المغول مابين الشام ومصر

عودى عبدالله

التحالف يجمعنا
عضو مميز
إنضم
7/2/21
المشاركات
1,727
التفاعلات
3,991
فى أثناء حصار ميافارقين ، توالت الوفود الإسلامية تؤكد ولاءها وتبعيتها لهولاكو ، فولى ميممًا وجهه نحو بلاد الشام ، وبدا يفكر فى اجتياحها ، وأراد ضم تلك الإمارات الإسلامية المتناحرة تحت سلطانه ، كما أراد ضم الإمارات الصليبية فى ظل تبعيته ، تعالوا لنتناول بشيء من التفصيل ما فعله المغول لاجتياح الشام ، وكيف وعد المغول بتفريق أراضى المسلمين بين الممالك الصليبية ، فكان وعد من لا يملك لمن لا يستحق.

* الناصر يوسف يعلن الجهاد!!:

ج: كيف اجتاح المغول بلاد الشام؟ ولماذا عجز حكام الشام عن الصمود؟

من تلك الوفود التى بعثها أمراء المسلمين فى الشام إلى هولاكو لتأكيد الولاء والتبعية ، وفد (الناصر يوسف الأيوبي) أمير دمشق وحلب ، وقد كان يطلب مساعدة المغول لغزو مصر وضمها إلى ملكه ، وقد كان على رأس وفد الناصر ابنه العزيز ، ولكن على نفسها جنت براقش!!

لقد استكبر هولاكو أن يرسل له الناصر ابنه ولا يأتي بنفسه ، وغضب أيضًا من إرادة الناصر الإستيلاء على مصر وضمها لنفسه ، وهولاكو يريد الشام ومصر معًا أن يدخلا فى حكمه ، فأرسل هولاكو رسالة شديدة اللهجة إلى الناصر يوسف ، أما العزيز بن الناصر فقد احتجزه المغول عندهم ، أو لعله آثر البقاء مع جيش هولاكو لمهاجمة المسلمين!!

وسقط قلب الناصر يوسف فى قدميه ، و وجد أن لا مناص من الجهاد ولا مفر من محاربة المغول ، ولكنه كان جهادًا فى سبيل العرش والحكم لا سبيل الله والإسلام ، وضرب الناصر معسكر جيشه شمال دمشق ، مع أنه كان يجب عليه أن يعسكر بجيشه فى حلب لحمايتها ، أو يسير بجيشه نحو مدينة ميافارقين التى كان يحاصرها المغول ، وفى داخلها الأمير الكامل محمد الأيوبي ، وبذا تكون فرصة النصر أكبر ، ولكنه آثر البقاء فى دمشق ، حتى تكون فرصة الفرار أكبر لا النصر.

* سقوط حلب بأيدى المغول:

ج: كيف اجتاح المغول بلاد الشام؟ ولماذا عجز حكام الشام عن الصمود؟

بدأت جيوش المغول الجرارة تتحرك صوب حلب ، فاحتلت نصيبين وحران والرها وإلبيرة ، ثم أطبقت على حلب الشهباء من كل الجهات ، وقد كان فيها مجاهد كبير تزعم المقاومة ، وهو توران شاه عم الناصر يوسف ، ولكنه لم يكن على شاكلته ، ونُصبت المجانيق حول المدينة ، وبدأ القصف المتوالى من المغول على المدينة ، أما الناصر يوسف ، فقد كان رابضًا بجيشه فى دمشق!!

وفى أثناء حصار حلب سقطت مدينة ميافارقين الباسلة بأيدى المغول ، واستشهد بطلها الكامل محمد الأيوبي ، فزادت حماسة المغول ، وخارت قوى المسلمين ، واستمر الحصار لمدينة حلب سبعة أيام فقط ، ثم أعطى هولاكو الأمان لأهل حلب إذا فتحوا الأبواب ، ولكن توران شاه حذرهم من مغبة ذلك الأمر ، وذكرهم بمخالفة المغول لوعودهم دائمًا ، غير أن أهل المدينة كانوا قد أحبطوا تمامًا من سقوط ميافارقين وما حدث بها من فظائع ، إضافة إلى تخلى الناصر يوسف عنهم ، وقد اتجه عامة أهل المدينة إلى فتح الأبواب أمام جيوش هولاكو.
اعتصم توران شاه بالمجاهدين فى قلعة المدينة ، وما أن فُتحت أبواب حلب ، حتى أصدر هولاكو أمره بقتل كل المسلمين وترك النصارى ، وتلك خيانة متوقعة من ذلك السفاح ، فبدأت المذابح البشعة فى الرجال والنساء والأطفال ، وتم تدمير المدينة تمامًا ، ثم اتجه هولاكو لحصار القلعة ، التى كان بها توران شاه والمجاهدون.
اشتد القصف على قلعة حلب ، وانهمرت السهام من كل مكان ، ولكنها صمدت وقاومت أربعة أسابيع متصلة ، إلى أن سقطت فى يد هولاكو ، وقتل هولاكو كل من فى القلعة ، إلا أنه لم يقتل توران شاه وأبقاه على قيد الحياة ، ليس لأنه يتحلى بنبل أو فروسية ، فذلك ليس إلا مجرم سفاح نزع الله من قلبه الرحمة ، ولكنه حتى لا يثير حفيظة الأيوبيين ، ويجعلهم يستسلمون دون مقاومة.

* ما بعد حلب:

ج: كيف اجتاح المغول بلاد الشام؟ ولماذا عجز حكام الشام عن الصمود؟
استقر الوضع لهولاكو فى حلب ، فأعطاها هولاكو إلى أمير حمص (الأشرف الأيوبي) الذى كان مواليًا له مع حامية مغولية ، ثم اتجه هولاكو إلى حصن (حارم) ، وقد كان به بعض المجاهدين الذين رفضوا الاستسلام ، فاقتحم عليهم الحصن ، وقتل كل من فيه.
ثم أكمل طريقه غربًا بعد ذلك حتى وصل إمارة أنطاكية ، وهي إمارة حليفه الصليبي (بوهيموند) ، وقد وفد الحلفاء على هولاكو لتقديم الولاء والطاعة ، فجاء ملك أرمينية وأمراء السلاجقة (كيكاوس الثانى) و (قلج أرسلان الرابع).
وقد أصدر هولاكو أوامره بإعطاء اللاذقية إلى الصليبيين ، وقد كانت مسلمة منذ عهد صلاح الدين الأيوبي ، كما أعطى غنائم حلب إلى ملك أرمينية ، وكذلك كل الأراضى التى فتحها المسلمون السلاجقة من بلاد أرمينية.
ثم توجه هولاكو جنوبًا نحو مدينة (حماة) ، فجاءه وفد من أعيانها يقدمون له مفاتيح المدينة دون قتال ، ومن ثم أعطاهم هولاكو الأمان ، ولكنه كان أمانًا حقيقيًا ؛ لتشجيع غيرهم أن يحذوا حذوهم ، ثم توجه هولاكو نحو دمشق.

* بطل وسط الجبناء:

ج: كيف اجتاح المغول بلاد الشام؟ ولماذا عجز حكام الشام عن الصمود؟
كان الناصر يوسف يعسكر بجيشه خارج دمشق ، وقد وافته الأنباء بسقوط ميافارقين واستشهاد الكامل محمد الأيوبي ، ثم جاءت الأخبار بسقوط حلب واستباحتها ، وكذلك سقوط حصن حارم وتسليم حماة ، فاجتمع الناصر بكبار قادته لمناقشة موقفه.
كان المجلس يضم الأمير البطل ركن الدين بيبرس – أحد فرسان المماليك – ، وكانت بوادر الرعب والهلع بارزة على قسمات وجه الناصر ، وبدا أنه هو وأمراؤه لا يميلون مطلقًا إلى الحرب واللقاء ، فبدأوا يتخاذلون ، وهنا انتفض الأمير ركن الدين بيبرس ، وكانت فيه رغبة جارفة فى مواجهة المغول ، لكنه وجد نفسه فى مجموعة من المتخاذلين والخونة.
لم تجد كلمات ركن الدين أي صدى عند أولئك الأمراء ، وقد اتخذوا قرار الفرار ، ولتبق دمشق وأهلها دون حماية!! ، أما الأمير بيبرس ، فقد توجه إلى مصر على أمل اللقاء مع المغول.
وقع أهل دمشق فى حيرة كبيرة ، فاجتمع أعيان دمشق وكبراؤها ، واتفقوا على تسليم المدينة إلى هولاكو ، ولم يخالف ذلك الرأي إلا قلة من المجاهدين قرروا التحصن فى قلعة دمشق والدفاع حتى النهاية ، ولكن حدث أمر لم يكن فى الحسبان ، فقد انسحب هولاكو فجأة بفرقة من جيشه ، وتوجه نحو عاصمة بلاده (قراقورم)!!.

