رشيد صالح أفندي الخطيب .. وارث العلم ومورثه / واثق الغضنفري

Nabil

التحالف يجمعنا
مستشار المنتدى
إنضم
4/5/19
المشاركات
10,847
التفاعلات
19,863
رشيد صالح أفندي الخطيب .. وارث العلم ومورثه

واثق الغضنفري



نسمع دائما إن فلانا ورث مالا كثيرا من أبيه وجده أو ورث أملاكا وضياعا وهذا شي عادي يحدث دائما . لكن هل سمعنا عن أسرة تورث العلم جيل بعد جيل ؟ وان سمعنا فهذا شي نادر! فالعلم لا يورث بل يسعى إليه بالقراءة والمتابعة وسهر الليالي وقد لا يصل بطالبه إلى مرتبة العالم . تشتهر الموصل بأسرها العلمية الكريمة ومقالتي اليوم عن أسرة الخطيب وتحديدا الشيخ الفاضل رشيد صالح الخطيب واليكم القليل عن حياته :

ولد الشيخ رشيد الخطيب ليلة الجمعة آخر جمادي الأولى سنة 1303 هـ من أسرة الخطيب العلمية طيبة الذكر وتعود بأصولها إلى قبيلة طي –فخذ الحريث- فجده الحاج طه الخطيب الذي اشتهر ذات السمات الخاصة بروعتها وتأثيرها في النفس وهزها الأفئدة ولشدة حب الناس لخطبه قلدوه بأسلوبه ومنهم الحافظ ملا عثمان الموصلي الذي قلد إحدى خطبه وسجلها على اسطوانة قديمة ولكنها فقدت . أحبه الناس وانزلوه مكانا مهيبا بينهم . أما أبوه فهو الشيخ صالح الخطيب الذي درس على يد العلامة عبد الله أفندي العمري الموصلي وكان رئيس العلماء في الموصل وقد أعطاه الإجازة العلمية وكان عمره حينها 20 عاما . وقد لقب بصالح الفوري لأنه كان بحراً في العلوم ويفتي شفاها ويحل الألغاز والمعضلات حلا فوريا وقد تتلمذ على يد الشيخ يوسف الرضواني وعلى يده تتلمذ شيخ الموصل محمد الرضواني ومنحه الإجازة العلمية . أما أخوه فهو سعد الدين الخطيب الذي كان عالما كذلك وتتلمذ على يد محمد الرضواني واكتسب شهرة واسعة كأبيه وجده وأخيه موضوع بحثي هذا .

أعود للشيخ رشيد الخطيب الذي كانت ولادته فألا حسنا ومكانة مرموقة وكيف لا وهو سليل أسرة العلم (الخطيب) أما جده لأمه فهو الشيخ محمد النوري صاحب المدرسة الدينية المشهورة في الجامع الكبير النوري وتخرج الكثير على يده والمشهور بخطبه الرائعة كونه خطيبا للجامع لسنوات ولقب نفسه النوري تحببا بجامعه وكعادة أسرة الخطيب دخل رشيد الخطيب الكتاتيب وتعلم مبادئ العلوم على يد خيرة علماء الموصل ولازم الشيخ محمد الرضواني الذي يغني اسمه عن كل وصف – مع أخيه سعد الدين فأكمل المناهج المقررة في وقتها ومنح الإجازة العلمية مع أخيه سنة 1331 ومما يذكر عن تاريخ منحة الإجازة العلمية أن الشيخ الرضواني أقام احتفالا كبيرا دعا إليه جمع غفير من العلماء وكبار شخصيات الموصل وأثناء مراسيم منحها الإجازة قال فيهما الرضواني (رحمه الله) قولته الشهيرة (إنهما فقدا والدهما وهما لم يبلغا الحلم فلم يضيعوا العلم الذي ورثاه عن أبويهما وقال ما تناقلته الألسن لحد الآن (هذه بضاعتكما ردت إليكما) مشيرا إلى أن هذا علم والدهم الشيخ صالح الخطيب الذي منحه الإجازة العلمية يوم كان طالبا واليوم يعيد إليهم الأمانة – فأي أخلاق وسموا امتلكها الرضواني – رحمه الله - .

وبالإضافة لدراسته للعلوم الشرعية والدينية درس كذلك المواد العلمية كالجبر والهندسة والفلك على يد الأستاذ أمجد العمري ، كان رحمه الله الخطيب رشد يؤمن بتكريم الإنسان والحفاظ على كرامته في جميع الأحوال والدليل تعامله الأبوي مع تلاميذه فقد كان بالنسبة إليهم المربي والأخ الأكبر وليس محاضرا يقوم بإلقاء محاضرته وحال انتهاء محاضرته يودعهم ويذهب إلى حال سبيله بل انه كان يساعدهم في حياتهم العادية من خلال النصح والإرشاد لما فيه خير السبيل وكان يؤيد أن تتعلم المرأة ولكن مع تمسكها بزيها المحتشم ودينها وإيمانها وكان يؤكد إن المرأة المثقفة تكون أقدر على إدارة بيتها وتربية أطفالها في زمن كان يسوده الجهل في أوساط النساء . وقد عاصر رحمه الله أول تشكيل لمدرسة ابتدائية خاصة للبنات في الموصل فدعا الناس إلى إرسال بناتهم إليها بعد تأكده من أنها امتلاكها الأسس المطلوبة وحرص أن تكون دراسة القرآن وعلوم الحديث من أسبقيات المواد لتكون الخريجات الجيل الأساس لينور المجتمع به .
وكان يمتلك ثقافة أدبية إلى جانب ثقافته الدينية وكان متابعا للإنتاج الفكري (الثقافي والأدبي والاجتماعي) في بلاد الشام ومصر كان يقول دائما لقد سبقونا قليلا في هذه المجالات (آنذاك) لذا وجب أن نكون مثلهم بل أفضل فنحن أهل العراق أهل ثقافة وعلم وجمجمة العرب فلابد لهذه الجمجمة أن تنتج وتكد لتخدم البشرية لا أن تقرأ فقط .

تتلمذ على يده كثير من أبناء الموصل فلقد أفنى حياته في التدريس مدرسا للغة العربية في ثانوية الموصل فضلا عن إلى اتخاذه داره مدرسة للعلوم الشرعية ومن أشهر تلاميذه :

1- الشيخ إبراهيم النعمة – الشيخ ذنون البدراني – الشيخ ذنون يونس الغزال ... إلخ
تقلد مناصب وظيفية عديدة منها :
أ- مدرس للدين واللغة العربية في ثانوية الموصل .
ب- عضو في المجلس العلمي لمديرية أوقاف الموصل ، مفتشا في وزارة التربية لمادتي الدين واللغة العربية .
ولكن أهم منصب تولاه بناء على رغبة أهالي الموصل . خطابة الجامع الكبير النوري عندما تلم بالموصل أحداث مهمة وصعبة إذ تكون خطبه السبب الرئيسي لتهدئة الأحوال والأمل الذي ينشده الأهالي وكأنه يعيد دور جده الشيخ محمد النوري (رحمه الله) أيام الأزمات فأي منصب أهم من هذا !! .

كتب مقالات عديدة في جريدة الهدى الصادرة في الموصل سنة 1953 وكان يلقي المحاضرات في شهر رمضان ومن أشهرها محاضرته القيمة التي تناول فيها أهمية الصوم للإنسان . وترك لنا مجموعة كبيرة ومهمة من المؤلفات تجاوزت 42 مؤلفا في شتى المجالات التي تظهر تنوع ثقافية طبع منها ستة فقط !! والباحث في حياته يكتشف انه كان قارئا جيدا فقد قرأ كتب علماء الإصلاح مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وكان يعد نفسه تلميذا لهم .


كانت حياته جهادا في سبيل الله والعلم وإصلاح أحوال البلاد والرعية وله مواقف سياسية عديدة أيام الدولة العثمانية كونه عاصرها وعاصر كذلك فترة الانتداب البريطاني ورفض الاتصال بهم على الرغم من محاولاتهم في استمالته وكان في حيطة وحذر منهم وقد أيد قيام الدولة العراقية سنة 1921 – تزوج وأعقب أربع بنات فقط - .


توفي رحمه الله مساء يوم الأربعاء المصادف 30 محرم سنة 1400 هـ الموافق 19/12/1979 عن عمر ناهز 97 عاما .


إن هذه الأسطر القليلة لا تفي سيرة وحياة هذا الشيخ الجليل رشيد أفندي الخطيب حقها هو الرجل الذي قدم الكثير لمدينته وأهلها وخير دليل مؤلفاته الكثيرة ... أما أن الأوان لأحفاده أن يطبعوها أو إعادة طبع المنشور منها لعدم توفرها للباحثين . وهذا أفضل شيء يقدمونه لجدهم الرجل الذي وضع بصمته الواضحة في المدينة ويكفيه أنه قال :

وميزني في الرأي والقول إنني * أقول على علم واعلم ما يعني


ولو فعلوا هذا لأفادوا طلاب العلم والمعرفة والمكتبة العراقية وحبذا لو قامت جامعة الموصل بإعادة طبع كتابه القيم تفسير القرآن الكريم المسمى (أولى ما قيل في آيات التنزيل) الذي يقع في مقدمة و 9 أجزاء والذي طبعته الجامعة سنة 1972 .

رحمك الله أيها الخطيب الرشيد فلقد كنت رشيدا في حياتك ومماتك ويكفيك انك : (ورثت العلم وورثته)

عن شبكة الموصل
 
عودة
أعلى