خليج أمير المؤمنين / عبد الرحمن المقدسي

  • بادئ الموضوع Nabil
  • تاريخ البدء

Nabil

التحالف يجمعنا
مستشار المنتدى
إنضم
4/5/19
المشاركات
10,899
التفاعلات
19,945
خليج أمير المؤمنين ..دليلٌ على رعاية دولة الخلافة لشؤون الرعيّة

عبد الرحمن المقدسي



ذكر ابن عبد الحكم في كتابه فتوح مصر والمغرب وفي الطبقات الكبرى لابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن عمر عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص عام الرمادة:
"بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي بن العاصي، سلام عليك، أما بعد أفتراني هالكاً ومن قِبَلي وتعيش أنت ومن قِبَلَك؟ فيا غوثاه، يا غوثاه, يا غوثاه".
قال: فكتب إليه عمرو بن العاص:
" بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد أتاك الغوث فلَبِّث لَبِّث، لأبعثن إليك بعير أولها عندك وآخرها عندي".

فبعث في البر بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيق والدهن، وبعث إليه بخمسة آلاف كساء.
فكانت عيرا عظيمة أولها بالمدينة وآخرها بمصر يتبع بعضها بعضا فلما قدمت على عمر وسع بها على الناس ودفع إلى أهل كل بيت بالمدينة وما حولها بعيرا بما عليه من الطعام وبعث عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص يقسمونها على الناس فدفعوا إلى كل بيت بعيرا بما عليه من الطعام أن يأكلوا الطعام وينحروا البعير فيأكلوا لحمه ويأتدموا شحمه ويحتذوا جلده وينتفعوا بالوعاء الذي كان فيه الطعام لما أرادوا من لحاف أو غيره فوسع الله بذلك على الناس فلما رأى ذلك عمر بن الخطاب حمد الله وكتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر، فقدموا عليه، فقال عمر: "يا عمرو، إن الله قد فتح على المسلمين مصر، وهي كثيرة الخير والطعام، وقد ألقى في رُوعي؛ لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين، والتوسعة عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها قوة لهم ولجميع المسلمين، أن أحفر خليجًا من نيلها حتى يسيل في البحر، فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة، فإن حمله على الظهر يبعد، ولا نبلغ منه ما نريد، فانطلق أنت وأصحابك فتشاوروا في ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم."

فانطلق عمرو فأخبر بذلك من كان معه من أهل مصر، فثَقُلَ ذلك عليهم، وقالوا: نتخوف أن يدخل في هذا ضرر على مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له: إن هذا أمر لا يعتدل ولا يكون، ولا نجد إليه سبيلاً.
فرجع عمرو بذلك إلى عمر، فضحك عمر حين رآه، وقال: "والذي نفسي بيده، لكأني أنظر إليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرنا به من حفر الخليج فثقل ذلك عليهم، وقالوا: يدخل في هذا ضرر على أهل مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له: إن هذا الأمر لا يعتدل، ولا يكون ولا نجد إليه سبيلاً".
فعجب عمرو من قول عمر، وقال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، لقد كان الأمر على ما ذكرت.
فقال له عُمر: انطلق يا عمرو بعزيمة مني حتى تجِدَّ في ذلك، ولا يأتي عليك الحول حتى تفرغ منه إن شاء الله. فانصرف عمرو، وجمع لذلك من الفَعَلَةِ ما بلغ منه ما أراد، ثم احتفر الخليج الذي في حاشية الفسطاط الذي يقال له: خليج أمير المؤمنين، فساقه من النيل إلى القلزم، فلم يأتِ الحول حتى جرت فيه السفن، فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة، فنفع الله بذلك أهل الحرمين، وسمي خليج أمير المؤمنين. ثم لم يزل يحمل فيه الطعام حتى حُمل فيه بعد عمر بن عبد العزيز ثم ضيعته الولاة بعد ذلك فترك وغلب عليه الرمل فانقطع.

عباد الله:
هذه هي مصر عمرو بن العاص يوم أن كانت دولة الخلافة قائمة
وهكذا هم الولاة يوم أن كانوا يتقون الله في رعاياهم وسائر المسلمين, فإن يصلح الراعي ويتقِّ ربه تخشى الذئاب ربوعه وحماهُ
وهذه هي الرعاية الحقيقية التي يجب على المسلمين إقامة من يطبقها وهو خليفة المسلمين وبأسرع وقت ممكن ، وهي الرعاية التي أوجبها الله على الحاكم وهي التي جسدها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال :" واللـــه لو أن شاة عثرت بأرض العراق لكنت مسؤولا عنها ولخشيت أن يحاسبني الله عليها يوم القيامة .

فاللهم ارزقنا خليفة تقياً نقياً, يحبنا ونحبه, ويدعو لنا وندعو له, يحكمنا بكتابك وسنة نبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم... اللهم آمين .
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى