تجربة القتال الحضري في مدينة غروزني 1994-1996 (الحلقة الأخيرة)

anwaralsharrad

باحث عسكري
مستشار المنتدى
إنضم
12/12/18
المشاركات
2,661
التفاعلات
18,084
تجربـة القتــال الحضــري فـــي مدينــة غروزنـي 1994-1996 (الحلقة 5 والأخيرة)

cZYQik9aSr43TpnDRO-Zqn7_-CetJVQ16PPjfD_3hp4jWY8myK71vtenVO_tzX0uhLo=s0-d

لقد أجادت فرق قتل الدروع الشيشانية تشكيل مجموعات قتالية مؤلفة من 15-20 مقاتل ، حيث قسمت هذه إلى ثلاثة أو أربعة خلايا قتالية . هذه المجموعات جرى تسليحها بقواذف كتفيه مضادة للدروع من نوع RPG-7 وRPG-18 ، بالإضافة لمدافع رشاشة وبنادق قنص . تشكيل آخر قياسي لفرق الصيد الشيشانية hunter-killer teams اعتمد على فريق من رامي قاذف كتفي RPG وقناص وآخر برشاشة آلية ، حيث ثلاثة إلى خمسة فرق قاتلة من هذا النوع كانت تعمل سوية في نفس القطاع . وفي حين يتولى القناصة ومشغلي المدافع الرشاشة توفير الدعم الناري ومشاغلة المشاة المرافقين للعربات المدرعة والدبابات ، فإن رماة قذائف RPG كانوا يتولون الاشتباك المباشر وضرب الأهداف المدرعة في مواضع الضعف المعروفة ، في حين تولى أفراد آخرون مهمة حمل الذخيرة والعمل كرماة مساعدين مسلحين ببنادق AK . الكمائن الشيشانية ambushes وفرق صيد الدروع ، انتشرت في المباني المرتفعة للمدينة ، وتحديداً في الأدوار الثانية والثالثة حيث لا تستطيع مدافع الدبابات الوصول إليهم (لا أحد يتواجد على الجانب المعاكس من المبنى لتجنب إطلاق النار أحدهما على الآخر) ، في حين توزعت قوات أخرى في السراديب المحاذية للطرق والمداخل الرئيسة ، مع تحديد مواقع أخرى بديلة للهرب والانسحاب عند الضرورة . واستخدم المقاتلون تكتيكات عملية ومميزة للمواجهة ، خصوصاً مع توجه المشاة الروس للبقاء داخل عرباتهم المدرعة أثناء الكمين ، مما أعطى المقاتلين الشيشان الفرصة لرمي قنابلهم اليدوية وأسلحتهم القاذفة من الشرفات المطلة على طرق المدينة على أسقف الأهداف المدرعة ، بما في ذلك القناني المملوءة بسائل الغازولين gasoline . إحدى التكتيكات تمثلت في توجيه 5-6 من حاملي القاذفات RPG نيرانهم المباشرة نحو هدف مدرع واحد ، حيث يتم التركيز على المناطق العليا والسقفية للأهداف المدرعة بالإضافة للمؤخرة والجوانب حيث أوهن التدريع . تكتيكات أخرى استخدمتها المقاومة الشيشانية تمثلت في حصر الأرتال المدرعة الروسية في منطقة ضيقة ، وذلك عن طريق تدمير الهدف المدرع الأول في الرتل وتدمير الهدف الأخير منه أيضاً ، بحيث يسمح هذا التكتيك في مهاجمة كامل الرتل وهو في وضع محصور وكأهداف ثابتة . كانت إصابات أطقم الدبابات مرتفعة جداً (من المثير والمدهش أن مثل هذه التكتيكات استخدمت قبل 50 سنة في العاصمة الألمانية برلين Berlin ، عندما عملياً شلت كامل أرتال الدبابات السوفييتية المتقدمة داخل المدينة ، وحيدت حركتها بتدمير العربات في مقدمة الأرتال ومؤخرتها) .

12756781.jpg

وفي دراسة أعدت لاحقاً للدروس المستفادة من هذه الحرب ، توصل الروس لنتيجة مفادها أن معظم الدبابات والعربات المدرعة من طراز BMD-1 و BMP-2 و BTR-70 المشاركة في العمليات أصيبت بأسلحة كتفية مضادة للدروع في مواضع مختلفة من بدنها ، وأن كل عربة مدمرة تلقت من 3-6 ضربات قاتلة بقذائف RPG . لقد فضل المقاتلون الشيشان التسديد نحو خزانات الوقود Fuel cells والمحركات لتعطيل أهدافهم مبدئياً كما أظهرت نتائج نحو 90% من الإصابات المتحققة ، ثم بعد ذلك يتولى المقاتلون مهاجمتها في المناطق المختارة لتدميرها . التقارير الروسية تشير أن ما نسبته 98% من هذه الدبابات المدمرة أصيبت في مناطق غير محمية بالدروع التفاعلية المتفجرة ERA . لقد استخدمت القوات الروسية الدبابات من طراز T-72 وT-80 في معارك الشيشان ، وكانت كلا الدبابتين منيعة نسبياً تجاه القذائف الكتفيه الموجهة نحو مقدمة البرج ، بسبب ثخانة التدريع أولاً ، وكذلك تغطيتها بقراميد الدروع التفاعلية المتفجرة ، فكان الحل الشيشاني بإطلاق مقذوفات RPG ضمن مدى 50 م لتفجير قراميد الدروع المتفجرة ERA ، ثم بعد ذلك يطلق عدة مقذوفات RPG باتجاه النقطة المكشوفة . حل آخر كان بالاستفادة من تجربة الحرب الطاجيكية العام 1992 ، ومهاجمة المناطق غير المحمية كلياً مثل الجوانب ومؤخرة البرج والبدن ، والأسطح العليا وفتحة السائق ، هذا بالإضافة لمهاجمة مجموعات الرؤية vision blocks الخاصة بالدبابة . فلو نجت هذه من الهجوم الأول ، فإنها ستكون مغيبة وفاقدة الرؤية نتيجة تدمير منظومات الرؤية ، مما يسمح لرماة RPG بإعادة تحميل أسلحتهم والهجوم من جديد .

خدعة أخرى مارسها المقاتلون تمثلت بإلقاء قنبلة تشظية fragmentation grenade على السقف الأمامي للدبابة بقصد إتلاف منظومة الرؤية للسائق ومن ثم تركيز هجوم قذائف RPG على المقطع الخلفي لبرج الدبابة T-72 . لقد كيف المقاتلون تكتيكاتهم لمواجهة ظروف المعركة ، فقاذفات RPG التي بحوزتهم لم تكن قادرة على تدمير الدبابات المجهزة بدروع تفاعلية متفجرة ، بسبب عدم توفر المقذوف PG-7VR المجهز برأس حربي ترادفي ، فعمدوا إلى تشكيل فريقين أو أكثر من فرق RPG توجه نيران مقذوفاتها نحو نفس المنطقة في الدبابة ، ولكن من زوايا مختلفة . من ضمن المناطق التي ركزوا عليها كان منطقة الجنازير لتعطيل الدبابة ، ثم توجيه نيرانهم نحو الدروع التفاعلية لتفجيرها وخلق بقعة مكشوفة exposed spot لتوجيه القذائف القاتلة نحو المناطق الضعيفة (الروس لم يفاجئوا فقط بشراسة المقاومة الشيشانية ، لكنهم أيضاً فوجئوا بتطور استخدامهم لمصائد المغفلين booby-trapped والألغام ، حيث حرص هؤلاء على تفخيخ وتلغيم كل شيء تقريباً) .

6Tbw4ng99r1I7DE5mBBV1-EF0jp5Ye5nyOF9EKQSU3mBJwJBrF1VL_jzYDymJra6hDONccbYTuHt6GkM-0W2jkEFqr8_oe50a_Icm7NNT32zqNJh2H_RcpgDya9f8OH-aSWk9A=s0-d

بعد الحرب ، القيادة العسكرية الروسية شكلت فريق تفتيش رسمي مختص لمعاينة العربات المدرعة الروسية المتضررة والمحطمة التي شاركت في معركة غروزني Grozny ، مع صلاحيات كاملة . بموجب ذلك ، سمح لكل من "سيرجي ليبوف" Sergei Lebov و"يوري ميدفيد" Yuri Medved القيام بزيارة قصيرة إلى مركز تطوير الدروع الروسي في "كوبينكا" Kubinka . التقرير الذي كانوا يعدونه أصبح واحداً من الأولويات القصوى في الجيش الروسي وقياداته . لقد كان بإمكان المفتشين بالإضافة إلى العدد الكبير من العربات المدرعة الخفيفة المدمرة ، فحص عدد 23 دبابة معركة رئيسة من طراز T-72B وعدد 10 دبابات من طراز T-80BV .مستوى الأضرار في هذه الدبابات كان متفاوت لحد كبير ، ففي حين أن بعضها تعرض لأعطال وتلف طفيف وسطحي من قبل المقاتلين الانفصاليين الشيشان ، فإن حجم الأضرار كان في الحقيقة هائل وشديد جداً بالنسبة لدبابات أخرى . في حالة واحدة مميزة ، دبابتين من نوع T-72A روسية دمرت أثناء المعركة حول قصر الرئاسة في غروزني ، بدت مثل النصب التذكاري الغريب بالنظر إلى أبراجهم المفصولة disembodied turrets المرتبة بعناية على الشارع بجانب هياكلهم المحطمة . ليبوف وميدفيد كان لديهم مهمة جمع بيانات سبب تطاير وانفصال أبراج هذه الدبابات . في الحقيقة هذا النوع من العمل لم يكن جديداً إلى المفتشين الروس ، فقد رأوا دماراً مماثلاً على ساحات معركة عاصفة الصحراء Desert Storm وفي يوغسلافيا السابقة ، لكن كان عليهم هذه المرة البحث بشكل أكثر شمولية عن أسباب افتراق البرج عن الهيكل . إيقاد واشتعال الذخيرة المخزنة في الداخل onboard ammunition بعد اختراق دروع الدبابة الرئيسة ، يسبب انفجاراً عنيفاً بما فيه الكفاية لنسف برج الدبابة المنكوبة عالياً في الهواء وبعيداً عن الهيكل (هذا ما تحدث عنه الغرب دوماً) . لكن ليبوف وميدفيد عرفا أن المشكلة جزئياً لم تكن في تصميم الدبابات نفسها ، فمنذ بدايات الحرب المدرعة ، الدبابات كانت تدخل المعركة بالذخيرة وهي مخزنة في المواضع المفتوحة غير المحمية ضمن مقصورات قتالها fighting compartments ، لذا كان لزاماً البحث في أسباب أخرى لهذه النتائج المأساوية .

1015735525.jpg

قاعدة كوبينكا العسكرية التي توجه نحوها الفريق (تحول إلى متحف وصالة عرض بعد ذلك) ، والواقعة على مسافة 60 كلم خارج موسكو ، كانت فيما مضى مركزاً سرياً جداً لتطوير العربات المدرعة وموقعاً للاختبار . وفي نفس هذا المكان وفي شهر فبراير من العام 1995 ، عقد الجنرال "بافل غراشيف" Pavel Grachev (حصل في العام 1988 على وسام بطل الاتحاد السوفيتي الذهبي ، وهو وزير الدفاع الروسي السابق للفترة 1992-1996) ، مؤتمره الخاص الذي تحدث خلاله عن أداء الدروع الروسية في معركة غروزني . تعليقاته ربما كان لها تأثير كبير ومهم على قابليات تطوير العربات المدرعة والدبابات الروسية ، في الوقت الذي ساهمت فيه هذه التعليقات في تقليل الغرب لقدرات الدبابات الروسية الحالية والمستقبلية بشكل مثير . النقاط الرئيسة التي ركز عليها الجنرال الروسي تمحورت حول الأداء السيئ poor performance والرديء للعربات الروسية المدرعة وكما أشير إليه بشكل عام أثناء القتال في الشيشان . طبقاً للجنرال غراشيف ، نشر الجيش الروسي 2,221 عربة مدرعة أثناء بدء العمليات في الشيشان بتاريخ 14 ديسمبر 1994 . من ذلك المجموع ، كان هناك خسارة كلية وغير قابلة للاسترجاع irretrievable لنحو 225-250 عربة مدرعة مختلفة ، منها 62 دبابة معركة رئيسة من الأنواع T-72B وT-80B وT-80BV. وتحدث غراشيف يومها وأعرب عن استياءه الشديد من أداء القوات المدرعة الروسية بشكل عام ، ومن الدبابة T-80 بشكل خاص . طبقاً لبعض المصادر الغربية ، فإن دبابة T-80 التي كانت آلة القتال الرئيسة للجيش الروسي ، والتي لطالما أقلقت وأفزعت رؤساء وزارة الدفاع الأمريكية في العقد الأخير من الحرب الباردة ، ظهرت "ككومة خردة" junk heap على ساحات معركة الشيشان . يومها تحدث الجنرال غراشيف بشكل واضح ، وحدد ثلاثة مواضع رئيسة كعيوب منطقية للدبابة T-80 : حماية التدريع غير الكافية ، شراهة المحرك التوربيني الغازي للوقود ، ومصاعب تعامل الملقم الآلي مع خراطيش الذخيرة نصف القابلة للاحتراق .

qI7LIYY113nQ4U9kMyIQY_1hUEfROMRKNXtHA238vCF772cvHydBPb5CsVnf4fbI7_7qL8FVOb_AdFKhAzQRrMnBB2Zam_yLyVt_HB_EOe1ga7A1ouZvTSzdBGt9J-vO_LAiR2bmihUlOqe0foCBYJeBFigU-rlT0ra0mJ0nJxY=s0-d

الجنرال "أليكساندر غالكين" Aleksandr Galkin ، رئيس مديرية الدروع التابعة لوزارة الدفاع الروسية تحدث في مقابلة نشرت في صحيفة "النجم الأحمر" Red Star بتاريخ 25 مارس 1995 ، وأضاف بعض التعليقات المثيرة المتعلقة بالدبابة T-80 ، والنتائج العرضية التي تحققت خلال القتال في الشيشان . فذكر أولاً في رده على الملاحظات الحرجة التي نشرت وتتعلق بمنظومة التلقيم الآلي في الدبابات الروسية "القذائف في الدبابات الغربية توضع منفصلة عن الطاقم ، وهذا يحمل فائدة وميزة نفسية psychological advantage ، لكن في حالة حدوث ضربة مباشرة وقوية ، مخزون الذخيرة ما زال عرضة للانفجار والطاقم في وضع الخطر" . مع ذلك ، الجنرال غالكين اعترف على أية حال بأنه إذا نفاث شحنة مشكلة ضرب جانب الدبابة T-80 الضعيف واخترقه ، فإنه يمكن أن يصيب أحد أجزاء مخزن الذخيرة على أرضية البرج ، وهذا مع حدث فعلاً عندما أصيب مقذوف صاروخي موجه من نوع Cobra (يخزن مثله مثل القذائف القياسية الأخرى في صينية التلقيم) ، وتسبب ذلك في حدوث انفجار عنيف لكامل حمولة الذخيرة . طبقاً الجنرال غالكين ، هذه المشكلة كشفت أثناء العمليات القتالية ، وستؤخذ مستقبلاً بنظر اعتبار المصممين الروس .

640px-Evstafiev-chechnya-tank-helmet.jpg
 
عودة
أعلى