- إنضم
- 14/5/19
- المشاركات
- 5,697
- التفاعلات
- 29,894
محمود غول أغاسي المكنى بأبي قعقاع، هو شخص من مواليد مدينة حلب السورية 1973، ويحمل الجنسية الباكستانية وهو من أصول كردية، وحصل على شهادة الدكتوراه عام 2001 من جامعة كراتشي الباكستانية في مجال الدعوة. وبعدما اشتهر في بداية عام 2000 وتحوله إلى ظاهرة جهادية، اختفى عن الأنظار بعد اتهامه بالتعامل مع عناصر الأمن وصدور فتوى ضده، ليظهر في تسجيلات بالعاصمة دمشق دون لحية يغني ويدخن النرجيلة في تحول واضح. لكنه عاد بعد ذلك إلى الخطابة في حلب باعتباره داعيًا إلى “الإصلاح الداخلي”، ومن أشهر خطبه “يا قائد الوطن” الذي دعا فيها الأسد إلى محاربة الفساد والفاسدين.
بدأ أغاسي مشواره الجهادي النادر في سوريا في ظل سيطرة “حزب البعث” على مقاليد الحكم، من مسجده الذي بناه في نهاية حي الصاخور في حلب، وأطلق عليه “مسجد العلاء الحضرمي”، نسبة إلى الصحابي العلاء بن الحضرمي. واتخذ من جامعه منطلقًا لنشر أفكاره التي كانت تقوم على ضرورة وجوب الدفاع عن أرض المسلمين وأرض الأقصى، وأسس جماعة “غرباء الشام” التي نظمت عروضًا للقتال في عدد من أحياء حلب. وانتشرت أشرطة الفيديو والأقراص التي تحوي خطب أبو القعقاع على أرصفة الطرقات وبين الشباب المتدينين، ويحض فيها على الجهاد ضد الظلم والخيانة.
وحتى يكتمل المشهد التراجيدي والدرامي الملحمي كان لا بد من استعراض شبه أسبوعي تقوم بها دورية المخابرات حيث يعتقل الشيخ محمود بعد خطبة الجمعة مباشرة وكأنه الخطر الداهم والصوت المرعب للدولة، ليطلق سراحه في يوم السبت، وليروي بعدها لأتباعه بطولاته في فروع الأمن وكيف كان يلجم ضباط الأمن بحججه الدامغة وهيبته المهيمنة، ولم تكن تختفي نشوة المريدين وهم يسمعون عن بطولات شيخهم الممتحن، فالامتحان والبلاء هو زاد طريق الجهاد الذي لابد منه وكل من هؤلاء المريدين يتمنى لو يفدي الشيخ بروحه وماله.
وتعزز نشاطه وذاع صيته مع بدء بغزو القوات الأمريكية للعراق، عبر خطب تهدد أمريكا وجيشها في بغداد، وإرساله الشباب إلى هناك للقتال. لكن الشيخ الجهادي فاجأ مريديه في خطبة في 23 آذار 2003، بعدم إعلان الجهاد الذي كان منتظرًا منه، مستندًا إلى ما وصفه بعدم الجاهزية، وأن الأمر يحتاج إلى عدة وخطط عسكرية وطائرات ومدافع، وليس فقط إلقاء النفس إلى التهلكة. الخطبة كانت صادمة لآلاف الشباب الذي كانوا ينتظرون إعلان الجهاد للتوجه إلى العراق، لتبدأ التساؤلات والشكوك حوله حتى وصلت إلى حد اتهامه بالتعامل والتورط مع عناصر الأمن السوري من أجل إيقاع الشباب الجهاديين وإرسالهم إلى العراق للتخلص منهم من قبل النظام السوري، أو اعتقالهم أو قتلهم على الحدود السورية- العراقية، الأمر الذي أدى إلى وصفه بالمرتد وظهور فتاوى نادت بقتله من قبل جماعات إسلامية.
وفي ظل التساؤلات والشكوك حول بروزه كظاهرة نادرة أو الاتهامات بتعامله مع المخابرات لتجييش الشباب وكشف أوراقهم أمام أجهزة الأمن، يوجد ثابت وحيد وهو أن النظام تمكن من اتخاذه وسيلة ليجعل من نشاطه “نقطة تجمع” يعرف من خلالها أصحاب الفكر الجهادي في سوريا للإيقاع بهم. فإما إرسالهم إلى الموت في نقاط مشتعلة من العالم، أو اعتقالهم وزجهم في السجون حتى يحين وقت الإفراج عنهم واستخدامهم، وهو ما تم عندما أطلق النظام سراح المئات منهم في بداية الثورة بحجة العفو العام، وتوجه هؤلاء إلى تشكيل فرق جهادية في سوريا لمحاربة النظام الذي اتخذهم حجة أمام المجتمع الدولي بوجود إرهابيين في سوريا لا بد من قتالهم.
ولم يكن هذه النوع من الحرب من بدع النظام. ففي أتون الحرب الباردة كانت باكورة الأعمال الثقافية المنظمة لجهاز المخابرات الأمريكية CIA كشف الشيوعيين الأمريكيين أولاً وتعريتهم أمام مجتمعهم. وجاءت الفرصة عندما قرر الكومينفورم السوفييتي (20 مارس 1949) تنظيم مؤتمر في فندق والدورف أستوريا بنيويورك بجهود الشيوعيين الأمريكيين بغية التلاعب بالرأي العام الأمريكي في عقر داره. والتقطت المخابرات الأمريكية الفرصة وتغلغلت في المؤتمر ولعبت به بمشاركة الشيوعيين «التائبين» ومن ثم رصدت بسهولة الشيوعيين الأمريكيين وأكثرهم شهرة آنذاك الممثل شارلي شابلن ومارلون براندو.
وبقي النظام السوري يزج بالجهاديين في العراق ويذكي مع إيران أتون الصراع الطائفي في العراق إلى أن وصلت معه أمريكا إلى التهديد المباشر، إن لم يضبط الحدود مع العراق، واضطر نوري المالكي إلى رفع شكوى إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة يتهم فيها النظام السوري بدعم الإرهاب في العراق، وهنا كعادته لم يتحرج النظام السوري من طلب كلفة مراقبة الحدود من الامريكان، وبعد القضاء على القاعدة في العراق التي قضت بدورها على فصائل المقاومة العراقية ولم يبق منها إلا بضعة مئات من الرجال، وعودة أغلب المجاهدين السوريين لبلدهم، قام النظام بسوقهم إلى السجون وبقوا في سجن صيدنايا إلى حين أن جاءت السوق الجديد لاستثمارهم لكن هذه المرة في السوق المحلية لمواجهة الثورة السورية عام 2011 بهم.
طبعاً بالعودة إلى الشيخ السوري أبي القعقاع فإنه وبعد احتلال العراق ومقتل رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري نزع عنه لباسه الأفغاني وقصر لحيته الطويلة، ليستعيض عنها ببدلة رسمية أنيقة وربطة عنق وياقة بيضاء إشارة إلى اعتدال الفكر واللباس معاً، وقام النظام بتسليمه مسجداً فخماً في حي راق في مدينة حلب حيث طبقة الأغنياء من التجار بعد أن كان يخطب في حي معدود في العشوائيات وسلمه مدير الثانوية الشرعية ( الخسروفية) ليصيغ عقول الشباب على فكره النير المعتدل الجديد بعد أن تم تنظيف حلب وسوريا من الشباب المتحمس على يد الشيخ نفسه.
أبو القعقاع في مقابلة مع قناة “العربية” في 2006، قال إن مشروعه يقوم على المصالحة بين التيارين الأمني والإيماني والديني والسياسي وإنهاء حالة الصراع لأنها تخدم الأعداء. وحول سؤاله عن اتفاقه مع السياسة التي تتبعها النظام السوري، قال “أبو القعقاع”، “نعم اتفق مع السياسيات التي تنتهجها الحكومة السورية لأنها مواقف مشرفة إسلاميًا وعربيًا”. لكن لم يطل به المقام حتى عٌقِدَت محكمة غيابية بحقه وانتهت إلى قرار بقتله، وفي 28 أيلول 2007، وفي أثناء خروجه من مسجد الإيمان أطلق عليه أحد الأشخاص النار في رأسه، وروج النظام حينها أن قتله كان نتيجة صراعات إسلامية وجهادية، في حين اعتبر أتباعه أن من قلته المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، في حين وجه آخرون اتهامات بأن مخابرات النظام هي من قتلته بعدما انتهى من مهمته.