last-one

طاقم الإدارة
رئيس مجلس الإدارة
إنضم
11/12/18
المشاركات
24,653
التفاعلات
58,392
55841a9ac46188b61f8b45bd.jpg



تعمل روسيا والصين على تجاوز الخلافات التقليدية بينهما من أجل حسن استثمار الوضع العالمي الراهن وتأثيره على غريمتهما الولايات المتحدة الأميركية. وفي هذا السياق تفيد أحدث التقارير الاستخباراتية الصادرة عن مركز ستراتفور أن موسكو وبكين تخطّطان لمنافسة واشنطن في أكثر مجالاتها قوة وتفرّدا وهو المجال العسكري.


تعمل روسيا والصين على استغلال سياق الأزمة الأوروبية وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط والنزاعات في بحر الصين الجنوبي لتغيير أوجه التنافس بينها وبين الولايات المتحدة، والتقليص من نفوذها على صناعة القرار في العالم. ولعلّ من أبرز الدلائل على أن خصوم الولايات المتحدة أصبحوا أكثر جاهزية لمنافسة التحرّكات الروسية الأخيرة في الشرق الأوسط، سلسلة الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى بين روسيا ودول عربية مؤثرة إقليميا.


ولا تختلف السياسة الصينية كثيرا عن نظيرتها الروسية، في هذا الشأن، حيث تثبت التقارير الاقتصادية حركية كبيرة في مستوى التبادل الاقتصادي الصيني الخليجي، بما يفتح الباب أمام تطور العلاقات على مستويات سياسية ودبلوماسية. وتعتبر الصين أكبر الدول المستوردة لنفط الشرق الأوسط. ومن المتوقع أن تزداد واردات الصين النفطية لتتجاوز الولايات المتحدة في العام 2030 من حيث واردات نفط الشرق الأوسط.


ويلقى التعاون الصيني الشرق أوسطي ترحيبا كبيرا من طرق حكومات دول الشرق الأوسط، وذلك لعدم تدخلها في الشؤون الداخلية لتلك الدول؛ فقد اقتصر التعاون الصيني ودول المنطقة على الأعمال التجارية فقط، إلا فيما ندر على الملف السوري.


وبقدر ما تحمله العلاقات مع دول الشرق الأوسط من مزايا اقتصادية واستثمارية وسياسة، لكل من روسيا والصين، تحمل أيضا بعدا استراتيجيا وتاريخيا خاص بهاتين القوتين يتعلّق بمنافستهما للولايات المتحدة الأميركية؛ فمعروف أن الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم أهمية لدى الولايات المتحدة الأميركية، ومعقلا رئيسيا لنفوذها وتطبيق نظام القطب الأوحد؛ وأي محاولة لضرب هذا النفوذ وخلق توازن عالمي جديد بين القوى يجب أن يكون بمزاحمتها في هذه المنطقة.


وتهدف كل من الصين وروسيا في علاقاتهما إلى الحد من الهيمنة الأميركية من خلال دور أقوى لمجلس الأمن الدولي، الذي تملك موسكو وبكين فيه حق النقض، في التعامل مع القضايا الأمنية الملحة، فضلا عن لعبهما دورا أكبر في عالم متعدد القطبية تستطيعان فيه حماية مصالحهما ومصالح الدول الصديقة لهما.


تهديد الانفراد الأميركي


تدرك الصين وروسيا أن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وحدها لن تكون كافية لتحقيق خطوات ملموسة في سباق فرض الندية مع الولايات المتحدة الأميركية، فهذا الأمر يحتاج، بالأساس، إلى تحقيق التقارب على مستوى الجاهزية العسكرية. فمنذ الحرب الباردة يتصدّر الجيش الأميركي قائمة الجيش الأقوى عالميا ودون منازع لما يتميّز به من الدقة والتطور المستمر على مستوى التدريبات التي يخضع لها والتي أهلته لاحتلال الصدارة.


لكن السنوات الأخيرة باتت تنذر بلحاق الغريمين الروسي والصيني بركب الولايات المتحدة الأميركية عسكريا وخلق منافسة شرسة وحقيقية قد تهدد تفرّد الجيش الأميركي، وفق ما ورد في دراسة لمركز ستراتفور للدراسات والأبحاث الاستراتيجية.


لا يزال المحللون والمراقبون يؤيدون فرضية أن الجيش الأميركي أقوى الجيوش في العالم على الإطلاق بالنظر إلى عدة اعتبارات يقدمها هذا الجيش تباعا. فمن جهة هو الجيش الأعلى تدريبا مقارنة بأعدائه، ما يؤهله لضمان النصر في مختلف حملاته الموزعة بربوع كثيرة من العالم. ومن جهة أخرى أن ما ينفق على هذا الجيش من المليارات يجعله الأوسع انتشارا ونفوذا في العالم، إذ تفيد الإحصائيات عن إنفاق الميزانية الأميركية لما يقارب 600 مليار سنويا على الجيش والدفاع الوطني، والأكيد أن مثل هذه الميزانية كفيلة بخلق جيش هائل النفوذ.


وقد حمل الثقل العسكري الأميركي الغريمين الروسي والصيني إلى الاعتراف بقيمة التدريبات العالية للقوات العسكرية. واتجها إلى تكثيف وتجديد برامجهما التدريبية لاسيما في السنوات الأخيرة.


ورغم أن القوتين لن تكونا قادرتين على تجاوز الهيمنة العسكرية التقليدية للولايات المتحدة على المدى القريب، إلا أن النتائج الأخيرة لسياق التطور العسكري المطّرد لكل من موسكو وبكين يحتم على الولايات المتحدة الاستعداد لمواجهة الخصوم الذين يتم تدريبهم على نحو أفضل مما واجهته منذ الحرب العالمية الثانية.
رغم أنه لا يمكن المجادلة حول أفضلية الجنود والطيارين والبحارة الأميركيين على مستوى التدريب، بل إن الجيل الحالي من الجنود الأميركيين قد يكون الأفضل من بين الذين قدمتهم الولايات المتحدة على مر العصور، إلا أن روسيا والصين تداركتا الأمر وانطلقتا في إعداد مخطط للحاق بالولايات المتحدة، حيث اتخذتا خطوات لإصلاح وتوسيع البرامج التدريب العسكرية، بنسق يؤكد تصميمهما على الحفاظ أو حتى تسريع هذا الاتجاه في المستقبل.


في السنوات الأخيرة، سخّرت روسيا إمكانيات ضخمة من أجل دفع قواتها العسكرية إلى الأمام وتطوير آلياتها في التدريب بما يجعلها على نفس خطى غريمتها الأميركية. وضخت أموالا طائلة حيث ذكرت أحدث التقارير أن روسيا احتلت المرتبة الثالثة في قائمة الإنفاق العسكري بميزانية قدرت بـ84.5 مليار دولار.


بدروها، اعتمدت الصين على استراتيجية “الحرب الشعبية”، منذ ولادة جمهورية الصين الشعبية حتى نهاية الحرب الباردة. وتدعو هذه الاستراتيجية إلى الاستفادة من دعم السكّان لهزم قوّات مدربة ومجهزة بشكل أفضل. وكان وضع الجندي الصيني غير ملائم من حيث تلقي تدريب متميز في الحروب التكنولوجية الحديثة.


لكن القادة الصينيين أدركوا سريعا أن جيشهم يحتاج للخضوع إلى تغييرات كبيرة ليكون قادرا على مواجهة القوى الحديثة القوية مثل الولايات المتحدة وحلفائها. ومنذ أواخر التسعينات، تكثف التركيز على العقيدة وإدماج التكنولوجيا الحديثة بشكل مطرد في تدريبات الجيش الصيني. وهو ما يفسر ارتفاع ميزانية الدفاع الصينية بنسبة 10 بالمئة عام 2015 وبلغت نحو 145 مليار دولار.


منافسة شرسة


رغم الخلافات بينهما، إلا أن القوات الروسية والصينية تتجهان إلى التعاون فيما بينهما. إذ شهد العام الجاري أكبر المناورات البحرية المشتركة في تاريخ البلدين، والتي من المقرر أن تنتهي اليوم 28 أغسطس.


وفقا للأرقام التي جمعها المجلس الأطلسي، عقد الجيش الروسي ما لا يقل عن ست مناورات عسكرية كبرى تضم بين 65 ألفا و160 ألف فرد بين بداية عام 2013 وحتى نهاية العام 2014. وخلال الفترة ذاتها، لم تتجاوز أكبر مناورة للناتو 6 آلاف فرد. وبما أن حجم التمرين يحدد نوعية التدريب والتعليم، فإن حجم ونطاق ووتيرة التدريبات الروسية تدل على جدية موسكو في أن تكون منافسا حقيقيا للجيش الأميركي.


من جهتها بدأت القوات الجوية للجيش الصيني بإدماج عمليات تدريب متباينة. ومكّنت المناورات مع الجيوش الأجنبية من توفير معلومات قيّمة وتعزيز مناهج التدريب للفروع العسكرية الصينية. ومن غير المرجح أن تخفف الصين من الضغط من أجل الوصول إلى مستوى تدريب أفضل في وقت قريب.


دقّ القادة العسكريون الأميركيون ناقوس خطر حول تضرّرهم من المسائل المتعلقة بالميزانية والتشريعات، وخاصة عمليات العزل، التي تتعرض لها القوات المستعدة ودورات التدريب في السنوات الأخيرة. وفي الوقت الذي يبدو فيه أنه من حقهم أن يعربوا عن قلقهم، من المحتمل جدا أن تخفف طبيعة التكيّف للجيش الأميركي من الآثار السلبية للكونغرس في واشنطن.


وفي ظلّ التطورات الحاصلة، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، وعلاقتها بتنامي الإرهاب وتغير معادلات وموازين القوى التي خرجت عن نطاق القرار الأميركي المطلق، باتت اليوم أسطورة القوات العسكرية الأميركية، التي لا تقهر ولا يدانيها أحد، في مواجهة خصوم يعملون بوتيرة قياسية ومدربون جيّدا لمجابهة صراعات المستقبل.


ويخلص ستراتفور إلى أنه على الرغم من أن القراءات الأولية ترجّح استمرار الولايات المتحدة في التمتع بميزة التدريب المطلق عالميا في المستقبل، إلا أن التنامي الكبير والمتواصل للمشروعين العسكريين، الروسي والصيني، ينبئ باحتمال اهتزاز هذه المكانة. حيث تعتزم كل من روسيا والصين مواصلة الاستثمار في تطوير قواتهما، على الرغم من تزايد القيود المالية المفروضة عليهما. ومن المرجح أن يستمر التدريب والتعليم لتكون له الأسبقية على غيرهما من المجالات.


صحيفة العرب اللندنية

 

التهديد الصيني الروسي للهيمنة الأمريكية:

المنافسة الكبرى القادمة قد تنتقل من "الشرق" إلى إفريقيا
================



2018-12-17 | خدمة العصر
d93af51e86e8781d2e2b12a70e2656c2.jpg


أشارت تقديرات محللين إلى أن القرن الأفريقي هو المكان الذي يمكن أن تشتعل فيه الصراعات العالمية الرئيسة القادمة، خصوصا في ظل تنامي حالة التأهب القصوى في أوساط الأطراف المؤثرة.

كانت منطقة الشرق هي الجائزة السياسية والاقتصادية في القرن العشرين، والتي لم تسمح فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بسلام ولو لبعض الوقت منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.

واليوم، بعد مرور أكثر من مائة عام على اتفاقية سايكس-بيكو المدمرة بين بريطانيا وفرنسا، يظهر "شرق أوسط جديد" مع كتلة شمالية وجنوبية واضحة تعارض بعضها بعضا، لكن لكل منهما علاقات جيدة مع روسيا والصين.

فبينما تتألف الكتلة الشمالية من حلفاء السوفييت الرئيسيين في القرن العشرين، بما في ذلك سوريا والعراق، فإن الكتلة الجنوبية تحافظ على علاقات قوية تقليدية مع الولايات المتحدة، على الرغم من أن الأعضاء الرئيسيين في هذه المنطقة يحاولون تنويع محافظهم الاقتصادية والدبلوماسية معا.

ومن المؤكد أن هذا هو الحال مع كل من السعودية وحليفتها إسرائيل، فضلاً عن مصر التي تحاول أن تستفيد إلى أقصى حد من العلاقات التاريخية الجيدة مع موسكو والعلاقات الجيدة المستمرة مع واشنطن التي يعود تاريخها إلى أواخر السبعينيات.

والاستنتاج المنطقي لمثل هذا التشكيل هو حماية طرق وأحزمة وخطوط التجارة والنقل والإمداد والممرات في المناطق الإستراتيجية، وأكثر الصراعات تدور حولها. وهنا، يبرز أحد أهم هذه الطرق والأحزمة في الصين، التي تربط جنوب آسيا وشرق آسيا بأوروبا عبر أوراسيا، ويذكر المراقبون أن الأحزمة البحرية على طول "حزام واحد طريق واحد"، أصبحت أكثر نقاط الخلاف إثارة للقلق، حيث تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إثارة قلق الصين وشركائها.

وأوردت تقارير إعلامية أن "حزام واحد - طريق واحد" هي مبادرة طموحة أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، وهذا من أجل تطوير وإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية تربط أكثر من 60 بلدا.

ويشير "الحزام الواحد" إلى مكان يعرف تاريخيا بطريق الحرير القديم، وهو عبارة عن شبكة طرق تجارية تمر عبر جنوب آسيا لتربط الصين بدول جنوب وشرق آسيا والشرق الأوسط وصولا إلى تركيا

فيما يشير "الطريق الواحد" إلى الطريق البحري المستلهم من رحلة بحرية قام بها الأدميرال "زينغ هه"، الذي أبحر بأسطول من السفن إلى إفريقيا في القرن الخامس عشر، ويعد رمزا لأصالة القوة البحرية الصينية.

وتحاول بكين من خلال هذه المبادرة توثيق الروابط التجارية والاقتصادية بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، وتتضمن تشييد شبكات من السكك الحديدية وأنابيب نفط وغاز وخطوط طاقة كهربائية وإنترنت وبنى تحتية بحرية، ما يعزز اتصال الصين بالقارة الأوروبية والإفريقية.

وفيما يتعلق بالبر تشمل المبادرة بناء ممر جديد يصل آسيا بأوروبا، ويترافق ذلك مع تطوير ممرات اقتصادية تربط الدول الآسيوية بأوروبا، ومن الممرات البرية المقترحة، ممر الشمال، من الصين إلى آسيا الوسطى، ثم إلى روسيا فأوروبا وصولا إلى بحر البلطيق. وممر بري من الصين إلى الخليج العربي والبحر المتوسط، عبر وسط وغرب آسيا. وممر ثالث من الصين إلى جنوب وشرق آسيا، ومن ثم جنوب آسيا، وصولا إلى المحيط الهندي.

وبالبحر تركز المبادرة على بناء روابط بين الموانئ الرئيسية، ومن الممرات البحرية المقترحة ممر يربط الموانئ الصينية بالمحيط الهادئ عبر بحر الصين الجنوبي. وآخر يربط الموانئ الصينية بأوروبا. وقد أسست الصين صندوقا استثماريا برأس مال يقدر بمليارات الدولارات لتمويل المشاريع. وهنا، وفقا لتحليلات مواقع متخصصة، يمكن الحديث عن القرن الأفريقي والسودان، إذ تستعد واشنطن لمحاولات استغلال القرن الأفريقي والدول المجاورة لعديد من الأسباب، ومنها:


- حزام "الشرق الأوسط":


كما إن الطرق من باكستان في جنوب آسيا عبر إيران، فإن العالم العربي الشمالي وإلى شمال شرق البحر المتوسط يمثل الطرق البرية الرئيسة بين الشرق والغرب لطريق الحزام الواحد، وكذلك تمثل قناة السويس النسخة البحرية من الطريق نفسه.

والتجارة من المحيط الهندي إلى البحر الأبيض المتوسط التي تمر عبر باب المندب الضيق الذي يربط خليج عدن والمحيط الهندي على نطاق أوسع بالبحر الأحمر وقناة السويس، هي المحور الذي يقع حوله هذا المسار الهام. وبسبب ذلك، فإن الدول المتاخمة لكل من باب المندب والبحر الأحمر هي "الجوائز" السياسية الجغرافية الجديدة التي يجب كسبها، خاصة بعد أن أصبح ظهور توازن جديد على الأرض في منطقة "الشرق الأوسط" أسرع رسوخا.


- قاعدة الصين في جيبوتي:


افتتحت الصين منذ أكثر من سنة أول قاعدة بحرية ولوجستية على الإطلاق في دولة جيبوتي الصغيرة في قلب القرن الأفريقي. وعلى الرغم من أن للولايات المتحدة واليابان قواعد هناك أيضا، فإن رسالة الصين إلى العالم الأوسع واضحة: إن سلامة واستقرار المياه المحيطة بالقرن الأفريقي أمر ذو أهمية قصوى. يجب أن تبقى الطرق الملاحية لطريق الحزام الواحد في المنطقة خالية من القرصنة ومن التدخلات المؤثرة الساعية إلى تعطيل التدفق السلس للبضائع من الحدود البحرية الشرقية للمحيط الهندي إلى الساحل الشرقي لإفريقيا.

وربما التفكير أن تكمل القاعدة الروسية في السودان المهمة الصينية في جيبوتي بقدر ما يمكن للحليفين الرئيسين أن يتعاملوا مع مخاوف السلامة والاستقرار على طول باب المندب والبحر الأحمر.


- الوجود الصيني في الصومال:


على الرغم مما عُرفت به، منذ فترة طويلة، من وصف "دولة فاشلة"، وظل لصيقا بها، فإن الصومال يعتمد أكثر على الصين للاستثمار من أي بلد آخر. ويبدو أن الصين بعد دراسة التكاليف والمخاطر، قررت المضي في الاستثمار في السودان والتعاون في المسائل الأمنية مع مقديشو. وهذا يشير، وفقا لمحللين، إلى مدى جدية الصين في الظفر بموقع لها، على المدى الطويل، في القرن الإفريقي.

منذ أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات عندما أضرت قيادة غورباتشوف الضرر بعلاقات روسيا مع إثيوبيا، سارعت الولايات المتحدة إلى ملء الفراغ بعد سقوط نظام حكم منغستوهيلا مريام.ومع ذلك، ربما تمكنت الصين من التأثير في علاقات الولايات المتحدة مع إثيوبيا، بشكل واقعي، بعد صبَ كميات هائلة من الاستثمارات المباشرة النقدية والبنية التحتية في البلاد.

وكما كتب خبير الجغرافيا السياسية، أندرو كوربيكو، قبل سنة تقريبا، فإن "إثيوبيا، التي تعد ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في أفريقيا، والاقتصاد الأسرع نمواً في العالم، هي الشريك الأول للصين في القارة، وقد شيدت بكين خط سكة حديد جيبوتي - أديس أبابا، ويمكن رؤية هذا جزءا من طريق الحرير الإفريقي من أجل الوصول بفعالية إلى هذه القوة الإفريقية غير الساحلية التي تنمو باستمرار. ولأن التجارة الإثيوبية - الصينية ستبدأ على الأرجح في العبور عبر الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني CPEC (المشروع التنموي الضخم الذي تموله الصين، ويعتبر نسخة بكين من خطة مارشال لصديقتها الحديدية إسلام آباد) في طريقها إلى الصين، فمن المنطقي أن تبدأ البحرية الباكستانية في حماية استباقية لبحر العرب وخليج عدن بين غوادر (المدينة الباكستانية المطلة على بحر العرب) وجيبوتي مع الصينيين".

وهنا، وفقا لتحليلات متخصصة، يمكن للمتابع رؤية كيف تساعد الصين إثيوبيا على استعادة الروابط مع البحر، وبالتالي التحايل على إريتريا، وهذا في مصلحة إثيوبيا على المدى المتوسط، وتهيئة الظروف لبيئة يمكن لكل من إريتريا وإثيوبيا إصلاح العلاقات المتدهورة بينهما وإن ببطء من خلال موقعهما في مشروع "حزام واحد طريق واحد".

ويمكن لروسيا أن تنخرط في علاقات ذات مغزى مع أديس أبابا، وتستخدم علاقاتها الجيدة مع الصين نقطة انطلاق لتطوير هذا. وإذا أصبحت روسيا شريكًا أكثر أهمية للسودان في الوقت الذي تستخدم فيه هيبة الصين الاقتصادية في إثيوبيا لزيادة نفوذها السياسي الجغرافي في المنطقة، فإن هذا يمكن أن يكون مكسبا دبلوماسيا مفيدا يجر المنفعة الاقتصادية لجميع الأطراف، وفقا لتقديرات صحافية.

وفي كل هذا، تعتبر الولايات المتحدة أكبر عائق للتقدم. وإذا كانت أمريكا قادرة على استغلال قوى المنطقة الراسخة بهذه السهولة وصولا إلى حالة عدم استقرار طويلة في العالم العربي، فإن الحقيقة المقلقة هي أن عدم الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، وكذلك الأزمات الداخلية في السودان وما وراءها، مهيأة أكثر للاستغلال.

وتشير تقديرات المحللين المتخصصين في الجغرافية السياسية إلى أن المنافسة الكبرى القادمة على الهيمنة العالمية لن تكون في منطقة ما يُسمى "الشرق الأوسط"، بل في القرن الأفريقي القريب وفي السودان.

وتسعى الصين وروسيا إلى فتح المنطقة على مبادرة "طريق واحد حزام واحد"، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى استغلال التوترات القائمة والكامنة لقطع الطريق لدفع الدول المعنية إلى تحالف جديد مع الولايات المتحدة، وصولا إلى حظر المشاركة الكاملة في مشروع الصين: "حزام واحد - طريق واحد"

**

وفي السياق ذاته، كتبت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية التابعة للحزب الشيوعي أن مواجهة الوجود الصيني والروسي في إفريقيا قد أصبح الفكرة المهيمنة لإستراتيجية واشنطن الجديدة في إفريقيا. وكما قال جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب، في مؤسسة "هيريتيج"، الخميس الماضي، فإن ثمة ثلاث ركائز لإستراتيجية واشنطن تجله إفريقيا: تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري لمصلحة الصادرات الأمريكية وسوق العمل، وتعزيز حملة مكافحة الإرهاب لحماية الأمريكيين هناك، وسحب المساعدات الأمريكية لبعض بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام التي وصفها بأنها غير فعالة.

في الواقع، وفقا لتحليل الصحيفة الصيتية، لقد رأينا هذه الإدارة الأمريكية تهدد بفرض عقوبات على كينيا وتنزانيا ورواندا وبلدان إفريقية أخرى، وإلغاء قانون النمو والفرص في إفريقيا. وجاءت هذه الخطوة بعد أن حظرت الدول الإفريقية استيراد الملابس المستعملة من الولايات المتحدة بحلول عام 2019، وهو قرار يُراد به تحفيز الصناعة المحلية وتوفير فرص العمل، وقد يلحق الضرر بالسوق الأمريكية.

وفي هذا السياق، أثبت البحث الذي أجرته "مجموعة شرق إفريقيا" أن الواردات من الملابس المستعملة كان لها تأثير سلبي في إنتاج صناعة الملابس في أفريقيا، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 40 بالمائة وانخفاضا بنسبة 50 بالمائة في العمالة في الفترة 1981-2000.

وقد وعد بولتون ببرنامج جديد بعنوان "ازدهار أفريقيا" لدعم الاستثمار الأمريكي في جميع أنحاء القارة، واستمر في وصف الاستثمار الصيني بأنه "فخ للديون"، وهذا على الرغم من أن العديد من الشركات الأمريكية مثل جنرال إلكتريك وبوينغ وكاتربيلر استفادت كثيراً من الاستثمارات الصينية ومشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء إفريقيا.

وأشار تحليل الصحيفة إلى أن حكومة الولايات المتحدة تحتاج إلى التخلي عن عقليتها القديمة فيما يتعلق بإفريقيا باعتبارها مجال اهتمام خاص بها ومحاولة طرد الآخرين من هناك. لن تضطر الدول الأفريقية للعودة إلى عصر المنافسات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

فمنذ ثمانية عشر عامًا، وصفت مجلة "إيكونوميست" البريطانية إفريقيا بأنها "القارة التي لا أمل لها". ولكن بعد التغلغل الصيني، وفقا لتحليلات صينية، أعاد الغرب تدريجيا اكتشاف أفريقيا وتغيرت مجلة "إيكونومست" رأيها لتنشر على صدر غلافها عنوانا بارزا في ديسمبر 2011: "صعود إفريقيا". وتجدر الإشارة، هنا، إلى أن العديد من الاقتصادات الناشئة اليوم، مثل تركيا والهند والبرازيل، تشجع بقوة الاستثمارات في أفريقيا.


* التهديد الصيني - الروسي للهيمنة الأمريكية:


أعلن مستشار الأمن القومي جون بولتون مؤخراً عن إستراتيجية "ازدهار إفريقيا" الجديدة لإدارة ترامب، وهي في الأساس اعتراف ضمني بالهزيمة مع الإقرار بأن أهداف الولايات المتحدة هناك لم تتحقق منذ نهاية الحرب الباردة القديمة، وفقا لتحليل موقع "مستقبل أوراسيا".

وقد أعلنت إدارة ترامب رسمياً عن إستراتيجيتها "إفريقيا المزدهرة" يوم الخميس بعد أن قدم مستشار الأمن القومي، جون بولتون، ذلك إلى جمهور حصري في مؤسسة "هيريتيج" البحثية التابعة للمحافظين الجدد، وهو يتلخص أساسًا في تطبيق لمبدأ "أمريكا ترامب" في الظروف الجغرافية السياسية والاقتصادية المعاصرة في إفريقيا.

وشدد بولتون على أن النهج الجديد للولايات المتحدة سيركز على التجارة والعلاقات التجارية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، والصرف المثمر للمساعدات (بما في ذلك مختلف بعثات حفظ السلام)، والتي ستعزز بشكل علني إستراتيجية أمريكا في إفريقيا. وبقدر ما كان يكره على الأرجح الإقرار به، اضطر بولتون إلى الاعتراف بأن الولايات المتحدة قد فشلت في تحقيق أهدافها في هذا الجزء من العالم منذ نهاية الحرب الباردة القديمة، وهذا بالتالي هيَأ فرصًا للقوى العظمى المنافسة، الصين وروسيا، ليصبحوا أطرافا قوية مؤثرة في إفريقيا.

يقضي بولتون وقتًا طويلاً في التحسر على ضياع إفريقيا من أيديهم والتأثير الاقتصادي للصين في جميع أنحاء القارة، حيث هاجم مبادرة الحزام والطريق. ورأى بولتون أن القوى العظمى، وتحديداً الصين وروسيا، "يوسعون نفوذهم المالي والسياسي على نحو سريع في أنحاء أفريقيا. إنهم يوجهون استثماراتهم في المنطقة عن عمد وعلى نحو عدائي، لنيل أفضلية تنافسية على واشنطن"، مضيفاً أن الصين "تلجأ إلى الرشوة وإبرام اتفاقات غير واضحة واستخدام الدين على نحو استراتيجي لإبقاء البلدان الأفريقية رهينة رغباتها ومطالبها، ومشروعاتها تعج بالفساد".

بالإضافة إلى ذلك، رسم مستشار الأمن القومي خطاً في الرمال بالقول إن "ميزان القوى في منطقة القرن الإفريقي –منفتح على شرايين التجارة البحرية الرئيسية بين أوروبا والشرق الأوسط وجنوب آسيا- سوف يتحول لمصلحة الصين" إذا نقلت جيبوتي السيطرة على ميناء الميناء إلى جمهورية الصين. أما بالنسبة لروسيا، فإن بولتون يتهمها بـ"التعاملات الاقتصادية الفاسدة"، وكذا "بيع الأسلحة والطاقة مقابل الأصوات في الأمم المتحدة"، وأيضا "الاستمرار في استخراج الموارد الطبيعية من المنطقة لمصلحتها الخاصة".

بعبارة أخرى، وفقا لتحليل "مستقبل أوراسيا"، فإن الفشل المتكرر للولايات المتحدة في العقود الثلاثة الأخيرة، منذ نهاية الحرب الباردة القديمة، سمح للصين بالظهور شريكا اقتصاديا رائدا لإفريقيا، في وقت تقود فيه روسيا بشق طريقها لتصبح مزودًا موثوقًا للأمن مقابل عقود الاستخراج.

يعتقد بولتون أن الأنشطة الصينية والروسية "تعوق النمو الاقتصادي في إفريقيا وتهدد الاستقلال المالي للدول الأفريقية وتمنع فرص الاستثمار الأمريكي وتتداخل مع العمليات العسكرية الأمريكية وتشكل تهديدًا كبيرًا لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة"، لكن يبدو أن نقطته الأخيرة المذكورة هي الصحيحة فقط. النمو الاقتصادي الأفريقي ينفجر، وقامت الدول بتنويع شراكاتها المالية، لواجه، أخيرا، الاحتكارات الأمريكية المنافسة. وتقوم الولايات المتحدة تدريجياً بتقليص أنشطتها العسكرية في إفريقيا من أجل التركيز على "احتواء" الصين وروسيا بشكل مباشر في مناطقهما الأصلية.

والسبب الوحيد وراء تفسير أيا من هذا على أنه "تهديد كبير" هو أن الولايات المتحدة ما عادت تتدخل في الشؤون الإفريقية بقدر ما ترغب، في الوقت الحالي، في تعويض الشراكة الإستراتيجية الصينية الإفريقية التي تمثل جوهر نجاح الصين في المستقبل.

ورأى تحليل الموقع أن الجغرافيا السياسية في القرن الواحد والعشرين بدأت تتلخص في حاجة الصين إلى أسواق وعمال وموارد إفريقية من أجل ضمان استمرار نموها واستقرارها وبروزها النهائي قوة عالمية عظمى، ومن هنا جاءت العلاقة بين الطرفين، حيث تساعد الصين على تنمية إفريقيا مقابل وصول موثوق إلى مواردها الطبيعية والبشرية.

وردا على إخفاقاتها الواضحة على مدى عقود من الزمن، تطرح الولايات المتحدة الآن ما يسمى بإستراتيجية "إفريقيا المزدهرة"، لدعم المستثمرين الأمريكيين والطبقة المتوسطة المتنامية في جميع أنحاء أفريقيا، على أنها الحل الذي أعدوه لها، على الرغم من أن بولتون كان غامضًا جدا حول لوازمها والأدوات التي سيتم توظيفها من أجلها.

ولكن يبدو أن هذه الإستراتيجية ليست أكثر من اعتراف طويل الأمد بأن نهج أمريكا السابق تجاه القارة قد فشل، وأن واشنطن، بالتالي، ستعمل على تقليص انخراطها العسكري هناك مقابل إعادة ترتيب أولويات المشاركة الاقتصادية الفعالة من حيث التكلفة. ربما هي أقرب إلى حرب غير تقليدية من شأنها أن تزيد من تكاليف الأمن والمخاطر الإستراتيجية الشاملة للاستثمارات متعددة الأقطاب في هذه الدول المستهدفة. وباتخاذ خطوة إلى الوراء تحت ذريعة إنقاذ دافعي الضرائب الأمريكيين من بدل المزيد من المال، بما في ذلك سحب الدعم لبعض بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، فإن الولايات المتحدة قد تجبر، بذلك، الصين وروسيا على تحمل المزيد من المسؤوليات متعددة الأبعاد في إفريقيا قبل أن يجهزوا لمثل هذا الوضع، وما تقوم به أمريكا يمكن أن يكون فخا تريد أمريكا أن توقعهم فيه. وختم الموقع تحليله بالقول إن نتيجة هذه المناورة ليست معروفة، لكن ما هو واضح أن الحرب الباردة الجديدة انتشرت رسميا الآن في إفريقيا.

وربما يمكن القول أيضا أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ إفريقيا التي يوجد فيها هذا التفاعل مع القارة من جميع أنحاء العالم. وما هو مؤكد أن الإستراتيجيين والمستشارين الأمريكيين يكتشفون، الآن، أنهم يخسرون في إفريقيا. كما يُنظر إلى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على أنها مكنت إفريقيا من التحول إلى سوق محتمل للسلع والخدمات الأمريكية

فبينما تركز الولايات المتحدة في إفريقيا على الأعمال بدلاً من الدعم المالي، ألقت الصين أموالها للأفارقة، بتمويل مشاريع البنية التحتية الرئيسة، وفتحت أبوابها للجوانب التعليمية والثقافية للناس في جميع أنحاء إفريقيا. فقد دعم الصينيون الأفارقة في المجالات التي يحتاج إليها الأفارقة، أو على الأقل هذا الانطباع السائد حاليَا في أنحاء القارة. ويبدو أن ترتيب رحلة إلى بكين لمثقف أو باحث أو إعلامي إفريقي، في هذه الأيام، أسها بكثير من ترتيب رحلة إلى واشنطن.

**

في تحدٍ للقناعات التي طالما أفصح عنها المحللون الغربيون، وبما يعاكس الخلافات الهيكلية الهائلة بينهما، تقترب بكين وموسكو من بعضهما البعض لمواجهة التهديد الأمريكي، كما كتبت مجلة "ناشيونال أنترست" الأمريكية.

وقبل عام من وفاته في 2017، دق أحد كبار المفكرين الإستراتيجيين الأمريكيين في القرن العشرين، زبيغنيو بريجنسكي، ناقوس الخطر. وحذر في سياق تحليل التهديدات للأمن الأمريكي من أن "الاحتمال الأكثر خطورة" سيكون "تحالفا كبيرا بين الصين وروسيا... ولم توحدهم الأيديولوجية ولكن المظالم جمعتهم". وأضاف أن هذا "التحالف سيعيد إلى الأذهان حجم ونطاق التحدي الذي كانت تطرحه الكتلة السوفييتية - الصينية، على الرغم من أنه من المرجح أن تكون الصين زعيمة وروسيا هي التابعة".

قليل من المراقبين سمع تحذيره في ذلك الوقت، حتى إن عددا أقل اليوم يدرك مدى سرعة تحول هذا الميل الضخم من عالم الافتراض إلى ما يمكن أن يصبح حقيقة جغرافية إستراتيجية. ولعل تقاربهما يمكن أن يُنظر إليه أيضا على أنه نوع من الانتقام الكوني من المناورة الدبلوماسية للثنائي ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر منذ نصف قرن. فعندما أصبح نيكسون رئيسًا (عام 1969)، سعى هو ومستشاره للأمن القومي كيسنجر لإقامة علاقة مع الصين الشيوعية لتوسيع الفجوة بينها وبين الاتحاد السوفييتي.

وتبنى نيكسون وكيسنجر الرؤية الإستراتيجية لجورج كينان حول سياسة الاحتواء: أن القومية سوف تثبت أنها ركيزة أكثر ثباتًا من الشيوعية. كما أدركوا أن الصدع الذي أصاب الكتلة الشرقية بين الاتحاد السوفييتي وشريكه الصيني الأصغر يمكن توسيعه بواسطة دبلوماسية أمريكية بارعة على حساب السوفييت. وأكثرنا الآن يدرك كيف تحولت القصة.

وفي الوقت الذي يفكر فيه الخبراء الإستراتيجيون الروس في المدى الطويل، عليهم أن يروا صعود الصين بذهول. وترسم خريطة اليوم خطًا بين روسيا والصين يترك مساحة كبيرة مما كان في القرون الصينية في الجانب الروسي من الانقسام. وانطلاقا من هذه الحقائق البنيوية، فإن مستقبل التحالف الصيني الروسي على المدى الطويل يبدو قاتما، لكنَ الزعماء السياسيين لموسكو وبيكين يعيشون في حدود المكان والزمان الحاليَ.

ورأى تحليل المجلة الأمريكية أن تلاقي الاستبصار الإستراتيجي للصين بالدبلوماسية المتميزة من جهة، والحماقة الأمريكية والأوروبية الغربية من جهة أخرى، أنتجا اصطفافا ثخيناً ومترابطا، على نحو متزايد، بين متنافسين في نطاق الجغرافية السياسية: روسيا والصين.

ومن الناحية الاقتصادية، أزاحت الصين الولايات المتحدة وألمانيا باعتبارهما الشريك التجاري الأول لموسكو. فالصين، اليوم، هي أكبر مشتر للنفط الخام الروسي. قبل عقد من الزمن، تدفقت جميع خطوط أنابيب الغاز في روسيا غربًا. ومع اكتمال خط أنابيب "باور سيبيريا" في عام 2019، ستصبح الصين ثاني أكبر سوق مستهلك للغاز الروسي خلف ألمانيا مباشرة.

تحدد وثائق الأمن القومي الأمريكية الرسمية روسيا والصين "المنافسين الإستراتيجيين لأمريكا" و"الخصوم الإستراتيجيين" وحتى "الأعداء"، ويناقشان في السياق نفسه، كما لو أنهما توأمان. ووفقًا لإستراتيجية ترامب للأمن القومي: "تتحدى الصين وروسيا القوة والنفوذ والمصالح الأمريكية، وتحاولان تقويض الأمن والازدهار الأمريكيين". وكلاهما متهم بإجراء "عمليات نفوذ" كبرى ضد الولايات المتحدة والتدخل في الانتخابات الأمريكية.

في اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ، يقولون: "ﻋدو ﻋدوﯾﻲ ﺻدﯾقي". ﻣﯾزان اﻟﻘوة اﻟﻌﺳﮐري واﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻻﺳﺗﺧﺑﺎري واﻟدﺑﻟوﻣﺎﺳﻲ ﺑﯾن اﻟﻣﺗﻧﺎﻓﺳﯾن ذو أهمية ﺣﺎﺳمة، وجلوس روسيا بجانب الصين في الأرجوحة، يضيف إلى قوة الصين، قوة عظمى نووية إلى جانب قوة اقتصادية عظمى.

الرؤساء الأمريكيون منذ بيل كلينتون أهملوا وتجاهلوا تشكيل هذا التحالف، فحسب، ومن دون أي نكير فحسب، بل رعوه، فقد ظهرت روسيا على أنقاض الاتحاد السوفييتي في عام 1991 بزعيم متلهف إلى "دفن الشيوعية"، كما قالها بوريس يلتسين ، وانضم إلى الغرب.

ويرى تحليل المجلة أن قصة كيف وصلنا إلى هذا العداء العميق اليوم هي قصة طويلة، مليئة بالأخطاء من قبل جميع الأطراف. وقد لاحظ "كينان" أن قرار إدارة كلينتون عام 1996 بتوسيع حلف الناتو نحو الحدود الروسية، كان "الخطأ المصيري للسياسة الأمريكية في حقبة ما بعد الحرب الباردة بأكملها"، وتوقع أن تكون النتيجة توجه روسيا نحو "البحث عن ضمانات لمستقبل لها آمن في مكان آخر".

ولنتأمل ما حدث عمليا في العلاقات الصينية الروسية: تصورات التهديد والعلاقة بين القادة والتسمية الرسمية للآخر والتعاون العسكري والاستخباري والانخراط الاقتصادي والتنسيق الدبلوماسي وتوجيه النخب. فعندما يفكر قادة الأمن القومي الروس أو الصيني في التهديدات الحاليَة، فإن الشبح الذي يرونه هو الولايات المتحدة الأمريكية، فهم يعتقدون أن أمريكا لا تتحدى مصالحهم في أوروبا الشرقية أو بحر الصين الجنوبي، وفقط، وإنما تسعى، أيضا، بنشاط إلى تقويض أنظمتهم الاستبدادية.

فعلى النقيض من ازدراء باراك أوباما تجاه بوتين واتهام دونالد ترامب بأن الصين "تغتصب أمريكا"، أقنع الرئيس "شي" بوتين بأنهم "أفضل رفاق". ما هي أول عاصمة قام "شي" بزيارتها له بعد أن أصبح رئيسًا؟ موسكو. ومن الزعيم الأجنبي الذي يُتحدث إليه مباشرة بعد الرئيس "شي" في كل اجتماع دولي تستضيفه الصين؟ إنه بوتين.

 
عودة
أعلى