الدولة العثمانية : معلومات و وثائق وصور وتراجم

الجيش العثماني في غزة: بطولات رغم الهزيمة

سامية السيد



قليل منا يعرف عن مشاركة الجيش العثماني في الدفاع عن غزة أثناء الحرب العالمية الأولى، أي في الفترة الزمنية من “1914-1918” . تلك الحرب التي سطّر فيها الجيش العثماني أمجادا كثيرة، فرغم النقص الحاد بالأسلحة والأعداد كان الجيش العثماني وقتها يحارب على 9 جبهات وهو في حالة يرثى لها ما تسبّب بمعاناة كبيرة للجيش، حيث التفوق الهائل لجيش الحلفاء بالعدد والأسلحة

وكان الجيش العثماني قد اتجه إلى معركة غزة الأولى التي سحق فيها الجيش البريطاني المدعوم بفرق أسترالية صينية هندية مصرية آيسلندية
ولكن الأمور لم تكن بتلك السهولة للجيش العثماني، فقد تعرّض الجيش لهزائم كما كسب انتصارات في معركة غزة ، فقد كان الدفاع عن فلسطين مسؤولية الجيش الرابع العثماني تحت قيادة الجنرال الألماني فريدريش فرايهر كرس فون كرسنشتاين

وبالرغم من انتصاراتهم السابقة على البريطانيين، فقد كانت كل من الروح المعنوية وأحوال قوات الجيش العثماني في حالة صعبة بسبب نقص الإمدادات والتعيينات والذخيرة ووسائل النقل وأعلاف الدواب والفرار من الجيش

وقد كانت الجبهة الرئيسية للجيش العثماني آنذاك في العراق حيث كانت قوة عثمانية يتقدّمها ألمان بقيادة رئيس أركان حرب القوات المسلحة الألمانية السابق (ومخطط معركة ڤردن)، الجنرال إريك فون فالكنهاين، تقوم بتجريدة لاستعادة بغداد من البريطانيين

وقبيل تجدد الهجوم البريطاني، خضعت القوات العثمانية لإعادة تنظيم لتشكيل الجيش الثامن ليعمل في جنوب فلسطين، وقد كان الجيش الثامن ينقسم إلى فرقتين وضم 9 ألوية مشاة ولواء فرسان، ولواءً آخرا، اللواء 20، الذي لم يصل بعد عند اندلاع المعركة

أما الدفاع عن غزة كان مسؤولية الجيش العشرين الذي كان يتألف من ثلاثة فرق في الخط الأمامي (الفرق 53، 3، 54 من الغرب إلى الشرق) وفرقتين في الاحتياط (7 و 19)، وشرق غزة كان الجيش العشرون موزّعا بأعداد قليلة، إذ كانت الفرقتين 26، 16 متواجدتين من العطوينة إلى الحريرة والفرقة 27 تدافع عن بئر السبع في أقصى الميسرة أي الشرق

أما من ناحية الجيش البريطاني ، فبعد تعيين اللنبي قائدا للقوات الإنجليزية في غزة قام بزيادة عدد وعتاد القوات التي تحت تصرّفه، كما تم استبدال الطبيعة الاستثنائية لهيكل الجيش بتنظيم اعتيادي

فبدلا من القوة الشرقية (تشكيل يشبه فيلق) بقيادة دوبل، كان هناك فيلقان مشاة وفيلق خيالة متمثلة في لواء الفرسان الخفيف الثالث التابع للفرقة الجبليـة الأسترالية و اللواء الثامن الجبلي البريطاني

كانت معركة (مرتفع بوغار) أول تحرّك للبريطانيين نحو شن هجومهم الواسع المرتقب ، واستهدفت تحطيـم الخط غزة_ بئر سبع الدفاعي، الأمر الذي يتيح لهم السيطرة على مسافة قدرها 50 كلم داخل فلسطين

وبانتهاء أعمال مد أنابيب المياه وخط السكة الحديد من تل الفرح إلى كارم استكملت التحضيرات اللوجستية للمعركة، ولحماية ذلك المستودع الحيوي من قصف البطاريات العثمانية المتواجدة بمعقل أبو حريرة، أمر الجنرال شوفال بتحويل قوات المقدمة المؤقتة إلى خط دفاعي دائــم وحدّد هذا الخط بأن تكون حدوده من الشرق للغرب عند نقطة المزرعة التي تخترق طريق بئر السبع

من وجهة نظر العثمانيين كان استيلاء الحلفاء على كارم بمثابة خلق نقطة إمداد بالمياه والتعيينات لكي يواصلوا عملياتهم دون خوف من الناحية اللوجستية ، لكن موضع مستودع كارم كان يضعه في مرمى نيران بطاريات المدفعية التركـية المتواجدة في منطقة أبو حريرة وما يسمى بنظام رشيدي الذي أمسى يشكّل عائقا قويا أمام الحلفاء وكانت كارم قلب تلك المنطقة

وللتغلّب على ذلك اقترح الجنرال فالكنهاين هجوما بمرحلتين، الأولي بتنفيذ عملية استطلاع بالقوات لبئر السبع يوم 27 أكتوبر نظرا لأن كل الهجمات العثمانية التي انطلقت تمّت منها

قبيل معركة غزة الثانية تم إرسال جنود وضباط من الفرقة 23 المرابطة في إسكندرونة ومن الفرقة 24 لتعويض قسم من الخسائر البشرية غير المسترجعة (القتلى والإصابات الثقيلة التي لم تشفى) الناتجة عن معركة غزة الأولى (الفوج 79 ) وتم تعويض خسائره بجنود وضباط من الفرقة 23

ولكن لم تشأ القيادة العثمانية ترك مهمة الدفاع عن تل المنطار لفوج آخر غير الفوج 79 نتيجة لما أبداه من تميز في الدفاع عن التل في معركة غزة الأولى

وبينما يرابط الفوج 79 في تل المنطار الذي كان يدافع عنه في معركة غزة الأولى، وإضافة لسرايا المدافع الرشاشة العثمانية الأصيلة التي كانت ضمن ملاك الأفواج (سرية في كل فوج)، تم دعم الفرقة أيضا بسريتين ألمانيتين إضافيتين من المدافع الرشاشة

وكانت المواقع الدفاعية العثمانية قادرة بشكل كبير على دعم بعضها بالنيران وعمل سد ناري في الفواصل التي بينها

وتقدّر المصادر البريطانية قوات العثمانيين وحلفائهم المنشرة في مواجهتهم بحوالي 25 ألف، منهم 18 ألف فرد مشاة قتالي مسلح بالبنادق (فيكون الباقي من سريتي الفرسان والهجانة إضافة لطواقم المدفعية والمدافع الرشاشة إضافة إلى فرقة الفرسان الثالثة التي تحتوي حوالي 1500 فردا مسلحين بالسيوف وما تبقى لوجستيين.

معـركة غزة الثانـية
بعد ضياع النصر من البريطانيين في معركة غزة الأولى، قاموا بشن هجوم ثانٍ على غزة تدعمهم مدافع أسطولهم وبعض الدبابات، وتمثَّل هدفهم في تحطيم الدفاعات العثمانـية على طول خط غزة – بئر السبع الدفاعي ، في حين كان هدف الأتراك بعد انتصارهم في معركة غزة الأولى أن يتمكنوا من إيقاف الحلفاء من التوغل أكثر في فلسطين

ولذلك حاول كل من القائدين دوبل وموراي خلال اجتماعاتهم بمجلس الحرب في المملكة المتحدة وصف هجومهم الأول على غزة بالناجح، مما أعطى الساسة في بريطانيا إشارات إيجابيـة بسرعـة لاستئناف الهجوم، وكانت خطة الجنرال دوبل شبيهة لحد كبير بخطة الحلفاء في الجبهة الغربية “ألمانيا” وذلك بقصف تحضيري على مواقع العدو لمدة يومين، يليه هجوم بري بالمشاة على خنادق العدو، فيما كان القادة الميدانيون كالجنرال تشتود والجنرال شوفيل أقل تفاؤلا بشأن فرص نجاحهم في تحطيم الخط الدفاعي التـركي

تمّت زيادة عدد القوات بإمرة الجنرال دوبل ليصبح قوامها 4 فرق مشاة ” 52 و 53 و 54 و 74 المكونة من أولوية سلاح الفرسان” مع فرقة أنزاك الفرقة الجبلية و لواء الإبل البريطاني، وستكون الفرقة 74 و فرقة أنزاك احتياطي المعـركة. ولرغبة بريطانيا في تطبيق خطة هجومها في الجبهة الغربية في قتالها ضد الأتراك، قررت إدخال الغاز السام و6 دبابات لأول مرة إلى ساحة الجبهة الشرقية

أما القوات التركية الموجودة في المنطقة فيرجّح عددها ما بين20 ألف إلى 25 ألف، فيما تمّت تقوية الدفاعات التركية منذ المعركة الأولى لغزة، حيث في غرب الخط الدفاعي يوجد حصن غزة، ومن الشرق توجد معاقل أتونيا وهيراريا وشيريا وبعد معقل شيريا كانت الدفاعات أقل قوة، ونظرا لندرة مصادر المياه في المنطقة قرّر الأتراك استخدام سلاح الفرسان في شن هجماتـهم

وتم شن الهجوم الثاني على غزة صبيحة يوم 17 إبريل بعد قصف تحضيري ضد التحصينات التركية لمدة يومين متتالين، وقد اشتركت في مرحلة القصف التحضيري المدافع الثقيلة لسفن الحلفاء المتواجدة على ساحل غزة، ورغم عنف القصف إلا أنه لم يكن في مستوى القصف على الجبهة الغربية ولهذا كان تأثيره ضعيفا على تحصينات غزة

وفي صباح يوم 19 إبريل، تم الشروع في الهجوم البري، وتم التركيز على الاستيلاء على النقطة القوية في المنطار جنوب شرق غزة، لدرجة إطلاقهم قذائف الغاز السامة، ونتج عن طول فترة القصف التحضيري أن الأتراك استعدّوا جيدا لملاقاة البريطانيين وقاموا بتقوية دفاعاتهم، وظهر قصور آخر في خطة الهجوم البريطاني، في أن قصفهم تركّز على التحصينات دون بطاريات المدفعية التركية

وبدأ الهجوم البري على غزة وخسر البريطانيون دبابة كانت تقوم بدور إسناد لمشاتهم، وفي الساعة 7.15 تقدّمت الفرقة 53 من أقصى غرب الجبهة للاستيلاء على منطقة الشاطئ بين غزة والبحر المتوسط ، وبعد فترة قصيرة، قامت الفرقة 52 بالهجوم في الوسط في مواجهة مدينة غزة والنقطة القوية في منطار والفرقة 54 قامت بالهجوم من على يمين الجبهة ضد معقل تانك، عانى البريطانيون من خسائر جسيمة على طول خط الجبهة فتوقف الهجوم

معقل الدبابات
أما بالنسبة للدبابات فتم نشر الدبابات الخمس المتبقية على طول الجبهة وانحصر دورها في جذب نيران العدو بعيدا عن قوات المشاة، وقامت إحدى تلك الدبابات بدور هام في يمين الجبهة حيث الفرقة 54 فقد ساعدت المشاة في إنجاز مهامهم المطلوبة.

وكان في مواجهة نقطة “معقل الدبابة” اللواء 161 من الفرقة 54 وعلى يمينهم كانت توجد الكتيبتان الأولى والثالثة من لواء الإيل الإمبراطوري الذين قاموا بالترجّل من على الجمال ، وبدأوا هجومهم الساعة 7.30 وشاركتهم الهجوم دبابة واحدة تسمي ذانوتي البندق” التي قامت بجذب نيران المدفعية، وتلى ذلك تمكّن الدبابة من الصعود على قمة ربوة عالية وقامت بإطلاق النار على العدو حتى توقفوا عن إطلاق النار

في حين عانت قوات المشاة وكتيبة الإبل الأولى من خسائر جسيمة في طريق زحفهم، وقرروا الهجوم على خنادق العدو، فتم تجهيز قوة من 30 جملا و 20 جنديا من المشاة التابعين لفوج نورفلك ووصلوا إلى معقل أحد الخنادق وكان في مواجهتهم 600 تركي قاموا بدفعهم نحو خط الدفاع الثاني في عمق الجبهة ولمدة ساعتين كان البريطانيين والأستراليين يتراجعون لخطوطهم في ظل ظروف قاسية ولم يتم تعزيزهم بأي قوات، في وقت كان الأتراك على وشـك شن هجوم مضاد عليهم، ولذلك عملوا على النجاة بحياتهم والعودة لخطوطهم، وإلى اليمين غرب معقل الدبابة كانت كتيبة الإبل الثالثة تتقدم في فجوة بين معقلين للأتراك وكان ذلك أقصى ما وصلوا إليه، إلا أن ظروف تعثّر جمالهم أدت إلى التراجع خوفا من إمكانـية تطويقهم

وكان التقدم البريطاني من ناحـية شرق الجبهة يتم عبر معقل اتونيا وكان البريطانيون يتقدمون على النحو التالي: من اليمين إلى اليسار، لواء الفرسان الرابع الخفيف ولواء الفرسان الثالث الخفيف واللواء الجبلي الخامس والفرقة الجبليـة الإمبراطوريـة التي يقودها الجنرال هودجسون، كانت الأوامر الموكلة إليه غامضة، حيث طلب منه جذب انتباه المواقع التركية المواجهة له لمنعهم من نقل جزء من قواتهم لتعزيز القوات العثمانية في غزة ، إذا رأى الفرصة مواتيـة لذلك.

وبدأ لواء الفرسان الثالث تقدمه قبيل الفجر بمهاجمة الحافة الجنوبية لمعقل اتونيا، وتمكّنوا من الاقتـراب من المعقل حتى أضحى في مرمى أبصارهم، إلا أن هجومهم لم يكن على نفس الوتيرة من التقدم ولهذا كانت توجد وحدات متأخّرة عن بعضها البعض، وعند وصولهم على بعد 500 ياردة، قام لواء الفرسان الرابع والخامس بتقدم مماثل في قطاعاتهم حيث لا توجد خنادق تركية مقابلهم وبهذا حققوا نصرا واهماً

وبعد الظـهر ، تم تعزيز الفرقة الجبلية الإمبراطورية باللواء السادس الجبلي يومناري وبذلك كانت كل الاحتياطات البريطانية قد تم الزج بها لساحة المعركة وعلى الرغم من ذلك لم تكن هناك فرصة لنجاح هجومهم ضد الأتراك

وبذلك كان الهجوم متعثرا على كافة الخطوط، ولم يحقق البريطانيون سوى مكاسب ضئيلة لا تتناسب مع عظيم خسائرهم في القتال، وفي ناحية الشاطئ جهة الغرب شن الأتراك هجوما مضادا ناجحا ضد البريطانيين وقاموا باسترداده

وفي الساعة الثالثة عصرا، اعترض البريطانيون رسالة تركية يقولون فيها بعدم احتياج غزة لمزيد من التعزيزات، وعلى الفور، وجّه البريطانيون معظم احتياطاتهم للهجوم على غزة، على أن يبدأ شن الهجوم صباح اليوم التالي مع إمكانية اشتراك الفرقة 74 في الهجوم، لكن الهجوم تأجّل لمدة 24 ساعة قبل ساعات من تنفيذه، وكان هناك قلق يساور البريطانيين من شن الأتراك لهجوم مضاد لكن ذلك لم يحدث

نتيجة الهجوم
مما سبق، يتّضح أن معركة غزة الثانية تعد هزيمة كارثية للبريطانيين، فمع أي تقدم ضئيل للأتراك كان يوقع بهم خسائر فادحة وبخاصة في قوات المشاة، وتمّت إقالة كلّا من دوبل وموراي لإخفاقهم المهين في المعركة، وقرّر مجلس الحرب ببريطانيا إسناد حملة فلسطين إلى الجنرال إدموند اللنبي وأمدّته بمزيد من القوات ليكون قادرا على كسر خط غزة – بئر السبع الدفاعي والاستيلاء على مدينة القدس

وكانت خسائر البريطانيين تتجاوز الـ6 آلاف قتيل وجريح، وكانت أعظم الخسائر في الفرقة 54 للمشاة ، في حين كانت مجمل خسائر الأتراك تتجاوز الـ2000 قتيل وجريح

كانت معركة الباجر ريدج أول تحرّك للبريطانيين نحو شن هجومهم الواسع المرتقب، واستهدفت تحطيـم الخط غزة_ بئر السبع الدفاعي، الأمر الذي يتيح لهم السيطرة على مسافة قدرها 50 كلم داخل فلسطين، وبانتهاء أعمال مد أنابيب المياه وخط السكة الحديد من تل الفرح إلى كارم استكملت التحضيرات اللوجستية للمعركة، ولحماية ذلك المستودع الحيوي من قصف البطاريات التركية المتواجدة بمعقل أبو هاريير وأمر الجنرال شويفل بتحويل قوات المقدمة المؤقتة إلى خط دفاعي دائــم وحدّد هذا الخط بأن تكون حدوده من الشرق للغرب عند نقطة المزرعة مرورا بالنقطة 510 والنقطة 550 والنقطة 630 ثم جنوبا حيث النقطة 720 التي تخترق طريق بئر السبع بمنطقة الباجر

قام الحلفاء بحشد القوات التالية والمتمثلة في لواء الفرسان الخفيف الثالث التابع للفرقة الجبليـة الأسترالية واللواء الثامن الجبلي البريطاني واللواء 158 “شمال ويلز” واللواء 160 “ويلز” التابعين للفرقة 53 مشاة ولواء المشاة 229 البريطاني من الفرقة 74 ومجموعة مدفعية لواء الفرسان 96 ” أقل من 4 بطاريات” و بطارية مدفعية من لواء المدفعية 117 الميداني

أما الأتراك وطبقا للواء حسين أمير حسنو كانت لديهم بمنطقة بئر السبع القوات التالية والتي كانت تحت إمرة عصمت “بك” وهي الفوج 125 مشاة التابع للفرقة 16 وفوج مشاة من الفرقة 27 وفرقة الفرسان الثالثة واللواء 125 مدفعية


خطــة الهجوم
من وجهة نظر العثمانيين كان استيلاء الحلفاء على كارم بمثابة خلق نقطة إمداد بالمياه والتعيينات لكي يواصلوا عملياتهم دون خوف من الناحية اللوجستية ، لكن موضع مستودع كارم كان يضعه في مرمي نيران بطاريات المدفعية التركـية المتواجدة بمنطقة أبوهاريير وما يسمي بنظام رشيدي الذي أمسى يشكّل عائقا قويا أمام الحلفاء وكانت كارم قلب تلك المنطقة

وللتغلب على ذلك اقترح الجنرال فالكنهاين هجوما بمرحلتين، الأولى بتنفيذ عملية استطلاع بالقوات لبئر السبع يوم 27 أكتوبر نظرا لأنها كل الهجمات العثمانية التي انطلقت تمت منها

في الساعة الرابعة من صباح يوم 27 أكتوبر تم إطلاق النار على قوات الاستطلاع بمنطقة الباجر من قبل قوات سلاح الفرسان التركي، وأعقب ذلك الحادث بساعة توسع الاشتباكات حيث انضم 2000 جندي من المشاة بالإضافة إلى 1200 جندي من سلاح الفرسان العثمانـية مع وجود دعم من 3 بطاريات للمدفعية يمكن زيادة عددها إلى 12 بطاريــة إذا اقتضى الأمــر، وبالتالي ابتعدت تلك القوات عن خط كاويكا لمهاجمة الحلفاء الذين يحتلون حافة الخط

الاشتباك الأول حدث عند النقطة 630 بين فوج المشاة 125 العثماني حيث طلب منه أن يقوم بإشغال العدو عن أجنحة المعركة مع جذب نيران مدفعية العدو الثقيلة، وطبقا لطائرة بريطانية حلقت فوق موقع المعركة ذلك اليوم أن عدد القوات العثمانية يعادل 2000 جندي والجنود البريطانيون يوشك أن تُمنع عنهم الإمدادات

ولإنقاذ الموقف، أرسل سرب من يومناري لتعزيز القوات البريطانية عند النقطة 630، لكن تلك القوة المتقدمة قوبلت بنيران شديدة من المواقع التركية وبعد عدة محاولات لدخول النقطة 630 تم إرغامه على الانسـحاب، وأرسلت مساعدة أخرى تقدّر بقوة سربين من لواء الفرسان العاشر الخفيف تمت إعاقتها أيضا، وعلى الرغم من ذلك قاومت الحامية البريطانية عدة محاولات تركية للقضاء عليهم حتى ساعة متأخرة من المساء

وفي النقطة 720 كان القتال عنيفا وشرسا، بسبب كبر قوة الهجوم العثمانية المشكّلة من 1200 جندي من سلاح الفرسان “الفرقة 3 فرسان” وكتيبة من فرقة المشاة 27 تدعمهم القذائف الثقيلة، وأطلقت القوات العثمانية هجومين تم صدهما وبعد إعادة تنظيـم للقوات انطلق هجوم ثالث ضد السرب “ب” من فرقة يومناري الذين صمدوا لمدة 3 ساعات قبل أن يتم سحقهم عدا 3 رجال والباقي ما بين قتـيل وجريــح

ولمساندة القوة المحاصرة تم إرسال سربين من لواء الفرسان التاسع تجاه نقطة 720 في تمام الساعة 3 عصرا بالإضافة إلى لوائي مشاة من الفرقة 53 كانا يتحركان نحو حافة الخط الدفاعي كاويكا وفي الساعة 7 مساء اكتشفت دورية لأحد الضباط أن القوات العثمانية في النقطة 720 قد انسحبت مما سمح لهم بإعادة احتلال الباجر ريدج دون أي إصابات

الخسائر في معركة غزة الثانية
تتقارب المصادر الألمانية والعثمانية مع المصادر البريطانية في تقدير خسائر القوات العثمانية، باستثناء التفاوت في المصادر المختلفة حول عدد القتلى، فقد بلع عدد القتلى العثمانيين وفقا للمصادر المختلفة ما بين 82 إلى 402، وعدد المصابين ما بين 1337 إلى 1364 وعدد المفقودين ما بين 242 إلى 247

كانت الحرب على الشعوب العثمانية، بعمومها، أثقل بكثير؛ فالدولة العثمانية في 1914 لم تكن قد استفاقت بعد من حربي البلقان الأولى والثانية (أكتوبر/ تشرين أول 1912 ـ أغسطس/ آب 1913)، التي لم تستنزف العثمانيين ماليا وعسكريا وحسب، بل وتسبّبت في هجرات هائلة لمسلمي الجانب الأوروبي من الدولة، لم تكن الدولة قد انتهت من استيعابهم تماما عندما اندلعت نيران الحرب العالمية الأولى

من جهة أخرى، ارتكزت بريطانيا، التي قادت الحرب ضد العثمانيين في جبهات غاليبولي وسيناء وفلسطين والعراق، إلى ثقل الإمبراطورية ودول الكومنولث السكاني ومقدراتها، من هنود وأستراليين وكنديين ونيوزيلانديين، وهو ثقل لم يكن باستطاعة العثمانيين معادلته

كما خفف خروج الروس في نهاية 1917 من الحرب، بعد الثورة الشيوعية، من الأعباء العسكرية التي كان على العثمانيين تحملها، ولكن الحرب في ذلك الوقت كانت تقترب من نهايتها، وأصبح واضحاً أن دول الوسط ستكون الطرف الخاسر، على أية حال، سيما بعد دخول الولايات المتحدة طرفاً إلى جانب الحلفاء

تعتبر الحرب العظمى أولى الحروب الصناعية الكبرى، خاضت غمارها الدول الثلاث الأسبق إلى التصنيع في العالم: بريطانيا وفرنسا وألمانيا

لم ترتكز الحرب إلى الحشد البشري والمثل والإيمان بالحق وحسب، بل وإلى مستوى التقنية والصناعة العسكرية، طرق الاتصال والنقل الكفؤة، ومستوى الخدمات الطبية والصحية الضرورية

في كل هذه المجالات، كانت الدولة العثمانية لم تزل متخلفة بأشواط عن الدول الأوروبية الرئيسية، التي دخلت العصر الصناعي منذ نهاية القرن الثامن عشر، ووفرت لها الإمبراطوريات الاستعمارية فائض ثروة وسوقاً كافية للمضي في مسيرة التطوير الصناعي

ورغم أن العثمانيين حاولوا توفير المال الضروري لتحقيق انطلاقة صناعية، ولكن الجهود العثمانية كانت بطيئة، أثقلتها في النهاية الديون وخسارة الأسواق المحلية لصالح الاختراقات الغربية

وعندما اندلعت معركة غزة الأولى في آذار/ مارس 1917، كان البريطانيون قد بنوا 388 ميلاً من السكك الحديدية على طريق الحرير القديم بين القنطرة ورفح، عبر شمال سيناء

ومع توالي سلسلة من المواجهات الدموية في شبه جزيرة سيناء، خلال 1915 ـ 1916، أوقفت الدفاعات العثمانية الباسلة الجيش البريطاني من آذار/ مارس 1917 إلى تشرين أول/ أكتوبر من العام نفسه أمام مدينة غزة، موقعة به خسائر فادحة في معركتي غزة الأولى والثانية

