انفصال دولة بنجلاديش عن باكستان

سامح ناصف

التحالف يجمعنا
صقور التحالف
إنضم
17/12/18
المشاركات
2,912
التفاعلات
8,194
باكستان قبل التقسيم

كانت دولة بنجلاديش جزءا من دولة باكستان التي أنشئت حديثا في (27 من رمضان 1366هـ = 14 أغسطس 1947م) بعد أن انفصلت عن الهند، وتألفت من جناحين: جناح غربي يسمى باكستان الغربية، يضم ولايات: السند، والبنجاب الغربية، بلوشستان، ومقاطعة الحدود الشمالية الغربية. أما الجناح الشرقي فيضم: البنغال الشرقية، ومقاطعة “سِهلت” ويعرف باسم باكستان الشرقية. وبين الجناحين مسافة كبيرة تصل إلى 1600 ميل تشغلها دولة الهند، وليس بين الجناحين اتصال إلا عن طريق الجو.
 
محمد علي جناح

images.jpeg-٥٢.jpg
محمد_علي_جناح.jpg


ويعد “محمد علي جناح” الملقب بالقائد الأعظم هو مؤسس دولة باكستان بجناحيها، وإن شاركه في هذه الفكرة دعاة آخرون يأتي في مقدمتهم الشاعر الكبير “محمد إقبال” الذي كان يحلم بإنشاء وطن للمسلمين في شبه القارة الهندية، ولكنه لم يعش حتى يرى ما كان يتمناه ويحلم به حقيقة؛ إذ توفي سنة (1357هـ= 1938م) قبل أن تظهر دولة باكستان لتحفظ للمسلمين عقائدهم وحضارتهم في شبه القارة الهندية ذات الأغلبية الهندوسية.

وكانت بداية باكستان المستقلة شاقة جدًا فلم يحفظ لها التقسيم حقا عادلا؛ فقد استأثرت الهند بمعظم الموارد المالية والكفاءات الإدارية، ولم ترث حكومة مركزية تقوم بتدبير شئون الحكم على أحسن وجه، ولا مرافق أو مؤسسات مدنية ذات شأن، وكانت القاعدة الاجتماعية والإدارية هزيلة وتعوزها الأجهزة والمعدات اللازمة التي احتفظت بها الهند، وزاد الأمرَ تعقيدا تدفق تسعة ملايين مسلم من الهند إلى باكستان، ونزوح الهندوس من باكستان إلى الهند، وكانوا يزاولون معظم الأعمال الاقتصادية؛ الأمر الذي أدى إلى اهتزاز الاقتصاد الباكستاني.. يضاف إلى ذلك كله استيلاء الهند على إقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة، وظل هذا الإقليم منطقة نزاع بين الدولتين، وخاضت باكستان من أجل تحريره من الهند أكثر من معركة بعد ذلك، ولكنها لم تنجح بعدُ.
 
استقلال باكستان

تولى محمد علي جناح الحكم في باكستان عقب قرار تقسيم الهند في (28 من رمضان 1366 هـ= 15 من أغسطس 1947م) وبلاده تعاني ظروفًا سيئة، وتحيط بها روح عداء الهند الهندوسية على الرغم من قبولها قرار التقسيم بينهما، ثم لم يلبث أن توفي جناح في (8 من ذي القعدة 1367 هـ = 11 من سبتمبر 1948م) وخلفه “الخوجا نظام الدين” حاكما عاما على باكستان، وتولّى “لياقت علي خان” رئاسة الوزراء، وأخذت الأمور تتحسن تدريجيًا، وبدأت الدولة تشارك في الأحداث الدولية، غير أن رئيس الوزراء تعرض لحادث اغتيال في (16 من المحرم 1371هـ = 16 من أكتوبر 1951) فعين “غلام محمد” حاكما عاما على باكستان، وكُلّف الحاكم السابق “الخوجا نظام الدين” بتشكيل الوزارة.

وفي هذه الفترة بدأت نواة الدعوة إلى استقلال بنجلاديش استقلالا ذاتيا؛ حيث بدأ الخلاف يدب بين الحاكم العام وهو من إقليم البنجاب الواقع في باكستان الغربية، وبين رئيس الوزراء “الخوجا نظام الدين” وهو من إقليم البنغال، وظهرت دعاوى تثير الشقاق بين الجناحين، مثل أن الجناح الغربي وبخاصة أهل البنجاب يسيطرون على الجيش وعلى المؤسسات المدنية، وأن البنغاليين لم يحصلوا على التمثيل النسبي الصحيح في المؤسسات الإدارية، على الرغم من أنهم يشكلون نحو 53% من مجموع السكان، وبرزت فكرة المطالبة بأن تكون اللغة البنغالية –وهي اللغة التي يتكلم بها الجناح الشرقي- إحدى اللغتين الرسميتين في البلاد، على حين رأى أهل باكستان الغربية أن تكون “الأوردو” هي اللغة الرسمية في البلاد؛ لأنها اللغة التي يعرفها معظم السكان، بالإضافة إلى سكان الهند؛ وذلك خوفا من تعدد اللغات، وتكريس الفرقة بين الجناحين.
 
ظهور مجيب الرحمن

ثم تزعم فكرة المطالبة بانفصال باكستان الشرقية (بنجلاديش) حزب “رابطة عوامي” بزعامة مجيب الرحمن، وهو من أهالي البنغال ولد في (27 جمادى الآخرة 1338 هـ= 17 من مارس 1920م) ودرس القانون في جامعتي “كلكتا” و”دكا” بالهند، وكان من المؤيدين لقيام دولة باكستان ولمحمد علي جناح، وتقلد عدة مناصب وزارية في باكستان الشرقية، وتعرض لاعتقال في سنة 1388هـ – 1968م.

وقد نشطت تلك الفكرة في عهد الرئيس الباكستاني “أيوب خان” (1378- 1389هـ- 1958-1969م) وبخاصة بعد نشوب الحرب بين باكستان والهند بسبب مشكلة كشمير في (جمادى الأولى 1385هـ = سبتمبر 1965م) واستمرت الحرب بينهما سبعة عشر يوما.. قام السلاح الجوي الباكستاني بدور حاسم في المعركة، وانتهى الأمر بين الدولتين إلى عقد اتفاق صلح بينهما، عرف باتفاق “طشقند” في (1368هـ= 1966م) ولكن بنودها كانت في صالح الهند.

بعد توقيع المعاهدة اشتدت المعارضة لسياسة الرئيس الباكستاني، وانتقد وزير خارجيته “ذو الفقار علي بوتو” اتفاقية طشقند، وانتهى به الحال إلى الخروج من الوزارة، واشتركت الأحزاب المعارضة في المظاهرات؛ فاضطر أيوب خان إلى عقد حوار مع المعارضة سنة 1388 هـ = 1968م في مدينة “روالبندي” عرف بمؤتمر المائدة المستديرة.


واشترك في هذا المؤتمر فصائل المعارضة، غير أنهم لم يتفقوا على شيء بسبب مطالبة “مجيب الرحمن” بالاستقلال الذاتي الكامل لباكستان الشرقية وتمثيلها في المجلس النيابي الاتحادي على أنها تمثل أغلبية السكان، إلا أن هذه المطالب وجدت معارضة شديدة؛ لأن أهم مشكلة تعاني منها باكستان إنما هي قضية كشمير المغتصبَة من قبل الهند، وهي تستحق تكاتف القوى السياسية لا تناحرها من أجل مكاسب حزبية، وانفض المؤتمر دون أن ينظر الرئيس الباكستاني إلى مطالب مجيب الرحمن، وإن تعهد بأنه لن يعيد ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية لفترة قادمة، وتعهد بإجراء بعض الإصلاحات السياسية.

ولم ينجح المؤتمر في فرض حالة الهدوء في البلاد، بل ازدادت اشتعالا واستمرت المظاهرات والاضطرابات في البلاد؛ ولم يجد أيوب خان مفرا من تقديم استقالته واعتزال الحكم في (6 من المحرم 1389هـ= 25 من مارس 1969م).
 
إجراء الانتخابات العامة

بنجلاديش بعد الانفصال

تولى “محمد يحيى خان” رئيس هيئة أركان الجيش السلطة بعد يوم واحد من استقالة أيوب خان، وأعلن عن إجراء انتخابات عامة في البلاد لاختيار أعضاء المجلس النيابي، وأن الجمعية الوطنية المنتخبة ستضع دستورا جديدا للبلاد سيكون نظاما نيابيا لا رئاسيا؛ وأجريت بالفعل في (شوال 1390 هـ = ديسمبر 1970م) وأسفرت عن فوز حزب “رابطة عوامي” بزعامة مجيب الرحمن بأغلبية المقاعد في الجناح الشرقي بدعم من الهند، وفوز حزب “الشعب” بزعامة “ذو الفقار علي بوتو” في باكستان الغربية، وحاول بوتو أن يقتسم السلطة بينه وبين مجيب الرحمن، لكنه لم يوفق لإصرار الأخير على المطالبة بالانفصالية، ورغبته في عقد جلسات المجلس النيابي في أقرب فرصة؛ ليتمكن من إقرار دستور يرتضيه بناء على أغلبية أعضاء حزبه المطلقة في المجلس، على حين كان يرى بوتو تأجيل موعد انعقاد المجلس حتى يتم التفاهم مع مجيب الرحمن حول توزيع السلطة.
 
اندلاع المظاهرات في بنجلاديش

تقرر اليوم السادس من المحرم 1391 هـ = 3 من مارس 1971م موعدا لانعقاد المجلس النيابي، ولكن بوتو رفض حضور الجلسة رفضا تاما؛ فتأجل الموعد مما أثار أهل باكستان الشرقية، وانفجر فيها عصيان مسلح، وعمت الفوضى البلاد، واضطر الرئيس “يحيى خان” للسفر إلى الجناح الشرقي لتهدئة الأوضاع فلم يفلح، واعتُقل مجيب الرحمن؛ لأنه أعلن قيام دولة بنجلاديش في (29 من المحرم 1391 هـ – 26 من مارس 1971م).

وفي أثناء ذلك توجهت عناصر انفصالية بنجلاديشية أغلبها من الهندوس إلى الهند، وبدأت العمل ضد باكستان، وقُدّر هؤلاء بنحو تسعة ملايين، ثم قامت الهند بالتعاون مع هؤلاء الانفصاليين بالهجوم على باكستان، ثم اشتعلت الحرب بين الهند وباكستان في غارات جوية وقصف مدفعي وغزوات برية على الحدود الشرقية والغربية للبلدين، إثر أسابيع من المناوشات المحدودة وأشهر من التوتر، وانتهت المعارك بهزيمة كبيرة لباكستان، وتوقيع معاهدة استسلام.
 
قيام بنجلاديش

استقال الرئيس “يحيى خان” من منصبه في (3 من ذي القعدة 1391 هـ = 20 من ديسمبر 1971م) تحت ضغط شعبي، وسلم السلطات إلى “ذو الفقار علي بوتو”، وكان أول ما فعله أن أطلق سراح مجيب الرحمن في 5 من ذي القعدة 1391 هـ الذي وصل إلى بنجلاديش، وبدأ في ممارسة صلاحيته في الدولة الوليدة التي تتابع اعتراف الدول بها بما في ذلك باكستان نفسها.‏‏
 
عودة
أعلى