هل نحن أمام أندلس جديدة؟ / جهاد الخازن

  • بادئ الموضوع Nabil
  • تاريخ البدء

Nabil

التحالف يجمعنا
مستشار المنتدى
إنضم
4/5/19
المشاركات
10,802
التفاعلات
19,815
عيون وآذان (هل نحن أمام أندلس جديدة؟)

جهاد الخازن


هربت من آثام السياسة العربية إلى الأدب الأندلسي، موضوع دراستي الجامعية، ووقعت في ما هربت منه.
هل العرب أمام أندلس جديدة؟ هل يكون مصيرهم في بلادهم اليوم مصيرهم في الأندلس قبل 500 عام؟ هل نعيش حتى نبكي مُلكاً مضاعاً؟ أو يكون البكاء من نصيب الأولاد؟

العرب اليوم أقل حظاً منهم في الأندلس حيث كانت لهم مآثر ليس منها شيء عندنا. كانت لهم جامعة قرطبة والكتب. أقاموا صناعة للورق عاصمتها شاطبة. ألفوا في التاريخ والجغرافيا والأسفار، ابن الخطيب والبكري والإدريسي. تفوقوا في الفلك والرياضيات وتركوا أسماء النجوم، العقرب والطائر والذيب والجدي والفرقد. تقدموا في الطب على أيدي الزهراوي وابن زهر. كان لهم في الفلسفة ابن باجه وابن طفيل وابن رشد (واليهودي ابن ميمون) وابن عربي الصوفي. كانت طليطلة مركز ترجمة للمشرق والمغرب. أقاموا زراعة وصناعة وأول تجارة عالمية.

العرب في إسبانيا أطلقوا النهضة الأوروبية بعد عصور الظلام ثم ناموا، أو ماتوا.
عرب اليوم ليس عندهم شيء من أمجاد الأندلس، وانما هم في الأندلس الأخرى وبت أرجح أن يلقوا مصيرها.
التاريخ الآخر للأندلس يقول إن طارق بن زياد عبر البحر الى الأندلس في غزوة سنة 711 ميلادية (91 هجرية)، نجحت نجاحاً فاق طموحات قائدها، وتبعه مولاه موسى بن نصير سنة 712 (92 هجرية)، وقرأت أنه قابل طارق بن زياد في طليطلة ووبخه وضربه بالسوط لأنه تقدم من دون أن يأخذ رأي مولاه، واختفت أخبار طارق الذي عاد جندياً مغموراً في خدمة سيده.

موسى بن نصير حمل غنائم خرافية الى الخليفة في دمشق، وكان الوليد بن عبدالملك مريضاً على وشك الموت، وطلب وريثه سلمان بن عبد الملك من موسى أن يؤخر وصوله ليحظى هو بالغنائم. ورفض موسى وسلّم الغنائم الى الوليد الذي توفي بعد ذلك. واضطهد سلمان فاتح الأندلس وقيل انه أوقفه في الشمس يوماً كاملاً حتى سقط مغشياً عليه. وفي الأخبار أنه مات في الطريق الى المدينة، أو أنه شوهد يتسول في قرى حول المدينة.

الأندلس تعاقَب عليها 23 أميراً بين 723 و755 ميلادية عندما جاءها الأمير الأموي عبدالرحمن الداخل ليقيم إمارة وحّدت معظم البلاد لا كلها.

كان في الأندلس عرب انقسموا بين عصبية مضرية ويمانية وبربر، وجاء مع عبدالرحمن السوريون، وهو واجه مقاومة من اليمنية «وأوقع بهم واستوحش من العرب قاطبة وعرف أنهم على غل وحقد، فانحرف عنهم الى اتخاذ المماليك، وأخذ يشتري الموالي من كل ناحية، واستعان بالبربر واستكثر منهم حتى بنى جيشاً كبيراً» («نفح الطيب» للمقري).

التاريخ السياسي للأندلس كله من هذا النوع، وخلفاء عبدالرحمن تآمر بعضهم على بعض، وتعاونوا مع ملوك الإسبان على منافسيهم، ووقعت الفتنة البربرية في 400 هجرية، وتبع ذلك ملوك الطوائف، ومنهم موالي العامرية في المرية ومرسيه وبلنسيه وغيرها، والبربر الصنهاجيون في غرناطة ومالقة، وبنو الأفطس في غرناطة، وبنو ذي النون في طليطلة، ومنهم المأمون الذي استعان بالملك فرديناند ضد أعدائه مقابل جزية، وبنو حمود الحسينيون في قرطبة، وفي أيامهم وقعت ثلاث مصائب، فقد استولى النورمانيون على بربشتر ثم طليطلة التي حول اذفونش جامعها المشهور إلى كنيسة سنة 478 هجرية، وبعدها سقطت بلنسية.

