مفهوم الخلافة فى الاسلام

إنضم
26/6/21
المشاركات
20
التفاعلات
25
تحت عنوان «مفهوم الخلافة» كتب الدكتور عبد الفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، متناولا «فهم الجماعات المتشددة للخلافة، وبيان سفه دعوة داعش لإقامتها فى العراق والشام»، من خلال أمرين، أولهما فهم الجماعات المتشددة للخلافة، وشبهتهم فى ذلك، والرد العلمى على ما استند إليه هؤلاء.

وفيما يتعلق بفهم الجماعات المتشددة للخلافة وشبهتهم فى ذلك، أوضح العوارى أن بعض الجماعات المتشددة التى ظهرت على الساحة الآن مثل «داعش» وأخواتها كطالبان، وبوكو حرام، وغيرها تدعو إلى هجرة المجتمعات الإسلامية، واعتزالها، ويحكمون عليها بالكفر، لأنهم مقيمون فى بلاد كافرة، ويرون وجوب الهجرة منها، وينادون بتكوين دولة الخلافة، وينَّصبون واحداً منهم أميراً عليهم، كما صنعت داعش فى بلاد العراق والشام، ويأخذون له البيعة، ويحاربون من أجل تحقيق غرضهم، فيهلكون الحرث والنسل، ويقتلون الأطفال، والنساء، والشيوخ، بل ويقتلون الحيوانات، والطيور، ويهدمون البيوت، والمدارس، ودور العبادة، كالمساجد، والكنائس وغيرها؛ بل وصل بهم الإجرام إلى هدم أضرحة الصالحين، والاعتداء الغاشم على آثار الأمم الماضية التى تمثل للبشرية جمعاء قيمة عالية وثروة نفيسة، لأنها تحكى لنا تاريخ أمم سبقتنا عمرت الأرض، وارتقت بهم الحياة.

وتابع أن هؤلاء الواهمون من «الدواعش»، وأمثالهم يزعمون أن دولة الخلافة ستقام قريباً، وبالتالى ستكون هناك خلافة، وقد استندوا فى زعمهم هذا على عدة أحاديث:

- قوله: «إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشرقها، ومغربها، وإن أمتى سيبلغ ملكها ما زُوى لى منها».

- قوله: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك بيت مدر، ولا وبر إلا دخله».

- قوله: «ستفتح رومية بعد القسطنطينية».

- قوله: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا شَاءَ، ثُمَّ تَكُونُ الْخِلَافَةُ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَتَكُونُ مُلْكًا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ».

ويوضح الدكتور العوارى أن دفع هذه الشبهة يكون من عدة أوجه، الوجه الأول منها أنه لمَّا كان من أساليب العرب التعبير بالشىء الكبير عن الشىء الصغير لبيان أهميته، وكذلك عن القليل بالكثير يمكن حمل حديث بلوغ مُلك الإسلام ما زُوى للنبى من الأرض على اتساع الرقعة التى يملكها المسلمون، وقد حدث ذلك، فإن العرب فى جزيرتهم المحدودة وصلواْ بفضل الإسلام إلى أماكن شاسعة من الأرض، فوصلوا حدود الصين شرقاً، والمحيط الأطلسى غرباً، لدرجة أن أحد خلفائهم فى بغداد تحدّى الغمامة فى السماء وقال لها: «فى أى مكان ينزل ماؤك سيأتينى خراجك».



الوجه الثانى: إذا جاوزنا الملك المادى إلى الملك المعنوى، فإن الدين قد وصل العلم به، والإفادة منه إلى أقاصى البلاد من كل ناحية، وله دراسات فى كل الجامعات، وكل الحضارات قد قبست منه، كما أنه ظاهر على كل الأديان التى ليست لها دعامة من حجة أو مبادئ تستطيع بها مواجهته، وإذا كان فى بعض الدول الغير الإسلامية قوة، فإن قوتها ليست بسبب أديانها، فبينها وبين الأديان فجوة كبيرة أو عداء شديد، وبخاصة فى مجال التطبيق فى الحياة.

الوجه الثالث: إذا كان القرآن الكريم قد أخبر عن ذى القرنين بأنه بلغ مطلع الشمس ومغربها، ومكن الله له فى الأرض، فهل معنى ذلك أنه بلغ اليابان شرقاً وأمريكا غرباً؟

إن المراد من الحديث هو بيان سعة سلطان الدين، والسعة أمر نسبى، أو مقولة بالتشريك تصدق بالقليل، والكثير.

الوجه الرابع: هل فتح رومية مراد به المدينة المعروفة حالياً، أو المراد أن الدين سيسيطر على ملك الدولتين الكبيرتين إذ ذاك، وهما الفرس والرومان.

ويشير العوارى إلى أن ذلك تم فى عصر الخلفاء، والسلف الصالح، ودخل الإسلام كل المستعمرات التى كانت تسيطر عليها الدولة الرومانية، ووصل الفاتحون أيام الدولة العثمانية إلى أسوار فيينّا «على أن الفتح لا يتحتم أن يكون بالسيف، فقد انتشر الإسلام بوسائل أخرى، ووجدت له جاليات فى أكثر البلاد من العالم القديم، والحديث».

الوجه الخامس: إذا كانت هناك بشرى بالخلافة، فإننا نرجو أن يتمم الله ذلك، ولكن لابُدّ من الأخذ بالأسباب، والاستعداد الكامل لمواجهة كل قوى العالم بأسلحتها المتطوّرة الفتاكة، ولا يتم ذلك إلا بتوحيد الدول الإسلامية، أو تقاربها ثقافياً، واقتصادياً، وسياسيا،ً فهل يوجد ذلك الآن؟

الوجه السادس: مثل ذلك يقال فى قوله تعالى: «وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا».

فالوعد بالتمكين قد حققه الله تعالى، وورث المسلمون أرض المشركين فى جزيرة العرب، وآمنهم على دينهم، وعبدوه لا يشركون به شيئاً، وذلك بفتح مكة التى كانت معقل الشرك، فصارت بلداً إسلامياً بل تعدى ذلك إلى معاقل الشرك فى بلاد أخرى، وفتحها الله على أيدى المسلمين، وكانت لهم فيها الدولة، والسلطان، ولكن نرجو أن يكون هذا التمكين على نطاق أوسع، ولكن كما سبق ذكره، لابُدّ لذلك من اتخاذ الأسباب، ودراسة الظروف، والنصوص الشاهدة على ذلك كثيرة فى القرآن والسنة، فالآمال لابُدّ معها من أعمال، وقد قال الله تعالى لمن تنازعوا فى الخيرية عند الله: «لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِى أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا. وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا».

الوجه السابع: صلاح المجتمع الإسلامى بوجه عام أمنية كل مسلم، فهو يمتعض من جعله ضمن الدول النامية بعد أن كانت له الأمجاد فى عصوره الزاهية؛ حيث كان يخطب ودّه من لم يكونوا إذ ذاك شيئاً مذكوراً.

ويتابع العوارى أن أمل الإصلاح أمل كبير، وكلما كبرت الآمال؛ كبرت المسؤولية فى الإعداد لتحقيقها، وإذا كان الإسلام قد أقام دولة جديدة بهذه القوة التى انهارت، أو ضعفت أمامها أقوى الدول المجاورة إذ ذاك، فإن للإعجاز فى ذلك دخلاً كبيراً ربما لا يتكرر؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد وعد رسوله باستخلاف المؤمنين فى الأرض، وتمكين الدين لهم، وتبديلهم من بعد خوفهم أمناً، ومع ذلك لم يتم له ذلك إلا بعد بناء الرجال، وإعداد النفوس بالعقيدة الراسخة، والتضحية فى سبيل المبدأ وشدة الحب للقيادة، وتطلعهم إلى منازل الآخرة قبل منازل الدنيا، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.

الوجه الثامن : نحذر المجتمع، خاصة الشباب حتى لا يغرّر به، من فكر هذه الجماعات التكفيرية، فهى تمثل أكبر خطر على الإسلام من الأعداء، حيث شوّهت صورة الإسلام السمحة، وأساءت إلى حقائقه الناصعة، وأظهرته بصورة غير صورته الصحيحة، كما أنهم بزعمهم يحلو لهم تكوين دولة الخلافة، وتنصيب واحدٍ منهم أميراً عليهم، وأخذ البيعة له هم بذلك يفرّقون الجماعة، ويشقون عصا الطاعة.



وقد جاءت الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة تحذّر من مثل هذا الصنيع، وتجرّم فاعله، وتعتبر هؤلاء «الخوارج» من البغاة، والمجرمين، والمفسدين فى الأرض، ووضح القرآن جزاءهم فى قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.

ويوضح أن من الأحاديث الشريفة التى تصدت لهذا الفكر التكفيرى، وهذا الفساد الاجتماعى الخطير:

- قوله: « من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه مَنْ فارق الجماعة شبراً، فمات فميتة جاهلية».

- وقوله: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب؛ لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقتل، فقتلة جاهلية».

- وفى رواية: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، ثم مات مات ميتة جاهلية، ومن قُتل تحت راية عمية يغضب للعصبة، ويقاتل للعصبة، فليس من أمتى، ومن خرج من أمتى على أمتى يضرب برَّها وفاجرها، لا يتحاش من مؤمنها، ولا يفى بذى عهدها، فليس منى».

- وقال أبو حذيفة رضى الله عنه: «كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركنى، فقلت يا رسول الله: إنّا كنّا فى جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟، قال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دَخَن – يعنى: فساد – قلت: وما دخنه؟، قال: قوم يستنّون بغير سنتى، ويهتدون بغير هديى تعرف منهم وتنكر، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟، قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم مَنْ أجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت: يا رسول الله: صفهم لنا، قال: نعم، قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركنى ذلك؟، قال: تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة، ولا إمام؟، قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن نقض على أصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك».



قال الإمام النووى رحمه الله: «وفى حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين، وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصى من أخذ الأموال، وغير ذلك، فتجب طاعته فى غير معصية، وفيه معجزات لرسول الله، وهى هذه الأمور التى أخبر بها وقد وقعت كلها».

الوجه التاسع: فى بيان بطلان دعوى داعش وزعمها إقامة الخلافة، فإن محاولة جمع المسلمين على إمام واحد محاولة مستحيلة، وفرضها على الناس يترتب عليه إراقة دماء المسلمين، والقتل المستمر بين الذين يحكمون بهذه الخلافة المتوهمة، وبين بقية دول المسلمين التى لا يمكنها تحقيق هذه الأحكام.

وإذا كان من الصعب بل من المستحيل مع اختلاف المسلمين فى اللغة، وتباعد أقطارهم، وتوزعها فى أكثر من قارة أن تكون لهم خلافة واحدة يلتزمون بها جميعاً، فإن من الممكن أن يقوم «اتحاد» بين الأقطار الإسلامية مثل الاتحاد الأوروبى الذى يجمع بين دول عدة مختلفة فى اللغات، وفى الفكر، والثقافة والدين، والتاريخ والأصل، وبحيث تكون للاتحاد سياسة عامة، ومصالح مشتركة، وسوق اقتصادية، ولكن مع استقلال كل دولة بنظامها الخاص، ورئيسها وسياستها الداخلية، وانفرادها بإدارة شؤونها انفراداً كاملاً.

لقد انقسمت الدولة الإسلامية إلى دول، وأقطار لكل منها حاكم، أو ملك، أو رئيس، أو أمير، وصارت لها حدود برية، وبحرية، وجوية لا يمكن المساس بها، أو الاعتداء عليها، ومع هذا التطور العالمى لكل دول العالم أصبح من المستحيل إقامة خليفة واحد، أو إمام واحد لكل المسلمين، لأن كل دولة اليوم لها رئيسها المستقل، ولها حدودها الجغرافية التى تميزها عن غيرها.

الوجه العاشر: مع الأخذ فى الاعتبار حين نرد على هؤلاء فكرتهم المغلوطة، وسلوكهم المعوج غير السوى، أن الخلافة كما كانت فى صدر الإسلام ليست أمراً تحتمه النصوص من القرآن الكريم، أو السنة النبوية، فلم يرد فى أى منهما ما يشير إلى مسألة «الخلافة».

ومن المعلوم أن النبى فارق الدنيا، ولم يحدد للمسلمين شكلاً معيناً للحكم من بعده، وإنما ترك الأمر شورى بين المسلمين، فأى نظام سياسى الآن يحقق العدل، والمساواة يكفى فى تحقيق الحكم كما أراده الإسلام، وإذا وفرّ النظام الديمقراطى الآن أمر الشورى ومبدأ المساواة والعدالة، وحرية الناس، فهو نظام يحقق أهداف الإسلام فى قضية الحكم وسياسة المسلمين.
 
عودة
أعلى