- إنضم
- 26/4/22
- المشاركات
- 1,006
- التفاعلات
- 2,273
روسيا وتعمد تأخير الحسم بالجبهة الأوكرانية وسر متابعتها القتال بالكتائب التكتيكية
في مقدمة هذا المقال سوف نحاول إيجاد تحليل منطقي للانسحابات التكتيكية الروسية، من جبهات خاركييف الأوكرانية، من الجهات الشمالية والشرقية.
فقد قامت الكتائب التكتيكية المدرعة الروسية من مدة أسبوع تقريباً، بانسحاب تكتيكي مفاجئ من جبهة خاركييف، تجاه شمال المدينة وشرقها بغطاء مدفعي وجوي منتظم، ولكن كانت المتاعب والصعوبات في الجهة الشرقية من خاركييف، حيث تكثر العوائق المائية، وأول الأوكران سبب هذا الانسحاب بأنه يرجع لحدوث تعزيزات كبيرة بجبهتهم الدفاعية بأسلحة متطورة ذات طبيعة هجومية.
وهذا التأويل الأوكراني كان صحيح ولكن بنسبة 40%، أما النسبة الأكبر لسبب الانسحاب هو إرسال تعزيزات ميدانية قتالية لمحاولة تطويق الجبهة الأوكرانية المواجهة للمناطق الانفصالية من الجهة الشمالية، كما حاولت من قبل 12 كتيبة تكتيكية مدرعة روسية تطويق هذه الجبهة من الناحية الجنوبية، تحركت منطلقة من مدينة مريوبول، وكان التخطيط الروسي أن يتم الانسحاب نحو الشرق من خاركييف تسللي صامت من ناحية تنشيط تغطية بالدفاعات الذاتية النارية، أو المدفعية والجوية الخارجية من هذا الاتجاه، بعكس انسحاب كتائب الجبهة الشمالية، إلا من مراقبة جوية قريبة من المسيرات الروسية الاستطلاعية والضاربة الصامتة الخفية، التي ينشط عملها فقط في حالة كشف الأوكران لهذه العملية التسللية الروسية، حيث تقوم هذه الدرونات الصمتة حينها، بتوجيه وتفعيل نيران الدعم المدفعية أو اطلاق واسقاط نيرانها الذاتية الصماء منها والذكية.
وتم محاولة تجاوز أكبر العوائق المائية من طرف الروس بتشييد الوحدات الهندسية المتقدمة لجسرين عائمين متباعدين، يتم عبورها بالتناوب لأكثر من خمسة كتائب تكتيكية مدرعة روسية، إلا أن العبور الأخير لأخر كتيبة على ما يبدو تم كشفه بوسائط الكشف والرصد الغربية والأوكرانية، فحرك الأوكران وحدات مؤللة لتعبر الجسر من الناحية الشمالية الموازي لجسر عبور الكتيبة الأخيرة الروسية، من اجل الالتفاف على من عبر من تلك الكتيبة والاشتباك معها، كما قامت بتحريك وحدات للتعامل مع من تخلف منها عن العبور.
إلا أن أحد الطائرات المسيرة المراقبة الروسية رصدت محاولة العبور الموازية الأوكرانية وارسلت هذه المعلومات لمراكز القيادية والسيطرة الروسية لدى التشكيلات الرئيسية على مستوى الفرق، والتي استطاعت بوسائل الرصد الفضائية والمسيرات الاستطلاعية، من توجيه قذائف ثقيلة مدفعية ميدانية أو صاروخية، مستهدفة مقدمة الجسر (نقطة العبور) ووسطه وأمطرت من تخلف عن عبور الجسر وتقدم من القوات الأوكرانية بوابل كبير من قذائف غراد الصاروخية، وفي المقابل قامت المدفعية الأوكرانية باستهداف الكتيبة الروسية بقذائف أكثرها فائقة الذكاء ذاتية التوجيه شملت حتى الصواريخ الفائقة الذكاء البريطانية (بريمستون)، استطاعت مجتمعة وبمشاركة مسيرات ضاربة هجومية، من أن تدمر وتعطب 73 ألية روسية، فيها أكثر من 30 دبابة قتال رئيسية، ومقتل وإصابة أكثر من 500 جندي روسي.
