تيمورلنك… اللعنة التي حلّت على الخلافة العثمانية
- الجزء الأول -
وُلِد تيمورلنك أو تيموركوجان، أو كوكان بن ترغاى بن أبغاى، ويمت بصلة قرابة إلى ذرية جنكيز خان من ناحية الأم وليس من العصب. ولد في قرية خواجة أبلغار عام 1336 م، الموافق شعبان 736 هـ، وهي من مدن ما وراء النهر، ولم يحمل لقب «خان» لأنه لا يُنس ب إلى العصب كما ذكرنا. وحمل لقبَ «أمير» ولقب «كوركان»، التي تعني بلغة المغول حسن الصهر؛ لزواجه من بنات الملوك. وأطلق عليه المؤرخون بعد ذلك مؤسس مملكة المغول الثانية. وقد أضاف الفُرس إلى لقبه كلمة «لنك» التي تعني الأعرج، وهذا الاسم لم يُعرف به إلا بعد الإصابة التي حدثت لقدمة في سيستان عام 1365م
ما يتميز به عن باقي المغول
إن المغول وبيئتهم وحياتهم التي عاشوها جعلت منهم حيوانات مفترسة تأكل الأخضر واليابس، وقد تميز تيمورلنك عن غيره من الطغاة التتر أنه كان يهدم المدن ثم يعيد بناءها على نمط جديد من صنع خياله. أما هولاكو وجده جنكيز خان فكانا يهدمان المدينة رأسًا على عقب، فلا يجعل حجرًا على حجر، ولا رأسًا على جسد، وبعد ذلك تُكتب لافتة تقول “هاهنا مدينة كذا”، أو بالأحرى كانت هنا مدينة كذا، إلا أن تيمور وغيره يتفقون على أنهم كانوا يهدمون ويقتلون ويفتكون إلى أقاصي الدرجات.
عقيدته
إن ظاهر الأمر لدى تيمورلنك أنه كان مسلمًا، مثله مثل كثير من التتر الذين دخلوا في الإسلام. ولكن حتى نعلم حقيقية الأمور، فإن كثيرًا من الذين اعتنقوا الدين الإسلامي من المغول لم يكن انتماؤهم للإسلام بالكلية، وإنما كان ظاهريًا وفقط؛ ذلك لأنهم أطلقوا الشهادة اسمًا ولفظًا لا عقيدة ويقينًا، بل استمروا بالعمل بعقيدتهم وبكتابهم المسمى الياسا.
وكذلك كان تيمورلنك، فرغم أنه كان مسلمًا، إلا أنه لم يطبق تعاليم وأحكام الإسلام في دولته، وإنما طبق قانون الياسا الذي وضعه جنكيز خان -وهي شريعة وثنية-. وكان تيمور يدعي أنه شيعي تارة وسني تارة أخرى حسبما تقتضي مصالحه في الحكم وما يريد أن يصل إليه؛ حتى أنه ادعى الانتساب إلى الإمام علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-.
التمهيد لنشوب الصراع مع الدولة العثمانية
الدولة التيمورية في أقصى اتساعها. يشير اللون الأخضر الداكن إلى الأقاليم والأخضر الفاتح للمناطق التي خضعت لغارات تيمور.
استطاع تيمورلنك أن يؤسس دولة واسعة الأرجاء تمتد من سمرقند إلى بلاد الأفغان والهند وإيران، حتى بلاد الكرج وأرمينيا وكردستان، وبذلك يكون قد جاور الدولة العثمانية التي كان يحكمها في ذلك الوقت السلطان بايزيد الصاعقة رحمه الله وغفر له. وكذلك قد جاور دولة المماليك في مصر والشام والحجاز، والدولة التركمانية الناشئة في شرق الأناضول، والإمارة الجلائرية المتداعية في العراق، والقبيلة الذهبية في حوض نهر الفولغا، وقد قرر تيمورلنك أن يُخضع كافة الحكام على امتداد حدود دولته ليدينوا بالولاء له.
وفي ذلك الوقت كان لبايزيد دولة قوية، بل تعتبر الدولة الثانية في العالم بعد تيمورلنك في القوة والتمكن والقدرة على تجميع الجيوش وفتح البلاد؛ فلذلك كانت المنافسة على أشدها بين الطرفين، وكان الصدام مرتقبًا لكل ذي بصيرة وعلى وشك الحدوث. ولكن ما الذي أشعل الأمور التي وصلت إلى الحرب؟
البداية
إن الذي جعل الأمور تبدأ في الاشتعال هي سلسلة من الأحداث تلت تلك الرسالة التي أرسلها تيمورلنك إلى برهان الدين أحمد بن شمس الدين حاكم سيواس، والتي يعتبرها تيمورلنك -أي سيواس- نقطة استراتيجية محورية جوهرية بالنسبة له في الصراع حول تحقيق المجد المغولي من جديد. وعلى إثر هذا، طلب من برهان الدين حاكم سيواس أن يضرب النقود باسمه على غرار المتداول في البلاد الخاضعة لحكم تيمور، وأن يجري الخطبة باسم السلطان الجغتائي محمود بن سيورعتمش صنيعة تيمورلنك، فقام برهان الدين بقطع رؤوس رسل تيمورلنك الذين حملوا إليه الطلب، وأرسل يُعلم السلطان العثماني بايزيد والسلطان المملوكي بما فعله من قتل الرسل، فبعث بايزيد إلى حاكم سيواس يعلمه بموافقته على تصرفه.
وقفة
ولنا هنا وقفه هامة وخطيرة في مسألة قتل الرسل، ذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرسل مسيلمة الكذاب: “أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا أَنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا”، وهكذا سار الخلفاء الراشدون. أما أفعال الملوك بعد «الخلافة الراشدة» ليست حجة، ولا يجوز مخالفة النصوص ونقض العهود بزعم المصلحة؛ فإن رسل الكفار لهم عقد الأمان. وأردنا أن نوضح هذه المسألة حتى لا تمر مرور الكرام دون توضيح، وقد استند البعض ليجيز قتل الرسل بما فعله قطز من قتل الرسل. فنقول إن العلماء أنكروا عليه هذه الفعلة، فهي لا تجوز ولو فيها رفع معنويات المسلمين، أو قطع الطريق أمام النفس إلا بالحرب على من يفكر أن يتراجع عن الجهاد، أو أي حجة كانت فلا يجوز قتل الرسل. والسؤال الجوهري: أيهما نتبع قطز أم النبي صلى الله عليه وسلم؟!
سيواس
يتبع
- الجزء الأول -
وُلِد تيمورلنك أو تيموركوجان، أو كوكان بن ترغاى بن أبغاى، ويمت بصلة قرابة إلى ذرية جنكيز خان من ناحية الأم وليس من العصب. ولد في قرية خواجة أبلغار عام 1336 م، الموافق شعبان 736 هـ، وهي من مدن ما وراء النهر، ولم يحمل لقب «خان» لأنه لا يُنس ب إلى العصب كما ذكرنا. وحمل لقبَ «أمير» ولقب «كوركان»، التي تعني بلغة المغول حسن الصهر؛ لزواجه من بنات الملوك. وأطلق عليه المؤرخون بعد ذلك مؤسس مملكة المغول الثانية. وقد أضاف الفُرس إلى لقبه كلمة «لنك» التي تعني الأعرج، وهذا الاسم لم يُعرف به إلا بعد الإصابة التي حدثت لقدمة في سيستان عام 1365م
ما يتميز به عن باقي المغول
إن المغول وبيئتهم وحياتهم التي عاشوها جعلت منهم حيوانات مفترسة تأكل الأخضر واليابس، وقد تميز تيمورلنك عن غيره من الطغاة التتر أنه كان يهدم المدن ثم يعيد بناءها على نمط جديد من صنع خياله. أما هولاكو وجده جنكيز خان فكانا يهدمان المدينة رأسًا على عقب، فلا يجعل حجرًا على حجر، ولا رأسًا على جسد، وبعد ذلك تُكتب لافتة تقول “هاهنا مدينة كذا”، أو بالأحرى كانت هنا مدينة كذا، إلا أن تيمور وغيره يتفقون على أنهم كانوا يهدمون ويقتلون ويفتكون إلى أقاصي الدرجات.
عقيدته
إن ظاهر الأمر لدى تيمورلنك أنه كان مسلمًا، مثله مثل كثير من التتر الذين دخلوا في الإسلام. ولكن حتى نعلم حقيقية الأمور، فإن كثيرًا من الذين اعتنقوا الدين الإسلامي من المغول لم يكن انتماؤهم للإسلام بالكلية، وإنما كان ظاهريًا وفقط؛ ذلك لأنهم أطلقوا الشهادة اسمًا ولفظًا لا عقيدة ويقينًا، بل استمروا بالعمل بعقيدتهم وبكتابهم المسمى الياسا.
وكذلك كان تيمورلنك، فرغم أنه كان مسلمًا، إلا أنه لم يطبق تعاليم وأحكام الإسلام في دولته، وإنما طبق قانون الياسا الذي وضعه جنكيز خان -وهي شريعة وثنية-. وكان تيمور يدعي أنه شيعي تارة وسني تارة أخرى حسبما تقتضي مصالحه في الحكم وما يريد أن يصل إليه؛ حتى أنه ادعى الانتساب إلى الإمام علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-.
التمهيد لنشوب الصراع مع الدولة العثمانية
الدولة التيمورية في أقصى اتساعها. يشير اللون الأخضر الداكن إلى الأقاليم والأخضر الفاتح للمناطق التي خضعت لغارات تيمور.
استطاع تيمورلنك أن يؤسس دولة واسعة الأرجاء تمتد من سمرقند إلى بلاد الأفغان والهند وإيران، حتى بلاد الكرج وأرمينيا وكردستان، وبذلك يكون قد جاور الدولة العثمانية التي كان يحكمها في ذلك الوقت السلطان بايزيد الصاعقة رحمه الله وغفر له. وكذلك قد جاور دولة المماليك في مصر والشام والحجاز، والدولة التركمانية الناشئة في شرق الأناضول، والإمارة الجلائرية المتداعية في العراق، والقبيلة الذهبية في حوض نهر الفولغا، وقد قرر تيمورلنك أن يُخضع كافة الحكام على امتداد حدود دولته ليدينوا بالولاء له.
وفي ذلك الوقت كان لبايزيد دولة قوية، بل تعتبر الدولة الثانية في العالم بعد تيمورلنك في القوة والتمكن والقدرة على تجميع الجيوش وفتح البلاد؛ فلذلك كانت المنافسة على أشدها بين الطرفين، وكان الصدام مرتقبًا لكل ذي بصيرة وعلى وشك الحدوث. ولكن ما الذي أشعل الأمور التي وصلت إلى الحرب؟
البداية
إن الذي جعل الأمور تبدأ في الاشتعال هي سلسلة من الأحداث تلت تلك الرسالة التي أرسلها تيمورلنك إلى برهان الدين أحمد بن شمس الدين حاكم سيواس، والتي يعتبرها تيمورلنك -أي سيواس- نقطة استراتيجية محورية جوهرية بالنسبة له في الصراع حول تحقيق المجد المغولي من جديد. وعلى إثر هذا، طلب من برهان الدين حاكم سيواس أن يضرب النقود باسمه على غرار المتداول في البلاد الخاضعة لحكم تيمور، وأن يجري الخطبة باسم السلطان الجغتائي محمود بن سيورعتمش صنيعة تيمورلنك، فقام برهان الدين بقطع رؤوس رسل تيمورلنك الذين حملوا إليه الطلب، وأرسل يُعلم السلطان العثماني بايزيد والسلطان المملوكي بما فعله من قتل الرسل، فبعث بايزيد إلى حاكم سيواس يعلمه بموافقته على تصرفه.
وقفة
ولنا هنا وقفه هامة وخطيرة في مسألة قتل الرسل، ذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرسل مسيلمة الكذاب: “أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا أَنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا”، وهكذا سار الخلفاء الراشدون. أما أفعال الملوك بعد «الخلافة الراشدة» ليست حجة، ولا يجوز مخالفة النصوص ونقض العهود بزعم المصلحة؛ فإن رسل الكفار لهم عقد الأمان. وأردنا أن نوضح هذه المسألة حتى لا تمر مرور الكرام دون توضيح، وقد استند البعض ليجيز قتل الرسل بما فعله قطز من قتل الرسل. فنقول إن العلماء أنكروا عليه هذه الفعلة، فهي لا تجوز ولو فيها رفع معنويات المسلمين، أو قطع الطريق أمام النفس إلا بالحرب على من يفكر أن يتراجع عن الجهاد، أو أي حجة كانت فلا يجوز قتل الرسل. والسؤال الجوهري: أيهما نتبع قطز أم النبي صلى الله عليه وسلم؟!
سيواس
يتبع