لمحات من تاريخ الدولة العثمانية
مقتطعة من كتاب الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية للدكتور عثمان قدري مكانسي
القسم الأخير
ـ 14 ـ محمود الأول بن مصطفى الثاني (1143 ـ 1168
تولى الحكم بعد عمه المعزول ، وله من العمر خمسة وثلاثون عاماً ودام حكمه خمساً وعشرين سنة / 1143 هـ ــ 1168 هـ /
حدث في عهده أمور أهمها
1ــ كانت السلطة الحقيقية أول ماتولى الخلافة بيد زعيم الثورة (خليل بطرونا) الذي عزل الخليفة أحمد الثالث ، وفعل ما فعل ، ثم ثار الإنكشاريون عليه وقتلوه
2 ــ هدأت الأحوال واتجه الخليفة إلى قتال الصفويين فتغلب عليهم وصالحوه سنة 1142 هـ وتخلوا للعثمانيين عن تبريز وهمدان وإقليم لورستان
3 ــ لم يقبل والي طهماسب الصفوي ( نادر شاه ) عن هذه المعاهدة فخلع الشاه وولى مكانه ابنه عباساً وجعل نفسه وصياً عليه ، وانتصر على العثمانيين وحاصر بغداد ، واتفق معهم في مدينة تفليس على أن يردوا للفرس كل ما أخذوه منهم ، ثم نصب نفسه ملكاً على الفرس
4 ــ اتفقت الدول الأوروبية على قتال العثمانيين بعد احتلال روسيا لبولونيا ولآزوف الواقعة على البحر الأسود واحتلت ( ياسي ) عاصمة إقليم البغدان ، وسرعان ما اتفق الفرس والعثمانيون وأوقفوا تقدم الروس ، وانسحبت النمسا من المعارك ، وتم ذلك في معاهد بلغراد سنة /1152 هـ/ حيث تخلت النمسا عن الصرب والأفلاق وتعهد الروس بعدم بناء سفن في البحر الأسود
5 ــ اتفق العثمانيون مع السويد ضد الروس بجهود فرنسية سنة / 1153 هـ /
6 ــ انتصر النمسويون على فرنسا سنة / 1153 هـ /
7 ــ حكم الأفلاق والبغدان روم من استانبول فساموهم سوء المعاملة فاتجهوا إلى روسيا
بلغ عدد الصدور العظام في عهد الخليفة محمود الأول ستة عشر صدراً (معجم الأنساب زمباور ص 246)
ــ 15 ـ السلطان عثمان الثالث بن مصطفى (1168 ـ 1171
آل إليه الأمر وهو في الثامنة والخمسين ، وتوفي بعد ثلاث سنوات /1168 ــ 1171 هـ/ كان يهتم بأمر المسلمين ويعمل على الإصلاح
وكان الصدور العظام على عهده أربعة ، حكم كل منهم شهرين ، عزل الأول والثاني وأعدِم الثالث أما الرابع فقد كان رجلاً صالحاً استمر في توليه الصدارة إلى عهد مصطفى الثالث ـ نفس المصدر السابق
وبوفاة الخليفة عثمان الثالث بن مصطفى ينتهي عصر الضعف للدولة العثمانية ليبدأ عصر أضعف وأشد سوءاً
ومن الملاحظ في هذا العصر الذي امتد قرنين من الزمان أن غالبية الخلفاء لم يكونوا على الكفاءة المتوخاة وإن كان بعضهم قوي الشخصية مهيباً إلا أن الانحدار كان أقوى دفعاً فما من خليفة إلا سلم خَلَفه أقل مما أخذ من سلفه ، فما تزال الدولة في انكماش والاتساع إلى تقلص ، ومما ساعد على ذلك النظام الوراثي البعيد عن مبدأ الشورى في اختيار الأصلح، وانغماس العديد منهم في الترف والنعيم ، وترك الأمر لمن لاهم له إلا اغتنام الدنيا والعبُّ من مباهجها والتكالب على اصطفائها لنفسه وإرضاء نزوات رب نعمته فإذا ما حطت مصيبة تحمَّل مغبتها فعُزل أو أطيح برأسه ، وقد لاتدوم صدارته أشهرأ بله أياماً كما رأينا في الجداول الآنفة ، فإذا رزقت الأمة بصدور عظام كآل الكوبريلي ــ مثلاً ــ تنسمت الخير واستعادت هيبتها وقويت شوكتها ، لكنهم شامات في جبين آل عثمان قلَّ أن يجود الزمان بمثلهم.
