- إنضم
- 9/12/19
- المشاركات
- 1,855
- التفاعلات
- 7,709
استراتيجية الأمن القومي الياباني ما بعد الكورونا
مدخل
يمكن اعتبار أزمة كورونا تهديدًا للأمن القومي الياباني، لكن التهديدات التقليدية لم تختف. نظرًا لأن الوضع الدولي يصبح أكثر تعقيدًا وتقلبًا، فمن المهم عدم المبالغة في التركيز على معالجة القضايا الأمنية الجديدة.
النظر في التغييرات الاستراتيجية
يعد فيروس كورونا الجديد الذي ينتشر في جميع أنحاء العالم مشكلة أمن قومي، بمعنى أنه يشكل تهديدا كبيرا لحياة الناس ووجود الدولة. وبالنظر إلى أول إستراتيجية للأمن القومي الياباني، والتي تم إقرارها في عام 2013، أدركت مرة أخرى أن هناك إشارة إلى الأوبئة باعتبارها واحدة من قضايا الأمن القومي المهمة للبشر.
ولا معنى من مجرد نشر مفهوم الأمن القومي من خلال مناقشة تدابير مكافحة الأوبئة تلك على أنها قضية أمن قومي، ولكن قيام حالة الجائحة اليوم بإحداث أي تغيير في إستراتيجية الأمن القومي الياباني هو قضية يجب النقاش حولها بشكل كافٍ.
تم اعتبار الأوبئة مجالا سهلا نسبيا للتعاون الدولي في قضايا الأمن القومي غير التقليدية كما هو الحال في الكوارث الطبيعية، ولكن بالنظر إلى عالم اليوم، تشير الظروف إلى أنه من الصعب التفكير بأن ذلك التعاون يتقدم بسلاسة. وأيضا، إن التحركات غير المريحة الأخرى، مثل استغلال الفراغ الناتج عن تركيز المجتمع الدولي اهتمامه على هذه القضية، تثير قضية الأمن القومي. بعبارة أخرى، إن اليابان في وضع يجب عليها التفكير فيه بأمنها القومي في ظل ظروف أكثر تعقيدا من أي وقت مضى.
ازدياد سرعة تغيير النظام الدولي
في الوقت الحالي، يخضع النظام الدولي لتغييرات كبيرة، ويمكن ملاحظة أن سرعة التغيير حتى الآن ازدادت أكثر من تغير اتجاه ذلك التغيير. وهناك ثلاثة عناصر تتقدم في نفس الوقت هي: احتدام المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، وإعادة التأكيد على دور الدولة، والمزيد من التقدم في العولمة.
وبخصوص المواجهة الأمريكية الصينية، قامت الصين بإخفاء تفشي العدوى، وفشلت في احتواء الفيروس، وفقدت الثقة في العالم، وبالإضافة إلى ذلك فإن الحكومة في موقف صعب داخليا. حيث لم تتعلم من درس فيروس سارس في عام 2003. كما فشلت الولايات المتحدة في وقف انتشار العدوى، وسيكون لهذه القضية تأثير كبير على الانتخابات الرئاسية. وأصبح الرأي العام الأمريكي أكثر معاداة للصين، وأصبحت الانتخابات الرئاسية شكلا من أشكال التنافس في المواقف المتشدد تجاه الصين.
علاوة على ذلك، تزداد المنافسة بين النظامين السياسيين المختلفين اللذين تمثلهما الولايات المتحدة والصين. حيث تقف كل دولة من دول العالم على مفترق طرق للاختيار بين مجتمع المراقبة الرقمية على النمط الصيني، أو مجتمع رقمي حر ومفتوح على النمط الغربي. وستشتد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على اختيار الدول النامية التي تشكل الأغلبية بين النظامين.
حيث تزداد نظرة كل من الغرب واليابان وأستراليا وغيرها من الدول سوءا تجاه الصين، ويصبح من الصعب اتخاذ موقف يعتبر أن ”الصين للاقتصاد، والولايات المتحدة للأمن القومي“. ومع ذلك، فإن الدول التي يمكنها تجاهل سوق الصين الضخم وقوتها الاقتصادية قليلة. وإذا تعافت الصين اقتصاديا بشكل أسرع من الولايات المتحدة، فهناك احتمال أن يتولد جو تكون فيه الصين دولة من الممكن الاعتماد عليها، ولكن لا يمكن التنبؤ بذلك.
