الدولة العثمانية : معلومات و وثائق وصور وتراجم

Selim The Osmanli

جنود من الجيش البريطاني أسرى لدى الجيش العثماني في حرب غزة الأولى

EHE2-TeWsAEeJew
 
التعديل الأخير:

سفر برلك (نفير عام 1914)

بالتركية:Seferberlik وتعني:النفير العام والتأهب للحرب. وتعني التهجير الجماعي واطلقوا عليها الشباب في ذلك الوقت روحه بلا عوده

سفر برلك وهو فرمان أصدره السلطان العثماني محمد رشاد بتاريخ الثالث من آب/أغسطس 1914م يدعو فيه الرجال الذين بلغت أعمارهم بين ( 15 حتى 45) سنة من رعايا الدولة العثمانية، ومن بينهم رعايا البلاد العربية

أعلنت الدولة العلية العثمانية النفير العام على هيأة الحياد المسلح في 28 تموز سنة 1914م الموافق 1332هجرية.

وأعلنت روسيا الحرب على تركيا في 2 تشرين الثاني 1914م، وإنكلترا أعلنت الحرب عليها في 5 تشرين الثاني 1914م.

وكان اعلان التعبئة العامة هو بمثابة استعداد الدولة العثمانية للوقوف إلى جانب المانيا في الحرب العالمية الأولى. حيث قام الجيش العثماني بوضع ملصقات الإعلانات على مداخل البنايات الحكومية، والمقاهي والاسواق والمحلات وغيرها من الاماكن العامة، التي تعلن النفير العام

أشكال تلك الإعلانات واحداً فيه صورة بندقيتين متقاطعتين بهذا الشكل X، وكتب تحتها باللغة التركية سفر برلك وار سلاح باش له اولانلر وتعني هناك نفير عام كونوا على استعداد مع أسلحتكم) .

الحكومة العثمانية وضعت شروطاً لغير المشمولين بالتجنيد الاجباري وهم :-

1-أبناء العشائر العربية والبدو الرحل وابناء العشائر الكردية إذ استعاضت بالبدل النقدي عن الاشخاص المكلفين بالتجنيد الاجباري او ضريبة الاعفاء من الخدمة العسكرية ((بدل عسكري )) وتبلغ قيمة البدل ( 40 قرشا ذهبيا ،أي حوالي ( 7 شلنات انكليزية ) سنويا.

2-رجال الدين المسلمون والعلماء والشيوخ وطلبة المدارس الدينية والاعدادية والمعلمون وأئمة الجوامع .

3-غير المسلمين أمثال القساوسة والرهبان والحاخامات وطلبة المدارس المسيحية واليهودية .

4-المعيل (وحيد أسرته) .

5- ويعفى من الخدمة العسكرية لاسباب صحية المصابون بالامراض المزمنة والمعوقون والتي استغلت في بعض الاحيان للتهرب من الخدمة العسكرية .
وكان سن التجنيد يتراوح بين 19-20 سنة،إذ كانت الخدمة في الجيش العثماني مقسمة الى:-

1- الخدمة النظامية وهي اجبارية ومدتها اربع سنوات ثم قلصت الى ثلاث سنوات

2-الخدمة الاحتياطية ومدتها سنتان ثم اصبحت خمس سنوات

3-الخدمة الرديفية ومدتها ست سنوات ثم أصبحت اثنتي عشر سنة، تعقبها المستحفظة وهي مكملة لها ومدتها ثمان سنوات لكنها قلصت الى خمس سنوات
ونظهر صوره جدول خسائر العثمانيين في الحرب العالمية الأولى

نظهر صوره لأسرى العثمانيين في الحرب العالمية الأولى
ونظهر صوره إعلان سفر برلك
وننوه بأن خسائر العثماني خلال أربعة قرون للحروب قد تتجاوز المليونين وهنالك إحصائية العثماني يتسبب في موت أربعة ملايين بين حرب وسجن وإعدامات وملاحقات فرارية

74789379_3212790442096936_6909972174417690624_n.jpg

73188841_3212790615430252_3196621051765194752_n.jpg

74425919_3212790188763628_6835669716938260480_n.jpg
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
Selim The Osmanli

صورة للطيار العثماني وجيهي هوركوش وهو أول من أسقط طائرة روسية عام 1917 على الجبهة القوقازية بالحرب العالمية الأولى وسقط أسيرا بيد الجيش الروسي ونقل إلى معسكر الأسرى في جزيرة نارغين التابعة لأذربيجان إلا إنه هرب بعد سنة وبمساعدة أصدقائه ووصل اسطنبول سباحة

EHeyDOwXkAAhORT
 
التعديل الأخير:
Salim The Osmanli

مد خط التلغراف زمن السلطان عبد المجيد الاول بين عاصمة الخلافة العثمانية اسطنبول و كونستانتسا وهي مدينة مدينة تقع شرقي رومانيا المرفأ الهام والرئيس على البحر الأسود

 
التعديل الأخير:
Salim The Osmanli

الخليفة الاخير عبد المجيد الثاني امام جامع آيا صوفيا

EHKmiwgWoAAzA49
 
التعديل الأخير:
Salim The Osmanli

اسماء سلاطين وخلفاء الدولة العثمانية في المسجد النبوي الشريف

 
التعديل الأخير:
Salim The Osmanli

صلاة النصر للجيش العثماني في معركة چناق قلعة /غاليبولي


 
التعديل الأخير:
تاريخ الأمة المحمدية

عملة تذكارية ضربها السلطان عبد الحميد الثاني بمناسبة زيارة القيصر الألماني وليم الثاني في عام 1307هـ. منقوش عليها : ملاقاة ( إجتماع ) سلطان عبد الحميد خان ثاني بإمبراطور ألمانيا وليم الثاني قسطنطينية سنة 1307 هـ كما تفضل ببيانه الخطاط والرسام الأستاذ فادي العويد

 
التعديل الأخير:
د. طلال الجويعد العازمي

بندقية الموزر : تم صناعتها في المصانع العثمانية في استانبول في القرن 19 ومطلع القرن 20 م

EHyY88rWwAAQhN4

 
التعديل الأخير:
مركز فامر للدراسات العثمانية

قلعة بدليس التاريخية شرق الأناضول في صورة نادرة وأخرى حديثة
كانت بدليس مركز مهماً للعثمانيين خرج منها الكثير من القادة والعلماء الكرد منهم شرف خان البدليسي صاحب كتاب الشرفنامة في قسمين: تاريخ الكرد وتاريخ سلاطين العثمانيين
وهي اليوم مركز محافظة بدليس وفيها الكثير من الآثار



 
التعديل الأخير:
سفر برلك (نفير عام 1914)

بالتركية:Seferberlik وتعني:النفير العام والتأهب للحرب. وتعني التهجير الجماعي واطلقوا عليها الشباب في ذلك الوقت روحه بلا عوده

سفر برلك وهو فرمان أصدره السلطان العثماني محمد رشاد بتاريخ الثالث من آب/أغسطس 1914م يدعو فيه الرجال الذين بلغت أعمارهم بين ( 15 حتى 45) سنة من رعايا الدولة العثمانية، ومن بينهم رعايا البلاد العربية

أعلنت الدولة العلية العثمانية النفير العام على هيأة الحياد المسلح في 28 تموز سنة 1914م الموافق 1332هجرية.

وأعلنت روسيا الحرب على تركيا في 2 تشرين الثاني 1914م، وإنكلترا أعلنت الحرب عليها في 5 تشرين الثاني 1914م.

وكان اعلان التعبئة العامة هو بمثابة استعداد الدولة العثمانية للوقوف إلى جانب المانيا في الحرب العالمية الأولى. حيث قام الجيش العثماني بوضع ملصقات الإعلانات على مداخل البنايات الحكومية، والمقاهي والاسواق والمحلات وغيرها من الاماكن العامة، التي تعلن النفير العام

أشكال تلك الإعلانات واحداً فيه صورة بندقيتين متقاطعتين بهذا الشكل X، وكتب تحتها باللغة التركية:(سفر برلك وار سلاح باش له اولانلر) وتعني:(هناك نفير عام كونوا على استعداد مع أسلحتكم) .

الحكومة العثمانية وضعت شروطاً لغير المشمولين بالتجنيد الاجباري وهم :-

1-أبناء العشائر العربية والبدو الرحل وابناء العشائر الكردية إذ استعاضت بالبدل النقدي عن الاشخاص المكلفين بالتجنيد الاجباري او ضريبة الاعفاء من الخدمة العسكرية ((بدل عسكري ))وتبلغ قيمة البدل (40قرشاذهبيا ،أي حوالي (7شلنات انكليزية ) سنويا.

2-رجال الدين المسلمون والعلماء والشيوخ وطلبة المدارس الدينية والاعدادية والمعلمون وأئمة الجوامع .

3-غير المسلمين أمثال القساوسة والرهبان والحاخامات وطلبة المدارس المسيحية واليهودية .

4-المعيل (وحيد أسرته) .

5- ويعفى من الخدمة العسكرية لاسباب صحية المصابون بالامراض المزمنة والمعوقون والتي استغلت في بعض الاحيان للتهرب من الخدمة العسكرية .
وكان سن التجنيد يتراوح بين 19-20 سنة،إذ كانت الخدمة في الجيش العثماني مقسمة الى:-

1- الخدمة النظامية وهي اجبارية ومدتها اربع سنوات ثم قلصت الى ثلاث سنوات

2-الخدمة الاحتياطية ومدتها سنتان ثم اصبحت خمس سنوات

3-الخدمة الرديفية ومدتها ست سنوات ثم أصبحت اثنتي عشر سنة، تعقبها المستحفظة وهي مكملة لها ومدتها ثمان سنوات لكنها قلصت الى خمس سنوات
ونظهر صوره جدول خسائر العثمانيين في الحرب العالمية الأولى

نظهر صوره لأسرى العثمانيين في الحرب العالمية الأولى
ونظهر صوره إعلان سفر برلك
وننوه بأن خسائر العثماني خلال أربعة قرون للحروب قد تتجاوز المليونين وهنالك إحصائية العثماني يتسبب في موت أربعة ملايين بين حرب وسجن وإعدامات وملاحقات فرارية

74789379_3212790442096936_6909972174417690624_n.jpg

73188841_3212790615430252_3196621051765194752_n.jpg

74425919_3212790188763628_6835669716938260480_n.jpg
احد اهم الاخطآ عدم وجود الدعم اللوجستي ؛الأسلحة و الذخيرة والخدامات و النقل ملابس ..
 
سليمان القانوني صاحب العهد الذهبي للعثمانيين
سليمان القانوني.. وعصر القيادة والريادة
في ذكرى فكه حصار فيينا: 20 من صفر 937 هـ


أحمد تمام

ثمانية وأربعون عامًا قضاها السلطان سليمان القانوني على قمة السلطة في دولة الخلافة العثمانية، بلغت في أثنائها قمة درجات القوة والسلطان؛ حيث اتسعت أرجاؤها على نحو لم تشهده من قبل، وبسطت سلطانها على كثير من دول العالم في قاراته الثلاث، وامتدت هيبتها فشملت العالم كله، وصارت سيدة العالم يخطب ودها الدول والممالك، وارتقت فيها النظم والقوانين التي تسيّر الحياة في دقة ونظام، دون أن تخالف الشريعة الإسلامية التي حرص آل عثمان على احترامها والالتزام بها في كل أرجاء دولتهم، وارتقت فيها الفنون والآداب، وازدهرت العمارة والبناء.
تولى السلطان سليمان القانوني بعد موت والده السلطان سليم الأول في (9 من شوال سنة 926 هـ= 22 من سبتمبر 1520م)، وبدأ في مباشرة أمور الدولة، وتوجيه سياستها. والأعمال التي أنجزها السلطان في فترة حكمه كثيرة وذات شأن في حياة الدولة، وسنحاول الإلمام بها، جاهدين في إبراز صورة الدولة على نحو لا يخل بملامحها العامة، وقسماتها المميزة. في الفترة الأولى من حكمه نجح في بسط هيبة الدولة والضرب على أيدي الخارجين عليها من الولاة الطامحين إلى الاستقلال، معتقدين أن صغر سن السلطان الذي كان في السادسة والعشرين من عمره فرصة سانحة لتحقيق أحلامهم، لكن فاجأتهم عزيمة السلطان القوية التي لا تلين، فقضى على تمرد "جان بردي الغزالي" في الشام، و"أحمد باشا" في مصر، و"قلندر جلبي" في منطقتي قونيه ومرعش، وكان شيعيًا جمع حوله نحو ثلاثين ألفًا من الأتباع للثورة على الدولة

ميادين الجهاد
تعددت ميادين الجهاد التي تحركت فيها الفتوحات الإسلامية في عهد سليمان فشملت أوروبا وآسيا وأفريقيا، فاستولى على بلجراد سنة (927 هـ= 1521م)، وحاصر فيينا سنة (935 هـ= 1529م) لكنه لم يفلح في فتحها، وأعاد الكَرّة مرة أخرى، ولم يكن نصيبها أفضل من الأولى، وضم إلى دولته أجزاء من المجر بما فيها عاصمتها "بودا"، وجعلها ولاية عثمانية
وفي آسيا قام السلطان سليمان بثلاث حملات كبرى ضد الدولة الصفوية، ابتدأت من سنة (941 هـ= 1534 م) وهي الحملة الأولى التي نجحت في ضم العراق إلى كنف الدولة العثمانية
وفي الحملة الثانية سنة (955 هـ= 1548 م) أضيف إلى أملاك الدولة "تبريز"، وقلعتا: وان وأريوان
وأما الحملة الثالثة فقد كانت سنة (962 هـ = 1555 م) وأجبرت الشاه "طهماسب" على الصلح وأحقية العثمانيين في كل من أريوان وتبريز وشرق الأناضول
وواجه العثمانيون نفوذ البرتغاليين في المحيط الهندي والخليج العربي، فاستولى "أويس باشا" والي اليمن على قلعة تعز سنة (953 هـ= 1546 م)، ودخلت عُمان وقطر والبحر في طاعة الدولة العثمانية، وأدت هذه السياسة إلى الحد من نفوذ البرتغاليين في المياه الإسلامية
وفي إفريقيا، دخلت ليبيا والقسم الأعظم من تونس، وإريتريا، وجيبوتي والصومال، ضمن نفوذ الدولة العثمانية

البحرية العثمانية
خير الدين بربروس قائد بحري عثماني
كانت البحرية العثمانية قد نمت نموًا كبيرًا منذ أيام السلطان بايزيد الثاني، وأصبحت مسئولة عن حماية مياه البحار التي تطل عليها الدولة، وفي عهد سليمان ازدادت قوة البحرية على نحو لم تشهده من قبل بانضمام "خير الدين برباروسا "، وكان يقود أسطولاً قويًا يهاجم به سواحل إسبانيا والسفن الصليبية في البحر المتوسط، وبعد انضمامه إلى الدولة منحه السلطان لقب قبودان
وقد قام خير الدين - بفضل المساعدات التي كان يتلقاها من السلطان سليمان القانوني- بضرب السواحل الإسبانية، وإنقاذ آلاف من المسلمين في إسبانيا، فقام في سنة (935 هـ= 1529م) بسبع رحلات إلى السواحل الإسبانية لنقل سبعين ألف مسلم من قبضة الحكومة الإسبانية
وقد وكل السلطان إلى خير الدين قيادة الحملات البحرية في غرب البحر المتوسط، وحاولت إسبانيا أن تقضي على أسطوله، لكنها تخفق في كل مرة وتتكبد خسائر فادحة، ولعل أقسى هزائمها كانت معركة بروزة سنة (945 هـ= 1538 م)
وقد انضم أسطول خير الدين إلى الأسطول الفرنسي في حربه مع الهابسيورج، وساعد الفرنسيين في استعادة مدينة نيس (950 هـ= 1543م)
واتسع نطاق عمل الأسطول العثماني فشمل البحر الأحمر، حيث استولى العثمانيون على سواكن ومصوع، وأخرج البرتغاليين من مياه البحر الأحمر، واستولى العثمانيون على سواحل الحبشة؛ مما أدى إلى انتعاش حركة التجارة بين آسيا والغرب عن طريق البلاد الإسلامية

النواحي الحضارية
جامع السليمانية
كان السلطان سليمان القانوني شاعرًا له ذوق فني رفيع، وخطاطًا يجيد الكتابة، وملمًا بعدد من اللغات الشرقية من بينها العربية، وكان له بصر بالأحجار الكريمة، مغرمًا بالبناء والتشييد، فظهر أثر ذلك في دولته، فأنفق في سخاء على المنشآت الكبرى فشيد المعاقل والحصون في رودس وبلجراد وبودا، وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في شتى أنحاء الدولة، وبخاصة في مكة وبغداد ودمشق، غير ما أنشأه في عاصمته من روائع العمارة

