لادئاني
مستشار المنتدى
- إنضم
- 16/12/18
- المشاركات
- 43,531
- التفاعلات
- 107,967
لماذا خصّص البريطانيون راتبا شهريا لعبد العزيز آل سعود؟
===============
"اسمحوا لي أن أُبدي أنني سبق أن رجوتُ سعادتكم أن ترسلوا لنا مدربا يُرينا كيفية استعمال المكائن، وقد أخبرتُ سعادتكم أيضا عن العتاد الخاص بالمدافع، فقد نفد كل ما كان عندي في معركتي مع العجمان، وإنني أطلب إلى سعادتكم إما أن ترسلوا لي المدافع المذكورة أو العتاد الذي يصلح للمدافع الموجودة، ورأيكم هو الأفضل، أرجو مواصلة رعايتكم لهذا الصديق المخلص"
(من عبد العزيز آل سعود إلى برسي كوكس المقيم البريطاني في الخليج بتاريخ 17/6/1917م)
(الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية، المجلد الثالث، ص658)
حين قامت الحرب العالمية الأولى في أغسطس/آب 1914م كانت مكانة عبد العزيز آل سعود تزداد في نظر السياسة البريطانية التي بحثت عن حلفاء تستند إليهم في معركتها القادمة أمام الألمان والعثمانيين، لا سيما في الجزيرة العربية، وبعدما كانت سياستها الماضية تقتضي الابتعاد عن عمق الجزيرة العربية والحفاظ على مصالحها على ساحل الخليج العربي من الكويت شمالا إلى عُمان جنوبا، سارعت بريطانيا إلى إعادة الاتصال بعبد العزيز آل سعود من خلال صديقه الكابتن شكسبير، وكان هذا الاتصال الجديد ميلاد تحالف لا تزال آثاره واضحة إلى اليوم.
بالفعل تم استدعاء شكسبير ضابط الاتصال البريطاني مرة أخرى بعدما قدم طلبا للتقاعد، وعاد شكسبير متقدا حماسة للاتصال بابن سعود، وكان هدف البريطانيين من التحالف مع ابن سعود كما تشير المصادر "أن يشل صنيعة الأتراك أمير حائل (ابن الرشيد) الذي يُهدّد جناح الجيش البريطاني في جنوب وادي الرافدين"[1].
مهمة الضابط وليم شكسبير
========
تمكّن شكسبير من الاتصال بعبد العزيز واللقاء به قرب الزلفى في نجد لوضع الخطوط العامة لاتفاقية مهمة وفاصلة بين الجانبين قبل معركة جراب التي وقعت بين ابن سعود وابن رشيد والتي قُتل فيها شكسبير في يناير/كانون الثاني 1915م بعدما قضى الرجل خمس سنوات من عُمره في تعريف السياسة البريطانية بابن سعود، وأهميته التي كانت تتأكد يوما بعد يوم في خدمة المصالح البريطانية بحسب ما تؤكده وثائقها [2].
الكابتن شكسبير مهندس العلاقات البريطانية مع ابن سعود (مواقع التواصل )
كانت معركة "جراب" والتي تعادل فيها ابن سعود مع ابن الرشيد، ومقتل صديق عبد العزيز، وقائد مدفعية ابن سعود الكابتن شكسبير فيها، قد جعلت أمير الرياض يُعرض عن الدخول في حرب كبيرة طوال عامين أو ثلاثة، لكن عبد العزيز كان قد أخبر شكسبير قُبيل مقتله أنه لن يمد يد العون لبريطانيا طالما تركته يواجه مصيرا غامضا أمام العثمانيين في حالة الدخول في صدام مع حليفهم الأهم في وسط الجزيرة العربية أمير جبل شمر ابن الرشيد.
لذلك، وبحسب برقية عاجلة من وزارة المستعمرات في الهند بتاريخ 30 يناير/كانون الثاني 1915م إلى وزارة الخارجية البريطانية، نرى تأييد المقيم السياسي في الخليج ووزارة الهند لموقف عبد العزيز ابن سعود؛ نظرا للمكانة الإستراتيجية التي كان يحققها الرجل في الجزيرة العربية، وأن الإنجليز كانوا يُقدّرون هذا الدور المستقبلي حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
فمما جاء في البرقية: "إن الرغبة في عقد معاهدة مع الأمير ابن سعود لا تنجم فقط عن الضرورات الحالية التي تُحتم دفع ثمن فوري لصداقته، بل أيضا عن الوضع العام الذي سيطرأ على الخليج العربي كنتيجة للحرب الحالية، في حالة زوال الحكم التركي عن البصرة.. ومن الممكن أن نتوقع أن أمير نجد سيكون سيدا ليس في وسط الجزيرة العربية فقط، بل في شريط طويل من الساحل"[3].
ثمن الصداقة!
عبد العزيز ال سعود يخبر الانكليز بخطة العثمانيين ضد الانكليز في البصرة
=====
كنتيجة لتأكيد ولاء ابن سعود للإنجليز ومطالبته لمعاهدة حماية حقيقية، فإنه أخبر صديقه شكسبير بسر حربي شديد الأهمية، فقد كانت الخطة العثمانية المعدة ضد الإنجليز في الحرب العالمية الأولى للدفاع عن البصرة التي وقعت في يد البريطانيين بعد ذلك، تتمثل في انضمام السعوديين للأتراك، والقيام بدور شديد الأهمية.
لذا، وعلى وجه السرعة أرسل الكابتن وليم شكسبير برقية سرية عاجلة إلى القوات المسلحة البريطانية في الهند، والتي بدورها أرسلت على وجه السرعة والسرية تفاصيل هذه الخطة إلى وزارة الحرب البريطانية بتاريخ 19 يناير/كانون الثاني 1915م، وكان مما جاء في تلك البرقية السرية المكوّدة برقم (S. 1316 I.22):
"أخبرنا الكابتن شكسبير، الذي هو لدى ابن سعود، أن الخطة التركية الأصلية هي كما يلي: ابن سعود كان سيُدافع عن البصرة ويقوم بهجوم خادع لعرقلة تقدم بريطاني، ابن رشيد وقبائل عنزة تتقدم نحو شبه جزيرة سيناء ومصر بالاتصال مع القبائل الغربية، وشريف مكة والإمام والإدريسي يُدافعون عن اليمن والحجاز والأماكن المقدسة"[4].
عبد العزيز آل سعود (مواقع التواصل)
وبفضل شكسبير وتقاربه من عبد العزيز آل سعود، وتعهّده بإبرام معاهدة بين الجانبين فقد تم إفشال هذه الخطة العثمانية ، لذلك وبعد ستة أيام فقط تم إرسال برقية أخرى من نائب الملك في الهند إلى وزارة الهند بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 1915م تؤكد على موقف ابن سعود الحرج، وضرورة عقد معاهدة معه، ومما جاء فيها:
" بدون أن تكون بيد (ابن سعود) معاهدة فعلية معنا، فإنه لم يكن بوسعه أن يستجيب بصورة مباشرة لطلبنا الذي جاء بعد ذلك بأن يتقدم نحو البصرة.. والواقع أنه محرج في الوقت الحاضر بسبب صعوبة وضعه الراهن، وإذا لم تُعقد المعاهدة قريبا فإنه يخشى أن تدفعه الظروف إلى تقديم تطبيق مكشوف لنياته في الانحياز إلى جانب الأتراك "[5].
وعلى مدار عدة شهور بين وضع المسودة الأولية والمعاهدة النهائية بين الطرفين تم تعديل المعاهدة عدة مرات من قِبل ابن سعود لضمان الشروط الكافية لحمايته أثناء الحرب أمام آل رشيد والعثمانيين من خلفهم، فضلا عن الضمانات اللازمة لتقوية استقلاليته وتقليل تحكم بريطانيا في سياسته، وبينما هم في ذلك الشد والجذب، يبدو أن ثمة أخبارا وصلت إلى العثمانيين الأتراك حول هذه الاتصالات السرية، فأسرعوا من جانبهم إلى "اجتذاب الإمام (السعودي) للمشاركة في الجهاد ضد الكفرة" على حد وصف أليكسي فاسيليف، لكن كانت المحاولة العثمانية فاشلة، فقد كان ابن سعود مغرما بالجانب البريطاني.
المعاهدة البريطانية والمرتب الشهري!
==============
وبالفعل في 26 ديسمبر/كانون الأول 1915م وقّع الملازم بيرسي كوكس مع عبد العزيز آل سعود معاهدة في جزيرة دارين المقابلة للقطيف، وقد سُميت المعاهدة فيما بعد باسم معاهدة دارين، وصادق نائب ملك بريطانيا وحاكم الهند في يوليو/تموز 1916م على هذه المعاهدة شديدة الأهمية في تاريخ السعودية الحديثة، والتي اعتُبرت بمقتضاها السعودية دائرة بصورة كلية في فلك السياسة البريطانية أولا وأخيرا.
عبد العزيز آل سعود وبريسي كوكس (مواقع التواصل)
وفي هذه المعاهدة اعترفت الحكومة البريطانية بأن "سيادة عبد العزيز تشمل نجد والقطيف وجبيل وجميع المدن والمرافئ التابعة لهذه المقاطعات"، ومن ناحيتها "التزمت بحماية مصالحه ومصالح بلاده" بعد مشاورات مناسبة،
ونصّت المادة الثالثة من المعاهدة على: "أن يتعهد ابن سعود أن يمتنع عن كل مخابرة أو اتفاق أو معاهدة مع أي حكومة أو دولة أجنبية".
وأكدت المادة الرابعة أن أمير نجد لا يمكن أن يتنازل عن الأراضي أو جزء منها ولا أن يؤجرها أو يرهنها أو يتصرف بها بأي شكل ولا أن يقدّمها على سبيل الامتياز إلى أي دولة أجنبية أخرى أو لأي أحد من رعايا دولة أجنبية بدون موافقة الحكومة البريطانية".
وكانت المادة السادسة أن "يتعهد ابن سعود كما تعهّد والده من قبل بأن يمتنع عن كل تجاوز وتدخّل في أرض الكويت والبحرين وأراضي مشايخ قطر وعُمان وسواحلها وكل المشايخ الموجودين تحت حماية إنجلترا والذين لهم معاهدات معها"[6].
يتفق جُلّ المؤرخين على أن هذه المعاهدة كانت تعني في الواقع وبصورة مباشرة الحماية البريطانية على آل سعود ودولتهم في نجد، وكان هدف عبد العزيز آل سعود فوق ذلك الحصول على مرتبات شهرية ودعم تسليحي سخي قُدّر بألف رشاش وبندقية، ومئة ألف وحدة ذخيرة،
وبالفعل استلم الدفعة الأولى من مرتبه المقدر بـ 5000 آلاف جنيه إسترليني، وكان للمساعدة البريطانية بالمال والسلاح أهميتها الخاصة لابن سعود، ليس فيما بتعلق بمجريات الحرب العالمية الأولى فحسب، بل في تحديد مصيره ومستقبله السياسي في مواجهة أعدائه الداخليين وخاصة قبائل الشمر والعجمان والمرة[7].
إيصال استلام الراتب الشهري "مشاهرة" لعبد العزيز آل سعود من البريطانيين (مواقع التواصل)
ثقة الإنجليز في محلها!
=========
وتؤكد سجلات الخارجية البريطانية الثقة التي أولاها الإنجليز لعبد العزيز، ففي برقية مؤرخة في 29 ديسمبر/كانون الأول 1915م أرسلها نائب الملك في الهند إلى وزارة الهند في لندن جاء فيها:
"كان موقف ابن سعود الشخصي صريحا ومستقيما، وإنني أعتقد أن انضمامه إلينا بثبات خلال الحرب يُمكن الاعتماد عليه"[8].
ويبدو أن الثقة البريطانية التي أولوها ووضعوها في عبد العزيز آل سعود كانت في محلها؛ ففي أثناء الخلافات بين آل سعود وشريف مكة ( الشريف حسين ) الذي كان يتخوف من قوة ابن سعود الصاعدة والتي كانت تهدد الحدود بين نجد والحجاز، أكد الشريف حسين في لقائه مع جون فيلبي الرحالة وضابط المخابرات البريطاني والذي اتصل بعبد العزيز آل سعود في تلك الأثناء من سنة 1917م، أكد له وجود اتصالات سرية بين ابن سعود وبين الأتراك المحاصَرين في المدينة المنورة من قِبل شريف مكة والقوات البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى.
لم يكن الملك عبد العزيز آل سعود يثق في غريمه الشريف حسين الذي كان يكرهه ويكره تمدده في الجزيرة العربية
على أن جون فيلبي يُدافع بحسم عن ابن سعود قائلا:
"عندما كنتُ في جدّة أكد لي الشريف بكثير من الشدة أن لديه برهانا لا جدال فيه على أن ابن سعود كان منذ مدة طويلة يتواصل سرا مع فخري باشا القائد التركي لحامية المدينة المنورة، والواقع أن ابن سعود لم يخبرني عندما كنتُ في الرياض باستلامه رسائل من فخري باشا فحسب، بل إنه سلّم إليَّ ثلاثا أصلية منها، وكانت إحداها على أية حال توضّح بشكل حاسم أنه لم يردّ أبدا على الرسالتين الأخريين".
ولم يخبر فيلبي تلك الحقيقة شفاهة فقط، بل أخرج فيلبي للشريف حسين تلك الرسائل التي سلمها له عبد العزيز آل سعود من القائد التركي فخري أو فخر الدين باشا المحاصَر من قِبل الإنجليز وقوات الشريف حسين، لكن الشريف رفضها رفضا قاطعا نقمة على ابن سعود، على أن جون فيلبي كان مقتنعا وواثقا تمام الثقة في عبد العزيز وولائه المطلق للإنجليز[9]!
(من عبد العزيز آل سعود إلى برسي كوكس المقيم البريطاني في الخليج بتاريخ 17/6/1917م)
(الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية، المجلد الثالث، ص658)
حين قامت الحرب العالمية الأولى في أغسطس/آب 1914م كانت مكانة عبد العزيز آل سعود تزداد في نظر السياسة البريطانية التي بحثت عن حلفاء تستند إليهم في معركتها القادمة أمام الألمان والعثمانيين، لا سيما في الجزيرة العربية، وبعدما كانت سياستها الماضية تقتضي الابتعاد عن عمق الجزيرة العربية والحفاظ على مصالحها على ساحل الخليج العربي من الكويت شمالا إلى عُمان جنوبا، سارعت بريطانيا إلى إعادة الاتصال بعبد العزيز آل سعود من خلال صديقه الكابتن شكسبير، وكان هذا الاتصال الجديد ميلاد تحالف لا تزال آثاره واضحة إلى اليوم.
بالفعل تم استدعاء شكسبير ضابط الاتصال البريطاني مرة أخرى بعدما قدم طلبا للتقاعد، وعاد شكسبير متقدا حماسة للاتصال بابن سعود، وكان هدف البريطانيين من التحالف مع ابن سعود كما تشير المصادر "أن يشل صنيعة الأتراك أمير حائل (ابن الرشيد) الذي يُهدّد جناح الجيش البريطاني في جنوب وادي الرافدين"[1].
مهمة الضابط وليم شكسبير
========
تمكّن شكسبير من الاتصال بعبد العزيز واللقاء به قرب الزلفى في نجد لوضع الخطوط العامة لاتفاقية مهمة وفاصلة بين الجانبين قبل معركة جراب التي وقعت بين ابن سعود وابن رشيد والتي قُتل فيها شكسبير في يناير/كانون الثاني 1915م بعدما قضى الرجل خمس سنوات من عُمره في تعريف السياسة البريطانية بابن سعود، وأهميته التي كانت تتأكد يوما بعد يوم في خدمة المصالح البريطانية بحسب ما تؤكده وثائقها [2].
الكابتن شكسبير مهندس العلاقات البريطانية مع ابن سعود (مواقع التواصل )
كانت معركة "جراب" والتي تعادل فيها ابن سعود مع ابن الرشيد، ومقتل صديق عبد العزيز، وقائد مدفعية ابن سعود الكابتن شكسبير فيها، قد جعلت أمير الرياض يُعرض عن الدخول في حرب كبيرة طوال عامين أو ثلاثة، لكن عبد العزيز كان قد أخبر شكسبير قُبيل مقتله أنه لن يمد يد العون لبريطانيا طالما تركته يواجه مصيرا غامضا أمام العثمانيين في حالة الدخول في صدام مع حليفهم الأهم في وسط الجزيرة العربية أمير جبل شمر ابن الرشيد.
لذلك، وبحسب برقية عاجلة من وزارة المستعمرات في الهند بتاريخ 30 يناير/كانون الثاني 1915م إلى وزارة الخارجية البريطانية، نرى تأييد المقيم السياسي في الخليج ووزارة الهند لموقف عبد العزيز ابن سعود؛ نظرا للمكانة الإستراتيجية التي كان يحققها الرجل في الجزيرة العربية، وأن الإنجليز كانوا يُقدّرون هذا الدور المستقبلي حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
فمما جاء في البرقية: "إن الرغبة في عقد معاهدة مع الأمير ابن سعود لا تنجم فقط عن الضرورات الحالية التي تُحتم دفع ثمن فوري لصداقته، بل أيضا عن الوضع العام الذي سيطرأ على الخليج العربي كنتيجة للحرب الحالية، في حالة زوال الحكم التركي عن البصرة.. ومن الممكن أن نتوقع أن أمير نجد سيكون سيدا ليس في وسط الجزيرة العربية فقط، بل في شريط طويل من الساحل"[3].
ثمن الصداقة!
عبد العزيز ال سعود يخبر الانكليز بخطة العثمانيين ضد الانكليز في البصرة
=====
كنتيجة لتأكيد ولاء ابن سعود للإنجليز ومطالبته لمعاهدة حماية حقيقية، فإنه أخبر صديقه شكسبير بسر حربي شديد الأهمية، فقد كانت الخطة العثمانية المعدة ضد الإنجليز في الحرب العالمية الأولى للدفاع عن البصرة التي وقعت في يد البريطانيين بعد ذلك، تتمثل في انضمام السعوديين للأتراك، والقيام بدور شديد الأهمية.
لذا، وعلى وجه السرعة أرسل الكابتن وليم شكسبير برقية سرية عاجلة إلى القوات المسلحة البريطانية في الهند، والتي بدورها أرسلت على وجه السرعة والسرية تفاصيل هذه الخطة إلى وزارة الحرب البريطانية بتاريخ 19 يناير/كانون الثاني 1915م، وكان مما جاء في تلك البرقية السرية المكوّدة برقم (S. 1316 I.22):
"أخبرنا الكابتن شكسبير، الذي هو لدى ابن سعود، أن الخطة التركية الأصلية هي كما يلي: ابن سعود كان سيُدافع عن البصرة ويقوم بهجوم خادع لعرقلة تقدم بريطاني، ابن رشيد وقبائل عنزة تتقدم نحو شبه جزيرة سيناء ومصر بالاتصال مع القبائل الغربية، وشريف مكة والإمام والإدريسي يُدافعون عن اليمن والحجاز والأماكن المقدسة"[4].
عبد العزيز آل سعود (مواقع التواصل)
وبفضل شكسبير وتقاربه من عبد العزيز آل سعود، وتعهّده بإبرام معاهدة بين الجانبين فقد تم إفشال هذه الخطة العثمانية ، لذلك وبعد ستة أيام فقط تم إرسال برقية أخرى من نائب الملك في الهند إلى وزارة الهند بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 1915م تؤكد على موقف ابن سعود الحرج، وضرورة عقد معاهدة معه، ومما جاء فيها:
" بدون أن تكون بيد (ابن سعود) معاهدة فعلية معنا، فإنه لم يكن بوسعه أن يستجيب بصورة مباشرة لطلبنا الذي جاء بعد ذلك بأن يتقدم نحو البصرة.. والواقع أنه محرج في الوقت الحاضر بسبب صعوبة وضعه الراهن، وإذا لم تُعقد المعاهدة قريبا فإنه يخشى أن تدفعه الظروف إلى تقديم تطبيق مكشوف لنياته في الانحياز إلى جانب الأتراك "[5].
وعلى مدار عدة شهور بين وضع المسودة الأولية والمعاهدة النهائية بين الطرفين تم تعديل المعاهدة عدة مرات من قِبل ابن سعود لضمان الشروط الكافية لحمايته أثناء الحرب أمام آل رشيد والعثمانيين من خلفهم، فضلا عن الضمانات اللازمة لتقوية استقلاليته وتقليل تحكم بريطانيا في سياسته، وبينما هم في ذلك الشد والجذب، يبدو أن ثمة أخبارا وصلت إلى العثمانيين الأتراك حول هذه الاتصالات السرية، فأسرعوا من جانبهم إلى "اجتذاب الإمام (السعودي) للمشاركة في الجهاد ضد الكفرة" على حد وصف أليكسي فاسيليف، لكن كانت المحاولة العثمانية فاشلة، فقد كان ابن سعود مغرما بالجانب البريطاني.
المعاهدة البريطانية والمرتب الشهري!
==============
وبالفعل في 26 ديسمبر/كانون الأول 1915م وقّع الملازم بيرسي كوكس مع عبد العزيز آل سعود معاهدة في جزيرة دارين المقابلة للقطيف، وقد سُميت المعاهدة فيما بعد باسم معاهدة دارين، وصادق نائب ملك بريطانيا وحاكم الهند في يوليو/تموز 1916م على هذه المعاهدة شديدة الأهمية في تاريخ السعودية الحديثة، والتي اعتُبرت بمقتضاها السعودية دائرة بصورة كلية في فلك السياسة البريطانية أولا وأخيرا.
عبد العزيز آل سعود وبريسي كوكس (مواقع التواصل)
وفي هذه المعاهدة اعترفت الحكومة البريطانية بأن "سيادة عبد العزيز تشمل نجد والقطيف وجبيل وجميع المدن والمرافئ التابعة لهذه المقاطعات"، ومن ناحيتها "التزمت بحماية مصالحه ومصالح بلاده" بعد مشاورات مناسبة،
ونصّت المادة الثالثة من المعاهدة على: "أن يتعهد ابن سعود أن يمتنع عن كل مخابرة أو اتفاق أو معاهدة مع أي حكومة أو دولة أجنبية".
وأكدت المادة الرابعة أن أمير نجد لا يمكن أن يتنازل عن الأراضي أو جزء منها ولا أن يؤجرها أو يرهنها أو يتصرف بها بأي شكل ولا أن يقدّمها على سبيل الامتياز إلى أي دولة أجنبية أخرى أو لأي أحد من رعايا دولة أجنبية بدون موافقة الحكومة البريطانية".
وكانت المادة السادسة أن "يتعهد ابن سعود كما تعهّد والده من قبل بأن يمتنع عن كل تجاوز وتدخّل في أرض الكويت والبحرين وأراضي مشايخ قطر وعُمان وسواحلها وكل المشايخ الموجودين تحت حماية إنجلترا والذين لهم معاهدات معها"[6].
يتفق جُلّ المؤرخين على أن هذه المعاهدة كانت تعني في الواقع وبصورة مباشرة الحماية البريطانية على آل سعود ودولتهم في نجد، وكان هدف عبد العزيز آل سعود فوق ذلك الحصول على مرتبات شهرية ودعم تسليحي سخي قُدّر بألف رشاش وبندقية، ومئة ألف وحدة ذخيرة،
وبالفعل استلم الدفعة الأولى من مرتبه المقدر بـ 5000 آلاف جنيه إسترليني، وكان للمساعدة البريطانية بالمال والسلاح أهميتها الخاصة لابن سعود، ليس فيما بتعلق بمجريات الحرب العالمية الأولى فحسب، بل في تحديد مصيره ومستقبله السياسي في مواجهة أعدائه الداخليين وخاصة قبائل الشمر والعجمان والمرة[7].
إيصال استلام الراتب الشهري "مشاهرة" لعبد العزيز آل سعود من البريطانيين (مواقع التواصل)
ثقة الإنجليز في محلها!
=========
وتؤكد سجلات الخارجية البريطانية الثقة التي أولاها الإنجليز لعبد العزيز، ففي برقية مؤرخة في 29 ديسمبر/كانون الأول 1915م أرسلها نائب الملك في الهند إلى وزارة الهند في لندن جاء فيها:
"كان موقف ابن سعود الشخصي صريحا ومستقيما، وإنني أعتقد أن انضمامه إلينا بثبات خلال الحرب يُمكن الاعتماد عليه"[8].
ويبدو أن الثقة البريطانية التي أولوها ووضعوها في عبد العزيز آل سعود كانت في محلها؛ ففي أثناء الخلافات بين آل سعود وشريف مكة ( الشريف حسين ) الذي كان يتخوف من قوة ابن سعود الصاعدة والتي كانت تهدد الحدود بين نجد والحجاز، أكد الشريف حسين في لقائه مع جون فيلبي الرحالة وضابط المخابرات البريطاني والذي اتصل بعبد العزيز آل سعود في تلك الأثناء من سنة 1917م، أكد له وجود اتصالات سرية بين ابن سعود وبين الأتراك المحاصَرين في المدينة المنورة من قِبل شريف مكة والقوات البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى.
لم يكن الملك عبد العزيز آل سعود يثق في غريمه الشريف حسين الذي كان يكرهه ويكره تمدده في الجزيرة العربية
على أن جون فيلبي يُدافع بحسم عن ابن سعود قائلا:
"عندما كنتُ في جدّة أكد لي الشريف بكثير من الشدة أن لديه برهانا لا جدال فيه على أن ابن سعود كان منذ مدة طويلة يتواصل سرا مع فخري باشا القائد التركي لحامية المدينة المنورة، والواقع أن ابن سعود لم يخبرني عندما كنتُ في الرياض باستلامه رسائل من فخري باشا فحسب، بل إنه سلّم إليَّ ثلاثا أصلية منها، وكانت إحداها على أية حال توضّح بشكل حاسم أنه لم يردّ أبدا على الرسالتين الأخريين".
ولم يخبر فيلبي تلك الحقيقة شفاهة فقط، بل أخرج فيلبي للشريف حسين تلك الرسائل التي سلمها له عبد العزيز آل سعود من القائد التركي فخري أو فخر الدين باشا المحاصَر من قِبل الإنجليز وقوات الشريف حسين، لكن الشريف رفضها رفضا قاطعا نقمة على ابن سعود، على أن جون فيلبي كان مقتنعا وواثقا تمام الثقة في عبد العزيز وولائه المطلق للإنجليز[9]!