========
أسسها الكنعانيون في الألف الثالث قبل الميلاد وخلال هذه الفترة قدم إليها
العرب الساميون في هجرتين كبيرتين: الأولى في بداية الألف الثالث قبل الميلاد، والثانية في بداية الألف الثاني قبل الميلاد
واستقر اليبوسيون في منطقة
القدس فقط بينما ذهب الكنعانيون إلى الساحل، واليبوسيون هم عبارة عن قبيلة كنعانية، وقد بنى اليبوسيون بقيادة ملكهم "ملكي صادق" مدينة القدس وأسموها "شاليم" وهو اسم إله السلام عند الكنعانيين، ثم حرفت لاحقا إلى "أورشالم" والتي تعني "مدينة السلام"، وقد كانت تسمى أيضا ب"يبوس" نسبة إلى اليبوسيين،
تذكر مصادر تاريخية عن الملك اليبوسي "ملكي صادق" أنه هو أول من بنى يبوس أو القدس، وكان محبًا للسلام، حتى أُطلق عليه "ملك السلام" ومن هنا جاء اسم المدينة وقد قيل أنه هو من سماها بأورسالم أي "مدينة سالم"
خضعت مدينة القدس للنفوذ المصري الفرعوني بدءا من القرن 16 ق.م. وفي عهد الملك إخناتون تعرضت لغزو "الخابيرو" وهم قبائل من البدو، ولم يستطع الحاكم المصري عبدي خيبا أن ينتصر عليهم، فظلت المدينة بأيديهم إلى أن عادت مرة أخرى للنفوذ المصري في عهد الملك سيتي الأول 1317 – 1301 ق.م
وفي عام 1260 ق . م. تولى قيادة بني إسرائيل يوشع بن نون فعبر بهم الأردن واحتل مدينة أريحا وتركها دكاء وأباد كل سكانها ولكن العبرانيين لم يستطيعوا الاستيلاء على القدس إلا في زمن داوود عليه السلام أي حوالي عام 1000 ق.م. فاتخذها داوود عاصمة له ، ثم حكم سليمان من بعد أبيه أربعين سنة 963-923 ق.م. فبنى الهيكل في القدس بأيدي البناءين الكنعانيين ، وكلمة هيكل ذاتها الكنعانية وهكذا لم تدم دولة اليهود الموحدة إلا حوالي 97 عاما 1020-923 ق.م. وهي نفس المدة التي دامت فيها دولة الصليبين فيما بعد تقريباً . وخلف سليمان ابنه رحبعام الذي انقسمت الدولة في زمانه إلى دولتينمملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها أورشليم وقد عمرت من 923 –586 ق.م
سيطر الملك والنبي
داود عليه السلام على المدينة حوالي سنة 1000 ق.م، بعد أن احتلها من اليبوسيين، وجعل منها عاصمة
لمملكته ولكن اليبوسيين سكان المدينة الأصليين ظلو بالمدينة
تنص
المخطوطات العبرنية على أن النبي
داود دام حكمه لمملكة إسرائيل 40 عامًا، وبالتحديد حتى سنة 970 ق.م، وبعد وفاته خلفه ولده الملك والنبي
سليمان عليه السلام الذي حكم طيلة 33 عامًا
أصبحت القدس تُسمى بالمدينة المقدسة في عام 975 ق.م، وشكّلت عاصمة
لمملكة إسرائيل الموحدة، وبعد وفاة سليمان عليه السلام انقسمت المملكة إلى قسمين شمالي وجنوبي وذلك بعد تمرد
الأسباط العبرية الشمالية بسبط يهوذا الجنوبي الذي كان آل داود ينتمون إليه.
سُمي القسم الجنوبي
بمملكة يهوذا في الجنوب، وأصبحت القدس عاصمة لها تحت قيادة
رحبعام بن سليمان. أما القسم الشمالي فاتخد من مدينة السامرة عاصمة لمملكة اسرائيل الشمالية .