ثالثها : عصر التراجع والانحطاط
بدأ هذا العصر بعد الضعف الذي آلت إليه الدولة العثمانية ، وبعد النهضة التي نمت في بلاد الغرب ، واتفاق الغرب على حرب العثمانيين واقتسام بلادهم ، واتسم هذا العصر بسمات منها
1ــ التحالف النصراني السافر أحياناً والخفي أحياناً أخرى
2ــ ظهور بعض الخلفاء الأقوياء نسبياً ، إلا أن ضعف الدولة واجتماع أوروبا عليها لم يفد كثيراً
3ــ اختفاء فكرة قتل الأخوة بعد محمد الثالث ــ تقريباً ــ والاستعاضة عن ذلك بحجزهم عن الناس
4ــ بقاء أثر من السيطرة للعقلية العسكرية حيث يثور الجند على القائد فيقتلونه إن فشل في معركة أو يتمردون على الخليفة وصدره الأعظم فيعزلونهما أو يقتلون أحدهما
5ــ القضاء على الإنكشاريين في عهد السلطان محمود الثاني وحل الجيوش النظامية محلهم
6ــ ظهور الهزيمة النفسية أمام الأوروبيين متمثلة في استقدام مدربين منهم والافتخار بتقليدهم
7 ــ ظهور القوميات التي مزقت الدولة وحلت محل الرابطة الدينية
8 ــ ازدياد الأثر اليهودي في الدولة واستعانتهم بالنفوذ النصراني للوصول إلى إنهاء الخلافة تماماً
9 ــ طول مدة الخلفاء نسبياً ، إذ حكم تسعة خلفاء منهم في أكثر من قرن ونصف من الزمان (التاريخ الإسلامي محمد شاكر ( العهد العثماني ) ص / 149 ــ 151 / بتصرف). والخلفاء هم كما يلي
مصطفى الثالث ين محمد (16 سنة) 1171 ـ 1187 هـ وفاة طبيعية
عبد الحميد الأول بن أحمد (16 سنة) 1187 ـ 1203 هـ وفاة طبيعية
سليم الثالث بن مصطفى (19 سنة) 1203 ـ 1222 هـ عُزل ومات بعد سنة
مصطفى الرابع بن عبد الحميد (أشهر) 1222 ـ 1223 هـ عُزل
محمود الثاني بن عبد الحميد (32 سنة) 1223 ـ 1255 هـ وفاة طبيعية
عبد المجيد الأول بن محمود ( 22 سنة) 1255 ـ 1277 هـ وفاة طبيعية
عبد العزيز بن محمود (16 سنة) 1277 ـ 1293 هـ قُتِلَ بعد العزل
مراد الخامس بن عبد المجيد (3 أشهر) 1293 هـ
عبد الحميد الثاني بن عبد المجيد (35) 1293 ـ 1328 هـ عُزل ومات بعد 9 سنوات
محمد الخامس بن عبد المجيد (9 سنوات) 1328 ـ 1347 هـ وفاة طبيعية
محمد السادس وحيد الدين (3 سنوات) 1347 ـ 1340 هـ اعتزل
عبد المجيد الثاني بن عبد العزيز (أشهر) 1340 ـ 1341 هـ عُزل ومات في فرنسا
* من الملاحظ أن مدة الحكم للخلفاء شهدت استقراراً في هذا العهد على الرغم من الضعف والتقهقر ، فبالمقارنة مع خلفاء عهد الضعف نجد أن خلفاء عهد التراجع والانحطاط حكم غالبيتهم مدة أطول وعاشوا مدة زمنية أكبر . لاشك أن الصراع على الحكم كان واضحاً إلا أنه بين الصدور العظام وقادة الجيش ، أما الخلفاء فقد تخلى أكثرهم عن دفة الحكم فعاشوا في مأمن من القتل ، وإن نال بعضهم نتيجة الصراع بين القوى المتنفذة ،عزل وإقصاء وربما قتل كما حدث لعبد العزيز بن محمود
ولكثرة الأحداث التي جرت في هذا العهد وانتقصت الدولة جزءاً فجزءاً بحروب أو معاهدات متلاحقة فإنني ذاكر ــ إن شاء الله ــ أهمها والتي تفيدنا في بحثنا هذا باختصار .
أما روسيا فقد اشتد ساعدها وبدأت تخطط لابتلاع الولايات المحيطة بها بالحروب تارة والمعاهدات القسرية تارة أخرى ، حتى إنها سيطرت على معظم سواحل البحر الأسود وحاصرت العاصمة استانبول أكثر من مرة ، واحتلت القرم وضمتها إليها سنة / 1185 هـ/ وشجعت ولاة الشام ومصر على الانتفاض على العثمانيين ودعمتهم بالمال والسلاح ، واحتلت الأفلاق والبغدان وأثارت اليونان في جزيرة المورة اليونانية ودعمت النمسا فاحتلت بلاد الصرب .
أما فرنسا فكانت أحياناً تلبس لبوس الحمل الوديع وأحياناً تحرض النصارى في الدولة العثمانية وأحياناً أخرى تحتل البلاد العربية كما فعل نابليون حين احتل مصر وحين احتلت جيوشها المغرب العربي
أما بريطانيا فكانت تشجع الروس أحياناً ضد العثمانيين وأحياناً تقف أمامهم خوفاً على مطامعها ، ثم احتلت مصر عام / 1882 / للميلاد ، وفصلتها عملياً عن الدولة العثمانية ، ودعمت حكام شبه الجزيرة العربية ليثوروا عليها ، ثم اقتسمت بلاد الشام مع فرنسا عام / 1922 / للميلاد والموافق / 1340 هـ
وسارعت إيطاليا إلى احتلال ليبيا واعتبارها جزء اً منها عام /1238 هـ ــ 1910 م
أما في تركيا بلد الخلافة فقد تأسست جمعية الاتحاد والترقي الماسونية في باريس / 1316 هـ / وهي الجناح العسكري لجمعية تركيا الفتاة ، وانضمت إليها جمعية الشبيبة العثمانية التي كانت قد تأسست في استانبول سنة / 1282 هـ / وتوغل اليهود في هذه الجمعية حتى كان شعار الماسونية شعارها وهو :حرية ، عدالة ، مساواة
وحاول هرتزل زعيم المنظمة اليهودية إذ ذاك الحصول على وطن يهودي في فلسطين فطلب مساعدة روسيا التي وعدته بتهجير كثير من اليهود الموجودين فيها إلى فلسطين ، وعرض على بريطانيا إنشاء هذه الدولة لتساعدهم على الوصول إلى الهند إن تعذر ذلك عليهم وهم في مصر
وعرض هرتزل على بعض رجالات العثمانيين ــ بعد أن أغراهم بالمال ــ أن يتوسطوا لدى السلطان عبد الحميد الثاني لمساعدته في إنشاء هذه الدولة فرفض السلطان ذلك ، وحاول هرتزل عن طريق الملك الألماني الذي زار استانبول سنة / 1315هـ ــ 1897 م / فصمم السلطان على الرفض (التاريخ الإسلامي ( العهد العثماني ) ص / 201 /) وقال
(انصحوا الدكتور هرتزل بأن لايتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع ، فإني لاأستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين .. فهي ليست ملك يميني بل ملك الأمة الإسلامية .. لقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه .. فليحتفظ اليهود بملايينهم وإذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن .. أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة ، وهذا أمر لايكون . إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة . /استانبول1901 م/)من فاتحة كتاب : صحوة الرجل المريض ، موفق بني المرجة
ثم طلبوا إليه تأجير منطقة القدس تسعاً وتسعين سنة وعرضوا على خزينة الدولة العثمانية خمسين مليون ليرة انجليزية ولحساب السلطان خمسة ملايين ليرة فطردهم شر طردة فعملوا على خلعه ، وكان اليهودي العثماني قرَصُوْه من الأربعة الذين أبلغوه قرار الخلع وكان ذلك سنة 1328هـ
رفض السلطان مساعدة هرتزل المادية على الرغم من فراغ الخزينة العثمانية كما رفض مساعدة اليهود العثمانيين ضد الأرمن . من كتاب ( والدي السلطان ) لعائشة ابنة السلطان عبد الحميد ص / 26 / ، وكتاب ( مذكرات السلطان عبد الحميد ) تقديم وترجمة الدكتور محمد حرب ص / 203 /
وفي ظلِّ جمعية الاتحاد والترقي عمل كمال أتاتورك (1) على هدم الخلافة العثمانية مع العديد من أصحابه يؤيدهم في ذلك ويخطط لهم الدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا ، هذه الدول التي احتلت بعد الحرب العالمية الأولى استانبول وفرضت الوصاية على الدولة العثمانية أولاً ثم طمس معالمها الإسلامية وإنهائها من الساحة ثانياً وكان ذلك سنة 1342 هـ الموافق 1924 م / وبذلك طويت آخر خلافة إسلامية حتى الآن حفظت البلاد الإسلامية ومن ضمنها البلاد العربية زهاء أربعة قرون ، ولاندعي أنها كانت خلافة راشدة ، بل كان فيها كثير من الأخطاء والتجاوزات .. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة بن اليمان حين سأله عن الخير في آخر الزمان هل يكون ؟ فقال : نعم وفيه دَخَن رواه البخاري في باب الفتن ج8 ص 93
إضاءة
حين هلك مصطفى كمال أتاتورك في رمضان 1357هـ الموافق تشرين الثاني 1938 م بعد أن ظل رئيساً للجمهورية التركية خمسة عشر عاماً ، كانت البلاد العربية على الشكل التالي
سوريا ولبنان والمغرب العربي : تحت الاحتلال الفرنسي
الخليج العربي والعراق والأردن وفلسطين ومصر : تحت الاحتلال الإنجليزي
الجزيرة العربية واليمن : تدينان للإنجليز دون أن يحتلوا أراضيهما
ليبيا : تحت الاحتلال الإيطالي
جزء من الساحل المغاربي : تحت الاحتلال الإسباني
انتهت اللمحات بحمد الله ولمن أراد الإطلاع على الشعر وتكملة القراءة عليه العودة الى الكتاب
ـ (1) ولد مصطفى كمال في سلانيقي سنة / 1298 هـ / من سفاح تسمى بأمه زبيدة، ونسب إلى علي رضا أحد موظفي الدولة في سلانيقي ، درس في الكلية الحربية وتخرج منها سنة / 1322 هـ / ، كان غير منضبط السلوك ، منصرفاً إلى الخمرة والنساء ، على كره شديد للإسلام وعلى صلة وثيقة بالإنجليز وهم الذين رفعوه مستميتاً على الزعامة ، أعلن إسقاط الخلافة العثمانية سنة / 1341 هـ ــ 1924 م / وأصبح أول رئيس للجمهورية التركية وعاصمتها أنقرة ، جعل الأحد العطلة الرسمية للبلاد بدل الجمعة ، واتخذ الحرف اللاتيني بديلاً للحرف العربي في الكتابة فخسرت الأمة كنوزها العلمية والأدبية ، وانقطع الحاضر عن الماضي ، وانقطعت تركيا عن أخواتها البلاد الإسلامية ، وأمر بالأذان باللغة التركية ، وأعلن القومية الطورانية ، وجعل الدستور علمانياً مستمداً من الدستور السويسري ، ومنع الحجاب ووو
من كتاب ( العهد العثماني ص / 228 / ، وكتاب التاريخ المعاصر ــ تركيا ــ ص / 52 ــ55 /للكاتب محمود شاكر
مقتطعة من كتاب الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية للدكتور عثمان قدري مكانسي
القسم الأخير
ـ 14 ـ محمود الأول بن مصطفى الثاني (1143 ـ 1168
تولى الحكم بعد عمه المعزول ، وله من العمر خمسة وثلاثون عاماً ودام حكمه خمساً وعشرين سنة / 1143 هـ ــ 1168 هـ /
حدث في عهده أمور أهمها
1ــ كانت السلطة الحقيقية أول ماتولى الخلافة بيد زعيم الثورة (خليل بطرونا) الذي عزل الخليفة أحمد الثالث ، وفعل ما فعل ، ثم ثار الإنكشاريون عليه وقتلوه
2 ــ هدأت الأحوال واتجه الخليفة إلى قتال الصفويين فتغلب عليهم وصالحوه سنة 1142 هـ وتخلوا للعثمانيين عن تبريز وهمدان وإقليم لورستان
3 ــ لم يقبل والي طهماسب الصفوي ( نادر شاه ) عن هذه المعاهدة فخلع الشاه وولى مكانه ابنه عباساً وجعل نفسه وصياً عليه ، وانتصر على العثمانيين وحاصر بغداد ، واتفق معهم في مدينة تفليس على أن يردوا للفرس كل ما أخذوه منهم ، ثم نصب نفسه ملكاً على الفرس
4 ــ اتفقت الدول الأوروبية على قتال العثمانيين بعد احتلال روسيا لبولونيا ولآزوف الواقعة على البحر الأسود واحتلت ( ياسي ) عاصمة إقليم البغدان ، وسرعان ما اتفق الفرس والعثمانيون وأوقفوا تقدم الروس ، وانسحبت النمسا من المعارك ، وتم ذلك في معاهد بلغراد سنة /1152 هـ/ حيث تخلت النمسا عن الصرب والأفلاق وتعهد الروس بعدم بناء سفن في البحر الأسود
5 ــ اتفق العثمانيون مع السويد ضد الروس بجهود فرنسية سنة / 1153 هـ /
6 ــ انتصر النمسويون على فرنسا سنة / 1153 هـ /
7 ــ حكم الأفلاق والبغدان روم من استانبول فساموهم سوء المعاملة فاتجهوا إلى روسيا
بلغ عدد الصدور العظام في عهد الخليفة محمود الأول ستة عشر صدراً (معجم الأنساب زمباور ص 246)
ــ 15 ـ السلطان عثمان الثالث بن مصطفى (1168 ـ 1171
آل إليه الأمر وهو في الثامنة والخمسين ، وتوفي بعد ثلاث سنوات /1168 ــ 1171 هـ/ كان يهتم بأمر المسلمين ويعمل على الإصلاح
وكان الصدور العظام على عهده أربعة ، حكم كل منهم شهرين ، عزل الأول والثاني وأعدِم الثالث أما الرابع فقد كان رجلاً صالحاً استمر في توليه الصدارة إلى عهد مصطفى الثالث ـ نفس المصدر السابق
وبوفاة الخليفة عثمان الثالث بن مصطفى ينتهي عصر الضعف للدولة العثمانية ليبدأ عصر أضعف وأشد سوءاً
ومن الملاحظ في هذا العصر الذي امتد قرنين من الزمان أن غالبية الخلفاء لم يكونوا على الكفاءة المتوخاة وإن كان بعضهم قوي الشخصية مهيباً إلا أن الانحدار كان أقوى دفعاً فما من خليفة إلا سلم خَلَفه أقل مما أخذ من سلفه ، فما تزال الدولة في انكماش والاتساع إلى تقلص ، ومما ساعد على ذلك النظام الوراثي البعيد عن مبدأ الشورى في اختيار الأصلح، وانغماس العديد منهم في الترف والنعيم ، وترك الأمر لمن لاهم له إلا اغتنام الدنيا والعبُّ من مباهجها والتكالب على اصطفائها لنفسه وإرضاء نزوات رب نعمته فإذا ما حطت مصيبة تحمَّل مغبتها فعُزل أو أطيح برأسه ، وقد لاتدوم صدارته أشهرأ بله أياماً كما رأينا في الجداول الآنفة ، فإذا رزقت الأمة بصدور عظام كآل الكوبريلي ــ مثلاً ــ تنسمت الخير واستعادت هيبتها وقويت شوكتها ، لكنهم شامات في جبين آل عثمان قلَّ أن يجود الزمان بمثلهم.
ثالثها : عصر التراجع والانحطاط
بدأ هذا العصر بعد الضعف الذي آلت إليه الدولة العثمانية ، وبعد النهضة التي نمت في بلاد الغرب ، واتفاق الغرب على حرب العثمانيين واقتسام بلادهم ، واتسم هذا العصر بسمات منها
1ــ التحالف النصراني السافر أحياناً والخفي أحياناً أخرى
2ــ ظهور بعض الخلفاء الأقوياء نسبياً ، إلا أن ضعف الدولة واجتماع أوروبا عليها لم يفد كثيراً
3ــ اختفاء فكرة قتل الأخوة بعد محمد الثالث ــ تقريباً ــ والاستعاضة عن ذلك بحجزهم عن الناس
4ــ بقاء أثر من السيطرة للعقلية العسكرية حيث يثور الجند على القائد فيقتلونه إن فشل في معركة أو يتمردون على الخليفة وصدره الأعظم فيعزلونهما أو يقتلون أحدهما
5ــ القضاء على الإنكشاريين في عهد السلطان محمود الثاني وحل الجيوش النظامية محلهم
6ــ ظهور الهزيمة النفسية أمام الأوروبيين متمثلة في استقدام مدربين منهم والافتخار بتقليدهم
7 ــ ظهور القوميات التي مزقت الدولة وحلت محل الرابطة الدينية
8 ــ ازدياد الأثر اليهودي في الدولة واستعانتهم بالنفوذ النصراني للوصول إلى إنهاء الخلافة تماماً
9 ــ طول مدة الخلفاء نسبياً ، إذ حكم تسعة خلفاء منهم في أكثر من قرن ونصف من الزمان (التاريخ الإسلامي محمد شاكر ( العهد العثماني ) ص / 149 ــ 151 / بتصرف). والخلفاء هم كما يلي
مصطفى الثالث ين محمد (16 سنة) 1171 ـ 1187 هـ وفاة طبيعية
عبد الحميد الأول بن أحمد (16 سنة) 1187 ـ 1203 هـ وفاة طبيعية
سليم الثالث بن مصطفى (19 سنة) 1203 ـ 1222 هـ عُزل ومات بعد سنة
مصطفى الرابع بن عبد الحميد (أشهر) 1222 ـ 1223 هـ عُزل
محمود الثاني بن عبد الحميد (32 سنة) 1223 ـ 1255 هـ وفاة طبيعية
عبد المجيد الأول بن محمود ( 22 سنة) 1255 ـ 1277 هـ وفاة طبيعية
عبد العزيز بن محمود (16 سنة) 1277 ـ 1293 هـ قُتِلَ بعد العزل
مراد الخامس بن عبد المجيد (3 أشهر) 1293 هـ
عبد الحميد الثاني بن عبد المجيد (35) 1293 ـ 1328 هـ عُزل ومات بعد 9 سنوات
محمد الخامس بن عبد المجيد (9 سنوات) 1328 ـ 1347 هـ وفاة طبيعية
محمد السادس وحيد الدين (3 سنوات) 1347 ـ 1340 هـ اعتزل
عبد المجيد الثاني بن عبد العزيز (أشهر) 1340 ـ 1341 هـ عُزل ومات في فرنسا
* من الملاحظ أن مدة الحكم للخلفاء شهدت استقراراً في هذا العهد على الرغم من الضعف والتقهقر ، فبالمقارنة مع خلفاء عهد الضعف نجد أن خلفاء عهد التراجع والانحطاط حكم غالبيتهم مدة أطول وعاشوا مدة زمنية أكبر . لاشك أن الصراع على الحكم كان واضحاً إلا أنه بين الصدور العظام وقادة الجيش ، أما الخلفاء فقد تخلى أكثرهم عن دفة الحكم فعاشوا في مأمن من القتل ، وإن نال بعضهم نتيجة الصراع بين القوى المتنفذة ،عزل وإقصاء وربما قتل كما حدث لعبد العزيز بن محمود
ولكثرة الأحداث التي جرت في هذا العهد وانتقصت الدولة جزءاً فجزءاً بحروب أو معاهدات متلاحقة فإنني ذاكر ــ إن شاء الله ــ أهمها والتي تفيدنا في بحثنا هذا باختصار .
أما روسيا فقد اشتد ساعدها وبدأت تخطط لابتلاع الولايات المحيطة بها بالحروب تارة والمعاهدات القسرية تارة أخرى ، حتى إنها سيطرت على معظم سواحل البحر الأسود وحاصرت العاصمة استانبول أكثر من مرة ، واحتلت القرم وضمتها إليها سنة / 1185 هـ/ وشجعت ولاة الشام ومصر على الانتفاض على العثمانيين ودعمتهم بالمال والسلاح ، واحتلت الأفلاق والبغدان وأثارت اليونان في جزيرة المورة اليونانية ودعمت النمسا فاحتلت بلاد الصرب .
أما فرنسا فكانت أحياناً تلبس لبوس الحمل الوديع وأحياناً تحرض النصارى في الدولة العثمانية وأحياناً أخرى تحتل البلاد العربية كما فعل نابليون حين احتل مصر وحين احتلت جيوشها المغرب العربي
أما بريطانيا فكانت تشجع الروس أحياناً ضد العثمانيين وأحياناً تقف أمامهم خوفاً على مطامعها ، ثم احتلت مصر عام / 1882 / للميلاد ، وفصلتها عملياً عن الدولة العثمانية ، ودعمت حكام شبه الجزيرة العربية ليثوروا عليها ، ثم اقتسمت بلاد الشام مع فرنسا عام / 1922 / للميلاد والموافق / 1340 هـ
وسارعت إيطاليا إلى احتلال ليبيا واعتبارها جزء اً منها عام /1238 هـ ــ 1910 م
أما في تركيا بلد الخلافة فقد تأسست جمعية الاتحاد والترقي الماسونية في باريس / 1316 هـ / وهي الجناح العسكري لجمعية تركيا الفتاة ، وانضمت إليها جمعية الشبيبة العثمانية التي كانت قد تأسست في استانبول سنة / 1282 هـ / وتوغل اليهود في هذه الجمعية حتى كان شعار الماسونية شعارها وهو :حرية ، عدالة ، مساواة
وحاول هرتزل زعيم المنظمة اليهودية إذ ذاك الحصول على وطن يهودي في فلسطين فطلب مساعدة روسيا التي وعدته بتهجير كثير من اليهود الموجودين فيها إلى فلسطين ، وعرض على بريطانيا إنشاء هذه الدولة لتساعدهم على الوصول إلى الهند إن تعذر ذلك عليهم وهم في مصر
وعرض هرتزل على بعض رجالات العثمانيين ــ بعد أن أغراهم بالمال ــ أن يتوسطوا لدى السلطان عبد الحميد الثاني لمساعدته في إنشاء هذه الدولة فرفض السلطان ذلك ، وحاول هرتزل عن طريق الملك الألماني الذي زار استانبول سنة / 1315هـ ــ 1897 م / فصمم السلطان على الرفض (التاريخ الإسلامي ( العهد العثماني ) ص / 201 /) وقال
(انصحوا الدكتور هرتزل بأن لايتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع ، فإني لاأستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين .. فهي ليست ملك يميني بل ملك الأمة الإسلامية .. لقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه .. فليحتفظ اليهود بملايينهم وإذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن .. أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة ، وهذا أمر لايكون . إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة . /استانبول1901 م/)من فاتحة كتاب : صحوة الرجل المريض ، موفق بني المرجة
ثم طلبوا إليه تأجير منطقة القدس تسعاً وتسعين سنة وعرضوا على خزينة الدولة العثمانية خمسين مليون ليرة انجليزية ولحساب السلطان خمسة ملايين ليرة فطردهم شر طردة فعملوا على خلعه ، وكان اليهودي العثماني قرَصُوْه من الأربعة الذين أبلغوه قرار الخلع وكان ذلك سنة 1328هـ
رفض السلطان مساعدة هرتزل المادية على الرغم من فراغ الخزينة العثمانية كما رفض مساعدة اليهود العثمانيين ضد الأرمن . من كتاب ( والدي السلطان ) لعائشة ابنة السلطان عبد الحميد ص / 26 / ، وكتاب ( مذكرات السلطان عبد الحميد ) تقديم وترجمة الدكتور محمد حرب ص / 203 /
وفي ظلِّ جمعية الاتحاد والترقي عمل كمال أتاتورك (1) على هدم الخلافة العثمانية مع العديد من أصحابه يؤيدهم في ذلك ويخطط لهم الدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا ، هذه الدول التي احتلت بعد الحرب العالمية الأولى استانبول وفرضت الوصاية على الدولة العثمانية أولاً ثم طمس معالمها الإسلامية وإنهائها من الساحة ثانياً وكان ذلك سنة 1342 هـ الموافق 1924 م / وبذلك طويت آخر خلافة إسلامية حتى الآن حفظت البلاد الإسلامية ومن ضمنها البلاد العربية زهاء أربعة قرون ، ولاندعي أنها كانت خلافة راشدة ، بل كان فيها كثير من الأخطاء والتجاوزات .. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة بن اليمان حين سأله عن الخير في آخر الزمان هل يكون ؟ فقال : نعم وفيه دَخَن رواه البخاري في باب الفتن ج8 ص 93
إضاءة
حين هلك مصطفى كمال أتاتورك في رمضان 1357هـ الموافق تشرين الثاني 1938 م بعد أن ظل رئيساً للجمهورية التركية خمسة عشر عاماً ، كانت البلاد العربية على الشكل التالي
سوريا ولبنان والمغرب العربي : تحت الاحتلال الفرنسي
الخليج العربي والعراق والأردن وفلسطين ومصر : تحت الاحتلال الإنجليزي
الجزيرة العربية واليمن : تدينان للإنجليز دون أن يحتلوا أراضيهما
ليبيا : تحت الاحتلال الإيطالي
جزء من الساحل المغاربي : تحت الاحتلال الإسباني
انتهت اللمحات بحمد الله ولمن أراد الإطلاع على الشعر وتكملة القراءة عليه العودة الى الكتاب
ـ (1) ولد مصطفى كمال في سلانيقي سنة / 1298 هـ / من سفاح تسمى بأمه زبيدة، ونسب إلى علي رضا أحد موظفي الدولة في سلانيقي ، درس في الكلية الحربية وتخرج منها سنة / 1322 هـ / ، كان غير منضبط السلوك ، منصرفاً إلى الخمرة والنساء ، على كره شديد للإسلام وعلى صلة وثيقة بالإنجليز وهم الذين رفعوه مستميتاً على الزعامة ، أعلن إسقاط الخلافة العثمانية سنة / 1341 هـ ــ 1924 م / وأصبح أول رئيس للجمهورية التركية وعاصمتها أنقرة ، جعل الأحد العطلة الرسمية للبلاد بدل الجمعة ، واتخذ الحرف اللاتيني بديلاً للحرف العربي في الكتابة فخسرت الأمة كنوزها العلمية والأدبية ، وانقطع الحاضر عن الماضي ، وانقطعت تركيا عن أخواتها البلاد الإسلامية ، وأمر بالأذان باللغة التركية ، وأعلن القومية الطورانية ، وجعل الدستور علمانياً مستمداً من الدستور السويسري ، ومنع الحجاب ووو
من كتاب ( العهد العثماني ص / 228 / ، وكتاب التاريخ المعاصر ــ تركيا ــ ص / 52 ــ55 /للكاتب محمود شاكر
التعديل الأخير: