الصقالبة (السلاف) المسلمون: شيّدوا القاهرة والأزهر وانتصروا لمعاوية والأندلس والعثمانيين

لادئاني

مستشار المنتدى
إنضم
16/12/18
المشاركات
28,210
التفاعلات
77,273

الصقالبة ( السلاف) المسلمون: شيّدوا القاهرة والأزهر وانتصروا لمعاوية والأندلس والعثمانيين

===========

إيهاب عمر​


الأربعاء 26 يوليو 201711:09 ص

شكلت الحركة التجارية للعرب مدخلاً مهماً لانتشار الدين الإسلامي في مناطق شتى، على رأسها الصين وروسيا، إذ وصل الإسلام إلى أقصى الشرق الآسيوي على يد التجار أولاً، قبل أن تبدأ الحملات الإسلامية في طرق أبواب تلك البلدان.

عرف العرب الشعوب السلافية عبر التجارة، كما زار تجار تلك الشعوب الجزيرة العربية، وأطلق العرب عليهم لقب "الصقالبة". هم العنصر العرقي السلافي الغالب في شعوب روسيا وبولندا وأوكرانيا وتشيكيا وسلوفاكيا وسلوفينيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا وصربيا والجبل الأسود، إلى جانب وجود قوي في شرق ألمانيا ورومانيا وجورجيا وباقي دول القوقاز.

ونظراً لقوة بنيان السلافيين وقدراتهم في القتال، قام الأمويون والعباسيون والأندلسيون والفاطميون والبيزنطيون والأيوبيون والمماليك وحتى العثمانيون بتجنيدهم في الجيش ومنحهم مناصب في الإدارة والحكم.

وكان لمعاوية بن أبي سفيان فرقة عسكرية من الصقالبة المسلمين تصل إلى 5000 مقاتل، وهي التي أنقذته من جيش علي بن أبي طالب قبل التحكيم بينهما، كما كان هنالك فرقة صقلبية كاملة في الدولة العباسية لها قلعة في شمال سوريا هي قلعة الصقالبة. وكان الخليفة العباسي أحمد بن المعتصم بن هارون الرشيد المعروف في كتب التاريخ باسم الخليفة المستعين بالله، حفيد هارون الرشيد، من أم صقلبية تدعى مخارق.


صقالبة الدولة الفاطمية

------------

نقرأ في كتاب "اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء" لشيخ المؤرخين المصريين تقي الدين أحمد بن علي المقريزي أن المسلمين شاركوا في توطين الصقالبة (السلاف) في آسيا الوسطى، كما كان لهم دور كبير في الدولة الفاطمية وشاركوا في الفتح الفاطمي لجنوب إيطاليا، فأطلق اسمهم الدارج – صقلية – في ذلك العصر على جنوب إيطاليا. وكلمة صقلية أصلها صقلبية، وجوهر الصقلي لُقّب في زمنه بجوهر الصقلبي، وهو مسلم سلافي من مدينة دلماسيا في كرواتيا اليوم.

وتتفق كتابات المقريزي مع عميد مؤرخي دمشق ابن العساكر (علي بن الحسن الدمشقي) في موسوعته "تاريخ مدينة دمشق" الصادرة عام 1163. وإلى جانب مسميات صقلي وصقلبي لقب هذا القائد السلافي بـ"جوهر الرومي" في بعض المناطق التي أخضعها للحكم الفاطمي. ونعرف أن جوهر الصقلبي هو الفاتح الفاطمي الذي دخل الفسطاط عاصمة مصر العباسية في 6 يوليو 969، وأسس القاهرة عاصمة مصر حتى اليوم، وحكمها حتى مجيء الخليفة الفاطمي إلى القاهرة عام 972، كما أسس الجامع الأزهر، ثم كلفه الحاكم الفاطمي بضم فلسطين ثم سوريا ولبنان إلى الدولة الفاطمية.


ويسرد المؤرخ المصري أبو بكر بن عبد الله بن أيبك الدواداري في كتابه "كنز الدرر وجامع الغرر... الدرة المضيئة في أخبار الدولة الفاطمية" قصصاً تبرز ثقل الصقالبة في البلاط الفاطمي بالقاهرة، وكونهم منافساً لنفوذ البربر المغاربة.


وحينما توفي الخليفة الفاطمي العزيز بالله عام 996، تنافس الصقالبة بزعامة أبو الفتوح برجوان، مع البرابرة المغاربة بزعامة أبو محمد بن عمار لبسط نفوذهم بسبب صغر سن الخليفة الجديد الحاكم بأمر الله، الذي نودي به حاكماً للدولة الفاطمية في مصر والشام والحجاز والمغرب وعمره 11 عاماً، وكانت والدته روسية صقلبية أيضاً. أصبح برجوان الوصي على الخليفة الصغير، وحكم هذا الصقلبي الدولة الفاطمية بين عامي 996 و1000، ونجح في صد الغزوات البيزنطية عن ولايات الشام وليبيا. استدعى الصراع بين الصقالبة والبربر تحركات عنيفة من الحاكم بأمر الله من أجل أن يتولى الحكم بشكل حقيقي بعد أن همشه الصقالبة، فكلف ريدان الصقلبي باغتيال برجوان الصقلبي، ثم أمر بقتل ابن عمار أيضاً، ثم ريدان الصقلبي، وقد عرف عنه سهولة إصداره أوامر القتل لكبار رجالات حكمه، إذ قتل حسين بن جوهر الصقلبي أيضاً رغم مكانة الأخير العزيزة لدى الأسرة الفاطمية. وتوجد في القاهرة حتى الآن حارة برجوان بحي الجمالية الشهير نسبة للقائد الصقلبي الذي نافس الحاكم بأمر الله الفاطمي على عرش الخلافة الفاطمية يوماً ما.

صقالبة الأندلس

------

بحسب موسوعة "دولة الإسلام في الأندلس" للمؤرخ محمد عبد الله عنان، كان للصقالبة حضور مميز في عصر الدولة الأموية بالأندلس، فقد تنافسوا مع اليهود في نقل وترجمة العلوم الإسلامية إلى اللغات الأوروبية والعكس، وإن كانت الغلبة لليهود. ومن أبرز الأدباء الصقالبة في العصر الأندلسي صبيب الصقلابي صاحب موسوعة تاريخ السلافيين في الأندلس بعنوان "كتاب الاستظهار والمغالبة على مَن أنكر فضائل الصقالبة".
وعسكرياً، لعب صقالبة الأندلس دور المماليك والإنكشارية نفسه في الحقبة العثمانية، إذ ظفر العديد من جنرالات الصقالبة بمناصب عليا في الجيش الأندلسي مثل نجدة بن حسين الصقلبي الذي حارب حتى الموت في إحدى معارك الأندلسيين ضد مملكة ليون، كما كان لهم نفوذ ساهم في حسم صراعات الحكم وولاية العهد في الإمارات الأندلسية المسلمة. وحينما انقسمت الدولة الإسلامية في الأندلس إلى ولايات، حكم العسكر الصقالبة الولايات الشرقية المسلمة وكان لهم دور كبير في الدفاع عن معاقل المسلمين في تلك البلاد حتى الرمق الأخير، مثل مجاهد العامري الصقلبي حاكم دانية الذي استرد جزر البليار لفترة من الوقت، ولبيب الصقلبي حاكم ولاية طرطوشة، ومبارك ثم مظفر الصقلبي، أميرا بلنسية، وخيران ثم زهير الصقلبي أميرا المرية.

الصقالبة ونشر الإسلام في روسيا

----------

يروي السياسي والمؤرخ الفارسي رشيد الدين الهمداني في كتابه "جامع التواريخ" أن الصقالبة ساندوا الحملات الإسلامية في آسيا الوسطي وما يعرف اليوم بروسيا وإيران وأذربيجان والقوقاز، إذ أرسل حاكم الدولة الإسلامية، أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، الجيش الإسلامي بقيادة عياض بن غنم لغزو أرمينيا وكرجستان (الكرج، وهي جورجيا اليوم) عام 639، كما غزا حذيفة بن اليمان أذربيجان الشمالية، وغزا عتبة بن فرقد السلمي آران (أذربيجان الجنوبية التي تؤلف اليوم الأقاليم الأذرية في إيران)، كما دخلت داغستان الإسلام في عصر ابن الخطاب، ويمكن القول إنه ما بين عامي 638 و644 بسط المسلمون سيطرتهم على منطقة القوقاز بمساعدة الصقالبة. وكانت هنالك شعوب مسلمة تعيش على ضفاف نهر الفولغا أبرزها بلغار الفولغا وحاكمهم المسلم إلمش بن يلطوار الذي طلب العون من الخليفة العباسي المقتدر. ونعرف من كتاب أحمد بن فضلان أنها كانت دولة مسلمة في قلب ما يعرف بروسيا اليوم. وتحتفل الجمهوريات الإسلامية في روسيا، خاصة تتارستان، بيوم وصول ابن فضلان إلى بلغار الفولغا باعتباره عيداً دينياً.

وحينما اعتلى السلطان المغولي المسلم بركة خان عرش مملكة جوجي، وهي امبراطورية المغول في روسيا، أصبح الصقالبة المسلمون، بالإضافة إلى التتار المسلمين، رأسي حربة سلطان المغول بركة خان في نشر الإسلام في الأراضي الروسية وأوروبا الشرقية خلال القرن الثالث عشر. وخلّف هذا السلطان إمبراطورية مسلمة في قلب روسيا، ولكن مع ضعف الممالك التتارية المسلمة نهضت دوقية موسكو، لتؤسس الدولة الروسية المتعارف عليها اليوم.

صقالبة الدولة العثمانية

------------

وعقب سقوط الأندلس، اختفى مصطلح الصقالبة المسلمين من قاموس الحياة السياسية للدول المسلمة، وإن ظل المسلمون من أصول سلافية يلعبون دوراً مهماً في البلاط العثماني، وتحديداً في منصب الصدر الأعظم (رئيس الوزراء بمعايير زمننا) إضافة الى حرملك السلطان. فالسلطان سليمان القانوني عيّن الصربي محمد باشا صوقوللو في المنصب عام 1565 ليصبح الأخير الحاكم الفعلي للدولة العثمانية سواء خلال العام الأخير في عمر سليمان العجوز، ثم خلال حكم ابنه سليم الثاني وحفيده مراد الثالث، واستطاع الحفاظ على الدولة العثمانية في ظل السلاطين الضعفاء وصراع الحرملك، ما يجعله اقوى صدر أعظم في تاريخ الدولة العثمانية.

ودأب السلاطين العثمانيون على تعيين الصدر الأعظم من أصول ألبانية، كما تولى ساسة من أصول سلافية المنصب، من روسيا والبوسنة وكرواتيا والهرسك وبلغاريا.

ويرصد المؤرخ التركي البروفيسور أحمد رفيق ألطيناي Ahmet Refik Altınay (1881-1937) في كتابه مملكة النساء Kadınlar Saltanatı الصادر عام 1923، أن السلاطين العثمانيين تزوجوا بأميرات وجاريات صقلبيات من صربيا وأوكرانيا وروسيا وبلغاريا، مثل الأميرة البلغارية كيرا تمارا ابنة الإمبراطور البلغاري إيفان ألكسندر التي تزوجت السلطان مراد الأول، والأميرة الصربية ديسبينا خاتون الابنة الصغرى للامير لازار أمير صربيا. والأميرة ميليتشا كانت زوجة السلطان بايزيد الأول، والسلطان سليمان القانوني تزوج بالبولندية روزالينا بعد أن أشهرت إسلامها وأطلق عليها لقب جلفام خاتون، بالإضافة إلى روكسلانا الأوكرانية التي تحول اسمها عقب إشهار إسلامها إلى السلطانة هويام.

وحينما توفي السلطان أحمد الأول، أصبحت زوجته اليونانية السلطانة "قُسِم سلطان" هي الحاكم الفعلي للدولة العثمانية في عصر أبنائها السلطان مراد الرابع والسلطان إبراهيم الأول، ثم حفيدها السلطان محمد الرابع، وقد تولت منصب نائب السلطان العثماني مرتين، الأولى وصاية على ابنها مراد الرابع بين عامي 1623 و1632، والثانية وصاية على حفيدها محمد الرابع بين عامي 1648 و1651 حين توفيت.

وحينما توفيت لم يكن محمد الرابع في عمر يسمح بأن يصبح أميراً للمؤمنين وكبيراً للعثمانيين، فتولى منصب نائب السلطان السلطانة "ترخان خديجة سلطان"، وهي صقلبية من أوكرانيا وولدت باسم ناديا وكانت مسيحية أرثوذكسية قبل التحول للإسلام، وظلت في المنصب بين عامي 1651 و1656، لتتسلم عرش الخلافة العثمانية خمس سنوات إلى أن كبر ابنها وتولى العرش. ومع قيام الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وانهيار الدولة العثمانية وصعود الشيوعيين للحكم، ونشأة الدول القومية على حساب الإمبراطوريات المتعددة القوميات، تلاشى من الحسابات السياسية العديد من المصطلحات السياسية، كان أبرزها الصقالبة المسلمون.

 

"الصقالبة". هم العنصر العرقي السلافي الغالب في شعوب روسيا وبولندا وأوكرانيا وتشيكيا وسلوفاكيا وسلوفينيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا وصربيا والجبل الأسود، إلى جانب وجود قوي في شرق ألمانيا ورومانيا وجورجيا وباقي دول القوقاز.
 

الصقالبة.. جيش الوافد الجديد وعصبته في الاندلس


الغريب يسيطر على الغرب

---------


عندما نزل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي، إلى الأندلس عام 138هـ، بعد ست سنواتٍ من رحلة هروب فريدة، كان فيها من قلائل الأمراء الأمويين الذي نجوا من الاستئصال العباسي في الشرق، كان أمامه اختياران لا ثالث لهما في هذا الغرب البعيد، إما القصر أو القبر.

لعب الداخل -كما لقب تاريخيًا- أولًا على التوازنات القائمة في الأندلس، والتي كانت لسنوات تموج بفتنة طاحنة بين القبائل العربية على أساس التقسيم القديم قبل الإسلام بين اليمنية والمُضرية. اتصل الرجل بالمُضرية أولًا، والذين تنتسب قريش لهم، لكنهم رفضوا نصرته، بينما قبله اليمنية، الذين أرادوا استخدامه ورقةً رابحة للثأر من المضرية الذين أرادوا الاستحواذ على مُلك الأندلس من خلال تنصيب حاكم قرشي ضعيف، هو يوسف الفهري، باعتباره واجهة يحكمون من خلالها.

انتصر الداخل على الفهري وحلفه في موقعة المصارة 138هـ، ودخل العاصمة قرطبة، وأصبح أمير الأندلس، وقدّم نفسه حاكمًا للجميع، ومنع الأعمال الانتقامية عشية انتصاره، مما أحنق الموتورين من اليمنية. وجد عبد الرحمن نفسه حاكمًا لدولة مكتظة بالخيرات، وبالمطامع والثارات كذلك، وتتنازعها الولاءات القبلية العربية، وكذلك غير العربية كالبربر، وسكان الأندلس الأصليين من الوندال وغيرهم، وتشمل الخارطة الدينية مسلمين ومسيحيين ويهود. لم يكد يمر عام على الداخل دون ثورة أو فتنة هنا أو هناك، أكثرها لمطامع فردية أو قبلية أو انفصالية، وبدا كأن الجميع يريدون انتزاع ما تحت يديه.

حاول الداخل استخدام العصا الغليظة لقمع الخارجين عليه، كما فعل بعد ثورة العلاء بن مغيث التي دبّرها العباسيون، والتي انضم لها الكثير من العرب خاصة اليمنية، حيث قتل 4 آلاف أسير من الخارجين بعد انتصاره عليهم. لكن مثل هذه الأعمال كانت تضيف ثاراتٍ أكثر إلى الحلقة المفرغة الجهنمية التي تدور بالأندلس.

أراد الداخل للدولة الأندلسية رجال حُكم وحرب ممن لا يعرفون ولاءً ولا انتماءً لسواها، وله بالطبع، كأمثال بدر الخادم رفيق رحلة هروبه، وقائد جيوشه منذ أصبح أمير الأندلس، والذي لم يكن له من نسبٍ خلاف خدمة الأمير. تفتق ذهن الداخل عن الفكرة التي أدت لظهور الصقالبة على مسرح التاريخ الأندلسي لما يقارب ثلاثة قرون.

الصقالبة

مصدر الصورة: قصة الإسلام


بدأ يرسل رجاله ينتقون العبيد الصغار أشداء البنية من أسواق الرقيق في أرجاء أوروبا، ليتم جلبهم إلى الأندلس، فيتم تعليمهم الإسلام والعربية وعلوم وفنون عصرهم، ومهارات الحرب، وبالطبع إرضاعهم الولاء للأمير وللدولة، فهما بمثابة الأب والأم لهؤلاء. اعتمد الداخل كذلك في دواوين الدولة والحكم على المولودين -مختلطي النسب بين الفاتحين وسكان الأندلس الأصليين- والموالي غير العرب، والمسيحيين واليهود… إلخ، أما الزعامات القبلية العربية والبربرية التقليدية، فأغدق عليهم الأموال، والإقطاعات الزراعية، ينشغلون بها عن المطامع السياسية والنزعات العصبية.

أصبح الوافدون الجدد هم عصب الجيوش الأندلسية خاصة حرس الخليفة الخاص، وكان منهم كذلك العبيد المخصيِّين، وهؤلاء كانت توكل لهم رعاية قصور النساء وخدمتهن. وأصبح لهم نفوذ كبير لدى الأسرة الأموية الحاكمة، خاصة مع أدوارهم الهامة في حماية حدود الدولة من هجمات الممالك المسيحية شمال الأندلس، وكذلك كان لهم دور بارز في التصدي لهجوم غريب مدمر قام به الفايكنج عبر البحر، على الأندلس في زمن عبد الرحمن الثاني، ابن حفيد الداخل.

أفول زمن الصقالبة في الاندلس


مع الوقت ضاق الكثيرون من وجهاء الأندلس ذرعًا من المكانة الاستثنائية التي حظيت بها طبقة الصقالبة، خاصة مع إغداق الأمويين عليهم بالأموال والإقطاعات لاسيما زمن الناصر وابنه الحكم، حيث تطاول العبيد السابقون، وبدأوا يتعاملون كدولة داخل الدولة، وفاحت مظالم بعضهم، وتغاضى الخلفاء عنها من قاعدة «لكن سيد قومِهِ المتغابي».

تربص الخصوم بالصقالبة الدوائر، وجاءت الفرصة عندما حاول الصقالبة ليلة وفاة الحكم تدبير انقلابٍ في القصر، بأن حجبوا خبر وفاة الخليفة، وأرسلوا سرًّا لأحد إخوته (المغيرة بن الناصر) يستدعونه للقصر لتولى الخلافة بعد أخيه بدلًا من ابن أخيه هشام الصغير، مقابل أن يكون قادتهم رجال دولته. تسرَّبت الأخبار إلى خصومهم وهم خليط من الموالي والعرب، فقتل أحدهم وهو محمد بن أبي عامر المعافري- الذي سيصبح بعد حين أقوى حاكم في تاريخ الأندلس، ويؤسس الدولة العامرية- أخا الخليفة، وأخذوا البيعة للطفل الصغير، وأصبحت العداوة بين الطرفين معلنة، ووضع المنتصرون أعينهم في منتصف رؤوسهم تحسبًا مما قد يفعل الصقالبة.

في الأسابيع التالية، سيحاول بعض الصقالبة تدبير مؤامرة لاغتيال الخليفة الصغير، يستغلها الوصي على عرشه محمد بن أبي عامر ليقضي على نفوذ الصقالبة، فيوسعهم قتلًا وأسرًا ومصادرة، ويستصفي منهم أصحاب الولاء له، ليؤسس منهم طبقة من الصقالبة التابعين له، يتقوى بهم في صراعه مع باقي الأحزاب المتنافسة على صلاحيات الخليفة الصغير، حتى ينصِّب نفسه حاكمًا فعليًا على الأندلس باسم الملك المنصور، ويجبر هشام المؤيد على التنازل العلني له عن أعباء السلطة.

سيكون للصقالبة العامريين، أو الفتيان العامريين كما كانوا يسمَّون، شأنٌ كبير في دولة المنصور، ثم ابنه المظفر عبد الملك، والذي اعتمد عليهم كثيرًا، لأن المنصور لم يكن يثق في باقي الأحزاب التي أثار حفيظتها في معركته للوصول للسلطة. ويتوفى بعد حوالي ربع قرن عام 392هـ تاركًا الدولة القوية التي أسسها في الأندلس والمغرب الأقصى في حكم ابنه المظفر، وكان يشبه أباه شيئًا في الحزم والتدبير.

عام 399 هـ، يموت المظفر فجأة، حتى قيل قتله أخوه عبد الرحمن بالسم. تولى عبد الرحمن هذا الحكم، لكن سوء تدبيره، وسيرته، وضعف إمكاناته الشخصية، أدى خلال شهور قليلة، إلى إضاعة ما فعله أبوه، بل ما فعله الأمويون الأقوياء على مدار قرنيْن قبل أبيه، في تأسيس دولة قوية بالأندلس.

وبدأت الفتنة العارمة، عندما ثار أحد الأمويين، وهو محمد بن عبد الجبار الملقب بالمهدي على عبد الرحمن العامري وقتله، وانفجرت كافة تناقضات الأندلس، ودارت رحى عدة حروب أهلية متوازية على مدار 23 عامًا، حاول بعض الصقالبة إيجاد مساحة لأنفسهم في ساحاتها، ومن أشهرهم الفتى واضح الذي كان مقدم الصقالبة في زمان المنصور وابنيْه.

ستؤول الفتنة إلى انقسام الأندلس لأكثر من 20 دويلة، فيما سيُعرف بعصر ملوك الطوائف، وسيكون للفتيان العامريين نفوذٌ بارز في شرق الأندلس خاصةً، حيث فرُّوا من انتقام خصومهم في العاصمة قرطبة. كان من أشهر الفتيان العامريين في عصر الفتنة والطوائف مجاهد العامري، والذي حكم دويلة دانية، وجزائر البحر المتوسط الشرقية مثل ميوركا ومنورقة، لعشرات السنين، واشتهر بغزواته البحرية في المتوسط. لكن بعد حين سيختفي الصقالبة تدريجيًا من صفحة التاريخ الأندلسي، لكن لن تموت الفكرة التي ظهر بها الصقالبة في الأندلس، بل ستصل في شرق العالم الإسلامي إلى آفاقٍ أبعد.


 

الصقالبة.. جيش الوافد الجديد وعصبته في الاندلس


الغريب يسيطر على الغرب

---------


عندما نزل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي، إلى الأندلس عام 138هـ، بعد ست سنواتٍ من رحلة هروب فريدة، كان فيها من قلائل الأمراء الأمويين الذي نجوا من الاستئصال العباسي في الشرق، كان أمامه اختياران لا ثالث لهما في هذا الغرب البعيد، إما القصر أو القبر.

لعب الداخل -كما لقب تاريخيًا- أولًا على التوازنات القائمة في الأندلس، والتي كانت لسنوات تموج بفتنة طاحنة بين القبائل العربية على أساس التقسيم القديم قبل الإسلام بين اليمنية والمُضرية. اتصل الرجل بالمُضرية أولًا، والذين تنتسب قريش لهم، لكنهم رفضوا نصرته، بينما قبله اليمنية، الذين أرادوا استخدامه ورقةً رابحة للثأر من المضرية الذين أرادوا الاستحواذ على مُلك الأندلس من خلال تنصيب حاكم قرشي ضعيف، هو يوسف الفهري، باعتباره واجهة يحكمون من خلالها.

انتصر الداخل على الفهري وحلفه في موقعة المصارة 138هـ، ودخل العاصمة قرطبة، وأصبح أمير الأندلس، وقدّم نفسه حاكمًا للجميع، ومنع الأعمال الانتقامية عشية انتصاره، مما أحنق الموتورين من اليمنية. وجد عبد الرحمن نفسه حاكمًا لدولة مكتظة بالخيرات، وبالمطامع والثارات كذلك، وتتنازعها الولاءات القبلية العربية، وكذلك غير العربية كالبربر، وسكان الأندلس الأصليين من الوندال وغيرهم، وتشمل الخارطة الدينية مسلمين ومسيحيين ويهود. لم يكد يمر عام على الداخل دون ثورة أو فتنة هنا أو هناك، أكثرها لمطامع فردية أو قبلية أو انفصالية، وبدا كأن الجميع يريدون انتزاع ما تحت يديه.

حاول الداخل استخدام العصا الغليظة لقمع الخارجين عليه، كما فعل بعد ثورة العلاء بن مغيث التي دبّرها العباسيون، والتي انضم لها الكثير من العرب خاصة اليمنية، حيث قتل 4 آلاف أسير من الخارجين بعد انتصاره عليهم. لكن مثل هذه الأعمال كانت تضيف ثاراتٍ أكثر إلى الحلقة المفرغة الجهنمية التي تدور بالأندلس.

أراد الداخل للدولة الأندلسية رجال حُكم وحرب ممن لا يعرفون ولاءً ولا انتماءً لسواها، وله بالطبع، كأمثال بدر الخادم رفيق رحلة هروبه، وقائد جيوشه منذ أصبح أمير الأندلس، والذي لم يكن له من نسبٍ خلاف خدمة الأمير. تفتق ذهن الداخل عن الفكرة التي أدت لظهور الصقالبة على مسرح التاريخ الأندلسي لما يقارب ثلاثة قرون.

الصقالبة

مصدر الصورة: قصة الإسلام


بدأ يرسل رجاله ينتقون العبيد الصغار أشداء البنية من أسواق الرقيق في أرجاء أوروبا، ليتم جلبهم إلى الأندلس، فيتم تعليمهم الإسلام والعربية وعلوم وفنون عصرهم، ومهارات الحرب، وبالطبع إرضاعهم الولاء للأمير وللدولة، فهما بمثابة الأب والأم لهؤلاء. اعتمد الداخل كذلك في دواوين الدولة والحكم على المولودين -مختلطي النسب بين الفاتحين وسكان الأندلس الأصليين- والموالي غير العرب، والمسيحيين واليهود… إلخ، أما الزعامات القبلية العربية والبربرية التقليدية، فأغدق عليهم الأموال، والإقطاعات الزراعية، ينشغلون بها عن المطامع السياسية والنزعات العصبية.

أصبح الوافدون الجدد هم عصب الجيوش الأندلسية خاصة حرس الخليفة الخاص، وكان منهم كذلك العبيد المخصيِّين، وهؤلاء كانت توكل لهم رعاية قصور النساء وخدمتهن. وأصبح لهم نفوذ كبير لدى الأسرة الأموية الحاكمة، خاصة مع أدوارهم الهامة في حماية حدود الدولة من هجمات الممالك المسيحية شمال الأندلس، وكذلك كان لهم دور بارز في التصدي لهجوم غريب مدمر قام به الفايكنج عبر البحر، على الأندلس في زمن عبد الرحمن الثاني، ابن حفيد الداخل.

أفول زمن الصقالبة في الاندلس


مع الوقت ضاق الكثيرون من وجهاء الأندلس ذرعًا من المكانة الاستثنائية التي حظيت بها طبقة الصقالبة، خاصة مع إغداق الأمويين عليهم بالأموال والإقطاعات لاسيما زمن الناصر وابنه الحكم، حيث تطاول العبيد السابقون، وبدأوا يتعاملون كدولة داخل الدولة، وفاحت مظالم بعضهم، وتغاضى الخلفاء عنها من قاعدة «لكن سيد قومِهِ المتغابي».

تربص الخصوم بالصقالبة الدوائر، وجاءت الفرصة عندما حاول الصقالبة ليلة وفاة الحكم تدبير انقلابٍ في القصر، بأن حجبوا خبر وفاة الخليفة، وأرسلوا سرًّا لأحد إخوته (المغيرة بن الناصر) يستدعونه للقصر لتولى الخلافة بعد أخيه بدلًا من ابن أخيه هشام الصغير، مقابل أن يكون قادتهم رجال دولته. تسرَّبت الأخبار إلى خصومهم وهم خليط من الموالي والعرب، فقتل أحدهم وهو محمد بن أبي عامر المعافري- الذي سيصبح بعد حين أقوى حاكم في تاريخ الأندلس، ويؤسس الدولة العامرية- أخا الخليفة، وأخذوا البيعة للطفل الصغير، وأصبحت العداوة بين الطرفين معلنة، ووضع المنتصرون أعينهم في منتصف رؤوسهم تحسبًا مما قد يفعل الصقالبة.

في الأسابيع التالية، سيحاول بعض الصقالبة تدبير مؤامرة لاغتيال الخليفة الصغير، يستغلها الوصي على عرشه محمد بن أبي عامر ليقضي على نفوذ الصقالبة، فيوسعهم قتلًا وأسرًا ومصادرة، ويستصفي منهم أصحاب الولاء له، ليؤسس منهم طبقة من الصقالبة التابعين له، يتقوى بهم في صراعه مع باقي الأحزاب المتنافسة على صلاحيات الخليفة الصغير، حتى ينصِّب نفسه حاكمًا فعليًا على الأندلس باسم الملك المنصور، ويجبر هشام المؤيد على التنازل العلني له عن أعباء السلطة.

سيكون للصقالبة العامريين، أو الفتيان العامريين كما كانوا يسمَّون، شأنٌ كبير في دولة المنصور، ثم ابنه المظفر عبد الملك، والذي اعتمد عليهم كثيرًا، لأن المنصور لم يكن يثق في باقي الأحزاب التي أثار حفيظتها في معركته للوصول للسلطة. ويتوفى بعد حوالي ربع قرن عام 392هـ تاركًا الدولة القوية التي أسسها في الأندلس والمغرب الأقصى في حكم ابنه المظفر، وكان يشبه أباه شيئًا في الحزم والتدبير.

عام 399 هـ، يموت المظفر فجأة، حتى قيل قتله أخوه عبد الرحمن بالسم. تولى عبد الرحمن هذا الحكم، لكن سوء تدبيره، وسيرته، وضعف إمكاناته الشخصية، أدى خلال شهور قليلة، إلى إضاعة ما فعله أبوه، بل ما فعله الأمويون الأقوياء على مدار قرنيْن قبل أبيه، في تأسيس دولة قوية بالأندلس.

وبدأت الفتنة العارمة، عندما ثار أحد الأمويين، وهو محمد بن عبد الجبار الملقب بالمهدي على عبد الرحمن العامري وقتله، وانفجرت كافة تناقضات الأندلس، ودارت رحى عدة حروب أهلية متوازية على مدار 23 عامًا، حاول بعض الصقالبة إيجاد مساحة لأنفسهم في ساحاتها، ومن أشهرهم الفتى واضح الذي كان مقدم الصقالبة في زمان المنصور وابنيْه.

ستؤول الفتنة إلى انقسام الأندلس لأكثر من 20 دويلة، فيما سيُعرف بعصر ملوك الطوائف، وسيكون للفتيان العامريين نفوذٌ بارز في شرق الأندلس خاصةً، حيث فرُّوا من انتقام خصومهم في العاصمة قرطبة. كان من أشهر الفتيان العامريين في عصر الفتنة والطوائف مجاهد العامري، والذي حكم دويلة دانية، وجزائر البحر المتوسط الشرقية مثل ميوركا ومنورقة، لعشرات السنين، واشتهر بغزواته البحرية في المتوسط. لكن بعد حين سيختفي الصقالبة تدريجيًا من صفحة التاريخ الأندلسي، لكن لن تموت الفكرة التي ظهر بها الصقالبة في الأندلس، بل ستصل في شرق العالم الإسلامي إلى آفاقٍ أبعد.


هناك خطأ يقع فيه الجميع وهو ان القاهره بناها الفاطميين وهذا غير صحيح القاهره مبنيه من ايام قدماء المصريين وكل من اتي بعدهم اضاف لها شئ والفاطميين اضافوا حي القاهره التاريخية فقط لكن المدينه كانت موجوده وكانت عاصمة مصر قبل دخول الفاطميين لمصر
 
الدولة الفاطمية نشات في شمال افريقيا و بالضبط من قباءل كتامة التي كانت عضدها و ساعدها . بالنسبة لجوهر الصقلي هو اخد ذلك اللقب لانه كان قاءدا للجيش الفاطمي في صقلية . و هو امازيغي و لقبه الثاني جوهر المغربي . قباءل كتامة منقسمة بين المغرب و الجزاءر . الفاطميين لم يستطيعوا التوسع غربا في المغرب لذلك اتجهوا شرقا بداية بالجزاءر الحالية و تونس التي اتخدوها عاصمة لهم قبل أن يتحولو الى مصر بعد غزوها هي و ليبيا
 
عودة
أعلى