كان الكنعانيون واليبوسيون مازالو يعيشون في مناطقهم
مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها السامرة قرب نابلس وقد عمرت من 927 –الى 722 ق. م وسيطرت الخلافات القبلية على هاتين المملكتين ، ونشبت بينهما حروب دامية حتى أن الملك (يهواش ملك إسرائيل الشمالية أغار على القدس عاصمة الاسرائيليين الجنوبيين واستباح هيكلها . وهكذا دب الوهن في مملكتي اليهود مما فسح المجال أمام سرجون الآشوري فاستولى على مملكة إسرائيل الشمالية ودمرها عام (722 ق.م. وسبى أهلها إلى بابل وأسكن محلهم قبائل عربية نزحت من سورية
وفي سنة 587 ق.م، احتل الملك البابلي "
نبوخذ نصّر الثاني" مدينة القدس بعد أن هزم آخر ملوك اليهود الجنوبيين "صدقيا بن يوشيا"،
ونقل من بقي فيها من اليهود أسرى إلى بابل بمن فيهم الملك صدقيا نفسه، وعاث في المدينة دمارًا وخرابًا وأقدم على تدمير هيكل سليمان، مما أنهى الفترة التي يُطلق عليها المؤرخون تسمية "عهد الهيكل الأول
وقد عمل اليهود جواسيس ضد الدولة البابلية الكلدية لمصلحة كورش الفارسي ، مما مكنه من القضاء على الدولة البابلية الكلدانية حوالي عام 539ق.م. فعلت منزلة اليهود عنده اي لقورش الفارسي ، وخاصة بعد أن تزوج اليهودية أستير وسمح لهم بالعودة إلى القدس ، وبنى لهم الهيكل عام 516 ق.م. وظلت السيطرة الفعلية فيها للحثيين
،فعاد عدد من اليهود إلى القدس وشرعوا ببناء الهيكل الثاني، وانتهوا من العمل به سنة 516 ق.م، في عهد الملك الفارسي
دارا الأول، وعُرف فيما بعد بمعبد حيرود تيمنًا بملك اليهود
حيرود الكبير الذي قام بتوسيعه.
وحوالي سنة 445 ق.م، أصدر الملك الفارسي "أرتحشستا الأول" مرسومًا سمح فيه لسكان المدينة بإعادة بناء أسوارها،واستمرت المدينة عاصمة
لمملكة يهوذا طيلة العقود التي تلت.
فقدت
الإمبراطورية الفارسية فلسطين بما فيها القدس لصالح القائد والملك المقدوني،
الإسكندر الأكبر، عام 333 ق.م، وبعد وفاته استمر خلفاؤه المقدونيون
البطالمة في حكم المدينة، واستولى عليها في العام نفسه
بطليموس الأول وضمها مع فلسطين إلى مملكته في
مصر عام 323 ق.م.
في عام 198 ق.م، خسر
بطليموس الخامس القدس ومملكة يهوذا لصالح
السلوقيين (( اليونانيين -
سلوقس الأول نيكاتور أحد قادة جيش
الإسكندر الأكبر، شكلت هذه الدولة إحدى دول
ملوك طوائف الإسكندر، التي نشأت بعد موت
الإسكندر المقدوني، )) في
سوريا، بقيادة أنطيوخوس الثالث الكبير.
حاول الإغريق أن يطبعوا المدينة القدس بطابعهم الخاص ويجعلوا منها مدينة هيلينية( يونانية) تقليدية، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل سنة 168 ق.م، عندما قام المكابيين بثورة على الحاكم
أنطيوخوس الرابع، تحت قيادة كبير الكهنة "متياس" وأبنائه الخمسة، ونجحوا بتأسيس المملكة الحشمونائيمية وعاصمتها القدس سنة 152 ق.م.
استولى قائد الجيش الروماني "
پومپيوس الكبير"، على القدس في عام 63 ق.م بعد أن استغل صراعًا على سدّة المُلك بين الملوك الحشمونائيمية، وبهذا ضُمت القدس إلى
الجمهورية الرومانية.
أقدم
الرومان على تنصيب
حيرود الأول ملكًا على اليهود ليضمنوا سيطرتهم وتحكمهم
بمملكة يهوذا، فكرّس حيرود عهده لتجميل المدينة وتطوير مرافقها، فبنى عددًا من الأسوار والقصور والأبراج والقلاع، وقام بتوسيع المعبد حتى تضاعف حجم المنطقة حيث يقع.وبعد وفاة حيرود الأول في السنة السادسة قبل الميلاد، خلفه
حيرود الثاني في حكم القدس من عام 4 قبل الميلاد حتى 6 بعده وعندها أخضع الرومان مملكة يهوذا للحكم الروماني المباشر نتيجة لعدم ثقة الحكومة بحيرود، فأصبحت تُعرف
بمقاطعة اليهودية،على الرغم من أن خلفاء حيرود الأول، المتحدرين من
أغريباس الثاني، استمروا بحكم المناطق المجاورة بوصفهم ملوك تابعين
لروما حتى سنة
96 ميلادية.
شهد الحكم الروماني المباشر للقدس حوادث كثيرة، أولها
الثورة اليهودية الكبرى، التي استمرت من سنة
66 إلى سنة
70م، حيث قام اليهود في القدس بأعمال شغب وعصيان مدني قمعها الحاكم الروماني "تيطس" بالقوة فأحرق المدينة وأسر كثيراً من اليهود ودُمّر المعبد للمرة الثانية، وعادت الأمور إلى طبيعتها في ظل الاحتلال الروماني للمدينة المقدسة.
ثم عاود اليهود التمرد وإعلان العصيان مرتين في عاميّ
115 و132م، والمرة الأخيرة عُرفت بثورة شمعون بن كوكبة، تيمنًا بقائد العصيان، وخلالها تمكن اليهود بالفعل من السيطرة على المدينة، وأعلنوها عاصمة لمملكة يهوذا مجددًا، إلا أن الإمبراطور الروماني "
هادريان" تعامل مع الثوّار بعنف وأسفر ذلك عن تدمير القدس للمرة الثانية، وأخرج اليهود المقيمين فيها ولم يبق إلا المسيحيين، ومن شدّة نقمة الإمبراطور على اليهود، أصدر مرسومًا بجعل المدينة ذات طابع روماني فتم تغيير اسمها إلى "مستعمرة إيليا الكاپيتولينيّة"
[66] واشترط ألا يسكنها يهودي، بل أقدم على تغيير اسم مقاطعة اليهودية بكاملها وجعله "مقاطعة سوريا الفلسطينية" تيمنًا
بالفلستينيون الذين سكنوا الساحل الجنوبي
لبلاد كنعان
خضعت المدينة لسيطرة
الرومان ثم
الروم البيزنطيين خلال القرون الخمسة التي تلت ثورة شمعون بن كوكبة، وبعد أن نقل الإمبراطور الروماني
قسطنطين الأول عاصمة
الإمبراطورية الرومانية من
روما إلى
بيزنطية، وأعلن
المسيحية ديانة رسمية للدولة، أمر بتشييد عدد من المعالم المسيحية بالقدس، فبنيت
كنيسة القيامة عام 326م، فكانت تلك نقطة تحول بالنسبة للمسيحيين في المدينة، حيث لم يعودوا مضطهدين، واستطاعوا ممارسة شعائرهم الدينية بحريّة.
أصبحت القدس مركزًا لبطريركية من البطريركيات الخمس الكبرى، وهي إلى جانب القدس:
الإسكندرية وروماوالقسطنطينيةوأنطاكية، بعد أن تقرر إنشائها في
مجمع نيقية.
استمرت القدس بالنمو والاتساع منذ أن انتهى عهد الهيكل الثاني بعد تدمير الأخير، حيث بلغت مساحتها كيلومترين مربعين (0.8 أميال مربعة.) ووصل عدد سكانها إلى حوالي 200,000 نسمة.
استمر حظر دخول اليهود إلى القدس طيلة عهد قسطنطين الأول حتى
القرن السابع الميلادي.
انقسمت
الإمبراطورية الرومانية عام
395م إلى قسمين متناحرين:
الإمبراطورية الغربية وعاصمتها
روما،
والإمبراطورية الشرقية أو البيزنطية وعاصمتها
القسطنطينية، وخضعت القدس مع باقي
بلاد الشام إلى الإمبراطورية البيزنطية .
شجع الانقسام الروماني الفرس على الإغارة على القدس، فأمر شاه
الإمبراطورية الساسانية،
كسرى الثاني، قائدا جيوشه "
شهربراز" و"شاهين"، بالسير إلى
سوريا واستخلاص القدس من أيدي الروم، ففعلا ما طُلب منهما ونجحا في احتلالها، خصوصًا بعد أن ساعدهم اليهود في
فلسطين، الذين كانوا ناقمين على البيزنطيين.
الفرس المدينة في سنة
614م، بعد حصار استمر 21 يومًا. تنص السجلات البيزنطية أن
الفرس واليهود ذبحوا آلاف المسيحيين من سكان القدس، وما زال هذا الأمر موضع جدال بين المؤرخين، حيث قال البعض بصحته ونفاه البعض الآخر.
استمرت المدينة خاضعة للفرس طيلة 15 سنة، إلى أن استطاع الروم استعادتها سنة
629م تحت قيادة الإمبراطور
هرقل، وظلت بأيديهم حتى
الفتح الإسلامي عام
636م.
