طارده الاحتلال الفرنسي لـ4 سنوات ولم يتمكن منه سوى بالخيانة.. الثائر الجزائري "الشريف بوبغلة"

  • بادئ الموضوع a.m.h
  • تاريخ البدء

a.m.h

التحالف يجمعنا
عضو قيم
إنضم
28/5/23
المشاركات
517
التفاعلات
1,322
-365x375-1.jpg

الشريف بوبغلة / مواقع التواصل

لم يكن احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830، بالسهولة التي كان يظنها قادة الجيش الفرنسي الذين كانوا يعتقدون أنّ مسألة احتلال الجزائر لن تحتاج أكثر من بضعة أسابيع، وفي أقصى تقدير بضعة أشهر، فقد احتاج الغزاة الفرنسيون لأكثر من 80 سنة لاستكمال احتلال الجزائر كاملة، فلم يصل الجيش الفرنسي إلى جانت (أقصى الجنوب الشرقي) سوى سنة 1911 أي بعد 81 سنة، وذلك بسبب مقاومة الجزائريين الباسلة لهذا الاحتلال، فلا توجد منطقة بالجزائر إلّا وثارت في وجه الفرنسيين، ومن ذلك منطقة القبائل التي شهدت هي الأخرى عدة ثورات شعبية.
فما أن انتهت ثورة الزعاطشة سنة 1850 في بسكرة (جنوب الجزائر)، حتى أطلق محمد الأمجد بن عبد المالك، المدعو الشريف بوبغلة، مقاومة شعبية في منطقة القبائل سنة 1851، وهي الثورة التي تزامنت مع مقاومة لالة فاطمة نسومر، وهو الذي زاد من ضراوتها، الأمر الذي جعل قادة الاحتلال الفرنسي يولون أهمية كبيرة من أجل وأد ثورة الشريف بوبغلة والقبض عليه، حتى لو تطلب الأمر مطاردته 4 سنوات كاملة.

من هو الشريف بوبغلة؟

وفقاً لمدونة البصائر، هو محمد الأمجد بن عبد المالك المعروف بالشريف بوبغلة، وقد لقب بـ"بوبغلة" بسبب بغلة كان يمتطيها في سوق المنطقة قبل اندلاع ثورته.
ولد عام 1809 ببلدة سعيدة بالغرب الجزائري، لعائلة شريفة ومحافظة، أرسله والده إلى منطقة القبائل لحفظ القرآن الكريم ودراسة العلوم الشرعية بزاوية في إحدى قرى تيزي وزو، حيث حفظ القرآن الكريم ونال قسطاً وافراً من العلوم الشرعية، وهذا ما أهّله للدعوة إلى الجهاد ومراسلة شيوخ القرى والقبائل ورؤساء المناطق عندما دخل الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر.

الشريف بوبغلة

الشريف بوبغلة / مواقع التواصل

في عام 1851، وانطلاقاً من زاوية الأربعاء نايث إيراثن، بدأ الشريف بوبغلة تحضيره لثورته، غير أنّ اشتباه السلطات الفرنسية به جعله يترك المنطقة وينتقل إلى قلعة بني عباس، حيث أخفى شخصيته وأهدافه واتصل بشيوخ بني مليكش، ثم سرعان ما شرع في مراسلة الشخصيات البارزة في المنطقة وسكان جبال البابور والحضنة والمدية ومليانة وجبال جرجرة ليدعوهم إلى الانضمام إليه لمحاربة الفرنسيين، وقد دعمه في ثورته سي قويدر التيطراوي والد الشريف بوحمارة.

بدأ ثورته بـ60 رجلاً

يقسم المؤرخون ثورة الشريف بوبغلة إلى مرحلتين، المرحلة الأولى من سنة 1851 إلى 1853، والتي تصيّد خلالها بوبغلة عملاء الاحتلال وأبرز قادته، والمرحلة الثانية والتي كانت بين 1853 و1854، فكان عنوانها المواجهة المباشرة مع الجيش الفرنسي.
فما أن أكمل الشريف بوبغلة استعداده حتى أعلن بدءاً من 1851 قيام ثورته، وذلك باستهداف الخونة والعملاء في المقام الأول.
فقد كان أول هجوم قاده بوبغلة في شهر مارس/آذار عام 1851 بمنطقة أقبو، ضد الباشاغا بن علي شريف، وهو إقطاعي ومن المتعاونين مع الإدارة الفرنسية المحتلة، وذلك بـ60 رجلاً فقط.
كثّف بعدها بوبغلة هجماته ضد عدة مراكز فرنسية في كل ربوع المنطقة، ما جعل السلطات الفرنسية التي كانت متخوفة من امتداد المقاومة الشعبية، تركز اهتمامها لتخمدها، ونظراً لخطورة حركته، جنّدت السلطات الفرنسية قوات معتبرة تحت أوامر ضباط وجنرالات أمثال، دوريل، وبلانجي، وبوبريطر، وبوسكي دوبروتال، وكامو، من أجل القبض على بوبغلة ووأد ثورته.
في شهر يونيو/حزيران عام 1851، كاد الاحتلال الفرنسي يلقي القبض عليه، وذلك بعد أن كمن له العقيد دي ونجي، غير أنه تمكن من الهرب بعد أن كبّد الفرنسيين خسائر فادحة في الأرواح في معركة أوزلاقن، وذلك حسب مقالٍ لصحيفة المجاهد الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية.
استمر بوبغلة في الانتقال من قرية إلى أخرى في محاولة لتعزيز أتباعه، إلى أن اصطدم بقوات الجنرال بوبريط عند منطقة الواضية يوم 19 يونيو/حزيران 1852، وهي المعركة التي أصيب فيها بوبغلة بجروح في رأسه، ومع ذلك واصل أتباعه المقاومة بقيادة بعض مقربيه أمثال محمد بن مسعود وأحمد بن بوزيد، حتى تمكن من الانسحاب بأقل الخسائر.
وبعد تجديد قواته وإعادة الحياة لمقاومته بدءاً من عام 1853، بدأت مرحلة جديدة في مقاومة بوبغلة، أكثر قسوة وقوة، ففي إحدى المعارك في منطقة بني ميلكش والتي استمرت حوالي 40 يوماً، كبّد بوبغلة قوات الاحتلال الفرنسي خسائر كبيرة، وذلك بعد أن قتل 94 جندياً وجرح 593 آخرين.

تحالف الشريف بوبغلة مع لالة فاطمة نسومر

بعد أن قامت قوات الاحتلال الفرنسي بتكثيف حملاتها ضد الشريف بوبغلة ومقاومته، اضطر الأخير إلى مغادرة بني مليكش، إلى المنطقة الجنوبية لتيزي وزو، هناك التقى مع الثائرة لالة فاطمة نسومر، وقام بتنظيم صفوفه وإحكام خطته لمواجهة قوات الاحتلال الفرنسي من جديد.
ونتيجة لتكثيف حملات المقاومة قام الجنرال الفرنسي روندون بشن حملة كبيرة على مقاومة بوبغلة في منتصف عام 1854، حيث أصيب الشريف بوبغلة خلال واحدة من هذه الحملات.

الشريف بوبغلة

الشريف بوبغلة برفقة لالة فاطمة نسومر

تمكنت لالة فاطمة نسومر من إنقاذ الشريف بوبغلة، ولتستنهض همته، قالت له قولتها المشهورة: "أيها الشريف، لن تتحول لحيتك إلى عُشب أبداً"، قاصدة بذلك أن جهوده لن تضيع هباءً، وأن رفاقه لن يخذلوه ولن يتخلوا عنه.
أُعجب بوبغلة بشخصية فاطمة نسومر وأراد الزواج منها، فطلبها من أخيها، إلا أنه رفض. وبعد شهر من المعارك بين راندون بوبغلة، انسحبت القوات الفرنسية من جرجرة بعد أن تكبّدت خسائر كبيرة على يد المقاومة.

الخيانة تطيح برأس بوبغلة

بعد أن فشلت جيوش الاحتلال الفرنسي في الوصول إلى بوبغلة، لجأت إلى عملائها والمتعاونين معها، والذين كانوا بالآلاف، ولتحفيزهم على القبض على بوبغلة، قامت السلطات الفرنسية برصد مكافأة مالية لكل من يُدلي بمعلومات عن مكانه أو يأتي به حياً أو ميتاً.
سال لعاب العملاء والخونة الجزائريين من أجل الحصول على المكافأة التي رصدتها فرنسا، فقاموا بالبحث عن بوبغلة ورصد تحركاته، إلا أنه اختفى عن الأنظار واعتمد حرب الكرّ والفرّ بدلاً من المواجهة المباشرة.
في نهاية المطاف، تمكَّن أحد الخونة، وهو القايد لخضر المقراني من رصد مكان بوبغلة، وأطلق النار عليه فأصيب إثر ذلك بوبغلة إصابة بالغة في ساقه ليتمكن من القبض عليه.
طلب الشريف بوبغلة من القايد لخضر المقراني ألا يقتله وأن يأخذه حياً ويُسلمه لقوات الاحتلال الفرنسي، إلا أن القايد لخضر استغل الإصابة البالغة في ساق الشريف بوبغلة، وارتمى عليه وقطع رأسه وهو حي، وكان ذلك في 26 ديسمبر/كانون الأول 1854م.
وتمعناً في إذلاله والتمثيل به، قامت سلطات الاحتلال بإرسال رأسه إلى متحف الإنسان بباريس، حيث عرض هناك داخل المتحف لـ170 سنة، قبل أن تسترجعه الجزائر سنة 2020، وتقوم بدفنه مع رفات قادة المقاومة الشعبية في مربع الشهداء بمقبرة العالية.
 
عودة
أعلى