* موت منكوخان:

ج: كيف اجتاح المغول بلاد الشام؟ ولماذا عجز حكام الشام عن الصمود؟
حدث أمر لم يكن فى حسبان هولاكو ، فقد مات منكوخان حاكم المغول ، وهولاكو – بالطبع – سيكون أحد المرشحين لحكم دولة المغول ، لذلك عندما وصل خبر وفاة منكوخان ، لم يتردد هولاكو فى ترك جيشه ، وأسرع بالعودة إلى قراقورم ، وترك على رأس جيشه أعظم قواده (كتبغا نوين).
لما وصل هولاكو إلى بلاد فارس ، جاءته الرسل بأنه قد تم اختيار أخيه الكبير (قوبيلاي) خاقانًا جديدًا للمغول ، ومع أن الأمر كان على خلاف مع توقعات هولاكو ، إلا أنه تقبل الأمر بهدوء ، وذهب إلى تبريز (فى إيران) وجعلها مركزًا لحكمه.

* تسليم دمشق:

ج: كيف اجتاح المغول بلاد الشام؟ ولماذا عجز حكام الشام عن الصمود؟
وصل أعيان المدينة وهم يحملون مفاتيحها إلى جيش المغول ، فاستقبلهم كتبغا ، وأعطاهم الأمان ، وتقدم بجيشه لدخول درة الشام وحاضرة الأمويين دمشق ، فدخل ثلاثة أمراء من النصارى يتبخترون بخيولهم ، ويسيحون فى طرق المدينة المسلمة ، وهم كتبغا نوين قائد جيش المغول ، وملك أرمينية ، وأمير أنطاكية.
وأعطى المغول الأمان فعلاً لأهل دمشق ، ما عدا الذين تحصنوا فى القلعة ، فقد أسقطوها ، وقتلوا كل من فيها ، وذلك بعد عامين فقط من سقوط بغداد ، ومن ثم هبطت معنويات العالم الإسلامي إلى الحضيض ، وصار غالبية المسلمين يوقنون باستحالة هزيمة المغول ، كما صار بعضهم يدرك أن اللحظات المتبقية فى عمر أمة الإسلام أصبحت قليلة جدًا.

* احتلال فلسطين:

ج: كيف اجتاح المغول بلاد الشام؟ ولماذا عجز حكام الشام عن الصمود؟
قرر كتبغا احتلال فلسطين ، فاحتلت جيوشه سائر مدنها ، ما عدا الإمارات الصليبية ، ولكن الأمراء الصليبيين كانوا يتوجسون خيفة من المغول ، فقد أوغرت صدورهم تلك الأعمال التى قام بها المغول بحق النصارى من تعيين بطريرك مخالف لمذهبهم ، وتدمير مدينة صيدا وبيروت الواقعتين تحت قبضة الصليبيين ، كما أن أوضاعهم كانت مستقرة قبل قدوم المغول لاطمئنانهم بضعف المسلمين ، وكانوا على وجل أن يفعل المغول بهم ما فعلوه فى أوروبا بمجرد أن تترسخ أقدامهم فى الشام ، ولكن الصليبيين ظلوا يراقبون الأمر من بعيد دون تدخل.
باحتلال المغول لمدينة غزة ، صاروا على حافة شبه جزيرة سيناء ، وبات واضحًا للجميع أن الخطوة التالية – بلا شك – هي مصر ، وقد كانت آخر قوة ما زالت قائمة فى مركز العالم الإسلامي ، إذ سقطت دولة الموحدين فى المغرب الأقصى وتفتت قبيل احتلال الشام بعدة سنين ، وتوجهت قلوب المسلمين وآمالهم نحو المسلمين فى مصر.
 
كان يحكم دولة المماليك في ذاك الوقت المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك وهو صبي صغير يبلغ من العمر 15 سنة، قام السلطان المظفر سيف الدين قطز - وهو من المماليك البحرية- بخلعه بعد إقناع بقية أمراء ووجهاء الدولة بأنه فعل ذلك للتجهيز والتوحد ضد الخطر المحدق بالدولة المملوكية بشكل خاص والمسلمين بشكل عام. كان الوضع النفسي للمسلمين سيئا للغاية وكان الخوف من التتار مستشريا في جميع طبقات المجتمع الإسلامي وقد أدرك قطز ذلك وعمل على رفع الروح المعنوية لدى المسلمين. استمال قطز منافسيه السياسيين في بلاد الشام وحاول ضمهم إلى صفوفه وكان ممن انضم معه بيبرس البندقداري الذي كان له دور كبير في قتال التتار فيما بعد.

ماقبل المعركة​


قبل مغادرة هولاكو من بلاد الشام أرسل رسلا لقطز يحملون كتابا كان مما فيه
«مِن ملك الملوك شرقاً وغرباً، الخان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء.. يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته أنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه وسلّطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتَبَر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ.. وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا الطلب. فأي أرض تأويكم؟ وأي طريق تنجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع.. فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم. فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر.. فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب قبل أن تضرب الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرزاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذّرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم »

ورد قطز على رسالة هولاكو:
«قل اللهم على كل شيء قدير والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي، على كتاب ورد فجرا عن الحضرة الخاقانية، والسدة السلطانية نصر الله أسدّها، وجعل الصحيح مقبولا عندها، وبان أنكم مخلوقون من سخطه، مسلطون على من حلّ عليه غضبه، ولا ترقون لشاكٍ، ولا ترحمون عبرة باكٍ، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم، وذلك من أكبر عيوبكم، فهذه صفات الشياطين، لا صفات السلاطين، كفى بهذه الشهادة لكم واعظا، وبما وصفتم به أنفسكم ناهيا وآمرا، قل يا ايها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ففي كل كتاب لعنتم، وبكل قبيح وصفتم، وعلى لسان كل رسول ذكرتم، وعندنا خبركم من حيث خلقتم وأنتم الكفرة كما زعمتم ألا لعنة الله على الكافرين، وقلتم أننا أظهرنا الفساد؛ ولا عَز من أنصار فرعون من تمسك بالفروع ولا يبالي بالأصول، ونحن المؤمنون حقا لا يداخلنا عيب، ولا يصدنا غيب، القران علينا نزل وهو رحيم بنا لم يزل، تحققنا تنزيله وعرفنا تأويله، إنما النار لكم خلقت، ولجلودكم أضرمت، إذا السماء انفطرت. ومن أعجب العجب تهديد الليوث بالرتوت، والسباع بالضباع، والكماة بالكراع، خيولنا برقيه، وسهامنا يمانية، وسيوفنا مضريه، وأكتافها شديدة المضارب، ووصفها في المشارق والمغارب، فرساننا ليوث إذا ركبت، وأفراسنا لواحق إذا طلبت، سيوفنا قواطع إذا ضربت، وليوثنا سواحق إذا نزلت، جلودنا دروعنا وجواشننا صدورنا، لا يصدع قلوبنا شديد، وجمعنا لا يراع بتهديد، بقوة العزيز الحميد، اللطيف لا يهولنا تخويف، ولا يزعجنا ترجيف، إن عصيناكم فتلك طاعة، وإن قتلناكم فنعم البضاعة، وان قُتلنا فبيننا وبين الجنة ساعه، قلتم قلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال؛ فالقضاء لا يهوله كثرة الغنم، وكثرة الحطب يكفيه قليل الضرم، أفيكون من الموت فرارنا وعلى الذل قرارنا ؟ ألا ساء ما يحكمون، الفرار من الدنايا لا من المنايا، فهجوم المنية عندنا غاية الأمنيه، إن عشنا فسعيدا، وإن متنا فشهيدا، ألا إن حزب الله هم الغالبون، أبعد أمير المِؤمنين وخليفة رسول رب العالمين تطلبون منا الطاعة ؟ لا سمعا لكم ولا طاعة ، تطلبون أنا نسلم إليكم أمرنا، قبل أن ينكشف الغطاء ويدخل علينا منكم الخطاء.
هذا كلام في نظمه تركيك وفي سلكه تسليك، ولو كشف الغطاء ونزل القضاء، لبان من أخطأ، أكفر بعد الإيمان ونقض بعد التبيان ؟ قولوا لكاتبكم الذي رصف مقالته، وفخّم رسالته، ما قصرت بما قصدت، وأوجزت وبالغت، والله ما كان عندنا كتابك إلا كصرير باب، أو طنين ذباب، قد عرفنا إظهار بلاغتك، وإعلان فصاحتك، وما أنت إلا كما قال القائل: حفظت شيئا وغابت عنك أشياء.
كتبتَ: سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، لك هذا الخطاب، وسيأتيك الملك الناصر وبكتمر وعلاء الدين القيمري وساير أمراء الشام ينفرون الإيصال إلى جهنم وبئس المهاد، وضرب اللمم بالصماصم الحداد، وقل لهم : إذا كان لكم سماحة، ولديكم هذه الفصاحة؛ فما الحاجة إلى قراءة آيات وتلفيق حكايات، وتصنيف مكاتبات، وها نحن أولاء في أواخر صفر موعدنا الرَسْتَن وألا تعدنا مكان السلم، وقد قلنا ما حضر والسلام.»

عقد سيف الدين قطز اجتماعا مع وجهاء مصر وعلمائها كان من بينهم العز بن عبد السلام وتم الاتفاق على التوجه لقتال التتار إذ لا مجال لمداهنتهم، وكان العز بن عبد السلام قد أمر أمراء ووجهاء الدولة أن يتقدموا بنفائس أملاكهم لدعم مسيرة الجيش المصري فطلب قطز الأمراء وتكلم معهم في الرحيل فأبوا كلهم عليه وامتنعوا من الرحيل‏، ولما وجد منهم هذا التخاذل والتهاون ألقى كلمته المأثورة «يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين». وقد اختلى قطز ببيرس البندقداري الذي كان أمير الأمراء واستشاره في الموضوع. فأشار عليه بقتل الرسل، والذهاب إلى كتبغا متضامنين. فإن انتصرنا أو هزمنا، فسوف نكون في كلتا الحالتين معذورين. فاستصوب قطز هذا الكلام، وقام بقتل رسل المغول لإيصال رغبته في قتالهم وأنه جاد بذلك. وقد زاد من عزيمة المسلمين وصول رسالة من صارم الدين أزبك بن عبد الله الأشرفي -وقد وقع أسيرا في يد المغول إثناء غزوهم الشام ثم قبل الخدمة في صفوفهم- أوضح لهم فيها قلة عددهم وشجعهم على قتالهم وأن لايخافوا منهم. فلا شك أن قطز قد أفاد من رحيل هولاكو إلى فارس على رأس معظم جيشه بعد سماعه بوفاة أخيه الخان الأعظم، فمن تبقى بالشام من عساكر المغول تحت قيادة كتبغا يتراوح ما بين 10آلاف إلى 20 ألف رجل.

موقف الصليبيين​


حاول المغول عبر كتبغا النسطوري التحالف مع مملكة بيت المقدس الصليبية ولكن بابا الفاتيكان منع وحرم التحالف مع المغول. ثم أتت حادثة قتل ابن أخي كتبغا بواسطة الفرسان الصليبين بصيدا فاكتسح صيداعقابا على ذلك. أما الصليبيون في عكا فقد اتجه قطز إلى مسالمتهم ومهادنتهم, واستأذنهم بعبور جيشه الأراضي التي يحتلونها وطلب منهم الوقوف على الحياد من الحرب ما بين المماليك والمغول. وأقسم لهم انه متى تبعه فارس منهم أو رجل يريد أذى عسكر المسلمين إلا رجع وقاتلهم قبل أن يلقى التتار إلا إن الصليبيين سلموا بأن المسألة هي مسألة وقت ثم يكتسحهم المغول ويدمرونهم كما دمروا غيرهم، فلذلك غضوا الطرف على عبور المصريين أراضيهم ولم يتصدوا لهم. وقد بر على مابدى اولئك الصليبيين بوعدهم فلم يغدروا بالمعسكر الإسلامي من الخلف. في 15 شعبان 658هـ/أغسطس 1260 م خرج قطز يسبقه بيبرس البندقداري ليكشف أخبار المغول. واجهت سرية بيبرس طلائع جنود المغول في منطقة قرب غزة، كان قائد المغول في غزة هو بايدر أخو كتبغا الذي أرسل له كتابا يعلمه فيه بتحرك المسلمين، أخذ بيبرس في مناوشة وقتال المغول حتى انتصر عليهم. اتجه بعدها قطز إلى غزة ومنها عن طريق الساحل إلى شمال فلسطين. في تلك الأثناء اجتمع كتبغا الذي كان في بعلبك بالبقاع مع وجهاء جيشه، فاستشار الأشرف صاحب حمص والمجير بن الزكي، فأشاروا عليه بأنه لا قبل له بالمظفر حتى يعود سيده هولاكو خان، ومنهم من أشار إليه -اعتمادا على قوة المغول التي لا تقهر- أن ينطلق لقتالهم. اختار كتبغا أن يتجه لقتالهم فجمع جيشه وانطلق باتجاه الجيش المصري حتى لاقاهم في المكان الذي يعرف باسم عين جالوت.
 

إجتياح المغول والتتار للشام 657 و 658 هجري



التشابه بين التتار والأمريكان في احتلال العراق ( الحملة المغولية )


 
عودة
أعلى