ثم جاء المرابطون في 484 هجرية وبقوا الى 539 هجرية عندما تبعهم الموحدون، ولم يبق أمير إلا وتعاون مع الفرنجة على الأمراء الآخرين، وإذا انتصر بطش بأعدائه وزاد العداء والفرقة.

وكان آخر أمراء العرب من بني نصر، ولم يشذوا عن قاعدة التآمر بعضهم على بعض، وكتب التاريخ تقول إن سلاطينهم 21 رجلاً حكموا بين 1232 و1492 ومنهم ستة وُلّوا الحكم مرتين، وواحد هو محمد الثامن المتمسِّك (بكرسي الحكم طبعاً) ولّي الحكم ثلاث مرات. وفي النهاية استعمل الملك فرديناند محمد الحادي عشر، أبا عبدالله، وكان أسيراً عنده ضد اخوانه، وقامت حرب دامية بين السلاطين وسقطت غرناطة وإسبانيا كلها في أيدي مملكتي كاستيل والاراغون اللتين توحدتا بزواج ملك الأراغون فرديناند من ملكة الكاستيل ايزابيل وانتقل محمد الثاني عشر إلى تلمسان «وقضى بقية حياته يأخذ من أوقاف الفقراء ويلبس ثوباً خَلِقاً» (المقري).

وأسأل مرة ثانية هل نحن أمام أندلس جديدة، أندلس السياسة لا المآثر؟ ربما سهّل القارئ على نفسه الوصول الى جواب اذا استبدل بأسماء أندلسية أسماء معاصرة، وقارن أحداثاً حتى السقوط بأحداث كان شاهداً عليها في عمره.

يكفي نكداً، ولعل القارئ لاحظ أنني لم أشر في كل ما سبق الى المعتمد بن عبّاد، فقد رأيت بعد أن غرقت في بحر كتب التاريخ والأدب أن أكمل غداً ببعض الشعر الأندلسي المناسب، فالشعر تاريخ الأندلس كما هو تاريخ العرب.

يتبع ... مقالة أخرى
عن موقع الحياة
 
التعديل الأخير:
يا أهل أندلس حثّوا مطيّكم

جهاد الخازن


أكمل مع الأندلس شعراً لا سياسة. وكنت توكأت كثيراً على هذا الشعر بعد غزو العراق، غير أنني أصبحت أسأل هل نواجه جميعاً مصير الأندلس؟ وهل يقوم بيـن شعرائنا المحدثين من يبكينا شـعراً قبل السقوط الأخير؟

المعتمد بن عبّاد كان بطل حرب وحب، وشاعراً من مستوى الشعراء الكبار الذين مدحوه في أيام مجده. هو هزم الملك ألفونس في الزلاقة، وقيل ان ثلاث أفراس عُقرت تحته في المعركة. ثم استنجد بالمرابطين في مراكش، وحذره رجاله خوفاً من طمعهم في ملكه، فقال قولته المشهورة «رعي الجمال خير من رعي الخنازير». وأنجده يوسف بن تاشفين، وعاد إلى المغرب، إلا أنه لم ينسَ رغد العيش في اسبانيا، فعاد إليها بعد سنتين وانتهى المعتمد بن عبّاد في الأسر.

المقري في «نفح الطيب» يورد صورة مؤلمة لوضع الشاعر الأمير والشعراء الذين عاشوا على بابه ويقول إن الشعراء المكدّين لم يعفوه وهو أسير مقيّد من الإلحاح بمدائحهم رجاء جوائزه، مثل الحصري الذي قاسمه المعتمد ما بيده. وتجمعت حوله زعنفة من شعراء الكدّية قال المعتمد فيهم:

شعراء طنجة كلهم والمغرب/ ذهبوا من الأغراب أبعد مذهبِ
سألوا العسير من الأسير وأنه/ بسؤالهم لأحقّ منهم فأعجبِ
لولا الحياء وعزة لخميّة/ طي الحشى لحكاهم في المطلبِ
قد كان إن سُئل الندى يجزل وإن/ نادى الصريخ ببابه اركبْ يركبِ».

هذا الأمير الشاعر انتهى في أغمات شريداً طريداً معدماً وأكثرنا يحفظ من شعره ما يُتعظ به:

«فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا/ فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة/ يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة/ أبصارهن حسيراتٍ مكاسيرا».