وظهر في عصره أشهر المهندسين المعماريين في التاريخ الإسلامي وهو سنان باشا ، الذي اشترك في الحملات العثمانية، واطلع على كثير من الطرز المعمارية حتى استقام له أسلوب خاص، ويعد جامع السليمانية الذي بناه للسلطان سليمان في سنة (964 هـ = 1557م) من أشهر الأعمال المعمارية في التاريخ الإسلامي
وفي عهده وصل فن المنمنمات العثمانية إلى أوجه. وقد قدّم "عارفي" وثائق الحوادث السياسية والاجتماعية التي جرت في عصر سليمان القانوني في منمنمات زاهية، ولمع في هذا العصر عدد من الخطاطين العظام يأتي في مقدمتهم: حسن أفندي جلبي القره حصاري الذي كتب خطوط جامع السليمانية، وأستاذه أحمد بن قره حصاري، وله مصحف بخطه، يعد من روائع الخط العربي والفن الرفيع، وهو محفوظ بمتحف طوبي قابي
وظهر في عهد السلطان سليمان عدد من العلماء، في مقدمتهم: أبو السعود أفندي صاحب التفسير المعروف باسم إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم
غير أن الذي اشتهر به واقترن باسمه هو وضعه للقوانين التي تنظم الحياة في دولته الكبيرة.. هذه القوانين وضعها مع شيخ الإسلام أبو السعود أفندي، وراعى فيها الظروف الخاصة لأقطار دولته، وحرص على أن تتفق مع الشريعة الإسلامية والقواعد العرفية، وقد ظلت هذه القوانين التي عرفت باسم "قانون نامه سلطان سليمان" أي دستور السلطان سليمان تطبق حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري- التاسع عشر الميلادي

ولم يطلق الشعب على السلطان سليمان لقب القانوني لوضعه القوانين، وإنما لتطبيقه هذه القوانين بعدالة، ولهذا يعد العثمانيون الألقاب التي أطلقها الأوروبيون على سليمان في عصره مثل: الكبير، والعظيم قليلة الأهمية والأثر إذا ما قورنت بلقب "القانوني" الذي يمثّل العدالة
ولم يكن عهد القانوني العهد الذي بلغت فيه الدولة أقصى حدود لها من الاتساع، وإنما هو العهد الذي تمت فيه إدارة أعظم دولة بأرقى نظام إداري

وتوفي السلطان وهو يحاصر مدينة سيكتوار البحرية في (20 من صفر 974 هـ= 5 من سبتمبر 1566م)

عن مركز الشرق العربي

هوامش ومصادر

* يلماز أورزتونا ـ تاريخ الدولة العثمانية ـ منشورات مؤسسة فيصل للتمويل ـ إستانبول ـ 1988
* عبد العزيز محمد الشناوي ـ الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ـ مكتبة الأنجلو ـ القاهرة ـ 1986م
* محمد فريد بك ـ تاريخ الدولة العلية العثمانية ـ تحقيق إحسان حقي ـ دار النفائس ـ بيروت ـ 1403 هـ: 1983م
* علي حسون ـ تاريخ الدولة العثمانية ـ المكتب الإسلامي ـ بيروت ـ 1415 هـ: 1994م
* محمد حرب ـ العثمانيون في التاريخ والحضارة ـ المركز المصري للدراسات العثمانية ـ القاهرة ـ 1414 هـ: 1994م



 
التعديل الأخير:
سلاطين بني عثمان .. قلوب احترقت في حب الرسول

* ضياء دميرال


لقد حملت الدولة العثمانية منذ أن بزغ فجرها في القرن الثالث عشر، هموم الأمة الإسلامية بكل فخر واعتزاز، وسَعَت بكل ما أوتيت من قوة إلى رعاية هذه الأمة وتأمين أمنها وراحتها وسلامتها في كل نواحي الحياة. كما حرصت كل الحرص على نصرة الإسلام ونشر مبادئه وقيمه في أرجاء المعمورة، ثم رفع رايته خفاقة على جميع الأقاليم والبلدان..
وما إن نتجول بين صفحات التاريخ ونتفحص المعلومات عن حياة سلاطين آل عثمان، حتى نجد معظمهم دائمًا في مقدمة الصفوف يمتطون أحصنتهم ويقاتلون في ميادين الحرب ببسالة منقطعة النظير. وعندما لم يقدروا على المشاركة في حرب ما، عدُّوا أنفسهم عديمي الحظ وفاضت عيونهم بالدموع وامتلأت قلوبهم بالحزن والأسى.. إنهم نذروا أنفسهم للإسلام، واعتبروا الدفاع عن الإسلام وقيمه مسئولية عظمى لا بد أن تؤدى، فساروا قدمًا أمام الأمة بصدق وإخلاص مقتدين بنهج رسولهم صلى الله عليه وسلم ومتبعين سنته أفضل اتباع
ومما يجدر ذكره أن السلاطين العثمانيين تربوا وترعرعوا منذ نعومة أظفارهم على حب الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي بسنته الطاهرة.. نقشوا اسمه صلى الله عليه وسلم على قلوبهم، وأمضوا معظم حياتهم على ظهور الخيول من أجل أن تبسط الرسالة المحمدية أجنحتها وتحلق في سماء البشرية، ولكي يشع نوره صلى الله عليه وسلم في العالم كافة. هذا الحب الذي جرى في أرواحهم وتغلغل في أعماقهم، حوّلهم إلى أناس يحترمون كل شيء يخص الرسول صلى الله عليه وسلم. ونتيجة لهذا الحب نشأ عندهم مظهر من مظاهر الجهاد الروحي، فسعوا جاهدين إلى فتح القلوب أولاً، ثم إلى فتح القلاع والأراضي؛ بغية أن ينثروا -كما أمرهم دينهم الحنيف- بذور القيم والمبادئ التي تنبثق منها الحضارة الإنسانية، وينبت منها منهج الحياة والأخلاق المبنية على الحب والتسامح والكرامة
احتل الرسول صلى الله عليه وسلم في أفئدة هؤلاء الناس الطيبين مكانًا رفيعًا خاصًّا، فأصبح اسمه صلى الله عليه وسلم يتردد على ألسنتهم في كل لحظة؛ في حياتهم اليومية، وأشعارهم المدحية، وأذكارهم الشخصية. كما أن هذه المدائح الشريفة التي نقشوها على صفحات التاريخ بأقلامهم النيرة ما زالت لسان عشاق الرسول صلى الله عليه وسلم وترجمان مشاعرهم حتى يومنا هذا. ونورد فيما يلي بعض الأمثلة الواقعية عن أولئك الأفذاذ، وعن حياتهم المثالية التي عاشوها

السلطان مراد الثاني
ظلال حزن، وسكون كئيب قد خيم على جنبات الغرفة.. رجال القصر ملتفون حول سرير السلطان وهو يرقد على فراش الموت.. الكل من حوله يترقب حركة شفتيه.. فتح السلطان مراد الثاني عينيه ليلمح وزيره، قال بصوت خافت
- اقرأ يا إسحاق، اقرأ وصيتنا! فبدأ إسحاق باشا يقرأ الوصية بصوت عالٍ
"بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. توكلت على الله رب العرش العظيم. كل نفس ذائقة الموت. فلا تغرنّكم الحياة الدنيا ولا يغرنّكم بالله الغَرور.. أما بعد؛ أوصيكم بأن توزعوا ثلث أملاكي في ولاية (صاروهان)، على أن يكون 3500 قطعة ذهبية منها إلى فقراء مكة المكرمة، و 3500 قطعة ذهبية إلى فقراء المدينة المنورة. ووزعوا 500 قطعة أخرى على الذين يكثرون من تلاوة القرآن الكريم من أهالي مكة المكرمة في حرم بيت الله ثم يرددون كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) 70 ألف مرة ويهدون ثوابها للموصي.
وأوصيكم أن توزعوا 2500 قطعة ذهبية من أملاكي هذه، على الذين يكثرون من تلاوة القرآن الكريم ثم يرددون كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) 70 ألف مرة في قبة الصخرة بساحة المسجد الأقصى
وإذا ما أمعنا النظر في هذه الوصية نرى بوضوح حب السلطان مراد الثاني لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن أراضي الحجاز (مكة المكرمة- المدينة المنورة) والقدس (المسجد الأقصى) في تلك الآونة لم تكن في حوزة الدولة العثمانية بعدُ. وما هذا إلا تعبير عن الحب الذي سكن بين ثناياه وأترع قلبه. فهو لحرمة الأقدام المباركة التي لمست تربة تلك الأراضي، ولحرمة أهالي تلك المنطقة، أبدى هذا السخاء وجاء بهذا العطاء

السلطان محمد الفاتح
العام 1453م... القائد فتًى في ريعان شبابه يقود جيشه في ملحمة فتح إسطنبول ونشر الإسلام.. وهو صاحب بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم.. نصب خباءه أمام أسوار إسطنبول ليفتحها بإذن ربه في فجر يوم الجمعة.. يخرج القائد العظيم في إحدى الليالي إلى شيخه "أقْ شمس الدين" ويبدي رغبته في العثور على قبر الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه الذي قام باستضافة الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته عقب الهجرة النبوية... وكان أبو أيوب الأنصاري قد خرج مع جيش المسلمين لفتح إسطنبول في عهد الأمويين، واستشهد تحت أسوارها.
فيخرج "أقْ شمس الدين" برفقة السلطان من الخيمة، ويصلا إلى ساحل القرن الذهبـي، وهناك يشير الشيخ إلى مكان قريب من الأسوار ويقول: "ها هنا القبر يا جلالة السلطان". فيأمر السلطان محمد الفاتح بإنشاء جامع وضريح في هذا المكان على الفور. وبعد الفتح يبنى الجامع والضريح.. نصل من هذه القصة إلى نتيجة أن السلاطين العثمانيين أبدوا حبًّا جمًّا ليس للرسول صلى الله عليه وسلم فحسب، بل لأصحابه الذين حملوا رائحته العطرة ورائحة بلدته الطاهرة أيضًا

السلطان بايزيد الثاني
ولقد ورّث السلطان محمد الفاتح هذه المحبة لابنه السلطان بايزيد الثاني أيضًا... يقوم السلطان بايزيد خان بزيارة صديقه الذي يحبه في الله "بابا يوسف" لتوديعه قبل ذهابه إلى الحج، يسلّمه كمية من الذهب ويقول: "هذا ما رزقني الله به من عرق جبيني. ولقد ادخرته من أجل صيانة قناديل الروضة المطهرة. عندما تقف في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم أريد منك أن تقول: يا رسول الله، خادمك الفقير (بايزيد) يُقرِئك السلام ويقول لك: إنه قد أرسل هذه القطع من الذهب لشراء زيت قناديل الروضة، فاقبلها منه

السلطان سليم الأول
وفي عهد السلطان سليم الأول نرى أن هذا الحب النبوي يكتسب بُعدًا آخر؛ حيث تنضم أراضي الحجاز في عهده إلى الدولة العثمانية ويتوحد العالم الإسلامي تحت راية واحدة
وسرعان ما يذيع صيت السلطان سليم في العالم الإسلامي، ويبدأ الخطباء في المساجد يقرءون الخطب باسمه مستخدمين لقب "حاكم الحرمين". إلا أن السلطان سليم لم يكن راضيًا عن هذا اللقب أبدًا
وفي يوم من الأيام وهو يصلي صلاة الجمعة في الجامع الكبير بحلب، يسمع هذه اللفظة من خطيب الجامع، فيهب مسرعًا ويقول: "لا لا، لستُ حاكمًا للحرمين، بل خادمًا لهما". فيعدّل الخطيب كلامه كما أشار به السلطان. وبعد الصلاة يقوم السلطان بتقديم قفطانه هدية إلى الخطيب، وشكرًا له. فبهذا يشهد له التاريخ مرة أخرى احترامه وحبه العميق تجاه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

والجدير بالذكر أنه كان من بين سلاطين آل عثمان مَن رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام. وبالأوامر والإشارات التي تلقّاها منه صلى الله عليه وسلم تمكّن من فتح بلاد عديدة بإذن الله سبحانه وتعالى. والدليل على ذلك رؤية السلطان سليمان القانوني، إذ رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: "إذا ما فتحت قلاع بلجراد ورودس وبغداد، فقم بإعمار مدينتي". فسرعان ما يأمر السلطان بإعمار أراضي الحرمين ووضع مشاريع الإسكان لها. حتى إنه ترك وصية يطلب فيها أن يُنشأ من ثروته الخاصة وقفٌ خيري يلبي حاجة المياه لحجاج بيت الله الحرام. وبعد وفاته قامت ابنته "مهرماه سلطان" بتحقيق وصيته وأمرت بجلب مياه عين زبيدة من عرفات إلى مكة المكرمة
وقد نرى هذا القائد العظيم الذي وقف العالم كله إجلالاً واحترامًا له، يتوجه في إسطنبول نحو القبلة ويناجي بلسان الحب رسول الله صلى الله عليه وسلم منشدًا
يا حبيب الله يا ضياء العالمين
ببابك العالي وقف العاشقون
فإن داء لساني بذكرك يشفى
فؤادي المكروب بـك يفرح
وقلبـي المجروح أنت ضماده
ولم تُنقِص الأيام من بحر عشقهم للرسول صلى الله عليه وسلم مثقال ذرة، بل تضاعف وتضاعف حتى تحول إلى محيط لا حد له ولا قرار

السلطان أحمد الأول
يصعد العرش في وقت حرج، حيث تسود الاضطرابات وتنتشر الفوضى في معظم الأراضي العثمانية. إلا أن هذا السلطان الشاب المهموم كان مفعمًا بالروح المعنوية العالية. فراح يبحث عن الدواء في عصره الذي يعيش فيه، ولكن دون جدوى، فيقرر في نهاية المطاف أن يرجع إلى الماضي، ويبحث عن غرضه هناك.. فيخرج في إحدى الليالي خفيةً إلى جناح الأمانات المقدسة بقصر طوب قابي... يمسك نعل الرسول صلى الله عليه وسلم ويضمه إلى صدره، ثم يقول بحرقة قلب
ليتني أحمـل نعـلك الشـريف دائمًا على رأسي كالتاج
يا صاحب النعل الكـريم.. يا وردة حديقة الأنبيـاء
ليتني أمسح وجهي دائمًا على أثر قدمك يا وردة الورود
ومنذ ذلك الوقت أخذ السلطان أحمد الأول يحمل صورة لأثر القدم النبوي الشريف داخل قفطانه. ونراه في موضع آخر، يحترق بلهيب العشق النبوي هذا ويقول
فما عـاد الفؤاد يتحمل فراقك
وما عاد اللسان يتحرك بسواك
غــدا حبــي عشـقًا
فأبكاني أنا الفقير، حتى نفدت دموع قلبـي
وما بقيت فيه دمعة، كمثل يعقوب عليه السلام

السلطان عبد العزيز
وكان السلطان عبد العزيز أيضًا من عشاق النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ففي إحدى الأيام وصلت رسالة إلى القصر من المدينة المنورة، وكان السلطان في تلك اللحظة مصابًا بمرض شديد أقعده في الفراش. فتردد رجال الدولة بادئ الأمر في تقديم الرسالة إلى السلطان عبد العزيز بسبب مرضه هذا، ولكنهم كانوا يعرفون في الوقت نفسه، مدى حساسيته تجاه المدينة المنورة وحبه لها، فاضطروا إلى تقديمها له في نهاية الأمر
وعندما اقترب الوزير منه وأخبره أن رسالة وصلت من المدينة المنورة، لمعت عينا السلطان وطلب من الوزير ألا يبدأ بالقراءة حتى يأمره بذلك، ثم قال لمن حوله: "ارفعوني.. فلا يمكن أن أسمع رسالة وصلت من الأراضي المقدسة وأنا نائم". واستمع إلى ما في الرسالة واقفًا على رجليه رغم وطأة المرض. ومما يجدر ذكره هنا، أن السلطان عبد العزيز كان لا يتناول أي ملف أو أوراق قادمة من المدينة المنورة دون أن يجدد الوضوء؛ لأن هذه الأوراق بالنسبة له تحمل غبار بلدة الرسول صلى الله عليه وسلم ورائحته العطرة. لذا كان يقبلها أولاً، ثم يضعها على جبينه، ثم يشمها بحرارة ثم يفتحها ليقرأها

السلطان عبد الحميد الثاني
تولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة في وقت كانت فيه الدولة العثمانية في منتهى السوء والاضطراب، سواء في الأوضاع الداخلية أو الخارجية.. وفي وسط هذه التيارات والأمواج المتلاطمة تقلد السلطان عبد الحميد الحكم، وبدأ في العمل بكل ما أوتي من قوة ليوحد المسلمين من جديد تحت راية الإسلام. فقام في عهده بتنفيذ مشاريع مهمة غاية الأهمية، منها إنشاء خط حديد الحجاز الذي امتد من إسطنبول إلى المدينة المنورة. وكانت الغاية العظيمة في ذلك، الدفاع عن الأراضي المقدسة من هجمات العدو، ثم تأمين راحة الحجاج خلال رحلتهم إلى الحرمين الشريفين.
ومما نريد لفت الأنظار إليه في هذا الصدد أنه قد جرى إنشاء الخط الواقع بين مدائن صالح والمدينة المنورة كله بأيدي المهندسين والعمال المسلمين فقط؛ لأن هذا الجزء كان داخل حدود منطقة الحرم. وعندما وصل الخط إلى المدينة المنورة في 31 أغسطس من عام 1908م، أمر السلطان عبد الحميد الثاني بأن يُمَدَّ اللباد على الخط في آخر ثلاثين كيلومترًا منه. كما أن مقطورة القطار كانت عند وصولها إلى المدينة المنورة تخفض من سرعتها وتقترب من رصيف المحطة ببطء؛ حتى لا تزعج الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم ينـزل الركاب من القطار ماشين على أطراف أقدامهم بتأدب واحترام... أما اللباد الممدود على سكة الحديد فيتم غسله بماء الورد خلال كل يوم في ساعات معينة؛ وذلك احترامًا لتلك الأراضي المباركة وتقديسًا لها

