الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولـى WW1

عــمــر الـمـخــتــار

رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي
عضو قيادي
إنضم
14/5/19
المشاركات
5,688
التفاعلات
30,121
بسم الله الرحمن الرحيم
1441/12/11 - 2020/8/2

tmp919039459981262850.png


الحرب العالمية الأولى هي حرب شرسة بدأت أوروبية وانتهت عالمية، كانت من أعنف صراعات التاريخ، واستمرت أكثر من أربع سنوات، وبلغت خسائرها البشرية نحو تسعة ملايين قتيل، ومهدت لتغييرات سياسية كبيرة، وكانت وراء ثورات في دول عديدة.

اندلعت شرارة الحرب الأولى في البلقان، نتيجةً للنزاعات القومية والنزعات الإمبريالية الأوروبية، حيث بدأت في يوليو 1914 وانتهت مع هدنة 11 نوفمبر 1918. قاتل الحُلفاء بقيادة الإمبراطورية الفرنسية والإمبراطورية البريطانية بالإضافة إلى الإمبراطورية الروسية بــ 48 مليون جندي، ضد 26 مليون جندي لدول المركز بقيادة الإمبراطورية الألمانية المتحالفة مع الإمبراطورية العثمانية الإسلامية والإمبراطورية النمساوية المجرية ومملكة بلغاريا. وانتهت الحربُ بانتصار الحُلفاء، ولقد كان صراعًا عسكريًّا عالميًّا حقيقيًّا، وصل إلى جميع أنحاء العالم تقريبا، ووصل أيضا إلى الجبهات الداخلية، فقد خِيض القتال في البيوت وفي غرف المعيشة، وفي الحقول والمصانع.

9YvVCXzLRQ9mCaHawx6kiWgg.gif

خريطة توضح تحالف إمبراطوريات قوى المركز Central Powers وقوى الحلفاء Allied Powers

central-powers.jpg

أباطرة تحالف قوى المركز، من اليمين (قيصر بلغاريا فرديناند الأول، سلطان الامبراطورية العثمانية محمد الخامس، إمبراطور النمسا ـ المجر فرانز جوزيف الأول، إمبراطور ألمانيا فيلهلم الثاني)

أسباب الحرب

كان السبب المباشر لنشوب الحرب العالمية الأولى حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند مع زوجته من قبل طالب صربي يدعى غافريلو برينسيب في 28 يونيو/حزيران عام 1914 أثناء زيارتهما لسراييفو. لكن الدارسين يرصدون جملة من الأسباب غير المباشرة، من أبرزها توتر العلاقات الدولية في مطلع القرن العشرين بسبب توالي الأزمات، كأزمة البلقان، والصراع الفرنسي الألماني حول الحدود، بالإضافة إلى نمو النزعة القومية داخل أوروبا وتطلع بعض الأقليات إلى الاستقلال. يضاف إلى ذلك تزايد التنافس الاقتصادي والتجاري بين الدول الإمبريالية لاقتسام النفوذ عبر العالم والسيطرة على الأسواق لتصريف فائض الإنتاج الصناعي والمالي، والتزود بالمواد الأولية، فضلا عن دخول الدول الإمبريالية في تحالفات سياسية وعسكرية، أدت إلى سباق تسلح بين الدول المتنافسة التي رفعت من نفقاتها العسكرية.

troops-Russian-trenches-frontier-East-Prussian.jpg


اندلاع الحرب

في 28 يونيو/حزيران 1914 اغتال طالب صربي ولي عهد النمسا وزوجته أثناء زيارتهما لسراييفو في منطقة البوسنة والهرسك، وبعد شهر من هذه الحادثة أعلنت النمسا الحرب على صربيا، فبدأت آلية التحالفات الأوروبية تتفاعل، حيث ناصرت روسيا صربيا وأعلنت الحرب على النمسا فقامت ألمانيا بإعلان الحرب على روسيا. وشاركت في الحرب عند بدايتها مجموعتان هما قوات الحلفاء (الوفاق الثلاثي) بزعامة المملكة المتحدة، ودول المركز بزعامة ألمانيا، وتوسعت التحالفات مع اتساع دائرة الحرب ودخول العديد من الدول فيها إلى جانب أحد الفريقين.

دامت الحرب أكثر من أربع سنوات، تحولت خلالها من حرب أوروبية إلى حرب عالمية، وشهدت الحرب الأوروبية (1914-1916) فترتين عرفت الأولى بحرب الحركة والثانية بحرب الخنادق، وأخذت الحرب طابع الثبات في المواقع، وقامت الجيوش المتقابلة على الجبهات بحفر الخنادق وتحصينها وتجهيزها، واستخدمت أسلحة جديدة مثل الدبابات والطائرات. وقد استطاع الألمان عام 1915 تحقيق عدد من الانتصارات على الحلفاء، فألحقوا الهزيمة بالروس في معركة "جورليس تارناو" واحتلوا بولندا ومعظم مدن لتوانيا، وحاولوا قطع خطوط الاتصال بين الجيوش الروسية وقواعدها للقضاء عليها.

battle-of-amiens2134a.jpg


ورغم أن الروس حققوا بعض الانتصارات الجزئية على الألمان فإن خسائرهم الباهظة (حوالي 325 ألف أسير) لم تسمح لجيشهم باسترداد قواه، وأدى النجاح الألماني على الروس إلى إخضاع البلقان، وعبرت القوات النمساوية والألمانية نهر الدانوب لقتال الصرب وألحقوا بهم هزيمة قاسية. كما استطاع الألمان في نفس العام تحقيق انتصارات واضحة على بعض الجبهات، وبقيت جبهتهم متماسكة أمام هجمات الجيشين الفرنسي والبريطاني. وازدادت حدة المعارك خلال عام 1916 الذي شهد معركتي "فردان" التي دامت سبعة أشهر، و"السوم" التي استمرت أربعة أشهر، وجرتا على أرض فرنسا وظهرت الدبابة لأول مرة في ميادين القتال، وأُجبِرَتْ ألمانيا على التقهقر، وقُضِيَ على جيشها المدرب لتعتمد على المجندين من صغار السن.

c5d922d090cac058ba9ce132ac645066.jpg


وتميز عام 1916 بحرب الغواصات التي كانت إحدى نتائجها دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب، فخلال هذا العام وقعت حرب في بحر الشمال بين الأسطولين الألماني والإنجليزي عرفت باسم "جاتلاند". كما لجأ الألمان إلى محاولة إغراق أي سفينة تجارية لتجويع بريطانيا وإجبارها على الاستسلام، وكان من بين السفن التي تم إغراقها عدد من السفن الأميركية الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى الدخول في الحرب إلى جانب دول الوفاق في أبريل/نيسان 1917، لتصبح الحرب عالمية. وكانت الولايات المتحدة قبل دخولها الحرب تعتنق مذهب مونرو الذي يقوم على حياد أميركا في سياستها الخارجية عن أوروبا، وعدم السماح لأية دولة أوروبية بالتدخل في الشؤون الأميركية، غير أن القادة الأميركيين رأوا أن من مصلحة بلادهم الاستفادة من الحرب عن طريق دخولها.

لكن الألمان استفادوا من نجاح الثورة البلشفية في روسيا في أكتوبر/تشرين الأول 1917 وتوقيع البلاشفة اتفاقية صلح برست ليتوفسك في الثالث من مارس/آذار 1918 التي خرجت بموجبها روسيا من الحرب. وقد شجع خروج روسيا من الحرب القيادة الألمانية على الاستفادة من قواتها التي كانت على الجبهة الروسية وتوجيههم لقتال الإنجليز والفرنسيين، فاستطاع الألمان تحطيم الجيش البريطاني الخامس في مارس 1918، وتوالت معارك الجانبين العنيفة التي تسببت في خسائر فادحة في الأرواح، والأموال. وفي المقابل، استفاد الحلفاء من الإمكانات والإمدادات الأميركية الهائلة في تقوية مجهودهم الحربي، واستطاعوا تضييق الحصار على ألمانيا على نحو أدى إلى إضعافها، فبحلول صيف عام 1918، كانت عشرة آلاف جندي ترسل يوميا إلى فرنسا.

67bc6174f5ef44923ebcc19a1df54921.jpg


كما أرسلت الولايات المتحدة سفينة حربية إلى سكوبا فلو لتنضم لأسطول مدمرة غراند البريطانية للمساعدة في حراسة القوافل، وأرسلت عدة أفواج من قوات مشاة البحرية الأميركية إلى فرنسا. وفي محاولة لمنع استفادة الحلفاء من دخول أميركا الحرب قامت ألمانيا بـ"هجوم الربيع 1918″ وعملت على تقسيم القوات البريطانية والفرنسية، وكانت تأمل في إنهاء حربها قبل وصول القوات الأميركية التي كان لديها عدد الكبير من الجنود. لكن الحلفاء قاموا بهجوم مضاد في أغسطس/آب 1918 تجسد في معركة أميان، التي كانت المرحلة الافتتاحية لهجوم المائة يوم، فأجبروا الجيش الألماني على التراجع مما جعل ألمانيا تطلب الهدنة من الحلفاء. بدأ الهجوم المضاد للحلفاء في الثامن من أغسطس/آب 1918 ووقعت معركة أميان، وقد شاركت أكثر من أربعمائة دبابة و120 ألفا من قوات الدومينيون والقوات البريطانية والقوات الفرنسية، ووقعت عدة معارك من أهمها معركة ألبرت في 21 أغسطس/آب ومعركة أراس الثانية التي تضمنت معركة سكارب، ومعركة خط دروكورت كيويانت.

وفي سبتمبر/أيلول أطلقت القوات الأميركية والفرنسية هجوما نهائيا على خط هيندينبيرغ في معركة غابة أرجون، وفي الأسبوع التالي تعاونت الوحدات الأميركية والفرنسية على التغلغل إلى مقاطعة شامبانيا الفرنسية وبدأت معركة بلانك مونت ريدج مُجبرين الألمان على التراجع نحو حدود بلجيكا، كما استطاع الفيلق الكندي والجيش البريطاني الأول والثاني اختراق خط هيندنبيرغ ووقعت معركة كامبري الثانية. انهارت قوات "دول المركز" بسرعة وكانت بلغاريا أول من وقعت على الهدنة في 29 سبتمبر/أيلول 1918 في سالونيك، وتوالت الانهيارات وتوقيع اتفاقيات الاستسلام، لتوقع ألمانيا هدنة كومبين مع الحلفاء داخل إحدى مركبات السكك الحديدية في 11 نوفمبر 1918 الساعة الخامسة مساء، ويدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في الساعة الحادية عشرة من اليوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر.

airfield-British-Hendon-London-England-World-War.jpg


الخسائر والنتائج

تسببت الحرب في خسائر بشرية كبيرة حيث لقي أكثر من ثمانية ملايين شخص مصرعهم وأُصيب أكثر من 20 مليون إنسان، جسديا وعقليا، مما جعلهم غير قادرين على عيش حياةٍ مدنية عادية بعد الحرب. إضافة إلى ذلك، سهّلت الحرب انتشار وباء الإنفلونزا الإسبانية؛ الذي أودى بحياة 50 مليون إنسانٍ على الأقل في عام 1918 – 1919. كما خلفت خسائر اقتصادية كبيرة، فانتشر الفقر والبطالة، كما عرفت الدول المتحاربة أزمة مالية خانقة بسبب نفقات الحرب الباهظة، فازدادت مديونية الدول الأوربية وتراجعت هيمنتها الاقتصادية لصالح الولايات المتحدة الأميركية واليابان.

كان يُفترض بهذه الحرب أن تكون “الحرب التي ستُنهي كل الحروب”.. ولكنها لم تكن. لم يُنتج انتصار الحُلفاء في هذه الحرب عالمًا أفضل وأكثر أمانًا، فقد احتدم الصراع في الشرق الأوسط وفي المناطق المستعمرة الأخرى في شمال أفريقيا وجنوبها. بالنسبة للكثيرين؛ الحرب أبدًا لم تنتهي. في الواقع، بالنظر إلى حجم الدمار الذي خلّفته الحرب في جميع أنحاء أوروبا، ليس من الواضح من فاز على من، وفاز بِمَ.

8insomme16.jpg


المنتصر في هذه الحرب أو المنهزم، كلاهما خرج من حمام الدماء هذا مشلولًا اقتصاديا، وبعضهم خرج مشلولًا سياسيًّا أيضا. صحيحٌ أنه بالنسبة للبعض كانت هناك بعض المكاسب الهامشية هنا وهناك، ولكن كِلَا المُعسكران عانى من خسائر جسيمةٍ في الموارد وفي البنية التحتية، وكلاهما عانى من خسائر بشرية مُرعبة. ومع ذلك، ربما كان هناك فائزٌ واحدٌ من هذا الصراع؛ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استغلت الولايات المتحدة الأمريكية الأمريكية الحرب في بيع المواد الخام وفي إقراض الأموال للحلفاء بفوائد ربوية بالغة. ونتيجة لذلك، جمعت احتياطات الذهب التي عززت هيمنتها الاقتصادية على العالم بعد الحرب، في حين أن دولًا أخرى كانت تُعانى من كابوس التضخمية. واستفادت اليابان من النزاع كذلك، وإن كانت بدرجةٍ أقل من أميركا. فقد غذّى القتال في صف الحُلفاء عَسْكَرة البلاد وطموحاتها الإمبريالية التوسعية في آسيا.

ومن نتائج الحرب تفكك إمبراطورياتٍ كان لها دورٌ في المشهد العالمي دام قُرون، تفككت الإمبراطورية العُثمانية التي امتد حُكمها مشارق الأرض ومغاربها فشمل القارّات الثلاث، وانهارت الإمبراطورية النمساوية المجرية والإمبراطورية الروسية، إلى جانب الإمبراطورية الألمانية التي كانت قد تشكلت حديثًا. وبهذا، تحوّل المشهد السياسي في العالم إلى الأبد. كما كان للحرب العالمية الأولى دورٌ في اندلاع الثورة الروسية التي غيرت مسار القرن العشرين. ولم يكن “المنتصرون” في مأمنٍ من الاضطرابات. فقد واجهت فرنسا وبريطانيا تحدّياتٍ مختلفةٍ في مستعمراتها، المستعمرات التي جنّدت منها جُيوشًا مُجندلة. في أفريقيا والهند على سبيل المثال، طالب المُستعمَرون بالاستقلال أو الحكم الذاتي على الأقل، ومنهم من تمرّد بالقوة ضد السيد المستعمر.


00turks01.jpg


انضمت الخلافة العثمانية إلى دول المركز في هذه الحرب، فمثل ذلك بداية النهاية للتاريخ العثماني، ووضعت هزيمة ألمانيا ومعها الدولة العثمانية مصير المشرق العربي في أيدي بريطانيا وفرنسا. كان الشريف الحسين بن علي شريف مكة يحلم بإنشاء دولة عربية كبرى، وكانت علاقته بالخلافة العثمانية سيئة جدا، وكانت بريطانيا حريصة على اجتذاب العرب إلى جانبها فدخلت في مفاوضات سرية معه، وتم تبادل رسائل بينه والسير هنري مكماهون مندوب بريطانيا في مصر والسودان.

تعهدت بريطانيا بإعطائه دولة عربية كبرى فدخل الحرب إلى جانبها معلنا ما عرف بالثورة العربية ضد العثمانيين في يونيو/حزيران 1916 بمشاركة ضابط الاستخبارات البريطاني لورنس الشهير بلورنس العرب، واستطاعت الحركة السيطرة على الحجاز بمساعدة الإنجليز. وتقدم ابنه فيصل نحو الشام فوصل إلى دمشق بعد خروج العثمانيين، وأعلن فيها قيام الحكومة العربية الموالية لوالده الذي كان قد أعلن نفسه ملكا على العرب، غير أن الحلفاء لم يعترفوا به إلا ملكا على الحجاز وشرق الأردن. وعلى الرغم من وعود بريطانيا للعرب فقد أجرت مفاوضات واتفاقيات سرية مع فرنسا وروسيا تناولت اقتسام الأملاك العثمانية بما فيها البلاد العربية، ثم انفردت بريطانيا وفرنسا في اتفاقية سرية عرفت باتفاقية سايكس بيكو (1916) نسبة إلى كل من المندوب البريطاني مارك سايكس والمندوب الفرنسي فرانسوا جورج بيكو.

وبموجب هذه الاتفاقية التي فضح أمرها بعد الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917، تقاسمت فرنسا وبريطانيا البلدان العربية وأُخضعت كل مناطقه للاستعمار تحت اسم الانتداب، وفي نفس السنة غدرت بريطانيا بالعرب مرة أخرى إذ وعدت زعماء الصهاينة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، فيما عرف بوعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917.

sN5TF.jpg


عالمٌ جديدٌ بعد الحرب العُظمى

سعى قادة العالم من خلال سلسلة من معاهدات السلام، وأبرزها معاهدة فرساي في يونيو 1919، إلى تحقيق السلام والأمن العالمي، كم عملوا على تأسيس مؤسسات دولية جديدة مثل عُصبة الأمم؛ والتي كان دورها منع حروبٍ مستقبلية، كالتي خرج منها العالم لتوه، من خلال حل النزاعات بالسياسة والدبلوماسية. لكن المعاهدة نصت أيضا على تجريد ألمانيا من السلاح، وطالبت بأن تعترف ألمانيا بمسؤوليتها في التسبب بالحرب، وطالبتها بتقديم تعويضاتٍ مالية جسيمة. كما جلبت نهاية القتال المزيد من التحديات، فقد تم تسريح عشرات الملايين من الجنود، وصعُب على الدول تحمّل تداعيات ما بعد الحرب فانتشرت البطالة، كما انتشرت ظواهر العُنف المنزلي وتدهور الصحة العامة. وعلى سبيل المثال، عاد هتلر إلى ميونخ دون عائلة تؤويه، ودون عملٍ أو مكانٍ للإقامة. ومن أجل هذا كان يحتقر معاهدة فرساي بشدة، وادعى طوال حياته أن ألمانيا لم تُهزم في ساحة المعركة، بل طعنها في الظهر أعداءٌ من الداخل؛ هم اليهود، اليسار والجمهوريون.

ولكن لا ينبغى أن يُقال إن الحرب العالمية الأولى تسببت في الثانية، أو أن يُقال أنها جعلت هتلر الرجل الذي أصبح عليه في ما بعد. في الواقع، كانت ألمانيا تسير بشكل جيّدٍ في أواخر العشرينيات من القرن الماضي تحت حكم جمهورية فايمر، حتى أن هذه الفترة أُطلق عليها “العصر الذهبي لألمانيا”. كانت النزعة نحو السلم حاضرةً وبقوة، كما بدا أن لفرنسا، بريطانيا وبلجيكا مُستقبل آخر، مستقبل مختلف، مستقبل أفضل.


850df4c51b44bf935478a995c23b67f3.jpg


وفي عالم ما بين الحرب العُظمى والحرب العالمية الثانية، ظلّت تداعيات الصراع موجودةً في كل مكان. تركت الإمبراطوريات القديمة فراغًا لدول جديدة مثل بولندا ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا في أوروبا، كما تركت الإمبراطورية العثمانية مكانها لِتقسيمات سايكس بيكو، وسُرعان ما بدأ التنازع على حدود هذه الدُويلات الجديدة. وحتى الانهيار المالي عام 1929 كان مرتبطًا جزئيا بالحرب العالمية الأولى، وذلك لأن مديونية الدول تراكمت زمن الصراع، وتزايدت بعد الصراع؛ فقد اضطرت الدول التي شاركت في الصراع للاقتراض من جديد لبناء ما هدّمته الحرب. وقد ساهم هذا في التضخم المالي وانعدام الأمن المالي، وهما عاملان أساسيان في انهيار 1929.

Bolling-Field-usa-1921.jpg


وهذه النتائج كانت – بلا شك – من العوامل الأساسية التي أوجدت بعض الشروط التي أشعلت الصراع العالمي الثاني؛ كالسباق نحو التسلح، وظهور أنواع جديدة من الدبابات والطائرات والغواصات والأسلحة الكيماوية، والتي لعبت كلها دورا مهما في الحرب العالمية الثانية. ولكن الحرب العالمية الثانية كانت لها أسبابها الجوهرية التي لا ترتبط بالضرورة بالحرب العالمية الأولى؛ مثل ظهور أيديولوجيات شمولية جديدة، الانفجار الإعلامي ومُعاداة السامية، وفشل عُصبة الأمم المتحدة في إِحلال الدبلوماسية مكان الصراع العسكري. ومن المثير للاهتمام أن بعض المؤرخين يرَوْن أن الحربين العالميتين الأولى والثانية لا يمكن فصلهما، وأنها يُشكّلان في الواقع حربًا واحدة عُمرها ثلاثون عامًا.



https://tipyan.com/story-of-world-war-1
aljazeera

 
عودة
أعلى