مصر حاضرة في سوريا لكن بصورة مختلفة عما تريده واشنطن
الخميس، 19 أبريل، 2018
غموض يلف مستقبل الوجود الأميركي في سوريا
القاهرة -
أكدت مصادر مصرية لـ”العرب”
وجود عسكريين مصريين يدعمون حاليا القوات الحكومية السورية، وأن دورهم محصور في تقديم الاستشارة والتدريب وليس المشاركة في القتال، مشددة على أن القاهرة لا تفكر حاليا في القيام بمهام أخرى خارج هذا الإطار ومنها المشاركة في قوة عربية تحل محل القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا، لما قد يولده ذلك من حساسيات.
جاء ذلك على خلفية المقال الذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، حول سعي واشنطن لتشكيل قوة عسكرية عربية، تشارك فيها مصر لتحل محل القوات الأميركية في سوريا (يقدر عددها بنحو 2000 عنصر) بعد هزيمة داعش.
يثير الحديث عن تشكيل قوة عربية تحل مكان القوات الأميركية في شمال سوريا وشرقها ضجة كبيرة، وتتركز الأنظار على مصر وما إذا كانت ستشارك فيها أم لا، خاصة في ظل تشابك الأوضاع وتعدد الأطراف المتصارعة هناك.
وذكرت الصحيفة الأميركية، أن القوات العربية التي يتم البحث في شأنها ستنتشر في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا، وأن جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، اتصل باللواء عباس كامل، مدير المخابرات العامة المصرية “لمعرفة ما إذا كانت القاهرة ستساهم في هذا الأمر”.
وكان الرئيس دونالد ترامب قد أبدى رغبة في سحب قوات بلاده في أسرع وقت ممكن من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال البلاد وشرقها، ويثير هذا الأمر تحفظ بعض المؤسسات الأميركية ومنها البنتاغون، وسط تساؤلات عمّن سيملأ الفراغ في تلك الجهة، في ظل التحدي الذي يفرضه الوجود الإيراني في سوريا.
وفي وقت لاحق أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية أريك باهون، أن ترامب طلب من حلفاء الولايات المتحدة تقديم المساعدات والمساهمة لإحلال قوة عربية في سوريا وجعلها مكانا مستقرا. وشدد باهون “سنواصل التشاور مع حلفائنا وشركائنا حول الخطط المستقبلية”.
وقالت المصادر المصرية إن ما هو مؤكد “أن القاهرة تدعم حاليا الجيش السوري وأن هذا الدعم مقتصر فقط على التدريب”.
وأشارت إلى أن إرسال قوات عسكرية كبيرة في هذه الأجواء الملتهبة، قد تترتب عليه تداعيات سلبية، لأن القاهرة تتمسك بعدم التورط في الصراعات الإقليمية، وعندما طلب منها الانضمام إلى التحالف العربي لعودة الشرعية في اليمن، كانت مساعدتها قد اقتصرت على إرسال سفن إلى البحر الأحمر، وتحفظت على إرسال قوات مشاة داخل اليمن.
ويرى البعض أن في حال دخول مصر إلى المناطق التي تتواجد فيها القوات الأميركية في سوريا، ستكون أشبه بقوة سلام، ولا يمكن مقارنة دورها بالدور التركي. وهذا الدخول (إن حدث) سيتم بتنسيق مع دمشق.
ويشير هؤلاء إلى أن ذلك من شأنه أن يمنع إيران من استغلال الفراغ الأميركي لتكريس نفوذها في شرق سوريا الذي يشكل أهمية استراتيجية بالنسبة لها لتنفيذ مشروع الحزام الشيعي الرابط بين العراق وسوريا ولبنان.
ولم ترسل مصر قوات للمشاركة مباشرة في حروب خارجية منذ غزو العراق للكويت عام 1991.
وأكد يحيى الكدواني، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان، أن مشاركة قوات مصرية في سوريا، من الضروري أن تتم تحت مظلة دولية ووفقا للقرارات الأممية ذات الصلة. وأوضح، لـ”العرب”، أن إرسال قوات مصرية أمر ينظمه الدستور، ويجب أن ينعقد مجلس الدفاع الوطني الذي ينظر في الأمر ثم يطرح على البرلمان ويتخذ القرار بناء على ذلك، قائلا “حتى الآن لم يطرح على البرلمان شيء من هذا القبيل”.
وتوقع مصطفى السعيد، الخبير في الشؤون العربية، أن تكون مصر على رأس البلدان العربية المتحفظة على المقترح الأميركي، ارتكازا على مشتركات عسكرية تاريخية يبن الجيشين المصري والسوري، وارتكانا إلى أبعاد سياسية لا تنسجم مع موقف القاهرة من الأزمة في سوريا والذي يتمسك بالحل السياسي، وتبنّي مبادرات تسعى إلى خفض مناطق التوتر هناك.
يحيى الكدواني:مشاركة قوات مصرية في سوريا، من الضروري أن تتم تحت مظلة دولية
وسبق أن شاركت القاهرة في مفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاقيات لإقامة مناطق خفض تصعيد في أكثر من جبهة وبينها ريف دمشق، إلا أن هذه الاتفاقات لم تصمد حيث استغلها النظام وحلفاؤه للسيطرة على تلك الجبهات وأبرز مثال الغوطة الشرقية.
وأشار مصطفى السعيد إلى أن منطلق الوجود العسكري في سوريا الذي يتحدث عنه الأميركيون غير مبني على تسليم تلك الأراضي للدولة السورية، لكنه يسعى للحفاظ على مصالح واشنطن العسكرية والسياسية على الأرض، كما أن التواجد هناك قد يؤدي إلى إشعال حروب إقليمية بين القوى المتنازعة داخل سوريا، وهو ما تحاول مصر تلافيه.
وشهدت العلاقات بين القاهرة ودمشق عودة تدريجية بعد أن انقطعت في عهد الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي.
وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في سبتمبر 2015 لشبكة الـ”سي.أن.أن” الأميركية إن إسقاط النظام السوري بالقوة يؤدي إلى تقسيم سوريا وسقوط جيشها.
وكان رئيس المخابرات المصرية أنذاك خالد فوزي التقى في تلك الفترة (حسب مصادر لـ”العرب”) بالقاهرة علي مملوك أعلى مسؤول في الجهاز الأمني السوري، بعد لقاء جمع مسؤولين رفيعي المستوى من المخابرات المصرية والسورية في بيروت.
وقدمت مصر في 25 نوفمبر 2015 طلبا للأمم المتحدة لانسحاب إسرائيل الكامل من “هضبة الجولان” المحتلة والمطالبة بالعودة إلى حدود يونيو 1967.
وفي ديسمبر من العام ذاته، قال الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة تلفزيونية، إن التعاون مع الجيش المصري لم يتوقف يوما، حتى خلال فترة مرسي.
وتطور الدعم اللوجيستي المصري في السنوات الأخيرة، ووصل إلى مد دمشق بالذخيرة وصيانة المعدات العسكرية، كما أن المروحيات السورية من نوع “غزال” لم تكن لتستمر في الحرب 5 سنوات دون صيانة وقطع غيار.
وتعد مصر البلد الوحيد في المنطقة الذي ينتج قطع الغيار الخاصة بهذا النوع من الطائرات، وتقوم مراكز الصيانة المصرية لصواريخ “غراد” بنفس الدور للطرازات السورية.
وكشفت المصادر لـ”العرب”، “أن الفترة المقبلة ستشهد الإعلان عن تفاهمات بين دمشق والقاهرة، وأهم ما سيتم الإعلان عنه تولي قوات مصرية حماية بعض المدن السورية كي يتفرغ الجيش السوري للعمليات على الأرض مع العناصر الإرهابية”، بما يخفف من الحضور الإيراني الطاغي.
ولم تستبعد “مشاركة وحدات من القوات الجوية وقوات العمليات الخاصة على الأرض، لكنها استبعدت نشر فرقة كاملة”، ومن المتوقع أن يتم مستقبلا تقديم “دعم جوي مصري في الرقة وجبهة دير الزور”، حيث هناك جيوب لتنظيم داعش.