر؛ فاقتدوا بهما وأطيعوا واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي)، وروي عن ابن مسعود العديدُ من الأقوال الغنيّة بالحكم والمواعظ، منها قوله: (اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا، وَلاَ تَكُنِ الرَّابِعَ فَتَهْلِكَ)، كما قال: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرَمَ دِينُهُ فَلاَ يَدْخُلْ عَلَى السُّلْطَانِ، وَلاَ يَخْلُوَنَّ بِالنِّسْوَانِ، وَلاَ يُخَاصِمَنَّ أَصْحَابَ الأَهْوَاءِ)، وكانت وفاته في السنة الثانية والثلاثين من الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، بعد أن أتمّ من عمره بضعاً وستين سنةً، وتمّ دفنه في البقيع بعد أن صلّى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه.

مناقبه

هو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الذي كان أحد أعلم الصحابة الكرام، فقد ألهمه الله حب العلم وطلبه منذ نعومة أظفاره، فقد روى الإمام إبن الجوزي في صفة الصفوة ” عنه أنه قال: كنتُ غلامًا يافعًا أرعى غنمًا، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقالا: يا غلام هل عندك لبن تسقينا فقلت: إني مؤتمن على الغنم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل عندك من جذعة لم يَنْزُ عليها الفحل قلت: نعم، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرعها ودعا فامتلأ الضرع، فاحتلب، فشرب أبو بكر وشربت، ثم قال للضرع: اقلص، فقلص. ثم قلت له: عَلّمني من هذا القول، فقال: إنك غلام مُعَلَّم، فأخذت من فمه سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد.

كان ابن مسعود رضي الله عنه أحد أفقه الصحابة وأعلمهم بالقرآن، فقد تكلم الصحابة الأجلاء ومن جاء بعدهم فذكروا سعة علمه، ففي “صفة الصفوة” عن زيد بن وهب أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أقبل ذات يوم وعمر بن الخطاب رضي الله عنه جالس فقال: كنيف مُلئ علمًا. وسئل الإمام علي رضي الله عنه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عن أيهم تسألون قالوا: أخبرنا عن عبد الله بن مسعود، فقال: عُلّمَ القرءان والسُّنَّة ثم انتهى.

وروى الذهبي في “ سير أعلام النبلاء" أن أبا موسى الأشعري قال: لا تسألوني عن شىء ما دام هذا الحَبْرُ فيكم، يعني بـذلك ابـن مسعود رضي الله عنه. وعن مسروق أنه قال: قال ابن مسعود: والذي لا إله غيره ما نزلت ءاية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وأعلم فيما نزلت، ولو أعلم أن أحدًا أعلم بكتاب الله مني تناله المطيُّ لأتيته.

وعن مسروق أيضًا أنه قال: شاممتُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر منهم: عمر وعلي وعبد الله وأبيّ بن كعب وأبو الدرداء وزيد ابن ثابت، ثم شاممتُ هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين: علي وعبد الله بن مسعود.
وقال علقمة: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو بعرفة فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة وتركت بها رجلًا يملي المصاحف عن ظهر قلبه، فغضب وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتَي الرحل، فقال: من هو ويحك فقال الرجل: عبد الله بن مسعود.

وفي سير الذهبي عن أبي الأحوص أنه قال: أتيت أبا موسى الأشعري وعنده ابن مسعود وأبو مسعود الأنصاري وهم ينظرون إلى مصحف، ثم خرج ابن مسعود فقال أبو مسعود: والله ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ترك أحدًا أعلم بكتاب الله من هذا القائم، يعني بذلك عبد الله بن مسعود.

ثناء رسول الله عليه

مما مدح به الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود ما رواه أبو نعيم في “حلية الأولياء” وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يصعد ويجتني سواكًا من الأراك وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه وتميله، فضحك القوم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما يضحككم” قالوا: من دقة ساقيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أُحُد”.

وفي سير الذهبي عن زهير بن معاوية عن منصور عن أبي إسحق عن الحارث عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو كنت مؤمرًا أحدًا عن غير مشورة لأمَّرتُ عليهم ابن أُم عبد” يعني ابن مسعود.

كما أخــرج الحاكم والذهبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قد رضيتُ لكم ما رضي لكم ابن أم عبد”.

حظي ابن مسعود بمنزلة عالية عند النبي محمد الذي أولاه ثقته، فقال يومًا: “لو كنت مؤمّرًا أحدًا عن غير مشورة، لأمرت عليهم ابن أم عبد”، كما عاتب النبي محمد أصحابه في حادثة صعود الشجرة.

كما شهد بعض الصحابة على منزلة ابن مسعود من النبي محمد، فقد روى حذيفة بن اليمان قول النبي: “اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد”، كما قيل عمرو بن العاص في مرض موته، وقد أصابه الهمّ: “قد كان رسول الله ﷺ يُدنيك ويُستعملك”، فقال: “والله ما أدري ما كان ذاك منه، أحُب أو كان يتألفني، ولكن أشهد على رجلين أنه مات وهو يحبهما ابن أم عبد وابن سمية”.

روايته للحديث وعلمه بالفتاوى

أما ما يتعلق بروايته للحديث النبوي، فقد روى عن: النبي محمد عليه الصلاة والسلام، عمر بن الخطاب، سعد بن معاذ، صفوان بن عسال المرادي.

كما روى عنه: عبد الله بن عباس، عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو موسى الأشعري، عمران بن حصين، عبد الله بن الزبير، جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، أنس بن مالك،ابو سعيد الخدري أبو هريرة، أبو رافع الأنصاري، أبو أمامة الباهلي، علقمة بن قيس النخعي، الأسود بن يزيد النخعي، مسروق بن الأجدع، عبيدة بن عمرو السلماني، أبو وائل شقيق بن سلمة، قيس بن أبي حازم، زر بن حبيش، الربيع بن خثيم، طارق بن شهاب، زيد بن وهب، ابنه أبو عبيدة، ابنه عبد الرحمن، زوجته زينب بنت عبد الله الثقفية..وغيرهم كثيرون.

وقد اتفقا له البخاري ومسلم في صحيحيهما على 64 حديثًا، وانفرد له البخاري بإخراج 21 حديثًا، ومسلم بإخراج 35 حديثًا، وأحصى له بقي بن مخلد في مسنده بالمكرر 840 حديثًا، وله 848 حديثًا بإحصاء النووي، وقد عدّ يحيى بن معين أصح الأسانيد عن ابن مسعود ما رواه الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، كما روى له الجماعة.

وأثنى عدد من صحابة النبي محمد على فقه عبد الله بن مسعود وعلمه بالفتيا، فقال علي بن أبي طالب عنه: “عَلَمُ القرآن والسنة”، وأوصى معاذ بن جبل أصحابه في مرض موته، فقال: “التمسوا العلم عند أربعة عند عويمر أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام”، وقد استُفتي أبي موسى الأشعري يومًا في شيء من الفرائض، فغلط، وخالفه ابن مسعود، فقال أبو موسى: “لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم”، كما ذكر علقمة بن قيس النخعي أنه قدم الشام، فلقي أبا الدرداء، فسأله فقال: “تسألوني وفيكم عبد الله بن مسعود؟”، وقد عدّ إبن قيم الجوزية عبد الله بن مسعود واحدًا من المُكثرين من الصحابة في الفتاوي، وقد أخذ عن عبد الله علمه بالفقه والفتاوى من التابعين علقمة بن قيس النخعي والأسود بن يزيد النخعي وشريح بن الحارث القاضي وعبيدة بن عمرو السلماني والحارث بن عبد الله الأعور، ونشروا فتواه وآرائه، حتى قال الشعبي: “ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أفقه صاحاً من عبد الله بن مسعود”.

أما مذهب عبد الله بن مسعود الفقهي، فقد كان ينحى منحى عمر بن الخطاب في الفقه بالإفتاء بالرأي حيث لا نص، وقد سار على هذا النهج في فترة قضائه بالكوفة، فلا يكاد يخالف عمر في شيء من آرائه، وهو ما يأيده قول الشعبي: “ثلاثة يستفتي بعضهم من بعض، فكان عمر وعبد الله وزيد بن ثابت يستفتي بعضهم من بعض، وكان علي وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري يستفتي بعضهم من بعض”.

من كلامه ومواعظه

لقد كان ابن مسعود رضي الله عنه كثير الحكم والمواعظ شديد التأثير في سامعيه، فمن شهير مواعظه قوله: إنكم في ممر من الليل والنهار في ءاجال منقوصة وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيرًا فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شرًا فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارعٍ مثل ما زرع. لا يَسْبق بطىء بحظه، ولا يُدرك حريصٌ ما لم يُقَدَّرْ له، فإن أُعطي خيرًا فالله أعطاه، ومن وُقِيَ شرًا فالله وقاه. المتقون سادة والفقهاء قادة، ومجالسهم زيادة.

ومن حكمه: ما قَلَّ وكفى خير مما كَثُرَ وألهى، ونفسٌ تُنْجيها خير من إمارة لا تحصيها، وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة ندامة يوم القيامة، وشر الضلالة الضلالة بعد الهدى، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى .

ومن بليغ كلامه ما رواه الطبراني أنه ارتقى الصفا يومًا وأخذ لسانه وخاطبه قائلاً: يا لسان، قُلْ خيرًا تغنم، واسكت عن شر تسلم، من قبل أن تندم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أكثر خطايا ابن ءادم من لسانه”.

ومن مواعظه ما رواه ابنه عبد الرحمن، وهو أنه أتاه رجل فقال: يا أبـا عبد الرحمن عَلّمني كلمات جوامع نوافع، فقال له: لا تشرك بالله شيئًا، وزُلْ مع القرءان حيث زال، ومن جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيدًا بغيضًا، ومن جاءك بالباطل فاردُدْه عليه وإن كان حبيبًا قريبًا. وعن أبي الأحوص أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: مع كل فَرْحة تَرْحة، وما مُلِئ بيت حَبْرة (سعة عيش) إلا مُلِئ عِبرة.

ومن حكمه في بيان حال الدنيا وساكنيها: ما منكم إلا ضيف وماله عاريَّة، فالضيف مرتحل، والعاريَّة مؤداة إلى أهلها.

وفي “صفة الصفوة” لابن الجوزي عن سليمان بن مهران قال: بينما ابن مسعود يومًا معه نفر من أصحابه، إذ مر أعرابي فقال: علام اجتمع هؤلاء؟ فقال ابن مسعود: على ميراث محمد يقتسمونه. يعني بذلك علم الدين؛ وذلك مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “العلماء ورثة الأنبياء”. أي أنهم ورثوا عنهم العلم يتعلمونه ويعلمونه الناس.

في عصر الفتح الإسلامي

بعد وفاة النبي محمد رسول الله، شارك ابن مسعود في الفتح الإسلامي للشام، وشهد فيها معركة اليرموك، وتولى يومها قسمة الغنائم، اختار عبد الله بن مسعود بعد انتهاء الفتح الإقامة في حمص، إلى أن جاءه أمر من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بالانتقال إلى الكوفة، ليعلّم أهلها أمور دينهم، وليعاون أميرها الجديد عمار بن ياسر، وكتب عمر إلى أهل الكوفة، فقال: “إني قد بعثت عمار بن ياسر أميرًا، وعبد الله بن مسعود معلمًا، ووزيرًا، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله ﷺ من أهل بدر، فاقتدوا بهما، وأطيعوا واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي”.

وقد بقي عبد الله بن مسعود بالكوفة مدة خلافة عمر، وبداية خلافة عثمان بن عفان، إلى أن عزله عثمان، وبعث إليه يأمره بالعودة إلى المدينة و اجتمع أهل الكوفة، وقالوا لعبد الله: “أقم، ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه”، فقال عبد الله: “إن له علي حق الطاعة، وإِنها ستكون أمور وفتن، فلا أحب أن أكون أول من فتحها”، وردّ الناس، وخرج إلى المدينة.

وفاته

ذكر الذهبي عن عُبَيد الله بن عبد الله بن مسعود أنه توفي سنة اثنتين وثلاثين للهجرة وكذا قال ابن الجوزي، وعن ابن أبي عُتبة وابن بكير أنه مات سنة ثلاث وثلاثين، وقال الذهبي: قلتُ لعله مات في أولها.

وكانت وفاته في المدينة المنورة ودفن في البقيع.

وفي سير الذهبي أن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه زاره في مرض وفاته فقال له: ما تشتكي قال: ذُنوبي، فقال: فما تشتهي قال: رحمة ربي ، رحم الله الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
 
Abdullah_bin_Umar_Masjid_an-Nabawi_Calligraphy.png


من هو عبد الله بن عمر

هو الصّحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطّاب القرشيّ العدويّ، كانت ولادته في مكّة الكرمة، في عهد الإسلام في السّنة الثّالثة للبعثة، ويكنّى بأبي عبد الرّحمن، وأمّه هي زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون -رضي الله عنهم-، وأخته هي حفصة بنت عمر -رضي الله عنها- إحدى زوجات رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم.

كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- رجلاً طويلاً، وكان شعره يتدلّى من مقدّمة رأسه إلى منكبيه، وكان يخضبه بالصّفرة، وكان يحفّ شاربه دائماً إلى أن يظهر جلده.

إسلام عبد الله بن عمر وجهاده

أسلم عبد الله بن عمر وهو صغير مع أبيه عمر بن الخطّاب -رضي الله عنهما-، وعندما هاجر المسلمون إلى المدينة هاجر معهم وهو ابن عشر سنوات يومئذ، ولم يكن قد بلغ الحُلُم حينها، وعندما قاتل المسلمون في غزوة بدر كان عمره ثلاث عشرة سنة، فلم يأخذه النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- للجهاد، وفي غزوة أحد كان عمره أربعة عشرة سنة، ولم يشارك فيها أيضاً لصغر سنّه.

كانت أوّل غزواته غزوة الخندق، وشارك بعدها في فتح مكّة، ثمّ غزوة مؤتة، واليرموك، واليمامة، والقادسية، وجلولاء، وشارك في فتح مصر وبلاد إفريقيا، ولكنّه لم يشارك أبداً في حروب الفتن التّي حدثت في عصره، كما أنّه عُرضت عليه الخلافة في زمن عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- فلم يقبلها، وكذلك رفض منصب القضاء وتنحّى عنه؛ لإنشغاله بطلب العلم.

علم عبد الله بن عمر وروايته للحديث

اشتهر عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- بعلمه المستفيض وفهمه الشّديد في الفقه، وذلك لكثرة ملازمته لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وتعلّمه منه، فقد كان أعلم الصّحابة في أحكام الحجّ، وكان النّاس يستفتونه في أمورهم وأحكامهم، وقد ظلّ يفتي النّاس في المدينة المنوّرة ستّين سنة، ومع ذلك كان يتورّع عن الفتوى فيما يعلم ، وكان من أكثر الصّحابة رواية للأحاديث النّبويّة، فنقل عن النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- علم كثير، وروى كذلك عن أبي بكر، وعن أبيه عمر، وعن عثمان، وعلي -رضي الله عنهم- وغيرهم من كبار الصّحابة، وروى عنه جمع من الصّحابة والتّابعين كسعيد بن المسيّب، وثابت البناني، وطاووس، والزّهري، ومحمد بن سيرين، ومولاه نافع، ومجاهد، وغيرهم الكثير، فكان له في كتب الأحاديث مسند انفرد به يضمّ ألفين وستّمائة وثلاثين حديثاً، كما أنّ له أحاديث كثيرة في صحيح البخاري تقدّر بواحد وثمانين حديثاً، وفي صحيح مسلم أفرد له واحد وثلاثين حديثاً.

فضائل عبد الله بن عمر

ترعرع عبد الله بن عمر في بيت أحد كبار الصّحابة، ونشأ بين يدي رسول الله -صلّى عليه وسلّم-، وتعلّم منهما الكثير، ما أكسبه صفات تميّزه، فكان له فضائل ومناقب كثيرة، نذكر بعضاً منها فيما يأتي: كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- شديد التّأسي برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان يحرص أشدّ الحرص على اتّباعه وتقفّي أثره، فكان يجلس مكان جلوسه، ويصلّي مكان صلاته، حتّى أنّه روي أنّه ظلّ يستظلّ بشجرو كان قد تفيّأ عندها النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وظلّ يتهعدها ويسقيها الماء وينزل عندها و كان شديد الحذر من الإفتاء، مع أنّه كات ملازماً للنّبي -صلّى الله عليه وسلّم- وتعلّم منه الكثير، إلا أنّ خوفه من الله -تعالى- منعه من أن يتساهل بالفتوى، ولم يكن مغترّاً بعلمه، ولو سُئل عمّا لا يعرفه لا يتحرّج أن يقول "لا أعلم".

كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- تقيّاً وخوّافاً من الله -تعالى، وشديد التّأثّر بالقرآن الكريم، فلا يمر عن آية فيها تهديد أو وعيد إلّا تأثّر بها، فقد روي أنّه قُرأ عليه يوماً قول الله -تعالى-: (أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)،[٧] فبكى بكاءً مريراً حتّى ابتلّت لحيته، وغُشيَ عليه.

كان زاهداً في الدّنيا، فلم يطمع بمنصب أو مال، وقد عرضت عليه الخلافة والقضاء فأبى، كان قوّاماً متهجّداً كثير الصّلاة في اللّيل و كان كريماً عطوفاً على الفقراء يُغدق عليهم ممّا آتاه الله -تعالى- من فضله ، كان محبّاً للجهاد ولا يتخلّف عن الغزوات والسّرايا في زمن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وفي زمن الخلفاء الرّاشدين ، و كان حريصاً على وحدة المسلمين وعدم تفرّقهم، وكان يدعو للطّاعة والتزام الجماعة، فلم يشارك في قتال المسلمين أبداً، ولم يرفع سلاحاً في وجه مسلم أبداً، كما أنّه لم ينشقّ عن إمام مسلم، ولم يمتنع من أداء الزّكاة له.

وفاة عبد الله بن عمر

رُوي أنّ الحجّاج دسّ له رجلاً، وأراد قتله برمح فيه سمّ، فرآه عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- فقاتله، فطعنه في ظهر قدمه، فتوفّي رحمه الله -تعالى- متأثّراً بالسّم، ولم يحمل السّلاح في بلد لا يحلّ فيها القتال، وكانت وفاته في نهاية السّنة الثالثة والسبعين للهجرة، وقد بلغ من العمر سبعاً وثمانين سنة، وقيل خمساً وثمانين سنة، وكان بذلك آخر من مات من الصّحابة في مكّة المكرمة، دفن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- حيث ولد في مكّة المكرمة، في مكان يُدعى فخّ، وهو ما يسمّى في عصرنا بحيّ الزّاهر، في مقبرة المهاجرين
 
مخطوطة_العز_بن_عبد_السلام.png


العزّ بن عبد السّلام .. زاهداً وفقيهاً ومفسراً


إنه سلطان العلماء أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السُّلَمي الدمشقي، أحد العلماء العاملين الأعلام، اشتُهر بزهده وجرأته في الله، حتى لقد عُرف ببائع السلاطين، وذلك عندما أفتى أن يباع أمراء المماليك ويُرَدّ ثمنهم إلى بيت مال المسلمين، كما سنذكر بعد قليل.

لكن ما يغيب من جوانب شخصيته عن عامة الناس، أن هذا الرجل العظيم كان عَلَماً في علوم وفنون شتى، كالتفسير وعلوم القرآن، والحديث، والعقائد، والفقه وأصوله، والسيرة النبوية، والنحو والبلاغة، والسلوك والأحوال القلبية. وكانت له صلة بشيخ زمانه في التصوّف أبي الحسن الشاذلي (علي بن عبد الله المغربي الشاذلي – توفي سنة 656هـ)، وكان كل منهما حريصاً على أن يخلّص التصوّف مما لحق به من شطحات وبدع، وقد قال فيه أبو الحسن: ما على وجه الأرض مجلس في الفقه أبهى من مجلس عز الدين بن عبد السلام، وشهد العز لأبي الحسن كذلك بأن كلامه قريب عهد بالله!.

ولد العز بن عبد السلام في دمشق سنة 577هـ، وتوفي في القاهرة، سنة 660هـ عن عمر يقارب الثلاثة والثمانين عاماً! ودفن بسفح المقطّم.

وقد نشأ في أسرة فقيرة الحال، فلم يتهيأ له أن يبدأ التعلم صغيراً، إلا أنه حين بدأ التحصيل أقبل عليه بهمة لا تعرف الملل، وفؤاد ذكي، وتطلُّع إلى رضوان الله، ففاق الأقران، وصار عَلَم الزمان!.

قال فيه السيوطي : “ثم كان في آخر عمره لا يتعبّد بالمذهب، بل اتّسَع نطاقه، وأفتى بما أدّى إليه اجتهاده” أي إنه لم يعد متقيداً بمذهبه الأصلي، المذهب الشافعي، بل قد يفتي بمقتضى اجتهاده.

اشتهر بمواقفه العظيمة في إحقاق الحق وإنكار المنكر، لا سيما مع حكام عصره، فبعد وفاة صلاح الدين الايوبي (589هـ) اختلف خلفاؤه من بعده، وقويت الإمارات الباقية من فلول الصليبيين نتيجة لذلك، وبلغ الصراع مداه أيام العز بن عبد السلام، وذلك بين حاكم دمشق “الصالح إسماعيل بن الكامل” وبين أخيه “نجم الدين أيوب” سلطان مصر (توفي سنة 647هـ)، حتى إن حاكم دمشق حالف الصليبيين، وأعطاهم بيت المقدس وطبرية وعسقلان، ووعدهم بجزء من مصر، إذا هم أعانوه على أخيه نجم الدين أيوب!

وكان العز آنذاك إمام المسجد الأموي ومفتي دمشق، فهاجم السلطان في خطبة من منبر الجمعة، فأمر السلطان بعزله واعتقاله… وحين أُفرج عنه اتجه إلى مصر سنة 639هـ [كان عمره 62 سنة] فرحّب به حاكمها نجم الدين أيوب وولاه الخطابة والقضاء، فراح يدعو إلى التزام السنة ومحاربة البدعة، وإلى نشر العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي هذا يسجل التاريخ مواقف رائعة لهذا الشيخ العظيم، نذكر منها خمسة:

1- أول هذه المواقف كان حين أنكر على حاكم دمشق “الصالح إسماعيل” تحالفه مع الصليبيين وتنازله لهم عن بعض المواقع، وسماحه للناس ببيع السلاح للإفرنج، فأفتى الشيخ بتحريم ذلك كله، وأعلن موقفه على المنبر، فأمر الحاكم بعزله واعتقاله، ثم رأى أن يستميله فأرسل إليه رسولاً يقول له: بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وزيادة، أن تنكسر للسلطان وتُقَبِّل يده!. فقال الشيخ: “والله ما أرضاه أن يقبّل يدي، فضلاً عن أن أقبّل يده. يا قوم أنتم في واد، وأنا في واد، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به“ فقال رسول الملك: قد رُسِمَ لي أن توافق على ما يُطْلَبُ منك، وإلا اعتقلتك! فقال الشيخ: افعلوا ما بدا لكم.

2- وثاني هذه المواقف هو بيعه لأمراء المماليك الذين كان يستعملهم الملك نجم الدين في خدمته وجيشه وتصريف أمور الدولة، فقد أبطل “العز” تصرفاتهم، لأن المملوك لا ينفُذُ تصرُّفُه شرعاً. وقد ضايقهم ذلك، وعطّل مصالحهم، فراجعوه فقال: لابد من إصلاح أمركم بأن يعقد لكم مجلس فتُباعوا فيه، ويردَّ ثمنكم إلى بيت مال المسلمين، ثم يحصل عتقكم بطريق شرعي… فلما سمعوا هذا الحكم ازدادوا غيظاً وقالوا: كيف يبيعنا هذا الشيخ ونحن ملوك الأرض؟.

وثار نائب السلطان وذهب في جماعة من الأمراء إلى بيت الشيخ يريدون قتله، فلما رآهم ابنه فزع وخاف على أبيه، فما اكترث الشيخ، بل قال: “يا ولدي، أبوك أقلُّ من أن يُقتل في سبيل الله” أي إن من يُقتَل في سبيل الله يكون على مرتبة عالية عند الله، لم أَبْلُغْها!.

وغضب الملك نجم الدين أيوب من هذه الفتوى وقال: ليس هذا من اختصاص الشيخ، وليس له به شأن!.

فلما علم “العز” بذلك عزل نفسه عن القضاء، وقرر العودة إلى الشام، فتبعه العلماء والصلحاء والتجار والنساء والصبيان.

وجاء من هَمَس في أذن الملك: متى ذهب الشيخ ذهب مُلكُك ، فخرج الملك مسرعاً ولحق بالشيخ، وأدركه في الطريق وترضّاه، ووعده أن ينفّذ حكم الله في المماليك كما أفتى الشيخ. فرجع العز ونفّذ الحكم!.

3- والموقف الثالث كان مع الملك نجم الدين أيوب نفسه، فقد ذكر السبكيّ في طبقاته أن الشيخ عز الدين طلع إلى السلطان في يوم عيد، إلى القلعة (في القاهرة) فشاهد العسكر مصطفّين بين يديه، والأمراء تقبّل الأرض أمامه! فالْتَفَتَ الشيخ إلى السلطان وناداه: يا أيوب، ما حُجّتك عند الله إذا قال لك: ألم أُبَوِّئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟ فقال: هل جرى ذلك؟ فقال: نعم، الحانة الفلانية تباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات! فقال: يا شيخنا هذا من أيام أبي. فقال الشيخ: أنت من الذين يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أُمّة وإنّا على آثارهم مقتدون؟!

وقد أمر السلطان بإقفال الحانة فوراً ، ثم سأل الشيخَ أحدُ تلامذته: أما خفتَ السلطان وأنت تخاطبه بهذا؟! فقال الشيخ: استحضرتُ هيبة الله تعالى فصار السلطان أمامي كالقطّ!.

4- والموقف الرابع دوره في معركة المنصورة: جاء العز إلى مصر مستاءً من خيانة حاكم دمشق، فراح يدعو إلى الجهاد ضد الصليبيين وضد التتار، وتعرضت مصر آنذاك إلى حملة صليبية جديدة سنة 647هـ = 1249م في جموع كبيرة، يقودها لويس التاسع ملك فرنسا، فاستولوا على دمياط ثم اتجهوا إلى القاهرة حتى وصلوا إلى المنصورة، حيث دارت معارك هُزم فيها الإفرنج وأُسِرَ لويس التاسع وكبار قواده، وحبسوا في دار ابن لقمان.

وكان العز في قلب هذه المعركة، اشترك فيها بلسانه ويده، وقد كانت حرباً شعبية في المقام الأول، قام فيها الشعب بدور بارز.

5- والموقف الخامس دوره في حرب التتار وموقعة عين جالوت : كان العز رجلاً فرغ من شهوات الدنيا كلها، فدان له الملوك، وأطاعه الشعب.

وكانت بغداد آنذاك عاصمة الدولة الإسلامية وحاضرة الدنيا، لكنها سقطت بأيدي التتار سنة 656هـ، ودمرت بغداد، نتيجة ضعف الخليفة وتآمر الوزير ابن العلقمي، وألقيت المخطوطات والكتب في نهر دجلة حتى اسودّ ماؤه، وانبعثت جيوش هولاكو كالجراد، ولم يبق من ديار الإسلام إلا مصر، وماذا تعمل مصر أمام هذا الزحف الأصفر؟!.

وكان من قدر الله أن أُجلي الشيخ العز من دمشق إلى مصر، كما ذكرنا، { وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} فراح يُذْكي روح الإيمان والجهاد في شعب مصر، ويذكّر الولاة بواجبهم تجاه ربهم ودينهم، وتجاه حرمة الأرض المسلمة.

وكان الملك نجم الدين أيوب قد توفي سنة (645هـ – 1249م) قُبيل معركة المنصورة، وتولى بعد ابنه توران شاه الذي اغتيل بعد شهور، وانتهى حكم الدولة الأيوبية، وآل الأمر إلى المماليك فحكم عز الدين إيبك فترة قصيرة ثم نور الدين علي.

وفي أثناء ذلك وصل السيل التتري الجارف إلى عين جالوت قرب بيسان، وصار الأمر بحاجة إلى معركة فاصلة، فعندئذ عَزَل الولاةُ ملكَهم الضعيف نور الدين علي وولَّوا مكانه البطل القوي المتمرس بالحروب قطز، وسمّوه الملك المظفر وجمع قطز القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يلزم لمواجهة التتار وأن بيت المال بحاجة إلى أموال الشعب ليتمكن من الجهاد، ووافقه جُلّ الحاضرين على جباية الضرائب لهذا الأمر، ولم يذْكروا ما عند الأمراء من أموال.

وعندئذ تكلم العز فقال: “إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وبشرط أن يؤخذ كل ما لدى السلطان والأمراء من أموال وذهب وجواهر وحُليّ، ويقتصر الجند على سلاحهم ومركوبهم، ويتساووا والعامة…”

وكانت الكلمةُ كلمةَ عز الدين، وراح يعبّئ النفوس، ويشحنها بالإيمان، ويحرّض المؤمنين على القتال، وخرج الجيش من مصر على أكمل استعداد، وبلغوا بيسان في الوسط الشرقي من فلسطين في رمضان 658 هـ، واستمرّ الشيخ يُذكي روح العزيمة، ويذكّر بنصر الله، وعظيم فضل الجهاد والمجاهدين، ومكانة الشهيد عند الله. وكانت المعركة الهائلة التي حارب فيها جيش الإسلام تحت صيحات: “الله أكبر، واإسلاماه”… واندحر جيش التتار في عين جالوت.

وأما عن الشخصية العلمية للشيخ العز فقد قال فيه الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي : “وقرأ الأصول والعربية، ودرّس وأفتى وصنّف، وبرع في المذهب، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده الطَّلَبةُ من الآفاق، وتخرّج به أئمة، وله التصانيف المفيدة، والفتاوى السديدة. وقال فيه ابن الحاجب: إنه أفقه من الغزالي!.

وألقى دروساً في التفسير، وله تفسير كامل للقرآن الكريم، كما قام باختصار تفسير المارودي: “النكت والعيون”، وألَّفَ في متشابه القرآن كتابه “فوائد في مُشْكل القرآن”.

ومن خلال قراءتك لمؤلفات العز في التفسير تلاحظ طول باعه في علوم اللغة والمعاني والبيان وكثرة استشهاده بأشعار العرب، مقتدياً في ذلك بحبر الأمة عبد الله بن عباس الذي قال: إذا أشكل عليكم شيء من القرآن فالتمسوه في الشعر فإنه ديوان العرب.

سمع الحديث من أبي محمد القاسم بن الحافظ الكبير علي بن عساكر محدّث دمشق ومؤرخها، ودرس الفقه على الإمام فخر الدين بن عساكر، وأخذ الأصول عن العالم الأصولي الكبير سيف الدين الآمدي (551- 592هـ)، وسافر إلى بغداد وتتلمذ على علمائها الكبار.

وقد تخرَّج على العز بن عبد السلام طلاب كثيرون، منهم شيخ الإسلام ابن دقيق العيد مجدّد القرن الثامن (محمد بن علي بن وهب القشيري: 625- 702هـ)، وهو الذي لقّبه بسلطان العلماء، ومنهم جلال الدين الدشناوي الزاهد الورع شيخ الشافعية بـ”قوص” في صعيد مصر، ومنهم المؤرخ أبو شامة المقدسي…

ومن مؤلفاته العظيمة كتاب “قواعد الأحكام
في مصالح الأنام” وهو أول ما كُتب خارج المذهب الحنفي، في بيان القواعد التشريعية، وهي عِلم يمثل صلة الوصل بين الفقه وأصول الفقه، ويوضح المبادئ التي يقوم عليها التشريع الإسلامي.

وفي هذا الكتاب يعتمد العز على نظرية أن التشريع كله ينبني على تحقيق مصالح الناس، ويثبت هذه النظرية عبر المئات، بل الألوف من المسائل.

هذا كله مع أن ما خلّفه العز من آثار سلوكية في العلم والزهد والجهاد… كان أعظم مما خلّفه من كتُب.
 
عبد الله بن ياسين مؤسس الدولة المرابطية والداعية إلى الله

ولد عبد الله في أوائل القرن الخامس الهجري من أب ملثم صنهاجي يدعى مكوك بن مسير بن علي في تخوم صحراء سوس بالمغرب، في منطقة تتبع اليوم لإقليم طاطا وبالضبط من تمنارت .

درس عند العالم بالله السيد زجاج بن ولو اللمطي ، وهو فقيه مغربي تتلمذ على يد أبي عمران الفاسي، وكان لوجاج زاوية بناه للعلم والخير، وسماها دار المرابطين . رحل ابن ياسين بعدها إلى الأندلس، وهي في عهد ملوك الطوائف ، وأقام بقرطبة سبع سنين، واجتهد في تحصيل العلوم الإسلامية، فأصبح من خيرة طلاب الفقيه وجاج.

بعث أبي عمران الفاسي بشيخ قبيلة جدالة، يحي بن ابراهيم ، إلى رباط وجاج بعدوة المغرب يطلب منه أن يزوده بفقيه يجدد الإسلام لأهل جدالة وصنهاجة، ووقع الاختيار على ابن ياسين ليرحل مع يحيي ابن إبراهيم إلي قبيلته في الصحراء ويجدد لهم الدين.

تجديد الإسلام بإفريقيا​


يزخر التاريخ المغربي بكثير من الوجوه اللامعة التي تستحق من الباحثين والمنقبين أن يميطوا عنها اللثام، وان يظهروها للعيان بارزة المعالم، سافرة الجمال وضاحة الجبين.


ورغم أن السير في هذا الطريق شائك ووعر، ويتطلب الكثير من الصعوبات ويحتاج إلى كثير من الجهود، فان النتيجة حسنة على كل حال، وفيها خدمة لمظهر من مظاهر عزتنا ما زال الستار لم يكشف عنه بعد..


وأمام الباحث الكثير من الشخصيات البارزة، التي قدمت للبشرية كثيرا من الخدمات، ورفعت رأس الإنسانية عاليا، وبرهنت عن حيوية جديرة بالإعجاب، وعن ذهبية قمينة بالخلود. وليس ذلك يرجع إلى مقومات خاصة عملت عملها، أو إلى توجيه أو إيحاء أثر أثره، وإنما يرجع ذلك إلى سر يكمن في نفوس هؤلاء، وبواسطته استطاعوا أن يبرزوا على مسرح الأحداث عمالقة من عمالقة التاريخ ودهاقنة من دهاقنته! فالعظمة-أحيانا- لا تستمد مقومات من الدرس والعمل والاحتكاك، ولا تهيئ دعامتها من الاتصال واللف والدوران، ولكنها تبرز سافرة لا يزينها إلا نفسها، ولا بحليها سوى ما يكمن فيها من إبداع، وما يختفي فيها من أسرار..


وأمامي نماذج من هذا الصنف ظهروا على مسرح التاريخ المغربي، وساهموا في خلق بنيانه، وكانوا لبنة من لبناته. على سواعدهم نهض وبمجهودهم ظهر للعيان قويا يتحدى الزمن ويصعد أمام الأحداث، وليس من شأني أن اختار أو انتقي فكلهم عظيم و فذ، وكلهم كانوا شعلة نبرة تضيء الأرجاء وتوضح السبل، وإنما همي أن أقدم واحدا من هؤلاء كان له هدفه في الحياة، وكانت سياسته تتسم بطابع الدعوة إلى الله، وتحت على التمسك بأهداب الدين، وبواسطة ذلك بنى مجدا وانشأ دولة وخلف ذكرا حميدا.


وسأحاول أن أصور نفسيته وأخلاقه، واستعرض بعض أعماله التي قد تخفى على الكثير، وفيها مظهر عظمته، وتستطيع بهذه الصورة الكاملة أن نجعل القارئ يحيا مع هذه الشخصية، ويتقمص حاضرها، ذلكم الحاضر الذي تألقت فيه وشهدت مظاهر انتصار، وعوامل نجاح، وظهر فيه الصراع القوي بين الإيمان والجهل والعقيدة والتعصب.


وبعد، فمن هو صاحب هذه الشخصية ؟ أنك ولا شك عرفت أنه البطل المجاهد ابن ياسين الجز ولي، مهدي المرابطين، وباعث الروح في قبائل الصحراء ، وأحب أن ألاحظ هنا ظاهرة واضحة في ظهور الدول التي تعاقبت على الحكم في بلاد المغربية، فغن ظهورها كان يعتمد-من جملة ما يعتمد عليه- على دعاة دينيين أو على حركة دينية، وبهذه الوسيلة كانت الدول القائمة تجد سندا يدعم لها النجاح، ويقودها إلى الفوز، فلم يسجل التاريخ أن دولة في المغرب اعتمت على حركة سياسية ظاهرة، أو دفعت المؤسسين لها دوافع تهدف إلى المصلحة الشخصية أو التملك لأجل الملك. وهذا أن دل على شيء فغنما يدل على تمسك الشعب المغربي بعقيدته، وإيمانه العميق الذي لا يتطرق إليه الشك، أو يعتريه الاضطراب. وتلك هي السمة التي جعلت هذا الشعب يتكتل ويتحد ويمتزج، رغم اختلاف عنصر السكان، فانمحت الفوارق وضعفت العصبيات، وتلاشت الحزازات التي تنشأ عن اختلاف الدم، وأصبح الشعب عنصرا واحدا تثور ثائرته حين يرى الوطن في خطر، وتدفعه روحه المتحدة المنسجمة إلى الثورة على الأوضاع الفاسدة، فيظهر الزعماء سواء أكانوا من العنصر العربي أو العنصر البربري.


ولا حاجة إلى استعراض التاريخ، فيكفي ظهور الدولة المرابطية، هذه الدولة اللمتونية التي تنتمي إلى صنهاجة ذات الفروع العديدة والتي كانت تقطن الصحراء المغربية، وتعيش فيها منعزلة، طعامها اللحم واللبن، وكان يمكن أن يظلوا في صحرائهم تائهين، يسيطر عليهم الجهل، وتطغى عليهم الحروب، ولولا أن ساقت إليهم الظروف الداعية ابن ياسين، الذي أدرك ببصيرته أن قوة كامنة، تختفي في هذا الأديم، وان بالإمكان لو وجدت الهداة والمرشدين أن تبرز للعيان قوية جبارة، وان هذه الطوائف لا تستطيع أية قوة مهما كانت أن توجد صفوفها سوى الدين، فهو الشعاع السحري الذي ينفذ إلى الأعماق، ويتغلغل في الأفئدة، فيلين القلوب القاسية والأفئدة الصلدة، ويبعث في النفس شعاعا من الأمل، ويفتح أمامها نوافذ المعرفة واليقين، فتتحدى الصعاب وتهزأ بالمخاطر. وسلك هذا المنهج فنجح فيه كل النجاح، واستطاع أن يجعل من هؤلاء الذين لم يعرفوا طعم الخبز ولا تذوقوا لذيذ الطعام، يسيطرون على دولة الأندلس ذات الرفاهية الممتازة والنعيم المتدفق.


ولنرجع إلى عبد الله بن ياسين لنبدأ القصة من فاتحها. فمن هو عبد الله بن ياسين هذا ؟ لسنا في الحق نعلم عنه شيئا في مراحل حياته الأولى، وكل ما يذكره عنه التاريخ انه كان تلميذا مخلصا لشيخه (وكأك بن زالو اللمطي)، المربي الصوفي الذي كان يقطن السوس، كما أن النسابين يعرفونه بأنه (عبد الله بن ياسين بن مكوك بن سبر بن علي بن ياسين الجزولي).

وإذن فهو منسوب إلى جزولة وهي فخدة سوسية، اشتهرت بإعلامها ودعاتها، فلا بدع أن ينبغ فيها هذا الصبي الطامح، الذي هاله ما هي عليه البلاد، من جهل وميل عن الطريق المستقيم، فالتجأ إلى هذا المربى العظيم، ليقوي من نفسه الضعيفة، ويبعث في وجدانه الهائج المضطرب نوعا من اليقين، وبصيصا من النور، وليت أدري هل كان الطفل الصغير، يعلم ماذا تخبئه له الأيام، وماذا سيحمل له الغد المجهول..؟ ولسنا ندري أيضا ماذا كان يدور في نفس المريد الصغير، وهو منزو في زاوية شيخه اللمطي، يتابع قراءة أوراده، ويذاكر القليل من العلوم، ويزود نفسه بالكثير من الثقافة الروحية التي هي المعيار الوحيد لصفاء النفوس وصقلها وتطهيرها من ادرأن البشرية ؟ هل سيقف به السبر عند حد التزود بهذا الزاد، أم سيفك عن نفسه هذا الرباط، ويخرج على الناس مذكرا بالآخرة، وواعظا منذرا، يبصر الناس بأمور دينهم، وينهاهم عن الفواحش ما ظهر منها وما خفى ؟؟؟ .


وليس من شك في أن طغيان المادة إذ ذاك كان قويا، فكان الناس يلجأون إلى ثقافة روحية تنقذهم من مخالب الشيطان، ورغم ما في هذا العمل من تواكل، فإنه كان الوسيلة المتبعة التي تحد على الأقل من غرور النفس ومطامعها، وتجعل الإنسان يهرب من الأوضاع الحاضرة، يتقى بورده ما لا يعجبه.


ومهما يكن فإن الظروف كانت تهيئ صاحبنا لدور عظيم الأهمية، وتدخره لمهمة ناجحة سيقلب بها وجه التاريخ.

ويجب أن نوضح أن (الربط) و(الزوايا) كانت إذ ذاك تقوم بمهمة عظيمة الأهمية، فلم تكن تقتصر على إخراج المرشدين وكفى، بل كانت تزود البلاد حتى بالعلماء والمفكرين، الذين تصدوا بعد للتعليم واخرجوا جيلا صالحا، ولذلك فابن ياسين لم يكن يقتصر على ثقافته الروحية، بل كان يزود نفسه بالثقافة العامة، ويدرس ويتعمق في فهم النصوص العلمية، وكان كفاحه العلمي كفاحا مجيدا، هو الذي أهله لكي يبعث الروح في لمتونة وينشئها من جديد.

وفد الحجيج الصحراوي

تعتبر الصحراء المجال الرئيسي للكثير من البرابر وعلى الأخص صنهاجة التي تنتمي على البرانس، والتي تعد من أعظم القبائل، ولا يكاد يخلو أي قطر من أقطاره من بطن من بطونهم. حتى ليزعم بعض النسابين أنهم ثلث البربر... وقد تفرعوا بطبيعة الحال إلى فروع، كانت تتطلع إلى المجد وترنو إلى العلياء... وأتاحت الظروف النجاح لقبيلتين، هما : دولة بني زيري بن مناد، ودولة لمتونة...


وكان للمتونة منذ القديم الرياسة، واستوسق لهم الأمر، وأصبح لهم النفوذ الشامل منذ عهد (محمد ابن تيفاوت) الذي كان شخصية محبوبة ومحترمة. وعند موته انتقل أمر هذه القبائل الصحراوية إلى سيطرة (يحي بن إبراهيم الكدالي) وهكذا دخلت قبيلة كدالة في الحكم وأصبح لها الرياسة على قبائل تختلف في العادات والتقاليد، ما زال الجهل يتحكم في عقول الكثير منها، ولم يكن الدين قد تغلغل في أعماقها إلا سطحيا، فقد كانوا يظهرون التمسك به، ولكنهم لا يحافظون على طقوسه وأحكامه... وقد جرت العادة في البلاد المغربية، انه إذا حل موسم الحج تالف وفد عظيم من الرجال الراغبين في أداء هذه الشعيرة، يترأسه الحاكم العام، ويضم خليطا من الرجال والنساء، ويرجع سبب هذا إلى مخاطر الطريق وطول المسافة وصعوبة السير على انفراد، فاتفق على أن يضفي على الرحلة هذا الجو الرسمي حتى تحتمي من الأهوال.

وكان الوفد الحجيجي هذا يعلن عنه من قبل، وينضم إليه كل طالب، فإذا حل الإبان خرج الكل على بركة الله، شاقا طريقه على شكل قافلة تامة التجهيز، مكتملة العدد والعدة، ومستعدة لكل الطوارئ...


وان دل هذا على شيء فإنما يدل على اعتناء المغاربة بهذه الشعيرة، وتفانيهم في أدائها رغم كل الصعوبات.

عندما دخلت سنة 427 هـ استخلف (يحي) على رياسة صنهاجة ابنه (إبراهيم) وارتحل متجها إلى الشرق منبع النبوة، ومركز الإشعاع الروحي. وبعد أن أدى مناسكه، وقام بفروضه على أحسن ما يرام، عاد عوده على بدءه، وجعل طريقه كالعادة مصر فطرابلس فتونس، وفي هذه الأخيرة عرج على بلاد القيروان التي كانت تنافس إذ ذاك قرطبة وبغداد، فهي مركز من مراكز الإشعاع في إفريقيا الشمالية... وفيها المشرعون القانونيون، والفقهاء الممتازون، والوعاظ الأكفاء المرشدون، وأعجب يحي بهذه المدينة، واستطاعت أنوار المعرفة المنتشرة في أبهائها من أن تجلبه إليها وتوقفه إلى حد. وهكذا التقى بالفقيه الزاهد (ابي عمران الفاسي) الذي كان بحرا في العلم لا ينضب له معين، وعينا تتفجر بآيات الحكمة وصادق التعبير. وحضر دروسه واستمع إلى وعظه وهديه، فغشته نوع من الوجوم، وسيطر عليه نوع من الذهول أتكون قبيلة صنهاجة تدين بالإسلام، ولا تعرف عنه أي حكم من أحكامه ؟- حقا ما أضيع قبيلتي، وما أكثر ما أتحمل أنا من مسؤوليات طوقت بها إلى الأبد. وبدأت الهواجس تراوده وتجسم له الخطر الذي يجتاح قبيلته. وكان لوعظ الشيخ ولأنوار الحج الهادية أثره في نفس يحي الذي صيغ من جديد... فلم يكن من قبل يعرف الإسلام بهذا الصفاء، ولم يكن يعهد فيه هذا الاتساع وهذا اليسر، بل يكن يخطر في نفسه أن قدسية هذا الدين تتعالى إلى هذا الحد.

ولم يجد مفرا من أن يقترب من الشيخ، ذاكرا له اسمه ونسبه ومركز حكمه، ومعرفا ببلاده وسكانها، وكيف أن الجهل غلب عليهم،
فهم لا ينقصهم الإيمان ولا تعوزهم التوبة، وإنما تنقصهم الروح المدبرة، واليد الآسية التي تحنو في رفق وتقاوم في غير شدة. وطلب من الشيخ أن يغرس شجرة في هذه التربة وان يمده ببعض طلبته، كي تنفذ هذه البلاد، ويتطهر أهلها.

لم يستصعب الشيخ (أبو عمران) طلبا كما استعصت هذا الرجاء، فالمهمة التي ألقيت على عاتقه صعبة وشاقة، فهذه الصحراء التي سيحملها إليها النور. خشنة العيش، صعبة الحياة، وأهلها أصحاب طباع جافة. وقد ألفوا حياة لا يقدر عليها غيرهم. فمن يا ترى يستطيع أن يقوم بهذه التضحية ويفارق أهله وخلانة، ويهاجر في سبيل هذه المنفعة ؟ كانت المهمة تستدعي كثيرا من البذل وكثيرا من التضحية وليست هي بتلك السهولة التي كان يتخيلها (يحي الكدالي).

البحث عن المرشد

نشر الشيخ الفكرة بين تلاميذته، بعد أن دعاهم لجمع عام، ووضح لهم الهدف الذي يرمي إليه يحي، وندبهم للقيام بالمهمة المقترحة واحدا واحدا... ولكنهم أحجموا وأشفقوا على أنفسهم من هذا المصير المحفوف بالخطر، ولم يستطيع أي واحد أن يكون من ذوي العزائم الصادقة فيقدم على العمل غير هياب ولا وجل... ولكن عزيمة الشيخ لم تلن، وإيمانه لم يضمحل تجاه هذا العصيان الغير المقصود، وكان ما يزال في كنافته سهم يدخره للخاتمة، ولم يجد مناصا من استعماله. فهنالك تلميذ نخلص عرف الشيخ قديما، ويسكن الآن بلد (نفيس) من ارض المصامدة (بلاد السوس) فلم لا يكتب إليه عاه يحقق هذه الرغبة.


ونفذ الفكرة بالفعل، وكتب إلى التلميذ قديما، المربي حديثا، (وأكاك بن زالو اللمطي) كتابا خاصا يرجوه فيه تزويد يحي بمن يثق بدينه وورعه، ولم يكن هذا الشيخ السوسي ليرد هذا الطلب، وهو الذي بنى رباطا للعبادة والعلم، وهيا نفسه للإصلاح والإرشاد... وتبحر في العلم تبحرا جلى به في ميدان المعرفة، واعتبر من رجال التشوف الذين خلصت روحهم من الكدرة، وطهرت نفوسهم من الرجس وأصبح المصامدة يتبركون به ويستسقون به إذا أصابهم قحط... فهل سيعجز وهو صاحب هذه المكانة عن تحقيق المعجزة، وان يبلي هذا الرغبة التي كانت واضحة في وجه يحي المتلهف على النجاح في مسعاه، ورغم أن (وكأك) كان يعلم أنى المهمة لا يقلها إلا زعيم من طراز خاص. فإن بصيرته كانت تستشف المستقبل، وتعلم أن من تلامذته من سيحمل هذه المهمة يصدر رحب، ويرضى بها في إيمان وثقة. وقد كان كذلك حين تقدم احد الطلبة الحذاق النبهاء، وقبل الذهاب بدون تردد، ولم يكن هذا الشخص سوى (عبد الله بن ياسين) الذي وصفه ابن ابي زرع بأنه من أهل الفضل والدين وألقى والورع، والفقه والأدب والسياسة، ومشاركا في العلوم... وليس من شك في أن هذه صفات تؤهل صاحبها لخوض معارك قاسية، وتضمن له النجاح في عمله أن عرف كيف يستغلها الاستغلال المناسب.

وهكذا هيئت الأقدار هذه المشاهد المتتالية، لنرى في الختام، هذا المرشد الذي كانت تنتظره الأجيال، يخرج دولة من العدم ويؤسس مملكة اتسعت دائرة حكمها، فشملت المغربين الأقصى والأوسط، والأندلس، وحطمت تيجان ملوك الطوائف.

ابن ياسين يدخل الصحراء

دخل الطالب الصغير إلى هذه البلاد الواسعة دخول المطمئن الواثق بنفسه، ولم يكن يعبا بشيء أو يتخوف من فشل. وإنما كان يعينه أن يتعرف موطن الإحساس في نفوس رعاياه الجدد، فهو بمثابة الطبيب الحاذق لا تلهيه المظاهر البراقة ولا المشاهد المألوفة عن تلمس موضع الداء، ليضع الدواء في مراكزه... ولذلك فغن الاحتفالات والترحيب الذي قوبل به لم يكن ليقعده عن مهامه، أو يلهبه عن مأموريته التي نصب نفسه للقيام بها.

وتصدى للتبشير من أول وهلة، بعد أن ظهر له أن الخطر كامن في كل وجهة. فالعوائد الضالة قد تحكمت فيهم تحكما مدهشا. والتقاليد سيطرت على نفوسهم سيطرة لا تقتلع جذورها بسهولة، فالرجل قد يتزوج من النساء ما يزيد عن الحد الشرعي ويفخر بذلك في يسر وسهولة. والمنكرات قد فشت في الأسواق والمجتمعات وكأنها حالة طبيعية. وليس من السهل عليك أن تخاطب رجلا في شهواته، أو تحد من غلوائه حين تكون المرأة ملك يمينه... ولكنه لم بات ليشاهد هذا الأعمال المنكرة ويسكت، فليرفع الصوت بالنكير، ولكنه كان ينفخ في رماد، ويصبح في واد. أيستمع إليه من غلب عليه الجهل وتحكمت فيه التقاليد ؟ أيجيبه من لا يعرف من الإسلام إلا الشهادة ولا يدري من شرائعه شيئا حتى يرق قلبه ويخشع فؤاده، إذا هو ذكره بأمر الله ونبهه إلى قواعد دينه ؟ لذلك رأينا الطالب العنيد يضرب أخماسا في أسداس، ناسفا على هذا الشعب الشجاع الذي ترك لهذا المصير، ولكنه لم ييأس ولم يتطرق الوهن إلى قلبه وشعوره، فكم من الحالات المستعصية يمكن علاجها ويسهل تلافي مضاعفاتها إذا عرف السبيل إلى ذلك.


وبدا يجرب خطة... خطة أبانت عن فهم سديد ومعرفة دقيقة بنفسيات البشر. فلكي يثير فيهم إحساس الندم، ويوقظ فيهم الشعور بالحاجة إلى التوبة، ويهيج ضمائرهم الخامدة.

قرر الاعتزال والابتعاد عنهم، وكأنه يجعلهم وجها لوجه أمام ضمائرهم ويجعل أنفسهم شهداء عليهم في جريمتهم النكراء، أيهيئ لهم القدر من ينتشلهم ويركلون بأقدامهم النعمة ؟
نعم قرر العزلة في جزيرة خاصة، وتنسك هناك مع يحي الكدالي وسبعة نفر من كدالي، وابتنى هناك رباطا للعبادة، يعيشون في عزلة مع أنفسهم يناجون ربهم في صمت، ويهزجون بدعائهم في خشوع، ويصهرون أنفسهم في أتون من الصبر والرضا والقناعة... ولم تكن أخبارهم لتخفى، وقد ارتفعت مكانتهم في أعين الباقين، حيث وسموا بأنهم قروا بدينهم من الضالين المضلين. فلا بدع أن يتأثروا وان تتسرب التوبة إلى قلوبهم، وان تتحرك فيهم عوامل الندم، فيسرعوا إلى يقينهم الذي تركوه، ويئوبوا إلى إيمانهم الذي أوشكوا أن يفقدوه.

وها هي طرائفهم تتسارع إلى عزلة ابن ياسين، وتنضم إليه واحدة أثر الأخرى، حتى تكاثر العدد ووصل إلى الألف، وطبيعي أن يفرح بهذا العدد الذي ضم الكثير من إشراف صنهاجة، وان يشرق قلبه بالفوز، فهذه اللبنات ستضع أسس المستقبل. ولذا عكف على تلقين هؤلاء العلم والمعرفة، وسماهم المرابطين. لكونهم دخلوا معه في رباطه.

الشروع في العمل

لم يتوان أو يتكاسل بعد أن حصل على هذا الفوز المبين، فهو كان سيكتفي بأقل من هذا المقدار، وها هي الظروف تساعده، والإقبال يتزايد على برجه الخاص. فهل سيضيع هذه الفرصة، ويوقف هذه الفورة العارمة من القلوب المتلهفة إلى الإيمان، والمتطلعة إليه في ثقة واطمئنان، والي حسبه أن يلقى إليها بالكلمة لتتبعه أني شاء، لا تسأله إلى أين ولماذا... لذلك فليس من اللائق أن يقف برسالته عند هذا الحد، وهو الطموح المتطلع على المعالي، المتشوق إلى بناء عز شامخ. فهو يكمل رسالته التي أنبطت به، وسوف يحمل على البقايا التي ما تزال متلكئة، والتي لم ترد أن تستمع إلى صوت الحق والنجاح، سوف يعطيها الدرس الناجح في حياتها، وسوف يتغلب عليها رغم ترددها وانحيازها على الصمت الرهيب، أيترك هذه القوة تذهب هباء بدون استغلال ؟ لم يكن يريد أن يكون كأساتذته يبنون رباطا للعبادة ثم ينغمرون فيه إلى الأبد. انه يريد انم يخرج إلى الحياة ليجالدها وتجالده، ويعرض إرادته عليها، ويرسم نفسه زعيما رغم انف الزمن.


ولم يرد أن يسلك سياسة الارتجال تجاه الطوائف التي ما زال لم تقبل الخضوع، بل كان يعتمد على لبقاته ومعرفته لنفسيات هذه القبائل المستعصى أمرها. واختار لهدايتها وإرشادها الرؤساء الذين آمنوا به ودخلوا رباطه، فبواسطتهم يستطيع أن يضربهم الضربة القاصمة، ولكن بعد إنذار وتنبيه، وهو كان يومن سلفا أن هذا الإنذار سيكون عديم الجدوى... ولكنها خطة اختطها ويجب أن يستمر فيها إلى النهاية، وقد شارك في الإنذار بدوره واستمر طيلة سبعة أيام، وهو بخوف ويهدد وينذر ويوعد، والقوم لا يزدادون إلا عنوا، ولا يقبلون إذعانا. وهناك شرع في الخطوة الثانية وهي الحرب، فأشهر سيف نقمته، وصب جام غضبه على المخالفين، فانهزم أمام عزيمته قبائل (كدالي) أولا، ثم (لمتونة) (ومسوفة)، وتتابع العصاة يقدمون توبتهم وإخلاصهم. ولم يكن يقبل هذه التوبة بدون أن يضع لها علامة خاصة، ولم تكن هذه العلامة سوى أن يضرب كل واحد مائة سوط، ثم يلقنه بعد ذلك التعاليم الصحيحة، وقد يعرض على هذا النهج بان فيه نوعا من الجفاء والخشونة، وقد يسم بعض المتنطعين هذا الإجراء بأنه تعسفي، ولكن الحقيقة تكذب هذا، فقد تظهر التجربة أن بعض الأقوام لا تنفع معهم إلا الشدة، وانك لو ظللت الدهر كله، تخاطبهم باللين وتتبع معهم الإجراء العادي، تفشل لا محالة، على أن آخر الدواء الكي، فهو قد استنفذ جميع الوسائل ، وأداه اجتهاده وتمرسه بالأحداث إلى أن هذا العمل خير معوان على النجاح...

وقد نجح بالفعل، وكان الجميع يتقبل هذا التطهير الجسدي بغاية الانشراح، وينضمون إلى الغزاة ليحاربوا بقية المخالفين بعزيمة لا تقهر، وإيمان لا يتبدد.

ونلمس ظاهرة جديرة بالملاحظة في هذه الفترة، تدل على حرص هذا الداعية على نشر كلمة الإسلام، وتشجيع القوامين عليه، ذلك أن الأخماس والزكوات وطائفة مهمة من المال التي كانت تتوفر له، لم يكن ليصرفها على نفسه، أو يستمتع بها إرضاء لنزواته، وإنما كان يبعث بها إلى طلبة المصامدة، وقضاة الشرع فيها، تشجيعا لهم على الدراسة، وترغيبا في إحلال الدين محل العوائد والتقاليد...


وأخرى يجب أن نهتم بها، وهي انه بعد موت (يحي الكدالي)، كان بإمكانه لو أراد أن يجمع السلطة في يديه، ويتحكم في مصير الصحراء وبلاد السوس بدون معارض... ولكنه عزم عن ذلك، واكتفى بتلك السلطة الروحية التي ملكها عن حدارة، ونقل الأمر إلى فرع لمتونة الذين نسبت الدولة إليهم يعد، وظهر منهم (يوسف بن تاشفين) بطل الإسلام والمسلمين.

فهذا عن دل على شيء فإنما يدل على انه خط لنفسه خطة لا محيد عنها، وهي التبشير والإنذار ثم التوجيه والإرشاد... وكفى بهذه راحة لضميره وغذاء لوجدانه...

على انه كان يفكر بعيدا، فهو لا يريد أن بقى هذه الدعوة النيرة مقتصرة على هذه الإرجاء، ولا أن يستمر هذا المشعل في هذه الرقعة المحدودة، بل كان يطمح في توسيع دائرتها، وجمع كلمة المغرب الذي مزقته الأهواء وتحكمت فيه النزعات، وأضحى نهبا لإقطاعيين همهم إرضاء نزواتهم في الحكم والرياسة، ولكي يحقق هذا التوسع كان لابد له من أن يبقى بعيدا عن ميدان السياسة والحكم المباشر. وان كان في الحقيقة هو المدبر لكل الأشياء.

المعركة داخل المغرب

لم يبخل الحظ على ابن ياسين ولم يترك ساحته، فها هي الصحراء قد دانت كلها بالطاعة، وها هي إرجاؤها تتجاوب بالإيمان بالله وتسبح بحمده. فهل يقنع بهذا وحده، وهل سيكتفي نفسه الطموح بهذا المقدار من النجاح ؟

أغلب الظن انه كان في نفسه يدبر الخطط ويهيئ البرامج... ولكن الحوادث كانت تسبقه دائما، وها هي بلاد المغرب تتفتح أمامه بسهولة. وها هي سجلماسة تدعوه وتلح في الدعوة، وترجوه على لسان فقهائها وأشياخها، أن ينقل دعوته إلى جوانبها، وينشر فيها النور والإصلاح كما نشره في غيرها...

وسجلماسة قطر مهم يعتبر صلة وصل بين الصحراء وداخل البلاد، وقد اختطها عيسى بن يزيد الأسود على رواية، ومدرار بن عبد الله على أخرى. وكانت تتميز بسمة الحسن في طبيعتها وهيئة بنائها، وقد سيطر عليها بنو مدرار الذين ينسبون إلى مكناسة، وانقرض حكمهم على يد مغراوة... ولكن مغراوة لم تحسن السير مع سكانها، وسرعان ما حل الناس سيطرتهم، وواتتهم فرصة ظهور ابن ياسين فأرادوا التخلص منهم نهائيا... وهكذا رأيناه يفتح هذه المدينة، ويقطع منها دابر الفساد الذي عشعش في قصورها ودورها، وانزل ضربة قاضية بالأمر مسعود ابن واندين الزناتي. وهكذا أصبحت ساحة سجلماسة وبجانبها منطقة درعة مطهرة من الرجس، يعلو فيها نور الحق، ويسيطر عليها داعي الله، وتتابعت المعارك في السوس، بعد أن فتحت الطريق أمام ابن ياسين، فانضمت (جزولة) و (ماسة) ومعقل السوس الحصين (تارودانت)، هذه المدينة التي كانت ترزح غذ ذاك تحت سيطرة طائفة من الروافض...


ولم تكن نشوة النصر لتقف ابن ياسين وصحبه فهم حماة دعوة دينية سمحة، لاتنهار إزاء التطورات، ولا تضعف تجاه المغربات. فليستمروا في سعيهم النبيل، وليقدموا راحتهم ضحية لهذا العمل النبيل. وكانت فورة النجاح تدفعه إلى متابعة الخطو، وتحفزه لمتابعة الجهود... فرأيناه بعد بلاد المصامدة، ونواحي الأطلس الكبير، يضرب ضرباته الموفقة، وتقضم ظهور الضالين المضلين، حتى دخل أغمات دخول الظافرين المنتصرين سنة 449هـ وهكذا حيزت على أجزاء كان من الممكن إلا تحاز إلا بعد أن تسيل الدماء وتفنى الجهود، ولكن سيل النجاح كان يطفى على كل شيء، وإمارات الفوز كانت تخف من كل الأخطار، وتجعل الكفاح سهلا لينا.

مع البرغواطين

وأخيرا وقف وجها لوجه مع قبائل برغواطة، هذه القبائل التي جاهرت بالكفر، وأنشأت ديانة خاصة بها، واستطاعوا أن ينتشروا بكثرتهم في مناطق تامسنا-الشاوية- الغنية بأرضها الممتازة بجودة تربتها، فكان لا بد أن يقف معهم موقف حياة أو موت، فهو لم يتهاون إزاء المترددين، ولم يضعف تجاه العصاة، فما بالك هؤلاء الذين استعصى أمرهم على كثير من الأمراء، ولم يستطع المغراويون-رغم محاولتهم العديدة- القضاء عليهم ولا الحد من نشاطهم فالواجب دعاه لان يقدم حربهم على كل شيء، ويخلص البلاد من مجوسيتهم التي دنست إرجاء هذا الوطن المومن.


والواقع أن برغواطة يرجع فسادها إلى (صالح ابن طريف) المتنبئ، وهو لرجل خبيث النزعة يهدي الأصل، قرأ كثيرا وتنقل في الأندلس والمشرق، ولم يجد مكانا خصبا لشعوذته ونفاقه إلا هذه البلاد التي أغرى أهلها واستطاع أن ينفذ إلى أعماق قلوبهم، واستهواهم بأساليبه الشيطانية حتى أصبحوا أطوع له من
بناته، وهناك شرع ينفذ فيهم تعاليمه، التي تحتاج على شرح طويل، وربما تناولناهم بالدرس في حديث مقبل بإذن الله.


لذلك فمحاربة هذه النحلة واجب أكيد، جند ابن ياسين من اجله كل جهوده، ولكن مع الأسف لم يشهد في ختامه نتيجة كفاحه، إذ استشهد-رحمه الله- بعد معارك طاحنة وملاحم شديدة. وهكذا أنطفا هذا النجم اللامع، وخبا هذا الشعاع الذي كان ينير الإرجاء. وكان القدر يرسم له خطوطه النهائية، ويهيئ له هذه الخاتمة النبيلة، التي لا تكون إلا للإبرار الممتازين. فقد انتهى هذا الشخص النبيل الإنساني العظيم، بدون ضجة أو عويل، وعلقته اوهاق المنية وهو يشهد هذا الصراع الجبار بين عقيدتين : عقيدة مخلصة تتعالى جذورها إلى السماء، وعقيدة زائفة بناها صاحبها لإغراض دنيئة ولغايات خسيسة... ولكنه ما مات حتى كان قد غرس شجرة أينعت وآتت أكلها، ولئن مالت في معركة فإن قومه تارعوا الكفاح حتى طهروا البلاد من هذا الدنس، واستطعوا أن يجعلوا نومة الرجل العظيم نومة مستريحة، حيث ارضي ضميره الحي، وأنقذ أمته من شر كان سيؤدي بها إلى الهاوية.

ونقل ابن ياسين بعد تجهيزه إلى قبيلة (زعير)، حيث دفن في الموضع المسمى اليوم (بكريفلة) وسكنت روحه هناك على ربوة تزار إلى الآن .وفيها يرفد هذا الصوت الذي جاهر بالحق وهو وحيد، وكافح ضد الباطل ونجح حيث يفشل الكثير.

ابن ياسين في الميزان

والآن وقد وصلنا إلى هذه المرحلة من حياة هذه الشخصية، وصورنا كفاح هذا الرجل العظيم في إنسانيته ونيله، ووضحنا قوة إيمانه التي حطمت كل العراقيل، وتغلبت على الشدائد رغم صعوبة المسعى وقلة الأمل. فهل دعوته دعوة الحق، أم كان يسعى إلى غايات أخرى ؟.

الواقع أن كل الدلائل كانت تشير إلى أنه كان يعزف عن كل شيء، وكان يهدف فقط إلى نجاح دعوة الله والدين الحق، وكانت سبيله-رغم ما فيها من قسوة أحيانا- سبيل المؤمن المضحي بهنائه وراحته من أجل سمو روحي وراحة فكرية.

فهذا عامل من عوامل نجاحه، وسر من أسرار تفوقه، فالرجل الذي يقبل الدخول إلى الصحراء وهو اعزل إلا من سلاح الإيمان، ويقاوم نزعات مختلفة تحكمت في أصحابها منذ القديم، وورثوها أبا عن أب واستطاع أن يحطمها ويبددها بسهولة، ثم يخلق من أصحابها أقواما جددا، صيغوا من جديد صياغة محكمة وتشبعت أفئدتهم بيقين غريب في بابه... هذا اليقين الذي دفع بهم إلى الأمام، وجعلهم أداة طيعة في يده، يصوغهم حسب النهج الذي يرتضيه، هذا الرجل، رجل عظيم جدا بدون جدال.

وعامل آخر يجب إلا ننساه، ويرجع إلى معرفته للنفسيات البشرية وطرق علاجها، وكيفية التغلب عليها، ومقاومة شرورها وتصريف طاقاتها تصريفا كله صلاح وحكمة، فلو كان ناقصا من هذه الناحية، وغير متعمق في هذا الفهم، لكان بالإمكان أن بفشل في دعوته ويخيب في مسعاه، ولأمكن أن يبقى في رباطه الذي بناه للعبادة، منزويا على نفسه، لا يذكر ولا يعرف ولا يسجل التاريخ عنه شيئا. وعامل ثالث أيضا يرجع إلى أن دعوته كانت دعوة إصلاح، بعيدة عن البهرج والزيف، والخرافات والضلالات، فلم يضع لنفسه رهبانية خاصة، ولم يفرض على إتباعه طقوسا معينة، إلا شعائر الدين والشريعة السمحة في صفائها ورقة جداويلها، ونبل إحساسها. ففتن الناس بالدعوة، ومالوا إليها عن إيمان، واعتنقوها عن رغبة، وتفانوا في الدفاع عنها بكل ما يملكون من طاقات للعمل.

وعامل رابع يجب أن لا نغفله عند الحساب، كان من الأشياء التي ساعدته على النجاح، وهيأت له سبيل الظفر، ذلك أن المغرب غذ ذاك كان يعيش في بركان هائج.

ودولة مغراوة وبنو بفرن يتقاسمان النفوذ فيما بينهما، وقد مل الشعب ملكهما الذي كان يعتمد على تقلبات وأهواء : سياسية الأندلس التي يديرها وينظم دفتها المنصور ابن أبي عامر، وسياسة القيروان التي يديرها ساسة العبيديين، ورغم أن زيري بن عطية حاول أن يرأب الصدع، ويجمع الكلمة، إلا أن الحالة كانت متأزمة والفوضى تضرب أطنابها، والأحوال في الاختلال. فكانت الظروف كلها تحتم قيام دولة متينة البناء، شامخة الأعمدة، تعتمد على إيمان جديد، وتتوفر على إمكانيات ضخمة من الرجال والقوة والعتاد، يكون سبيلها محو سلسة الظلم التي طوقت أعناق الرعية، وأذلت السكان.

لذا تقبل الناس قيام هذه الدعوة التي لم تكن تؤمل هذا النجاح،بالقبول الحسن، وساعدوها بالإعانة والتأييد، فالأحداث اليومية ساقته هذا المساق، وهيأت له هذا الفوز الغير المترقب، لذلك إذا كان يؤخذ على دعوته انه خرج بها من المنهج الديني الإرشادي، على منهج سياسي، وإنها أصبحت حركة تحرير بعد أن كانت حركة تطهير، فان دوافع متعددة هي التي ساقته بدون أن يكون قد وضع في حسابه هذا التقدير... ولو وكل غله الأمر لاكتفى بان يبعد عن كل مصلحة سياسية، وان يقتصر على دعوة الإرشاد والهدى، ولكن دوامة الإحداث غمرته من أخمص قدميه على قمة رأسه، فلم يجد مناصا من أن يتابع التيار، وان يترك الميراث لأبناء لمتونة ليتابعوا أداء الرسالة، التي بلغت قمة نجاحها، حين تسلم زمام الأمور البطل (يوسف بن تاشفين).

ومهما يكن فعبد الله ابن ياسين شخصية خصبة الجوانب جديرة بالاهتمام. وإننا بهذا العرض البسيط أنما قمنا ببعض الواجب، في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن الصحراء، وانضمامها إلى الوطن الأم. فهذا واحد من أبناء الصحراء المصلحين سجلنا تاريخه في هذه الفترة الحاسمة لنرهن مرة أخرى على أننا امة واحدة، وان كان ذلك قد أصبح من الوضوح بحيث لم يعد بحاجة إلى برهان جديد.​
 
شيخ المجاهدين عز الدين القسام (1882-20 نوفمبر 1935)

images-8.jpeg


هو شيخ سوري من مدينة جبلة ناضل ضد الإحتلال الفرنسي في سوريا وضد الإنگليز في فليسطين


نشأته​

ولد في جبلة غرب سوريا ثم سافر إلى مصر للدراسة في الأزهر ثم عاد إلى جبلة 1904، نشأ في أسرة ريفية عرفت بالعلم والتقوى، أبوه الشيخ عبد القادر مصطفى القسام من المشتغلين بعلوم الشريعة الإسلامية، وأمه حليمة قصاب من عائلة علم ودين.

قام القسام بالثورة على الفرنسيين 1919 مع عمر البيطار فحكم عليه الفرنسيون بالإعدام، فما كان منه الا أن هرب إلى فلسطين واستقر في قرية الياجور قرب حيفا سنة 1922.

انضم إلى جمعية الشبان المسلمين وأصبح رئيساً لها 1928 كما تسلم الإمامة في مسجد الاستقلال في حيفا، ودعا منه إلى الجهاد ضد الإنكليز.

أعلن الثورة على الانتداب البريطاني والمستوطنين اليهود في تشرين الثاني (نوفمبر) 1935 و استشهد في أول مواجهة عسكرية، وكان استشهاده فاتحة الثورات الفلسطينية المتلاحقة.

كان أبوه من المهتمين بنشر العلم، حيث درّس في كُتّاب القرية القرآن الكريم والعربية والخط والحساب وبث روح الجهاد بتعليم الأناشيد الدينية والحماسية، ثم عمل لفترة مستنطقاً في المحكمة الشرعية.

تعلم عز الدين في كتاب البلدة القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم، وتميز بنبوغه وتفوقه على أقرانه وامتاز بميله للتأمل وطول التفكير.

سفره و دراسته في مصر​

بعد تفوقه في دراسته في الكتاب، التحق عز الدين للدراسة في الأزهر في مصر، فقد كان الأزهر في ذلك الوقت منارة كبرى لنشر علوم الشريعة والعربية، فحضر دروس الشيخ محمد عبده، وارتوت نفسه من علمه وفهمه. كما تتلمذ على معظم حلقات الأزهر، واعتكف في أروقة مكتباته، وكان يرافق اهتمامه بدروس العلم اهتمام آخر بحركات التحرر التي كان يغذيها رجال الأزهر، ففهم عز الدين أن الإسلام دين عز وقوة وتحرر وجهاد.

تعرف القسام في مصر على الاستعمار الغربي وجهاً لوجه، حيث كانت مصر خاضعة للاحتلال البريطاني المباشر بعد ثورة العرابي عام 1882 ، وكان فيها تيار المقاومة الإسلامي للاحتلال قوياً، كما رأى القسام هجوم المفكرين المتغربين على الإسلام فكراً وحضارة وتاريخاً،

وعايش بنفسه الصراع الدائر بين هؤلاء وبين المفكرين الإسلاميين، كما تعرف في مصر على المشروع الصهيوني بأبعاده، وأدرك خطره على الأمة الإسلامية، وأنه وليد الاستعمار الغربي، وسمع عن تطلعات الصهاينة وأطماعهم في فلسطين.

وبين مدرسة الشيخ محمد عبده ومدرسة الشيخ رشيد رضا الشامي المقيم في مصر اتضح أمام عيني الشيخ عز الدين القسام الجهاد وسيلة للدفاع عن حقوق الأمة وللعودة بها إلى سابق مجدها.

عاد القسام إلى جبلة عام 1906 بعد أن قضى عشر سنوات في الدراسة في الأزهر الشريف بعدها حصل على شهادة الأهلية ومن ثم قام برحلة إلى تركيا للإطلاع على طرق التدريس في جوامعها، وبعد عودته عكف على التدريس في زاوية والده، في جامع السلطان بن ابراهيم قطب الزاهدين.

كما أخذ القسام دور والده في تدريس أطفال البلدة قواعد القراءة والكتابة وتحفيظ القرآن الكريم، وبعض العلوم الحديثة، وتولى خطبة الجمعة في مسجد المنصوري الذي يتوسط البلدة، وغدا بخطبه ودروسه وسلوكه موضع احترام الناس، وامتدت شهرته وسمعته الحسنة إلى المناطق المجاورة فقدم الإسلام بفهمه الواسع الطلق، وربطته بكثير من المواطنين صداقات متينة، فكثر أتباعه، وعظم شأنه، وذاع صيته.

لماّ دخلت القوات الإيطالية طرابلس الغرب (ليبيا) عام 1911 قاد القسام مظاهرة طافت شوارع جبلة تأييداً للمسلمين هناك، ودعا الناس إلى التطوع لقتال الطليان، وجَمع التبرعات للأسر المنكوبة، إلا أن السلطات التركية منعته ورفاقه المتطوعين من السفر إلى ليبيا، فعادوا بعد أربعين يوماً من الانتظار، وبنوا مدرسة بمال المتبرعين لتعليم الأمّيين.

المقاومة​

وعندما دخلت القوات الفرنسية سورية عام 1920 رفع القسام راية المقاومة ضد المستعمرين الفرنسيين في الساحل الشمالي لسورية، وكان في طليعة المجاهدين الذين حملوا السلاح في الثورة (1919ـ 1920) مع المرحوم عمر البيطار ، فقد ترك قريته على الساحل، وباع بيته ـ وهو كل ما يملك ـ واشترى أربعاً وعشرين بندقية، وانتقل بأسرته إلى قرية جبلية ذات موقع حصين.

حاول الفرنسيون إقناع الشيخ القسام بترك الثورة والرجوع إلى بيته وإغرائه بالمناصب، إلاّ أنه رفض عرضهم، ونتيجة لإصراره على خط الجهاد حكم عليه الديوان العرفي الفرنسي في اللاذقية وعلى مجموعة من أتباعه بالإعدام، وطارده الفرنسيون فقصد دمشق ومنها إلى فلسطين.

حياته في حيفا​


عاش القسام ورفاقه في حيفا ، ونزلت عائلاتهم في بيت واحد في الحي القديم من المدينة، وهو الحي الذي يجمع فقراء الفلاحين النازحين من قراهم بعد الاستيلاء عليها وتوطين اليهود المهاجرين إلى فلسطين.

أبدى القسام اهتماماً حقيقياً بتحسين أحوال معيشة هؤلاء الفلاحين، وبدأ يكافح الأمية في صفوفهم من خلال إعطاء دروس ليلية، وسرعان ما أصبح فلاحو المنطقة الشمالية وعمالها يكنون له المودة والاحترام بفضل زياراته المتكررة لهم وبما يتسم به من أصالة في الخلق والتقوى.

عمل القسام مدرساً في المدرسة الإسلامية بحيفا، وكان يحرص على لفت أنظار الطلاب إلى الدور المستقبلي الذي ينتظرهم في ظل وجود الاستعمار، ثم عمل إماماً وخطيباً في جامع الاستقلال بموافقة من مفتي القدس وزعيم الحركة الوطنية الحاج محمد امين الحسيني ، واتجه القسام في أسلوبه إلى توعية الشعب الفلسطيني بالأخطار الماثلة أمامه، وكان يكثر من القول: (بأن اليهود ينتظرون الفرصة لإفناء شعب فلسطين، والسيطرة على البلد وتأسيس دولتهم)

كما كان للشيخ القسام دروس في المسجد تقام عادة بين الصلوات المفروضة، وقد جعل منها وسيلة لإعداد المجاهدين وصقل نفوسهم وتهيئتها للقتال، معتمداً اختيار الكيفية دون الكمية.

عمل على تأسيس جمعية الشبان المسلمين عندما استفحل الخطر البريطاني في فلسطين وانتشرت الجمعيات التبشيرية التي تدعو إلى تنصير المسلمين، وقام القسام من خلال نشاطه في الجمعية بتربية جيل من الشباب المسلم،

الذين أنقذهم من دائرة الانحراف والضياع بسبب قسوة الظروف الاقتصادية والسياسية، وأدخلهم في دائرة العمل الجاد لصالح الوطن... كما أنه وثق اتصالاته بقيادات المدن الفلسطينية الأخرى، وكسب عدداً من شباب المناطق المختلفة للانضمام إلى تنظيم الجهاد. وقد واظب القسام خلال وجوده في الجمعية على إعطاء محاضرة دينية مساء كل يوم جمعة، وكان يذهب كل أسبوع بمجموعة من الأعضاء إلى القرى، ينصح ويرشد ويعود إلى مقره. وقد تمكن من إنشاء عدة فروع للجمعية في أكثر قرى اللواء الشمالي من فلسطين، وكانت الفرصة للّقاء بالقرويين وإعدادهم للدفاع عن أراضيهم.

عمل القسام مأذوناً شرعياً لدى محكمة حيفا الشرعية سنة 1930 وقد كانت هذه الوظيفة للقسام وسيلة من الوسائل التي اتصل عن طريقها بمختلف فئات المواطنين من شباب وشيوخ، وعمال وفلاحين، وطلاب وموظفين، وتجار وحرفيين، وتحدث إليهم وأقام معهم علاقات قوية كان لها أثر كبير في اتساع دائرة حركته الجهادية.

يعتبر القسام صاحب دعوة مستقلة وأسلوب متميز وحركة جهادية رائدة سبقت جميع الاتجاهات في ميدان الجهاد المعاصر في فلسطين.

ويتلخص هذا الأسلوب في تربية جيل من المجاهدين، فكان يعقد اجتماعات سرية مكتومة في بيته وفي بيوت بعض أصدقائه، يحضرها عدد من الأشخاص المغمورين (غير البارزين أو المعروفين في ميدان الحركة الوطنية)، وكان يختارهم من الذين يحضرون دروسه ومواعظه، ويقوم بتهيئتهم وإعدادهم للجهاد، ويكوّن منهم خلايا جهادية، تقتصر عضويتها على نفر من المؤمنين الصادقين الذين لديهم الاستعداد الكامل للتضحية والفداء.

الجهاد​

وعندما تم إنشاء القوة المجاهدة بشكل متكامل، كانت مقسمة إلى وحدات مختلفة المهام، حيث لكل وحدة دور خاص بها تتولاه، وهذه الوحدات هي:

الأولى: وحدة خاصة بشراء السلاح.

الثانية: وحدة خاصة للاستخبارات ومراقبة تحركات العدو البريطاني واليهودي.

الثالثة: وحدة خاصة بالتدريب العسكري.

الرابعة: وحدة خاصة للدعاية في المساجد والمجتمعات، وأبرز أعمالها الدعوة إلى الجهاد.

الخامسة: وحدة العمل الجماهيري والاتصالات السياسية.

السادسة: وحدة جمع المال من الأعضاء والأنصار، ورعاية أسر المعتقلين والشهداء.

ولماّ قطعت الحركة شوطاً من الإعداد تم فيه تهيئة المقاتلين للجهاد، ابتدأ رجال القسام بتنفيذ عمليات فدائية ضد المستوطنات اليهودية عن طريق إعداد كمائن والهجوم على أفراد محددين ومستوطنات معينة، بهدف دفع اليهود في الخارج إلى وقف الهجرة إلى فلسطين.

ولم تكن أعمال القسام مهاجمة المستعمرات فحسب وإنما قاموا بمجموعة أعمال أخرى ذكرها الأستاذ أميل الغوري في كتابه (فلسطين عبر ستين عاماً) فقال: (أماّ الأعمال التي قام بها القساميون فكانت من أروع ما قام به المجاهد في فلسطين، وعلى الرغم من كثرتها وتعدد أشكالها ومظاهرها، فإنها ظلت محاطة بالسرية والكتمان إلى مدى كان معه أكثر الناس يجهلون مصدر هذه الأعمال، بل كانوا لا يعرفون إطلاقاً بوجود حركة القساميين،

وكان من هذه الأعمال:

ملاحقة وتأديب الذين يخرجون عن الشعب ومصالحه، مثل التعاون مع الحكومة ضد الحركة الوطنية، والتجسس لحساب المخابرات البريطانية، أو بيع الأراضي لليهود أو السمسرة عليها للأعداء. وكان من أعمال القساميين العديدة الواسعة النطاق، التصدي لدوريات الجيش والشرطة، وقطع طرق المواصلات والإغارة على ثكنات الجيش ومراكز الشرطة، ومهاجمة حرس المستعمرات اليهودية، وزرع الألغام والمتفجرات فيها).

وفي الوقت الذي اعتبرت فيه أعمال القسام بمثابة الروح التي سرت في أوصال الأمة، فحركت الهمم وشدت العزائم، وحفزت الناس إلى العمل، كانت الحكومة البريطانية تعلن عن مكافآت ضخمة لمن يدلي بأية معلومات عن منفذي هذه الأعمال، لأنها فعلاً ألقت الرعب في قلوب اليهود الذين رأوا ولأول مرة عملاً جديداً من حديد ونار، وهذه لم يتعود عليها اليهود في فلسطين... وازدادت الحكومة البريطانية واليهود ذعراً وبثوا الأرصاد، ونشروا الجواسيس في الليل والنهار، وصار الاعتقال لمجرد الشبهة.

لذا أصبحت تحركات جماعة القسام تلاقي صعوبة شديدة، إذ استطاعت الشرطة الانجليزية الحصول على معلومات بشأن عدد أفراد الجماعة وأسمائهم وأسلحتهم، نتيجة التحقيقات المكثفة التي قامت بها، وكذلك استطاعت الحصول على معلومات تساعدهم أكثر وأكثر على تحديد مكانهم.

استشهاده رحمه الله​

وأخيراً وفي أحراش يعبد في منطقة جنين يوم 20 تشرين ثاني عام 1935 و حددت الشرطة البريطانية مكانهم وهاجمتهم بقوات عسكرية كبيرة ودارت معركة رهيبة بين المجاهدين والشرطة، صمد فيها رجال القسام، وقاتل شيخهم قتال الأبطال، وظل يكافح حتى خر صريعاً في ميدان الجهاد شهيداً كريماً في سبيل إعلاء كلمة الله فوق أرض فلسطين، واستشهد معه بعض إخوانه المجاهدين، وجرح آخرون وتم أسرهم.

نقل الشهداء إلى حيفا، وتمت الصلاة عليهم في جامع الاستقلال، وشيعت جثامينهم الطاهرة بتظاهرة وطنية كبرى نادت بسقوط الإنجليز ورفض الوطن القومي اليهودي.

كان لاستشهاد القسام أعمق الأثر في شباب فلسطين في الثلاثينات والأربعينات، كما أصبح القسام رمزاً للتضحية والفداء، مما جعل بعض المؤرخين يعتبرونه بحق شيخ ثوار فليسطين.
 
غدا لنا موعد مع شيخ المجاهدين وأسد الصحراء عمر المختار ضمن سلسلة علماء ودعاة

1a8d45c53303c24f3cd917eb60eb3cc2.jpg
 
عمر المختار الملقب بشيخ الشهداء أو أسد الصحراء

1a8d45c53303c24f3cd917eb60eb3cc2.jpg




(ولد عام 1862- وتوفي في 16 سبتمبر 1932) هو قائد عربي مسلم حارب الغزو الايطالي منذ دخولهم أرض ليبيا إلى عام 1931.



عمر المختار

نسبه​

أسد الصحراء عمر المختار، هو عمر بن المختار بن عمر من بيت فرحات من قبيلة بريدان وهي بطن من قبيلة المنفة. امه هي عائشة بنت محارب

مولده ونشأته

ينتسب عمر المختار إلى قبيلة المنفه إحدى كبريات قبائل المرابطين ببرقة, ولد عام 1862 م في قرية جنزور بمنطقة دفنة في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا على الحدود المصرية ، تربى يتيما، حيث وافت المنية والده مختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة بصحبة زوجته عائشة.

تلقى عمر المختار تعليمه الأول في زاوية جنزور ، ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام السيد المهدي السنوسي قطب الحركة السنوسية، فدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.

تزوج شيخ الشهداء عمر المختار من عدة زوجات لم ينجب إلا من السيدة زينة بنت المبروك سعيد بوزوير من عائلة حدوث بيت طامية قبيلة البراعصة من قبائل بني رشيد التي أنجبت كبرى بناته المرحومة فاطمة عمر المختار ،

ظهرت عليه علامات النجابة ورزانة العقل، فاستحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه السيد المهدي السنوسى مما زاده رفعة وسمو، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن حتى قال فيه السيد المهدي واصفاً إياه " لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم". فقد وهبه الله تعالى ملكات منها جشاشة صوته البدوي وعذوبة لسانه واختياره للألفاظ المؤثرة في فن المخاطبة وجاذبية ساحرة لدرجة السيطرة على مستمعيه وشد انتباههم،

شارك عمر المختار في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية الفرنسية في المناطق الجنوبية (السودان الغربي،تشاد ) وحول واداي ، وقد استقر المختار فترة من الزمن في قرو مناضلاً ومقاتلاً, ثم عين شيخاً لزاوية (عين كلك) ليقضي فترة من حياته معلماً ومبشراً بالإسلام في تلك الأصقاع النائية. وبعد وفاة السيد محمد المهدي السنوسي عام 1902م تم استدعاؤه حيث عين شيخاً لزاوية القصور.

الجهاد ضد الغزو الإيطالي

3061-2.jpg


عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يوماً بيوم, فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا في 29 سبتمبر 1911
وبدأت البارجات الحربية بصب قذائفها على مدن الساحل الليبي,درنة و طرابلس ثم طبرق وبنغازي والخمس ، كان عمر المختار في تلك الأثناء مقيما في جالو بعد عودته من الكفرة حيث قابل السيد أحمد الشريف
, وعندما علم بالغزو الإيطالي فيما عرف بالحرب العثمانية الإيطالية سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين حيث ساهم في تأسيس دور بنينه وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة إلى أن وصل السيد أحمد الشريف قادماً من الكفرة وقد شهدت الفترة التي أعقبت انسحاب الأتراك من ليبيا سنة 1912 وهي أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي, منها على سبيل المثال معركة يوم الجمعة عند درنة في 16 مايو 1913 حيث قتل فيها للأيطاليين عشرة ضباط وستين جنديا وأربعمائة فرد بين جريح ومفقود إلى جانب انسحاب الإيطاليين بلا نظام تاركين أسلحتهم ومؤنهم وذخائرهم، ومعركة بو شمال عن عين ماره في 6 أكتوبر 1913, وعشرات المعارك الأخرى.

وحينما عين أميليو حاكماً عسكريا لبرقة، رأى أن يعمل على ثلاث محاور:

الأول: قطع الإمدادات القادمة من مصر والتصدي للمجاهدين في منطقة مرمريكا.

الثاني: قتال المجاهدين في العرقوب وسلنطه والمخيلي.

الثالث :قتال المجاهدين في مسوس و إجدابيا.

لكن القائد الإيطالي وجد نار المجاهدين في انتظاره في معارك أم شخنب وشليظيمة و الزويتينة في فبراير 1914 ولتتواصل حركة الجهاد بعد ذلك حتى وصلت إلى مرحلة جديدة بقدوم الحرب العالمية الأولى.

الفاشيست والمجاهدون

بعد الانقلاب الفاشي في إيطالي في أكتوبر 1922 وبعد الانتصار الذي تحقق في تلك الحرب إلى الجانب الذي انضمت إليه ايطاليا، تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على السيد محمد ادريس السنوسي, واضطر إلى ترك البلاد عاهداً بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار في الوقت الذي قام أخاه الرضا مقامه في الإشراف على الشئون الدينية.

بعد أن تأكد للمختار النوايا الإيطالية في العدوان قصد مصر عام 1923 للتشاور مع السيد إدريس فيما يتعلق بأمر البلاد, وبعد عودته نظم أدوار المجاهدين, فجعل حسين الجويفي على دور البراعصة ويوسف بورحيل المسماري على دور العبيدات والفضيل بوعمر على دور الحاسة، وتولى هو القيادة العامة.

بعد الغزو الإيطالي على مدينة إجدابيا مقر القيادة الليبية, أصبحت كل المواثيق والمعاهدات لاغية, وانسحب المجاهدون من المدينة وأخذت إيطاليا تزحف بجيوشها من مناطق عدة نحو الجبل الاخضر وفي تلك الأثناء تسابقت جموع المجاهدين إلى تشكيل الأدوار والإنضواء تحت قيادة عمر المختار، كما بادر الأهالي إلى إمداد المجاهدين بالمؤن والعتاد والسلاح, وعندما ضاق الإيطاليون ذرعا من الهزيمة على يد المجاهدين, أرادوا أن يمنعوا عنهم طريق الإمداد فسعوا إلى احتلال
الجغبوب وجهت إليها حملة كبيرة في 8 فبراير 1926, وقد شكل سقوطها أعباء ومتاعب جديدة للمجاهدين وعلى رأسهم عمر المختار, ولكن الرجل حمل العبء كاملاً بعزم العظماء وتصميم الأبطال.

ولاحظ الإيطاليون أن الموقف يملي عليهم الاستيلاء على منطقة فزان لقطع الإمدادات على المجاهدين, فخرجت حملة في يناير 1928م, ولم تحقق غرضها في احتلال فزان بعد أن دفعت الثمن غاليا. ورخم حصار المجاهدين وانقطاعهم عن مراكز تموينهم, إلا أن الأحداث لم تنل منهم وتثبط من عزمهم، والدليل على ذلك معركة يوم 22 أبريل التي استمرت يومين كاملين, انتصر فيها المجاهدون وغنموا عتادا كثيرا.

مفاوضات السلام في سيدي ارحومة


611291-144100951.jpg

المختار وسط حشد من الضباط الإيطاليين

وتوالت الانتصارات، الأمر الذي دفع إيطاليا إلى إعادة النظر في خططها وإجراء تغييرات واسعة، فأمر موسوليني بتغيير القيادة العسكرية, حيث عين بادوليو حاكماً عسكريا على ليبيا في يناير 1929م, ويعد هذا التغيير بداية المرحلة الحاسمة بين الطليان والمجاهدين.

تظاهر الحاكم الجديد لليبيا في رغبته للسلام لإيجاد الوقت اللازم لتنفيذ خططه وتغيير أسلوب القتال لدى جنوده، وطلب مفاوضة عمر المختار، تلك المفاوضات التي بدأت في 20 أبريل 1929م.

واستجاب الشيخ لنداء السلام وحاول التفاهم معهم على صيغة ليخرجوا من دوامة الدمار. فذهب كبيرهم للقاء عمر المختار ورفاقه القادة في 19 يونيو 1929م في سيدي ارحومه. ورأس الوفد الإيطالي بادول يونفسه، الرجل الثاني بعد بنيتو موسوليني ونائبه سيشليانو، ولكن لم يكن الغرض هوالتفاوض، ولكن المماطلة وشراء الوقت لتلتقط قواتهم أنفاسها، وقصد الغزاة الغدر به والدس عليه وتأليب أنصاره والأهالي وفتنة الملتفين حوله..

وعندما وجد المختار أن تلك المفاوضات تطلب منه اما مغادرة البلاد إلى الحجاز او مصر أو البقاء في برقة و انهاء الجهاد والإستسلام مقابل الأموال والإغراءات, رفض كل تلك العروض، وكبطل شريف ومجاهد عظيم عمد إلى الاختيار الثالث وهو مواصلة الجهاد حتى النصر أو الشهادة.

تبين للمختار غدر الإيطاليين وخداعهم، ففي 20 أكتوبر 1929م وجه نداء إلى أبناء وطنه طالبهم فيه بالحرص واليقظة أمام ألاعيب الغزاة. وصحت توقعات عمر المختار، ففي 16 يناير 1930م ألقت الطائرات بقذائفها على المجاهدين.

الجنرال گرسياني


53449-عمر-المختار-فى-الأغلال.jpg

المختار بعد أسره ونقله إلى بنغازي.

دفعت مواقف المختار ومنجزاته ايطاليا إلى دراسة الموقف من جديد وتوصلت إلى تعيين الجنرال كرسياني وهو أكثر جنرالات الجيش وحشية ودموية ليقوم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها وقد تمثلت في عدة إجراءات ذكرها غرسياني في كتابه "برقة المهدأة":

قفل الحدود الليبية المصرية بالأسلاك الشائكة لمنع وصول المؤن والذخائر.

إنشاء المحكمة الطارئة في أبريل 1930

فتح أبواب السجون في كل مدينة وقرية ونصب المشانق في كل جهة.

تخصيص مواقع العقيلة والبريقة من صحراء غرب برقة البيضاء والمقرون وسلوق من أواسط برقة الحمراء لتكون مواقع الإعتقال والنفي والتشريد.

العمل على حصار المجاهدين في الجبل الأخضر واحتلال الكفرة.

إنتهت عمليات الإيطاليين في فزان باحتلال مرزق وغات في شهري يناير وفبراير 1930م ثم عمدوا إلى الإشباك مع المجاهدين في معارك فاصلة, وفي 26 اغسطس 1930
ألقت الطائرات الإيطالية حوالي نصف طن من القنابل على الجوف والتاج, وفي نوفمبر اتفق بادوليو وغرسياني على خط الحملة من اجدابيا إلى جالو إلى بئر زيغن إلى الجوف, وفي 28 يناير 1931 سقطت الكفرة في أيدي الغزاة, وكان لسقوط الكفرة آثار كبيرة على حركة الجهاد والمقاومة.

القبض على عمر المختار

images-9.jpeg


في معركة السانية في شهر أكتوبر عام 1930م سقطت من الشيخ عمر المختار نظارته، وعندما وجدها أحد جنود الطليان وأوصلها لقيادته، فرائها الجنرال كرسياني فقال: "الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يوماً ما".

وفي 11 سبتمبر من عام 1913 ، وبينما كان الشيخ عمر المختار يستطلع منطقة سلنطة في كوكبة من فرسانه، عرفت الحاميات الإيطالية بمكانه فأرسلت قوات لحصاره ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقين في وادي بوطاقة ورجحت الكفة للعدو فأمر عمر المختار بفك الطوق والتفرق، ولكن قُتلت فرسه تحته وسقطت على يده مما شل حركته نهائياً فلم يتمكن من تخليص نفسه ولم يستطع تناول بندقيته ليدافع عن نفسه، فسرعان ماحاصره العدو من كل الجهات وتعرفوا على شخصيته، فنقل على الفور إلي مرسى سوسه ومن ثم وضع على طراد الذي نقله رأسا إلي بنغازي حيث أودع السجن الكبير بمنطقة سيدي اخريبيش ولم يستطع الطليان نقل الشيخ براً لخوفهم من تعرض المجاهدين لهم في محاولة لتخليص قائدهم.

كان لاعتقاله في صفوف العدو، صدىً كبيراً، حتى أن غراسياني لم يصدّق ذلك في بادىء الأمر،وكان غراتسياني في روما حينها كئيباً حزيناً منهار الأعصاب في طريقه إلي باريس للاستجمام والراحة تهرباً من الساحة بعد فشله في القضاء على المجاهدين في برقة حيث بدأت الأقلام اللاذعة في إيطاليا تنال منه والانتقادات المرة تأتيه من رفاقه مشككة في مقدرته على إدارة الصراع.

وإذا بالقدر يلعب دوره ويتلقى برقية مستعجلة من نغازي مفادها إن عدوه اللدود عمر المختار وراء القضبان فأصيب غراتسياني بحالة هستيرية كاد لا يصدق الخبر فتارة يجلس على مقعده وتارة يقوم، وأخرى يخرج متمشياً على قدميه محدثاً نفسه بصوت عال، ويشير بيديه ويقول: "صحيح قبضوا على عمر المختار ؟ ويرد على نفسه لا، لا اعتقد." ولم يسترح باله فقرر إلغاء أجازته واستقل طائرة خاصة وهبط ببنغازي في نفس اليوم وطلب إحضار عمر المختار إلي مكتبه لكي يراه بأم عينيه.

وصل گرسياني إلى بنغازي يوم 14 سبتمبر ، وأعلن عن انعقاد "المحكمة الخاصة" يوم 15 سبتمبر 1931م, وفي صبيحة ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرسياني في الحديث مع عمر المختار, يذكر غرسياني في كتابه (برقة المهدأة):

"وعندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أن أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية يداه مكبلتان بالسلاسل, رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة, وكان وجهه مضغوطا لأنه كان مغطيا رأسه ويجر نفسه بصعوبة نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر, وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر, ها هو واقف أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح."

گرسياني: لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة لفاشستية ؟

أجاب الشيخ: من أجل ديني ووطني.

گرسياني: ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه ؟

فأجاب الشيخ: لا شئ إلا طردكم … لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.

گرسياني: لما لك من نفوذ وجاه، في كم يوم يمكنك إن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم ؟.

فأجاب الشيخ: لا يمكنني أن أعمل أي شئ … وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الأخر، ولا نسلم أو نلقي السلاح…

ويستطرد گرسياني حديثه "وعندما وقف ليتهيأ للإنصراف كان جبينه وضاء كأن هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من جلالة الموقف أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية ولقبت بأسد الصحراء ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد, فانهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء, وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانت مكبلة بالحديد."

المحاكمة

عقدت للشيخ الشهيد محكمة هزلية صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت.

وعندما ترجم له الحكم، قال الشيخ "إن الحكم إلا لله … لا حكمكم المزيف ... إنا لله وإنا أليه لراجعون".

- وهنا نقلا حرفيا لمحضر المحاكمة كما ورد في الوثائق الإيطالية :

«إنه في سنة ألف وتسعمائة وواحدة وثلاثين ؛ السنة التاسعة ، وفي اليوم الخامس عشر من شهر سبتمبر ، ببنغازي، وفي تمام الساعة 17 بقصر "الليتوريو" بعد إعداده كقاعة لجلسات المحكمة الخاصة بالدفاع عن أمن الدول، والمؤلفة من السادة:

- المقدم الكواليير اوبيرتو فانتيري مارينوني ، رئيسا بالوكالة ، نيابة عن الرئيس الأصيل الغائب لعذر مشروع.

- المحامي د. فرانشيسكو رومانو (قاضي مقرر).

- الرائد الكاواليير قوناريو ديليتلو (مستشار، أصيل ).

- رائد "الميليشيا التطوعية للأمن الوطني (الكواليير جوفاني منزوني، مستشار أصيل).

- رائد "الميليشيا التطوعية للأمن الوطني (الكواليير ميكيلي مندوليا، مستشار أصيل)، والرئيس بالنيابة عن الرئيس الأصيل، الغائب بعذر مشروع.

- بمساعدة الملازم بسلاح المشاة ، ايدواردو ديه كريستوفانو (كاتب الجلسة العسكري بالنيابة).

للنظر في القضية المرفوعة ضد: عمر المختا، بن عائشة بنت محارب، البالغ من العمر 73 سنة، والمولود بدفنة، قبيلة منفة، عائلة بريدان، بيت فرحات؛ حالته الاجتماعية : متزوج وله أولاد، يعرف القراءة والكتابة، وليست له سوابق جنائية، في حالة اعتقال منذ 12 سبتمبر 1931.

المتهم بالجرائم المنصوص عليها وعلى عقوباتها في المواد 284-285-286-575-576 (3)، والمادة 26، البنود: 2 - 4 - 6 - 10، وذلك أنه قام، منذ عام 1911م وحتى القبض عليه في جنوب سلنطة في 11سبتمبر 1931، بإثارة العصيان وقيادته ضد سلطات الدولة الإيطالية ، داخل أراضي المستعمرة ، وباشتراكه في نصب الكمائن للوحدات المعزولة من قواتنا المسلحة وفي معارك عديدة وأعمال الإغارة للسلب والنهب واللصوصية مع ارتكاب جرائم قتل بدافع نزعته إلى القسوة والتوحش، وأعمال البطش والتنكيل، بقصد إحداث الدمار وسفك الدماء لفصل المستعمرة عن الوطن الأم. »

بعد ذلك سمح للجمهور بدخول قاعة الجلسات، بينما جلس المتهم في المكان المخصص للمتهمين، تحت حراسة عسكرية، وهو طليق اليدين وغير مكبل بأغلال من أي نوع.

كما حضر وكيل النيابة العامة السينور "كواليير" أوفيتشالي جوسيبي بيديندو، كمدعي عسكري، والمكلف بالدفاع عن المتهم، المحامي، النقيب في سلاح المدفعية، روبيرتو لونتانو.

يعلن الرئيس افتتاح الجلسة فيحضر أيضا المترجم السيد نصري هرمس الذي يطلب إليه الرئيس الادلاء ببيانات هويته فيجيب:

- نصري هرمس، ابن المتوفى ميشيل، وعمري 53 سنة، ولدت في ديار بكر ببلاد ما بين النهرين (العراق) رئيس مكتب الترجمة لدى حكومة برقة.

يكلفه الرئيس بأداء اليمين المقررة، بعد تحذيره حسبما هو مقرر ، فيؤديها بصوت عال وبالصيغة التالية: ((أقسم بأنني سأنقل الأسئلة إلى الشخص المقرر استجوابه بواسطتي بأمانة وصدق، وبأن أنقل الردود بأمانة)).

فيوجه الرئيس ، عن طريق الترجمان ، أسئلة للمتهم حول هويته ، فيدلي بها بما يتفق مع ما تقدم ، ومن ثم ينبه عليه بالانصات إلى ما سيسمع . وعند هذه النقطة ، يثبت في المحضر طلب وكيل النيابة بإعفاء المترجم نصري من المهمة بسبب وعكة ألمت به والاستعاضة عنه بالكواليير لومبروزو ابن آرونه وماريا قاندوس ، المولود بتونس في 27 - 2 - 1891م ، ومهنته صناعي .

فيكلفه الرئيس بأداء اليمين المقررة ، بعد تحذيره نظاميا؛

يتلو كاتب الجلسة صحيفة الاتهام ، فيتولى الترجمان ترجمتها للمتهم ، ويسرد بعدها قائمة المستندات والوثائق المتصلة بالدعوى،

وبعد سردها يكلف الرئيس الترجمان بترجمتها ، حيث إن المتهم غير ملم باللغة الإيطالية ، ومن ثم يبدأ استجوابه حول الأفعال المنسوبة إليه ؛ فيرد عليها ، ويتولى الترجمان ترجمة ردود المتهم عليها .

ويثبت بالمحضر أن المتهم يرد بانتظام عن كل اتهام حسب ما جاء في محضر استجوابه المكتوب ، معترفا بأنه زعيم المقاومة في برقة وبهذه الصفة فهو الفاعل والمحرض لجميع الجرائم التي اقترفت في أراضي المستعمرة خلال العقد الأخير من الزمن ، أي الفترة التي ظل خلالها الرئيس الفعلي للمقاومة.

وردا عن سؤال، يجيب:

منذ عشر سنوات، تقريبا، وأنا رئيس المحافظية. ويثبت هنا أن المتهم ظل يرد عن كل سؤال محدد حول تهمة بعينها، بقوله: (لا فائدة من سؤالي عن وقائع منفردة، وما أرتكب ضد إيطاليا والإيطاليين، منذ عشر سنوات وحتى الآن، كان بإرادتي وإذني، عندما لم أشترك أنا نفسي في تلك الأفعال ذاتها).

وردا عن سؤال، يجيب: (كانت الغارات تنفذ أيضا بأمري وبعضها قمت بها أنا نفسي).

يعطي الرئيس الكلمة لوكيل النيابة : بعد أن تناول الكلمة، أوجز مطلبه في أن تتكرم المحكمة، بعد تأكيد إدانة المتهم بالجرائم المنسوبة إليه، بإصدار حكم الإعدام عليه وما يترتب عليه من عواقب.

وينهي الدفاع، بدوره مرافعته بطلب الرأفة بالمتهم. وبعدما أعطى المتهم الكلمة كآخر المتحدثين، يعلن الرئيس قفل باب المناقشة ، وتنسحب هيئة المحكمة إلى حجرة المداولة لتحديد الحكم.

عادت المحكمة بعد قليل إلى قاعة الجلسات ؛ لينطق الرئيس بصوت عال بالحكم بالإدانة، بحضور جميع الأطراف المعنية. فيقوم الترجمان بترجمة منطوق الحكم.

أثبت تحريريا كل ما تقدم بهذا المحضر الذي وقع عليه : كاتب المحكمة العسكري .

الإمضاء: ادواردو ديه كريستوفانو ، الرئيس (المقدم الكاواليير أوميركو مانزولي) .

كاتب المحكمة العسكرية ، الإمضاء : ادواردوديه كريستوفاني (Edoardo De Cristofano) .

الرئيس: (المقدم الكاواليير أوميركو مانزوني)

الإمضاء: أومبيرتو مانزوني (Umberto Marinoni) .

- صورة طبق الأصل -

كاتب المحكمة العسكرية بالنيابة

التوقيع

الحكم بالإعدام على المجاهد عمر المختار


عمر المختار بعد إعدامه.

في صباح اليوم التالي للمحاكمة الأربعاء، 16 سبتمبر 1913 ( الأول من شهر جمادىالأول من عام 1350 (، اتخذت جميع التدابيراللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران،

واحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين خصيصاً من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.

واحضر الشيخ عمر المختار مكبل الأيدي، وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر،

وبدأت الطائرات تحلق في الفضاء فوق المعتقلين بأزيز مجلجل حتى لا يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم،

وفي تمام الساعة التاسعة صباحاً سلم الشيخ إلي الجلاد، وكان وجهه يتهلل استبشاراً بالشهادة وكله ثبات وهدوء، فوضع حبل المشنقة في عنقه، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه انه كان يأذن في صوت خافت آذان الصلاة، والبعض قال انه تمتم بالآية الكريمة "يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية" ليجعلها مسك ختام حياته البطولية وبعد دقائق صعدت روحه الطاهرة النقية إلي ربها تشكو إليه عنت الظالمين وجور المستعمرين.

وسبق إعدام الشيخ أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أويظهر البكاء عند إعدام عمر المختار، فقد ضرب جربوع عبد الجليل ضرباً مبرحاً بسبب بكائه عند إعدام عمر المختار. ولكن علت أصوات الاحتجاج ولم تكبحها سياط الطليان، فصرخت فاطمة داروها العبارية وندبت فجيعة الوطن عندما على الشيخ شامخاً مشنوقاً، ووصفها الطليان "بالمرأة التي كسرت جدار الصمت".

ما بعد وفات أسد الصحراء

بعد نجاح الإيطاليين في إعدام الشيخ المجاهد عمر المختار قائد المجاهدين في عام 1350هـ/1931م، اطمأنت الامبراطورية الإيطالية إلى سلطانها ودانت لها المناطق الليبية حتى عام 1362هـ/1942م وكان الناس يعانون فيها اليأس والقنوط؛ فأمير البلاد في مهجره بمصر، وأهل الحل والعقد بعيدون ومنفيون، وهلك نصف الشعب أو أكثر، والباقون مستضعفون، وبدأ قائد إيطالي آخر بنزع الأراضي وتسليمها إلى الطليان وتحويل سكان ليبيا إلى خدم وعبيد لهم.

في سبتمبر 1939م بدأت الحرب العالمية الثانية ، وبعد أن انهارت فرنسا أعلنت إيطاليا الحرب على إنجلترا وفرنسا في 10/6/1940م بقيادة زعيمها موسوليني إلى جانب ألمانيا. وكانت الهزيمة، إذ إنه في نهاية يوم 7/2/1942م أخلت جيوش رومل المنهزمة بلاد طرابلس بأجمعها. وعادت البلاد إلى قيادة السنوسيين وصار اسم عمر المختار الشهيد عالياً ورمزاً للجهاد ضد العدوان الأجنبي وأحقاده.

أشهر أقوال عمر المختار​

قال للجنرال غارتسياني:

1- عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي.

2- نحن أيضاً لدينا تاريخ، علوم ورياضيات وطب. في قرون ظلامكم قدنا العالم في المعارف.

3- أنت لن تفعل بي إلا ما قدره الله لي.

4- لا حق لأمة في احتلال أمم أخرى.

5- يمكنهم هزيمتنا إذا نجحوا باختراق معنوياتنا.

6- صاحب الحق يعلو وإن أسقطته منصة الإعدام.

7- المعركة التي تنتصر فيها وحدك، لا تحتفل بها مع الذين تخلوا عنك وأنت تحت ضرب السيوف.

8- الحكم حكم الله لا حكمكم المزيف.

9- آفة القوة استضعاف الخصم.

10- من كافأ الناس بالمكر كافأوه بالغدر.

11- يستطيعُ المدفع إسكات صوتي، ولكنه لا يستطيع إلغاء حقي.

12- حين يقاتل المرء لكي يغتصب وينهب، قد يتوقف عن القتال إذا امتلأت جعبته، أو أنهكت قواه، ولكنه حين يحارب من أجل وطنه يمضي في حربه إلى النهاية.
 
التعديل الأخير:
b28d7ead-f1b6-4d7b-9278-f8a532c7cf1d.jpg

عمر المختار مجاهداً في سبيل الله وهو يمتطي جواده وسط المقاومين الليبيين
 


مقطع من فيلم عمر المختار وهو يحاور الجنرال كرسياني
 
سلسلة رائعة اخي مصطفى واصل هذه السلسة الرائعة حتى بعد رمضان ولو بصفة اسبوعية اتمنى ان لا يتوقف الامر هنا يا شيخنا
 
غدا لنا موعد مع

علي بن أبي طالب .. رابع الخلفاء الراشدين

أحد العشرة المبشرين بالجنة

 

علي بن أبي طالب .. رابع الخلفاء الراشدين

أحد العشرة المبشرين بالجنة


علي بن أبي طالب


علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هو ابن عم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصهره من آل بيته. رابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وممن توفى ورسول الله صلى الله عليه وسلم راضٍ عنهم. ف هو ثاني أو ثالث الناس دخولا في الإسلام، وأول من أسلم من الصبيان.

اشتهر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالفصاحة والحكمة. فينسب له الكثير من الأشعار والأقوال المأثورة. كما يُعدّ رمزاً للشجاعة والقوّة ويتّصف بالعدل والزُهد. ويعتبر من أكبر علماء عصره علما وفقها إن لم يكن أكبرهم على الإطلاق رضي الله عنه.

من هو علي بن أبي طالب؟

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان و يرجع نسبه إلى النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وهو ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم.

أمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف التي قيل أنها أول هاشمية تلد لهاشمي. أسلمت وهاجرت إلى المدينة المنورة، تُوفِّيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلّى عليها، ونزل في قبرها، وأثنى عليها رحمها الله.

إخوته: من الذكور طالب، وعقيل، وجعفر ومن الإناث هند المعروفة بأم هاني، وجمانة، وريطة المكنات بأم طالب وأسماء.

مولده ونسبه

هو أصغر ولد أبيه أبي طالب بن عبد المطلب أحد سادات قريش والمسؤول عن السقاية فيها. يرجع نسبه إلى نبي الله إسماعيل بن إبراهيم.

أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، التي قيل أنها أول هاشمية تلد لهاشمي، ووالده قد كفلا رسول الله حين توفي والداه وجدّه عبد المطلب، فتربى ونشأ في بيتهما.

لا يُعرف يقينا متى وُلد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لكن بحسب بعض المصادر فإنه ولد بمكة يوم الجمعة الثالث عشر من رجب بعد ثلاثين عامًا من عام الفيل. هو أصغر أبناء أبيه أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم عم الرسول صلى الله عليه وسلم. أحد سادات قريش والمسؤول عن السقاية فيها. وكان قد كفل الرسول صلى الله عليه وسلم حين توفي والداه وجده وهو صغير فتربى ونشأ في بيته.

تقول بعض الروايات أن موضعاً بأحد جدران الكعبة و يسمى المستجار قبل الركن اليماني قد انشق لفاطمة بنت أسد حين ضربها الطلق فدخلت الكعبة وولدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ذُكر في المستدرك للحاكم النيسابوري: “تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه في جوف الكعبة”. والله تعالى أعلم.

حين كان علي رضي الله عنه ما بين الخامسة والسادسة من عمره مرت بمكة المكرمة سنين عسرة أثّرت على الأحوال الاقتصادية و كان لأبي طالب ثلاثة أبناء: علي وعقيل وجعفر، فذهب إليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وعمه العباس بن عبد المطلب وعرضا عليه أن يأخذ كل منهما ولدا من أبنائه يربيه ويكفله تخفيفا للعبء الذي عليه. فأخذ العباس جعفر وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنهم، فتربى في بيته وكان ملازما له أينما ذهب.

أين تربى علي ولماذا كرم الله وجهه؟

تكفّل النبي -عليه الصلاة والسلام- بعلي بعد أن أصابت قريش في إحدى السنوات أزمةٌ شديدةٌ تضرّر الناس بسببها، وكان أبو طالب كثير الأولاد، فأتاه النبي مع العباس، ليكفل كلٌّ منهما أحد أبنائه، فيُخفّفا عنه ضيقه؛ فكَفِلَ العباس جعفر، وكَفِلَ النبي علياً.

وتربى في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان ملازماً له أينما ذهب، فكان يذهب معه إلى غار حراءللتعبد والصلاة، كما يُذكر أنه كان قبل الإسلام حنفيا لم يسجد لصنم قط طيلة حياته، ولهذا يقول المسلمون “كرم الله وجهه” بعد ذكر اسمه، وقيل لأنه لم ينظر لعورة أحد قط.

إسلامه رضي الله عنه

أسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو صغير، بعد أن عرض النبي محمد صلى الله عليه وسلم الإسلام على أقاربه من بني هاشم. تنفيذاً لما جاء في القرآن الكريم ، ورد في بعض المصادر أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد جمع أهله وأقاربه على وليمة، وعرض عليهم الإسلام، وقال أن من يؤمن به سيكون وليه ووصيه وخليفته من بعده، فلم يجبه أحد إلا علياً رضي الله عنه. سمي هذا الحديث حديث يوم الدار أو إنذار يوم الدار والله تعالى أعلم.

و في رواية عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه : “بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء”، والله تعالى أعلم.
في جميع الأحوال والمتفق عليه أنَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أول من أسلم من الصبيان ومن السابقين إلى الإسلام. ذهب البعض مثل ابن اسحاق إلى أنه أول الذكور إسلاما، وإن اعتبر آخرون مثل الطبري أن أبا بكر هو أول الرجال إسلاماً مستندين إلى روايات تقول أن عليا لم يكن راشدا حين أسلم، فالروايات تشير إلى أن عمره حين أسلم يتراوح بين تسعة أعوام و ثمانية عشر عام، وفي رواية أوردها الذهبي في تاريخه: “أول رجلين أسلما أبو بكر وعلي وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه”. كما كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من صلى مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم وزوجته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بعد الإسلام.

هجرته إلى المدينة وفداؤه للنبي

في اليوم الذي عزم فيه الرسول صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى يثرب، اجتمع سادات قريش في دار الندوة واتفقوا على قتله، فجمعوا من كل قبيلة شاب قوي وأمروهم بانتظاره أمام باب بيته ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل. جاء المَلَك جبريل عليه السلام إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحذره من تآمر القريشيين لقتله.

فطلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن يبيت في فراشه بدلا منه ويتغطى ببرده الأخضر ليظن الناس أن النائم هو محمد صلى الله عليه وسلم وبهذا غطي على هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحبط مؤامرة أهل قريش.

يعتبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول فدائي في الإسلام بموقفه في تلك الليلة. كان محمداً صلى الله عليه وسلم قد أمره أن يؤدي الأمانات إلى أهلها ففعل، حيث كان أهل قريش يضعون أماناتهم عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأمانته وحُسن خُلقه.

بقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مكة المكرمة ثلاثة أيام حتى وصلته رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عبر رسوله أبي واقد الليثي رضي الله عنه يأمره فيها بالهجرة للمدينة المنورة. خرج علي بن أبي طالب للهجرة إلى المدينة المنورة وهو في الثانية والعشرين من عمره، وحسب رواية إبن الاثير في أسد الغابة فقد خرج علي رضي الله عنه وحيداً يمشي الليل ويكمن النهار.

علي بن أبي طالب في حياة النبي

بعد أن وصل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المدينة المنورة واستقر فيها، تزوج من فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم في شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة ولم يتزوج بأخرى في حياتها.

أنجب علي من فاطمة الزهراء رضي الله عنهما الحسن والحسين رضي الله عنهما في السنتين الثالثة والرابعة من الهجرة على التوالي. كما أنجب زينب وأم كلثوم رضي الله عنهما. كان عليا رضي الله عنه موضع ثقة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فكان أحد كتاب الوحي الذين يدونون القرآن الكريم في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

كما كان أحد سفرائه الذين يحملون الرسائل ويدعون القبائل للإسلام. واستشاره الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الكثير من الأمور مثلما استشاره في ما يعرف بحادثة الإفك. شهد بيعة الرضوان وأمره النبي محمد صلى الله عليه وسلم حينها بتدوين وثيقة صلح الحديبية وأشهده عليه.

كما ساهم في فض النزاعات وتسوية الصراعات بين بعض القبائل. وشهد رضي الله عنه جميع المعارك مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلا غزوة تبوك، التي خلفه فيها على المدينة وعلى عياله بعده وقال له صلى الله عليه وسلم: “أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي” وسلم له الراية في الكثير من المعارك.

براعته وشجاعته وقوته في القتال

عُرِفَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ببراعته وقوته في القتال، وقد تجلى هذا في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم.

في غزوة بدر، هزم علي كرم الله وجهه الوليد بن عتبة، وقتل ما يزيد عن عشرين من المشركين.

في غزوة أحد قتل طلحة بن عبد العزى حامل لواء قريش في المعركة.

أرسله محمد صلى الله عليه وسلم إلى فدك فأخذها في سنة ٦ هـ.

اقتحم حصن خيبر متخذا الباب درعا له لشدة قوته في القتال.

ثبت مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين.

كان لعلي رضي الله عنه سيف شهير أعطاه له الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد عرف باسم ذو الفقار.

إدارته للدولة الإسلامية زمن الخلافة

استلم علي الخلافة خلفا لعثمان رضي الله عنهما في وقت كانت الدولة الإسلامية تمتد من المرتفعات الإيرانية شرقا إلى مصر غربا بالإضافة لشبه الجزيرة العربية بالكامل وبعض المناطق غير المستقرة على الأطراف و منذ اللحظة الأولى في خلافته أعلن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه سيطبق مبادئ الشريعة الإسلامية وترسيخ العدل والمساواة بين الجميع بلا تفضيل أو تمييز.

على الرغم من أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يقم بأي فتوحات طوال فترة حكمه إلا أنها اتصفت بالكثير من المنجزات المدنية والحضارية منها تنظيم الشرطة وإنشاء مراكز متخصصة لخدمة العامة كدار المظالم ومربد الضوال وبناء السجون وكان يدير حكمه انطلاقا من دار الإمارة.

كما ازدهرت الكوفة في عهده وبنيت بها مدارس الفقه والنحو وقد أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبا الأسود الدؤلي بتشكيل حروف القرآن لأول مرة. ويعتقد بعض الباحثين أنه أول من سك الدرهم الإسلامي الخالص، مخالفين بهذا المصادر التاريخية الأخرى التي تقول أن عبد الملك بن مروان هو أول من ضرب الدراهم الإسلامية الخالصة والله تعالى أعلى وأعلم.

اخلاقه وصفاته رضي الله عنه

كان علي بن ابي طالب ذا مكانةٍ عالية من المعرفة والحِكمة، قال فيه عبد الله بن عبّاس “كنّا إذا أتانا الثَّبْت عن علي -رضي الله عنه- لم نَعْدل به”، وقال ابن شُبرُمة: “إذا ثبت لنا الحديث عن علي -رضي الله عنه- أخذناه وتركنا ما سواه”.

من أكثر الصحابة معرفةً بأمور القضاء، فقد ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: “أرحمُ أمَّتي بأمَّتي أبو بَكرٍ، وأشدُّهم في دينِ اللَّهُ عمرُ، وأصدقُهم حياءً عثمانُ، وأقضاهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ.

كما عُرِف عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- بكرمه، وسخائه، فكان يرى أنّ قضاء حاجة الآخرين أحبّ إلى قلبه ممّا في الأرض من ذهب وفضة، وقد بلغت الأوقاف التي أوقفها أربعين ألف ديناراً.

صبر عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- في حياته كثيراً، وذلك منذ صِغره حين أسلم مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في المرحلة السرّية من الدعوة، وفيما تعرّض له في الغزوات والسرايا، والفِتن التي واجهها أثناء خلافته، وكان يحثّ الصحابة على الصبر.

وعُرِف عليّ بشجاعته، ومن المواقف الشاهدة على ذلك توشّحه رداء النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ونومه في فراشه طوال الليل، حماية له من القوم الذين يتربّصون به لقتله، وذلك عند هجرته -عليه السلام-، وتعرُّضه للحبس والضرب من قِبلهم، بسبب فِعله.

وامتثل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لعبادة الله -تعالى- الشاملة في كلّ جوانب حياته، فكان من أصحاب التهجُّد في الليل، يحثّ غيره على مخافة الله، واستشعار مراقبته لهم، والتوجّه إليه خوفا من عقابه، ورجاء لرحمته، مبيّنا لهم أنّ النفع والضرّ بيده وحده، وأنّه المُنعِم الوحيد عليهم، ومالك كلّ شيءٍ.

من حكم وأقوال الإمام علي بن أبي طالب

حكم وأقوال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- لا تعد ولا تحصى، لكننا سنذكر بعضا منها وهي كالتالي:
** العلم خير من المال، لأن المال تحرسه والعلم يحرسك، والمال تُفْنيه النَّفقة والعلم يزكو على الإِنفاق، والعلم حاكِم والمال محكوم عليه، مات خازنوا المال وهم أحياء، والعلماء بَاقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة.

*** أعداؤك ثلاثة: عدوك، وصديق عدوك، وعدو صديقك .

*** من ينصّب نفسـه للنـاس إمامـا، فليبـدأ بتعليـم نفسـه قبل تعليم غيــره. وليكـن تأديبـه بسـيرته قبل تأديبـه بلسـانه

*** إِذا أَقبلتِ الدنيا على أحد أَعارته محاسن غيره، وإِذا أَدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.

*** الايثار شيمة الابرار

*** منْ صارع الحق صرعه.

*** ليس بلد بأَحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك

*** من كرُمت عليه نفسه هانت عليه شهوته

*** لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

*** مثل الدنيا كمثل الحيَّة: ليّن مسّها، والسمّ النّاقع في جوفها، يهوِي إليها الغرّ الجاهل، ويحذرها ذو اللّبّ العاقل!

*** إن الحق لا يعرف بالرجال , اعرف الحق . . . تعرف أهله .

*** استغنِ عمن شئت تكن نظيره، وأحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره .

*** الصبر صبران: صبر على ما تَكره، وصبر عما تحب

*** خير المال ما أغناك وخير منه ما كفاك و خير أصحابك من واسآك وخير منه من كفاك شـره.

من أيقن أحسن، من تعلم علم، من اعتزل سلم، من عقل فهم، من عرف كفّ، من عقِل عفّ، من اختبر اعتزل، من أحسن ظنه أهمل، من ساء ظنه تأمل، من عمل بالحق غنم، من ركب الباطل ندم، من ملكهُ هواه ضل، من ملكهُ الطمع ذل، من تفهم فهم، من تحلّم حلم، من عجل ذل، من قل ذل…

من أشعاره

يقول في ذهاب الوفاء بين الناس:

ذهبَ الوفاءُ ذهابَ أمس الذاهب فالنـاس بـيـنَ مـُخـاتـل ومـواربِ

يُفشـون بينهمُ الـمـودةَ والـصـّفا


وقـلـوبُـهم محـشـوّةٌ بـالـعـقـاربِ

وقال في الغنى والفقر:

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السعادة فيها ترك ما فيهيا

لا دارَ للمرء بعد الموتِ يسكنها إلّا

التي كان قبل الموتِ بانيها

فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن

بناها بشرٍ خاب بانيها

أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا

لخراب الدهر نبنيها

أين الملوك التي كانت مسلطِنة حتى

سقاها بكأس الموت ساقيها

فكم مدائن في الآفاق قد بنيت أمست

خرابًا وأفنى الموت أهليها

لا تركنن إلى الدنيا وما فيها


فالموتُ لا شكّ يفنينا ويفنيها

وقال
عن الصبر

ألاَ فَاصْبِرْ على الحَدَثِ الجَلِيْلِ وَدَاوِ

جِوَاكَ بالصَّبْرِ الجَميل

 وَلاَ تَجْزَعْ وإِنْ أَعْسَرْتَ يوما فقد

أيسرت في الزمن الطويل

وقال في الفرق بين العلّم والمال

ليس اليتيم الذي قد مات والدُهُ إنّ

اليتيم يتيمُ العلم والأدبِ

استشهاده

كان علي كرم الله وجهه يؤم المسلمين في صلاة الفجر في مسجد الكوفة، وفي أثناء الصلاة ضربه عبد الرحمن بن ملجم بسيف مسموم على رأسه، فقال علي رضي الله عنه جملته الشهيرة: “فزت ورب الكعبة. وتقول بعض الروايات أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان في الطريق إلى المسجد حين اغتاله ابن ملجم، ثم حمل على الأكتاف إلى بيته وقال: “أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، النفس بالنفس، إن هلكت، فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي” ونهى عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه.

وجيء له بالأطباء الذين عجزوا عن معالجته فلما علم علي أنه ميت قام بكتابة وصيته كما ورد في مقاتل الطالبيين و ظل السم يسري بجسده إلى أن توفاه الله بعدها بثلاثة أيام تحديدا ليلة ٢١ رمضان سنة ٤٠ هـ عن عمر يناهز ٦٤ سنة حسب بعض الأقوال.
 

غدا لنا موعد مع أحد العشرة المبشرين بالجنة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

 
Umar2.png


الفاروق عمر بن الخطاب .. دولة العدل والفتوحات ..لن يظلم أحد وعمر أمير المؤمنين


لم تتحقق الدولة الإسلامية بصورتها المثلى في عهد أيٍّ من عهود الخلفاء والحكام مثلما تحققت في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي جمع بين النزاهة والحزم، والرحمة والعدل، والهيبة والتواضع، والشدة والزهد.

ونجح الفاروق (رضي الله عنه) في سنوات خلافته العشر في أن يؤسس أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ، فقامت دولة الإسلام، بعد سقوط إمبراطورتي “الفرس” و”الروم” – لتمتد من بلاد فارس وحدود الصين شرقًا إلى مصر وإفريقية غربًا، ومن بحر قزوين شمالا إلى السودان واليمن جنوبًا، لقد استطاع “عمر” (رضي الله عنه) أن يقهر هاتين الإمبراطوريتين بهؤلاء العرب الذين كانوا إلى عهد قريب قبائل بدوية، يدبُّ بينها الشقاق، وتثور الحروب لأوهى الأسباب، تحرِّكها العصبية القبلية، وتعميها عادات الجاهلية وأعرافها البائدة، فإذا بها – بعد الإسلام – تتوحَّد تحت مظلَّة هذا الدين الذي ربط بينها بوشائج الإيمان، وعُرى الأخوة والمحبة، وتحقق من الأمجاد والبطولات ما يفوق الخيال، بعد أن قيَّض الله لها ذلك الرجل الفذّ الذي قاد مسيرتها، وحمل لواءها حتى سادت العالم، وامتلكت الدنيا.

مولد عمر بن الخطاب ونشأته

وُلِد عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العُزَّى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزَاح بن عديّ (رضي الله عنه) في مكة ونشأ بها، وكان أبوه “الخطاب” معروفًا بشدَّته وغلظته، وكان رجلاً ذكيًّا، ذا مكانة في قومه، شجاعًا جريئا، كما كان فارسًا من فرسان العرب، شارك في العديد من الحروب والمعارك، وكان على رأس بني عدي في حرب الفجار، وقد تزوَّج “الخطاب” عددًا من النساء، وأنجب كثيرًا من الأبناء.
وحظي عمر (رضي الله عنه) – في طفولته – بما لم يَحْظَ به كثير من أقرانه من أبناء قريش، فقد تعلَّم القراءة والكتابة، ولم يكن يجيدها في قريش كلها غير سبعة عشر رجلاً.

ولما شبَّ عُمر (رضي الله عنه) كان يرعى في إبل أبيه، وكان يأخذ نفسه بشيء من الرياضة، وقد آتاه الله بسطة من الجسم، فأجاد المصارعة، وركوب الخيل، كما أتقن الفروسية والرمي.

وكان عمر (رضي الله عنه) – كغيره من شباب “مكة” قبل الإسلام – محبًّا للهو والشراب، وقد ورث عن أبيه ميلاً إلى كثرة الزوجات، فتزوَّج في حياته تسع نساء، وَلَدْن له اثني عشر ولدًا (ثمانية بنين وأربع بنات)، ولم يكن كثير المال، إلا أنه عرف بشدة اعتداده بنفسه حتى إنه ليتعصب لرأيه ولا يقبل فيه جدلاً.

وعندما جاء الإسلام وبدأت دعوة التوحيد تنتشر، أخذ المتعصِّبون من أهل مكة يتعرضون للمسلمين ليردوهم عن دينهم، وكان “عمر” من أشدِّ هؤلاء حربًا على الإسلام والمسلمين، ومن أشدهم عداء للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

إسلام عمر بن الخطاب

وظلَّ “عمر” على حربه للمسلمين وعدائه للنبي (صلى الله عليه وسلم) حتى كانت الهجرة الأولى إلى الحبشة، وبدأ “عمر” يشعر بشيء من الحزن والأسى لفراق بني قومه وطنهم بعدما تحمَّلوا من التعذيب والتنكيل، واستقرَّ عزمه على الخلاص من “محمد”؛ لتعود إلى قريش وحدتها التي مزَّقها هذا الدين الجديد! فتوشَّح سيفه، وانطلق إلى حيث يجتمع محمد وأصحابه في دار الأرقم، وبينما هو في طريقه لقي رجلاً من “بني زهرة” فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدًا، فقال: أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم! وأخبره بإسلام أخته “فاطمة بنت الخطاب”، وزوجها “سعيد بن زيد بن عمر
” (رضي الله عنه)، فأسرع “عمر” إلى دارهما، وكان عندهما “خبَّاب بن الأرت” (رضي الله عنه) يقرئهما سورة “طه”، فلما سمعوا صوته اختبأ “خباب”، وأخفت “فاطمة” الصحيفة، فدخل عمر ثائرًا، فوثب على سعيد فضربه، ولطم أخته فأدمى وجهها، فلما رأى الصحيفة تناولها فقرأ ما بها، فشرح الله صدره للإسلام، وسار إلى حيث النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، فلما دخل عليهم وجل القوم، فخرج إليه النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأخذ بمجامع ثوبه، وحمائل السيف، وقال له: أما أنت منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال، ما نزل بالوليد بن المغيرة؟ فقال عمر: يا رسول الله، جئتك لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله، فكبَّر رسول الله والمسلمون، فقال عمر: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: بلى، قال: ففيم الاختفاء؟ فخرج المسلمون في صفين حتى دخلوا المسجد، فلما رأتهم قريش أصابتها كآبة لم تصبها مثلها، وكان ذلك أول ظهور للمسلمين على المشركين، فسمَّاه النبي (صلى الله عليه وسلم) “الفاروق” منذ ذلك العهد.

هجرة عمر بن الخطاب إلى المدينة

كان إسلام “الفاروق” عمر في ذي الحجة من السنة السادسة للدعوة، وهو ابن ست وعشرين سنة، وقد أسلم بعد نحو أربعين رجلاً، ودخل “عمر” في الإسلام بالحمية التي كان يحاربه بها من قبل، فكان حريصًا على أن يذيع نبأ إسلامه في قريش كلها، وزادت قريش في حربها وعدائها للنبي وأصحابه؛ حتى بدأ المسلمون يهاجرون إلى “المدينة” فرارًا بدينهم من أذى المشركين، وكانوا يهاجرون إليها خفية، فلما أراد عمر الهجرة تقلد سيفه، ومضى إلى الكعبة فطاف بالبيت سبعًا، ثم أتى المقام فصلى، ثم نادى في جموع المشركين: “من أراد أن يثكل أمه أو ييتم ولده أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي”.

وفي “المدينة” آخى النبي (صلى الله عليه وسلم) بينه وبين “عتبان بن مالك” وقيل: “معاذ بن عفراء”، وكان لحياته فيها وجه آخر لم يألفه في مكة، وبدأت تظهر جوانب عديدة ونواح جديدة، من شخصية “عمر”، وأصبح له دور بارز في الحياة العامة في “المدينة”.

موافقة القرآن لرأي عمر بن الخطاب

تميز “عمر بن الخطاب” بقدر كبير من الإيمان والتجريد والشفافية، وعرف بغيرته الشديدة على الإسلام وجرأته في الحق، كما اتصف بالعقل والحكمة وحسن الرأي، وقد جاء القرآن الكريم، موافقًا لرأيه في مواقف عديدة من أبرزها: قوله للنبي صلى الله عليه وسلم ، يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى: فنزلت الآية ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) [ البقرة: 125]، وقوله يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب : (وإذا سألتموهن متاعًا فسألوهن من وراء حجاب) [الأحزاب: 53].

وقوله لنساء النبي (صلى الله عليه وسلم) وقد اجتمعن عليه في الغيرة: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن) [ التحريم: 5] فنزلت ذلك.

ولعل نزول الوحي موافقًا لرأي “عمر” في هذه المواقف هو الذي جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: “جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه”.

وروي عن ابن عمر: “ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر بن الخطاب، إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر رضي الله عنه”.

الفاروق عمر بن الخطاب خليفة للمسلمين

توفي النبي (صلى الله عليه وسلم) وتولى الصديق “أبو بكر”، خلافة المسلمين، فكان عمر بن الخطاب، وزيره ومستشاره الأمين، وحمل عنه عبء القضاء فقام به خير قيام، وكان “عمر” يخفي وراء شدته، رقة ووداعة ورحمة عظيمة، وكأنه يجعل من تلك الشدة والغلظة والصرامة ستارًا يخفي وراءه كل ذلك الفيض من المشاعر الإنسانية العظيمة التي يعدها كثير من الناس ضعفًا لا يليق بالرجال لا سيما القادة والزعماء، ولكن ذلك السياج الذي أحاط به “عمر” نفسه ما لبث أن ذاب، وتبدد بعد أن ولي خلافة المسلمين عقب وفاة الصديق.

بويع أمير المؤمنين “عمر بن الخطاب” خليفة للمسلمين في اليوم التالي لوفاة “ابي بكر الصديق [ 22 من جمادى الآخرة 13 هـ: 23 من أغسطس 632م] و بدأ الخليفة الجديد يواجه الصعاب والتحديات التي قابلته منذ اللحظة الأولى وبخاصة الموقف الحربي الدقيق لقوات المسلمين بالشام، فأرسل على الفور جيشًا إلى العراق بقيادة أبي عبيدة بن مسعود الثقفي” الذي دخل في معركة متعجلة مع الفرس دون أن يرتب قواته، ولم يستمع إلى نصيحة قادة جيشه الذين نبهوه إلى خطورة عبور جسر نهر الفرات، وأشاروا عليه بأن يدع الفرس يعبرون إليه؛ لأن موقف قوات المسلمين غربي النهر أفضل، حتى إذا ما تحقق للمسلمين النصر عبروا الجسر بسهولة، ولكن “أبا عبيدة” لم يستجب لهم، وهو ما أدى إلى هزيمة المسلمين في موقعة الجسر، واستشهاد أبي عبيدة وأربعة آلاف من جيش المسلمين.

الفتوحات الإسلامية في عهد الفاروق عمر بن الخطاب

بعد تلك الهزيمة التي لحقت بالمسلمين “في موقعة الجسر” سعى “المثنى بن حارثة” إلى رفع الروح المعنوية لجيش المسلمين في محاولة لمحو آثار الهزيمة، ومن ثم فقد عمل على استدراج قوات الفرس للعبور غربي النهر، ونجح في دفعهم إلى العبور بعد أن غرهم ذلك النصر السريع الذي حققوه على المسلمين، ففاجأهم “المثنى” بقواته فألحق بهم هزيمة منكرة على حافة نهر “البويب” الذي سميت به تلك المعركة.

ووصلت أنباء ذلك النصر إلى “الفاروق” في “المدينة”، فأراد الخروج بنفسه على رأس جيش لقتال الفرس، ولكن الصحابة أشاروا عليه أن يختار واحدًا غيره من قادة المسلمين ليكون على رأس الجيش، ورشحوا له “سعد بن أبي وقاص” فأمره “عمر” على الجيش الذي اتجه إلى الشام حيث عسكر في “القادسية”.

وأرسل “سعد” وفدًا من رجاله إلى “بروجرد الثالث” ملك الفرس؛ ليعرض عليه الإسلام على أن يبقى في ملكه ويخيره بين ذلك أو الجزية أو الحرب، ولكن الملك قابل الوفد بصلف وغرور وأبى إلا الحرب، فدارت الحرب بين الفريقين، واستمرت المعركة أربعة أيام حتى أسفرت عن انتصار المسلمين في “القادسية”، ومني جيش الفرس بهزيمة ساحقة، وقتل قائده “رستم”، وكانت هذه المعركة من أهم المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، فقد أعادت “العراق” إلى العرب والمسلمين بعد أن خضع لسيطرة الفرس قرونًا طويلة، وفتح ذلك النصر الطريق أمام المسلمين للمزيد من الفتوحات.

الطريق من المدائن إلى نهاوند

أصبح الطريق إلى “المدائن” عاصمة الفرس ، ممهدًا أمام المسلمين، فأسرعوا بعبور نهر “دجلة” واقتحموا المدائن، بعد أن فر منها الملك الفارسي، ودخل “سعد” القصر الأبيض مقر ملك الأكاسرة فصلى في إيوان كسرى صلاة الشكر لله على ما أنعم عليهم من النصر العظيم، وأرسل “سعد” إلى “عمر” يبشره بالنصر، ويسوق إليه ما غنمه المسلمون من غنائم وأسلاب.

بعد فرار ملك الفرس من “المدائن” اتجه إلى “نهاوند” حيث احتشد في جموع هائلة بلغت مائتي ألف جندي، فلما علم عمر بذلك استشار أصحابه، فأشاروا عليه بتجهيز جيش لردع الفرس والقضاء عليهم فبل أن ينقضوا على المسلمين، فأرس عمر جيشًا كبيرًا بقيادة النعمان بن مقرن على رأس أربعين ألف مقاتل فاتجه إلى “نهاوند”، ودارت معركة كبيرة انتهت بانتصار المسلمين وإلحاق هزيمة ساحقة بالفرس، فتفرقوا وتشتت جمعهم بعد هذا النصر العظيم الذي أطلق عليه “فتح الفتوح”.

فتح مصر

اتسعت أركان الإمبراطورية الإسلامية في عهد الفاروق عمر، خاصة بعد القضاء نهائيًا على الإمبراطورية الفارسية في “القادسية” ونهاوند ـ فاستطاع فتح الشام وفلسطين، واتجهت جيوش المسلمين غربًا نحو أفريقيا، حيث تمكن “عمرو بن العاص من فتح “مصر” في أربعة آلاف مقاتل، فدخل العريش دون قتال، ثم فتح الفرما بعد معركة سريعة مع حاميتها، الرومية، واتجه إلى بلبيس فهزم جيش الرومان بقيادة “أرطبون” ثم حاصر “حصن بابليون” حتى فتحه، واتجه بعد ذلك إلى “الإسكندرية” ففتحها، وفي نحو عامين أصبحت “مصر” كلها جزءًا من الإمبراطورية الإسلامية العظيمة.

وكان فتح “مصر” سهلاً ميسورًا، فإن أهل “مصر” ـ من القبط ـ لم يحاربوا المسلمين الفاتحين، وإنما ساعدوهم وقدموا لهم كل العون؛ لأنهم وجدوا فيهم الخلاص والنجاة من حكم الرومان الطغاة الذين أذاقوهم ألوان الاضطهاد وصنوف الكبت والاستبداد، وأرهقوهم بالضرائب الكثيرة.

عمر بن الخطاب أمير المؤمنين

كان “عمر بن الخطاب” نموذجًا فريدًا للحاكم الذي يستشعر مسئوليته أمام الله وأمام الأمة، فقد كان مثالا نادرًا للزهد والورع، والتواضع والإحساس بثقل التبعة وخطورة مسئولية الحكم، حتى إنه كان يخرج ليلا يتفقد أحوال المسلمين، ويلتمس حاجات رعيته التي استودعه الله أمانتها، وله في ذلك قصص عجيبة وأخبار طريفة، من ذلك ما روي أنه بينما كان يعس بالمدينة إذا بخيمة يصدر منها أنين امرأة، فلما اقترب رأى رجلا قاعدًا فاقترب منه وسلم عليه، وسأله عن خبره، فعلم أنه جاء من البادية، وأن امرأته جاءها المخاض وليس عندها أحد، فانطلق عمر إلى بيته فقال لامرأته “أم كلثوم بنت علي” ـ هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ فقالت: وما هو؟ قال: امرأة غريبة تمخض وليس عندها أحد ـ قالت نعم إن شئت فانطلقت معه، وحملت إليها ما تحتاجه من سمن وحبوب وطعام، فدخلت على المرأة، وراح عمر يوقد النار حتى انبعث الدخان من لحيته، والرجل ينظر إليه متعجبًا وهو لا يعرفه، فلما ولدت المرأة نادت أم كلثوم “عمر” يا أمير المؤمنين، بشر صاحبك بغلام، فلما سمع الرجل أخذ يتراجع وقد أخذته الهيبة والدهشة، فسكن عمر من روعه وحمل الطعام إلى زوجته لتطعم امرأة الرجل، ثم قام ووضع شيئًا من الطعام بين يدي الرجل وهو يقول له: كل ويحك فإنك قد سهرت الليل!
وكان “عمر” عفيفًا مترفعًا عن أموال المسلمين، حتى إنه جعل نفقته ونفقة عياله كل يوم درهمين، في الوقت الذي كان يأتيه الخراج لا يدري له عدا فيفرقه على المسلمين، ولا يبقي لنفسه منه شيئا.

وكان يقول: أنزلت مال الله مني منزلة مال اليتيم، فإن استغنيت عففت عنه، وإن افتقرت أكلت بالمعروف.

وخرج يومًا حتى أتى المنبر، وكان قد اشتكى ألمًا في بطنه فوصف له العسل، وكان في بيت المال آنية منه، فقال يستأذن الرعية: إن أذنتم لي فيها أخذتها، وإلا فإنها علي حرام، فأذنوا له فيها.

عدل عمر بن الخطاب وورعه

كان عمر دائم الرقابة لله في نفسه وفي عماله وفي رعيته، بل إنه ليشعر بوطأة المسئولية عليه حتى تجاه البهائم العجماء فيقول: “والله لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسئولا عنها أمام الله، لماذا لم أعبد لها الطريق”.

وكان “عمر” إذا بعث عاملاً كتب ماله، حتى يحاسبه إذا ما استعفاه أو عزله عن ثروته وأمواله، وكان يدقق الاختيار لمن يتولون أمور الرعية، أو يتعرضون لحوائج المسلمين، ويعد نفسه شريكًا لهم في أفعالهم.

واستشعر عمر خطورة الحكم والمسئولية، فكان إذا أتاه الخصمان برك على ركبته وقال: اللهم أعني عليهم، فإن كل واحد منهما يريدني على ديني.

وقد بلغ من شدة عدل عمر وورعه أنه لما أقام “عمرو بن العاص” الحد على “عبد الرحمن بن عمر” في شرب الخمر، نهره وهدده بالعزل؛ لأنه لم يقم عليه الحد علانية أمام الناس، وأمره أن يرسل إليه ولده “عبد الرحمن” فلما دخل عليه وكان ضعيفًا منهكًا من الجلد، أمر “عمر” بإقامة الحد عليه مرة أخرى علانية، وتدخل بعض الصحابة ليقنعوه بأنه قد أقيم عليه الحد مرة فلا يقام عليه ثانية، ولكنه عنفهم، وضربه ثانية و”عبد الرحمن” يصيح: أنا مريض وأنت قاتلي، فلا يصغي إليه. وبعد أن ضربه حبسه فمرض فمات!!

إنجازات عمر بن الخطاب الإدارية والحضارية

وقد اتسم عهد الفاروق “عمر” بالعديد من الإنجازات الإدارية والحضارية، لعل من أهمها أنه أول من اتخذ الهجرة مبدأ للتاريخ الإسلامي، كما أنه أول من دون الدواوين، وقد اقتبس هذا النظام من الفرس، وهو أول من اتخذ بيت المال، وأول من اهتم بإنشاء المدن الجديدة، وهو ما كان يطلق عليه “تمصير الأمصار”، وكانت أول توسعة لمسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) في عهده، فأدخل فيه دار “العباس بن عبد المطلب”، وفرشه بالحجارة الصغيرة، كما أنه أول من قنن الجزية على أهل الذمة، فأعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال، وجعلها ثمانية وأربعين درهمًا على الأغنياء، وأربعة وعشرين على متوسطي الحال، واثني عشر درهمًا على الفقراء.

وفي فجر يوم الأربعاء [ 26 من ذي الحجة 23 هـ: 3 من نوفمبر 644م] بينما كان الفاروق يصلي بالمسلمين كعادته اخترق “أبو لؤلؤة المجوسي” صفوف المصلين شاهرًا خنجرًا مسمومًا وراح يسدد طعنات حقده الغادرة على الخليفة العادل “عمر بن الخطاب” حتى مزق أحشاءه، فسقط مدرجًا في دمائه وقد أغشي عليه، وقبل أن يتمكن المسلمون من القبض على القاتل طعن نفسه بالخنجر الذي اغتال به “عمر” فمات من فوره ومات معه سر جريمته البشعة الغامضة، وفي اليوم التالي فاضت روح “عمر” بعد أن رشح للمسلمين ستة من العشرة المبشرين بالجنة ليختاروا منهم الخليفة الجديد.

7 قصص عن عمر بن الخطاب تحمل أجمل القيم


قصص عن عمر بن الخطاب . في موضوع اليوم ستكون لنا وقفة مع أجمل القصص لرجل فرق بين الحق والباطل بعدله ، وكان علما بارزا في سماء دولة الإسلام المشرقة ، إنه الفاروق عمر – رضي الله عنه – .

قصص عمر بن الخطاب في العدل

عدل عمر مع أهل الذمة

مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال : ما أنصفناك، إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك

ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه، ويقول عمر : لو مات جمل ضياعا على شط الفرات، لخشيت أن يسألني الله عنه .

ضربة وحجة

ذات يوم خرج عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إلى سوق المدينة يتفقد أحوال الرعية، وفي يده درته، فرأى سلمة بن الأكوع يسير في وسط الطريق، فضربه عمر ضربة خفيفة بالدرة فأصابت طرف ثوبه وأمره أن يسير في جانب الطريق، فلما كان العام التالي قابله عمر في نفس الموضع، فقال له : يا سلمة أتريد الحج ؟
فقال سلمة : نعم يا أمير المؤمنين، فأخذ عمر بيده، وانطلق به إلى منزله، فأعطاه ستمائة درهم، وقال له : استعن بها على حجك، واعلم أنها بالخفقة ( الضربة الخفيفة ) التي خفقتك بها العام الماضي .

قال سلمة : يا أمير المؤمنين، ما ذكرتها .
قال عمر : وأنا ما نسيتها .

موقف رائع

حمى عمر أرضا قرب المدينة لترعى فيها دواب المسلمين – ومعنى حمايتها أي جعلها ملكا عاما بين الجميع – ولكنه لم يكتف بذلك، فجعل هذا الحمى لمصلحة الطبقة الفقيرة، وذوي الدخل المحدود قبل كل شيء، ليكون هذا المرعى المجاني مصدرا لزيادة ثروتهم الحياتية، وزيادة دخلهم منها، ليستغنوا بذلك عن طلب المعونة من الدولة .

وهذا الهدف واضح في وصية عمر للذي ولاه على هذا الحمى للإشراف عليه، فقد قال له : اضمم جناحك عن الناس، واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة، وأدخل رب الصُّريمة والغنيمة ( الصريمة : الإبل القليلة، الغنيمة : الغنم القليلة

ودعني من نعم ابن عفان، ونعم ابن عوف ( أي إبل الأثرياء وغنمهم ) فإنهما إن أهلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع ( أي لهم ثروات ومصادر أخرى للدخل ) وإن هذا المسكين ( أي رب الصريمة والغنيمة ) إن هلكت ماشيته جاءني ببنيه، يصرخ : يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبا لك ؟ فالكلأ أيسر علي من الذهب والورق ( النقود الفضية ) .

أروع قصص عمر بن الخطاب


اشترى مظلمته

لما رجع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – من الشام إلى المدينة انفرد عن الناس ليعرف أخبار رعيته فمر بعجوز في خباء لها فقال : ما فعل عمر ؟
قالت : أقبل من الشام سالما .
فقال : ما تقولين فيه ؟
قالت : يا هذا، لا جزاه الله عني خيرا .
قال : ولم ؟
قالت : لأنه ما أنالني من عطائه منذ ولي أمر المسلمين دينارا ولا درهما .
فقال : وما يدري عمر بحالك وأنت في هذا الموضع ؟
فقالت : سبحان الله، والله ما ظننت أحدا يولى على الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها .
فبكى عمر وقال : واعمراه ! كل الناس أفقه منك حتى العجائز يا عمر، ثم قال لها : يا أمة الله بكم تبيعين مظلمتك من عمر فإني أرحمه من النار ؟
فقالت : لا تهزأ بنا، يرحمك الله .
فقال عمر : لست أهزأ بك، ولم يزل بها حتى اشترى مظلمتها بخمسة وعشرين دينار .

فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، فقالا : السلام عليك يا أمير المؤمنين. فوضعت العجوز يدها على رأسها وقالت : واسوءتاه ! شتمت أمير المؤمنين في وجهه .

فقال لها عمر : لا بأس عليك، يرحمك الله، ثم طلب قطعة جلد يكتب فيها فلم يجد، فقطع قطعة من مرقعته وكتب فيها : ” بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى عمر من فلانة مظلمتها منذ ولي الخلافة إلى يوم كذا بخمسة وعشرين دينارا، فما تدعي عليه عند وقوفها في الحشر بين يدي الله تعالى فعمر بريء منه، شهد على ذلك علي وابن مسعود ” ،ثم دفعها إلى ولده وقال له : إذا أنا مت فاجعلها في كفني ألقى بها ربي .

قميص عمر

جاءت إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أقمشة من اليمن، فأعطي كل رجل من المسلمين قطعة تكفي ثوبا واحدا، ثم أخذ نصيبه ونصيب ولده عبد الله وخاطه ولبسه .

فلما صعد عمر المنبر ليخطب في الناس، وقال : أيها الناس اسمعوا وأطيعوا، قام إليه رجل من المسلمين، وقال : لا سمعا ولا طاعة، فقال عمر : ولم ذلك ؟
قال : لأنك استأثرت علينا، قال عمر : بأي شيء ؟
قال الرجل : لقد أعطيت كلا منا قطعة من القماش، تكفي ثوبا واحدا، وأنت رجل طويل، وهذه القطعة لا تكفيك ثوبا، ونراك قد خيطه قميصا تاما، فلابد أنك أخذت أكثر مما أعطيتنا
فالتفت أمير المؤمنين إلى ابنه عبد الله، وقال : يا عبد الله أجبه عن كلامه، فقال عبد الله : لقد أعطيته من كسائي ما أتم به قميصه، قال الرجل : أما الآن فالسمع والطاعة .

قصص عمر بن الخطاب مع الرعية

مجلس القضاء

كان بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأبي بن كعب رضي الله عنهما خصومة فذهبا إلى زيد بن ثابت ليحكم بينهما، فرحب بهما زيد، وأدخلهما ووسع لعمر ليجلسه في مكان متميز، وقال : اجلس ها هنا يا أمير المؤمنين، فقال له عمر : هذا أول جور ( ظلم ) جرت في حكمك، ولكن أجلس مع خصمي .

وجلس الخصمان معا أمام زيد، فادعى أبي شيئا وأنكر عمر، وفي مثل هذه الحال، على المدعي أن يأتي ببينة، وعلى من أنكر أن يقسم .
عندئذ قال زيد لأبي : أعف أمير المؤمنين من اليمين، وما كنت لأسألها لأحد غيره، ولكن عمر رفض وحلف اليمين، ثم قام غاضبا لأن القاضي يفرق بينه وبين خصمه، وأقسم ألا يتولى زيد القضاء، حتى يكون عمر ورجل من عموم المسلمين عنده سواء، لا فرق بينهما .

الرسالة

دخل أعرابي على عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – غاضبا، وألقى في حجره لفافة من الشعر، فقال عمر : ما هذا ؟
قال الأعرابي : جئت أشكو إليك فقد ظلمني الوالي أبو موسى الأشعري .
قال عمر : وماذا فعل ؟
قال الأعرابي : لم يعطني حقي كاملا، فرددته إليه، فغضب، وجلدني عشرين سوطا، وقص شعري، وهو في هذه اللفافة التي ألقيتها إليك .
فتألم عمر وأرسل إلى أبي موسى الأشعري يأمره أن يجلس أمام جماعة من المسلمين ليجلده الأعرابي عشرين سوطا، ثم يحلق له شعر رأسه .

فلما قرأ أبو موسى رسالة عمر قام إلى الأعرابي وقال له : تقدم ونفذ ما أمر به عمر، ثم أعطاه سوطا ليجلده، وقدم إليه رأسه ليحلقه، فتأثر الأعرابي، وعفا عنه، وقال : لن يظلم أحد وعمر أمير المؤمنين.
 
عمر بن الخطاب أحد المبشرين بالجنه " إذا سلكت فجاً سلك الشيطان فجاً غير فج"

اصطفى الله سبحانه وتعالى من أصحاب النبي الله صلى الله عليه وسلم عشرة بشرهم بدخول الجنة في حديث واحد الذي سيأتي ذكره، فمن هم هؤلاء العشرة المبشرون بالجنة ، أسماؤهم ونبذة عن سيرتهم ومنزلتهم في الإسلام حتى نالوا هذا الشرف العظيم بالبشارة في الحياة الدنيا.

العشرة المبشّرون بالجنّة هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المذكورون في الحديث الذي رواه عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «‌أَبُو ‌بَكْرٍ ‌فِي ‌الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ.. » رواه الترمذي وأحمد بإسناد صحيح.

- عمر بن الخطاب رضي الله عنه الفاروق

هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أمير المؤمنين ، أبو حفص القرشي العدوي ، الفاروق رضي الله عنه . استشهد في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.

اعتز المسلمون بإسلام عمر بن الخطاب، وقد وقع الإسلام في قلبه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: “اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب”.

قال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر.

وقال سعيد بن جبير : {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِين} [التحريم: 4] ، نزلت في عمر خاصة.

وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر،
ولما أسلم عمر رضي الله عنه كبّر أهلُ الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، وقال: “يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حَيِينا؟ “، قال: “بلى، والذي نفسي بيده”، قال: “ففيمَ الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن”، قال عمر: “فأخرجناه في صَفَّين، حمزة في أحدهما وأنا في الآخر له كَدِيد ككديد الطَّحين، حتى دخل المسجدَ، فنظرت قريش إلى حمزة وعمر فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، قال: فسمّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ الفاروق، وفرّق الله بي الحقّ والباطل[2].

كان عمر بن الخطاب موصوفا في القرآن الكريم بصالح المؤمنين، وكان أفضل هذه الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكر الصديق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر: (إذا سلكت فجاً سلك الشيطان فجاً غير فجك) رضي الله عنه وأرضاه، وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان في الأمة ملهم لكان عمر بن الخطاب) رضي الله عنه وأرضاه، وهناك رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو كان نبي بعدي لكان عمر)، وهي رواية صحيحة، صححها الشيخ الألباني.

وقال علي -رضي الله عنه- بالكوفة على منبرها في ملأ من الناس أيام خلافته: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد ابي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته.. وهذا القول متواتر عن علي.

ولي الخلافة عشر سنين ونصف، وكان أوّل كلام تكلم به عمر حين استلم الخلافة، صعد المنبر أن قال: “اللهم إني شديد فليّنّي، وإني ضعيف فقوّني، وإني بخيل فسخّني”.

استشهد سنة ثلاث وعشرين إثر طعنة طعنها عدو الله أبولؤلؤة المجوسي وكان غلاما يعمل عند المغيرة بن شعبة. قال عمر حين أخبر أن أبا لؤلؤة هو الذي طعنه: “الحمد لله الذي قتلني من لا يحاجني عند الله بصلاة صلاها” وكان مجوسيّاً.
 
عودة
أعلى