بالإضافة إلى ذلك، ينتشر الفيروس متجاوزا الحدود بين الدول، ولكن تم التأكد مجددا بأن كل دولة ذات سيادة بشكل أساسي هي التي استجابت لذلك. وأصبحت مراقبة الحدود أكثر صرامة، وازداد الشعور بوجود دول ذات سيادة بفضل التدابير الحدودية والإنفاق المالي. ولا يمكن تجاهل دور المنظمات الدولية في القضايا العالمية، لكن قدرتها محدودة في الواقع، لأنها أماكن تتعارض فيها مصالح الدول. حيث كشف فشل منظمة الصحة العالمية (WHO) عن هذا مرة أخرى، وأدى أيضا إلى استعادة الدول ذات السيادة لدورها.
التعايش بين الانقسام السياسي وعولمة الاقتصاد
من ناحية أخرى، وعلى عكس إعادة إدراك دور الدولة، من المتوقع أن تمضي عولمة المجتمع الدولي التي تركز على الاقتصاد أكثر. وعلى الرغم من تقييد حركة الأشخاص وحركة البضائع بشكل كبير في الوقت الحالي، فإن التقدم التكنولوجي لن يعود إلى الوراء أبدا، لذلك يُعتقد أنه لن يكون هناك تغيير في اتجاه الروابط العالمية لأن تصبح أوثق. وفيما يتعلق بنقل المعلومات، يتم تعزيز التوسع السريع في استخدام الفضاء السيبراني، كما تزداد أهمية الفضاء السيبراني باعتباره منفعة عامة دولية.
وستتم مراجعة سلاسل التوريد التي تعتمد بشكل كبير على الصين، ولكن هناك أيضا مشكلة تكلفة الإنتاج، وباستثناء بعض المجالات مثل تلك المتعلقة بالرعاية الطبية والصحية، فلا يُتوقع أن تمتد تحركات عودة قواعد التصنيع من الخارج إلى الصناعات التحويلية بأكملها. بل سيتم السعي لتقسيم العمل وتنويعه. وبسبب مشاكل مثل انتهاك الصين لحقوق الملكية الفكرية، من المحتمل أن تزداد المسافة الاجتماعية مع الصين، لكن من المستحيل فصل الصين عن المجتمع الدولي.
وهذا يعني أن الوضع المعقد الذي يزداد فيه في نفس الوقت تقسيم العالم السياسي وتقوية الروابط التي تركز على الاقتصاد سيستمر.
تصاعد التوترات العسكرية
من ناحية أخرى، فإن التهديدات التقليدية لا تتضاءل خلال تأثر العالم بشكل كبير بالجائحة أيضا. ففي المنطقة المحيطة باليابان، تواصل كوريا الشمالية استفزاز المجتمع الدولي من خلال إطلاق الصواريخ و ”خطط العمل العسكري“. ومنذ بداية العام وبشكل يومي تقريبا، تقوم السفن الرسمية الصينية بدخول منطقة المياه المتاخمة حول جزر سينكاكو، ودخول المياه الإقليمية بشكل متكرر حوالي مرتين في الشهر. وفي بحر الصين الجنوبي، تم الإبلاغ عن تصرفات عدوانية من قبل السفن الرسمية الصينية ضد سفن الصيد الفيتنامية. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت الصين أنها ستنشئ منطقة إدارية جديدة على جزيرة اصطناعية في بحر الصين الجنوبي، وتعزيز التحركات لإحكام السيطرة على تلك المنطقة.
ومع ذلك، فإن ”الأمن القومي“ الذي يهتم به المجتمع الدولي حاليا هو أمن الصحة والاقتصاد والغذاء المتعلق بكورونا، بينما الاهتمام بالقضايا التقليدية بين الدول ضئيل. ويعتبر يوم الثاني عشر من شهر يوليو/تموز اليوم الذي أصدرت فيه محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي قرارا تاريخيا بشأن قضية بحر الصين الجنوبي قبل أربع سنوات، ولكن تم تسليط الضوء فقط على بيان وزير الخارجية الأمريكي المتعلق بهذه القضية في اليوم التالي، في سياق الصراع بين الولايات المتحدة والصين.
علاوة على ذلك، هناك أخبار تقول إن تشغيل حاملات الطائرات الأمريكية وغيرها مقيد بسبب حدوث إصابات فيها. وسيتم أيضا تقليص حجم المناورات العسكرية في المحيط الهادئ (RIMPAC) بقيادة قوات البحرية الأمريكية هذا العام. وإذا استمرت هذه الأمور، فلا يمكن إيقاف إحكام الصين لسيطرتها على بحر الصين الجنوبي وغيره من المناطق. وليس ذلك فحسب، بل إن كفاءة الجيش الأمريكي واستجابته السريعة، بالإضافة إلى التعاون مع الدول الحليفة والصديقة، يمكن أن تتأثر سلبا. بعبارة أخرى، ستضعف القوة اللازمة لحماية الأمن القومي الإقليمي
يتبع
مدخل
يمكن اعتبار أزمة كورونا تهديدًا للأمن القومي الياباني، لكن التهديدات التقليدية لم تختف. نظرًا لأن الوضع الدولي يصبح أكثر تعقيدًا وتقلبًا، فمن المهم عدم المبالغة في التركيز على معالجة القضايا الأمنية الجديدة.
النظر في التغييرات الاستراتيجية
يعد فيروس كورونا الجديد الذي ينتشر في جميع أنحاء العالم مشكلة أمن قومي، بمعنى أنه يشكل تهديدا كبيرا لحياة الناس ووجود الدولة. وبالنظر إلى أول إستراتيجية للأمن القومي الياباني، والتي تم إقرارها في عام 2013، أدركت مرة أخرى أن هناك إشارة إلى الأوبئة باعتبارها واحدة من قضايا الأمن القومي المهمة للبشر.
ولا معنى من مجرد نشر مفهوم الأمن القومي من خلال مناقشة تدابير مكافحة الأوبئة تلك على أنها قضية أمن قومي، ولكن قيام حالة الجائحة اليوم بإحداث أي تغيير في إستراتيجية الأمن القومي الياباني هو قضية يجب النقاش حولها بشكل كافٍ.
تم اعتبار الأوبئة مجالا سهلا نسبيا للتعاون الدولي في قضايا الأمن القومي غير التقليدية كما هو الحال في الكوارث الطبيعية، ولكن بالنظر إلى عالم اليوم، تشير الظروف إلى أنه من الصعب التفكير بأن ذلك التعاون يتقدم بسلاسة. وأيضا، إن التحركات غير المريحة الأخرى، مثل استغلال الفراغ الناتج عن تركيز المجتمع الدولي اهتمامه على هذه القضية، تثير قضية الأمن القومي. بعبارة أخرى، إن اليابان في وضع يجب عليها التفكير فيه بأمنها القومي في ظل ظروف أكثر تعقيدا من أي وقت مضى.
ازدياد سرعة تغيير النظام الدولي
في الوقت الحالي، يخضع النظام الدولي لتغييرات كبيرة، ويمكن ملاحظة أن سرعة التغيير حتى الآن ازدادت أكثر من تغير اتجاه ذلك التغيير. وهناك ثلاثة عناصر تتقدم في نفس الوقت هي: احتدام المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، وإعادة التأكيد على دور الدولة، والمزيد من التقدم في العولمة.
وبخصوص المواجهة الأمريكية الصينية، قامت الصين بإخفاء تفشي العدوى، وفشلت في احتواء الفيروس، وفقدت الثقة في العالم، وبالإضافة إلى ذلك فإن الحكومة في موقف صعب داخليا. حيث لم تتعلم من درس فيروس سارس في عام 2003. كما فشلت الولايات المتحدة في وقف انتشار العدوى، وسيكون لهذه القضية تأثير كبير على الانتخابات الرئاسية. وأصبح الرأي العام الأمريكي أكثر معاداة للصين، وأصبحت الانتخابات الرئاسية شكلا من أشكال التنافس في المواقف المتشدد تجاه الصين.
علاوة على ذلك، تزداد المنافسة بين النظامين السياسيين المختلفين اللذين تمثلهما الولايات المتحدة والصين. حيث تقف كل دولة من دول العالم على مفترق طرق للاختيار بين مجتمع المراقبة الرقمية على النمط الصيني، أو مجتمع رقمي حر ومفتوح على النمط الغربي. وستشتد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على اختيار الدول النامية التي تشكل الأغلبية بين النظامين.
حيث تزداد نظرة كل من الغرب واليابان وأستراليا وغيرها من الدول سوءا تجاه الصين، ويصبح من الصعب اتخاذ موقف يعتبر أن ”الصين للاقتصاد، والولايات المتحدة للأمن القومي“. ومع ذلك، فإن الدول التي يمكنها تجاهل سوق الصين الضخم وقوتها الاقتصادية قليلة. وإذا تعافت الصين اقتصاديا بشكل أسرع من الولايات المتحدة، فهناك احتمال أن يتولد جو تكون فيه الصين دولة من الممكن الاعتماد عليها، ولكن لا يمكن التنبؤ بذلك.
بالإضافة إلى ذلك، ينتشر الفيروس متجاوزا الحدود بين الدول، ولكن تم التأكد مجددا بأن كل دولة ذات سيادة بشكل أساسي هي التي استجابت لذلك. وأصبحت مراقبة الحدود أكثر صرامة، وازداد الشعور بوجود دول ذات سيادة بفضل التدابير الحدودية والإنفاق المالي. ولا يمكن تجاهل دور المنظمات الدولية في القضايا العالمية، لكن قدرتها محدودة في الواقع، لأنها أماكن تتعارض فيها مصالح الدول. حيث كشف فشل منظمة الصحة العالمية (WHO) عن هذا مرة أخرى، وأدى أيضا إلى استعادة الدول ذات السيادة لدورها.
التعايش بين الانقسام السياسي وعولمة الاقتصاد
من ناحية أخرى، وعلى عكس إعادة إدراك دور الدولة، من المتوقع أن تمضي عولمة المجتمع الدولي التي تركز على الاقتصاد أكثر. وعلى الرغم من تقييد حركة الأشخاص وحركة البضائع بشكل كبير في الوقت الحالي، فإن التقدم التكنولوجي لن يعود إلى الوراء أبدا، لذلك يُعتقد أنه لن يكون هناك تغيير في اتجاه الروابط العالمية لأن تصبح أوثق. وفيما يتعلق بنقل المعلومات، يتم تعزيز التوسع السريع في استخدام الفضاء السيبراني، كما تزداد أهمية الفضاء السيبراني باعتباره منفعة عامة دولية.
وستتم مراجعة سلاسل التوريد التي تعتمد بشكل كبير على الصين، ولكن هناك أيضا مشكلة تكلفة الإنتاج، وباستثناء بعض المجالات مثل تلك المتعلقة بالرعاية الطبية والصحية، فلا يُتوقع أن تمتد تحركات عودة قواعد التصنيع من الخارج إلى الصناعات التحويلية بأكملها. بل سيتم السعي لتقسيم العمل وتنويعه. وبسبب مشاكل مثل انتهاك الصين لحقوق الملكية الفكرية، من المحتمل أن تزداد المسافة الاجتماعية مع الصين، لكن من المستحيل فصل الصين عن المجتمع الدولي.
وهذا يعني أن الوضع المعقد الذي يزداد فيه في نفس الوقت تقسيم العالم السياسي وتقوية الروابط التي تركز على الاقتصاد سيستمر.
تصاعد التوترات العسكرية
من ناحية أخرى، فإن التهديدات التقليدية لا تتضاءل خلال تأثر العالم بشكل كبير بالجائحة أيضا. ففي المنطقة المحيطة باليابان، تواصل كوريا الشمالية استفزاز المجتمع الدولي من خلال إطلاق الصواريخ و ”خطط العمل العسكري“. ومنذ بداية العام وبشكل يومي تقريبا، تقوم السفن الرسمية الصينية بدخول منطقة المياه المتاخمة حول جزر سينكاكو، ودخول المياه الإقليمية بشكل متكرر حوالي مرتين في الشهر. وفي بحر الصين الجنوبي، تم الإبلاغ عن تصرفات عدوانية من قبل السفن الرسمية الصينية ضد سفن الصيد الفيتنامية. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت الصين أنها ستنشئ منطقة إدارية جديدة على جزيرة اصطناعية في بحر الصين الجنوبي، وتعزيز التحركات لإحكام السيطرة على تلك المنطقة.
ومع ذلك، فإن ”الأمن القومي“ الذي يهتم به المجتمع الدولي حاليا هو أمن الصحة والاقتصاد والغذاء المتعلق بكورونا، بينما الاهتمام بالقضايا التقليدية بين الدول ضئيل. ويعتبر يوم الثاني عشر من شهر يوليو/تموز اليوم الذي أصدرت فيه محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي قرارا تاريخيا بشأن قضية بحر الصين الجنوبي قبل أربع سنوات، ولكن تم تسليط الضوء فقط على بيان وزير الخارجية الأمريكي المتعلق بهذه القضية في اليوم التالي، في سياق الصراع بين الولايات المتحدة والصين.
علاوة على ذلك، هناك أخبار تقول إن تشغيل حاملات الطائرات الأمريكية وغيرها مقيد بسبب حدوث إصابات فيها. وسيتم أيضا تقليص حجم المناورات العسكرية في المحيط الهادئ (RIMPAC) بقيادة قوات البحرية الأمريكية هذا العام. وإذا استمرت هذه الأمور، فلا يمكن إيقاف إحكام الصين لسيطرتها على بحر الصين الجنوبي وغيره من المناطق. وليس ذلك فحسب، بل إن كفاءة الجيش الأمريكي واستجابته السريعة، بالإضافة إلى التعاون مع الدول الحليفة والصديقة، يمكن أن تتأثر سلبا. بعبارة أخرى، ستضعف القوة اللازمة لحماية الأمن القومي الإقليمي
يتبع