مما أثار حفيظة الروس وغضبهم، بشكل لا مثيل له منذ بداية هذه العملية العسكرية، وذلك حفاظاً على الحالة المعنوية لقوات الروسية، حيث استطاعت من خلال تظافر وتنسيق غير مسبوق بهذا الشكل في الجبهات الأوكرانية، للقوى المدفعية والقوى الجوية الروسية بكامل صنوفها القتالية، حيث قامت بالهاب الجبهة الأوكرانية، بسيل كبير متتابع من القذائف الصماء والذكية الموجهة بدقة والموجهة بقدرة تدمير مساحية، من الحاق وخلال ساعات معدودة خسائر كبيرة أوكرانية شملت كل من شارك في تدمير معظم الكتيبة التكتيكية الروسية، حيث شملت نتائج هذه العملية المضادة، تدمير أكثر من 250 آلية وأكثر من 12 مدفع متطور مقطور، و15 مسيرة أوكرانية ضاربة هجومية وستة مراكز قيادة وسيطرة أساسية، وبلغت الخسائر البشرية الأوكرانية، أكثر من ثلاثة أضعاف خسائر الكتيبة الروسية.
وبناء على هذه النتيجة القتالية تكشف بشكل لا يساوره الشك، أن روسيا هي من يتعمد تأخير الحسم، للأسباب ربما أهمها:
أولاً: تحقيق كما ذكرنا سابقاً ومراراً وتكراراً، الهدف الأساسي العسكري السياسي من العملية، وهو تحييد أوكرانيا عسكرياً، وإضعافها اقتصادياً، من خلال انهاء البنية التحتية العسكرية والصناعية والاقتصادية الأساسية منها والمتجددة بالمعونات الغربية.
ثانياً: القضاء التام على المجاميع القومية النازية الأوكرانية، لأن بقائها مع انتهاء الحرب الكلاسيكية، يشكل نواة حرب عصابات استنزافية مدعومة ومنظمة من جهات غربية، وكذلك لأنهم يشكلون الموارد البشرية الأساسية لحرب الوكالة الأنجلو أمريكية، وقد قطع الروس في هذا الهدف شوط جيد، يضاف إلى ذلك كهدف ثانوية إلجام المتطوعين الأجانب وإرعابهم من سطوت قوة القوات الروسية.
ثالثاً: تحجيم تدفقات أحدث الأسلحة الغربية من خلال ضربات الساعد الطويل الروسي الاستباقية، وهذا أفرغ الكثير من الاحتياطات العسكرية الاستراتيجية من هذه الأسلحة الفتاكة الدفاعية، وفي الآونة الأخيرة الهجومية، وخاصة الأنجلو أمريكية، وكهدف ثانوي دراسة من يقع سليم منها بأيدي القوات الخاصة الروسية.
رابعاً: استثمار التمويل الخارجي للمجهود الروسي العسكري بهذه الحرب، وخاصة الصين لإنتاج عتاد حديث متطور بمستوى انتاج حربي بالطاقة القصوى داخل روسيا وخارجها، وتعويض المستهلك من الذخائر، بذخائر أحدث وأكثر تطور وفاعلية، ومثال على ذلك من ناحية العتاد الحربي، تسريع الإنتاج التسلسلي الكمي للدبابة المتطورة المعروفة بالاختراق Proryv-3 T-90M لرفع عددها من 120 دبابة إلى 400 دبابة حتى نهاية السنة الحالية، مع الحرص على تجاوز عيوبها التجريبية في الساحة الميدانية، حيث أرسلت روسيا منها واحدة إلى خاركييف دمرت بقذيفة مدفعية ذكية أمريكية، عيار 155 ملم من نوع إكسكاليبور M982 Excalibur واليوم أرسلت منها 20 دبابة جديد لإقليم الدونباس بعد أن أجرت عليها تعديلات تتجاوز فيها نقاط ضعف نموذج خاركييف.
خامساً: التخلص من العتاد المتقادم من العتاد الحربي بدل عملية التحديث بشكل يكون أكثر جدوى وفاعلية، ونفس الشيء فيما يخص الذخائر الأقل حداثة والأقدم تصنيع، فروسيا حدثت مثلاً من عتادها الحربي 87%، وبقي 13% غير محدث فلو فرضنا أن روسيا بشكل توثيقي فقدت 700 دبابة متقادمة مدمرة ومعطوبة ومهجورة، من أصل أكثر من 14000 دبابة في الترسانة الروسية 10000 دبابة بالاحتياط، وأربعة آلاف عاملة، فهي بذلك تكون فقدت 5% فقط من أصل 13% بالمئة، وهذا يعني أن روسيا ضمن دائرة الأمان من ناحية الاستهلاك القديم.
أم عن أهم الأسباب المنطقية المستنبطة حول الاعتماد الروسي المستمر على الكتائب الخاصة المدرعة التكتيكية بالمراحل القتالية، دون الاقتراب الجدي من التشكيلات القتالية الرئيسية على مستوى الفرق النظامية، فنجد منها:
أولاً: لأن هذه الكتائب لا مركزية، فلذلك نجد أن قياداتها ميدانية ذاتية القرار، ضمن هذه التشكيلات القتالية الخاصة، وهذا يحفظ سريتها التكتيكية، وسرعة اتخاذ إجراءاتها الميدانية بطريقة احترافية.
ثانياً: مهمة هذه الكتائب الأساسية هو الاستطلاع بالقوة وكشف الكوامن الدفاعات المعادية الخفية، التي لم تستطيع وسائل الكشف الجوية والفضائية كشفها بسهولة، أو بطريقة توثيقية.
ثالثاً: تمثل هذه الكتائب عين متقدمة لكشف الأهداف النشطة المعادية لنيران كافة أصناف المدفعية المباعدة، جنباً إلى جنب مع عيون الدعم القريب الجوية النفاثة والمروحية.
أما عن نقاط ضعف هذه الكتائب المستقلة فقد تم معالجته أكثرها، وفق التجربة الميدانية الذاتية بالشكل التالي:
أولاً: زيادة الحماية لهذه الكتائب الميدانية، برفع عدد مجاميع المشاة فيها، ليصبح قوام مجمل قواتها 1000 جندي وجعلها كلها مدرعة بعد أن كانت مصنفة إما ميكانيكية (600 جندي) أو مدرعة (800 جندي)، وتجهيز الكتيبة الوحدة منها من الدبابات بعدد 33 دبابة، ثلاثة دبابات منها قيادية T-80BVM، والباقي منها قتالية T-72B3، وفي الفترة الأخيرة دعمت بسرايا حماية والاستطلاع متقدم من تشكيلات خاصة مظلية مستقلة عنها، لكشف الكمائن المتقدمة والاشتباك معها، وتحديد الأهداف للذخائر المدفعية الصماء منها، وتوجيه القذائف الذكية بالإضاءة الليزرية.
ثانياً: زيادة اعتماد الدبابات الخاصة بالكتائب، على القذائف الصماء المباعدة الغير موجهة المتعددة الأغراض الشديدة الانفجار التي يصل مداها حتى 10 كم، والتي يتم تحديد أهدافها من طرف وحدات الاستطلاع والرصد الأرضية المتقدمة، من القوات الخاصة المظلية، وذلك لأنها تشكل مدافع ميدانية متقدمة تقلل وقت ردة الفعل المعادية الدفاعية برادارات ارصد الميدانية، كما تقوم هذه الوحدات المظلية الاستطلاعية بتوجيه قذائف الدبابات الذكية المضاءة بالليزر ضد أهداف ثابتة ومتحركة معادية، لأمدية أكبر لهذه القذائف مع الحفاظ على الدقة التصويبية، لتصل بمدها إلى 8 كم، وينطبق الأمر على مدافع الهاون الذاتية الحركة ذات الأعيرة المتوسطة المواكبة.
ثالثاً: حل المشاكل اللوجستية للكتائب بإضافة عربات لوجستية مدرعة متابعة ومرافقة لتشكيل الآليات الرئيسية، تقوم بإعادة التذخير بالمواكبة، عند الارتداد المحدود، أثناء العملية التبادلية مع الكتائب الاضافية، وهو ما يطيل أمد معارك الكر والفر ويزيد زخم الهجمات الارتدادية، على جبهات الدفاع الأوكرانية.
وفي النهاية ربما اليوم روسيا تعد لخطة جهنمية من خلال دفع واجتذاب عدد كبير من التشكيلات الأوكرانية الرئيسية، لتجاوز الحدود الأوكرانية، إلى الأرضي الروسية!، لأن الفئران عادتاً لا تقوم الجُبنْ.