- إنضم
- 14/5/19
- المشاركات
- 5,697
- التفاعلات
- 29,894
الصحوات هي الاسم الحديث لجيوش ومليشيات العملاء والخونة الذين يجري تجنيدهم من قبل المحتل ليكونوا يداً باطشة، وعيناً عارفة وكاشفة تمكِّن المحتل من الاطلاع على أسرار الوطن والوطنيين، وخصوصاً أولئك الذين يتصدون للمحتل ويقاومونه. إن أقدم صحوة (أو خيانة بالمعنى الحقيقي) عرفت في التاريخ الحديث هي صحوة المعلم يعقوب المصري، وهي مليشيات مسلحة شكَّلها "نابليون بونابرت" تحت قيادة هذا الخائن لخدمة قوات الاحتلال الفرنسي في مصر، وقد قاد "يعقوب" تلك المليشيات (الصحوات حالياً) ضد ثورات المصريين الذين نبذوه واحتقروه، فطلب أن يرافق الحملة عند خروجها وهي تجر أذيال الهزيمة من مصر، وفي الطريق إلى فرنسا مات وألقيت جثته لتلوث البحر الأبيض المتوسط.
والخيانة التي ابتكر لها الأمريكيون اسم "الصحوات" قديمة قدم الصراعات التي نشأت منذ ظهر البشر على الأرض، فالفرنسيون الذين ابتكروا الخيانة المسلحة في مصر أثناء حملتهم الاستعمارية على مصر في نهاية القرن الثامن عشر، استعملوها في الجزائر، وشكلوا ما أطلق عليه "الحركيون"، وهم الجزائريون الخونة الذين ساندوا الجيش الفرنسي المعتدي ضد المقاومة الجزائرية، وفي يوم استقلال الجزائر 18/3/1962م وصف الجنرال ديجول "الحركيون" بكلمة شهيرة قال فيها: "هؤلاء لعبة التاريخ، مجرد لعبة".
وقد وصل عدد هؤلاء الخونة إلى ما يقرب من 200 ألف جزائري، وكان عدد سكان الجزائر وقتها لا يتجاوز 10 ملايين نسمة، بينهم الكثير من الرتب العسكرية العالية، وقد ألحقوا الكثير من الأذى بالمقاومة الجزائرية، وذهبوا مع المحتلين عندما غادروا الجزائر مدحورين، وما زالوا يوصمون بأنهم خونة، ويتعامل الفرنسيون مع أحفادهم داخل فرنسا بكثير من الإهانة والاحتقار، كما أن الحكومات الجزائرية المتلاحقة رفضت عودة هؤلاء إلى الجزائر، رغم مرور عشرات السنين على هروبهم إلى فرنسا.
كذلك شكل الأمريكيون "صحوات" في فيتنام بعد هجوم "الفيتكونج" في مايو 1968م أسموها بـ "القرى الاستراتيجية"، وبلغ عددها 16 ألف قرية، وامتدت على طول الحدود الفاصلة بين فيتنام الجنوبية والشمالية، وأفشلها المقاتلون الفيتناميون في عامين. وفي فلسطين كوَّن الاحتلال ما سُمي "روابط القرى" على مرحلتين، الأولى بدأت في الخليل عام 1978م، والثانية تم تأسيسها من جديد عام 1981م من قبل "شارون" عندما كان وزيراً للدفاع. وترأس تلك الروابط "مصطفى دودين"، لكنها سرعان ما وصلت إلى طريق مسدود، بعد أن تحرك الفلسطينيون ضدها، وتصدت لها فصائل المقاومة الفلسطينية وأفشلتها.
الصحوات في العراق
لم يستطع الجيش الأمريكي أن يهزم المقاومة العراقية الشرسة التي قادها تحالف قوي بقيادة «مجلس شورى المجاهدين»، حيث تم طرد جيش الاحتلال من كل مناطق العراق السُّنية، وقد ظهرت الحاجة الماسة لتشكيل "مليشيات الخونة" المسماة بـ"الصحوات"، بعد أن فشل الأمريكيون في تحقيق أي نجاحات حتى بعد تدمير مدينة كاملة على رؤوس أهلها هي مدينة الفلوجة في نوفمبر 2004م، وقد كانت صدمة حقيقية لإدارة الاحتلال الأمريكي، وعندها اعترف الجنرال "مارك كيميت" بأن المسلحين تمكنوا من قطع طرق الإمدادات الرئيسة الخاصة بالقوات الأمريكية.
بعد معركة الفلوجة تضاعفت ثقة المجاهدين وزادت هجماتهم الشرسة؛ مما ألجأ «بوش» لمعهد «راند» التابع لـ«البنتاجون» والممول من سلاح الجو الأمريكي الذي اقترح عليه خمسة خيارات أمام القوات الأمريكية، أهمها أن الجيش الأمريكي سيفشل لا محالة؛ لأنه مصمَّم لقتال جيوش كبرى، ولن يتمكن من تحقيق النصر في حرب العصابات التي تخوضها ضده فصائل مسلحة كثيرة في العراق، وأن السبيل الوحيد هو اتباع أسلوب قتالي يشبه ذلك الذي يستخدمه المسلحون، على أن يكون المقاتلون من نفس البيئة، ويتغلغلون في وسط المقاتلين.
وقدمت الصحوات معلومات استخباراتية دقيقة وتفصيلية عن كل بيت وقرية ومدينة، وتم اعتمادها من قبل غرفة عمليات خاصة تابعة للأجهزة الأمنية، واستهدفوا المقاومة في العراق بجميع رموزها وقياداتها ومن يدعمها، حتى الذي يقدم الإسناد المعنوي لها، واستهدفوا جميع المقاومين للاحتلال الأمريكي والمعارضين للحكومة والعملية السياسية، المدعومة بقوة من إيران دون استثناء. وتحقق ما أرادته أمريكا وما خططت له، وعادت قوات الاحتلال الأمريكي لبسط سيطرتها على العديد من المناطق الساخنة، وفي مقدمتها محافظة الأنبار، بعد أن طاردت "صحوات" العمالة والخيانة رجال المقاومة جميعهم ودون استثناء، وهي تجاهر بعمالتها وخيانتها، وتستقل "سيارات الهمر" وتضع الشارات الأمريكية على صدور أعضائها.
الصحوات في ليبيا
من أخطر ما فعلته أمريكا استنساخ تجربة الصحوات في العراق، بتأسيس صحوات ليبية تقاتل مع اللواء المتقاعد "خليفة حفتر" بتمويل مشبوه، ولكن هذه الصحوات تأثيرها محدود؛ لأنها تكونت على عجل بعد الإخفاقات المتكررة لـحفتر في تحقيق أي إنجازات تذكر على الأرض. فقد لجأ حفتر، إلى تكتيك جديد في الحرب على بنغازي وطرابلس، في محاولة لدخولها، بعد أن عجز عن ذلك منذ انطلاق مؤامرته المسماة زوراً "عملية الكرامة" في 16 مايو 2014، وهذا التكتيك يعمل على خلق جيوب داخلية في أحياء بنغازي، خصوصاً تلك التي تسكن فيها طبقات شعبية فقيرة وجاهلة يمكن خداعها.
الصحوات في سوريا
تشكلت في بداية الثورة السورية كتائب مثل "كتيبة الفاروق" معظم أفرادها انشقّ عن جيش النّظام وقامت بمحاربته، ثمّ ظهرت بعد ذلك الفصائل الإسلامية “النصرة والأحرار وداعش”، تلك الفصائل لم تكن مهمتها قتال النظام السوري بل قتال الكتائب الحرّة المنشقة عن الجيش النظامي وأطلقوا عليها لقب "الصحوات" ليلصقوا بها تهمة العمالة لأمريكا. كان من الواضح منذ البداية أنّ معظم تلك الفصائل صنيعة النظام السوري لأنّها لم تدخل معركة حقيقية واحدة معه وتنتصر فيها! لقد أسست "صحوات سوريا" لنفسها قاعدة في المنطقة الشرقية، وبدأت بالانتشار في بقية المناطق، في الوسط والشمال، ووصلت إلى ريف دمشق الغربي. إن مؤامرة الصحوات واحدة من أسوأ المؤامرات التي تعرضت لها سوريا؛ لأنها ضربت قوى الثورة بعضَها بعضاً، فتكسرت شوكتها جميعاً، ومن ثَمّ أصبح المسرح جاهزاً لقوى الاستعمار الغربية لتفرض على سوريا الحل الذي تريد، والذي سيكون من أهم أجزائه المحافظة على الهيكل الأساسي لنظام الاحتلال الذي سلّطوه على سوريا منذ نصف قرن، وإجهاض الثورة قبل أن تحقق أهدافها.
mugtama
aljazeera