أهلا بكم جميعا مجددا:
في البداية أعتذر لكل الزملاء أو الأخوة المحترمين بالمنتدى.
وسبب الاعتذار أن لي ضوابط خاصة نوعا ما في موضوع مناقشة انحياز الأمة الإسلامية إلى أمريكا أو الصين في الصراع الحالي والصراع على طبيعة تأسيس النظام العالمي الجديد القادم المنتظر.
في هذا الموضوع خصوصا أريد مناقشة بعض الإخوة المحسوبين إجمالا على تيار الثورات العربية والإسلامية المباركة والتي تؤمن بشكل أو بآخر بهذه الثورات العربية والإسلامية.
وأنا أعتقد أن هذا سيمنحني الثقة بدرجة معقولة في هذا النقاش مما سيجعلني أستطيع الاستمرار طويلا في هذا النقاش إلى أي عمق سيحتاجه النقاش.
ولذلك أرجو من كل الزملاء تفهم هذا الموقف وهو بالطبع ليس شخصي ولكنه منهجي وعلمي بالنسبة لي مع الاحترام للجميع وأيضا بعد خوض مرحلة النقاش الأولى مع المؤمنين والمحبين للثورات العربية والإسلامية فلا مانع عندي ساعتها من استكمال النقاش مع بقية الزملاء من بقية الأطراف.
والأن دعوني أدلف للموضوع الذي أثرتموه هنا عن مسألة مصلحة الأمة العربية والإسلامية من وجهة نظر الأمة في طبيعة انحيازها أو تموضعها خلال مرحلة التقلبات و عدم الاستقرار والصراعات العالمية الشرسة الحالية والمقابلة.
وبشكل مباشر سوف أنتقل معكم لنقطة القلب من هذا النقاش بشكل مباشر حتى أختصر بقية المقدمات.
دعونا نقوم بعمل تقييم موقف سريع للأطراف العالمية الرئيسية داخل الصراع الحالي من خلال موقفها من القضايا التاريخية الرئيسية والثوابت الكبرى للأمة الإسلامية عامة.
ويعتبر هناك طرفين رئيسيين هما الغرب والشرق وصراعمها ومساحات بسيطة بين ذلك.
علاقة الغرب بالإسلام وقضايا الأمة العربية والإسلامية:
بخصوص علاقة الغرب بالإسلام وقضايا الأمة العربية والإسلامية الكبرى فهي علاقة تمتد لنحو ألف عام على الأقل متعددة الجوانب ومتشابكة ومعقدة بشكل كبير.
ولكن دعوني أختصر الأمر بشدة من خلال نافذة مباشرة على لحظة الواقع المعاصر الحالي.
ببساطة سوف نجد أن الغرب له علاقة معقدة جدا جدا بالأمة الإسلامية وقضاياها المختلفة، وفي البداية فلا يجب أن ننكر أن الغرب يترك مساحات معقولة من حرية التعبير وحرية العمل الفكري والنقاشات المفتوحة للكثير من المسلمين المتواجدين في الغرب.
ولكن يجن هنا تسجيل ملحوظة بالغة الأهمية وهي أن الغرب لا يترك مساحة حرية التعبير تلك بناء على نوع من تقدير التعايش المشترك أو شيء من هذا القبيل، بل وبشكل صريح ومباشر الغرب يترك مساحات نوافذ حرية التعبير للمسلمين في الغرب لأن هذه هي طبيعة الإدعاء الأساسي الذي قام عليه النظام الغربي الحالي برمته وأن مساحات حرية التعبير ليست صادقة بقدر ما هي أدوات تجميل ومساحيق تحسين الصورة تستخدم لتجميل وجه الغرب بالعالم عامة.
ومع أن النظام الحالي الغربي قائم في أساسه على دعوى حرية التعبير وحقوق الإنسان ومع ذلك كله لا يمكننا أيضا أن ننكر حالة الكراهية العامة ضد الإسلام في الغرب والتي اصبحت منتشرة انتشار النار في الهشيم ولدرجة أن أكبر تهديد بواجهة الغرب حاليا هو القدرة على الموازنة بين نظامه الأساسي وبين حالة الكراهية ضد الإسلام.
ويجب ألا ننسى هنا أن مساحات الحرية النسبية التي أصبحت تتقلص تدريجيا للمسلمين في بعض أو كثير من دول الغرب، فتلك الحرية النسبية التي تستخدم في تجميل وجه الغرب يقابلها ثمن هائل ورهيب تدفعه الأمة الإسلامية.
وأهم نقطة في الموضوع كله هو أن نسجل هنا أن الفيتو العالمي الأساسي على قيام أي نظام حكم إسلامي في أي بلد مسلم في العالم هو فيتو غربي بالأساس وأن التبعات لهذه النقطة هي العائق الوجودي الأساسي في وجه الأمة العربية والإسلامية برمتها أمام إستعادة هويتها الحضارية والسيادية بشكل كامل وصريح.
هذه هي النقطة الأكثر حسما في هذا النقاش برمته.
باختصار شديد ... الغرب الآن في حالة تحول عميق ستفرض نفسها على كل شيء في الغرب بصورة داخلية فضلا عن علاقاته الخارجية.
ولا يمكننا أن ننكر مساحة الحرية النسبية للمسلمين المقيمين بالغرب ولكن بالمقابل ثمن تحميل وجه الغرب بهذه النقطة كارثي لأن العائق الحقيقي بل أتجرأ لأقول أن العائق الوجودي على تحقيق الاستقلال الحقيقي الكامل لأي أمة عربية أو إسلامية وتحقيق نظام حكم حقيقي متوافق مع التاريخ والهوية والحضارة والشريعة ويستطيع دمج روح العلم والتقدم والمعرفة مع التاريخ والشريعة وإرث الحضارة الإسلامية الرشيدة في مجملها، هذا العائق وجودي فعلا وهو أساس كل المشاكل المعاصرة للأمة العربية والإسلامية.
أما بخصوص علاقة الشرق مع العالم الإسلامي والقضايا الرئيسية للأمة العربية والإسلامية.
فلا يمكننا هنا ننكر إرث العقلية الشرقية ومخاوف العقلية الشرقية من عمليات الاختراق الخارجي بواسطة بعض المكونات المحلية داخل الشرق والتي قد تكون بعضها إسلاميا.
لا يمكننا أن ننكر ضيق المساحات الشخصية وضيق بعض مساحات حرية التعبير والحريات الشخصية الناضجة في بعض دول الشرق وما تتسبب فيه هذه المشكلة من عملية قمع ومصادرة للحرية قد تأخذ بعض الاشكال المتطرفة في بعض الأحيان ببعض الدول الشرقية.
دعوني اضرب مثال هنا عن معاناة أهلنا الايغور في الصين، والقمع الصيني المفرط والذي لا يتمتع أصلا بذكاء استراتيجي بأي مقياس.
في البداية لعلكم لم تلحظوا أن معسكرات الاعتقال الجماعي الصيني الايغور حدثت نتيجة لمسار زمني معين سوف أختصره لكم الآن بشدة.
في البداية لم تكن علاقة الصين بمسلمي الايغور بكل هذا القدر من السوء برغم أن الصين احتلت إقليمهم.
وطالما كانت العلاقة بينهم متوترة.
ولكن مع النهضة الاقتصادية السريعة جدا للصين بدأت مخاوف الغرب من نهضة الصين تتصاعد تدريجيا.
ومع تصاعد المخاوف الغربية من الصين بدأت مراكز الأبحاث والدراسات والتفكير الإبداعي والاستراتيجيات الغربية في البحث عن نقاط ضعف الخصم الذي هو الصين هنا، وبناء عليه بدأت الدراسات الغربية المتوالية تنشر الخرائط الجغرافية للصين موزع عليها المشاكل ونقاط الضعف.
والغرب وضع تركستان الشرقية كنقطة محتملة جدا لتأجيجها للانفصال عن الصين وبدأ الغرب والدراسات الغربية تلوح بتفكيك الصين جغرافيا وبدأت الخرائط الجديدة للصين وفقا لمخطط الانفصال والتفكير الغربي للصين تنتشر بمراكز الأبحاث والنشر المختلفة.
الغرب حول استدعاء مخاوف الصين الأساسية والتلويح للصين بها.
وعندما أتى ترامب للسلطة عقد الصفقة السوداء مع الرئيس الصيني بأن يغض ترامب النظر عن موضوع المسلمين الايغور وما يستعرضون له مقابل بعض المكاسب لترامب وهذا الكلام تم فضحه ونشره علانية في فترة لاحقة.
الصين كانت تظن أنها تتصرف بشكل دفاعي وتدافع عن نقاط الضعف داخلها التي يلوح الخصم الغربي للصين بها دائما.
بالطبع أنا لا ادافع هنا عن الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها الصين ضد المسلمين الايغور.
ولكنني أيضا لا يجب أن أخدع نفسي أو أقدم تقييم كاذب للأمة بل يجب تقديم تقييم شامل للموقف يضع كل شيء في موضعه الصحيح.
بالطبع أيضا انا لا ألوم الغرب على جرائم الصين ضد الايغور ولكن أيضا لا ننسى أن لولا الاتفاق مع ترامب لكان مستحيل عمل معسكرات إعتقال جماعي للمسلمين الايغور وبقية الجرائم ضدهم.
الصين تصرفت بغباء استراتيجي وشوهدت صورتها الحضارية في اعز الأوقات التي هي بحاجة لها وهذه النقطة تحديدا كانت سببا متكررا التدهور الشديد في علاقتي مع الصين وخطابي لهم وتجاههم.
وهذه نقطة سلبية للغاية للصين في سجل علاقتها بالأمة العربية والإسلامية.
ولكن بالمقابل أيضا علينا أن نتذكر ونذكر هنا أن الصين ليس لديها نفس الفيتو الاعتراضية الوجودي على قيام أي نظام حكم إسلامي يستمد شرعيته وشريعته من الحضارة الإسلامية الرشيدة بمعناها الإسلامي قبل معناها الإنساني.
الصين لا تضع فيتو وجودي على الأمة الإسلامية وليس لديها مشكلة على الأقل حتى وقتنا هذا في طبيعة ونوعية الأنظمة الحاكمة العربية والإسلامية وتصنيفها ونوعها أيا كان.
بل الصين ترى مصالح كثيرة لها في الانحياز لقضايا الأمة العربية والإسلامية إذا وجدت الصين حكومات وأنظمة عربية وإسلامية تنحاز للقضايا الرئيسية المحورية للأمة العربية والإسلامية المباركة.
دعوني لا أطيل عليكم أكثر من هذا وأكتفي بهذا القدر حتى نتمكن معا من تغطية التفاصيل المطلوبة بمصداقية كبيرة حتى نصل سويا لتكوين الرؤية المطلوبة لتحقيق النهضة والاستقلال السيادي الحقيقي للأمة.
وفي هذه المرحلة الأولى للنقاش أرجو من الزملاء تقبل اعتذاري عن مناقشة بقية الزملاء الأطراف المتعددة بالمنتدى في نقطة انحياز الأمة.
على أن أستكمل هذا النقاش معهم في المرحلة الثانية منه بعد الوصول لرؤية متقاربة شبه موحدة للأخوة المحسوبين بشكل أو بآخر على معسكر الثورات العربية والإسلامية المباركة.
كل عام أنتم بخير جميعا.
وتقبل الله منكم ايام الطاعة والعبادة والقرآن والقربات.
تحياتي للجميع.
سيف الشرق.
سيف السماء تامر الجوهري.