السنة التي فتحت فيها القدس، فقد ذكر
الطبري عن سيف أنها كانت سنة 15هـ، كما ذكر ابن سعد، وخليفة بن خياط، واليعقوبي، وابن عساكر، والواقدي، والبلاذري، والطبري في رواية أخرى عن سيف أن الفتح كان سنة 16هـ. كما ذكر ياقوت الحموي، والبلاذري وابن اسحق، والطبري في رواية سيف عن هشام بن عروة بأن الفتح كان سنة 17هـ. والأغلب أن عام 17هـ، هو الأصح
أبو عبيدة بن الجراح بعد انتصاره في معركة اليرموك وفتح مدينة
دمشق، يرسل رسوله، عرفجة بن ناصع النخعي، يطلب التوجيه من الخليفة عمر بن الخطاب في المدينة، فيأمر الخليفة قائده المظفر وصديقه الحميم بأن يتوجه بالمسلمين نحو القدس. وعند ذلك يوجه القائد أبو عبيدة جيوشه نحو القدس، على هيئة كتائب يقود كل منها أحد القادة، أمثال
خالد بن الوليد، و
شرحبيل بن حسنة، و
يزيد بن أبي سفيان، وتضم كل منها خمسة آلاف جندي ويفصل بينها وبين الكتيبة الأخرى مسيرة يوم واحد. بالإضافة لجيش عمرو بن العاص الذي كان قد سبقهم إليها، وإلى ضعفة الناس والنساء الذين سار بهم أبو عبيدة على مهل رفقًا بهم.
وكدأب المسلمين في فتوحاتهم، وجه أبو عبيدة رسالة لأهل القدس خيَّرهم فيها بين الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال. فكان أن رفض بطريركها صفرونيوس الذي تولى قيادتها بعد فرار بطريكها إلى
مصر على إثر معركة
أجنادين-رفض طلب أبي عبيدة، وتحصن بالمدينة آملا في وصول إمدادات ونجدات رومية إليه، خصوصًا وهو يعلم أهمية القدس لدى الروم النصارى، وظنًا منه أن المسلمين لن يستطيعوا تحمل برد القدس الشديد، مما سيضطرهم لفك الحصار عندما يشتد البرد.
وهنا تبدو مرة أخرى مقدرة المسلمين على تخطي الشدائد، فتحملوا بتجهيزاتهم البسيطة، برد القدس الشديد وأمطارها الغزيرة، ولاقوا من ذلك عنتًا كبيرًا ولكن لم يفت في عزيمتهم ولم يفكروا في فك الحصار، وعند حلول فصل الربيع، رأي صفرونيوس أن ما توقعه لم يحدث، فلا الروم أنجدوه، ولا البرد أجبر المسلمين على فك الحصار. فلم يجد بدًا من عرض التسليم على أبي عبيدة، ولكنه اشترط أن يحضر الخليفة بنفسه من المدينة المنورة ليتسلم القدس ويعطي أهلها عهدًا، وذلك لما كان يسمعه عن الخليفة عمر بن الخطاب من عدالة، ورفق، ووفاء بالعهد.
ورغم أن بعض قادة أبي عبيدة قد أشاروا عليه بمناجزة أهل القدس حتى يجبروهم على الاستسلام، إلا أن ما رآه أبو عبيدة من شدة ما قاساه المسلمون من البرد، وما قاساه أهل القدس من الحصار الذي طال أمده، دفعه لأن يكتب للخليفة، يخبره بأحوال المسلمين والنصارى، وبما عرضوه عليه من تسليم المدينة للخليفة شخصيًا، وأشار عليه بالحضور لأن في ذلك حقنًا لدماء المسلمين.
أرسل أبو عبيدة رسالته مع رسول من المسلمين يرافقه وفد من أهل القدس أرسلهم صفرونيوس، وذكر أن أشد ما أثار دهشة وفد النصارى أن رسول أبي عبيدة أخذ يسأل عن مكان الخليفة حتى وجده مستلقيا من الحر، فقدم إليه وفد أهل القدس رسالة أبي عبيدة، وجلس الرسول بجانبه ببساطة العربي وأخوة الإسلام يصف له أحوال المسلمين ويبلغه سلامهم، في حين وقف وفد أهل القدس وهو لا يَكاد يصدق، أن حاكم المسلمين الذين دَوَّخوا دولتي الفرس والروم، ليس له مقر معروف، ولا حرس ولا حجاب، وإنه في مثل هذا الحال من البساطة في المظهر والمعاملة.
وهنا يلجأ عمر بن الخطاب لاستشارة
الصحابة كدأبه في مثل هذه الأحوال، فيشير عليه بعضهم بالخروج ويشير بعض آخر بعدم الخروج. ولكنه يفضل الخروج رغم مشاق السفر، ويستخلف على المدينة
عثمان بن عفان وفي رواية الطبري
علي بن أبي طالبعبادة بن الصامت، و
الزبير بن العوام، و
العباس بن عبد المطلب. رضي الله عنهما، ويصطحب خادمه وبعض أصحابه منهم