توفّي عباسي مدني، أحد رموز الحركة الإسلامية الجزائرية أحد مؤسّسي الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي حُلَّت وحُظِرَت بعد فوزها بالانتخابات التشريعية في سنة 1991، ليتوقّف المسار الديمقراطي في الجارة الجزائرية، وتبدأَ فصول العَشْرِيَّةِ السوداء التي طبعها العنف والإرهاب.
عباسي مدني الذي حصل على دكتوراه الدولة في علم النفس المقارَن من بريطانيا، ودرّس علم النفس التربوي بالجزائر، خبر سجون الجارة الشرقية قبل الاستقلال وبعدَه؛ إذ كان ممّن اعتُقِلوا بسبب نضالهم المسلّح ضد الاستعمار الفرنسي، ثم أُدين بتُهمة المسّ بأمن الدولة الجزائرية، قبل أن يوضع تحت الإقامة الجبرية بعد الإفراج عنه لأسباب صحية، ثم انتقل إلى ماليزيا من أجل العلاج، فقطر التي مكث بها إلى أن وافته المنيّة يوم الأربعاء الماضي.
قائد تاريخي
قال مصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري، إن "عباسي مدني من القيادات التاريخية للحرب التي شنّها الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، له رؤية وتصوُّر ينبعثان من قيم ومبادئ الشعب الجزائري الأصيل"، وأضاف أن الراحل "كان ضحية الدولة العميقة التي أجهضت عملية الانتقال إلى الديمقراطية في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وتعرّض لعمليّة ممنهجَة من التشويه والإيقاع به وجرِّ أتباعه إلى المطبّات الأمنية من أجل مصادرة القرار السياسي بشكل خطير جدا".
وأورد المعتصم أن ما كان يؤثّر فيه في شخصية عباسي مدني، هو أنه "رغم كل ما جرى في حقّه، بقي عنده إحساس بالانتماء ليس فقط للجزائر، بل أيضا للمنطقة، وكان يتأسّف جدا لما هو حاصل بين المغرب والجزائر، وكان عنده طلب وحيد هو أن يأتي إلى الرباط ويعلن موقفه من قضية الصحراء، لأنه كان يعتبر الصحراء مغربية وكان يقول إنها قضية صنعتها الدولة العميقة لأطماع أخرى، وليست قضية الشعب الجزائري، وهي الرغبة التي لم تتحقّق له مع الأسف الشديد".
ومما يذكُرُه المعتصم من لقاءاته مع عباسي مدني "إيمانُهُ بأنه لا يمكن للمغرب، ولا الجزائر، ولا تونس، ولا ليبيا، النهوض دونَ تعاون على المستوى المغاربي"، موردا: "قد أختلف معه في بعض قراءاته للواقع، وبعض تحليلاته، وبعض الأفعال التي سارت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ولكنه كان رجلا يمكن الاعتماد عليه في بناء رأي عام جزائري".
موقف إيجابي من مغربية الصحراء
بدوره، قال عبد الرحيم شيخي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، إن "الشيخ عباسي مدني أحد رجالات الحركة الوطنية الجزائرية، وأحد زعماء الحركة الإسلامية في الجزائر الذي قاد تجربة سياسية عندما شهدت الجزائر الشقيقة الانفتاح"، مضيفا أنها "كانت تجربة سياسية لم يكتب لها النجاح لظروف يعرفها الخاص والعام".
وذكر رئيس حركة التوحيد والإصلاح أنّ عباسي مدني قدّم لبلده ووطَنِه الشيء الكثير، وكانت له مواقف إيجابية، سواء من اتحاد المغرب العربي أو من القضية الوطنية المغربية، وقاد تجربة سياسية كان لها أثر كبير في الجزائر الحديثة.
واستحضر شيخي كون الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانت تعتَبَر أكبر الأحزاب السياسية في الجزائر، وقال: "الدليل على ذلك أنها في الدورة الأولى للانتخابات حصلت على ثقة الشعب الجزائري في تلك المرحلة"، مضيفا أن "الشيخ عباسي مدني كان له تأثير كبير على كثير من الشباب وكثير من أبناء الحركة الإسلامية والشعب الجزائري، واليوم نجد أن هناك تنوُّعا وتعدّدا في الحركة الإسلامية، ومع ذلك تبقى تجربة الجبهة الإسلامية جديرة بالدراسة والاهتمام".
سرور بحَراك الشّعب
سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رأى في وفاة عباسي مدني، الزعيم السابق للجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر، "فقدانا لشخصيّة وطنية أبلت البلاء الحسن في الحركة الوطنية الجزائرية، وكانت لها مشاركة مشهودة في المسيرة التنموية بالجزائر المستقِلّة"، واستحضر في تعزية مكتوبة "دفاع الراحل المستميتَ عن القضية الوطنية بالمغرب، والعلاقةَ الأخوية التي كانت تربطه مع الرئيس المؤسِّس للحزب (البيجيدي) عبد الكريم الخطيب".
من جهته، وصف عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية رئيس الحكومة السابق، وفاة عباسي مدني بـ"الحدث المؤسِف"، مضيفا أن "الشيخ من الأبناء البَرَرَة للجزائر، ومن الناس الذين أثّروا في تاريخها".
وذكر بنكيران، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن وفاة عباسي مدني "صادفت هذا الحَراك الموجود الآن، وبدون شكّ أنه مسرور برؤية أن الشعب، والحمد لله، يتصرَّف بطريقة سلمية، ويريد أن يحقّق الديمقراطية"، ثم أجمل قائلا: "أتمنّى أن تكون وفاتُهُ بركة على أهل الجزائر حتى يزدادوا تفاهما وصلاحا".