المرابطون قدموا الفقهاء على الشعراء، وكانت معرفتهم باللغة محدودة لأنهم من أصول بربرية، وعندما مدح شعراء يوسف بن تاشفين ولم يتحرك لشعرهم سأله المعتمد: أيعلم أمير المسلمين ما قالوه؟ قال: لا أعلم ولكنهم يطلبون الخبز. وهو عندما قرأ رسالة من المعتمد الذي عاد إلى دار ملكه فيها بيت الشعر:
«حالت لفقدكم أيامنا فغدت/ سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا»،
أعتقد أن المعتمد يطلب منه جواري سوداوات وبيضاوات. وشُرِح له معنى الكلام، فأمر أن يكتب للمعتمد
«أن دموعنا تجرى عليه ورؤوسنا توجعنا من بعده».

ولا بد من أن رأس ابن تاشفين شفي بعد نفيه المعتمد، وهذا لا يستحق مصيره مثل المستكفي، فقد سبقه عبدالرحمن المسكين الذي ثار عليه الناس واختبأ في أتون الحمام فأُخرج منه وهو في قميص مسود، وجيء به الى محمد الثالث المستكفي، فأمر بضرب عنقه. ولم تمض سنتان حتى ثار الناس على المستكفي الذي قيل عنه ان «همّّه لا يعدو فرجه وبطنه»، وفرّ لابـساً ثيـاب النـساء ومـات مـسموماً بيـد بعض رجاله (ابن عذارى وغيره).

المستكفي كان من بناته ولاّدة الشاعرة صاحبة الصالون الأدبي وملهمة ابن زيدون الذي قال فيها:
«ربيب ملك كأن الله انشأه/ مسكا وقدر إنشاء الورى طينا».
وهي التي قالت له يوماً:
«ترقّبْ إذا جنّ الظلامُ زيارتي/ فإني رأيت الليل أكتم للسرّ
وبي منك ما لو كان بالبدر ما بدا/ وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسْرِ».

وانتهت ولاّدة في رعاية عشيقها الآخر ابن عبدوس، ما أثار صديقه السابق ابن زيدون الذي أرسل إليه رسالته الهزلية وهجاه ومعه ولاّدة في شعر أختار منه ما يصلح للنشر:

«وغرّك من عهد ولاّدة/ سرابٌ تراءى وبرقٌ ومضْ
هي الماء يعزّ على قابضٍ/ ويمنع زبدته من مَخضْ».

كنت سجلت بعض الشعر الأندلسي بعد احتلال العراق، وهو أنسب للموضوع الذي أنا في سبيله، غير أنني أتجاوز التكرار في مثل «تحكّمت اليهود على الفروج» أو «وصار الحكم فينا للعلوج» أو
«ولقد رجونا أن يكون بمدحكم/ رفداً يكون على الزمان معينا» وبعده:
«فالآن نقنع بالسلامة منكم/ لا تأخذوا منا ولا تعطونا».
وأختار من شعر ينطبق على زماننا هذا أيضاً قول ابن العسّال:

«يا أهل أندلس حثّوا مطيّكم/ فما المقام بها إلا من الغلطِ
الثوب ينسل من أطرافه وأرى/ ثوب الجزيرة منسولاً من الوسطِ
ونحن بين عدو لا يفارقنا/ كيف الحياة مع الحيّات في سَفَطِ».

ربما كان هذا شعور الفلسطينيين اليوم، ولعلي لا أعيش وقد أصبح شعور عرب آخرين.
ابن العسّال قال أيضاً:

«وموتوا كلكم فالموت أولى/ بكم من أن تُجاروا أو تجوروا».

أما السميسر فله في أمراء زمانه:

نادِ الملوكَ وقلْ لهم/ ماذا الذي أحدثتمُ
أسلمتم الإسلام في/ أسر العدا وقعدتمُ
وجب القيام عليكم/ إذ بالنصارى قمتمُ
لا تنكروا شق العصا/ فعصا النبي شققتمُ».

بعد كل هذا لا يبقى لنا سوى أبيات فلسفية لأبي عامر الشنتريني:

«يا لقومي دفنوني ومضوا/ وبنوا في الطين فوقي ما بنوا
ليت شعري إذ رأوني ميتاً/ وبكوني أي جزأيّ بكوا
ما أراهم ندبوا فيّ سوى/ فرقة التأليف إن كانوا دروا».

اقول ، ضعنا ولا ندري.

عن موقع الحياة
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى