" حزب التحرير حزب مرخص من السلطات اللبنانية و لا علاقة له بالتنظيمات الإرهابية "
بسم الله الرحمن الرحيم
العنصرية المتنامية في لبنان... نذير خرابٍ!
قامت وزارة العمل اللبنانية مؤخرًا، برئاسة الوزير كميل أبو سليمان، المحسوب على القوات اللبنانية، بسابقةٍ في محاولة فرض إجازة عملٍ على المقيمين من أهل فلسطين في لبنان، ومعاملتهم بوصفهم أجانب! ما حرك تظاهراتٍ من جانب أهل فلسطين في لبنان، في دفاعٍ مشروعٍ عن أقل حقوقهم الإنسانية، وقد لحقه باسيل الليلة بالتأييد لخطوته! رغم الخلاف السياسي القوي بين الفريقين، لكن وحدتهم العنصرية المقيتة... وهنا نقول:
أولًا: لقد أصبحت العنصرية في لبنان داءً مستشريًا، ولا سيما بين نصارى لبنان، على اختلاف توجهاتهم، عونيين كانوا، أو قواتٍ، أو كتائبيين، أو أرمن... بحيث صرنا نسمع بين الفينة والأخرى صرخاتٍ عنصريةً ضد أهل سوريا وأهل فلسطين في لبنان، بل نسمع من الغوغائيين منهم، تهديدًا بحربٍ صليبيةٍ، وتعديًا على مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، دون أن تحرك السلطات ساكنًا، ولا تتخذ أية إجراءاتٍ، كانت لتتخذها، بل اتخذتها، ضد من تعدى على مقامات دون مقام النبوة بكثير.
ثانيًا: إنَّ أهل فلسطين في لبنان، ليسوا بأجانب عن هذا البلد، بل هم جزءٌ أصيلٌ من نسيج هذا البلد، أقاموا فيه منذ 71 سنةً، وعاشوا الحلو والمر مع أهل لبنان... وكل الوثائق تشير إلى أنهم حين هجروا إلى لبنان سنة 1948، أدخلوا على لبنان أموالًا طائلةً، أسهمت في تطوير لبنان في كثيرٍ من النواحي المدنية... وصار بينهم وبين أهل لبنان من المصاهرة والنسب والعيش الدائم، ما لو حدث في بلاد تحترم نفسها لما ميزتهم عن أهل البلد، بل لصاروا أهل البلد. ومن المعلوم أن أهل فلسطين في لبنان هم الأكبر نسبةً في حمل الشهادات العالية، وما زالت نتائج المدارس تشير أنهم في مراتب البروز والتفوق.
ثالثًا: حتى القوانين الدولية التي وقع عليها لبنان، ويتغنى بها! فإنها توجب على السلطة، معاملتهم أحسن معاملةٍ، في التعليم، والإغاثة، والعمل، والضمان، والتعويض، والتملك، وكل الحقوق الإنسانية الطبيعية، هذا للاجئٍ ونازحٍ لم يمر عليه سنوات! فكيف بمن مضت عليه العقود في هذا البلد، وتصدر له الدولة وثيقة سفر، وبطاقة هوية، وله قيد نفوسٍ في الدولة... أمثل هذا يعامل معاملة الأجنبي؟! إن هذا انفصامٌ في الشخصية عند السلطة، وفي هذا الكيان العجيب.
رابعًا: ننوه بهذا الـحـَراك السلمي في المطالبة بالحقوق، ولكننا نقول للمتحركين، انتبهوا من الرايات العِمِّيّة الجاهلية التي تريد القيادات من السلطتين اللبنانية والفلسطينية أن تستظلوا بها، رايات سايكس وبيكو، أعلام فلسطين ولبنان وغيرها، لأن الأمر بمقياس الوطنيات وهذه الرايات، يجعل ذريعةً لكل طرفٍ أن يتحيز لها، فيكون لبنانيٌ وفلسطينيٌ وسوريٌ...إلخ، فهي لا تجمع بل تفرق... إن الجامع الحقيقي بينكم وبين أهل لبنان هو هذا الدين العظيم ورايته، فأخوة الإسلام هي التي جمعت -من قبل- المهاجرين والأنصار، وهي الوحيدة القادرة اليوم على جمعكم، والمحافظة على هذا الجمع.
خامسًا: لقد حدثت مقاطعةٌ من أهل المخيمات للجوار من التجار، وهنا نحب أن نشدّ النظر، إلى ضرورة عدم الانجرار إلى حالة العدائية بين المسلمين، فهذا مما لا ينبغي، لأن الأصل والحقيقة، أنكم عبادُ الله إخوانًا، ومع ذلك نقول لأهل لبنان: اصبروا على إخوانكم من أهل فلسطين، فأنتم الأعلم بحالهم، وضيق معاشهم، وطول صبرهم، وحصارهم في المخيمات، فكونوا لهم عونًا، وتواصلوا معهم تواصل الدين والأخوة والنسب والقرابة، للعمل على إخراجهم مما هم فيه من ظلم الدولة وجورها الواقع عليكم وعليهم... وكونوا عونًا لهم في نيل حقوقهم الشرعية والمشروعة.
سادسًا: يا أهلنا من أهل فلسطين في لبنان، لا يغرنكم أن يزعم الوقوف معكم اليوم، من أعمل فيكم بالأمس، ومن ثم في أهل سوريا وأهل فلسطين في سوريا، أعمل فيكم وفيهم القتل... إنها المصالح الآنية، والاستقواء بكم، واستخدامكم ورقةً في مواجهة أعداء الداخل، وزادًا لاستمرارهم بحجة القضية والدفاع عنها... ففوتوا الفرصة عليهم، بل أكثر من ذلك، إياكم أن تضيعوا بين من يزعم تمثيلكم، ومن يزعم الإصلاح في تمثيلكم، وبين من يزعم قيادتكم، أو يزعم معارضة هذه القيادة، فأنتم بالنسبة لكل هؤلاء وقود صراعٍ ليس إلا، فخذوا حِذركم.
سابعًا: يا أهل لبنان من المسلمين، إن أهل فلسطين في لبنان، هم سندٌ حقيقيٌ لكم، فلا تسمحوا للعنصريين بالنجاح في كسر هذا السند، لغاياتٍ ومآرب صارت معلومةً للجميع، بالاستيلاء على هذا البلد، وفصله عن محيطه وأصله الإسلامي... فأهل فلسطين سهمٌ في كنانتكم، فلا تخسروهم بصمتكم عن حقهم، وتركهم وحدهم يخوضون المعركة مع العنصريين.
ثامنًا: إلى السياسيين من المسلمين، لقد عبر العنصريون عن تحيزهم لما يعتقدون ويحملون، فقائلٌ منهم يقول: (لا مشكلةَ "ايدلوجية" بيننا وبين يهود)، وقائلٌ يقول: (هذا البلد لنا وسنستعيده منكم)... فبماذا تعبرون أيها السياسيون المسلمون؟ لقد بتنا لا نسمع منكم إلا نغمة التعايش والسلم الأهلي، في مجابهة هذه العنصرية الحاقدة البغيضة... ونحن لا نطلب منكم خطاب العداء والعنصرية بالمقابل، فما كان هذا حال المسلمين من قبل ليكون اليوم! بل نطلب منكم التعبير القوي، أنكم أبناء هذا الدين العالمي العظيم، وأنكم تنتسبون لهذه الأمة الإسلامية الضاربة جذورها في التاريخ، وأنكم تمثلون كل مسلمٍ في هذا البلد، وأنكم منحازون لدينكم وأهلكم... فإن الأمة تسير في تحديد خياراتها، فلا تكونوا خارج هذه الخيارات، بسكوتكم، أو انحيازكم لمصالح آنية، أو تحالفاتٍ مشوهة... وهذه الأمة تستعيد مجدها، فكونوا معها ومنها، وإلا كانت نهايتكم كنهاية من سبقكم من حكامٍ وساسةٍ اختاروا غير سبيل الأمة.
وأخيرًا، إن المخاض اليوم كبير، والصفقات التي تعقد على حساب الأمة تمتلئ خيانةً، فاجعلوا أيها المسلمون من أهل لبنان وأهل فلسطين، خطًّا واضحًا لكم، يجمعكم مع الأمة على صعيدٍ واحدٍ، في مجابهة الهجمة الشرسة من الخارج والداخل، ولا تنحازوا إلا لما يأمركم به ربكم وشرعكم {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}.
20من ذي القعدة 1440ه حزب التحرير
23/7/2019م ولاية لبنان