ابحت عن الكتابة المسمارية
منعطف البشرية الكبير.. تاريخ الكتابة واختراعها وأصولها
كتابة عربية قديمة على "قطب منار" وهو معلم تاريخي هندي بني في القرن الـ12 الميلادي (غيتي)
سعى الإنسان منذ قديم الزمان لتسجيل مراحل حياته بالشفاهة والتدوين، وكان اختراع الكتابة منذ نحو 5 آلاف عام نقلة هائلة في تاريخ وواقع البشر، وبدأ التدوين بالرموز والصور، قبل أن تتطور الأبجدية الصوتية لكلام يدون الأفكار والمشاعر والعلوم والفنون.
ويعتبر الأديب والشاعر الأردني أمجد ناصر أن الإنسانية لم يكن لها أن تتحقق من دون كلمات وكتابة، فمغادرة الإنسان عجمته ليست في اكتشافه النطق، بل بتدوين هذا النطق وتحويله إلى تعبير.
ويتابع ناصر في مقال سابق له بالجزيرة نت بعنوان "منعطف جديد في تاريخ الكتابة" أن الكتابة "تحتاج وسيطا كي تنتقل، كان الوسيط الأول -كما نعرف- الرُّقم الطينية، كان كتبة الألواح الأولى ينقشون على الطين وهو طري بأداة ذات سن رفيعة قيل إنها من البوص، هل كانت تسمى أقلاما؟ ربما، ولكن ذلك الحفر على الطين هو أول أشكال الكتابة المتداول، وتلك الألواح الطينية هي أولى خطى رحلة الكلمة الطويلة، وتلك الأدوات الحادة ذات الأسنان الرفيعة (من البوص أو غيره) هي أول الأقلام".
وبالمثل، اعتبر تقرير نشر حديثا في موقع كوريوسفيرا الإسباني أن الكتابة تعتبر من أهم الإنجازات التي حققتها الإنسانية، لكن ربما لا نعرف جميعنا تاريخ الكتابة وكيفية اكتشافها.
من اخترع الكتابة؟
وأورد الموقع أن معرفة هوية من اكتشف الكتابة بالضبط تعتبر أمرا لا يستطيع البشر فعله اليوم، لكن ذلك لا يمنع بأنه لدينا فكرة تقريبية إلى حد ما، وذلك بفضل الدراسات التي أجريت حول أصل الكتابة في بلاد ما بين النهرين منذ أكثر من 5 آلاف عام، وفي الواقع، يرتبط اختراع الكتابة بالتجارة وبتنظيم المجتمع، أي بميلاد الحضارة.
وتم تنظيم المجتمعات الأولى حول الطبقات الكهنوتية، وأُجبر الكهنة على الاحتفاظ بسجل لما تم تخزينه وشرائه وبيعه، والذي كان حتى ذلك الحين يحفظ عن ظهر قلب.
أصل الكتابة
ويرى معظم الخبراء أن أصل الكتابة وبداياتها يعودان إلى بلاد ما بين النهرين في الألواح القديمة الموجودة في المدن السومرية على ضفاف نهري دجلة والفرات.
وتنتمي أقدم هذه الألواح إلى أوروك، وهي مدينة رائدة في الحياة الحضرية والكتابة والإدارة العامة، ويبلغ عدد سكانها حوالي 40 ألف نسمة.
وبالإضافة إلى ذلك، يصعب تحديد تاريخ هذه اللوائح على الرغم من أنها تنتمي إلى فترة ما بين 3400 و3200 قبل الميلاد.
وتجتمع العديد من الظروف في مدينة مثل أوروك (في بلاد الرافدين قديما، وفي إيران الحالية) التي ربما تكون الأولى في التاريخ منذ نشأتها حوالي 6500 قبل الميلاد، بما في ذلك تطوير الزراعة والري واختراع العجلة واستخدام الحيوانات الأليفة.
وفي الألفية الخامسة قبل الميلاد بدأ القدامى في كتابة علامات باللغة المسمارية على الطين باستخدام المخرز (إبرة يدوية) من أجل تحديد السلع وكميتها أيضا، وقد تم عمل نسختين منها، واحدة للمعبد والأخرى للتاجر.
وبهذه الطريقة، احتفظ الكهنة -الذين يتحكمون في الإنتاج- بسجل يحدد البائع والمشتري ومن يعطي فائض إنتاجه للمعابد القديمة.
تطور الكتابة
استفاد الأكاديون (في بلاد الرافدين) أولا، والحيثيون (عاشوا في الأناضول وشمال بلاد الشام) فيما بعد من النظام المقطعي السومري، وأضافوه إلى كتاباتهم المسمارية، وتعتبر هاتان اللغتان رائدتين، كل منهما بطريقتها الخاصة.
وزودتنا الكتابة الحيثية بأقدم كتابات تم العثور عليها في اللغات الهندوأوروبية حوالي 1600 قبل الميلاد، والتي تنحدر منها اليونانية والسنسكريتية.
ومن ناحية أخرى، تعتبر اللغة الأكادية أول لغة سامية معروفة ورثها الآشوريون والعبرانيون، فضلا عن الفينيقيين والآراميين والعرب والإثيوبيين.
ونشأت أول أبجدية معروفة من اللغات السامية سنة 1300 قبل الميلاد، وتحديدا في مملكة أوغاريت الواقعة بين سوريا وفلسطين، أو كما تسمى أرض كنعان، وعُثر على العديد من الألواح المكتوبة بنحو 8 لغات مختلفة، إحداها هي من أصل سامي ولها أبجدية تتكون من 30 حرفا.