لقد حمل سلاطين بني عثمان من أوَّلهم إلى آخرهم، مشاعر عذبة وحبًّا فياضًا ولهفة شديدة إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وإلى القرب منه. ولعل أهم ميراث تركوه لنا هو هذا الحب النقي الصافي

*كاتب وباحث تركي
المصدر: مجلة حراء

عن موقع قصة الإسلام
 
التعديل الأخير:
أفنان الخطيب

رمز الدولة العثمانية فوق بوابة مدخل المستشفى الحكومي العثماني في ضاحية بدر في القدس ، حالياً هي دائرة صحية


EH3Z7CWWwAA79OQ
 
التعديل الأخير:
مناور سليمان

تصميم هندسي بخط المعمار سنان أعظم مهندسي الدولة العثمانية لكوبري موستار في البوسنة، وهو الأعجوبة الهندسية المتبقية منذ 500 سنة عاش في القرن العاشر الهجري . تم تدمير الجسر عمدا في الحرب وأعيد بناؤه حسب التصميم القديم سنة 2003 وافتتح سنة 2005
يقول هـ.كلوك أستاذ تاريخ العمارة في جامعة فيينا: إن سنان يتفوق فنيا علي مايكل أنجلو صاحب أكبر اسم فني في الحضارة الأوروبية

EIS51DrXsAEFdPl



 
التعديل الأخير:
Salim The Osmanli

EIeKbgSWkAA8nUV

الدولة العثمانية في عهد السلطان محمد الفاتح رحمه الله سنة 1480م

EIeKbhSW4AAFvol

الدولة العثمانية في عهد حفيده السلطان سليم الاول رحمه الله سنة 1520
 
التعديل الأخير:
محمد بن عضوان الأحمري

صورة تاريخية التقطت عام 1332 هجرية لتدشين "دار العلوم" بالمدينة المنورة ..وتمثل أعلى مرحلة تعليمية في الخلافة العثمانية (أعلى درجة جامعية) وقد بني في موضعها لاحقا ثانوية طيبة في المدينة المنورة


EIZYq8VWkAAyY0D
 
التعديل الأخير:
خدمات الدولة العثمانية للإسلام والعروبة

إسماعيل أحمد ياغي



لا ريب أن الدولة العثمانية قد قامت بدَوْر هامٍّ وبارزٍ في نشر الإسلام في أوربا، رغم ما تعرضتْ له من تكتلات صليبية حاقدة ضد الإسلام والمسلمين، وتبادلت الدولة مع أعدائها الهزائم والانتصارات، إلا أنها قدمت خدمات جليلة للمسلمين والعرب، وقامت بحماية الشرق العربي والإسلامي من الغزو الاستعماري لمدة ثلاثة قرون.

ولعل من أهم ما قامت به في هذا المجال
أولاً: حماية الأماكن المقدسة الإسلامية من مخططات الصليبية البرتغالية
أعظمَ خدمة أسدتها الدولة العثمانية للإسلام، أنها وقفت في وجه الزحف الصليبيّ الاستعماريّ البرتغاليّ للبحر الأحمر، والأماكن المقدسة الإسلامية، في أوائل القرن السادسَ عَشَرَ الميلادي، فعلى الرغم من أن الدولة أخفقت في طرد الاستعمار البرتغالي من مراكزه في المحيط الهندي ومنطقة الخليج العربي، إلا أنها نجحت في منع تغلغله إلى الحجاز، حيث كان البرتغاليون يعتزمون تنفيذ مخطط صليبي فظٍّ في قسوته ووحشيته، وهو دخول البحر الأحمر واجتياح إقليم الحجاز باحتلال ميناء جدة، ثم الزحف على مكة المكرمة، واقتحام المسجد الحرام، وهدم الكعبة المشرَّفة، ثم موالاة الزحف منها على المدينة المنورة؛ لنَبْش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم استئناف الزحف على تبوك، ومنها إلى بيت المقدس، والاستيلاء على المسجد الأقصى؛ وبذلك تقع هذه المساجد الثلاثة في أيدي البرتغاليين [1]، وكان الأسطول البرتغاليّ قد نجح في دخول البحر الأحمر، وقام بمحاولتين لاحتلال ميناء جدة، كانت الأولى في عام (923هـ / 1517م)، والثانية في عام (926هـ / 1520م)؛ ولكنه أخفق في محاولتيه؛ فأرسل البرتغاليون حملة كبرى إلى ميناء السويس باعتباره قاعدةَ الأسطول العثماني في البحر الأحمر، واستهدفوا تدميره هذه القاعدة، ولما بلغوا الطُّور علموا أن الأسطول العثماني يقف في حالة تأهب، وارتدوا على أعقابهم دون أن يلتحموا به [2]

وقررتِ الدولة اتخاذ اليمن قاعدةً حربية للدفاع عن البحر الأحمر، ومنع السفن البرتغالية من دخوله، ثم عمَّمت هذا المنْع على جميع السفن المسيحيَّة، بحيث كان على هذه السفن أن تفرغ شحناتها في ميناء "المخا" في اليمن، وتعود أَدْرَاجَهَا إلى المحيط الهندي، وكانت حجة الدولة العثمانية في هذا المنع هي أن الأماكن الإسلامية المقدسة في الحجاز تُطِلُّ على مياه البحر الأحمر، ويجب ألا تُدَنِّسَ مياهه بوجود سفن مسيحية تَمْخُر عَباب هذا البحر، وقد ظل هذا الحظر معمولاً به حتى القرن الثامن عشر [3]

وجدير بالذِّكر أن المشروع البرتغالي الصليبي لم يكن الأوَّلَ من نَوْعه، فقد حدث في أثناء الحروب الصليبية في الشرق العربي أن تجرأ أحد أمراء الصليبيين واسمه أرناط، وكان صاحب حصن الكرك، وقام بمشروع خطير سنة (578 هـ، 1182م) لغزو الحرمين الشريفين، فبنى عدة سفن حملت أجزاؤها مفكَّكَةً على ظهور الجمال، حتى "إيله" (العقبة) على خليج العقبة، وأعيد تركيبها، ثم قامت بهجوم على ساحل الحَوْراء قرب ينبع، وأغار الصليبيون على القوافل وأصبحوا على مسيرة يوم واحد من المدينة المنورة، واعتزموا الزحف عليها، ونَبْش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وإخراج جسده الطاهر ونقله إلى بلادهم، غير أن العالم الإسلامي في الشرق وقتذاك كانت تجمعه وَحْدَةٌ سياسية قويَّة على رأسها صلاح الدين الأيوبي، ووجب على مصر حماية الأماكن المقدسة في الحجاز، فما كادت تصل إليه -وهو في الشام- هذه الأخبار، حتى عهد إلى نائبة في مصر العادل سيف الدين بتجهيز قائد الأسطول الأمير حسام الدين لؤلؤ، وتعقب هؤلاء الصليبين في الحجاز، وعمل على إبادتهم أو أَسْرِهم، وأصرَّ صلاح الدين بقتل الأسرى؛ ليكونوا عبرة لكل من يتجرأ على الاعتداء على حَرَم الله وحَرَم رسوله [4

ثانيًا: الدولة العثمانية تحافظ على إسلام وعروبة شمالي إفريقيا
من الخدمات الجليلة التي قدمتها الدولة العثمانية للإسلام والعروبة أنها حافظت على إسلام وعروبة سكان شمالي إفريقيا من أخطار الغزو الصليبي الاستعماري الأوروبيّ، الذي حملت لواءه البرتغال وإسبانيا، والمنظمة الصليبية المعروفة باسم فرسان القديس يوحنا، والتي اتخذت من جزيرة مالطة مستقرًّا ومقامًا، وكان من أهداف هذا الغزو أيضًا إنشاء ممالكَ مسيحيةٍ تتناثر على الساحل الشمالي لإفريقيا كمرحلة ثالثة، وبذلك يغدو البحر المتوسط في المدى البعيد بُحيرة مسيحية أوروبية، ويعقب ذلك تغلغل صليبي أوروبي جنوبًا في داخل القارة الإفريقية، ولكن تصدت الدولة العثمانية لهذه المشروعات الصليبية الاستعمارية، فأصبحت أحلامًا، وغدت هباءً منبثًّا.

بسطت الدولة العثمانية سيادتها على ثلاثة أقاليمَ في شمالي إفريقيا في القرن السادس عشر، وكانت حَسَبَ ترتيب دخولها تحت السيادة العثمانية، الجزائر وطرابلس وتونس، ولم تمد الدولة نفوذها إلى مراكشَ لرفض الأسرة السعْدِيَّة التي تنتمي إلى سلالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدخول في تَبَعِيَّة الحكم العثماني.

وكان سكان تلك الأقاليم، وبخاصة الجزائر وطرابلس، قد استنجدوا بالدولة العثمانية على أساس أنها أكبر وأقوى دولة إسلامية اكتسحت دُولاً أوروبية عديدة، وفتحت مصرَ والشرق العربي الآسيوي، وطالبَ سكان شمال إفريقيا بإنقاذهم من الزحف الصليبي الاستعماري، الذي كان خطره يتفاقم يومًا بعد يوم، واستجابت الدولة لاستغاثاتهم.

ولذلك لم يكن دخول العثمانيين إلى شمالي إفريقيا نتيجةَ معاركَ حربيةٍ خاضتها القوات المسلحة العثمانية ضد أهالي البلاد، أو تدخُّل مباشر من حكومة إستانبول، على غرار ما حدث في الشام أو مصرَ أو العراق؛ ولكنهم فتحوها مُنْقذين للسكان من أخطار القضاء على دينهم، وطَمْس عروبتهم، وتحويل بلادهم إلى جزء من العالم المسيحي.

أما تونس فكان الوضع فيها يختلف، حيث اشتد الصراع عليها بين الدولة العثمانية والإمبراطورية المقدسة، وتبادلت الدولتان الهزيمة والانتصار أكثر من مرة، حتى عادت تونس للحكم العثماني عام (982 هـ / 1574 م) واستقر الحكم العثماني فيها، وتأسست النيابة الثالثة والأخيرة في شمالي إفريقيا [5].

ثالثًا: الدولة العثمانية وإيجاد وحدة طبيعية بين الولايات العربية
أوجدت الدولة العثمانية وحدة بين الولايات العربية التي دخلت تحت سيادتها، فاحتفظت هذه الولايات بمقوماتها الأساسية:
• الدين الإسلامي.
• واللغة العربية.
• والثقافة العربية الإسلامية.
• والتقاليد والعادات الموروثة عبر العصور.

وكان سكانها تجمعهم دولة إسلامية واحدة، هي الدولة العثمانية، وتضمهم رعوية واحدة بصفتهم رعايا عثمانيين، ويشتركون في تبعيتهم لحاكم واحد، هو السلطان العثماني، ولم تلجأ الدولة العثمانية إلى إقامة حدود مغلقة بين الولايات العربية، أو حواجزَ مصطنعةٍ بين سكانها، فكانت حرية الانتقال والسفر أمامهم مكفولةً ومحترمةً في جميع الأوقات، وكانت فرص العمل متاحةً لهم في كل الأوقات، وكان في مقدور العربي في دمشق مثلاً أن ينتقل إلى بغداد، أو مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، أو القاهرة، أو القيروان أو غيرها من مدن الولايات العربية، ويعيش فيها ويمارس ألوانًا من النشاط الاقتصادي أو الثقافي، دون أن يحصل على إذن بالخروج أو الإقامة، وكانت هذه هي أوَّلَ وَحْدَةٍ تتحقق للعالم العربي إبان الحكم العثماني، بعد تفتُّت وَحْدَتُهُ بسقوط الدولة العباسية في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي عقب غزو المغول، وتخريب مدينة بغداد، وانسياحهم في وادي الرافدين، ثم شمالي بلاد الشام إلى جنوب فِلَسطين؛ ولذلك يرى عدد من المؤرخين والباحثين أن الوَحْدَة التي تمت على أيدي العثمانين تعتبر نقطةَ البداية في تاريخ العرب الحديث [6].

وفضلاً عن تلك التَّبَعِيَّة السياسية، كانت وشيجةُ الدين تربط سكان الولايات العربية بالسلطان العثماني، باستثناء أهل الذمة، وكانوا قلة عددية يعيشون على هامش المجتمعات الإسلامية في الولايات العربية [7].

وكانت وشيجة الدين من أقوى الوشائج التي ربطت الجماهير العربية بالدولة العثمانية، فأخلصوا لها واشتركوا في حروبها ضد التكتلات الصليبية التي واجهتها، وكان يزداد ولاؤهم لها، والتصاقهم بها إذا تعرضت الدولة لهزيمة عسكرية من دولة أوروبية، وكان الدين يعمل في تلك العصور في تقرير الأوضاع السياسية، والحربية لشعوب الولايات العربية [8].

ولعل خير مثال للترابط الديني بين سكان الولايات العربية إبَّان الحكم العثماني، ما حدث في مصر عندما نزلت الحملة الفرنسية أرض مصر عام (1213هـ / 1798م) بقيادة نابليون بونابرت، وكانت هذه الحملة هي أوَّلَ غزو عسكري مسيحي أوروبي لولاية عربية من ولايات الدولة العثمانية في الشرق الإسلامي في التاريخ الحديث، وقد أعلن السلطان سليم الثالث (1204 – 1224 هـ/ 1789 – 1807 م) الجهاد الديني ضد الفرنسيين، واستجاب لدعوة الجهاد الدينيّ عربُ الحجاز والشام وشمالي إفريقيا، وقد صمموا على الظفر بإحدى الحُسْنَيَيْنِ، الاستشهادِ أوِ الانتصارِ، واتخذوا شعارًا لهم الآية الكريمة: { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[9].

وهكذا فإن سكان الولايات العربية لم ينظروا إلى السلطان العثماني على أنه سلطان المسلمين فَحَسْبُ؛ بل نظروا إليه أيضًا على أنه خليفة المسلمين، يستظلون بظل خِلافته، وكانت السمةُ البارزة في تاريخ الولايات العربية وقتذاك أنها كانت مجتمعاتٍ دينيةً إسلاميةً، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، ولم ينظر العرب للدولة العثمانية على أنها دولة أجنبية، ولم ينظروا إلى الحكم العثماني على أنه استعمار، وظلت هذه الفكرة السياسية الدينية مسيطرةً على أذهان الغالبية العظمى من الشعب العربي إلى أوائل القرن العشرين، ولم تتدخل الدولة في شؤون الحكم إلا في نطاق ضئيل، وبقدر يسير، فاعتبرت نفسها مسؤولة عن حماية الولايات العربية، وتوفير الأمن فيها، وإقامة الشعائر الدينية، والحفاظ على مبادئ الشريعة الإسلامية، وتنظيم وحماية قوافل الحج إلى إقليم الحجاز، والإشراف على القضاء، وجمع الضرائب بواسطة شيوخ الطوائف على هذه المجالات في الولايات العربية، وتركت سكانها يعيشون على النحو الذي كانوا يألفون [10].

إن الوَحْدَةَ التي قامت بين الولايات العربية إبَّان الحكم العثماني، تبدو أكثر إشراقًا، إذا قورنت بالتفتيت السياسي الذي اصطنعته الدول الأوروبية الاستعمارية عقب استيلائها على معظم هذه البلاد، تحت اسم الاحتلال أو الانتداب أو الحماية من قبل عُصبة الأُمم، أو مناطق النفوذ [11].
وهكذا عملت بريطانيا على تفرقة وتجزئة الشعب العربي في الشرق العربي الآسيوي، ففصلت بريطانيا شرقي الأردن عن فلسطين، وفصلت شرقيَّ الأردن وفلسطين عن سوريا، وفرقت بين سوريا والعراق. ونهجت فرنسا نَهْج بريطانيا في تفتيت سوريا ولبنان.
أما مصر وشمالي إفريقيا، فقد أبقى الاستعمار على التفتيت السياسي الذي كان قائمًا بينها قبل الحرب العالمية الأولى تحت الاستعمار البريطاني والإيطالي والفرنسي والإسباني، وظهرت الخلافات والأطماع الشخصية بين رؤساء وقادة العرب؛ مما عرقل سيرة الاستقلال والوحدة العربية [12].

رابعًا: إبعاد الزحف الاستعماري عن الوطن العربي
ظلت الولايات العربية زهاء فترة تراوحت بين ثلاثة وأربعة قرون، من القرن السادس عشر إلى أوائل القرن العشرين، بمنأى عن الزحف الأوروبي الاستعماري عليها ما بقيت الدولة العثمانية قويةً، مَهِيبَةَ الجانب، فلما دخلت الدولة في دور الاضمحلال، وتبين للدول الأوروبية أن الدولة العثمانية عاجزة عن التصدي للدول الاستعمارية؛ تعرض العالم العربي للغزو الأوروبي النصرانيّ الاستعماريّ، كما تعرضت أقاليمُ أخرى، إسلاميةٌ وغير إسلامية، في قارات آسيا وإفريقيا وأستراليا.

وكانت فرنسا من أسبق الدول الأوربية في الزحف والسيطرة على الأقاليم العربية، فنجحت في احتلال نيابة الجزائر عام (1246 هـ / 1830م)، ولا شك أن من أهم العوامل التي شجعت فرنسا على احتلال الجزائر أن الدولة العثمانية كانت قد فقدت أسطولها في معركة نفارين البحرية (20 أكتوبر 1827 / 1243هـ)، ولما كان اقتطاع فرنسا للجزائر بصفة الأخيرة إقليمًا إسلاميًّا عربيًّا من أقاليم الدولة العثمانية ـ: سابقةً خطيرة، قد تحتذيها دولة استعمارية أخرى تجاه الوطن العربي، لم تستسلم الدولة العثمانية لانتزاع الجزائر منها [13].

حاولت الدولة العثمانية بالطرق الدبلوماسية استرداد الجزائر، وبذلت مساعيَ مكثفةً لدى بريطانيا والنمسا وروسيا، ولدى فرنسا أيضًا، تؤكد حقها في بقاء هذا الإقليم في إطار الدولة، تأسيسًا على أن السيادة العثمانية عليه معترَفٌ بها من المجموعة الدولية، وأن الجزائريين هم رعايا السلطان، ولم تجد الدولة العثمانية تأييدًا من بريطانيا؛ لوقوع أحداث هامة في أوروبا شغلت بريطانيا عن كل شيء.

وهكذا فشلت الدولة العثمانية في اتصالاتها مع الدول الأوروبية، وحاولت استخدام القوة لاسترداد الجزائر، إلا أنها عَدَلَتْ عن ذلك بسبب عدم تمكنها من شن حرب على فرنسا؛ لضعف الأسطول العثماني، والجيش العثماني كذلك.

وأدى ذلك إلى قيام حرب باردة بين الجزائر والدولة العثمانية، ونجحت الدولة العثمانية في إنهاء حكم القرمانليين في طرابلس عام (1251 هـ / 1835 م)، وإعادة هذه النيابة إلى الحكم العثماني، واستغلت الدولة هذا الوضع الجديد، فتظاهرت بإرسال قوات برية من الأناضول إلى طرابلس، ومنها إلى الجزائر عبر تونس، ولكن فرنسا هددت الدولة العثمانية بإرسال أسطولها، وخشي الأسطول العثماني من الاحتكاك بالأسطول الفرنسي، فغادر طرابلس إلى مالطة، ثم إلى إستانبول، وبذلك قنعت الدولة العثمانية بهذه الحرب الباردة، والتي انتهت عند هذا الحد [14].

وبعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام (1246 هـ /1830م) توقف الزحف الأوروبي الاستعماري على الولايات العربية مدة ناهزت الخمسين عامًا؛ بسبب اشتداد حدة التنافس بين الدول الأوروبية على تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية، وتوزيعها أسلابًا فيما بينها، وما صحب هذا التنافس من حروب ومؤتمرات ومعاهدات، ازدحم بها تاريخ الدولة العثمانية في القرن التاسعَ عَشَرَ ومطلعِ القرن العشرين، وانتهجت هذه الدولة سياسة التعويض، وسياسة المصالحة على حساب الدولة العثمانية في مؤتمر برلين عام (1295 هـ / 1878 م)، وبسطت فرنسا حمايتها على تونس عام (1299هـ / 1881م)، واحتلت بريطانيا مصر عام (1300 هـ / 1882 م)، وكان قد سَبَقَ فَرْضَ الحماية والاحتلال على هذين البلدين العربيين الإسلاميين، انتهاجُ سياسة التغلغل السِّلْمِيّ، عن طريق تقديم قروض أوروبية ضخمة، بحيث عجزتا عن سداد القروض وفوائدها؛ مما أدى إلى التدخل في الشؤون المالية، وبعد ذلك في الشؤون السياسية، وانتهت بالغزو العسكري [15].

واشتركت بريطانيا مع مصر في حملة مشتركة عام (1314 هـ / 1896م)، لاسترداد السودان، واتخذت من هذا الاشتراك ذريعة لإقامة حكم ثنائي بريطاني مصري في السودان عام (1317 هـ/ 1899م)، وكان هذا الحكم الثنائي في لحمته وسداه فصلاً فعليًّا بين شطري الوادي، واستئثارًا من بريطانيا بالانفراد في حكم السودان [16]، وما لبثت بريطانيا أن عصفت بالمظهر الشكلي لهذا الحكم الثنائي. ثم احتلت إيطاليا طرابلس وبَرْقَةَ في عام (1330هـ/ 1911م).

وفي مطلع الحرب العالمية الأولى احتلت القوات البريطانية البصرة في العراق، واستمرت القوات البريطانية تواصل زحفها في العراق وقتالها، حتى تمكنت من احتلال العراق احتلالاً كاملاً عام (1337 هـ / 1918م).

وبانتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، تقاسمت الدول الغربية ما تبقى من أقاليم عربية بموجب قرارات مؤتمر الصلح (1338 هـ / 1919م)، ومؤتمر سان ريمو (1339 هـ / 1920)؛ فسيطرت بريطانيا على العراق وفلسطين وشرق الأردن، كما سيطرت فرنسا على سوريا ولبنان في شكل انتداب، وغدت هذه الأقاليمُ تحت الحكم الأجنبي بقرارات تصدر من لندن وباريس وروما [17].

خامسًا: الدولة تضفي الهدوء والاستقرار على الولايات العربية
أضفت الدولة العثمانية على ولاياتها العربية نوعًا من الهدوء والاستقرار السياسي، وكانت بلاد الشام والعراق تعانيان الكثير من المتاعب، والفوضى، والتخريب من آثار غزوات المغول المدمرة، والتي نجحت مصر في صدها عندما أوقعت بالمغول هزيمة حاسمة في معركة "عين جالوت"، شتتت شملهم، وأنقذت أقاليم الشرق والمغرب العربي من شرورهم.
خضع السكان في الولايات العربية للحكم العثماني، وقد كان العثمانيون مسلمين مثلَهم، ويعتنقون مذهب السُّنة مثلهم، ويحرصون على تطبيق مبادئ الشرعية الإسلامية، ويحافظون على الشعائر الدينية؛ مثل الاحتفال برؤية الهلال لشهر رمضان وغيرها، ولم تضيق السلطات العثمانية عليهم، كما أنها لم تتدخل في شؤونهم إلا في نطاق محدود؛ مثل جَمْع الضرائب، والإشراف على القضاء، وتوفير الأمن، وتركت للشعب العربي شؤون التعليم، والصحة، والمواصلات، والتي تعتبر في الوقت الحاضر من صميم واجبات الحكومات، وعلى العموم، فقد تركت السلطات العثمانية الجماهير العربية تحيا على النحو الذي أَلِفَتْهُ من قبل، دون تغيير جوهري مسَّ حياتهم.

ومع ذلك تعرضت بعض الولايات العربية لهزات سياسية وسط الهدوء الذي كانت تعيش في ظلاله الوارفة، وكان يجتاح الولايات العربية من وقت إلى آخر نوعان من الاضطرابات:
أولاهما: انتفاضات شعبية، وكان يقوم بها سكان حي أو مدينة ضد الحكام المحليين؛ احتجاجًا على ظلم حكامهم، ورفع شكواهم للسلطان العثماني.
وثانيهما: حركات سياسية وعسكرية، يقوم بها أفراد طَمُوحون؛ مثل حركة علي بك الكبير، وحركة ظاهر العمر، والتي لم تلقَ استجابة واستحسانًا من الجماهير [18].

سادسًا: الدولة تمنع انتشار المذهب الشيعي إلى ولايتها العربية
من المعروف أن المذهب الرسمي للدولة العثمانية كان المذهب السُّني، واعتبرت الدولة العثمانية نفسها حامية لهذا المذهب، وتأسيسًا على هذه الحقيقة فإنها منعت انتشار المذهب الشيعيّ إلى ولاياتها العربية في آسيا وإفريقيا باستثناء العراق، الذي كانت الدولة الصفوية قد نشرت المذهب الشيعيّ فيه قبل الدولة العثمانية، بحيث أصبح أهل السُّنة وأهل الشيعة قوتين متوازيتينِ تقريبًا من حيث تَعْدَادُهم، وقد أبقت الدولة العثمانية على هذا الوضع، وذهبت إلى أبعدَ من ذلك فاحترمت مشاعر أهل الشيعة، واهتمت بتعمير مناطق العتبات المقدسة في النجف وكربلاء في العراق، ويسَّرت زيارتها أمام شيعة العراق وفارس والهند وأفغانستان، ولذلك فإن أهل السنة ينظرون إلى الدولة العثمانية على أنها قدمت خدمة جليلة بحصر المذهب الشيعيّ في فارس، بحيث لم تسمح بتَسَرُّبه إلى الأقاليم العربية التي دخلت تحت السيادة العثمانية، ولا تزال إيران هي المعقل الأول للشيعة في العالم الإسلامي [19].

سابعًا: الدولة العثمانية تمنع اليهود من استيطان سيناء
لما فتح السلطان سليم الأول مصر عام (923 هـ / 1517م) أصدر فرمانًا بمنع اليهود من الهجرة إلى سيناء، وواضحٌ من صدور هذا المرسوم بأن اليهود كانوا يريدون الهجرة إلى هذا الإقليم المصري واستيطانه، على أساس أنه يضم الوادي المقدس طُوى، الذي كلم الله سبحانه وتعالى فيه موسى عليه السلام تكليمًا، ومن ثَمَّ أصدر السلطان سليم الأول الفَرَمانَ الذي سدَّ الطريق في وجوه اليهود، ولما تولي ابنه سليمان المشرع (القانوني) عرش الدولة عام (926 هـ / 1520م) أصدر فَرَمانًا لاحقًا، أكد فيه ما جاء في الفرمان السابق، مما يدل على أن الخطر اليهودي كان لا يزال ماثلاً من حيث رغبتُهم في استيطان سيناء، واستعمارهم لها، الأمر الذي كان يقلق الدولة العثمانية، واستطال حكم سليمان القانوني زهاء ستة وأربعين عامًا (927 – 974 هـ / 1520 – 1566م)، ولم يجرؤِ اليهود على تنفيذ ما كانوا يبيِّتون.

فلما جاز إلى ربه جاء بعده ابنه السلطان سليم الثاني، وكان منحرفًا خُلُقيًّا (933 – 982 / 1526 – 1574)، ومنذ حُكْمه بدأت النُّذُر الأولى لاضمحلال الدولة، وخَلَفَهُ سلاطينُ على شاكلته، وكان أولهم مراد الثالث (982 – 1005 هـ /1574 – 1596)، وتنفس اليهود الصعداء، وأدركوا أن الفرصة سانحة لهم لتحقيق حُلْمٍ راودهم طويلاً، فنَزَحوا في هجرات متقطعة على فترات متقاربة إلى سيناء لاستيطانها، وتركزت إقامتهم في مدينة الطور؛ ليسهل على اليهود إيجاد اتصالات خارجية عن طريق ميناء المدينة، بحيث يتمكن اليهود من الهجرة والقدوم إلى سيناء من بلدان مجاورة [20].

وقد تزعم حركة التهجير رجل يهودي يدعى إبراهام، استوطن الطور مع أفراد أسرته وأولاده، وكان من المحتمل أن تمر سنوات دون أن تدري بهم السلطات العثمانية، لولا أنهم تعرضوا بالأذى لرهبان دير سانت كاترين؛ مما حمل الأخيرين على إرسال شكاوى مكتوبة، كلها تؤكد على عدم أحقية اليهود للسكن في هذه المنطقة، وإيذاء رهبان الدير بأي حال من الأحوال، وصدرت أوامر الدولة العثمانية بطرد اليهود من دير سانت كاترين، ومنعهم من العودة إليه مستقبلاً، وهذا يدل على حرص الدولة العثمانية على منع اليهود من استيطان سيناء، وإشعارهم بقوة الدولة العثمانية ويَقَظَتِها لأهدافهم [21].

وعندما احتلت بريطانيا مصر عام (1300 هـ / 1882م)، عاود اليهود مطالبهم في سيناء، بعد أن رفض السلطان عبد الحميد الثاني فتح أبواب الهجرة أمامهم إلى فلسطين، وكان تيودور هرتزل زعيم المنظمة الصهيونية العالمية قد أطلق على سيناء اسمًا مُعَبِّرًا هو فلسطين المصرية؛ ليتخذ منها في المستقبل نقطة وثوب إلى فلسطين الآسيوية (فلسطين الحالية)، ولذلك دخل هرتزل في مفاوضات عام (1316 هـ / 1898م) مع بعض أعضاء الوزارة البريطانية، وبخاصة جوزيف تشمبرلين وزير المستعمرات، ولورد لانزدون وزير الخارجية، من أجل توطين اليهود في سيناء على أساس إقامة دولة يهودية فيها، تتمتع بالحكم الذاتي في نطاق الإمبراطورية البريطانية، ووافق الوزيران على الاقتراح؛ لأنه يحقق لبريطانيا أهدافًا استراتيجية؛ منها: ضمان حماية شرقي قناة السويس، وعزل مصر عن الولايات العربية في غربي آسيا، وإضعاف الدولة العثمانية، وإقامة دولة موالية لبريطانيا؛ غير أن هذا المشروع بعد بحثه فشل بسبب معارضة السلطان عبد الحميد الثاني له أولاً، وبسبب معارضة اللورد كرومر حاكم مصر، ومعتمَد بريطانيًا لدى مصر، وتوقف بحث مشروع استيطان اليهود في سيناء [22].

ثامنًا: الدولة تحد من هجرة اليهود إلى فلسطين
تطلَّع اليهود على مر العصور التاريخية إلى فلسطين؛ كإقليم يجمع شتاتهم، ويُنشئون فيه دولة، متذرِّعِين بادعاءات دينية وتاريخية؛ فقد أسس اليهود الحركة الصهيونية، ونجحت في استقطاب الدول الكبرى وتأييدها، وكان على الدولة العثمانية أن تخوض -دفاعًا عن فلسطين- صراعًا سياسيًّا مريرًا ضد القوى الصهيونية، والدول الأوروبية المناصرة، ونجح الصهاينة في توقيت حركتهم ونجاحها نجاحًا باهرًا، فاختاروا فترة عصيبة من فترات الاضمحلال التي كانت تمر بها الدولة العثمانية، ولكن الدولة العثمانية عملت في حدود إمكانياتها على الحدِّ من الهجرة إلى فلسطين، وقاومت بذلك الحركة الصهيونية، وقد رفض السلطان عبد الحميد الإغراءات الصهيونية التي عرضها عليها هرتزل، رغم الضائقة المالية التي تمر بها الدولة العثمانية، وبذلك حافظ على عروبة وإسلامية فلسطين [23].

عن موقع قصة الإسلام
المصدر: إسماعيل أحمد ياغي: الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث، الناشر: مكتبة العبيكان 1995م، ص 235- 249.

الهوامش:
[1] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، جـ 2 ، القاهرة 1980، ص 862.
[2] نفس المرجع، ص 862 – 863.
[3] نفس المرجع، ص 862 – 863.
[4] عبد العزيز الشناوي: "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، جـ 2 ، ص 863.
[5] د . محمد أنيس، "الدولة العثمانية والشرق العربي"، القاهرة 1977، ص 45 – 46.
[6] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية ..." مرجع سبق ذكره، جـ 2، ص 936.
[7] يرى الدكتور أنيس الصايغ أن العلاقات بين الأكثرية المسلمة السُّنية في الولايات العربية، والأقليات المذهبية والعنصرية فيها قد خلقتْ مشكلة شائكة ومزمنة بشكل عام، وقد أسهمت بريطانيا وفرنسا في توسيع شُقَّة الخلاف بين الأكثرية والأقلية، وشجعت الأقلية على عدم الاختلاط والاندماج، ونتج عن ذلك انكماش من الأقليات، وانقلابها على نفسها، مما عزلها عن الأكثرية. أنيس الصايغ، "الهاشميون وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 95.
[8] المرجع السابق.
[9] [التوبة: 41].
[10] عبد العزيز الشناوي، "الوحدة العربية في التاريخ الحديث والمعاصر"، القاهرة 1975، ص 8 وانظر كذلك: الجبرتي "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، القاهرة 1980، ج3، ص 88 ص 107.
[11] عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية ..." ص 946 – 947.
[12] أنيس الصايغ، "الهاشميون ، وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 93 – 94.
[13] د/ محمد أنيس، "الدولة العثمانية والشرق العربي"، ص 88 – 89.
[14] د. عبد العزيز الشناوي "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها"، ص 953 – 958.
[15] د/ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق ص 958 – 959.
[16] د/ محمد فؤاد شكري، "مصر والسودان"، دار المعارف بمصر 1958، ص 473 – 518.
[17] دكتور محمد بديع شريف وآخرون، "دراسات تاريخية في النهضة العربية الحديثة"، القاهرة 1963، ص 269 – 275.
[18] د/ عبدالعزيز الشناوي، المرجع السابق، ص 961 – 963.
[19] د/ عبد العزيز الشناوي، المرجع السابق، جـ 2 ص 964 – 966.
[20] نفس المرجع ص 966.
[21] د/ أنيس صايغ، "الهاشميون وقضية فلسطين"، بيروت 1966، ص 22.
[22] Stein Leonard. The Balfour DeclarationLondon1967, PP. 26 - 93
[23] "مذكرات هرتزل"، ص 275.
 
التعديل الأخير:
Salim The Osmanli

تمثال نصفي للهالك مصطفى كمال أتاتورك في " إسرائيل" تقديرا وامتنانا من اليهود لمجهوداته في إلغاء الخلافة العثمانية وعلمنة الشعب التركي بالحديد والنار
 
التعديل الأخير:
Salim The Osmanli

المدرسة الصلاحية، أنشأها السلطان صلاح الدين الأيوبي، بعد تحرير القدس، حولها جمال باشا إلى كلية علمية دينية عرفت باسم كلية صلاح الدين الأيوبي جمال باشا وانور باشا في حفل افتتاح الكلية في القدس الشريف 1916

 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى