المستوى الحقيقي للقدرات القتالية الروسية في الحرب الأوكرانية

الصيد الثمين

التحالف يجمعنا
عضو مميز
إنضم
26/4/22
المشاركات
920
التفاعلات
2,106
المستوى الحقيقي للقدرات القتالية الروسية في الحرب الأوكرانية

وفقاً لمعلومات وكالات الأنباء الغربية وخاصة الأمريكية والبريطانية، فقد تفاجئ العالم بالمستوى المتردي لأداء القوات المسلحة الروسية، في ساحات الحرب الأوكرانية.

وكانت أول بروباغندا خبيثة في إظهار الفارق المرعب في ميزان القوى بين روسيا وأوكرانيا، بكون روسيا ثاني أقوى قوة تقليدية في العالم، وأقوى قوة برية، والأقوى كقوة نووية.

بينما تم إظهار أوكرانيا على أنها القوة رقم 22 على مستوى العالم، متناسين أنها صاحبة أكبر جيش في أوربا، والأشد قنالاً والأكثر حرفية، وصاحبة أكبر إرث سوفيتي بالأسلحة بعد روسيا والتي كان فيها أفضل أكاديميات عسكرية، ومن كييف كان يُخرج أفضل الضباط السوفييت بأحسن التخصصات الأمنية والعسكرية.

وتم استغلال جهل العالم حول القدرة الصناعية والصناعية العسكرية الأوكرانية فأوكرانيا مع إرثها القديم كان لها صناعاتها الذاتية في مجال الدبابات والطائرات الحربية والصواريخ التكتيكية، بشكل يجعلها منافس لا بأس به أمام آلة الحرب الروسية.

لذلك نجد روسيا مهدت لاستهداف بنيتها التحتية العسكرية منذ عام 2014 بطريقة تخريبية استخباراتية وفق معلومات موثقة كشفتها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

ولذلك نجد روسيا كان مخططها الرئيسي يعتمد على استراتيجية قطع الرأس وفق عقيدة هجينة عسكرية استخباراتية وسياسية، تتمثل بتحضير مسبق لتنفيذ عملية انقلابية في العاصمة كييف سياسية وعسكرية وأمنية وحتى شعبية؛ مدعومة بتدخلات عسكرية روسية خاصة محدودة لدعم هذه العملية الداخلية الانقلابية وتثبيت أركان البنية الانقلابية الموالية لروسيا، ضد الهيئة الحاكمة الموالية للقوى الأنجلو أمريكية، إلا أن تلك القوى الأخيرة استطاعت بطريقة أيضاً استخباراتية من تنفيذ عملية قطع رأس عكسية لرؤوس العملية الانقلابية.

أسباب فشل العملية العسكرية الروسية البديلة:

يعزو الخبراء العسكريون الغربيون أسباب فشل المرحلة الأولى من العملية العسكرية البديلة إلى عدة عوامل أولها ضعف الإرادة الروسية القتالية ضد أوكرانيا، وتفاجأ الروس بتحول المناورات التخويفية إلى عمليات عسكرية حقيقية.

ولدحض هذا الترويج الموهوم نقول إن هذا محض افتراء لأن مناورة "عاصفة الشمال" 2022، كانت مناورة محاكات لحرب حقيقية خاصة بالجبهة الأوكرانية، ونواتها قوات متطوعة ومتعاقدة محترفة للقتال ومتمرسة للحرب للتقليدية، وليست قوات خدمة علم اعتيادية، يمنعها عن محاربة الأوكران قيم مشتركة وتاريخية اعتبارية.

بل على العكس كان لدى قوى روسيا الاحترافية هدف شديد وهو تحيد التشكيلات الأوكرانية الثورية القومية النازية المناهضة للقومية السلافية.

أما السبب الثاني لفشل الروس وفق تحليل الغرب المعادي فهو ضعف التنسيق بين التشكيلات القتالية الروسية الرئيسية الأرضية، وبين تشكيلات القوى الأرضية والقوى الجوية.

وللرد على ذلك نقول الواقع الفعلي كان على العكس تماماً، فقد كان هناك تناغم رائع بين القوى الأرضية والقوى الجو فضائية، على أعلى مستوى من التنسيق وتوزيع الأدوار القتالية، ففي كييف تمكن الروس من نشر وحدات خاصة استكشافية خفية ومتسللة أدارت ووجهت نيران الطائرات الضاربة المأهولة والمسيرة بطريقة حرفية ومنسقة مع إدارة وإنارة النيران المباعدة المدفعية، أما إدارة نيران نفاثات الدعم القريب التحت صوتية وسلاح الحومات الهجومية، وباقي التشكيلات المدفعية فتولته كتائب استطلاع قتالية تابعة لمجموعات الكتائب التكتيكية BTG، ولم يسجل ولو خطأ واحد للضربات الجوية أو المدفعية ضد القوى الصديقة، أو أخطأت هذه النيران تشكيلات مدنية، كما فعلت أمريكا في العراق عام 2003، فأين وجد هذا الضعف بالعملية التنسيقية؟!

أما السبب الثالث لفشل الروس وفق اعتقاد أو ترويج الغرب، فهو ضعف نظم التواصل والاتصالات اللاسلكية بين التشكيلات القتالية.

نقول لقد اعتمد الروس على المستوى الحركي الميداني، على نظم اتصال لاسلكية رقمية مشفرة يصعب اخترقها أو التشويش عليها، أم على مستوى القيادي أي القيادات المركزية في مقرات القيادة والسيطرة الثابتة المحصنة بالأرض فقد اعتمدوا الاتصالات السلكية بالألياف الضوئية.

وأما عن محاولات اغتيالات الجنرالات فكانت بسبب جولاتهم الميدانية للحفاظ على الروح المعنوية للضباط الصغار وضباط الصف القتالية وحتى الأفراد الذين لهم أدوار بطولية ووطنية مميزة، من خلال رصد هذه النشاطات بوسائط الرصد الجوية غير المأهولة والوسائط الفضائية إضافة لوسائط الرصد القريب الأرضية التي وزعت على المجاميع الخاصة والمجاميع القومية.

أما وسائط التشويش الأخرى ضد النشاط الراداري الروسي وضد نشاط الحرب الإلكترونية الهجومية والتي كان دورها إضعاف حساسية الرادارات على كشف درونات الاستطلاع والدرونات المسلحة الهجومية، وإضعاف تأثير هوائيات الحرب الإلكترونية على تعطيل وعزل عموم الدرونات الأوكرانية؛ وقد تم معالجة هذه الثغرات فيما بعد بتحديث وتقوية موجات الرادار الكشفية التشويشية، واستخدام القتل القاسي بصواريخ ركوب الموجات الرادارية التشويشية التي تطلقها الطائرات الضاربة الروسية.

أما السبب الرابع لفشل العملية الروسية وباعتقاد خبراء الغرب هو ضعف القدرة على تأمين الاحتياجات اللوجستية مع حفظ الاستمرارية من أجل الحفاظ على الوتيرة الثابتة القتالية.

ولإكمال الإجابة على ادعاء الفشل الأخير، وبيان سبب الفشل الأشمل على أرض الواقع، يجب أن أسرد الصورة الكاملة عن المخطط البديل الروسي الاحتياطي، عن عملية قطع الرأس الاستخباراتية الروسية الأساسية.

فقد نفذت روسيا قبل بدء الحرب مناورة سميت عاصفة الشمال 2022، وهي الخطة البديلة العسكرية في حالة فشلت الخطة الاستخباراتية، وتعتمد على عمليات اقتحام جوي بالحوامات Heliborne لأكبر القواعد الجوية الموازية للحدود الروسية والبلاروسية الشمالية وذلك لتحويلها لقواعد إبرار جوي للوجستيات وألوية مشاة البنادق والألوية الميكانيكية، ينفذ ذلك خمسة ألوية مجوقله روسية VDV كل لواء مكون من خمس كتائب قوام كل كتيبة 600 محارب محترف، على أن ينفذ كل عملية اقتحام جوية كتيبة قتالية تكون معززة مع حواماتها الناقلة المتعدد المهام بحوامات هجومية.

يتبع ذلك تنفيذ عمليات إنزال مظلي ينفذها أيضاً خمسة ألوية مشاة بنادق ثم خمسة ألوية مظلية ميكانيكية بتتابع تكتيكي سريع ليكونوا نواة حماية وتأمين للقواعد الجوية من التطويق والعزل، ولتأمين خطوط الإمدادات اللوجستية البرية، ولتأمين انتشار أفواج المدفعية الميدانية والصاروخية بالشكل المناسب للدعم الناري المباعد للقوات الهجومية، إضافة لمنظومات الدفاع الجوي الصاروخية الطبقية، ومنظومات الحرب الإلكترونية، وبذلك التوقيت تبدأ مجموعات الكتائب التكتيكية BTG بالاندفاع من الحدود الروسية الشمالية والمقدرة بخمسية كتيبة مستقلة تكتيكية يبقى منها 20 كتيبة في إقليم خاركييف لتشتيت الدفاعات عن كييف، ويتابع الباقي لإتمام تطويق الجانب الشرقي من كييف، ليبدأ دور القوة الرئيسية وهي قوات المجموعات السيبيرية SGF والمكونة من 75 كتيبة موزعة على 15 لواء مستقل مقسمة إدارياً لفرقة مدرعة وفرقة ميكانيكية وفرقة مشاة.

إلا أن الذي أبطأ الهجوم وضيع عامل الصدمة هو قيام الوحدات الخاصة الأوكرانية بفتح السدود شمال كييف وتحويل مجاري النهر السوية لنهر إيركن شمال كييف، وهي خطة أسلوب الإغراق لأن الروس اختاروا توقيت الهجوم بالوقت الذي تصبح به التربة قاسية، وإجراء الأوكران المائي حولها إلى طينية لزجة مستنقعية، أجبر الروس على التزام الطرق الاسفلتية وجعلها عرضه لهجمات الوحدات الخاصة الفدائية التي تواصلت مع قياداتها الأجنبية، عبر شبكة انترنيت فضائية آمنة، تواصلت بها أيضاً مع جهات المراقبة بالأقمار الصناعية الغربية، وكانت هذه الوحدات ذات التجهيزات الخاصة التكنولوجية العسكرية، أيضاً وسيلة للتشويش الإلكترونية الذي سهل عمل الدرونات الضاربة والاستطلاعية مع وجود الأخطار المضادة الأرضية الروسية.

وهذا الحدث أوجد عند الروس نوع من الحذر في المرحلة الحالية من تكرار الأمر شرق أوكرانيا مع نهر دونيتس، وكان أحد أسباب بطؤ التقدم الروسي بتحرير إقليم الدونباس.

واليوم وبعد تحرير جمهورية لوغانسك وتحرير أكثر جمهورية دونيتسك يتم اتباع تكتيك جديد يعتمد على أسلوب القضم المحوري لمحيط المدن الرئيسية المتبقية وعزلها عن الامدادات اللوجستية، مع القصف المدفعي الكثيف والدقيق ضد الأهداف العسكرية بإدارة وتوجيه وحدات الاستطلاع الخاصة الأرضية المتقدمة المتسللة وبواسطة الدرونات المتعددة الأغراض والوسائط الجوية والفضائية الأخرى، وهو ما أدى إلى بداية انهيارات وفرار وتمردات وصل حدها إلى النخبة المقاتلة الأوكرانية وحتى التشكيلات القومية المتشددة وأوصل عدد القتلى اليومي الوسطي إلى 1000 قتيل من الجنود الأوكران.

ويبدو أن الأهداف العسكرية الروسية لن تقف عند الدونباس إنما إلى حد أكبر لتشكل تلك الأراضي منطقة حماية عميقة ضد الاستهدافات الأوكرانية للأرضي الروسية.



والفشل الروسي الثاني كان في عجز الروس عن كسر شوكة القومية النازيين الأوكران، التي قَوتها شدة العدائية المفرطة للروس، التي نمتها في قلوبهم بتأثير التغذية العدائية الأنجلو أمريكية، إضافة لتدريبهم على أيدي أعتى ضباط تشكيلات الكوماندوس الأنجلو أمريكية، إضافة إلى تزويد هؤلاء المتطرفين الأشداء بأحدث الأسلحة الفردية والتقنيات الأنجلو أمريكية.

وهذا يعكس لنا مدى جدية روسيا اليوم في انهاء وإبادة هذه التشكيلات المتطرفة والارهابية، قبل انتهاء حربها التقليدية لأنها قد تكون نواة بؤرة مقاومة استنزافية مع قوى متطرفة خارجية تشكل حرب عصابات ومدن صعبة وعصية.
 
عودة
أعلى