المصدر:تركيا بوست
 
التعديل الأخير:
بعض تفاصيل معركتي جناق قلعة البرية والبحرية

عادل داوود أوغلو



معركة جناق قلعة 1915 م ليست واحدة بل اثنتان : بحرية و برية
البحرية بدأت في شباط و النصف الأول من آذار 1915م بقصف البحرية البريطانية والروسية للقوات العثمانية المرابطة والمكونة من 3 كتائب
1 : الكتيبة العربية و معظمهم من ولاية حلب مع آخرين من سوريا وفلسطين والأردن وغزة والعراق
2 : الكتيبة الكوردية من شرق الأناضول و شمال العراق وإيران
3 : الكتيبة التركية من الأناضول و البلقان
القصف لم يكن مؤثرا ، فقد تم تدمير 8 مدافع فقط من أصل 170 مركز مدفعية ، و قد اعتمدت الكتائب العثمانية خداع الحلفاء بافتعال إشعال نيران في أماكن خالية ، فوجه الحلفاء قذائفهم إليها
ظن البريطانيون بأن القوات العثمانية قد أُنهكت فقررت عبور الدردنيل في 18 آذار 1915م للوصول إلى استانبول بعد 24 ساعة ومن ثم التهديد بقصف المدنيين لتضطر الدولة العثمانية على الاستسلام ، ومن ثم التفرغ لـ... ألمانيا
لكن القوات العثمانية رغم كثرة الشهداء كانت قد استعدت ب المدفعية و تلغيم قناة الدردنيل بالألغام ، و كان الجو عاصفا و درجة الحرارة 4-5 مئوية
فتفاجأ البريطانيون و دمرت معظم سفنهم و اندحروا خلال ساعات قليلة
هذه هي المعركة الأولى

أما المعركة الثانية فقد بدأت في 24 نيسان 1915 م بإنزال بري من جنود من استراليا ونيوزيلندا والهند وشمال وغرب إفريقيا تم تدريبهم في مصر لهذه المهمة بالتعاون مع فرنسا
و استمرت المعركة البرية هذه حتى نهاية 1915 م بهزيمة الحلفاء و مقتل حوالي 500 ألف جندي من الطرفين
الشهداء العثمانيون عليهم الرحمة والرضوان ثلثهم تقريبا من ولاية حلب وحدها
 
التعديل الأخير:
العلاقة بين العرب والأتراك

الدكتور عثمان قدري مكانسي



العلاقة التي قامت بين العرب والعثمانيين منذ البداية كان أساسها الحب والأخوة في الله ، وفي مطلع القرن العشرين بدأنا نسمع نغمات شاذة على ألسنة العلمانيين وبعض الباحثين ممن ليست لهم خلفية تاريخية إسلامية سليمة ومن النصارى ، يصفون العثمانيين بأوصاف تجعلهم غرباء محتلين ، دخلوا البلاد باسم الإسلام وتَقَنّعوا به ، والدين منهم براء ونسي هؤلاء أو تجاهلوا أموراً عدة تدحض ما افتروه نجملها فيما يلي:

ــ 1 ـ إن الدولة العثمانية حين قامت كان شعارها نشر الإسلام ، وكان هذا قبل دخولهم البلاد العربية بمئتي سنة ، وإن آباءهم حين لم يستطيعوا صد أمواج التتار المكتسحة لبلادهم هربوا بدينهم ولم يرضوا أن يبيعوهم دينهم كما فعل غيرهم ممن تراموا على أقدام التتار وحاربوا تحت رايتهم إخوانَهم في العقيدة ، بل إنّ الأتراك العثمانيين ساعدوا السلطان السلجوقي ضد قائد التتار في آسيا الوسطى فكافأهم بأن أقطعهم أرضاً على حدود بيزنطة
ــ 2 ـ إن مؤسس الدولة الإسلامية العثمانية كان همه وشغله الشاغل نشر الإسلام ، ووصيته لابنه أورخان أوضح مثال على ذلك
ــ 3 ـ ونرى حرص العثمانيين الدائب على فتح القسطنطينية ليحققوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فيكون أمراؤهم خير الأمراء ، وجيشهم خير الجيوش. من أقوال السلطان الفاتح (محمد الثاني) والخليفة ( سليمان القانوني ) ما يثبت انتماءهم الساطع للإسلام والعمل له
ــ 4 ـ إن العرب رحبوا بالعثمانيين ، بل دعوهم إلى تخليصهم من جبروت الدولة المملوكية وظلمها وتعطيلها الأحكام الشرعية فقد راسل المصريون السلطان سليماً الأول منذ بداية توليه عرش بلاده لكي يقدم إلى مصر على رأس جيشه فيستولي عليها ويطرد الشراكسة ــ كما كانوا يسمونهم ــ كما رحب أهل الشام به وأسرع العلماء إلى ملاقاة جيشه ، ولقنوا أولادهم أن ينشدوا { ينصرك الله العظيم يا سلطان سليم } وفي الأرشيف العثماني في متحف ( طوب قابي سراي ) في استانبول عريضة رفعها علماء حلب إلى السلطان سليم يقدمون له ولاءهم ويطلبون تحكيم الشريعة التي عطلها المماليك فظلموا العباد . وكذلك فعل أهل المغرب العربي.
ــ 5 ـ إن الدولة المحتلة تمنع المحكومين من أن يكون لهم صولة وجولة فيها على خلاف مانرى في الدولة العثمانية ، فقد وصل بعض العرب إلى مشيخة الإسلام ، وهي أعلى منزلة من الصدر الأعظم ، كما كان منهم ولاة للأقاليم ووزراء وقادة للجيش ، وكان الخلفاء إذا سمعوا بعالم أو نجيب استقدموه واكرموه بغض النظر عن جنسه .ولا أزال أذكر أن أبي رحمه الله حدثنا عن حب جدي وأقرانه للعثمانيين ، وثناءهم العاطر عليهم . ومامن رجل معمِّر سألته عنهم إلا تنهد وقال : أولئك الخلفاء والسلاطين المسلمون هم حماة الإسلام وبقية السلف الصالح
ولا أظن أن أجدادنا كانوا مغرمين بحب من أساء إليهم وحكمهم بالنار والبارود ، حاشا وكلا ، فالعثمانيون حمَوْا البلاد من الصليبيين زهاء أربعة قرون ، وهذا ما أزعج الأعداء فافتروا عليهم
ــ 6 ـ ولا ننس أن الذين كتبوا التاريخ الحديث للبلاد الإسلامية نصارى ومستشرقون ، وعلى رأسهم قسطنطين زريق وفيليب حتي وجورجي زيدان .. وغيرهم ، وهم معروفون بصليبيتهم الحاقدة على الإسلام وأهله، فلا بد إذاً من قلب الحقائق والدس على دولة إسلامية هيمنت على قدر كبير من بلادهم ردحاً من الزمن ، وقرعت أبواب عواصمهم وشغلتهم بأنفسهم وصانت المقدسات الإسلامية من كيدهم
ــ 7 ـ أما إن استشهد الطاعنون بما فعله الكماليون فهذا لايعيب العثمانيين لأنهم قوم ، والكماليون قوم آخرون . فالطورانيون الذين استولوا على الحكم بعد عام / 1910 م / كانوا قوميين متطرفين ، فحين سيطروا على الحكم ألغوا الخلافة وأعلنوا تركيا دولة علمانية لاعلاقة لها بالإسلام ، وكتبوا التركية بالأحرف اللاتينية بعد أن كانت تكتب بالأحرف العربية ، ومنعوا تدريس اللغة العربية وذلك ليبعدوا الجيل الجديد عن القرآن ، وقطعوا علائقهم بالعرب بعد أن ساموهم الخسف في العقدين الأولين من هذا القرن
ونظرة متأملة فاحصة في كتاب ( أتاتورك ذلك الصنم ) وكتاب (صحوة الرجل المريض أو السلطان عبد الحميد) تظهر بجلاء تلك المؤامرة الخبيثة على الإسلام والدولة العثمانية العظيمة على يد جمعية الاتحاد والترقي الماسونية

ملاحظة جديرة بالنظر
وكثير من الباحثين يجعلون نهاية الدولة العثمانية حين دخل ( نابليون بونابرت ) إلى مصر عام / 1798 م / الموافق / 1213 هـ / وما بعد ذلك أطلقوا عليه اسم الأدب الحديث ، وهذا - في رأيي- إن كان يجوز في الآلات والمخترعات والثورة الصناعية الحديثة ، فإنه لايجوز في الثقافة والفن والأدب ، إذ إن مجيء نابليون دعا الشعراء إلى مناهضة الأوروبيين وقوَّى اللحمة الوطنية والإسلامية تحت راية الخلافة العثمانية، بل إن رواد الشعراء العرب في مطلع هذا القرن أمثال البارودي وحافظ إبراهيم وأحمد شوقي وغيرهم .. كان ولاؤهم الفكري والديني للعثمانيين ، وعودة إلى دواوينهم تؤصل هذا المنحى في شعرهم وتؤكد هذا الانتماء إلى الدولة العثمانية والولاء لها
 
التعديل الأخير:
يوم سقطت الخلافة العثمانية

عبد العزيز كحيل



في يوم 3 مارس 1924 صوّت البرلمان التركي على إلغاء نظام الخلافة بعد أن كان مصطفى كمال قد أعلن قيام الجمهورية التركية، وبذلك طويت صفحة بدأت مسيرتها منذ وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وأقام أول دولة إسلامية لتستمرّ بعد وفاته حاملة اسم الخلافة لتكون رمز وحدة الأمة الإسلامية وراعية شؤونها الدينية والدنيوية فلم يكن للمسلمين جنسية إلا هي ولا عرفوا دولاً قومية ولا انضووا تحت رايات جاهلية حتى احتلّ الغربيون معظم البلاد الإسلامية وعملوا على إزالة هذا الرمز الّذي يمثّل قوة المسلمين حتى في حالات الضعف التي آل إليها في القرون المتأخّرة.... وحدث ما لم يكن يتصوّره مسلم، فقد تولّى مصطفى كمال مهمة إلغاء الخلافة ليتفرّغ لتغيير وجه تركيا جذريّاً حتّى لا تبقى لها صلة بالإسلام والعربية، فبدأ بإعلان أنقرة عاصمة للبلاد خلفا لإسطنبول بعد أن توّج نفسه رئيساً للجمهورية ثم اتخذ تدابير صارمةً لبلوغ غاياته فأعلن الحرب على التديّن وجعل مدار نشاطه توطيد أركان العلمانية وإعادة "الهوية التركية" للشعب وتخليصه من التأثير العربي، ففي 1925 فرض ارتداء القبعة للرجال بدل الطربوش كإجراء رمزي لتطليق العادات الإسلامية وتبني التحول إلى العادات الغربية، فعل هذا باسم الديمقراطية التي تحترم الحياة الخاصة والاختيارات الشخصية فلا تتدخل فيها، لكنه كان يرفع شعارها ليغطي على نزعته الاستبدادية التي تغذيها عداوته الشرسة لدين الله ولغة القرآن حتّى إنه منع الحجاب وكل الملابس التقليدية على الرجال والنساء، وقد "سمح" برفع الأذان في المساجد لكن باللغة التركية ، وكم كان يتضايق من لفظ الشهادتين لأن فيهما تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلّم وقد كان يرى أنه أجدر بالذكر منه
وحوّل مسجد آية صوفيا في إسطنبول إلى متحف وأعاد الحياة لماضي تركيا ما قبل الإسلام وألغى التاريخ الهجري ليعتمد التاريخ الميلادي كما اعتمد الحروف اللاتينية لكتابة اللغة التركية بدل الحروف العربية، وغيّر العطلة الأسبوعية من الجمعة إلى الأحد وألغى كل الضوابط الشرعية المتعلقة بالمرأة لتتساوى مع الرجل تماما من غير اعتبار للفوارق الطبيعية بين الجنسين كل هذا ليخرج تركيا ـ بزعمه ـ من الظلمات إلى النور، ولا نور عنده إلا بإلغاء الشخصية الإسلامية والذوبان في الحضارة الغربية واعتمادها بخيرها وشرها وحلوها ومرّها ما يحمد منها وما يعاب !!! ولذلك أقدم على أخطر إجراءاته على الإطلاق وهو إلغاء أحكام الشريعة الإسلامية وتبنّي القوانين الوضعية ففرض القانون المدني السويسري والقانون الجنائي الايطالي والقانون التجاري الألماني، فاحتكم المسلمون لأول مرّة في تاريخهم إلى قوانين غير ربانية بل وضعية وأجنبية
وقد اعتمد مصطفى كمال في حملته الشرسة لمحو آثار الإسلام والعربية على سياسة قمعيّة وحشية استهدفت علماء الدين بالدرجة الأولى وطالت كل من اعترض على توجّهاته فكان التقتيل والسجن والتشريد إلى جانب السخرية الرسمية بمظاهر التديّن كلّها وانتهاك أبسط الحريات الشخصية، كلّ هذا باسم الديمقراطية، وأغرب من هذا أن الغربيين وأتباعهم في البلاد العربية مازالوا يمتدحون مصطفى كمال باعتباره مستنيراً أخرج تركيا من ظلمات القرون الوسطى وأدخلها أنوار الحضارة والازدهار ويعددون "مآثره" العظيمة وعلى رأسها النظام العلماني المعادي للدين (وليس الفاصل بين الدولة والدين فقط كما كان في الغرب) و"تحرير المرأة" من قيود الشريعة، وهم يعلمون أنه كان مستبدّاً طاغيّةً لم يفوضه الشعب لمعاداة الإسلام ولا لتغيير وجهة البلاد كما لم يحترم رأياً مخالفاً أي أنه لم تكن له علاقة بالديمقراطية في قليل ولا كثير

وبعد أن ألغى الخلافة وضيّق على المسلمين في عباداتهم وشعائرهم وقطع صلة تركيا بماضيها الإسلامي وحوّلها إلى دوّيلة فقيرة ضعيفة تخطب ود الغرب وتعتمد على اليهود، وبعد أن وضع البلاد تحت سيطرة العسكر وجعل من العلمانية ديناً بديلاً عن الإسلام و عيّن مؤيديه في جميع مفاصل الدولة وظنّ أنه قد قضى على الإسلام نهائيّاً مات مصطفى كمال يوم 10.11.1938 بمرض أصاب كبده بسبب إسرافه في تناول الخمر، مات من سماه أتباعه (وليس الشعب التركي كما يوهم بذلك بعض المؤرخين والكتاب) أتاترك أي أبو الأتراك وقد أحيا القومية الطورانية وغالى فيها أشدّ المغالاة لتحلّ محلّ الانتماء العقدي لتركيا

هكذا سقطت الخلافة بعد أن عمّرت 1292 سنةً فانفرط عقد الأمّة وتهدّدها الضياع لكن الأمل في عودة الخلافة لم يبرح المسلمين، وها هي تركيا أخذت تعود إلى الإسلام. فهل هي بشرى بين يدي عودة الخلافة الإسلامية؟

عن موقع رابطة أدباء الشام
 
التعديل الأخير:
أنا سلطان السلاطين/نص نادر

الدكتور محمد موسى الشريف



أنا سلطان السلاطين ، وبرهان الخواقين ، متوج الملوك ، ظل الله في الأرضين ، سلطان البحر الأبيض ، والبحر الأسود ، والأناضول ، والرومللي ، وقرمان الروم ، وولاية ذو القدرية ، وديار بكر ،وكردستان ، وأذربيجان ، والعجم ، والشام ، وحلب ، ومصر ، ومكة ، والمدينة ، والقدس ، وجميع ديار العرب واليمن ، وممالك كثيرة أيضاً ، التي فتحها آبائي الكرام ، وأجدادي العظام بقوتهم القاهرة ، أنار الله براهينهم ، وبلاد أخرى افتتحتها يد جلالتي بسيف الظفر.

رسالة من السلطان العثماني سليمان القانوني ( ت 974 هـ ) إلى فرنسيس ملك ولاية فرنسا

هذا نص نادر ، أهديه للقراء الكرام يمثل عظمة وعزة المسلمين زمان قوة الخلافة العثمانية . هذا وقد اعترض على هذا الخطاب بعض الفضلاء ، زاعماً أن هذا الخطاب لا يصلح إلا لله ،ولعله قد فاته أن السلطان سليمان القانوني يخاطب بهذا أحد طغاة أوروبا الذين ترهبهم أمثال هذه الخطابات وتصدهم عن التفكير في غزو العالم الإسلامي

منقول عن موقع التاريخ
 
التعديل الأخير:
سكة حديد الحجاز

الكاتب والباحث التركي صالح كولن
ترجمة الدكتور طارق عبد الجليل



قبل قرن كامل مضى، وبالتحديد عام 1908م، كانت القطارات البخارية تنطلق من محطة قطار "حيدر باشا" بإسطنبول إلى المدينة المنورة، معلنة أن حلماً صعب المنال قد أضحى حقيقة تدركها الأبصار والأسماع
فقد كان الأول من سبتمبر عام 1908م، هو يوم اكتمال خط حديد الحجاز وانطلاق رحلته الأولى بعد ثمانية أعوام من عمل شاق متواصل أسفر عن خط سكة حديدية تجاوز طوله 1400 كم ، فاستحال به خريف عام 1908م - مع ما فيه من الأزمات والمشكلات- مسرحا تزاحمت فيه آمال المسلمين وطموحاتهم في شتى ربوع الأرض مستبشرين ببعث جديد ، وأضحى حلم مشاهدة سحب الدخان الكثيفة وهي تنبعث من القطار البخاري المنطلق من إسطنبول إلى الأراضي الحجازية، حقيقة قد تجسدت على أرض الواقع بعد أن كان ضربا من الخيال

فكرة المشروع
عُرف خط حديد الحجاز في السجلات العثمانية باسم "خط شمندفر الحجاز"، أو "خط حديد الحجاز الحميدي"، وامتد بين الشام (دمشق) والمدينة المنورة ، حيث ينطلق الخط من الشام ماراً بعمَّان ومعان ثم بتبوك ومدائن صالح وصولا إلى المدينة المنورة ، وكان في خطة المشروع الحجازي أن يمتد بعد ذلك إلى مكة المكرمة ومن هناك إلى جدة، بيد أن أياً من ذلك لم يتحقق.
وإن تكن فكرة إنشاء الخط الحجازي قد طُرحت أول ما طُرحت في عهد السلطان عبد العزيز، إلا أنها تحققت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني ، ولما كانت جهود السلطان عبد الحميد الثاني منصبة على العمل من أجل إيقاف تمزق الدولة العثمانية وانهيارها أو تعطيله على الأقل، فقد أخذ على عاتقه إنجاز مشروع الخط الحجازي
أوكل السلطان عبد الحميد الثاني مهمة تنفيذ هذا المشروع العملاق لـ"أحمد عزت باشا العابد" والمعروف في التاريخ باسم "عزت باشا العربي" ويتضمن المشروع، إنشاء خط سكة حديد الحجاز ليربط بين خط سكة حديد الأناضول وخط سكة حديد بغداد، وكذلك تأسيس شبكة اتصال تلغرافية بمحاذاة ذلك الخط الحديدي؛ حيث كان السلطان عبد الحميد الثاني يؤمن بأن هذا سيحقق له سهولة وسرعة في عمليات الاتصال والمتابعة بين مركز الدولة العثمانية وولاياتها في الشام والحجاز

البواعث والأهداف
ثمة مجموعة من البواعث والأهداف دفعت السلطان عبد الحميد الثاني لإنشاء الخط الحجازي والشبكة التلغرافية. وتنوعت هذه الأهداف بين دينية وعسكرية واقتصادية وحضارية وسياسية، ويأتي الهدف الديني في مقدمة هذه الأهداف، حيث استهدف مشروع الخط الحجازي خدمة حجاج بيت الله الحرام من خلال توفير وسيلة سفر يتوفر فيها الأمن والسرعة والراحة، وحماية الحجاج من غارات البدو ومخاطر الصحراء التي كانوا يتعرضون لها في الطريق البري، ومن هجمات القراصنة في الطريق البحري، إضافة إلى توفير إمكانات وفرص أكبر للراغبين في أداء فريضة الحج نتيجة انخفاض تكلفة الحج الذي سيحققها ذلك المشروع، مما سيزيد من عدد حجاج بيت الله الحرام.
ويحتل الهدف العسكري مكانة متميزة بين أهداف الخط الحجازي، إذ كان يستهدف تسهيل التحركات العسكرية وحشد الجيوش بُغية التصدي لأية هجمات خارجية قد تتعرض لها مناطق الحجاز والبحر الأحمر واليمن، وإحكام السيطرة على البقاع الجغرافية ذات التوتر السياسي الدائم ، وبهذه الكيفية تشعر المنطقة بقوة الإدارة المركزية للدولة العثمانية.
أما الهدف التجاري فتمثل في إنعاش الاقتصاد الراكد بالمنطقة من خلال تحقيق نهضة تجارية واقتصادية لمدن الحجاز وكافة المدن الواقعة على امتداد الخط، وإحداث عملية رواج للمنتجات التجارية والزراعية من خلال نقلها نقلاً سريعا بالقطار إلى المناطق الأخرى، بل وكان من المخطط له مد الخط الحديدي تجاه أحد موانئ البحر الأحمر؛ ما يؤدي إلى زيادة الأهمية الاقتصادية والتجارية للخط زيادة واضحة ، وبهذه الكيفية كانت طرق التجارة ستنتقل من قناة السويس إلى خط حديد الحجاز

ومع إنجاز هذا المشروع العملاق بتمويل وكوادر عثمانية، كان سيثبت للدول التي تطمع إلى تفريق الدولة العثمانية وتريد التهامها وعلى رأسها الدول الأوربية، أن ثمة منجزات حضارية عظيمة يمكن للعثمانيين تحقيقها دون الحاجة إلى اللجوء إليها
وكان للسلطان عبد الحميد الثاني أهدافٌ سياسية مهمة وراء إنشاء الخط الحجازي ، إذ اعتقد بأن إنجاز هذا المشروع يعني تحقيق قدر من الاستقلالية للدولة العثمانية عن أوروبا، عسكريا وسياسيا واقتصاديا وتقنيا
فالسلطان عبد الحميد الثاني والذي عُرف بتميزه عن سابقيه بحرصه على بقاء الخلافة العثمانية وحمايته لها، كان يبذل ما بوسعه بُغية توحيد صفوف المسلمين وتشكيل "اتحاد إسلامي" لمواجهة الأطماع الأوروبية الاستعمارية وهجماتها الغاشمة على الدولة العثمانية، إضافة إلى دعمه لحركة "الجامعة الإسلامية" التي دعت إلى تكتيل جميع المسلمين داخل الدولة العثمانية والمناطق المختلفة من العالم خلف راية الخلافة العثمانية ، ولعل خط حديد الحجاز يعتبر من أروع إنجازات السلطان عبد الحميد الثاني الرامية إلى الحفاظ على وحدة أراضي الدولة العثمانية

الإنشاء والتنفيذ
يتحدث السلطان عبد الحميد الثاني عن الخط الحجازي في مذكراته بقوله: أخيراً تحقق الخط الحجازي؛ ذلك الحلم الذي طالما راود مخيلتي ، فذلك الخط الحديدي لم يكن فقط مصدرا اقتصاديا للدولة العثمانية، بل كان في الآن ذاته يمثل مصدراً بالغ الأهمية من الناحية العسكرية من شأنه تعزيز قدرتنا العسكرية على امتداده
وقد أصدرت الإدارة السلطانية الخاصة قراراً بالبدء في إنشاء خط حديد الحجاز في الثاني من مايو عام 1900م، وفي الأول من سبتمبر عام 1900م، والذي يوافق العام الخامس والعشرين لجلوس السلطان عبد الحميد الثاني على عرش الدولة العثمانية، تم تدشين العمل في خط الحديد بين الشام ودرعا في احتفال رسمي مهيب
ووصل خط الحجاز إلى عمّان عام 1903م، وإلى معان عام 1904م. وفي الأول من سبتمبر عام 1905م اكتملت المرحلة الأولى من خط الحجاز، وانطلقت أولى رحلات القطار بين الشام ومعان لنقل الركاب والبضائع
وفي الأول من سبتمبر 1906م وصل الخط إلى مدائن صالح، ثم في 31 أغسطس 1908م وصل إلى المدينة المنورة ، وخلال الثمانية أعوام التي جرى فيها تنفيذ خط الحجاز وصل طول الخط إلى 1464 كم ، ومع إضافة الخطوط الفرعية الأخرى في المراحل اللاحقة بلغ طول الخط 1900 كم عام 1918م

وكان الجيش العثماني هو المصدر الرئيسي للقوة العاملة في إنشاء خط حديد الحجاز ، وساهم أيضاً في إنشاء هذا الخط عمال توافدوا من مناطق جغرافية مختلفة من العالم الإسلامي في مقدمتها سوريا والعراق ، ولما كانت أعداد أولئك العمال الوافدين محدودة، فقد تحمل الجنود العثمانيين معظم أعباء ذلك المشروع ، وكان الجنود يتقاضون أجوراً ضئيلة خلال فترة عملهم في المشروع، في مقابل السماح لهم بالانتهاء من الخدمة العسكرية قبل عام من موعدها المحدد
تولى منصب كبير مهندسي الأعمال الفنية، مهندس ألماني يُدعى "مايسنر باشا"، وعمل تحت قيادته أربعة وثلاثون مهندسا، سبعة عشر منهم عثمانيون والآخرون كان معظمهم من الألمان، بالإضافة إلى مهندسين من إيطاليا وفرنسا والنمسا وبلجيكا واليونان
وبعد وصول الخط الحديدي إلى محطة مدائن صالح أصبح الجزء المتبقي من الخط داخل حيز المنطقة الحرام ، ولما كان من المحظور شرعاً دخول غير المسلمين إلى هذه المنطقة، فقد جرى إنشاء الخط الواقع بين مدائن صالح والمدينة المنورة كله بأيدي مهندسين وعمال مسلمين
ومع تقدم العمل في المشروع ازدادت خبرة العثمانيين، وعليه قلت أعداد المهندسين الأجانب في المراحل المتقدمة منه أمام أعداد المهندسين المسلمين التي كانت تزداد يوما بعد يوم ، ومن ثم تميز خط حديد الحجاز بوصفه مشروعا عمل فيه الكثير من المهندسين المسلمين، قياسا بخط حديد الأناضول وخط حديد بغداد

تضحيات بطولية
استغرق إنشاء الخط الرئيسي لطريق الحجاز ثمانية أعوام، وعمل فيه نحو خمسة آلاف عامل معظمهم من الأتراك ، وبعضهم من العرب ، وبعضهم من أجناس مسلمة أخرى ، ولا شك أن قيام الجنود العثمانيين بالعمل في هذا المشروع قد خفض كثيراً من النفقات ، وهو ما يأتي في مقدمة العوامل المهمة في إنجاز هذا الخط الحديدي ، كما كان لتدين الجنود العثمانيين وحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم دوره البالغ في إنجاز هذا العمل في فترة تُعد قصيرة، حيث قاموا بشق الطرق عبر الفيافي والقفار والجداول والوديان ، ولعل الفضل في إنشاء هذا الخط الحديدي يرجع إلى أولئك الشجعان البواسل الذين قدموا من الأناضول لإنشاء وتركيب تلك الخطوط الحديدية في صحاري شبه الجزيرة العربية
وإذ يقوم أولئك البواسل بنصب قضبان السكك الحديدية وأعمدتها وتشييد محطاته كانوا ينصبون أيضاً الشواهد لقبور شهدائهم؛ حيث استشهد خلال إنشاء خط السكة الحديدية الكثير من الجنود العثمانيين، إما عطشاً تحت نيران الشمس الحارقة بسبب نقص المياه، وإما من سوء التغذية، فضلاً عمن استشهدوا بسبب حوادث العمل أو غارات البدو ، ولقد انتشرت شواهد قبور هؤلاء الشهداء العثمانيين البواسل على امتداد خط السكة الحديدية حتى المدينة المنورة جنباً إلى جنب مع محطات القطار
وإن تكن آثار وبقايا هذا الخط الحديدي لا تزال موجودة إلى اليوم فإن قبور معظم أولئك البواسل وأسماءهم قد طوتها صفحة النسيان ولم يعد لها وجود ، فيكفي أن نعلم أن عام 1908م وحده قد شهد أكثر من 126 غارة من غارات البدو على خط حديد الحجاز، فضلاً عن مشكلات نقص المياه وظهور بعض الأمراض وتدخلات الدول الأجنبية.. وهو ما يعطي لنا مؤشراً مهماً لفهم أسباب البطء في تنفيذ المشروع

الموقف الأوروبي
تلقت أوربا الإعلان عن الخط الحجازي بدهشة بالغة، واعتبرت إقدام الدولة العثمانية على مشروع مثل هذا ضرباً من الخيال، حيث كانت الدولة العثمانية آنذاك في وضع اقتصادي متدهور أوشكت فيه على الإفلاس بسبب ديونها الخارجية والداخلية؛ حتى إن بعض الصحف الأوربية آنذاك قد تطاولت عبر صفحاتها على المشروع والسلطان عبد الحميد الثاني بالاستهزاء والسخرية، وخصصت لذلك أخباراً مطولة ورسوماً كاريكاتيرية بذيئة.
ومع التقدم في إنشاء الخط وإظهار القائمين عليه لتضحيات كبيرة، أخذت الدول الأوروبية تضع العراقيل للحيلولة دون إكمال العثمانيين لهذا المشروع. وكانت بريطانيا وفرنسا في مقدمة هذه الدول، فأسرعت تلك الدول ولا سيما بريطانيا للحيلولة دون مساندة الشعوب التي تخضع للاستعمار البريطاني لهذا المشروع، حيث قامت بنشر الشائعات بين المسلمين الهنود الذين يقومون بالتبرع لإقامة الخط الحجازي، وأطلقت شائعات مثل أن "التبرعات لا تُستخدم في إنشاء الخط الحجازي". بيد أن هذه المحاولات قد باءت بالفشل التام، واستمر المسلمون الهنود في جمع التبرعات وإرسالها إلى الدولة العثمانية ، كما حظر الاستعمار البريطاني على مسلمي الهند تعليق "وسام خط حديد الحجاز" الذي يُمنح لكبار المتبرعين.
وقد سعت بريطانيا إلى استعمال شتى الطرق من أجل انسحاب العثمانيين من الأراضي المقدسة بعد الحرب العالمية الأولى ، ومما يلفت النظر هنا أن تعطيل خط حديد الحجاز كان أول ما قامت به بريطانيا بعد انسحاب العثمانيين من مكة والمدينة المنورة؛ إذ كانت تنظر إلى الخلافة العثمانية باعتبارها التهديد الأكبر ضد طموحاتها الإمبريالية في الشرق الأوسط والشرق الأقصى، ومن ثم فقد شعرت بارتياح شديد بعد أن قامت بقطع الروابط بين الأناضول وشبه الجزيرة العربية من خلال تعطيل الخط الحجازي ، أما فرنسا فقد سعت لفرض القيود والعقبات أمام إنشاء خط حديد الحجاز من خلال الموانئ التابعة لإدارتها؛ حيث فرضت ضرائب جمركية باهظة على مستلزمات خط الحديد، وعطلتها داخل الموانئ فترات طويلة.
وإن تكن كل هذه العقبات قد أبطأت من معدل إنجاز الخط، إلا أنها لم تستطع أبداً إيقاف عجلة التقدم نحو الانتهاء من تنفيذ المشروع. واكتمل خط حديد الحجاز رافعاً راية العصيان والتحدي في وجه الاستعمار الأوربي، ومعلناً أن قلب "الرجل المريض" لا يزال ينبض بالحياة

المصادر المالية
كان فترة سلطنة السلطان عبد الحميد الثاني من أصعب فترات الدولة العثمانية من الناحية الاقتصادية. ولم يأل السلطان عبد الحميد جهداً من أجل سداد الديون الخارجية الضخمة التي ورثها عن أسلافه ، ورغم أنه قد اضطر للحصول على قروض خارجية ضئيلة في بعض الأوقات، إلا أن ما قام بسداده كان يفوق بكثير ما اقترضه ، وكان يدرك أن الديون الخارجية تزعزع هيمنة الدولة، والديون الداخلية تزعزع سلطتها ، ومن ثم لم يفكر في الحصول على أي قروض خارجية لتمويل إنشاء خط حديد الحجاز
وكانت التبرعات - وللمرة الأولى في تاريخ الدولة العثمانية - هي المصدر الأول لتمويل هذا المشروع الضخم
فكان تمويل خط حديد الحجاز من تبرعات المسلمين في شتى أنحاء العالم دون أن تشوبه أي مساهمة من الدول الأجنبية على النقيض من خطي سكة حديد الأناضول وبغداد اللذين أقيما بتمويل أجنبي
وكانت الدولة العثمانية قد خصصت 18% من ميزانيتها لإنشاء هذا الخط، بيد أن تلك النسبة اعتُبرت ضئيلة للغاية عندما تم الإعلان عن أن إنشاء الخط سيتكلف نحو ثمانية ملايين ليرة عثمانية ، ومن ثم برز الاحتياج الشديد للأموال اللازمة لتنفيذ المشروع ، ذلك المشروع الذي اعتبره المسلمون بمثابة "مسألة عزة وكرامة" أمام أوروبا

وأراد السلطان عبد الحميد أن يجنب دولته المزيد من الاستدانة، وأن يكون تمويل المشروع الحجازي بأموال إسلامية تماماً ، فوجه نداءً إلى العالم الإسلامي من أجل التبرع للمشروع، ليدشن بذلك حملة تبرعات قلّ أن نجد لها نظيراً في تاريخ العالم
وبدأت حملة التبرعات الأولى في مايو عام 1900م، بأن تبرع السلطان عبد الحميد الثاني من جيبه الخاص بخمسين ألف ليرة عثمانية، ودعا المسلمين كافة للمشاركة في هذه الحملة، سواءً كانوا ممن يعيشون في الأراضي العثمانية أو في غيرها ، ومن بعد السلطان تبرع الباشاوات العثمانيون، ثم أقبل موظفو الدولة والتجار والبائعون والجنود والشعب على المشاركة في هذا التنافس الخيري ، ولقي نداء السلطان عبد الحميد استجابة تلقائية وفورية بين كافة المسلمين في شتى بقاع العالم، حيث اقتطع المسلمون من أقواتهم ومدخراتهم للمساهمة في تمويل الخط الحجازي
بل إن دولة ذات صراع تاريخي مع الدولة العثمانية مثل إيران قد جمعت أيضاً مقداراً من التبرعات -وإن كان ضئيلاً- وأرسلته إلى إسطنبول ، وانهالت التبرعات التي جاءت من مناطق مترامية الأطراف مثل الهند وأفغانستان، ومن دول أخرى مثل الجزائر والسودان وتونس وليبيا وإندونيسيا وماليزيا ، وتدفقت التبرعات من كافة أرجاء العالم؛ فجاءت التبرعات من الشعوب التركية في آسيا الوسطى، ومن مسلمي أوربا وأفريقيا وأمريكا
وذلك رغم كل المحاولات التي قامت بها الدول الأوربية لصرف هذه الشعوب المسلمة عن هذا المشروع وإقناعهم بعدم جديته ، وأصبحت التبرعات التي تم جمعها من الضخامة ما تكفي لإنشاء ثلث الخط الحجازي
وحرصت الدولة العثمانية على تكريم المتبرعين من خلال منحهم نياشين وأوسمة مصنوعة من الذهب والفضة تخليداً لذكرى الخط الحجازي ، وإضافة إلى ما تم جمعه من تبرعات، فقد اضطرت الدولة العثمانية إلى الاقتطاع الإجباري من مرتبات موظفي الدولة من أجل الإسهام في إنشاء الخط
وجدير بالذكر هنا أننا لا نكاد نجد شكوى واحدة من أولئك الموظفين بسبب هذا الاقتطاع الإجباري من رواتبهم ، وهو ما يُعد إشارة واضحة على أن الأمة التي تلتف حول هدف واحد، قادرة على التضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل تحقيق ذلك الهدف ، وتاريخ الأتراك في الفترات اللاحقة يشهد على أحداث مشابهة لتلك التضحيات، تجلت فيها هذه الروح والفكرة والعقدية دون أن يعتريها خلل أو عطب
كما حرصت الدولة أيضاً على اقتطاع جزء من دخلها العام لتمويل المشروع الحجازي، فأصدرت طوابع تمغات متعددة الفئات المالية في كافة دوائرها الحكومية والبيروقراطية، وجمعت جلود الأضاحي وباعتها وحملت عائداتها إلى ميزانية المشروع ، إضافة إلى أن نظام البدء الفوري في تشغيل رحلات الركاب والبضائع في الأجزاء التي اكتملت من الخط الحديدي، كانت مصدراً آخر من مصادر التمويل
ورغم الانتهاء من إنشاء المشروع الحجازي، وانسحاب العثمانيين من المنطقة مع حلول عام 1918م، وتخريب الخط ونسف جسوره وانتزاع قضبانه مع نشوب الثورة، إلا أن التبرعات لم تتوقف وظلت تتدفق من مختلف أنحاء العالم ، ولا ريب أن هذه الهمة العالية والتنافس في فعل الخيرات قد أظهر للعالم كله مدى عمق الأخوة الإسلامية وقوتها ورحابتها

حركة القطار
في الأول من سبتمبر عام 1908م والموافق للعام الثاني والثلاثين من جلوس السلطان عبد الحميد الثاني على عرش الدولة العثمانية، قام بافتتاح خط حديد الحجاز وسط مراسم رسمية مهيبة ، وكانت قبل ذلك "لجنة خط حديد الحجاز" قد قامت نيابة عن السلطان بافتتاح المحطات الممتدة على خط سكة الحديد في احتفالات رسمية أيضاً
وكان لغير المسلمين أيضاً الحق في استخدام المحطات البينية الموجودة على خط حديد الحجاز، غير أنه لم يكن من المسموح لهم الوصول بالقطار إلى المدينة المنورة، وكان للخط دور في نقل الأموال ، وأسدى قطار الحجاز خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام، واستُخدم أيضاً في بعض الأغراض العسكرية مثل نقل الجنود من منطقة إلى أخرى. كما قام القطار بنقل البضائع بين المناطق المختلفة، وهو ما أحدث انتعاشة في الحياة الاقتصادية والتجارية
وتحددت أوقات تحرك القطارات وفقاً لمواقيت الصلاة ، فكانت القطارات تتحرك على نحو لا يخل بأوقات الصلاة ، فإذا ما دخل وقت الصلاة توقف القطار وتوجه الركاب لأداء الصلاة في العربة المخصصة لذلك

الدلالة الدينية
قد تكون نظرتنا قاصرة إذا نظرنا إلى البعد الديني للخط الحجازي في نقله للحجاج فحسب. فالقطار الحجازي كان يؤدي في الوقت ذاته مهمة عريقة، ويحافظ على تقليد يضرب بجذوره في التاريخ وهو إرسال "الصرة السلطانية" إلى الحجاز. وكان السلاطين العثمانيون كلهم تقريباً يقومون بتجهيز قدر كبير من الأموال عُرف بـ"الصرة السلطانية" وإرسالها إلى الحجاز. وهو تقليد يرجع بجذوره إلى العباسيين ثم إلى العثمانيين اعتباراً من السلطان العثماني يلديرم بايزيد
وكانت "الصرة السلطانية" قديما تبدأ رحلتها في بداية كل ثلاثة أشهر عبر الطريق البري. وعرفت الطريق البحري مع استخدام السفن البخارية منذ عام 1864م، ثم أصبح لها مكانها الخاص في القطار الحجازي بعد عام 1908م. وكانت أموال "الصرة السلطانية" مخصصة للإنفاق على كافة الخدمات في مكة المكرمة والمدينة المنورة، مثل شؤون الإعمار والإصلاح وغيرهما، ودفع رواتب العاملين هناك. كما كانت أيضاً مصدراً من مصادر توفير الراحة وتيسير مناسك الحج لزوار بيت الله الحرام. إضافة إلى أن القطار الحجازي قد وفر لوفد "الصرة السلطانية" رحلة سريعة ومريحة وآمنة
وأخيرًا وبهذه المناسبة نتوجه بخالص العرفان بالفضل والدعاء بالرحمة لأولئك الذين عملوا على إنشاء خط سكة حديدية الحجاز، وأولئك الذين سقطوا شهداء خلال أداء واجبهم فيه، وأولئك الذين اقتطعوا من أقواتهم ومدخراتهم للمساهمة فيه، وأولئك الذين بذلوا النفس والنفيس بكل تجرد وإخلاص لذلك المشروع
ــــــــــــــــ
المصدر : مجلة حراء ـ العدد: 16 (يوليو - سبتمبر ) 2009

عن موقع التاريخ
 
التعديل الأخير:
آخر حراس الأقصى


ذهب بعض السياسيين ورجال الأعمال الأتراك في زيارة رسمية لإسرائيل , وكان معهم بعض الصحافيين , وكانت مهمة هؤلاء الصحافيين , مراقبة الأحوال , وكانت تلك الزيارة عام 1972م , يقول أحد الصحفيين ويدعى إلهان بردكجي : كانت زيارة إسرائيل ستستغرق أربعة أيام , وقد وصلنا مساء يوم من شهر مايو , وقد جرت اتصالات رسمية أولا مع الجانب الفلسطيني , ثم مع الجانب الإسرائيلي , وفي اليوم الرابع نظموا لنا جولة إلى الأماكن التاريخية السياحية في إسرائيل , يقول الصحفي إلهان بردكجي : كنت متلهفا لزيارة المسجد الأقصى ,ومدينة القدس , وكان الجو حارا , وكان جسمي يتصبب عرقا ,وقد وصلنا ضمن قافلة إلى المسجد الأقصى

وعندما صوبت المصورة في يدي لألتقط الصور شعرت بيدي ترتجفان , ثم صعدنا السلالم في الفناء العلوي , يسمونه فناء الاثني عشر ألف مشمعة , لأن السلطان سليم الأول عندما دخل القدس أشعل في هذا الفناء اثني عشر ألف شمعة , وصلي الجيش العثماني صلاة العشاء في ضوء تلك الشموع ومن هنا جاء اسمه

يقول الصحفي إلهان بردكجي : لفت نظري رجل في زاوية من زوايا الفناء وكان في التسعينيات من عمره , عليه بزة عسكرية عتيقة أقدم من سنه , والرقع في جوانبها كلها حتى إن بعضها أعيد ترقيعه , وكان ينتظر هناك واقفا وعلى الرغم من هرمه ,وقامته القريبة من المترين كانت وقفته شامخة أبية عرتني دهشة , كانت أقول في نفسي من هذا الرجل ولما يقف هنا , سألت المرشد الإسرائيلي عن هذا الرجل فقال لي : منذ زمن طويل وأنا أراه منتظرا هنا يوميا , لا يستمع إلى أحد , ولا يتكلم مع أحد , ينتظر فقط ,غالبا هو أحد المجانين , يقول الصحفي إلهان بردكجي : كان المرشد يقول : إنه مجنون ,أما فقد ازدادت لهفتي لمعرفته ,ولم يقف في هذا الحر الشديد هنا ؟

اقتربت منه بفضول الصحفي وكنت مترددا هل أتحدث معه ؟ ثم اقتربت منه جدا فلاحظ ذلك, لكنه لم يتحرك قلت له : السلام عليكم يا عماه , أدار وجهه إلي قليلا , وقال بصوت متهدج : وعليكم السلام يا بني قلت فجأة يا إلهي : إنه تركي , ارتعدت من داخلي تركي في هذه الأراضي اليتيمة البعيدة عن الأناضول آلاف الكيلومترات , وقلت : ما الأمر يا عماه ؟ من أنت ؟ وماذا تفعل هنا ؟
رد بصوته المرتجف وقال : أنا العريف حسن قائد مجموعة الرشاش الحادية عشرة ,السرية الثامنة ,في الكتيبة السادس والثلاثين , من الفرقة العشرين في الجيش العثماني , كانت الرجفة قد اختفت من صوته , غير أنه أعاد تعريف نفسه مرة أخرى , وبصوت أقوى من ذي قبل وكأنه يريد إثبات وجوده ومكانته , ثم قال : هاجمت وحدتنا الإنجليز من جبهة قناة السويس في الحرب العالمية , وكان الجيش العثماني العظيم يحارب في جبهات كثيرة , رغم قلة العدد والإمكانات المعدومة , وهزم الجيش , يا بني في القناة واضطر للانسحاب , وضاعت الأراضي ميراث الأجداد من أيدينا واحدة تلو الأخرى , ثم وصل الإنجليز الكفرة إلى القدس واحتلوها , وبقيت وحدتنا في القدس بوصفها فرقة حرس لمؤخرة الانسحاب

فقلت له : وماذا تعني وحدة حرس لمؤخرة الانسحاب ؟ قال : ترك الجيش هذه الوحدة لحماية البلدة المباركة من أعمال السلب والنهب , إلى دخول احتلال الإنجليز لها , وكانت الدول قديما عندما تحتل مدينة ما , لا يعاملون جنود الدولة المهزومة , القائمين بالحراسة معاملة الأسرى , ولهذا طلب الإنجليز عند احتلالهم القدس من الدولة العثمانية , أن تبقي كتيبة صغيرة لئلا يثور الناس , وهذه القوات الباقية في مؤخرة الجيش تسمى قوات حرس الانسحاب
قلت له : وما حدث بعد ذلك يا عماه ؟ فقال : كنا ثلاثة وخمسين رجلا في القدس بوصفنا حرسا لمؤخرة الانسحاب , ثم أمر بتسريح الجيش العثماني بمقتضى معاهدة مودروس , وقف إطلاق النار , وكان قائدنا ضابطا برتبة نقيب , أخذنا جانبا , وقال لنا : أيها الأسود إن الدولة العثمانية في مأزق كبير , ويسرحون جيشنا العظيم , وقد استدعوني إلى إستانبول , ولزم علي أن ألبي , وإن لم أذهب أكن مخالفا شروط الهدنة عاصيا الأوامر , فمن أراد منكم العود إلى بلده فليفعل , ولكن لو تطيعوني , فلي عندكم رجاء القدس أمانة مولانا السلطان سليم الأول , في أعناقنا فواظبوا على الحراسة هنا , كي لا يقول الناس " إن العثمانيين تخلوا عنا وتركونا , فسيكون ذلك انتصارا حقيقيا لأعدائنا , فلا تضعوا عزة الإسلام

ثم تعاقبت الأيام والسنون , مرت الأعوام طويلة غير أنها تمضي كلمح البصر , وقد رحل الأصدقاء , في الوحدة واحدا تلو الآخر إلى رحمة الله , لم يستطع الأعداء القضاء علينا , وإنما قضي عليها الزمان , وبقيت وحدي هنا , يقول إلهان بردكجي : اغرورقت عيناي بالدموع , وأن أنصت إليه ثم قال لي : لي عندك رجاء يا بني احتفظت بهذه الأمانة منذ سنين , فهل توصلها إلى أهلها ؟ قلت : بكل تأكيد , قال: ألن تعود إلى الأناضول يا بني ؟ قالت : بلي , فقال : عندما تعود إلي الأناضول أذهب إلى محافظة توكات , فهناك ضابطي النقيب مصطفي , الذي كلفني بحراسة الأقصى , ووضعه أمانة في عنقي , فقبل يديه نيابة عني , وقل له العريف حسن الإغدرلي قائد مجموعة الرشاش الحادية عشرة , مازال قائما على حراسته حيث تركته من ذلك اليوم , ولم يترك نوبته قط , وإنه ليرجو دعواتكم المباركة

قلت له : سمعا وطاعة يا عماه , ثم سألني عن مدينتي فقلت : من إسطنبول فأشرق وجهه بابتسامة , وقال : إذا قدمت من عاصمة الخلافة ؟ كيف حال العثمانيين يا بني ؟ سكت فلم أتحدث , عن ما حدث لهذه الدولة العظيمة , فقالت له : إن دولتنا بخير , ولم أستطع قول الحقيقة .

سألني : إذا كانت دولتنا بخير فلم لا تأتي وتخلص القدس من هؤلاء اليهود ؟ فعييت ولم أجد جوابا ,لم أقل له : أن الدولة العثمانية لا تذكر إلا في كتب التاريخ فقط , ولم يرض قلبي أن يؤلم قلبه فقلت له : سيأتون يوما ما يا عماه ! أقبلت على يديه الخشنتين , وقبلتهما بحرارة ثم قلت له : أترككم في رعاية الله يا عم حسن فقال : حفظك الله يا بني بلغ الأناضول مني السلام , فمن العسير علينا أن نرى هذه البقاع المباركة بالعين المجردة , بلغ الدولة العلية مني السلام .

ذهبت مع القافلة فشرحت للمرشد أمر العريف حسن , فلم يستطع أن يصدق , وأعطيته عنواني وطلبت منه أن يخبرني بأي شئ يحدث للعريف حسن .
ثم عدت إلى تركيا وذهبت إلى مدينة توكات وبعد جهد وجدت في السجلات العسكرية ملف النقيب مصطفي لكنه قد مات منذ سنوات , ثم تعاقبت الأيام , وفي عام 1982م أثناء عملي في وكالة الأنباء , أخبرني الأصدقاء ببرقية وردت من إسرائيل , قلت في نفسي يا إلهي ما شأني بإسرائيل ؟ نظرت إلى البرقية , إنها من المرشد الإسرائيلي , وقد احتوت على جملة واحدة فقط , مات اليوم آخر جندي عثماني يحرس المسجد الأقصى

المصادر
بطولات وتضحيات من التاريخ الإسلامي
عبرات في تاريخ العثمانيين
{
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }
 
التعديل الأخير:
الرئيس التركي الأسبق "أوزال" اتهم "جمال باشا" بالعمالة للإنجليز
في حوار صحفي أجري معه قبل 25 عاما ونشر حديثا



نشرت صحيفة "ستار" التركية حوارا، كان أحد الصحفيين أجراه عام 1991، مع الرئيس آنذاك، "تورغوت أوزال"، إلا أن الأخير اشترط عدم نشره
وقال أوزال في الحوار، الذي نشرته "ستار" أمس الثلاثاء، إن "جمال باشا"، الملقب في العالم العربي بالسفاح، كان عميلا للانجليز، سعى من أجل إذكاء العداوة بين العرب والدولة العثمانية

ووفقا لما نشرته "ستار"، فقد أجرى الحوار الصحفي، يالتشين أوزار، خلال زيارة قام بها أوزال عام 1991، لموسكو وكييف عاصمة أوكرانيا، التي كانت استقلت حديثا عن الاتحاد السوفيتي، وصدرت عن أوزال خلال الحوار تصريحات هامة اشترط عدم نشرها، وهو ما أدى إلى عدم إطلاع الجمهور عليها حتى يومنا هذا

ووفقا لما نشرته الصحيفة، فقد سأل أحد الصحفيين، أوزال، خلال الزيارة قائلا: "قدمتم الدعم للتدخل الأمريكي في العراق، والعلاقات بين العالم العربي وتركيا ليست جيدة منذ العشرينات، ألن يؤدي هذا الدعم إلى تدهور العلاقات أكثر؟"، ورد أوزال بأن قال للصحفيين الحاضرين: "اسألوا حسن جمال عن هذا الأمر". وحسن جمال، هو أحد الكتاب الأتراك الذين كانوا يرافقون أوزال خلال تلك الزيارة، وهو حفيد جمال باشا، أحد أهم قادة جمعية الاتحاد والترقي خلال الفترة الأخيرة للدولة العثمانية. وبما أن حسن جمال لم يكن حاضرا ذلك الموقف، فإن أحدا لم يعرف وقتها ماذا كان يقصد أوزال

"جمال باشا" كان عميلا للانجليز
وفي وقت لاحق التقى الصحفي أوزار وصحفي آخر، الرئيس أوزال لإجراء حوار خاص، وسأل أوزار الرئيس أن يوضح ماذا كان يقصد بقوله: "اسألوا حسن جمال عن هذا الأمر"، فأجاب: من مشاكلنا أن دولتنا تقع في منطقة ساخنة، ويمكن في دول المنطقة العثور بسهولة على من يمكن شراء ذمته. لا يمكنك شراء ذمة ألماني، أو بريطاني، أو فرنسي، أو ياباني، أو روسي. إلا أن الإنجليز اشتروا، قبل انهيار الدولة العثمانية، ذمم البعض من داخل الدولة
وتابع أوزال أن جمال باشا، قائد الجبهة الجنوبية العثمانية، كان يحصل على راتب من الإنجليز، وتلقى تعليمات بجمع بنات علماء الدين في دمشق، في أحد المنازل، وإجبارهن على احتساء الخمر، والتحرش بهن، ومن ثم إطلاق سراحهن، وقام جمال على الفور بتنفيذ هذا الأمر

وقال أوزال: إن أخبار هذه الواقعة المخجلة انتشرت بسرعة في العالم العربي، وأدت إلى انتشار العداء للعثمانيين بين العرب، بنشر دعاية مفادها أن العثمانيين ابتعدوا عن طريق الإسلام، ولدى وصول هذه الأنباء إلى الشريف حسين في الحجاز، صدقها دون أن يعرف أصل الواقعة، وتسبب هذا في ثورة العرب ضد العثمانيين، بالتعاون مع الإنجليز، لهذا السبب قلت لكم اسألوا حسن جمال عن مصدر العداوة بين العرب والعثمانيين

واعتبر أوزال أن الأوروبيين تمكنوا من خلال الرجال الذين اشتروا ذممهم، من تدمير الدولة العثمانية من الداخل، وفصل تركيا عن العالم العربي وعن مسلمي الهند، قائلا إن الإنجليز تمكنوا بذلك من تحقيق هدفيين، الأول هو السيطرة على حقول النفط في الشرق الأوسط، والثاني السيطرة على الهند عن طريق إلغاء الخلافة، حيث لم يتمكنوا قبلا من السيطرة على الهند لولائها الكبير للخلافة

حزب الشعب الجمهوري دائم الشكوى
ولفت أوزال، خلال الحوار، إلى العلاقة المستمرة بين حزب الشعب الجمهوري والحكومات الأوروبية، فقال: "عندما نضيّق على حزب الشعب الجمهوري قليلًا يتوجه إلى أصدقائه الأوروبيين ليشكو الدولة التركية. كيف يفعل ذلك؟ إما بالخفاء، وإما عن طريق تكوين رأي عام بواسطة الصحفيين القوميين اليساريين ذوي توجهات علمانية ومؤيدين لأتاتورك

وعد لبريطانيا بهدم الخلافة
وأشار أوزال إلى التشابه بين جمعية الاتحاد والترقي، التي تسببت بانهيار الدولة العثمانية، وقادة حزب الشعب الجمهوري، حيث قال: أجداد أعضاء حزب الشعب الجمهوري هم أتباع مدحت باشا وحسين عوني باشا، الذي قال "حقدي هو ديني". أما آباؤهم فهم أعضاء جمعية تركيا الفتاة وعصابة الباشوات الثلاثة، التي نجحت خلال ستة أعوام في هدم الدولة العثمانية التي عمرت ست مئة عام. وهذه العصابة مكونة من أنور، الذي رُقّي من نقيب إلى باشا، وطلعت، الذي أصبح باشا بعد أن كان موظف بريد، وجمال باشا المعروف... لم تتمكن بريطانيا من السيطرة على المسلمين الهنود، الذين كانوا يعتبرون الولاء للخلافة واجبًا دينيًّا، واشترطت إزالة الخلافة خلال خمسة أعوام من أجل السماح بإقامة دولة جديدة على أنقاض الدولة العثمانية... وهذا ما حصل عام 1924، ليصبح المسلمون دون قيادة. المسيحيون لديهم البابا الآن، أما المسلمون فهم مشتتون. ونتيجة لانهيار الدولة العثمانية تمكنت بريطانيا من السيطرة على الهند وحقول النفط بسهولة. كان آخر طلب للخليفة وحيد الدين من المسلمين في العالم هو الدعاء للمقاومة التي أطلقها في الأناضول. وعلى الرغم من أن الخليفة لم يطلب شيئًا آخر سوى الدعاء، أرسل مسلمو الهند أطنانًا من الذهب لدعم المقاومة. إلا أن حزب الشعب الجمهوري صادر الذهب، وأسس بجزء منه بنك العمل (إش بنكاسي) المعروف

عن موقع الأناضول
 
التعديل الأخير:
أمير عثماني يحصل على الجنسية التركية في الـ 76 من عمره


نيويورك – الأناضول: حصل “جنكيز ناظم عثمانلي أوغلو”، أحد أحفاد السلطان العثماني “محمد رشاد” (حكم ما بين 1909-1918)، على الجنسية التركية، وتسلم بطاقة هويته التركية وهو بعمر الـ 76، من القنصلية التركية بنيويورك في الولايات المتحدة التي يقيم بها منذ عام 1960

وقال “جنكيز″ إنه تلقى البشرى الأولى المتعلقة بإمكانية حصوله على الجنسية التركية، من رئيس الوزراء التركي “أحمد داود أوغلو”، خلال زيارته العاصمة البريطانية لندن أثناء توليه وزارة الخارجية التركية

وأشار “جنكيز″ إلى تسلمه بطاقة الهوية التركية، بعد حوالي عام من تقديمه طلب الحصول على الجنسية التركية، مشيرًا إلى حصول أخيه المقيم في بريطانيا على الجنسية أيضاً

ووصف جنكيز علاقته بالولايات المتحدة وتركيا بالقول : قلبي في الولايات المتحدة، وروحي في تركيا

وولد جنكيز، الابن الأكبر لحفيد السلطان محمد رشاد “محمد ناظم” أفندي، في القاهرة عام 1939، وحصل على الجنسيات الفرنسية، واللبنانية، والأمريكية، قبل أن يتقدم للحصول على الجنسية التركية

ويحتل الأمير “جنكيز″ المركز، الرابع من حيث العمر، بين الأمراء العثمانيين الـ 24، الذين لا يزالون على قيد الحياة، ولدى جنكيز ابنه “ضياء الدين”، وابنته “عائشة”، ولديه حفيدان من ابنته

سافر “جنكيز″ عام 1960، من بريطانيا التي أقام بها فترة من الزمن، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث درس العلوم السياسية في جامعة أوكلاهوما، وعمل في سنواته الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية في توصيل طلبات البيتزا، وفي السياحة، قبل أن ينتقل إلى مجال النقل، ويؤسس شركة للنقل، لا يزال يديرها رغم بيعه لها وتقاعده

وفي الثالث من مارس/ آذار عام 1924، صدر قانون في تركيا، بنفي 37 من ذكور العائلة العثمانية، بينهم السلطان العثماني الأخير “محمد وحيد الدين”، والخليفة العثماني الأخير “عبد المجيد” أفندي، و35 أميراً عثمانياً، وإثر القرار غادر 250 من ذكور وإناث العائلة العثمانية، تركيا، على متن القطارات والسفن.

ومات معظم هؤلاء في المنفى بعد معاناتهم من الفقر لفترات طويلة، ويعيش أولادهم وأحفادهم حاليًا في الولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، والنمسا، وسوريا، ومصر، ولبنان

وفي 15 مايو/ آيار 1974، صدر قانون بالسماح لذكور العائلة العثمانية بدخول تركيا

وكان والد جنكيز، محمد ناظم، أول أمير عثماني يعود إلى تركيا، وتوفى بها بعد صدور قانون عام 1974، الذي وضع حدًا لنفيهم، حيث عاد محمد ناظم إلى تركيا بعد صدور القانون، وكان حينها أحد 10 أمراء لا يزالون على قيد الحياة، من بين الـ 37 أميرًا عثمانيًا الذين تم نفيهم عام 1924، وعاش محمد ناظم في تركيا إلى أن توفي عام 1984

ولم يتبق على قيد الحياة من بين أفراد العائلة العثمانية الـ 250 الذين غادروا تركيا عام 1924، سوى “بيلون” هانم سلطان، ابنة “فاطمة الزهراء” سلطان، حفيدة السلطان عبد المجيد، المولودة عام 1918، وتعيش حاليًا في بيروت


عن القدس العربي
 
التعديل الأخير:


بعض أسباب سقوط الدولة العثمانية :

تدخل السفارات البريطانية والفرنسية والبروسية (المانية) واتصالهم بضباط الجيش وزرع فيهم بذور القومية التركية أو الوطنية و العلمانية والدولة الحديثة الأوربية والمساواة بين النصارى واليهود والمسلمين وانتشار الجمعيات السرية داخلها... ولضعف المخابرات العثمانية انذاك عن كبج جماحهم


من فترة قرأت ان السلطان عبد الحميد رحمه قال في مذكراته انه وصلته برقية من امبراطور المانية يقول فيها ان العساكر العثمانيين المنتدبين للكلية الحربية ببرلين هم جيدين وممتازين عسكريا ...فيقول السلطان ان مخابراته قالت له ان ماقاله الامبراطور غير صحيح فالمنتدبين العسكريين يقضون غالب وقتهم بالبارات ومعاشرة النساء وشرب الخمور واللقاءات السياسية وقليل ما يلتفتون للعسكرية ...ثم يقول السلطان ان هذا سبب من اسباب تسلط العسكر على الدولة واضعافها


 


كتب ستون وتسون يقول :


(ان الحقيقة البارزة في تكوين جمعية الاتحاد والترقي انها غير تركية وغير اسلامية، فمنذ تأسيسها لم يظهر بين زعمائها وقادتها عضو واحد من اصل تركي صاف، فأنور باشا هو ابن رجل بولندي مرتد، وكان جاويد من الطائفة اليهودية المعروفة دونمة، وكراسو من اليهود الاسبان القاطنين في مدينة سالونيكا، وكان طلعت باشا من أصل غجري اعتنق الاسلام دينا، أما أحمد رضا أحد زعمائهم في تلك الفترة فكان نصفه شركسيا ونصفه غجريا الى جانب كونه من اتباع مدرسة كومت الفلسفية).


يضيف ستون وتسون قائلا: (إن أصحاب العقول المحركة وراء الحركة كانوا يهودا أو مسلمين من أصل يهودي وأما العون المالي فكان يجيئهم عن طريق (الدونمة) ويهود سالونيكا الاثرياء.... كما أنه كانت تأتيهم معونات مالية من الرأسمالية الدولية - أو الشبيهة بالدولية - من فينا وبودبست وبرلين وربما من باريس ولندن).


ويقول هربرت أبري: (كان يهود سالونيكا ويعرفون (بالدونمة) - أي المرتدون- شركاء الثورة التركية الحقيقيين، وهؤلاء هم من العرق اليهودي، ولكن معتقدهم قد لا يكون يهوديا أصلا. والاعتقاد الشائع بين الناس هو: أنهم مسلمون بالاسم، أما بالفعل فإنهم من اتباع توراة موسى... وفي تلك الفترة التي نحن بصددها لم يعرف أحد من الناس شيئا عنهم، سوى قلة من العلماء المختصين بدراسة الشرق الأدنى، ولم يكن أحد من الناس يجرؤ أن يتنبأ أن هذه اليهودية المعروفة (بالدونمة) ستلعب دورا رئيسيا في ثورة كان لها نتائج خطيرة في سير التاريخ .))


 


لقد كانت الأصابع اليهودية بارزة في نشوء القومية التركية، ولا زال اليهود يحرصون على ربط العرب بقوميتهم.
كتب سفير بريطانيا في الاستانه (لاوثر) إلى وزير خارجية بريطانيا (هادينغ) بتاريخ 29/5/1910 يقول:

(في سالونيكا مقر حركة الاتحاد والترقي تركيا (تركيا الفتاة) يسكن حوالي 140 الفا من اليهود، (80) ألفا من أصل أسباني و (20) الفا من طائفة سبط اللاوي- اللاويين - وهم يهود تظاهروا بالاسلام، ومعظم هؤلاء اليهود الاسبانيون الأصل قد حصل في الماضي على الجنسية الايطالية، وهم ماسونيون ينتمون إلى المحافل الايطالية، فاليهودي لوزاتي وسونتيو من رؤوساء الوزارة، وغيرهما من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب هم أيضا فيما يظهر من الماسونيين، وهم يزعمون بأن محافلهم الماسونية هي فرع من المحفل الاسكتلندي القديم وتبع طقوسه، وقبل بضعة أعوام اسس (عمانوئيل قراصو) وهو يهودي ماسوني من سالونيكا ويمثل الآن مدينة سالونيكا في مجلس المبعوثان العثماني (وهو المجلس النيابي الذي يمثل كل الطوائف والطبقات من رعايا الدولة العثمانية مسلمين كانوا أو غير مسلمين) بالتعاون مع الماسونية الايطالية محفلا في سالونيكا سمي (بالمحفل المقدوني).
مقارنة بين القومية الطورانية والقومية العربية:
===================


لقد التقت القومية الطوروالعربية على أشياء أهمها:

1- ان الغرض من كل منهما هو القضاء على تركيا المسلمة، وعلى السلطان عبدالحميد بالذات.

2- لقد بدأت القوميتان في وقت واحد تقريبا، وإن كانت القومية العربية قد تقدمت قليلا على الطورانية.

3- القوميتان علمانيتان اتفقتا على استبعاد الاسلام عن الحياة.

4- إن كلا من القوميتين نشأتا في محاضن أجنبية، فالقومية العربية نشأت في المحاضن الأمريكية وفي الجامعة الأمريكية ببيروت ، بينما الطورانية نشأت في المحافل الماسونية اليهودية التي يشرف عليها اليهود الاسبان والبولنديون والايطاليون.


5- إن الرواد الأوائل لكل من الدعوتين لم يكونوا مسلمين أصلا ولا من الجنس الذي يدعون إلى قوميته، فمثلا (بورزيكي) الذي سمى نفسه مصطفى جلاالدين - بولندي الأصل- عمل على نقل القومية البولندية وصبها في قالب تركي، ومنذ تأسيس جمعية الاتحاد والترقي لم يظهر بين زعمائها وقادتها عضو واحد من أصل تركي صاف، فأنور باشا- بولندي مرتد- وجاويد من الطائفة اليهودية (دونمة) وكراسو (من اليهود الاسبان) في سالونيك، وطلعت باشا من أصل غجري،وأما أحمد رضا- فنصفه شركسي ونصفه مجري ومتأثر بكومت

والرواد الأوائل للقومية العربية كانوا جميعا من غير المسلمين من بطرس البستاني، وناصيف وابنه ابراهيم اليازجي، والشدياق، وأديب اسحق ونقاش وشميل وتقلا وصروف وزيدان ونمر ومشاقة. كل هؤلاء على الاطلاق من النصارى، ثم جاء القرن العشرين وكان من قادتهم: زكي الأرسوزي وميشيل عفلق - قادة البعث. وانطون سعادة وجورج عبدالمسيح من قادة الحزب القومي السوري، وجورج حبش من قادة القوميين العرب.


يقول الكاردينال بريتولي للبابا: (69) (إن النصرانية في الشرق هي التي زرعت الحرك الثورية وحركات التغيير، وإن أسماء ميشيل عفلق وأنطون سعادة وجورج حبش قد تفسرلك ما أعنيه).​
 

كتب ستون وتسون يقول :


(ان الحقيقة البارزة في تكوين جمعية الاتحاد والترقي انها غير تركية وغير اسلامية، فمنذ تأسيسها لم يظهر بين زعمائها وقادتها عضو واحد من اصل تركي صاف، فأنور باشا هو ابن رجل بولندي مرتد، وكان جاويد من الطائفة اليهودية المعروفة دونمة، وكراسو من اليهود الاسبان القاطنين في مدينة سالونيكا، وكان طلعت باشا من أصل غجري اعتنق الاسلام دينا، أما أحمد رضا أحد زعمائهم في تلك الفترة فكان نصفه شركسيا ونصفه غجريا الى جانب كونه من اتباع مدرسة كومت الفلسفية).

يضيف ستون وتسون قائلا: (إن أصحاب العقول المحركة وراء الحركة كانوا يهودا أو مسلمين من أصل يهودي وأما العون المالي فكان يجيئهم عن طريق (الدونمة) ويهود سالونيكا الاثرياء.... كما أنه كانت تأتيهم معونات مالية من الرأسمالية الدولية - أو الشبيهة بالدولية - من فينا وبودبست وبرلين وربما من باريس ولندن).


ويقول هربرت أبري: (كان يهود سالونيكا ويعرفون (بالدونمة) - أي المرتدون- شركاء الثورة التركية الحقيقيين، وهؤلاء هم من العرق اليهودي، ولكن معتقدهم قد لا يكون يهوديا أصلا. والاعتقاد الشائع بين الناس هو: أنهم مسلمون بالاسم، أما بالفعل فإنهم من اتباع توراة موسى... وفي تلك الفترة التي نحن بصددها لم يعرف أحد من الناس شيئا عنهم، سوى قلة من العلماء المختصين بدراسة الشرق الأدنى، ولم يكن أحد من الناس يجرؤ أن يتنبأ أن هذه اليهودية المعروفة (بالدونمة) ستلعب دورا رئيسيا في ثورة كان لها نتائج خطيرة في سير التاريخ .))


انور باشا ارتقى شهيدا وكان يقاوم الاحتلال الروسي عقلية عسكرية فذة .عمه هو خليل باشا الذي هزم الانجليز .وكان ذو سيرة جيدة .لم يستمع له انور باشا فضاع العراق .
 
أيها المؤرخون: لا تظلموا العثمانيين المسلمين!

زياد محمود أبو غنيمة



قبل أن يدخل الأتراك العثمانيون في الإسلام، لم يكونوا موضع اهتمام جاد من المؤرخين لم يكونوا موضع اهتمام جاد من المؤرخين المسلمين وغير المسلمين، فلم يردْ ذكرهم إلا من خلال إشارات عابرة.

وحين دخل الأتراك العثمانيون في الإسلام انقلبت الصورة وأصبحوا محط أنظار المؤرخين المسلمين وغير المسلمين، بيد أن المؤرخين من غير المسلمين أبدوا اهتماماً ملحوظاً بدراسة تاريخ الأتراك العثمانيين المسلمين.

ولأول وهلة يخيل للمرء أن اندفاع المؤرخين من غير المسلمين في دراسة تاريخ العثمانيين المسلمين كان ينطلق من منطلق علمي سليم، هدفه تتبع العثمانيين المسلمين بأمانة علمية منصفة، ولكن ما أن يطلع المرء على ما أفرزته جهود المؤرخين من غير المسلمين من دراسات عن تاريخ العثمانيين المسلمين، حتى يكتشف أن الغالبية العظمى منهم قد تجاهلوا، وتناسوا مقتضيات الأمانة العلمية والإنصاف، بل أطلقوا العنان لأحقادهم الظاهرة والباطنة، لتكون هي المنطلق الذي ينطلقون من خلاله في تشويه تاريخ العثمانيين المسلمين وإلصاق عشرات الافتراءات التي لا تسندها أية بينات تاريخية بالأتراك العثمانيين المسلمين.

ولئن كنا لا نستغرب أن تصدر مثل تلك الافتراءات عن أقوام فضح الله عز وجل نواياهم تجاه الإسلام والمسلمين في قوله تعالى جل شأنه:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118)} [آل عمران: 118].

ولئن كنا لا نستغرب أن يحمل الحقد الأسود أولئك المؤرخين على تجاهل وتناسي أبسط قواعد مقتضيات الأمانة العلمية في عملية التاريخ للأتراك العثمانيين المسلمين، فإن الذي نستغربه أشد الاستغراب، بل ونستهجنه بشدة أن ينزلق الكثير من المؤرخين المسلمين، في حمأة عملية التزوير والتشويه والبهتان التي ألصقت بتاريخ العثمانيين المسلمين..

من ذلك مثلاً، تلك الفرية اللئيمة التي لا يكاد يخلو منها إلا النذر اليسير من الكتب التي تؤرخ للعثمانيين المسلمين، والتي تزعم أن السلاطين العثمانيين كانوا يملكون الحق، بموجب فتوى شرعية إسلامية، في قتل من يشاؤون من إخوانهم أو بني رحمهم، أو أقاربهم، بحجة الحفاظ على وحدة المسلمين، ولقطع الطريق على أية فتنة يمكن أن تبرز إذا حاول أحدهم المطالبة بالسلطة لنفسه.

وكان آخر ما وقع عليه نظري من ترديد لهذه الفرية ما جاء في مقال للأستاذ إبراهيم محمد الفحام في عدد المحرم 1402 هـ تشرين الثاني (نوفمبر) 1981م من مجلة العربي التي تصدر في الكويت، حيث ذهب إلى القول بأن السلاطين العثمانيين الجدد اعتادوا عند توليهم مقاليد السلطة أن يقتلوا إخوانهم جميعاً، ليأمنوا محاولات اغتصاب الملك، وأن هذه الظاهرة تكررت مراراً في تاريخ الدولة العثمانية حتى شمل القتل الإخوة الأصاغر سناً.

وإن كنتُ لا أنفي ولا أنكر وقوع العديد من حوادث التصارع بين بعض السلاطين العثمانيين وبين بعض إخوانهم، بل وأحياناً بينهم وبين أبنائهم، وأن بعض هذه الصراعات كانت تنتهي بمقتل أحد الأطراف المتصارعة، إلا أنني أنفي، وبكل شدة، وبإصرار، ما يزعمه الزاعمون من وجود فتوى شرعية إسلامية تبيح لكل سلطان عثماني جديد أن يقتل من يشاء من إخوانه، أو بني رحمه، بحجة المحافظة على وحدة المسلمين منعاً لوقوع الفتنة.

أقول هذا.. وأتساءل:
أليس من مقتضيات أمانة التوثيق العلمي والتاريخي أن يقدَّم بين يدي أية رواية تاريخية بالبينات التي تدعم صحتها، من تحديد للأسماء والأمكنة والأزمنة، وتبيين سلسلة الرواة الذين تناقلوا الرواية، إلى أن وصلت إلى راويها الأخير؟
ثم أليس من مقتضيات أمانة التوثيق العلمي والتاريخي، أن لا يُكتَفى بالتعميم المبهم، بعبارات مبهمة، في رواية تحمل تهمة خطيرة لشعب بأسره هو الشعب التركي المسلم، بل الأمة بأسرها، هي أمة الإسلام، بل للإسلام ذاته الذي كان العثمانيون يحملون لواءه ويمثلونه آنذاك..؟
أين نص الفتوى الشرعية التي يزعم الزاعمون أنها تبيح للسلاطين العثمانيين قتْل بني رحمهم من غير أي مسوغ شرعي؟
أين أسماء العلماء المسلمين الذين أفتوا الفتوى المزعومة هذه؟
وفي زمن أي من سلاطين بني عثمان على التحديد صدرت؟

لقد قرأت بضعة وعشرين مرجعاً، عربياً وتركياً وإنجليزياً، تؤرخ للعثمانيين المسلمين، فما وجدت من بينها مرجعاً واحداً يذكر نص الفتوى المزعومة، أو يذكر اسماً لعالم واحد تنسب الفتوى إليه، بل لقد اكتفى كل مرجع عند ذكر هذه الفرية بسردها وكأنها يقين لا يرقى إليه شك، فلا يحتاج إلى توثيق.
وقبل أن أتحدث بشيء من التفصيل عن تلك الأحداث التي تشبث بها الزاعمون ليرفدوا بها فريتهم، يجدر بي أن أؤكد أن الإسلام يرفض رفضاً قاطعاً هذا الهراء، ولا يقبل مطلقاً أن تهون حياة المسلم، أي مسلم، إلى درجة تباح فيها حياته لمجرد شبهة، أو من أجل وساوس وأوهام تتستر وراء الزعم بالغيرة على جماعة المسلمين من أن تقع فتنة مزعومة لم يقم على وقوعها، أو على مجرد الشك بوقوعها دليل شرعي.

إن طبيعة الإسلام، وأخلاق الإسلام، وإنسانية الإسلام، ترفض رفضاً قاطعاً أن تصدر باسم الإسلام فتوى تبيح لأي إنسان مهما بلغ شأنه، أن يقتل مسلماً إلا في الحالات التي نصّ عليها الشرع : الثيّب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة (المرتد)، والقاتل عمداً (النفس بالنفس).
ألا، وإن كل مسلم مهما كان مستوى علم، يعلم أن قتل النفس، أي نفس، محرّم في شرع الله عز وجل إلا ضمن الحدود التي حددها الله عز وجل.
ولقد ندد الله عز وجل أيما تنديد، بتلك الجريمة التي اقترفها قابيل ابن سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام، يوم طوّعت له نفسُه قتلَ أخيه هابيل فقتله:

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) فطوّعتْ له نفسُه قتلَ أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30) فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) [المائدة].

بل إن الله عز وجل لم يكتفِ بالتنديد بجريمة قابيل، بل جعلها منطلقاً لحكم رباني يؤكد حرمة النفس البشرية تأكيداً قاطعاً لا لبس فيه ولا غموض:
{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ...(32) [المائدة].

تلك هي الحقيقة، حقيقة تؤكد براءة الإسلام من تلك الفتوى المزعومة، وتؤكد رفض الإسلام لهذا الهراء.
فمن أين جاءت هذه الفرية إذن؟
وما هي دوافعها، وماذا يقصد مروجوها من ورائها..؟
أما الدوافع التي تكمن وراء ترويج هذه الفريةة، فلا أملك إلا أن أقول: إنها نابعة من الحقد الأسود الذي تمتلئ به قلوب العديد من المؤرخين الصليبيين من أعداء الإسلام، ضد الإسلام والمسلمين..

فلقد انتهز بعض المؤرخين الصليبيين الحاقدين، وقلدهم في ذلك عن قصد أو عن غير قصد، بعضُ المؤرخين الذي يحملون أسماء إسلامية، وقوع بعض حوادث الصراع الدموي على السلطة في الدولة العثمانية، وهو أمر لم تسلم منه أمة ن الأمم على مدار التاريخ، فوجدوا في تلك الأحداث متنفساً لينفثوا من خلاله أحقادهم الدفينة ضد الإسلام والمسلمين، فوجهوا سهام افتراءاتهم ضد العثمانيين المسلمين، وهم في حقيقة الأمر يوجهونها إلى الإسلام الذي كان العثمانيون يمثلونه آنذاك.

أقول هذا، وبين يدي أكثر من دليل.
أبدأ بحادثة مقتل الأمير «دوندار» عمّ السلطان «عثمان»، وهي حادثة أوردها المؤرخ التركي المعاصر إسماعيل حامي دنشمند في كتابه «موسوعة التاريخ العثماني»، الذي ألفه عام 1945 م، أي في الوقت الذي كانت فيه أنواء الردة الأتاتوركية في أصخب حالات هبوبها على تركيا، بكل ما تحمله من مشاعر العداء للعثمانيين المسلمين، وزعم فيها أن عثمان بن أرطغرل استشار عمه دوندار البالغ من العمر تسعين عاماً في أمر عزمه على محاربة البيزنطيين، فعارضه عمه في الرأي، فلم يتحمل عثمان معارضة عمه فقام بإعدامه بيده برميه بسهم انتقاماً منه بسبب هذه المعارضة.

ولئن كانت هذه الرواية بنصها هذا من الضعف بحيث خلت منها معظم المراجع التي تؤرخ لعثمان بن أرطغرل، ولئن كان من أجلة ضعفها أن إسماعيل حامي دنشمند لم يوثق روايته لهذه الحادثة بإيراد اسم المرجع، أو اسم المؤرخ الذي نقل عنه الرواية، فإن الحاقدين على العثمانيين المسلمين، بل على الإسلام الذي يمثله العثمانيون، تلقفوا هذه الحادثة، ونسجوا من حولها من سواد حقدهم ما لا تحتمل، فزعموا، وبئس ما زعموا، أن عثمان قتل عمه دوندار بناءً على فتوى شرعية تبيح له قتله خشية أن يزاحمه على السلطنة، مما قد يؤدي إلى وقوع الفتنة بين المسلمين.
ولئن كان من الإنصاف أن نشير إلى أن ما نقلته معظم المراجع الموثوقة التي أرّخت لعثمان بن أرطغرل، عن شدة تعلّق عثمان بأحكام الشريعة الإسلامية، وعن التزامه الصادق بالإسلام، عبادةً، وخلقاً، وتواضعاً، وما نقلته عن توقيره الشديد لعمه الشيخ الكبير دوندار، يجعلنا نستبعد تصديق مقولة أن عثمان قتل عمه لمجرد معارضته له في الرأي، ويجعلنا نستبعد تصديق مقولة أن عثمان قتل عمه لمجرد معارضته له في الرأي، ويجعلنا على يقين أنه ما فعل ذلك إلا لسبب جلل، أكبر من مجرد الاختلاف في الرأي.
ويرسخ قناعتنا ما أورده المؤرخ التركي المعاصر قادر مصر أوغلو في كتابه «مأساة بني عثمان» المطبوع في إستانبول عام 1979م، في وقت كانت المشاعر الإسلامية في تركيا تشهد فيه شيئاً من أشكال الحرية التي تستطيع معها أن تعبر عن حقيقة رفضها لمشاعر العداء التي حاولت الردة الأتاتوركية ترسيخها ضد العثمانيين المسلمين في نفوس الأتراك.

ففي كتابه ذلك ينقل قادر مصر أوغلو، عن المؤرخ التركي خير الله الهندي الذي عاصر عثمان بن أرطغرل، أن دوندار كان طرفاً في مؤامرة اتفق على تدبيرها بالتعاون مع حاكم مدينة «بيله جك» البيزنطي، تستهدف اغتيال عثمان، تمهيداً لوثوب دوندار إلى الزعامة خلفاً لعثمان، فلما انفضح أمر المؤامرة أصرّ عثمان، وهو الحريص على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، على تنفيذ حكم الله في عمه جزاء اقترافه لجريمة موالاة أعداء الإسلام، والتآمر معهم ضد جماعة المسلمين.
وتلك لعمري نقطة بيضاء ووقفة شماء شامخة تسجَّل في حسنات عثمان بن أرطغرل، إذ أكّد من خلال حرصه على تطبيق شرع الله في عمه على صدق التزامه بالإسلام، وصدق خضوعه لحكمه، وصدق تفضيله لوشيجة العقيدة وارتباطه بها فوق وشيجة الدم والقرابة.
تلك هي حقيقة السلطان عثمان بن أرطغرل مع عمه دوندار تتهاوى أمامها أباطيل الحاقدين وأراجيف المرجفين.

أما قصة السلطان مراد بن أورخان مع ولده الأمير «ساجي» فهي أيضاً علامة بارزة تؤكد صدق التزام مراد بالإسلام، وصدق خضوعه لأحكام شريعته.
ففي الوقت الذي كان السلطان مراد يواجه أشرس الحملات المتلاحقة التي تمثلت في العديد من الأحلاف الصليبية التي تجمع تحت ألويتها ملوك وأمراء المجر والصرب والبلغار والأرناؤوط (ألبانيا)، بمباركة من بابا روما أوربيان الخامس، وبتحريض سافر منه [766 هـ/1365 م].
وفي الوقت الذي كان فيه السلطان مراد يواجه فيه خطراً تمثل في قيام الأمير الإيطالي آميديو بتجميع جيش من الإيطاليين تحت شعار الانتقام للصليب من العثمانيين المسلمين [770 هـ/1368 م].
وفي الوقت الذي ازداد فيه الخطر ضد الدولة العثمانية المسلمة، بقيام إمبراطور بيزنطة يوانيس الخامس بزيارة روما عام [771هـ/1369م] مستنجداً بالبابا ضد العثمانيين المسلمين، ومعلناً تحوله عن مذهبه الأرثوذكسي إلى المذهب الكاثوليكي في محاولة لاسترضاء بابا روما لإقناعه بعده بالنجدة التي يطلبها ضد العثمانيين المسلمين.
وفي الوقت الذي كان السلطان مراد يواجه خطراً داهماً جديداً تمثّل في نجاح البابا بتجنيد أكثر من ستين ألف مقاتل صليبي بقيادة ملك بلاد الصرب الجديد ووقاشتين [773 هـ/1370 م].
وفي الوقت الذي كان السلطان مراد لا يكاد ينجح في التغلب على إحدى مكائد الأعداء، حتى يواجه مكيدة أخرى، كان ولده الأمير ساوجي يتآمر سراً مع الأمير البيزنطي أندرونيقوس، الابن الثاني للإمبراطور يوانيس، لتدبير مؤامرة للإطاحة بالسلطان مراد، وتسليم السلطة للأمير ساوجي، وسرعان ما انتقلت المؤامرة من مرحلة التدبير إلى مرحلة التنفيذ، فسار الأميران ساوجي وأندرونيقوس على رأس جيش كانت غالبية جنوده من البيزنطيين، وتمركزا بجيشهما في منطقة لا تبعد كثيراً عن القسطنطينية، فسارع السلطان مراد لملاقاتهما، فما كاد يقترب منهما حتى خارت معنويات المتآمرين ففر الجنود البيزنطيون من أنصار أندرونيقوس، ولجأ الجنود العثمانيون من أنصار الأمير ساوجي إلى جيش أبيه السلطان مراد، فأصبح ساوجي وأندرونيقوس من غير جيش، فلم يجدا أمامهما مفراً من الهرب، ففرا إلى مدينة »ديمومة«، فلحق بهما السلطان مراد واضطرهما إلى الاستسلام.
وجمع السلطان نخبة من القادة والعلماء والقضاة لمحاكمة ولده ساوجي، فحكموا عليه بالموت جزاء خروجه على طاعة ولي الأمر وجزاء موالاته للكفار أعداء الإسلام والتحالف معهم قولاً وفعلاً في محاربة المسلمين.

وأمر السلطان مراد بتنفيذ حكم الشرع في ولده مسجلاً في ذلك صدق ولائه لحكم الشريعة، وصدق التزامه بالإسلام، ولكأني به وهو يفعل ذلك، كان يستشعر قوله تعالى عز وجل:

{ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)}[المجادلة].

ولقد كان من الطبيعي أن يستغل الحاقدون حادثة مقتل ساوجي، فتلقفوها وطفقوا ينسجون من حولها الأقاويل والافتراءات ليرفدوا من خلالها فريتهم عن الفتوى الشرعية المزعومة التي تبيح للسطان العثماني المسلم قتل من يشاء من بني رحمه.
وكان من الطبيعي أن يشتط الحقد بأعداء الإسلام، فينفثوا حقدهم ضد السلطان مراد ويتهمونه بالوحشية، وتحجُّر عاطفة الأبوة في قلبه، وما دروا أن صدق الالتزام بالإسلام يجعل وشيجة العقيدة فوق كل وشيجة. وصلوات الله وسلامه على نبينا محمد الذي علّم المسلمين هذه الحقيقة الإيمانية حين قال: » واللهِ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها «

وأنتقلُ إلى حادثة قتل السلطان بايزيد بن مراد (الصاعقة) لأخيه الصغير يعقوب، فلا أجد غضاضة في تأكيد وقوعها، ولا أجد حاجة إلى محاولة تبريرها. فقد استهل يايزيد عهده فعلاً بارتكاب جريمة بشعة حيث أقدم على قتل أخيه الصغير يعقوب بتحريض من بعض أنصاره الذين طفقوا يوغرون صدره ضد أخيه، الذي كان شجاعاً، قوي الشخصية، ووجدتْ وشايةُ المغرضين هوى في نفس بايزيد الذي خشي أن يزاحمه يعقوب على السلطنة، واشتطت به وساوسه حين أخذ الوشاةُ يذكرونه بأن جده أورخان بن عثمان ولي السلطنة رغم كونه الأصغر سناً من أخيه الأمير علاء الدين.
ولئن كنت أنكر أن بايزيد قد ارتكب جريمته البشعة فعلاً، بعد أن غلبه هواه، وزينت له وساوسه أن يقترف تلك الجريمة، وطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله. فالجريمة يتحمل وزرها بايزيد وحده، وليس من العدل ولا من المنطق أن يزجّ بالإسلام في عملية تبريرها.
وينبغي أن أشير هنا إلى أن الجفاء كان مستحكماً بين العلماء والسلطان بايزيد، لدرجة أستبعد معها أن يجد بايزيد عالماً واحداً يستجيب له فيصدر تلك الفتوى التي ينسب استصدارها في بعض المراجع إلى بايزيد.
ولقد بلغ من حدة ذلك الجفاء أن العالم المؤمن القاضي شمس الدين محمد حمزة الفناري ردّ شهادة السلطان بايزيد في إحدى القضايا، فلما راجعه بايزيد في ذلك، أجابه القاضي المؤمن بأنه ردّ شهادته لأنه تارك لصلاة الجماعة.

بل لقد بلغ الجفاء بين العلماء والسلطان بايزيد إلى حد أقرب ما يكون إلى القطيعة بسبب استنكارهم لوقوعه تحت سيطرة وتأثير زوجته النصرانية الأميرة أوليفيرا شقيقة ملك الصرب لازار، وتماديه بتحريض منها على إدمان شرب الخمر، وإقامة حفلات اللهو، ويذكر المؤرخ التركي المعاصر إسماعيل حامي دنشمند في كتابه »موسوعة التاريخ العثماني« أن بايزيد ذهب ليتفقد العمل في بناء مسجد »أولو جامع« في بورصة، وكان قد أوشك بناؤه على الانتهاء، فالتقى خلال تجواله في المسجد بالعالم المؤمن محمد شمس الدين البخاري، فسأله على مسمع من الناس عن رأيه في بناء المسجد، وهل يرى في البناء أي نقص..؟ فأجابه العالم المؤمن بجواب ساخر يحمل بين طياته مشاعر عدم الرضى عن سيرة بايزيد المنافية للإسلام، فقال له: بالنسبة لنا نحن المسلمين، فإننا لا نجد أي نقص في بناء المسجد، أما بالنسبة إليك يا بايزيد، فإني أخشى أن تكون قد نسيت أن تضع خزانة تحفظ بها خمورك بجانب المحراب.
أفيعقل بعد هذا أن يجد بايزيد عالماً واحداً يفتي بقتل أخيه من غير مسوّغ شرعي؟
ولقد وجد الحاقدون رافداً جديداً يدعمون به فريتهم فيما وقع من صراع دموي بين أبناء بايزيد الصاعقة، حين قتل محمد بن بايزيد إخوته عيسى ثم سليمان ثم موسى ليتفرد بحكم السلطنة.
ولئن اشتط المغرضون في حقدهم فزعموا أن محمد بن بايزيد قد قتل إخوته بموجب تلك الفتوى الشرعية المزعومة، فإن الحقائق التاريخية تؤكد أن ما جرى بين أبناء بايزيد من اقتتال دموي كان اقتتالاً مصلحياً من أجل الطموحات الشخصية بكل واحد منهم للجلوس على عرش السلطنة، وليس من العدل والإنصاف إن يزج بالإسلام في هذا المقام.

وينبغي أن أشير إلى أن شهوة الجلوس على عرش السلطنة قد اشتطت بأبناء بايزيد لدرجة لم يجدوا معها غضاضة في الاستعانة بأعداء الإسلام من البيزنطيين ضد بعضهم بعضاً، كما فعل سليمان بن بايزيد حين تنازل لملك الروم »إيمانويل الثاني« عن مدينة سلانيك وسواحل البحر الأسود مقابل الوقوف إلى جانبه ضد أخويه الآخرين عيسى ومحمد.

هذا، وينبغي أن أشير إلى أن بعض المؤرخين المغرضين زعموا أن الفتوى الشرعية المزعومة التي تبيح للسلطان قتل بني رحمه من غير مسوغ شرعي هي تلك الفتوى التي أصدرها الشيخ سعيد أحد تلاميذ الشيخ التفتازاني، والتي ورد نصّها على النحو التالي: »من أتاكم وأمركم جميعاً على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، ويفرق جمعكم، فاقتلوه.«
والحقيقة أن هذه الفتوى قد صدرت عام [823 هـ/1420 م] كما يورد المؤرخ التركي عبد القادر داده أوغلو في كتابه »التاريخ العثماني المصوّر« ضد أحد قضاة العسكر وهو الشيخ بدر الدين الذي ثار على السلطان وتزعم حركة تنادي بإلغاء التفرقة بين الأديان، وبتوزيع الأموال سواسية بين الناس، وقد اندس في حركة الشيخ بدر الدين، كما يروي الأستاذ محمد فريد في كتابه «تاريخ الدولة العلية العثمانية»عدد من اليهود والنصارى، وعندما وقع بدر الدين في الأسر بعد معركة حامية الوطيس، حوكم أمام هيئة من كبار العلماء والقضاة، فصدرت بحقه الفتوى بنصها الذي أوردته آنفاً، وبتوقيع الشيخ سعيد، ويروي المؤرخ التركي المعاصر إسماعيل حامي دنشمند في كتابه «موسوعة التاريخ العثماني» أن الشيخ بدر الدين قد وقع بنفسه أيضاً على الفتوى اعترافاً بذنبه، وتم إعدامه شنقاً على ملأ من الناس في السوق الرئيسي في مدينة سراز.
ولقد وجد المغرضون مبرراً آخر لرفد بهتانهم بخصوص الفتوى المزعومة في حادثة إعدام السلطان مراد الثاني لعمه مصطفى بن بايزيد.

وحقيقة الأمر أن مصطفى بن بايزيد كان قد اختفى وانقطعت أخباره بعد هزيمة بايزيد (الصاعقة) في معركة أنقرة أمام تيمورلنك، ثم ظهر فجأة في زمن أخيه السلطان محمد جلبي بن بايزيد مطالباً بالسلطنة لنفسه، واستنجد بأعداء الإسلام من البيزنطيين فأمدوه المساعدات، وأوعزوا لأمير بلاد الفلاخ بإمداده بجيش كبير، ولكن مصطفى فشل في تحقيق أي نجاح، واضطر إلى اللجوء إلى سلانيك التي كان الأمير سليمان بن بايزيد قد أعادها إلى السيطرة البيزنطية مقابل وعدهم له بمساعدته ضد إخوته، كما أسلفت قبل قليل، واتفق السلطان محمد جلبي مع إمبراطور بيزنطة على إبقاء أخيه مصطفى في سلانيك تحت مراقبة الإمبراطور، مقابل مبلغ من المال، استمر الأمر على هذا النحو إلى أن ولي السلطنة مراد الثاني بن جلبي فتحرش به الإمبراطور «إيمانويل الثاني» في محاولة منه لإعادة هيبة الإمبراطورية، وطلب منه عقد معاهدة يتعهد مراد بموجبها بعدم القيام بأية محاولة لغزو القسطنطينية، فلما وقف السلطان مراد موقفاً حازماً في وجه إيمانويل ورفض مطالبه عمد عمانويل إلى استدعاء الأمير مصطفى وأمده بعشر سفن حربية مدججة بالجنود والسلاح، فتمكن مصطفى من الاستيلاء على مدينة وميناء غاليبولي، ثم تمكن من التغلب على الجيش العثماني الذي أرسله السلطان مراد لمحاربته بقيادة وزيره بايزيد باشا، فسار السلطان مراد الثاني بنفسه لملاقاة عمه مصطفى الذي لم يلبث أن وقع في أسر مراد، ليواجه عقوبة الإعدام شنقاً، جزاء خيانته لله ولرسوله وللمؤمنين، وهل من خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين أعظم من موالاة في جماعة المسلمين، ينبري هؤلاء ليزعموا أن الإسلام يبيح للسلطان قتل بني رحمه كيفما يشاء..؟

فرية باطلة ... وبهتان عظيم..
وأجدني هنا مضطراً للتوقف وقفة أردّ بها فرية خبيثة ألصقت بالسلطان محمد الفاتح، فقد درج بعض المؤرخين، وهم يؤرخون لحياته، على الزعم بأنه قام بقتل أخيه الرضيع أحمد جلبي بعد أيام قليلة من تسلمه مسؤولية السلطنة بعد وفاة أبيه السلطان مراد، خشية أن يزاحمه على السلطنة، ومن المؤسف أن هذا الزعم لم يقتصر على المؤرخين غير المسلمين، وإنما وقع في أحبولته عدد من المؤرخين المسلمين.
ولئن كانت هذه الفرية التي ألصقت بالسلطان محمد الفاتح تكون أوهن من بيت العنكبوت، إلا أنني أجد من الواجب التوقف عندما وتفنيدها، لكي لا يبقى بعد ذلك عذر لأي مؤرخ يحترم نفسه، ويحترم شرف الكلمة التي يؤرخ بها، أن يستمر في ترديد هذا البهتان العظيم ضد السلطان محمد الفاتح.
هل يعقل أن سلطاناً ولي السلطنة في عهد أبيه، وتحت كنفه، ثم وليها من بعد وفاة أبيه، وقد اشتدّ ساعده، ونضجت خبرته، والتفت الأمة من حوله تحوطه بالحب والطاعة، هل يعقل أن هذا السلطان يغار من أخ له رضيع، فيخشى أن ينازعه على السلطة..؟ وكيف يتسنّى لطفل رضيع، وأنى له، أن ينازع على السلطنة، وهو الرضيع الذي إن تأخرت أمه عليه بالحليب يوماً مات جوعاً.
ثم هل يصدق إنسان عاقل، أن محمداً الفاتح، الذي تربى على مائدة القرآن، على يد خيرة علماء عصره، أمثال الشيخ أحمد بن إسماعيل الكوراني الذي كان الفاتح يسميه «أبا حنيفة زمانه»، والشيخ تمجيد أوغلو، والشيخ محمد جلبي زاده، والشيخ مولا إياش، والشيخ الغوراني، والشيخ سراج الدين الحلبي، والشيخ آق شمس الدين، ويمكن أن يفكر بمثل هذا الأمر الفظيع..؟
بل، لنفرض جدلاً أن محمداً الفاتح كان يوجس خيفة أن ينازعه أخوه الرضيع على السلطنة، أفما كان يستطيع أن يحتويه تحت كنفه، ويربيه على الإخلاص له، بدل أن يقتله؟
ولماذ يستبق محمد الفاتح الأمور فيقتل أخاه الرضيع، وقد كان بإمكانه أن ينتظر وهو مطمئن البال بضعة عشر عاماً حتى يكبر أخوه، فيتحقق من نوازعه ونواياه؟
من هنا نستطيع أن نتبين انتفاء المصلحة الشخصية للسلطان محمد الفاتح من قتل أخيه الرضيع.

ولننتقل الآن إلى مناقشة الطريقة التي تمت بها عملية القتل المزعومة، فقد زعم مروّجو هذه الفرية أن السلطان محمداً الفاتح أرسل أحد قواده، واسمه علي بك، إلى جناح النساء لقتل أخيه الرضيع، فلما علم علي بك أن الطفل موجود في حمام النساء حيث تقوم مربيته بغسله، اقتحم الحمام وأمسك بالطفل الرضيع وغطسه تحت الماء حتى مات مختنقاً غرقاً..
هل يصدق عاقل أن محمد الفاتح، وهو الذكي المحنك، يقدم على قتل أخيه الرضيع بهذه الصورة المكشوفة الساذجة؟ وهل كان عاجزاً عن تكليف إحدى النساء، كزوجته، أو إحدى خادماتها، بتنفيذ عملية القتل دون إثارة انتباه أحد، بدل من أن يرسل رجلاً إلى جناح النساء، وهو أمر غير مألوف، بله أن يسمح له بأن يقتحم هذا الرجل حمام النساء، حيث يكنّ فيه متحللات من حجابهن، ومتخففات من كثير من ملابسهن، وفي ذلك ما فيه من خروج مستهجن عن المألوف، من شأنه لو تحقق فعلاً أن يثير من هياج النساء، وضجيجهن، وصخبهن، ما يضطر ذلك الرجل إلى الفرار قبل أن ينفذ مآربه، مهما بلغت به الجرأة والنذالة؟

إذن، ما هي حقيقة هذه الفرية؟
الحقيقة أن المربية التي كان موكلاً إليها أمر العناية بالطفل الرضيع أحمد، انشغلت عنه لبعض شأنها بينما كانت تغسله، فوقع في حوض الماء، فمات مختنقاً غرقاً قبل أن تتداركه الأيدي التي امتدت لإنقاذه بعد فوات الأوان.
وتصادف بعد غرق الطفل بأيام قليلة أن أحد ضباط الجيش، واسمه علي بك، ارتكب جريمة عقابها الإعدام، فلما أعدم، وجد الحاقدون مادة جديدة خيّل إليهم أنها تدعم بهتانهم، فطفقوا يزعمون أن علي بك هو الذي أغرق الطفل الرضيع أحمد، وأن السلطان محمد الفاتح خشي أن يفشي هذا الرجل سره فقتله، ومن هنا جاءت الفرية على النحو الذي أشرت إليه، وينبغي الإشارة إلى أن «إدوارد سي كريسي» يتبنى هذا الزعم في كتابه «تاريخ العثمانيين الأتراك» المطبوع بالإنجليزية في بيروت في عام 1961 م، ويدّعي أن السلطان الفاتح أقدم على قتل الضابط علي بك متهماً إياه بقتل أخيه الرضيع دون أن يكون للسلطان علم بذلك.
ولو أنهم توقفوا عند هذه الفرية وحدها لهانَ الأمر، ولكنهم ما برحوا أن بدأوا ينسجون من حولها المزيد من الافتراءات، فزعموا أن محمداً الفاتح، لم يكتف بقتل أخيه، بل أصدر قانوناً أعطى للسلطان الحق في قتل من يشاء من إخوته وأبنائه وأبناء عمومته وخؤولته، لقطع الطريق على أي منهم أن ينافسه على السلطة.

ولقد أوضح المؤرخ التركي المعاصر إسماعيل حامي دنشمند في كتابه «موسوعة التاريخ العثماني» الدافع الذي جعل السلطان محمد الفاتح يصدر هذا القانون فقال:
«حين وجد السلطان محمد الفاتح أن أكبر خطر يهدد الدولة العثمانية في الفترة التي سبقت توليه مقاليد السلطنة، نجم عن تكرار حوادث الانشقاق التي كانت تقع بين الأمراء العثمانيين، والتي كانت تصل في أكثر الأحيان إلى درجة الاقتتال، وتؤدي إلى انقسام الدولة إلى فريقين أو أكثر، مما كان يؤثر على وحدة الدولة، ويغري خصوم الإسلام بها، فقد رأى السلطان محمد الفاتح أن يضع قانوناً أسماه «قانون حفظ النظام للرعية» أكد بموجبه أن الموت سيكون مصير كل من يعلن العصيان المسلح ضد السلطان، ويتعاون مع أعداء الإسلام ضد المسلمين.»
ويردف إسماعيل حامي دنشمند أن هذا القانون كان سبباً في انحسار، أو على الأقل، في تقليص حوادث العصيان المسلح، التي كادت أن تصبح أمراً شائعاً في الدولة العثمانية قبل صدور هذا القانون.

وإن المرء لتتملكه الدهشة، حين يرى أن كل دول الدنيا، قديمها وحديثها، لا تخلو قوانينها من مثل هذا القانون، ومع ذلك لا تجد أحداً يعترض عليها أو يشوه مقاصدها، كما كان يفعل المغرضون تجاه الدولة العثمانية!

وبعد:
فإني أحسب أن القارئ الفطن، يدرك من خلال ما أوردتُ من حقائق، أن الحاقدين إنما يهدفون من وراء التركيز على تحريف تاريخ الأتراك العثمانيين المسلمين إلى الإساءة إلى الإسلام ذاته، ومن خلال الإساءة إلى الأتراك العثمانيين المسلمين، حين يظهرونهم بمظهر القوم المتوحشين الذين انعدمت الرحمة من قلوبهم، ومن خلال الإيحاء بأن مسألة قتل السلاطين لإخوانهم كانت أمراً عادياً مألوفاً عندهم.

أقول هذا، ولا أنفي أن يكون في تاريخ بني عثمان، وخاصة في عصورهم المتأخرة، بعض الأمور التي لا تنسجم مع الإسلام، وتتعارض مع أحكامه، وليس الذنب في ذلك ذنب الإسلام، وإنما ذنب المسيء نفسه.

مجلة الأمة، العدد 53، جمادى الأولى، 1405 هـ
 
التعديل الأخير:
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية

مقتطعة من كتاب الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية للدكتور عثمان قدري مكانسي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقدمــــــــــــــــة



العلاقة التي قامت بين العرب والعثمانيين منذ البداية كان أساسها الحب والأخوة في الله ، وفي مطلع القرن العشرين بدأنا نسمع نغمات شاذة على ألسنة العلمانيين وبعض الباحثين ممن ليست لهم خلفية تاريخية إسلامية سليمة ومن النصارى ، يصفون العثمانيين بأوصاف تجعلهم غرباء محتلين ، دخلوا البلاد باسم الإسلام وتقنعوا به ، والدين منهم براء ( راجع الفصل الثاني من كتاب " صحوة الرجل المريض " لموفق بني المرجة ففيه الكثير من الأدلة على ذلك ).

ونسي هؤلاء أو تجاهلوا أموراً عدة تدحض ما افتروه نجملها فيما يلي:
1 ــ إن الدولة العثمانية حين قامت كان شعارها نشر الإسلام ، وكان هذا قبل دخولهم البلاد العربية بمئتي سنة ، وإن آباءهم حين لم يستطيعوا صد أمواج التتار المكتسحة لبلادهم هربوا بدينهم ولم يرضوا أن يبيعوهم دينهم كما فعل غيرهم ممن تراموا على أقدام التتار وحاربوا تحت رايتهم إخوانَهم في العقيدة ، بل إنهم ساعدوا السلطان السلجوقي ضد قائد التتار في آسيا الوسطى فكافأهم بأن أقطعهم أرضاً على حدود بيزنطة ( العثمانيون في التاريخ والحضارة ص / 41 / تحت عنوان : العثمانيون المفترى عليهم ) .
2 ــ إن مؤسس الدولة الإسلامية العثمانية كان همه وشغله الشاغل نشر الإسلام ، ووصيته لابنه أورخان أوضح مثال على ذلك ( المصدر السابق ص /16 /) .
3 ــ ونرى حرص العثمانيين الدائب على فتح القسطنطينية ليحققوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فيكون أمراؤهم خير الأمراء ، وجيشهم خير الجيوش. وقد أدرجنا في التمهيد التاريخي من أقوال السلطان الفاتح (محمد الثاني) والخليفة ( سليمان القانوني ) ما يثبت انتماءهم الساطع للإسلام والعمل له .
4 ــ إن العرب رحبوا بالعثمانيين ، بل دعوهم إلى تخليصهم من جبروت الدولة المملوكية وظلمها وتعطيلها الأحكام الشرعية ، فقد راسل المصريون السلطان سليماً الأول منذ بداية توليه عرش بلاده لكي يقدم إلى مصر على رأس جيشه فيستولي عليها ويطرد الشراكسة ــ كما كانوا يسمونهم ــ كما رحب أهل الشام به وأسرع العلماء إلى ملاقاة جيشه ، ولقنوا أولادهم أن ينشدوا { ينصرك الله العظيم يا سلطان سليم } وفي الأرشيف العثماني في متحف ( طوب قابي سراي ) في استانبول عريضة رفعها علماء حلب إلى السلطان سليم يقدمون له ولاءهم ويطلبون تحكيم الشريعة التي عطلها المماليك فظلموا العباد . وكذلك فعل أهل المغرب العربي ( ) المصدر السابق ص /170 /) .
5 ــ إن الدولة المحتلة تمنع المحكومين من أن يكون لهم صولة وجولة فيها على خلاف مانرى في الدولة العثمانية ، فقد وصل بعض العرب إلى مشيخة الإسلام ، وهي أعلى منزلة من الصدر الأعظم ، كما كان منهم ولاة للأقاليم ووزراء وقادة للجيش ، وكان الخلفاء إذا سمعوا بعالم أو نجيب استقدموه وأكرموه بغض النظر عن جنسه .ولا أزال أذكر أن أبي حدثنا عن حب جدي وأقرانه للعثمانيين ، وثناءهم العاطر عليهم . ومامن رجل معمِّر سألته عنهم إلا تنهد وقال : أولئك الخلفاء والسلاطين المسلمون هم حماة الإسلام وبقية السلف الصالح .
ولا أظن أن أجدادنا كانوا مغرمين بحب من أساء إليهم وحكمهم بالنار والبارود ، حاشا وكلا ، فالعثمانيون حمَوْا البلاد من الصليبيين زهاء أربعة قرون ، وهذا ما أزعج الأعداء فافتروا عليهم .
6 ــ ولا ننس أن الذين كتبوا التاريخ الحديث للبلاد الإسلامية نصارى ومستشرقون ، وعلى رأسهم قسطنطين زريق وفيليب حتى وجورجي زيدان .. وغيرهم ، وهم معروفون بصليبيتهم الحاقدة على الإسلام وأهله، فلا بد إذاً من قلب الحقائق والدس على دولة إسلامية هيمنت على قدر كبير من بلادهم ردحاً من الزمن ، وقرعت أبواب عواصمهم وشغلتهم بأنفسهم وصانت المقدسات الإسلامية من كيدهم .
7 ــ أما إن استشهد الطاعنون بما فعله الكماليون فهذا لايعيب العثمانيين لأنهم قوم ، والكماليون قوم آخرون .
فالطورانيون الذين استولوا على الحكم بعد عام / 1910 م / كانوا قوميين متطرفين ، فحين سيطروا على الحكم ألغوا الخلافة وأعلنوا تركيا دولة علمانية لاعلاقة لها بالإسلام ، وكتبوا التركية بالأحرف اللاتينية بعد أن كانت تكتب بالأحرف العربية ، ومنعوا تدريس اللغة العربية وذلك ليبعدوا الجيل الجديد عن القرآن ، وقطعوا علائقهم بالعرب بعد أن ساموهم الخسف في العقدين الأولين من هذا القرن .
ونظرة متأملة فاحصة في كتاب ( أتاتورك ذلك الصنم ) وكتاب (صحوة الرجل المريض أو السلطان عبد الحميد) تظهر بجلاء تلك المؤامرة الخبيثة على الإسلام والدولة العثمانية العظيمة على يد (جمعية الاتحاد والترقي الماسونية) .

ولإظهار هذه الحقائق وبناء جسر متين بين العرب والإخوة الذين يتكلمون التركية ، وإزالة الغبار والقتام عن تاريخ سوَّده أعداء الإسلام وشوَّهوا صورته كان اختياري لهذا البحث .
ولما كان العصر العثماني يمتاز بكثرة الحروب التي خاضتها جيوش هذه الدولة على الجبهتين الأوروبية والشرقية ، فقد تفاعل الشعراء مع هذه الحروب سلباً وإيجاباً ، وكان شعرهم يراعاً يؤرخ هذه الأحداث .
ورأيت أن أدرس شعر هذه الفتوحات والحروب لأشارك في مسيرة الأدب العربي بدراسة متبصرة ــ إن شاء الله تعالى ــ مبتدئاً بدخول السلطان سليم الأول البلاد العربية ، ومختتماً بزوال الخلافة العثمانية عام / 1923 / للميلاد ، الموافق / 1342 / للهجرة ظناً مني أن أحداً ــ حتى الآن ــ لم يتطرق إلى شعر الفتوحات في العصر العثماني .

هذا الدكتور علي الجندي أسهم في شعر الحرب في العصر الجاهلي .
وهذا حِذوه الدكتور نعمان القاضي قد كتب في شعر الفتوحات الإسلامية .
كما كتب غيرهما في شعر الحروب في العصر العباسي .
ولعل عملي هذا حلقة وصل في بيان جهود المسلمين الفاتحين وتصديهم لأعدائهم الذين أرادوا القضاء على الدولة العثمانية منذ ظهورها، لأنها كانت شوكة في حلوق أعداء الإسلام ونبراساً يضيء الدرب أمام الدعاة إلى الله تعالى .

وأحب أن أنوّه إلى أن الحروب الداخلية لن تدخل في البحث لأنها قلاقل وثورات داخلية ، وليست حروباً غايتها الفتح أو رد العدوان ، إلا إذا كانت تمرداً من فئات غير إسلامية تعيش في قلب الدولة الإسلامية ، أو أرادت أن تنشئ دولة على حساب الدولة العثمانية ، فإني أفردت لها فصلاً أبين فيه دور العثمانيين في الحفاظ على الهوية العثمانية ووحدة البلاد .

وكثير من الباحثين يجعلون نهاية الدولة العثمانية حين دخل ( نابليون بونابرت ) إلى مصر عام / 1798 م / الموافق / 1213 هـ / وما بعد ذلك أطلقوا عليه اسم الأدب الحديث ، وهذا - في رأيي- إن كان يجوز في الآلات والمخترعات والثورة الصناعية الحديثة ، فإنه لايجوز في الثقافة والفن والأدب ، إذ إن مجيء نابليون دعا الشعراء إلى مناهضة الأوروبيين وقوَّى اللحمة الوطنية والإسلامية تحت راية الخلافة العثمانية، بل إن رواد الشعراء العرب في مطلع هذا القرن أمثال البارودي وحافظ إبراهيم وأحمد شوقي وغيرهم .. كان ولاؤهم الفكري والديني للعثمانيين ، وعودة إلى دواوينهم تؤصل هذا المنحى في شعرهم ، وسنرى في دراستنا هذه الانتماء إلى الدولة العثمانية والولاء لها .

وقد اعتمدت في بحثي هذا على مراجع ومصادر متعددة كان أهمها حسب التاريخ الهجري
1- الكواكب السائرة في أعيان المئة العاشرة / لنجم الدين الغزي
2- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر / للمحبي .
3- سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر/لمحمد خليل المرادي
4- حلية البشر في تاريخ أعيان القرن الثالث عشر للبيطار .
كما كان لي عودة إلى دواوين كثير من شعراء هذه القرون كما سيتضح لقارئ هذا البحث إن شاء الله .

وفي دراستي الفنية كان لي عود إلى كتب البلاغة ( في علوم المعاني والبيان والبديع) لمجموعة من المتخصصين في هذا العلم أمثال : الدكتور عبد العزيز عتيق والدكتور بكري الشيخ أمين .

يتبع
 
التعديل الأخير:
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية

تمهيد

نشأة الدولة العثمانية



دخل الأتراك العثمانيون آسيا الصغرى ( تركيا ) في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي نازحين من وسط آسيا متجهين غرباً إلى الأناضول. وكان بعض قبائل الترك من المسلمين قد سبقوهم إليها في القرن الحادي عشر الميلادي ، وهم من التركمان السلاجقة الذين احتلوا المقاطعات الآسيوية للإمبراطورية البيزنطية حتى جهات بحر إيجة غرباً ، وبعد المعركة الحاسمة التي انتصر فيها المسلمون عام / 464 هـ / على الروم المحتشدين شرقي تركيا ، والتي عُرِفت باسم معركة ( ملاذكرد) حيث هُزِم جيش بيزنطة وأُسِر امبراطورها (رومانوس الرابع) اكتسب القائد التركي المسلم ( ألب أرسلان ) شهرة واسعة في كافة أرجاء العالم الإسلامي مما مكن للقبائل التركمانية المسلمة من تثبيت أقدامها في بلاد آسيا الصغرى بعد أن دمرت تحصينات الحدود البيزنطية ، واحتلت شرقي الأناضول ووسطه ( كتاب العثمانيون والروس : علي حسون ص /17 ــ 18 /) .

تقول إحدى الروايات : " إن القبيلة التركية من أسلاف عثمان ــ مؤسس الدولة العثمانية ــ كانت ترتحل في وهاد الأناضول بدواً حين رأت قرابة عام / 1232 للميلاد / جيشين يقتتلان ، وأدركت أن أحد الجيشين ليس نداً للجيش الآخر ، فانضمت إلى الجيش الضعيف الذي كاد يلقى هزيمة محققة ، فكان انضمام القبيلة إليه سبباً في انتصاره ، وبعد المعركة كانت المفاجأة السارة
للقبيلة حين تبين لها أنها تدخلت لنصرة بني جلدتها ، وهم الأتراك السلاجقة الذين كانوا يحاربون فرقة مغولية من جيش الخان ( أوقطاي بن جنكيزخان ) كان عهد إليها استكمال فتح آسيا الصغرى( كتاب الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها : د . عبد العزيز الشناوي ج1 ص / 34 /)، فأقطع السلطان علاء الدين السلجوقي ( 1219 ــ 1225 ) القبيلة التركية التي ساعدته ضد أعدائه ــ تقديراً لتدخلها في المعركة لصالحه ــ بقعة مترامية من دولته التي كانت تجتاز دور الاضمحلال " .

يقول بعض المؤرخين الألمان إن هذه القصة محض أساطير ، لكن بعض المؤرخين الإنجليز يرونها قصة حقيقية لامراء فيها ، ويضيفون قائلين : إن الذي دفع السلطان السلجوقي إلى منحهم الأرض أنه لم يرحب في قرارة نفسه بهذه القبيلة ، فقد أثبتت أنها على حظ وافر من الشجاعة والخبرة الحربية والكفاية القتالية ، فلم يطمئن إليها ، ومن ثَمَّ لم يرغب في إدماجها في قواته ، فمنحها تلك الأراضي ، وشغلها بالحرب ضد الدولة الرومانية البيزنطية المجاورة لها ، فشرعت هذه القبيلة بقيادة رئيسها (أرطغرل) تهاجم باسم السلطان ( علاء الدين ) ممتلكات البيزنطيين ، ونجحت في توسعها الإقليمي ، وحين مات زعيمها ، خلفه ابنه ( عثمان ) الذي سميت الأمة والدولة باسمه ، وسرعان ما نمت هذه الإمارة فصارت دولة مترامية الأطراف ، امتدت أقاليمها وولاياتها في آسيا وأوروبا وأفريقيا ، وغدت من أكبر الدول الإسلامية التي شهدها التاريخ ، ومن أشدها بأساً وأعزها جنداً (نفس المصدر السابق ص/35/) .

العثمانيون يعتنقون الإسلام :
هناك رواية مستقاة من الحوليات العثمانية القديمة تشير إلى أن (عثمان) مؤسس الدولة اعتنق الإسلام على يد عالم تطلق المراجع العربية عليه اسم ( أدب عال ) يقيم في قرية مجاورة لبلدة ( أسكي شهر ) عاصمة الإمارة الحديثة، وتزوج ابنته بعد أن رأى في نومه أن ذريته ستحكم العالم.
وتقول رواية أخرى : " إن والده قضى ليلة في دار أحد الزهاد، وقبل أن يأوي إلى فراشه جاء الزاهد بكتاب ووضعه على الرف ، فاستفسر ( أرطغرل ) عنه فأجابه : إنه القرآن الكريم كلام الله ، فحمل أرطغرل الكتاب وقرأه واقفاً حتى الصباح ، ثم نام ، فرأى فيما يراه النائم أن ملاكاً يبشره بأنه وذريته سيعلو قدرهم جيلاً بعد جيل على مدى القرون والأزمان لقاء احترامه القرآن ((نفس المصدر السابق ص/37/) " .
وسواء أكان هذا صحيحاً أم لا ، فإن العثمانيين جعلوا كتاب الله عز وجل نصب أعينهم وحكَّموا فيهم شريعته وحاربوا في سبيل نشره.
فهذا عثمان يموت وولدُه أورخان يحاصر مدينة " بورصة " ويفتحها ، وحين يعود إلى عاصمة أبيه يجده قد فارق الحياة وترك له وصية تكتب بماء الذهب ، يقول فيها :
يابنيَّ : إيَّاك أن تشتغل بشيء لم يأمر به رب العالمين ، وإذا واجهتك معضلة فاتخذ من مشورة العلماء موئلاً .
يابنيَّ : أحط من أطاعك بالإعزاز ، وأنعم على الجنود ، ولا يغرَّنَّك الشيطان بجندك ومالك ، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة .
يابنيَّ : إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء رب العالمين ، وأنه بالجهاد يعمُّ نور ديننا كلّ الآفاق ، فتحدث مرضاة الله جلَّ جلاله.
يابنيَّ : لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد فنحن بالإسلام نحيا ، وللإسلام نموت ، وهذا ــ ياولدي ــ ما أنت أهل له (كتاب العثمانيون في التاريخ والحضارة . للدكتور محمد حرب ص/16 ) .

وهذا فاتح القسطنطينية ( محمد الثاني ) يضع نصب عينيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{ لتفتحنَّ القسطنطينية ، فلنعم الأمير أميرها ، ولنعم الجيش ذلك الجيش } ، فيدك معاقلها ويفض أسوارها ، ليكون ذلك الأمير الذي مدحه صفوة الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ومدح جيشه .
ويقدم الدكتور محمد حرب في كتابه (العثمانيون في التاريخ والحضارة ص/258) ترجمة نثرية لبعض شعر محمد الفاتح في الدعوة الإسلامية التي ملكت قلبه :
{ نيتي : امتثالي لأمر الله ( وجاهدوا في سبيل الله )
وحماسي : بذل الجهد لخدمة ديني ، دين الله .
وعزمي : أن أقهر أهل الكفر جميعاً بجنودي جند الله .
وتفكيري : منصبٌّ على الفتح ، على النصر ، على الفوز بلطف الله.
وجهادي : بالنفس وبالمال ، فماذا في الدنيا بعد الامتثال لأمر الله ؟
وأشواقي : الغزو ، الغزو آلاف المرات لوجه الله .
ورجائي : في نصر الله وسمو الدولة على أعداء الله .

أما السلطان ( سليمان القانوني ) الذي وصلت الدولة في عهده إلى أوجها ، وحكم ستة وأربعين عاماً ، وتوفي وهو على صهوة جواده أثناء حصار قلعة (سيكتوار ) في المجر ، وبموته ينتهي ما كان يعرف بعهد القوة في الدولة العثمانية ، فهو يعلن أن جهاده في سبيل الله وأن قدوته أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول في ديوانه الشعري ــ وهو شاعر يغلب على شعره رقة الأحاسيس ــ :
فلننشر الراية العظمى ونردد اسم الله
ولنسيِّر الجيوش نحو الشرق
فرض الله علينا حماية الإسلام
فلماذا نخلد للراحة ونحمل الذنوب ؟
إني آمل أن يحسن تمثلنا لقيادة أبي بكر وعمر
أيها الشاعر محبي(1) ، سر وسيِّر الجيوش
نحو الشرق من الحدود (2)

وكان الأوروبيون ينظرون إلى الفتوحات العثمانية على أنها فتوحات إسلامية ، وأنهم الرمز الحي المجسد للإسلام ، وأطلقوا على المسلم لفظ (تركي) لأنهما (المسلم والتركي) امتزجا فصارا في ــ رأي الأوروبيين ــ شيئاً واحداً (3) .

الهوامش :
(1) كلمة محبي : هي الاسم الشعري الذي كان يطلق على السلطان سليمان نفسه .
(2) العثمانيون في التاريخ والحضارة ، د. محمد حرب ص/251 .
(3) ) الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها د. عبد العزيز الشناوي ج/1 ، ص/43

يتبع
 
التعديل الأخير:
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية

الخلافة العثمانية


اختلف عهد الخلافة العثمانية عن عهد السلطنة ، إذ بدأ الاهتمام بالأمة المسلمة والعمل على توحيدها ، ثم الوقوف أمام الصليبيين صفاً واحداً . وقد عمل الخلفاء على هذا حتى ضعف أمرهم وأصبح تفكيرهم ينحصر في المحافظة على ما تحت أيديهم ، فلما زاد الضعف بدأ النصارى يقتطعون من الدولة الجزء بعد الآخر حتى أتوا عليها ، وتشتت أمر المسلمين وانقسموا فرقاً وأحزاباً وشيعاً وعصبية. لذا فقد توالى على الخلافة العثمانية ثلاثة عصور :

أولها : عصر القوة :
وحكمها فيه خليفتان فقط هما (سليم الأول ، وابنه سليمان الأول)
سليم الأول : حين تنازل ( بيازيد ) لابنه( سليم ) عن الحكم بدعم من الانكشارية أرضاهم ، ثم تخلص من إخوته وأبنائهم الذين ينازعونه في السلطة فقتلهم ، وقد عرف عنه أنه كان شخصية عسكرية قوية ، جعل من دولته أقوى الدول آنذاك ورأى أنه لايمكن مواجهة أوروبا النصرانية إلا بالمسلمين كافة ، فقد كان البرتغاليون يعملون على احتلال المدينة المنورة وأخذ رفات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ليتخلى المسلمون عن القدس للنصارى وقد عجز المماليك عن مقاومتهم ، بل إن الصفويين شكلوا حلفاً مع البرتغاليين ضد العثمانيين وجعلوا عاصمتهم ( تبريز ) ليتوسعوا في دولتهم ومذهبهم ، ودعموا الأمير ( أحمد ) ضد والده ( بيازيد ) ثم ضد أخيه ( سليم الأول ) وتعاونوا مع المماليك ضد العثمانيين . فلم يكن أمام السلطان ( سليم ) بدٌّ من تأديبهم ، فاحتل عاصمتهم وأحصى الشيعة في ( ديار بكر ) وقتلهم ، وسار إلى بلاد الشام بدعوة من أهلها لتخليصهم من المماليك الظالمين الضعفاء أمام البرتغاليين .

وفي معركة ( مرج دابق ) في الشمال الغربي من ( حلب ) قتل السلطان المملوكي في تلك البلاد ( قانصوة الغوري ) ، وانتهت دولة المماليك سنة / 922 هـ / في بلاد الشام وفي السنة التالية دخل السلطان ( سليم الأول ) القاهرة وتخلَّى الخليفة العباسي الاسمي له عن الخلافة فكان أول خليفة للمسلمين من غير العرب ، ولما عاد إلى (استانبول) بدأ يستعد لحرب الصفويين ، غير أنه توفي سنة /926 هـ/ بعد حكم دام تسع سنوات وطَّد فيها أركان الدولة .

سليمان القانوني ( الأول ) : وقد بلغت الدولة في عهده أوج قوتها واتساعها :
1 ـ فقد قضى على ( جانبرد الغزالي ) حاكم الشام الذي تمرد عليه .
2 ـ واحتلَّ عاصمة المجر ( بلغراد ) ، وفتح جزيرة (رودوس) ســـنة /929هـ/
وضمَّ إليه ( شبه جزيرة القرم ) سنة / 939 هـ / ، واستولى على عاصمة الأفلاق( شمال بلغاريا ) فدفعت له الجزية ، وحالف ملك فرنسا في قتال المجر ، وفتح بعض المواقع في جزيرة ( مورة ) اليونانية .
3 ـ دخل ( تبريز ) ثانية سنة / 941 هـ / ، ومنها إلى (بغداد) ففتحها .
4 ـ أما في الشمال الأفريقي فإن ( عروج ) وأخاه ( خير الدين بربروس ) اللذين أسلما حررا الجزائر من جيوش ( شارلكان ) ملك فرنسا ، وقُتـــل ( عروج ) في إحـــدى المعارك مع الإسبان ، وحرر أخوه ( خير الدين بربروس ) شواطئ ليبيـا مـن الإسبان ، والتقى بأسطول شارلكان سنة / 944 هـ / وانتصر عليه ، وغــزا جزيرة ( كـريت ) اليونانية وبعض موانئ جنوب إيطاليا ، وتوفي سنة / 953 هـ / .
ه ـ وفي جزيرة العرب جهز ( سليمان باشا ) والي مصر أسطولاً بحرياً فتح به (عـــدن ومسقط ) وحاصر جزيرة ( هرمز ) سنة/944 هـ/، وحارب البرتغاليين في الهند وفتح ( كوجارت ) ثم خسر أمامهم في معركة ( ديو ) البحرية ، وعاد إلى مصر .
6 ـ وفي أذربيجان لجأ أخو إسماعيل الصفوي إلى الخليفة يشكو ظلم أخيه الشاه ، وطلب مساعدته ، فسار الخليفة إلى ( تبريز ) ودخلها للمرة الثالثة سنة / 954 هـ / .
7 ـ وعاد جنود الخلافة إلى ( ترانسلفانيا ) في المجر سنة /957 هـ/ وانتصروا علـــى النمساويين سنة / 958 هـ / ، وجددوا المعاهدة مع الفرنسيين سنة / 959 هـ / وحاصر العثمانيون جزيرة ( مالطة ) سنة / 971 هـ / ولم يتمكنوا من فتحها ، وعاد الخليفة بنفسه إلى المجر سنة / 973 هـ / نتيجة خلاف بين ملكها التابع للعثمانيين وبين ملك النمسا ثم توفي الخليفة المجاهد على صهوة فرسه أثناء حصاره قلعة ( سكتوار) في المجر(1) .

ثانيها :عصر الضعف :
لم يطل عصر القوة في الخلافة العثمانية ، إذ لم يزد عن نصف القرن كثيراً ، ولم يشمل سوى الخليفتين سليم الأول الذي حكم تسع سنوات ، وابنه سليمان الذي حكم ثمانية وأربعين عاماً ، وجاء عصر الضعف بعدهما مباشرة ، وبدأ الخط البياني للدولة يهبط باستمرار ، وإن كان يتوقف عن الهبوط أحياناً ، ويسير مستوياً في بعض الأحيان، وذلك لقوة بعض الخلفاء النسبية ، أو لهمة بعض حاشيتهم وخاصة الصدر الأعظم .

وقد كان لهذا الضعف عوامل عدة ، نلمسها فيما يلي :
1ـ سيطرة العقلية العسكرية :
وكانت تنزع إلى حلِّ الأمور بالسيف دون العـــودة إلى العقــــل ومناقشة الأمور ، فقد ربَّى الخلفاء عسكرهم تربية الجندية التي ترى القوة فقط سبيلاً إلى تجاوز العقبات وحلِّ الأمور ، صغيرها وكبيرها، فحين يكون الإسلام والتربية الخلقيـــة يُحَدُّ من طغيانها وجبروتها ، أما إن كان غائباً فالحياة إذن أقـــرب ما تكـــون إلى حيـــاة الجزار ، هذا ما رأيناه واضحاً للعيان في قتل الأخ إخوته وأقرباءه وحتى أبناءه ليصفو له جو الحكم ، فلا ينازعه أحد سلطانه . وغالبية الأبناء من أمهات مختلفات في الجنس والدين ومشارب مختلفة لا يجمع بينهم جامع قوي وأعمارهم متقاربة ، ولذلك كان كل واحد منهم يعمل على ما يوصله إلى السلطة ولو بقي وحده دون إخوته على قيد الحياة ، مما يكثر المنازعات فتضعف الخلافة .

لقد كان الإنكشاريون { وهم طائفة عسكرية يشكلون تنظيماً خاصاً ، لهم ثكناتهم وشاراتهم ، وقد كانوا أعز فرق الجيش نفر اً وأقواها جنداً وأكثرها نفوذ اً ، تقلدوا أخطر المناصب العسكرية والمدنية ، استفادت الدولة منهم في عصرها الذهبي ، وأضيرت منهم في = العصور التالية ، جمعهم العثمانيون من أسرى الحرب وضريبة الغلمان من النصارى . الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ج/1 ، ص /476 وما بعدها ) في بداية أمرهم قوة ضخمة ، ولديهم روح معنوية عالية نتيجة التربية الإسلامية ، فأحرز العثمانيون بهم انتصارات عظيمة ، وأسدوا إليها خدمات جلَّى ، فلما أعطتهم الإقطاعات والامتيازات وكثرت بأيديهم الأموال أخلدوا إلى الأرض ومالوا عن القتال ، ثم تدخلوا في شؤون الدولة ودعموا أحد أبناء السلاطين ضدَّ الآخر ، فلما أوصلوه إلى الحكم بذل لهم يرضيهم فازداد غرورهم وكثر صلفهم ، وتحكموا في مصير الدولة ، فكان هذا عاملاً من عوامل ضعفها .

2 ــ الاتفاقيات مع الدول الأجنبية :
حين اكتشف البرتغاليون رأس الرجاء الصالح تحولت التجارة إلى آسيا وأفريقيا الشرقية عن ذلك الطريق ، ففقد تجار البلاد العربية الأرباح التي كانت في متناول أيديهم وفقدت الموانئ قيمتها ، وارتفعت أسعار الحاجيات، وانعكس هذا كله على الدولة ، فشجع (سليمان القانوني) التجار الأوروبيين ، وعقد معهم اتفاقيات فيها كثير من التنازلات ، كان يظن أنها مؤقتة يمكن إلغاؤها متى أراد خلفاؤه ، لكن ضعف من جاء بعده جعل هذه الاتفاقيات غِلاً ، إذ إنها جعلت للأوروبيين دولة داخل الدولة العثمانية ، وكان ولاء النصارى لها لأنها تحميهم من المساءلة مهما فعلوا . ومن بين بنود هذه الاتفاقيات : أن الدعاوى يبتُّ فيها القنصل العام والباب العالي فقط ، وأنه إذا خرج الفرنسي ــ مثلاً ــ وعليه دين فلا يُسأل عنه ولا تُطالَب بلاده بذلك .
ومن هذا الباب بدأت الدول الأجنبية تتدخل في شؤون الدولة العثمانية وتحرِّض على التمرد وتؤسس الجمعيات المناهضة .

3 ــ الترف :
نتيجة للفتوحات الكثيرة حصلت الدولة العثمانية على الغنائم الوافرة ، وأفسح المجال أمام الخلفاء وكبار المسؤولين في الدولة أن ينصرفوا إلى اللهو ، وكان الخليفة قبل ( سليمان القانوني ) يقود الجيوش بنفسه ، فترك ذلك لكبار الضباط ، وجعل المسؤول عن الدولة مجلساً يحكمه الصدر الأعظم ، وأخلد السلاطين بعد ذلك إلى الراحة والتلذذ بمباهج الحياة . وبذلك أصبح الحكم بيد غير أولي الأمر، يتلاعبون به حسب أهوائهم .

4 ــ الزواج من الأجنبيات :
يصح الزواج من الأجنبيات غير المسلمات إذا اقتضت المصلحة السياسية ذلك ، أو كانت المسلمات قليلات ، لكن الخلفاء درجوا على الزواج من الكتابيات لجمالهن ، وكثيرات منهن بقين على دينهن ، فنشأ أولادهن على حب النصارى ، أو -على الأقل - على عدم الرغبة في معاداتهم.
ولما كانت النساء يوالين أبناء ملتهن ، فقد سعين إلى تشجيع أزواجهن ــ الخلفاء ــ أو أبنائهن على التجاوز عن خيانة النصارى ، وكثيراً ما كن يتآمرن لإيصال أبنائهن إلى سدة الحكم لمصلحة أهليهن، وقد رأينا ما فعلت زوجة سليمان القانوني ( روكسلان ) بابن زوجها حيث قتلته لتفسح المجال أمام ابنها ( سليم الثاني ) ليكون خليفة للمسلمين ، كما أن أم السلطان محمد الفاتح بقيت على عقيدتها .

5 ــ اتساع رقعة الدولة :

بلغت مساحة الدولة العثمانية /ستة عشر مليون كيلو متر مربع / ممتدة في القارات الثلاث من المغرب على المحيط الأطلسي غرباً ، إلى غرب إيران شرقاً ، ومن البحر الأسود شمالاً إلى السودان واليمن جنوباً ، كما امتدت إلى شرق أوروبا. وهذا الاتساع يحتاج خليفة قوياً يختاره مجلس الشورى ، لا خليفة ضعيفاً ، بل إن هؤلاء الخلفاء تركوا لغيرهم من الوزراء والولاة أمر الحكم ، وتراخت قبضتهم عن أملاكهم، فضعفت الدولة ، كما كان لاتساع الرقعة وصعوبة المواصلات دور في تشجيع الطامعين وأصحاب المصالح على إثارة الشغب والفوضى والعبث بالأمن واقتطاع أجزاء من جسم هذه الدولة المترامية الأطراف .

6 ــ فقد الأمل والتخطيط للمستقبل :
فمنذ أن قامت الدولة العثمانية كان لها منافسوها من الإمارات الأخرى في الأناضول وآسيا الوسطى ، وكل إمارة تحاول القضاء على غيرها ، حتى استطاع السلطان سليم الأول القضاء على آخرها ، فلم يعد هناك مجال للمنافسة ، كما أن فتح القسطنطينية ألغى الهدف الديني من التوسع ، حيث قضي على البيزنطيين فيها سنة /857 هـ/، كما انتهى أمر التفكير في إضعاف الدويلات الصغيرة المجاورة بعد إضعاف الصفويين والقضاء على المماليك ، وتم إجلاء البرتغاليين عن كثير من أماكنهم ، كل ذلك جعل العثمانيين يشعرون أنهم في أمان لايعكر صفوهم أحد ، ففترت هممهم وقصروا في تأمين حدودهم، فبدأ الضعف يسري إلى جسم الدولة .

7 ــ التعصب الصليبي :

على الرغم من أن الدول الأوروبية لها مصالح تتضارب مع بعضها ، وعلى الرغم من وجود خلافات وحروب بينها ، إلا أنها تلتقي معاً في حربها للإسلام والمسلمين ، { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ .... (120)}(البقرة) ، وقد حاول السلاطين التقرب إلى بعض هذه الدول لتكون حليفة لهم ضد الدول الأخرى ، وعقدوا معهم اتفاقيات إلا أن البابا الصليبي والمتعصبين كانوا يؤججون نار الصليبية الحاقدة ، فلم يستفد العثمانيون من الامتيازات التي قدموها للنصارى وإن أظهر هؤلاء أحياناً موافقتهم للعثمانيين ، كما أن إذكاء روح الصليبية الحاقدة أثارت النصارى الذين يعيشون على أرض الإسلام ، فكانوا يقومون بالحركات والثورات ضد الخلافة ، تدعمهم الدول النصرانية مما يؤدي إلى إنهاك الدولة العثمانية (التاريخ الإسلامي (العهد العثماني) ص /120 /).

8 ــ عدم مسايرة ركب العلم :
انصرف العثمانيون في هذا العصر عن العلم ، واهتموا بالتدريب العسكري وتعبئة الجيوش وبناء الأساطيل ، ولعل حياتهم البدوية كانت سبباً في ذلك ، وكان حظهم من الثقافة أقل من حظ أوروبا التي سارت سيراً حثيثاً في مجال العلوم والحضارة ، فصار البون بين العثمانيين والأوروبيين شاسعاً ، وبرزت فكرة تقليد أوروبا والسير على خطاها ، وكفى بهذا انهزاماً نفسياً يتبعه الانهزام المادي ، وهذا هو الضعف بعينه ، وعقدة الصغار ، وأنى لنفوس ضعيفة أن يتم لها النصر ؟!

9 ــ وفوق كل هذا : مخالفة منهج الله :
فحين قامت الدولة العثمانية كان شعارها نصرة الإسلام ، ونشره في أرض الله ، واتسعت الدولة وكانت محط أنظار المسلمين ، وحين فترت حرارة التربية الإسلامية وضعف أثرها في نفوس الناس ، انحرفت عن منهج الله ، فظهر السلب والنهب في المدن الإسلامية نفسها والمدن المفتوحة ، وعمت الفوضى وتعاطي المنكرات وشرب الخمر وتجبُّر الجنود الانكشاريين .
أما السلاطين فقد تركوا أمور الدولة وسلموها لمن لاهمَّ له سوى جمع المال وفرض الهيمنة وأُعْطِيَ المتمردون والمشاغبون من الجند إقطاعات وامتيازات خوفاً منهم ، فزاد الانحراف وعمَّ الاضطراب فوصل هؤلاء إلى أن قتلوا عديداً من السلاطين ووزرائهم ، وخلعوا العديد منهم ، وفرضوا ما يريدون عليهم .

مرحلة الضعف هذه تولى الحكم فيها خمسة عشر خليفة ، واستمرت زهاء قرنين من الزمان ، بدأت سنة / 974 هـ / وانتهت سنة/1171 هـ/.

يتبع
 
التعديل الأخير:
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية

السيرة الذاتية لخلفاء فترة الضعف


1ــ 1 ـ سليم الثاني 974 - 982
كان ضعيف الشخصية ، وصل إلى الحكم بعد أن دسَّت أمه (روكسلان) الروسية على أخويه عند أبيه فقتلهما (التاريخ الإسلامي ( العهد العثماني ) محمود شاكر ص / 125) ) وكان أبوه السلطان سليمان يحب زوجته ولا يرفض لها طلباً .
كانت حياة سليم الثاني تتشح بالموبقات ، أدمن الخمور حتى أطلق عليه لقب (السكير) وأسرف في ارتكاب الفواحش الجنسية ، وكان ينتمي إلى مجموعة من السلاطين المعروفين (بالتنابلة) وهو لقب أطلق على العديد من السلاطين الذين تركوا التصرف بشؤون الدولة لخدامهم بعد أن فرضوا إتاوات يتنعمون بها ، واتخذوا من السرايا المئات لملذاتهم . (من كتاب: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ج /1 ، ص /602/) .
إلا أن وزيره الصدر الأعظم ( محمد الصقلي ) الذي لم يفارقه كان قوياً ،واستطاع أن يوقف سقوط الدولة ويؤخر ظهور الضعف المباشر .
اقترح الصدر الأعظم على السلطان سليم الثاني إعادة فتح إسبانيا ، فلم يؤخذ برأيه على الرغم من المتاعب التي كانت تحيط بملك إسبانيا آنذاك ، لأن السلطان سليم أخذ برأي اليهودي البرتغالي ( جوزيف نانسي ) الذي اتخذه صفياً له ، وكان هذا اليهودي في مطلع حياته يسمى ( دون ميجيه ) وقد كان له دور بارز في سياسة الدولة العثمانية ، وتمتع بنفوذ كبير فيها ، وزين للسلطان فتح جزيرة ( تاكوس ) ،وحين تم ذلك وهبها السلطان سليم له ـ لليهودي ـ إقطاعـاً ، ولم تمض سنوات حتى تجرأ وأعلن نفسه دوقاً عليها ( بفضل الله ) . ولم تقف أطماعه عند هذا الحد ، بل زين للسلطان فتح جزيرة ( قبرص ) بحجة أن نبيذها لا يضارعه نبيذ!! وذلك على أمل أن يأخذها هو أيضاً ، وفي غيبة السكر والعربدة وعده بها . (الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ج / 2 ، ص /923 ــ 924 / المتن والحاشية) .

وقد تم في عهد هذا السلطان ما يلي
1 ــ عقد صلح مع النمسا سنة / 976 هـ / .
2 ــ عقد معاهدة مع فرنسا سنة / 977 هـ / مما خولها أن ترسل إرسالياتها إلى رعاياها في الدولة العثمانية ، وأن تربط النصارى العرب بها .
3 ــ قمع ثورة في اليمن قام بها ( المطهَّر بن شرف الدين ) حيث أرسلت الدولة العثمانية جيشاً كبيراً بقيادة عثمان باشا ودعمه (سنان باشا) والي مصر سنة / 976 هـ /
4 ــ فتح الصدر الأعظم جزيرة ( قبرص ) سنة / 978 هـ / ، مما أدى إلـــى تحالــــف النصارى بحراً فانتصروا على أسطول العثمانيـــين وغزوا جزيــــرة ( كريت ) ، لكــن حكومة ( البندقية ) عادت واعترفت بسلطة العثمانيين على( قبرص ) خوفاً منهم سنة /980 هـ/ .
5 ــ احتلال الإسبان ( تونسَ ) وإعادة واليها ( حسن الحفصي ) إلى الحكم سنة / 980 هـ وبعد ثمانية أشهر استرجعها منهم ( سنان باشا ) .

ــ 2 ـ مراد الثالث 982 ــ 1003
لم يكن كأبيه فسقا وفجوراً ، فقد أمر بمنع شرب الخمر لكنه اضطر إلى التراجع عن ذلك بسبب ثورة الإنكشاريين ضده ، وقد قتل إخوته الخمسة خوفاً من منازعته الملك . أما عن الأعمال التي تمت في عهده فيمكن إجمالها فيما يلي :

1ــ عقد معاهدة مع بولونيا أصبحت فيها تحت رعاية الدولة العثمانية سنة / 983 هـ/ واعترفت النمسا بذلك سنة / 984 هـ / .
2ــ حدد امتيازات الدول الأجنبية في حماية رعاياها ضمن الدولة العثمانية .
3ــ قامت ثورة في مراكش سنة / 985 هـ / استعان زعيمهم بالبرتغاليين ، لكن الجيش العثماني استطاع أن يخمدها .
4ــ توفي ( طهماسب ) شاه الصفويين وقتل ابنه ( حيدر ) في اليوم نفسه ، وتولى ابنه الثاني (خدا بنده) الحكم واستغل العثمانيون هذا الاضطراب فدخلوا ( تفليس ) إحدى المدن الكبرى للصفويين سنة / 985 هـ / .
5ــ دخل الجيش العثماني أذربيجان الشمالية (شروان ) سنة /986 هـ/ .
6ــ دخل العثمانيون بقيادة ( عثمان باشا ) داغستان سنة / 997 هـ / وتزوج من أهلها ، وأمر جنوده ففعل كثير منهم ذلك ، مما أدى إلى دخول كثير من الداغستانيين في الإسلام .
7ــ قتل خان الترك بالسم ، ( فعل ذلك أخوه واستلم مكانه ) فدخل العثمانيون عاصمتهم ( كافا ) سنة / 992 هـ / .
8ــ دخل القائد عثمان باشا ( تبريز ) عاصمة الصفويين ، فتنازل هؤلاء عن ( الكرج وشروان وجنوب أذربيجان ) سنة / 993 هـ / .
9ــ أما على الجبهة الأوروبية فقد خسر العثمانيون أول الأمر أمام النمسا والمجر بعد انضمام أمراء رومانيا وترانسلفانيا إليهما ، فسار إليهم (سنان باشا) الصدر الأعظم ودخل بوخارست فانسحب الأوروبيون إلى ما بعد نهر الدانوب .

ومن الملاحظ أن الصدور العظام في عهد هذا الخليفة بلغوا خمسة ( معجم الأنساب والأسر الحاكمة في التاريخ الإسلامي ( بنو عثمان ) للمستشرق زامباور ص /242/) كان أهمهم ( سنان باشا) الذي تولى المنصب ثلاث مرات ، مما يدل على أن أهم منصب بعد السلطان كان مضطرباً نتجت عن ذلك آثار سلبية داخلياً وخارجياً ، ولعل أسباب كثرة العزل والتولية تعود لما يلي :
أ ـ الصراع الخفي بين المتنفذين .
ب ـ المزاجية التي تحكم الخليفة .
جـ ـ الاضطراب الذي تعيشه الدولة .

ــ 3 ـ محمد الثالث بن مراد الثالث 1003 ـــ 1012
حين تولى الخلافة قتل إخوته التسعة عشر ودفنهم مع أبيه، فكانت بداية حكمه مجزرة رهيبة راح ضحيتها أقرب الناس إليه ، ولا أدري كيف جرؤ أهل الفتيا على ذلك وكيف زينوه لسلاطينهم
( يزعم محمد جميل بيهم في كتابه ( فلسفة التاريخ العثماني ج 2 ، ص / 15 ـ 16 / ) أنه لم تمارس عمليات قتل الأخوة إلا منذ عهد السلطان محمد الفاتح الذي حكم من ( 1451 ــ 1481 ) ، وادعى أن هذا السلطان كان قد أصدر قانونـاً خوّل ــ بمقتضاه ــ أي سلطان جديد يتولى العرش أن يباشر بقتل إخوته تأمينـاً لسلامة الدولة وأمنها القومي ، وأنه جاء في هذا القانون الذي سـُمِيَ بقانون / نامة آل عثمان / مايلي : على أي واحد من أولادي تؤول إليه السلطة أن يقتل إخوته !! .. فهذا يناسب نظام العالم وإن معظم العلماء يسمحون بذلك ، ولذلك فعليهم أن يتصرفوا بمقتضاه . كما يردد ( إبراهيم محمد الفحام الفرية نفسها ، ويرد الأستاذ زياد أبو غنيمة في كتابيه / جوانب مضيئة في تاريخ العثمانيين ص 157 وما بعدها ، و السلطان محمد الفاتح ص 45 وما بعدها / على هذه الافتراءات ، ويبين أن الصراع على السلطة حدث في عهد العثمانيين كما حدث في التاريخ الإنساني عامة حيث ينتهي هذا الصراع بقتل أحد الأطراف المتصارعة ، ثم يتساءل : أليس من مقتضيات الأمانة العلمية والتاريخية أن يقدم المدعي بين يدي أي رواية تاريخية البينات التي تدعم صحة الخبر الذي يورده من تحديد الأسماء والأمكنة والأزمنة وسلسلة الرواة الذين تناقلوا هذا الخبر وأن لا يكتفى بالخبر المبهم ؟ . ثم يتساءل قائلاً : أين نص الفتوى الشرعية التي يزعم الزاعمون أنها تبيح للسلاطين العثمانيين قتل بني رحمهم من غير أي مسوغ شرعي ؟ وأين أسماء العلماء الذين أفتوا بهذه الفتوى ؟ ويقول ــ حفظه الله ــ إنه قرأ بضعـاً وعشرين مرجعاً عربيـاً وتركياً وانجليزياً تؤرخ للعثمانيين فما وجد مرجعاً واحداً يذكر نص الفتوى المزعومة ، أو يذكر اسم شيخ واحد تنسب إليه هذه الفتوى ، وأن هذه المراجع قد اكتفى بذكرها وكأنها يقين لا يرقى إليه الشك ولا يحتاج إلى توثيق ! وقد تضاربت هذه المراجع تضارباً فاضحاً في تحديد اسم السلطان الذي تزعم الفرية أنه كان وراء استصدار هذه الفتوى .. ويرجع الأستاذ أبو غنيمة تلك الفرية إلى دوافع نابعة من الحقد الأسود الذي تمتلئ به قلوب العديد من المؤرخين الصليبيين من أعداء الإسلام ، فوجهوا سهام افتراءاتهم ضد العثمانيين المسلمين وعلى رأسهم السلطان المسلم الذي مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدح جيشه قائلاً : " لتفتحن القسطنطينية ، فلنعم الأمير أميرها ، ولنعم الجيش ذلك الجيش " .
فهل يمكن أن يكون ممدوح رسول الله ظالماً باغياً ؟ لا إنه والله حقد الحاقدين وافتئات الأعداء يردده الببغاوات دون أدلة ولا براهين ، ودون فهم أو تمحيص . وأعتقد الأمر مختلقاً.

أهم الأحداث التي جرت في عهده القصير نسبياً تسع سنوات
1ــ تصرف الصدر الأعظم ( فرهاد ) أول الصدور العظام الاثني عشر في أثناء حكمه بمقاليد الحكم تصرفاً تاماً .
2ــ خسرت الدولة العثمانية يوغسلافيا ورومانيا وقتل الصدر الأعظم ( فرهاد ) .
3ــ هزيمة النمسا والمجر أمام الجيوش العثمانية بقيادة الخليفة نفسه في معركة ( كرزت سنة /1005 هـ / .
4ــ ثورة الأناضول بقيادة أحد الإنكشاريين الهاربين من معركة (كرزت) حيث تخاذل بعضهم فقتل الخليفةُ عدداً كبيراً منهم ، كما قضى على ثورة ( قره يازجي ) في عنتاب جنوبي تركيا ، إذ استسلم الثائر على أن يعطى ولاية ( أماسيا ) ، لكنه عاد إلى الثورة بمساعدة أخيه (دالي حسن ) والي بغداد ، فتصدى لهما الصدر الأعظم وقتل ( قره يازجي ) لكن ( دالي حسن ) سرعان ما ثأر لأخيه وقتل الصدر الأعظم ، ولما استفحل أمره أعطي ولاية البوسنة فانصرف لقتال الأوروبيين حتى فني وجنوده .
5ــ قامت خيالة ( السباه ) من حرس الخليفة بالثورة لما قلَّت إقطاعاتهم في الأناضول فقمعها الخليفة بالإنكشاريين .

أما الصدور العظام فهم كثر ، وتدل كثرتهم على
ــ عدم أهليتهم في أكثر الأحيان .
ــ طمعهم وجشعهم ، فقد أعدِم بعضهم وعُزِل بعضهم الآخر لفسادهم .
ــ كبر سن بعض الصدور العظام حيث استلموا المنصب وهم على مشارف قبورهم ( معجم الأنساب للمستشرق زمباور ص / 242).

يتبع

 
التعديل الأخير:
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية


ــ 4 ـ أحمد الأول بن محمد الثالث 1012 ـــ 1026
كان جيداً في أخلاقه ، تولى الخلافة وهو في الرابعة عشرة من عمره، وحكم أربع عشرة سنة ، ومات في الثامنة والعشرين من عمره .
صور السلطان أحمد الأول قدم الرسول صلى الله عليه وسلم وكتب عليه الأبيات التالية باللغة التركية ، ثم وضعه في تاجه وحمله حتى وفاته
" ماذا يكون لو أحمل في رأسي دائماً مثل تاجي
صورة قدم حضرة الرسول
إن صاحب تلك القدم ورد حديقة النبوة
امسح يا أحمد وجهك دائماً بقدم ذلك الورد " .
من كتاب (السلاطين العثمانيون) تأليف عبد القادر ده ده أوغلو ، ترجمة محمد خان ص /59/

من أهم الأحداث التي جرت في عهده
ــ أبطل عادة قتل الأخوة ، فلم يقتل أخاه مصطفى الذي أصبح خليفة بعده ولقب بمصطفى الأول ، بل حجزه مع الجواري والخدم .
ــ ظهرت حركات تمرد عدة منها :
أ ــ حركة جان بولاد الكردي ، وقد قضي عليها سريعاً.
ب ـ حركة والي أنقرة ( قلندر أوغلي ) وقد قضى عليها سريعاً
ج ــ حركة فخر الدين المعني الثاني ، وهو حفيد فخر الدين المعني الأول الذي كان في عهد سليم الأول ، وهو من أسرة درزية حكمت لبنان، وكانت ثورته سنة 1022 هـ وتلقى الدعم من البابا والطليان ورهبان مالطة ، وكان عدد جنوده أربعين ألف ، لكنه هزم وفرَّ إلى إيطاليا

ــ استغل الشاه ( عباس ) شاه إيران الثورات المذكورة ، وأعاد إلى حكمه العراق ومدينتي ( تبريز ) و وان
ــ مات الصدر الأعظم ( مراد باشا قويوجي ) القوي الشخصية الذي تولى الصدارة وهو فوق الثمانين من عمره
ــ أبرم الصدر الأعظم ( نصوح باشا ) سنة/ 1021هـ / صلحاً مع الصفويين ، خسرت فيه الدولة بغداد وكل الأراضي التي كان العثمانيون قد ضموها إليهم
ــ تخلصت النمسا من الجزية السنوية البالغة / 30.000 / ثلاثين ألف دوكا ، بشرط أن تدفع ولمرة واحدة / 200.000 / مئتي ألف دوكا
ــ ظلت المجر تابعة للدولة العثمانية
ــ جرت حروب بحرية بين العثمانيين وسفن مالطة وإسبانيا وإمارات إيطاليا خسر فيها العثمانيون واضطروا إلى سحب سفنهم من البحر الأسود إلى بحر إيجة ، فاستغل أمراء الدول المعادية لهم مثل ( أمراء القازاق ) ذلك وهاجموا مدن الدولة العثمانية على البحر الأسود، مما أدى إلى حدوث خلاف بين الخليفة والصدر الأعظم نتج عنه إعدام الأخير.
ــ جددت امتيازات أوروبا ، وأفتي بمنع الدخان الذي نشره الهولنديون ، فهاج الجند والموظفون ، فتراجع العلماء عن فتواهم

أما الصدور العظام في عهده فقد طالت مدة حكمهم وذلك بسبب مباشرته لهم بنفسه ، حيث أثبت ــ على الرغم من صغر سنه ــ أنه أهل للحكم ، وإن تخلل حكمه بعض الخسائر التي لابد منها بسبب حالة الضعف التي كانت عليها الدولة خاصة في عهد أبيه ، وقد بلغ عدد الصدور العظام أثناء حكمه ستة

ــ 5 ـ مصطفى الأول 1026
كان عثمان بن أحمد الأول صغيراً فعهد أحمد إلى أخيه مصطفى،وكان ــ كما أسلفنا ــ محجوزاً بين الجواري والخدم ، لذلك لم يستطع أن يدير شؤون الدولة والحكم حين عهد إليه ، ولم يلبث سوى ثلاثة أشهر ، ثم عزل ونصب ابن أخيه عثمان بن أحمد على الرغم من صغر سنه.

الصدر الأعظم الوحيد الذي كان في عصره هو : قيصرية لي خليل ، تولى الصدارة في 1026 هـ وعزل في صفر /1028 هـ .على عهد الخليفة عثمان بن أحمد

ــ 6 ـ عثمان الثاني بن أحمد الأول (1026 ـــ 1031
ولي خمس سنوات مكان أبيه ، وكان عمره ثلاث عشرة سنة ، وقتل في الثامنة عشرة من عمره وكان قد قتل أخاه حين ولي الحكم .

من الأحداث التي جرت في عهده
ــ أطلق سراح قنصل فرنسا وكاتبه ومترجمه الذين حبسهم مصطفى الأول لمساعدتهم أحد أشراف بولونيا على الهرب ، واعتذر لملك فرنسا على ما فعله عمه
ــ أعلن الحرب على بولونيا لتدخلها في شؤون البغدان (رومانيا) ثم حصل الصلح بينهما عام / 1029 هـ
ــ عفا عن فخر الدين الثاني الذي ثار على والده السلطان أحمد وهرب إلى إيطاليا وسمح له بالعودة إلى لبنان ، فعاد مجدداً إلى الثورة عليه
ــ قتله للإنكشاريين لأنه أراد أن يستبدلهم بغيرهم ، وأعادوا مصطفى الأول
ــ بعد مقتل الخليفة حدث ما يلي
أ ـ تمرد والي طرابلس فقد أعلن الاستقلال وطرد الإنكشارية من ولايته
ب ـ تمرد والي/أرض روم / أباظة باشا ودخل مدينتي سيواس وأنقرة
ج ـ نهب الإنكشاريون مدينة استانبول
د ـ عين الإنكشاريون ( كمنكاش علي باشا ) صدراً أعظم ، فأشار عليهم بعزل مصطفى الأول لعجزه وتنصيب مراد الرابع بن أحمد الأول ففعلوا ذلك

مصطفى الأولللمرة الثانية 1031 ـ 1032
حكم أقل من سنة ( نحو عشرة أشهر) وكان ضعيفاً مهزوزاً للسبب الذي ذكر آنفاً . وتبدل في عهده الثاني هذا خمسة صدور عظام، أُعدِم اثنان منهم ، وعُزِل الثلاثة تباعاً ( معجم الأنساب : للمستشرق زمباور ص 243)، وقد حكم أحدهم أياماً مما يدل على الفوضى الضاربة أطنابها في عهده ، وأنه مسير لايفقه شيئاً من أمور الحياة بله الحكم ، يعبث به من حوله من المتنفذين الطامعين ، وأن خليفة كهذا ــ وإن كان بسيطاً لاناقة له ولا جمل فيما هو فيه ــ كان عليه أن لايقبل بهذا المنصب الحساس المسؤول عن أمن أكبر دولة في العالم القديم، وكان على المخلصين من حوله أن يختاروا الأصلح لما فيه حياتهم وحياة أمتهم الإسلامية .

ــ 7 ـ مراد الرابع بن أحمد الأول 1032 ـــ 1049
ولد سنة/ 1018 هـ / ، وتولى الخلافة بعد عزل عمه مصطفى سنة / 1032 هـ / وعمره أربعة عشر عاماً ، وبسبب صغر سنه سيطر عليه الإنكشاريون في أول الأمر . لكنه ما إن كبر حتى أصبح حازماً يفرض نفسه ويثبت وجوده ، ويقود جنده للقضاء على الفتن الداخلية والخارجية ويستعيد ما سلبه الصفويون ، كما اتسمت الجبهة الأوروبية بالحذر والمهادنة والوفاق

أما أهم الأحداث في عصره فهي
ــ ثورة قائد شرطة بغداد ( بكير آغا ) على واليها وقتله ، فتحاصره قوة عثمانية بقيادة الوزير ( حافظ باشا ) ويتفقان على ترسيمه والياً عليها ، لكنه يتصل سراً بالشاه عباس واعداً إياه بتسليم المدينة ، وحين يقترب الشاه من بغداد ينسحب حافظ باشا ، ويقتل الشاه بكيراً وابنه
ــ القضاء على ثورة ( أباظة باشا ) بعد معركة كانت بقيادة الصدر الأعظم خليل قيصريه لي ، الذي رغب في التوجه إلى بغداد لتحريرها ، فتمردت عليه الإنكشارية وعزل نتيجة لذلك
ــ ثورة ( أباظة باشا ) مرة أخرى وانتصار الصدر الأعظم (خسرو باشا) عليه ، ودخوله في الطاعة ثم تعيينه والياً على البوسنة سنة 1037 هـ
ــ وفاة الشاه ( عباس ) وهجوم الصدر الأعظم على همدان سنة / 1039 هـ / وفتحها وحصار بغداد مرتين دون التمكن من فتحها . وفي سنة / 1048 هـ/ استطاع السلطان مراد أن يفتحها بنفسه
ــ ثورة الإنكشارية وإخماد السلطان مراد لها وقتل رؤوس الفتنة
( من الملاحظ أن الإنكشارية بدءاً من عهد عثمان الثاني كانت عبئاً على الدولة العثمانية ، يسعى الخلفاء إلى التخلص منهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً )
ــ أسر فخر الدين المعني الثاني وابنه من قبل والي دمشق ، وإرسالهما إلى استانبول ، وإكرام الخليفة لهما على الرغم من خيانتهما المتكررة ، ثم ثورة الحفيد (قرقماز ) مما أدى إلى أن يقتلهما الخليفة ويرسل من يخضع حفيده قرقماز
ــ قتل الخليفة أخويه بايزيد وسليمان
ــ دخول الخليفة ( تبريز ) عنوة سنة / 1045 هـ / و( بغداد ) سنة / 1048 هـ / ومقتل الصدر الأعظم ( محمد طيار ) في ميدان المعركة .
ــ مصالحة الصفويين سنة / 1049 هـ / قبل موت الخليفة ، وبقاء (بغداد ) بأيدي العثمانيين إلى نهاية الدولة العثمانية ، وقد تولى في عهده أحد عشر صدراً أعظم أُعدِم منهم ثلاثة وقُتِل اثنان .

يتبع
 
التعديل الأخير:
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية


ــ 8 ـ إبراهيم الأول بن أحمد 1049 ـ 1058
تولى الحكم في الخامسة والعشرين من عمره ، وقتل بعد تسع سنوات من خلافته
وفي عهده حدثت أمور عدة أهمها
ــ احتلال القازاق في القرم مدينة ( أزوف ) على الساحل الشرقي للبحر الأسود ، واستردها العثمانيون سنة 1052 هـ
ــ فتحت في أيامه جزيرة ( كريت ) سنة / 1055 هـ
ــ أراد البنادقة الثأر من المسلمين بسبب فتحهم جزيرة كريت ، فأحرقوا عدداً من مرافئ المسلمين ، فأراد الخليفة الرد على ذلك بحرق النصارى في بلاده ، إلا أن المفتي لم يوافقه
ــ أراد أن يفتك برؤوس الإنكشاريين فعلموا بذلك وتآمروا عليه وعزلوه ، ثم قتلوه خوفاً من عودته والانتقام منهم وكان الصدور العظام على عهده خمسة ، كان مصير ثلاثة منهم الإعدام ، معجم الأنساب زمباور ص 243

ــ 9 ـ محمد الرابع بن إبراهيم 1058 ـ 1099هـ
أطول خلفاء فترة الضعف حكماً ، فقد تولى الخلافة طفلاً في السابعة من عمره ، وخلع منها بعد إحدى وأربعين سنة وعمره ثمانية وأربعون عاماً ، وتوفي بعد عزله بخمس سنوات
كان من السلاطين التنابلة ، فعمت الفوضى وكانت الدولة تخسر بعض مواقعها إذا كان الصدور العظام ضعافاً ، وتسترد بعضها إذا كانوا أقوياء أمثال محمد كوبريلي وابنه أحمد
بعض الأحداث الهامة التي جرت في عهده
ــ حين تولى الخلافة وهو صغير وعمت الفوضى اضطر (حسين باشا) الصدر الأعظم الأخير عند أبيه إلى رفع الحصار عن مدينة (قندية) عاصمة كريت
ــ ثورة بقيادة (قاطرجي أوغلي وتعني بالعربية ابن سائق البغال) في الأناضول ، ودعمه في ثورته والي الأناضول ( كورجي يني) فانتصرا على القائد العثماني أحمد باشا واتجها نحو استانبول ، لكنهما اختلفا فاغتنم العثمانيون هذا الاختلاف وهاجموهما فقتل الثاني وطلب القاطرجي العفو
ــ ارتفعت الأسعار في استانبول حين احتلت البندقية جزيرتي (تنيدوس) و( لمنوس ) في مضيق الدردنيل ، وتحكمت به ومنعت البضائع عن استانبول
ــ تولى ( محمد كوبريلي ) الصدارة سنة / 1067 هـ / وكان قوي الشكيمة فقتل الكثير من الإنكشارية واسترد ما أخذته البندقية بعد جهاد مرير مات أثناءه قائد البحر البندقي
ـ أخضع الصدر الأعظم أمراء رومانيا الشرقية ( بغدان ) ورومانيا الشمالية الغربية (ترانسلفانيا ) والأفلاق ( رومانيا الوسطى ، وفيها العاصمة بوخارست ) لأنهم عصوا أوامر السلطان ورغبوا في مساندة السويد ضد بولونيا
ــ ضعفت العلاقة بين العثمانيين والفرنسيين الذين دعموا البنادقة في موقعة كريت
ــ توفي الصدر الأعظم (محمد كوبريلي ) سنة / 1072 هـ / بعد أن أعاد للدولة هيبتها، وكان ابنه أحمد مثله رفض الصلح مع النمسا وقاتلها وفتح أعظم قلعة فيها ( نوهزل) سنة 1074 هـ ودخل مورافيا ، بين تشيكيا وسلوفاكيا وسيليزيا وأصلها من ألمانيا ، وهي تقع اليوم في بولونيا حيث ضمت إليها بعد الحرب العالمية الثانية) ، ودعمت فرنسا النمسا ،وتآمر الجميع ضد العثمانيين
ــ رفض الصدر الأعظم تجديد الامتيازات لفرنسا ، فأرسل الفرنسيون أسطولهم مهددين ، فلما زاد ثبات الصدر الأعظم ( أحمد كوبريلي ) أخذوه باللين إلى أن جدد لهم الامتيازات وعاد الصفاء المشوب بالحذر بين الدولتين
ــ أما في أوكرانيا فقد رغب شعب القوزاق المسلمون بالتبعية للعثمانيين فغضب الألبانيون وهاجموا أوكرانيا فتدخل السلطان العثماني بنفسه وهاجم الألبان وانتصر عليهم فخضعوا وطلبوا الصلح ودفعوا جزية كبيرة ، وذلك سنة 1083 هـ
ــ رفض الشعب البولوني وعلى رأسه قائده ( سوبيسكي ) المعاهدة وهاجم العثمانيين بجيش جرار وانتصر عليهم ، ثم صار سوييسكي ملكاً على بولونيا ، واستمرت المعارك سجالاً بين الطرفين ثم عادت المفاوضات ليتنازل الملك الجديد عمَّا تنازل عنه الملك القديم باستثناء بعض المواقع ، وكان ذلك سنة 1087 هـ وفي نفس السنة توفي الصدر الأعظم أحمد كوبريلي
ــ استلم الصدارة ( قره مصطفى ) صهر أحمد كوبريلي
لكنه لم يكن كسابقيه حنكة سياسية إذ أساء إلى إخوانه المسلمين في القوزاق التي تقع الآن في أوكرانيا ، إلا أنه كان قائداً ماهراً أضاف انتصارات كثيرة ، ولكن القدر لم يمهله إذ أحاط به ـ وهو يحاصر فيينا ـ عدد من الجيوش النصرانية فنسي الناس مآثره وحاسبوه على أمر ليس له به طاقة ، وأعدموه
وأساء إلى القوزاق فكرهوا العثمانيين وانحازوا إلى الروس وجرت بين الطرفين معارك طاحنة دامت أربع سنوات وذلك بين / 1088 هـ ـ 1092 هـ / وتمت المعاهدة بين الطرفين (رادزين) وبقيت الأمور كما كانت قبل الحرب ، وبذلك خسر العثمانيون محبة إخوانهم القوزاق .
ــ مني العثمانيون بخسائر كثيرة بعد ذلك ، نذكر منها
أ ـ سار الصدر الأعظم ( قره مصطفى ) سنة / 1092 هـ / لمحاربة النمسا ، لنجدة نصارى المجر الخاضعين لها ، وحاصر عاصمتها وكادت أن تسقط لولا نداءات البابا ، فوصلت قوات من بولونيا وسكسونيا وبافاريا في الوقت المناسب ودارت مارك طاحنة هزم فيها المسلمون وانسحبوا فأغار عليهم ( سوبيسكي) ملك ألبانيا وقتل كثيراً من مؤخرة جيشهم ، فغضب الخليفة على الصدر الأعظم وقتله وعيَّن مكانه (إبراهيم باشا) سنة 1092 هـ
ب ــ هذا الانتصار الصليبي شجع النصارى فعقدوا بينهم الحلف المقدس الذي ضمَّ إلى السابقين : البنادقة ومالطة والنمسا وبولونيا ، وهاجموا المسلمين من أماكن متعددة
ــ هاجمت النمسا بلاد المجر واحتلت بودابست
ــ استعادت بعض المواقع مثل ( قلعة نوهزل ) المذكورة سابقاً
ــ عزل الخليفة الصدر الأعظم إبراهيم باشا ، ونفاه إلى جزيرة (رودوس) وعين مكانه سليمان ياشا ، فهزم أيضاً
ــ هزم سليمان باشا في بودابست سنة / 1097 هـ / ، كما هزم ثانية سنة / 1098 هـ / موهاكز
ــ أغار سوبيسكي ملك بولونيا على ولاية البغدان وهددها
ــ أغارت سفن البنادقة على سواحل اليونان وجزيرة الموره ، تساندها سفن البابا ورهبان مالطة
ــ دخلت جنود النصارى أثينا وكورنتا وعدداً آخر من المدن سنة 1097 هـ
ــ أمام هذه الهزائم والفوضى اتفق العلماء والصدر العظم الأخير اسماعيل تشانجي على عزل السلطان سنة / 1099 هـ / فعزل ومات سنة / 1104 هـ / وتولى مكانه أخوه سليمان الثاني

وقد بلغ الصدور العظام في عهده تسعة عشر صدراً أعظم ، نفس المصدر السابق ص 244

ـ 10 ـ سليمان الثاني بن إبراهيم 1099 ـ 1102هـ
تولى الحكم ثلاث سنوات ، وكان وقتها في الأربعين من عمره /1099 هـ إلى 1102 هـ / وفي عهده استعادت الدولة هيبتها .
من الحوادث التي جرت في عهده القصير
ــ لم يعاقب الجند على ما فعلوه بأخيه ، بل أكثر لهم العطايا مما أطمعهم فيه فتمردوا عليه وقتلوا قادتهم وقتلوا الصدر الأعظم سياوش باشا وسبوا نساءه ، وعمت الفوضى البلاد فعين الخليفة صدراً أعظم جديداً هو مصطفى باشا زودوستو ، ولم يكن كفئاً فعزله الخليفة بعد صدارته بخمسة أشهر لأن الأعداء انتهزوا هذه الفوضى وتقدموا في أملاك الدولة العثمانية، واحتل البنادقة (دلماسيا ) وهي السواحل الشمالية لبحر الأدرياتيك وبعض المقاطعات في اليونان ، وتوالت الهزائم .
ــ عين الخليفة ( مصطفى بن محمد كوبريلي ) صدراً أعظم فسار على نهج أبيه وأخيه فحمى الأهالي من تصرفات الجند ،وأعطى الجند حقوقهم ، وسمح للنصارى في استانبول ببناء ما تهدم من كنائسهم فأحبه الناس حتى إن نصارى المورة ثاروا ضد البنادقة وطردوا جيشهم من بلادهم ، واتجه على رأس جيش إلى النمسا واستعاد منها بعض ما أخذته ، ودخل بلغراد سنة /1101 هـ / وأعيدت ترانسلفانيا إلى الدولة العثمانية ، وأخضع ثوار الصرب ، وبذلك عادت للدولة هيبتها وفتح الله فيهما الكثير على يديه واستشهد في معركة ( سلنكمن ) في عهد أحمد الثاني وفقدت الدولة بذلك أملاً عظيماً .
الصدور العظام في عهده أربعة ، أشهرهم مصطفى الكوبريلي المذكور آنفاً ، نفس المصدر السابق ص 244)

ــ 11 ـ أحمد الثاني بن إبراهيم الأول 1102 ـ 1106هـ
أصغر من أخيه بشهرين فقط ، ولم يكن لسليمان أولاد فتولى الحكم من بعده ، وله من العمر خمسون سنة ، حكم أربع سنوات ، وكان القتال في أيامه القصيرة عبارة عن مناوشات ، واحتلت البندقية في عهده بعض جزر بحر إيجة
وكان عدد الصدور العظام في عهده خمسة

ــ 12 ـ مصطفى الثاني بن محمد الرابع 1106 ـ 1115 هـ
تولى الخلافة في الثالثة والثلاثين من عمره ، وحكم تسع سنوات من / 1106 ـ 1115هـ وعزله الإنكشاريون .
من الأحداث الهامة في عهده
ـ كان شجاعاً قاد الجيوش بنفسه فسار إلى بولونيا وانتصر على أهلها في عدة معارك بمساعدة القوزاق المسلمين
ـ انطلق إلى مدينة آزوف التي يحاصرها القيصر الروسي بطرس الأكبر فأجبره على ترك الحصار سنة 1107 هـ وتوجه إلى المجر وهزم جيوشها أولاً ثم انهزم أمام الملك النمساوي الجديد (أوجين دي سافوا) وغرق كثير من المسلمين في نهر ( تيس ) ودخل الملك النمساوي بلاد البوسنة وقتل الصدر الأعظم محمد ألماس في نهاية سنة 1108 هـ
ــ استغل بطرس الأكبر انشغال العثمانيين في قتال النمساويين ودخل آزوف عاصمة القوزاق
ــ تولى حسين كوبريلي الصدارة فسار نحو النمسا فتقهقرت أمامه وتراجعت إلى الشمال الغربي إلى ما بعد نهر السافا
ــ في الوقت نفسه انتصر الأسطول العثماني على البندقية واسترد بعض الجزر التي أخذتها في بحر إيجة
ــ عقدت الدولة معاهدة عام / 1110 هـ / مع دول الغرب مجتمعة خسرت فيها آزوف وأوكرانيا لروسيا ، وإقليم بودوليا وبعض المدن لألبانيا، وساحل دالماسية وبعض الجزر للبندقية وبلاد المجر وإقليم ترانسلفانيا للنمسا ... وسميت هذه المعاهدة الخاسرة بمعاهدة كارلوفتس
ــ لم تعد أية دولة تدفع الجزية للعثمانيين
ــ بدأت الدول النصرانية تقف مجتمعة أمام الدولة العثمانية خوفاً من انتشار الإسلام
ولي في عهده أربعة من الصدور العظام

ــ 13 ـ أحمد الثالث بن محمد الرابع
تولى الخلافة بعد أخيه مصطفى وهو في الثانية والثلاثين من عمره ، ودام حكمه ثمانية وعشرين سنة / 1115 هـ ــ 1143 هـ / حيث ثار عليه الإنكشاريون وعزلوه
أهم الأحداث في عصره
ــ سار مع الإنكشاريين مدة وأعطاهم الأعطيات ووافقهم على قتل المفتي ( فيض الله ) حتى إذا تمكن منهم اقتص من قادتهم وعزل الصدر الأعظم أحمد نشانجي ) الذي فرضوه عليه
ــ شغل الناس بكثرة الصدور العظام الذين يعينهم ويعزلهم والأعداء يمكرون بالمسلمين
ــ انتصر الصدر الأعظم ( محمد بلطه جي ) على القيصر ، لكن خليلة القيصر أغوته ففك الحصار ونجا الروس من الإبادة التي كانت تنتظرهم ، وتعهدوا بعدم التدخل بشؤون القوزاق وميناء آزوف على البحر الأسود
ــ تخلت روسيا عن المعاهدة لكن الجيش العثماني وخانات القرم ضغطوا فكانت معاهدة أدرنة سنة / 1125 هـ / من جديد فتنازلت روسيا عن كل ما أخذته من سواحل البحر الأسود
ــ انتصر العثمانيون على البنادقة وأخذوا منهم ما بقي في أيديهم من جزيرة كريت
ــ هزم النمساويون جيشين للعثمانيين ما بين سنتي / 1129 ــ 1130 هـ / وأخذوا بلغراد في معاهدة بساروفتس سنة /1130هـ / وجزءاً من الأفلاق ( بلغاريا ) وبقيت دلماسيا للبنادقة ، وأعيدت المورة في اليونان للعثمانيين
ــ استغل الروس ضعف الدولة العثمانية وطلبوا منها السماح لحجاجهم الذهاب إلى القدس دون دفع شيء ، فوافق العثمانيون
ــ ضعف الدولة الصفوية ، واقتسامها بين العثمانيين الذين أخذوا الكرج وبلاد أرمينيا على يد الصدر الأعظم ( إبراهيم باشا ) وبين روسيا التي أخذت داغستان وسواحل بحر الخزر الغربية ، وحدوث اصطدام بين الدولتين في تلك المنطقة دون قتال
ــ انتفاضة الصفويين ضد العثمانيين وانهزامهم ودخول العثمانيين (تبريز) وهمدان ، ثم
ــ ( طهماسب ) خليفة الشاه أشرف يعلن الحرب على العثمانيين
ــ عزوف الخليفة عن قتال الصفويين بسبب مقتل الصدر الأعظم وأمير البحر،واستمرار الحرب لحين عزل الخليفة سنة /1143 هـ/، ووفاة الخليفة سنة 1149 هـ
ــ دخول المطبعة في عهد أحمد الثالث وتأسيس دار الطباعة في استانبول بعد موافقة المفتي
(التاريخ الإسلامي ( العهد العثماني ) محمود شاكر ص /145)
بلغ عدد الصدور العظام في عهده أربعة عشر كانوا هملاً ما عدا اثنين منهم هما : الخامس : علي جور ليلى ، والحادي عشر : علي باشا الشهيد ،معجم الأنساب زمباور ص 255.

يتبع
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى