- إنضم
- 3/2/21
- المشاركات
- 3,067
- التفاعلات
- 10,157
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأيي
اليوم تحل ذكرى #الثورة_السورية، وتكتمل العشرية السوداء التي كانت وما زالت أفظع بكثير من عشرية الجزائر. أحاول منذ أسبوعين أن أكتب شيئا عن هذه المأساة، إلا أني بفضل الله فقدت الحماس للكتابة على فيسبوك، وتخلصت من شهوة الكلام، لا سيما أني لو أخرجت ما في جعبتي فسأكتسب المزيد من الأعداء، وربما أفقد ما بقي من الأصدقاء.
بعض الناشطين أطلقوا حملة "لن نندم على الكرامة"، وهي امتداد لكل الشعارات الشعبوية التي بدأت بصرخة "الشعب يريد..." ولم تنته طوال عشر سنوات، ولا شك في أنها مجدية للتعبئة والتحشيد، لكن المصيبة -كل المصيبة- أن الثورة في جوهرها قامت على الشعارات فقط، من شعار إسقاط النظام إلى شعار تحقيق اللحمة الوطنية والدولة الديمقراطية وشعار إقامة دولة الشريعة وشعار استعادة دولة الخلافة... إلخ. كلها شعارات بلا برامج ولا رؤى ولا وعود ولا فهم للواقع، ولا تواضع لمحاولة الفهم. ولا فرق بين من حمل السلاح وتلذذ بنشوة السيطرة الوهمية على بعض القرى وبين من اعتلى المنابر وفُتحت له أبواب القاعات الدبلوماسية وتلذذ بنشوة الجلوس مع صناع القرار. الكل كان واهما وحالما ومخدوعا، والكل كان ينتظر وعودا فارغة، إلى أن شنت الطائرة الروسية غارتها الأولى في سبتمبر/أيلول 2015 وأيقظت الجميع.
في بداية سبتمبر كتبتُ مقالا أختصر فيه كل شيء: كي لا تفشل الثورات التي أظهرت أسوأ ما لدينا . ويا للمصادفة العجيبة، في نهاية الشهر نفسه بدأ التدخل الروسي المباشر، الذي أفشل الثورة من الخارج بعدما استوفت كل فرص إنقاذها من الداخل. ستسألني بالطبع: هل تقصد أن الجميع كانوا مغفلين؟ وأقول لك: إن الغالبية الساحقة كانوا كذلك، وأنا منهم، والمشكلة أن الكثير منهم لا يريد أن يعترف حتى الآن. ولا تسألني الآن عن دماء الشهداء واحترام تضحياتهم، فأنا لم أسمح لأحد بدفعي إلى ساحة الهراء الشعبوي منذ نشرت ذاك المقال، ولستُ معنيا الآن بدفع هذه "التهمة"! نعم، البعض كان يسعى للإصلاح وإيجاد الحلول، لكن كارثة الفيسبوك كانت سيفا مصلتا على رقابهم. لم يبق رجل وطني واحد في صفوف المعارضة إلا سلخت الجماهير جلده، ولم يبق اسم واحد من المعارضة إلا لعنوه ورموه في خانة واحدة مع النظام المجرم، وأعرف الكثير ممن اعتزلوا كل شيء عندما فقدوا الأمل، وانصرفوا للبحث عن مستقبل أفضل لعائلاتهم في بلاد المهجر بدلا من هدر طاقتهم وما بقي من أعمارهم في ثورة يقودها الفيسبوك. لن أكتب رأيي ولا شهادتي الآن، وعندما أكتبها فمكانها الكتب والمقالات المطوّلة وليس في هذا المقهى الافتراضي الذي يسود فيه الجهل والسفاهة. أما إذا سألتني عن شعار "لن نندم على الكرامة" فسأقول لك: استيقظ أرجوك، فالشعب السوري هو أقل شعوب الأرض كرامة منذ عشر سنوات وإلى أجل غير مسمى، سواء على أرضه التي صار فيها غريبا سجينا جائعا مقهورا أكثر من أي وقت مضى، أو في الخارج حيث يخجل أحدهم من إخراج جواز سفره من جيبه.
معالجة هذا الكابوس لا تحتاج شعارا آخر، ولا إسهابا في شرح معنى هذا الشعار الرومنسي. ولا أظن أن الفيسبوك إلا مكانا لنشر المرض وليس لإيجاد أي علاج. البعض يتحدثون الآن عن خطة دولية للحل، وكأن صناع القرار كانوا ينتظرون بالفعل اكتمال العشرية قبل أن يتحركوا، وأنا لا أملك الآن أي تعليق، ولست سوى متابع محايد للأخبار حتى أرى بوادر الحل على الأرض وليس في الخيال. وجهدي الآن منصرف لمساعدة الناس على تخطي تداعيات الكارثة في نفوسهم وعقولهم وعقائدهم، وربما لإنقاذ شاب واحد من الإقدام على الانتحار، ولن أهدر دقيقة أخرى من وقتي في جدل لن يثمر شيئا على الإطلاق.
التعديل الأخير: