الليث بن سعد .. إمام أهل مصر

Nabil

التحالف يجمعنا
مستشار المنتدى
إنضم
4/5/19
المشاركات
10,850
التفاعلات
19,866
الليث بن سعد ... إمام أهل مصر


أحد أئمة الفقه العظام، كان عالمًا، تقيًّا، ورعًا، زاهدًا، عفيف اللسان، صادق الحديث، مخلصًا، متواضعًا، سمحًا، رقيقًا فى معاملة الناس، قوى الإيمان بالله تعالى، شديد المراقبة له، مكثرًا من قراءة القرآن، جوادًا كريمًا سخيًّا ينفق معظم ماله فى وجوه البر والإحسان خاصة على العلماء، وطلاب العلم، وفقراء المسلمين.
إنه الإمام الحافظ شيخ الإسلام، وعالم الديار المصرية وفقيهها الإمام الليث بن سعد ابن عبد الرحمن الفهمي .

مولده :
ولد الليث بن سعد فى شهر شعبان سنة (94 ﻫ) الموافق (713 م) بقرقشندة، وهى قرية كانت تقع على نحو اثنين وعشرين كيلو متراً من مدينة الفسطاط بمصر، وأصله من "أصبهان" من بلاد فارس (إيران الآن) .

طلبه للعلم :
بدأ الليث بن سعد يطلب العلم فى سن مبكرة؛ فتتلمذ على يد عدد كبير من كبار علماء عصره كعبيد الله بن جعفر، وجعفر بن ربيعة والحارث بن يزيد ويزيد بن أبى حبيب ، وقد شهد له أساتذته منذ نعومة أظفاره بالتفوق والنبوغ والذكاء والفطنة، ولم يكن حب الليث للعلم، وظمأوه إلى المزيد منه ليقف به عند حد، فلم يكتف بما تلقاه من علم على أرض مصر، فقرر السفر إلى بلاد الحجاز للحج وطلب العلم سنة (113ﻫ)، وكان عمره حينئذٍ نحو عشرين عامًا .

وفى كل من مكة المكرمة، والمدينة المنورة - وكانتا حينئذٍ من أعظم منارات العلم فى العالم الإسلامى - بدأ الليث يستمع إلى كوكبة فريدة من كبار علماء الفقه والحديث؛ فسمع من ابن شهاب الزهري الملقب بأعلم الحفاظ، والذى يعد من أوائل من دونوا حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، كما سمع من عطاء بن أبى رباح مفتي مكة وفقيهها، وابن أبى مليكة، ونافع الديلمي مولى الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وأبى الزبير المكي وغيرهم .

وقد ظل الليث بن سعد شغوفًا بالعلم، مقبلاً على حلقات الدرس فى نشاط لا يعرف الكسل أو الملل حتى بعد أن بلغ منزلة العلماء الكبار، فعندما ذهب إلى بغداد معلمًا سنة (161ﻫ) - وكان قد تخطى الخامسة والستين من عمره سأل عن بيت العالم الكبير هشيم بن بشير شيخ المحدثين بالعراق حينئذٍ، وطلب منه أن يرسل إليه شيئًا من كتبه ليدرسها، فلما أرسل إليه هشيم بعض كتبه عكف الإمام "الليث" ينهل ما فيها من علم لا يقدر بثمن ٍ.

مجالس الإمام :
وبعد رحلة طويلة في طلب العلم برز الإمام الليث بن سعد بين أقرانه من العلماء فقيهًا نابغة، ومحدثًا ثقة، واتخذ لنفسه مجلسًا فى مسجده يعلم الناس فيه، وما هى إلا فترة وجيزة حتى بلغت شهرة الإمام الليث بن سعد الآفاق، والتف حوله طلاب العلم من شتى البقاع، ثم أصبح للإمام بعد ذلك كل يوم أربعة مجالس :
- مجلس فى قضاء حوائج سلطان مصر، فقد بلغ الإمام من المكانة وعلو المقام والقدر عند خلفاء الدولة العباسية إلى درجة أنه إذا أنكر من السلطان أو قاضي البلاد أمرًا كتب إلى أمير المؤمنين بذلك فيأتي الأمر بعزلهما.
- مجلس يعلم فيه الحديث النبوي الشريف.
- مجلس يجلس فيه للإجابة عن أسئلة الناس فى أمور دينهم .
- مجلس لقضاء حوائج الفقراء والمحتاجين، وكان الإمام – رحمه الله – لا يرد أحدًا سأله مسألة أبدًا .

مكانة الإمام وعلمه :
كان الإمام الليث بن سعد من الفقهاء البارزين فى زمانه، وقد ذاعت شهرته بين العباد، وطافت سيرته بين البلاد، وعرفه الخلفاء والأمراء، وأثنى عليه العلماء، وشهدوا له جميعًا بالإتقان والحفظ، وسعة العلم .
قال عنه العلاء بن كثير : الليث بن سعد سيدنا وإمامنا وعالمنا،
وقال عنه الإمام أحمد بن حنبل : ليث كثير العلم، صحيح الحديث،
وقال عنه الإمام الشافعى : الليث أفقه من مالك يقصد الإمام مالك بن أنس إمام أهل "المدينة .

الليث واليًا :
تولى الإمام الليث عدة مناصب، منها: رئاسة ديوان العطاء أثناء ولاية صالح بن على بن عبد الله بن عباس على مصر من قبل الخلافة العباسية، كما تولى الليث ابن سعد رئاسة الديوان أيام الخليفة العباسي المهدي، وكان قد عرض عليه قبل ذلك الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور ولاية مصر لكن الإمام الليث اعتذر له.

شخصية الإمام :
كان الإمام الليث بن سعد محدثًا ثقة، وفقيهًا نابغة، عرف بتقواه وورعه، وجوده وسخاؤه وكرمه؛ فقد كان الإمام من أغنياء العلماء، وكان دخله كما قال ولده شعيب : ما بين عشرين ألف دينار إلى خمسة وعشرين ألف دينار فى العام، كان ينفقه جميعه فى سبيل الله، لذلك لم تجب عليه زكاة مال قط؛ لأنه كان ينفق ماله كله قبل أن يمر عليه العام .
وكان الإمام الليث – رحمه الله – يتصدق كل يوم على ثلاثمائة مسكينٍ، وكان لا يأكل أبدًا إلا مع الناس .
جاءته امرأة يومًا، وقالت له : يا أبا الحارث، إن ابنًا لى عليل، واشتهى عسلاً، فقال : يا غلام، أعطها مرطًا من عسل، والمرط : مائة وعشرون رطلاً .
وكان من جود الإمام وكرمه وحبه للعلم والعلماء أنه كان يرسل كل عام إلى الإمام مالك ابن أنس مائة دينار، وعندما كتب إليه الإمام مالك على دين كان عليه بعث إليه الإمام الليث بخمسمائة دينار، وعندما خرج الإمام الليث مرة للحج قدم المدينة، فبعث إليه الإمام مالك بطبق عليه رطب، فوضع الإمام الليث على الطبق ألف دينار، ثم رده إليه .
وعندما احترقت كتب ابن لهيعة، وكان فقيهًا ومحدثًا كبيرًا، بعث إليه الليث على الفور بألف دينار .

وفاته :
توفي الإمام الليث بن سعد يوم الجمعة في النصف من شهر شعبان سنة (175 ﻫ)، الموافق (791 م)، ودفن بالقاهرة، وشهد جنازته جمع غفير، وكان الناس فى هم وحزن كبير، يعزي بعضهم بعضًا .

عن موقع إسلام ويب
 
عودة
أعلى