متجدد الشعب المغربي يطالب بصحراءه الشرقية

حقائق حول الصحراء الشرقية المغربية المحتلة الواقعة تحت الإدارة الجزائرية المؤقتة

الصحراء الشرقية هي الصحراء الواقعة بين المغرب والجزائر..
والتي اندلعت بسببها حرب الرمال سنة 1963 بين المغرب والجزائر.
وهذه المنطقة اقتطعتها فرنسا ابان العهد الاستعماري من الأراضي المغربية وضمتها إلى مستعمرتها الجزائر اعتقادا منها ان الجزائر اصبحت جزءا لا يتجزا منها..
ونظرا كذلك لغنى هذه المنطقة بالثروات المعدنية..
واخيرا كعقاب للمغرب الذي ساعد الثوار بالجزائر ضد فرنسا. وتمتد هذه الصحراء من واحات فكيك (شرق المغرب) إلى منطقة عين صالح (وسط الجزائر) كما تمتد من منطقة تيندوف (جنوب غرب الجزائر) إلى تخوم الحدود المالية الجزائرية

E1685CC7-A136-4E1C-BF7E-C616756B7EEF.jpeg


سبب انتزاع الصحراء الشرقية من طرف فرنسا يعود لمعركة إسلي التي خاضها المغرب ضد فرنسا دفاعا عن الجزائر
الشيء الذي أسفر عن هزيمة المغرب و فرض فرنسا اتفاقية للامغنية على المغرب و التي أقرت بترسيم جديد للحدود يتوقف عند مدينة فكيك و اعتبار الأراضي الصحراوية (الصحراء الشرقية) منطقة مفتوحة
شيء الذي سوف تستغله فرنسا للسيطرة على هذه المنطقة و ضمها لمستعمرتها
هذه الحرب سوف تكون أيضا السبب المباشر لسقوط المغرب ضمن الإحتلال المزدوج الفرنسي الإسباني
حيث سوف تستغل إسبانيا العدوان الفرنسي على المغرب للسيطرة على الجزر الجعفرية
و من بعدها سوف تعلن الحرب على المغرب (حرب تطوان) بدعوى قيام مقاومين بمهاجمة تحصينات مدينة سبتة

معركة أسلي هي معركة قامت بين المغرب وفرنسا في 14 أغسطس 1844 م بسبب مساعدة السلطان المغربي [المولى عبد الرحمان] للمقاومة الجزائرية ضد فرنسا واحتضانه للأمير عبد القادر الشيء الذي دفع الفرنسين إلى مهاجمة المغرب عن طريق ضرب ميناء طنجة حيث أسقطت ما يزيد عن 155 قتيل ثم ميناء تطوان ثم ميناء أصيلة. انتهت المعركة بانتصار الفرنسيين وفرضهم شروطا قاسية على المغرب. تمثلت هذه الشروط في اقتطاع فرنسا لبعض الأراضي المغربية وفرضها غرامة مالية على المغرب ومنعها المغاربة من تقديم الدعم للجزائر.

تسمى الاتفاقية للا مغنية وقعت سنة 1845 وقد أظهرت هذه المعركة مدى ضعف المخزن المغربي آنداك.

معاهدة للا مغنية 1845

معاهدة للا مغنية هي تقييد إلزامي للدولة المغربية سنة 1844 بعدم دعم المجاهدين الجزائريين.
يأتي هذا الإلزام بعد تعنت من السلطان المغربي ضد مطالبت فرنسا المتكرر له بالكف عن دعم المجاهدين ضدها بالجزائر.

اضطر المغرب للتوقيع على معاهدة للا مغنية بعد قصف شديد للقواة الفرنسية للمدن الساحلية المغربية اودى بقتل الآلاف، بالإضافة للضعف العسكري للمملكة امام الترسانة الفرنسية.

ظلت الدولة المغربية تتأثر بموقعها الحدودي مع الجزائر (وحتى وقت الجزائر العثمانية) طيلة تاريخهما المشترك.
وظهر هذا جليا بعد الاستعمار الفرنسي للجزائر، فقد كان على المدن المغربية وساكنتها احتضان المقاومة الجزائرية ودعمهم بالمال والسلاح خاصة على عهد الأمير عبد القادر الجزائري.

وقد اقتنعت فرنسا أن هذا الدعم سبب كاف ليكون الحلقة الأولى لاحتلال المغرب والسيطرة على الشمال الإفريقي والقضاء على القواعد الخلفية للمقاومة الجزائرية.

فقامت بالضغط على المدن الحدودية بدعوى ملاحقة العناصر الثائرة ضد فرنسا، مما جعلها تدخل في حرب مع المخزن المغربي في معركة إسلي عام 1844 م والتي انتهت بهزيمة كبيرة للمغاربة.
وأجبرت فرنسا المغرب على توقيع معاهدة للا مغنية في نفس السنة، وكان من أهم بنودها رسم الحدود بين الدولة المغربية والجزائر المستعمرة.

فتم الاتفاق على أن تمتد الحدود من قلعة عجرود (السعيدية حاليا) إلى ثنية الساسي، وبقيت المناطق الجنوبية دون تحديد للحدود بدعوى أنها أراضي خالية لا تحتاج إلى رسم وتوضيح للحدود.


يتبع
 

معركة إيسلي - مقدمة استعمار المغرب

لم تعلٍن الحملة العسكرية التي قرر شارل العاشر القيام بها مباشرة بعد الحادثة الشهيرة المسماة " ضربة المروحة" فقط بداية غزو الجزائر، ولكنها شكلت أيضا وذلك على الأقل في المدى البعيد تهديدا قويا للبلدين المجاورين وهما المغرب وتونس. ففي غرب الجزائر، استقبل نبأ الاحتلال على الطريقة التي أشار إليها تقرير للدبلوماسية الفرنسية صادر بطنجة يوم 13 يوليو 1830 حينما قال: "إن سقوط الجزائر الذي تم الإعلان عنه في خبر الساعة الرابعة قد أثار البلبلة وسط المغاربة"

لوحة فرنسية ترسم مشاهد لمعركة إيسلي (شرق مدينة وجدة على أحد روافد نهر ملوية)

1 ـ البعد "المغاربي" لسقوط الجزائر (1830)


1-1: التدخل المغربي بجانب المقاومين الجزائريين.


في غياب تدخل الباب العالي أو باي تونس، توجهت أنظار غالبية الجزائريين نحو سلطان المغرب مولاي عبد الرحمان (1822-1859) وتطلعت طموحاتهم إلى تفضله باستضافة "اللاجئين الفارين أمام زحف جيوش العدو، لتفادي العيش تحت ظل سيادة قانون الكفار وقيامه بقبول بيعتهم والتعاون معهم من أجل رفع راية "الجهاد" ضد المحتل. وعلى عكس ما كانت ترجوه فرنسا من التزام السلطان بمبدإ الحياد، فقد استجاب المولى عبد الرحمان لاستعطاف الجزائريين، وبشكل خاص لسكان مدينة تلمسان الذين كانوا يقيمون علاقات متينة ومتشعبة مع حاضرة فاس. وباستناده على عقد البيعة الذي أبرمه مع الأعيان التلمسانيين، أرسل السلطان حامية عسكرية إلى المدينة. ونشأت على إثر ذلك أحداث متعددة ومناوشات خطيرة بين أعضاء الحامية والكراغيلة، والذين كانوا يمثلون العناصر المنحدرة من الأتراك المتصاهرين مع الجزائريين، دفعت بالسلطان إلى المناداة بشكل سريع على جيوشه ودعوتها للعودة إلى المغرب. لكن انسحابها من تلمسان لم يقلص من عملية دعم المقاومين الجزائريين بإرسال الخيول والبغال والأسلحة (كانت البنادق ترسل من معامل بفاس ومكناس ومراكش وتطوان … ) والذخيرة والخيام والدعم. وطور الأمير عبد القادر قائد عمليات المقاومة علاقة من نوع خاص مع السلطان بفضل هذا الدعم الذي كان يتلقاه باسم المؤازرة على محاربة أعداء الدين الإسلامي. وتم تدعيم هذا التعاون باستصدار السلطان فتاوى من علماء فاس تضفي الشرعية الدينية على الإجراءات التي كان يتخذها لتنظيم المقاومة ضد الفرنسيين.

1 ـ2 : من بداية سيادة فكرة "منطق الحرب" إلى "حرب إيسلي" 14 غشت 1844

لقد دفعت تحركات الجيوش الفرنسية، التي ازدادت حدتها على الحدود الشرقية للمغرب واختناق مجال تحرك القبائل بفعل ما أحدثته "سياسة الأرض المحروقة" التي انتهجتها السلطات الفرنسية لتدمير قواعد الأمير عبد القادر إضافة إلى تعدد لجوء الأخير ورفاقه إلى الأراضي المغربية ومتابعتهم من المستعمرين الفرنسيين وشنهم حملات تأديبية ضد قبائل الحدود التي تقدم لهم يد المساعدة، كل هذه العوامل دفعت السلطان إلى الدخول والمشاركة في الصراع.
في يوم 14 غشت 1844 وقع اصطدام عسكري على حدود وادي إيسلي شمال شرق وجدة كان له تأثير حاسم في تاريخ المغرب المعاصر. لقد توجه الجنود المغاربة بقيادة ابن السلطان وخليفته سيدي محمد لملاقاة العدو على طريقتهم القتالية المعهودة والتي ورثوها عن الأجداد. إذ كان هذا الجيش يعوزه التنظيم والتسلح بسلاح المدفعية وفرق المشاة، فاقتصرت قوته الأساسية على عناصر الفرسان. إذ اعتمدت السرايا المشكلة أساسا من مقاتلين لا يتجاوز عدد السرية الواحدة ثلاثين مقاتلا على المهاجمة الاندفاعية لندها.
انهزم جيش السلطان سريعا وسحق من طرف مدفعية العدو في لحظة خاطفة. لكن رغم ذلك قاوم الجنود ببسالة شديدة كما أكد شاهد عيان فرنسي أن "شجاعة المقاتلين السود قد تحملت بنبل ولوحدها الصدمة القوية للجنود "التي كان يقودها الجنرال لاموريسيير. وفي الجهة الغربية قام أسطول الأمير جوانفيل بقصف مديني طنجة والصويرة. وعلى إثر ذلك وجد السلطان مولاي عبد الرحمان نفسه بين كماشتين من النيران مما اضطره للانصياع لرغبة الفرنسيين.

1 ـ 3 ـ معاهدتا طنجة وللا مغنية 1844-1845

رجت هزيمة إيسلي ميزان القوة بين المغرب وأوربا رجة عنيفة، وأسرفت عن رجحان كفة أوربا رجحاناً كبيراً. فرغم أن هذه الهزيمة النكراء والأولى من نوعها في الفترة المعاصرة لم تخلف تنازلات آنية للأراضي، فقد أحدثت بفعل الصدمة التي تركتها في النفوس اضطرابات خلخلت بشكل عملي الاستقرار في كل مناطق البلاد. إذ أنها أحدثت تغييرات جذرية في تحول علاقات المغرب مع أوربا. فالتفوق الأوربي المادي في المجال العسكري والذي فرضته فرنسا في البداية قد تم بموازاة مع تفعيل الإطار القانوني في علاقتها مع المغرب. وقد ترجمت هذه التوجهات بإفراغ كل المعاهدات القديمة مع أوربا والتي كانت لصالح المغرب من محتواها (الإتاوات التي كانت تقدمها الدول الاسكندنافية للمغرب على سبيل المثال). وعلى العكس أعيد إحياء شروط مثيلاتها والتي كانت تصب أكثر في خدمة المصالح التجارية والسياسية للقوى الأوربية (بالبند 11 من المعاهدة الفرنسية المغربية الموقعة سنة 1767). وقد ازدادت الآثار الوخيمة على سيادة السلطان ووحدة بلاده لهذه الاتفاقيات عقب إبرام اتفاقيتي طنجة في 10 أكتوبر 1844 ومعاهدة للا مغنية يوم 18 مارس 1845.
إن معاهدة طنجة التي وقعت مباشرة بعد هزيمة إيسلي قد أعادت بقوة إلى الواجهة وبواسطة أساليب جديدة قضية الجهاد الشائكة ومدى قوة اتساع التضامن الإسلامي وحدوده (انظر على سبيل المثال إلحاح علماء فاس سنة 1830 على التذكير بالماضي الأليم للأندلس وبخطورة "تفريق المسلمين). وقد كانت هذه التحركات تقصد إلى الإقرار الضمني بالوجود الفرنسي بالجزائر.
وقد أجبرت هذه الإجراءات المفروضة من الخارج المخزن الذي وجد نفسه مطوقا بالضغوط الأوروبية على التخلي عن دعم المقاومين. كما اضطر بناء على المنطق نفسه إلى منع القبائل المغربية من تقديم المساعدة للمقاومة الجزائرية والامتناع عن إيواء الأمير عبد القادر (البند الرابع). فقد تم التنصيص في المعاهدة بأن الأمير عبد القادر إذا "وقع في يد الجيوش الفرنسية، فإن جلالة الإمبراطور الفرنسي (سيتعهد) بمعاملته بنوع من الاحترام والمروءة"، وأن لا يتم تسليم الجزائريين اللاجئين بالمغرب للسلطات الفرنسية.
ويشير أيضا من جهته البند الثالث من معاهدة للامغنية بأنه "لا توجد حدود ترابية في الصحراء يستدعي الأمر إقامتها بين البلدين (لأن) الأرض هناك بواراً. إنها عبارة فقط عن ممر يتخذه البدو للانتقال بين الإمبراطوريتين والتخييم بحثا عن المراعي والمياه الضرورية لعيشهم".
ويضيف البند أن" السلطانين يمارسان حسب الطريقة التي تلائمهما وبدون أية ضغوط متبادلة تطبيق حقوقهما على رعاياهما بالصحراء … (و) إذا كان مقدراً على أحد السلطانين أن يزجر رعاياه في الصحراء في الوقت الذي يختلطون فيه برعايا الدولة الأخرى، فإنه بإمكانه أن يعامل رعاياه كيفما شاء، ولكن لاسلطان له على رعايا الحكومة الأخرى".
وقد تنبه السلطان المولى عبد الرحمان إلى خطر هذا التعريف الفضفاض للحدود، والذي يجعلها حدودا رجراجة وغير مستقرة، بفعل حركة القبائل الدائبة، ويوفر لفرنسا فرصة التدخل في الصحراء المغربية متى شاءت ذلك، لكن لم يكن له من خيار إلا أن يصادق على هذه المعاهدة.
 
تتمة

2 - اتفاقية 1856 بين بريطانيا والمغرب: مرحلة حاسمة في مسار إدماج المغرب في السوق العالمية


رغبة منها في الحفاظ على سيادة أسطولها في البحر الأبيض المتوسط وعلى القيمة الاستراتيجية لجبل طارق، لجأت بريطانيا العظمى إلى مساندة المغرب من الناحية الدبلوماسية وتشجيع سلاطينه لا اتخاذ إصلاحات تعين المخزن على إعادة الروح إلى بنياته العتيقة وإصلاحها والدفع بها إلى مستوى مواجهة التطاولات الأجنبية على سيادته. وقد تكفل الوزير البريطاني جون دريموند هاي المقيم في طنجة بتحقيق الأهداف الجيواستراتيجية التي كانت بلاده تنشدها من سيادتها هاته، واستطاع أن يزاوج بين الحديث عن الإصلاحات والتفاوض من أجل توقيع معاهدة عام 1856، والتي ستفتح الباب على مصراعيه في وجه التدخل الأوربي في المغرب. إن التغيير الجذري للإطار القانوني الذي ألقى بثقله على العلاقات المغربية الأوربية، قد تم تدعيمه على أساس المبادئ العامة التي تم الإقرار بها بشكل علني من قبيل الحرية والمساواة والتبادل التجاري. وترسخ ذلك بواسطة بنود اتفاقية 1856 الثماني والثلاثين. وقد عممت الإجراءات الجديدة التي حصل عليها الإنجليز بشكل آلي على القوى الأجنبية الأخرى على أساس مبدأ قانون "الدولة الأكثر رعاية".
لقد وضعت هذه الاتفاقية وبشكل نهائي حدا لسيادة السلطان وسحبت منه كل إمكانية ممارسة حقوقه على التجارة البحرية:
- أدى إجراء مبدأ حرية المبادلات غير المقيدة (باستثناء بعض المواد المحظورة كالأسلحة والذخيرة والرصاص وملح البارود والتبغ) إلى فقدان المراقبة على التجارة الخارجية غير المرتبطة بالقوافل التجارية وأيضا التخلي عن صلاحيات السلطان التي يتمتع بها "التحكم" في الواردات والصادرات وذلك حسب حاجيات البلدان والظروف الطبيعية المتحكمة في المنتوج الفلاحي (على سبيل المثال الحظر التام لسوق الحبوب والزيوت والأبقار والأصواف في السنوات العجاف).
ـ تحديد رسوم ومكوس الأبواب على الواردات بشكل موحد في 10% من مجموع رسم القيمة بدل تلك التي كانت مطبقة في السابق والتي لا تقل عن 50 % في المتوسط. وبجانب ذلك يتم دفعها بالسيولة النقدية. وقد أدى هذا الوضع إلى الانخفاض السريع لحجم المداخيل التي كانت تسجل في الفترة السابقة لسنة 1856. وآلت الوضعية إلى نتائج كارثية تمثل أهمها في إغراق الأسواق المغربية بالمنتوجات الأجنبية (لقد انتقلت قيمة الواردات من 7 ملايين سنة 1854 إلى 24.6 مليون سنة 1857). فحصل نوع من الاختلال في الميزان التجاري (في سنة 1855 كان حجم الفائض هو 8 مليون فرنك. وقدر العجز في سنة 1857 بقيمة 2,4 مليون فرنك) وقد خرجت القيمة الحسابية المخصصة لتغطية هذا العجز بشكل خطير بسبب تدهور قيمة الصرف المسجل على حساب العملة المغربية نتيجة انتشار المضاربات من التجار.
ـ أدى تحرير القطب الذي كان يشكله مركز سيادة السلطان إلى وضع الحد "للنسق الإمبراطوري". فقبل سنة 1856، مكن حق الامتياز بالمتاجرة في بعض المواد السلطان مولاي عبد الرحمان، الذي كان وبدون شك قد استلهم أسلوب التصرف نفسه من محمد علي باشا بمصر، قد أحدث نوعا من رأسمالية الدولة المدعمة من طرف بيت المال وأدى إلى تفعيل أقلية من الفئة التجارية التي امتازت بدينامية قوية (تجار السلطان).
ـ أحدثت الحصانة القنصلية التي منحت للرعايا الأجانب بجانب الاعتراف بوضع قانوني خاص للسماسرة المحليين المتعاملين مع أولئك الأجانب، أوضاعا خاصة انصبت في اتجاه تحويل معاملات فئة "تجار السلطان" القدماء ومجهوداتهم وخبرتهم لصالح المؤسسات والشركات الأوربية.

3 ـ حرب تطوان

كتب أحمد بن خالد الناصري (ت. 1897) عن الحرب الإسبانية المغربية التي وقعت ما بين1859 ـ1860 قائلا: "ووقعة تطوان هذه هي التي أزالت حجاب الهيبة عن بلاد المغرب واستطال النصارى بها وانكسر المسلمون انكسارا لم يعهد لهم مثله وكثرت الحمايات ونشأ عن ذلك ضرر كبير".
انضافت "حرب تطوان"، التي أضفى عليها الأسبان بسرعة طابع الحرب القارية La guerra de Africa ، للفجوة المفتوحة في المغرب سنة 1844 ـ 1845 إضافة إلى الالتزامات المفروضة على المغرب سنة 1856، لتشكل المنعطف الأكثر تأثيرا في تاريخ المغرب خلال القرن التاسع عشر.

3-1ـ أهداف أسبانيا من الحرب

كانت إسبانيا تعتقد بأن لها "حقوقا جغرافية تاريخية" وضعية خاصة بالمغرب بحكم ماضي وجودها بالأراضي الأفريقية. ففي سنة 1848، عمدت إلى احتلال الجزر الجعفرية الواقعة على مصب نهر ملوية بدون أن تستعمل القوة. وقد شجعتها على القيام بذلك الانتصارات التي حققتها فرنسا بالمنطقة وتزايد التأثير البريطاني، مما جعل طموحاتها قريبة من التحقيق فأخذت تتحين الفرصة السانحة للعب دور سياسي على الرقعة المغربية.
ولم تتأخر الفرصة المنتظرة من الظهور، إذ كانت الغارة التي شنتها قبائل أنجرة الريفية ضد الأسبان إثر قيامهم بإنشاء مترس جديد على الجهة الخارجية لسور مدينة سبتة في صيف 1859 كافية لاستغلالها كمبرر من أجل إعلان الحرب على المغرب. وقد مثلت هذه الحرب بالنسبة لرئيس المجلس الحربي، الجنرال أودونيل امتيازا آخر لمواصلة احتلال مزيد من الأراضي حتى يتم شغل الرأي العام الأسباني بقضية "حرب إفريقيا" وتحويل أنظاره عن المشاكل الاقتصادية العميقة التي كانت تتخبط فيها أسبانيا من قبيل المضاربات المالية وفضائح القصر التي كانت تهدد استقرار العرش.
شكلت وفاة السلطان مولاي عبد الرحمان بمكناس يوم 28 غشت 1859 ظروفا ملائمة إضافية لتمكين إسبانيا من مرادها. فبالاستناد على مبررات ودسائس معتادة، صعدت أسبانيا من وعيدها للمغرب. فقد ألحت على تسليم ثلة من أعيان قبيلة أنجرة، التي حملتها مسؤولية الهجوم الذي قامت به القبائل الريفية المحاذية لسبتة ضدا على إحداث المترس. وحرصا منه على تفادي أي صدام محتمل غير محمود العواقب، حاول السلطان الجديد سيدي محمد بن عبد الرحمان (1859 ـ 1873) وبمساعدة من إنجلترا اقتراح تقديم تعويضات مادية لأسبانيا وصلت إلى حد الاستعداد إلى إعادة رسم الحدود مع مدينة سبتة، والتي كانت إسبانيا تصر منذ مدة بعيدة أن تلحق إليها الأراضي الواقعة بأعالي منطقة بليونيش. غير أن حكومة مدريد رفضت ملتمس السلطان وأعلنت الحرب على المغرب يوم 24 أكتوبر 1859، وقامت بإنزال حوالي 50.000 جندي بمدينة سبتة، وبدأت بقنبلة المراسي المغربية
 
حقائق حول الصحراء الشرقية المغربية المحتلة من طرف الجزائر

مراحل الحرب الرئيسية

كانت القوات المغربية تتكون من 5.600 مقاتل نظامي تحت رئاسة مولاي العباس أخ السلطان، وبجانبها انضم بعض المتطوعين الذين تم استنفارهم من قبائل معددة باسم الجهاد لمواجهة الضغط العسكري الذي كثفت إسبانيا من حدته على المستويين البحري والقاري.
ففي بداية اللقاء بين الطرفين المتقاتلين، دارت الحرب على المغاربة بشكل دفع بالجنرال الإسباني إلى نهج أقسى الطرق القتالية من أجل تحقيق ما كان يعتبره قصاصا في حق منازليه. ومن جهة المغاربة، فقد راعهم هول النزال من جراء الكثرة العددية لعدوهم المتسلح بعتاد حربي لا قبل لهم به فتشتت شملهم وبشكل سريع. وأمام العجز الصارخ عن توحيد الصفوف واستجماع قوتهم، لم تتمكن الجيوش المغربية من استغلال فرصة الإجهاد الذي نال من عدوهم ومن انتهاز العثرات اللوجيستيكية التي واجهتهم، ومن معاناتهم من المطر الذي عاق سيرهم، ومن انتشار مرض الكوليرا في صفوفهم. لقد تمكن جنود أودونيل من التقدم داخل التراب المغربي والزحف على مدينة تطوان وأجبروا مولاي العباس على التراجع واللجوء إلى المنطقة الجبلية الواقعة بين تطوان وطنجة.
أمام الهلع والاضطراب العام الذي أعقب تشتت جيش الخليفة والجلاء السريع عن تطوان، عاش سكان هذه المدينة ليلة مرعبة (5 فبراير)، اتسمت بانتشار أعمال النهب بأحياء المدينة وملاحها. واستسلمت المدينة أمام تهديد الجنرال أودونيل يوم 6 فبراير1860، فدخلتها جيوشه. ولم يكن احتلالها إيذانا بنهاية الحرب، فقد فتح مولاي العباس قنوات للتفاوض ابتدأت أولاها يوم 11 فبراير 1860 وتوجت بلقاء مع أودونيل يوم 23 فبراير. غير أن شروط الصلح القاسية التي كان هذا الأخير يسعى إلى إملائها على الطرف المغربي، قد أجبرت الخليفة على مواصلة القتال لحمل العدو على تليين مواقفه وقطع طريق طنجة أمامه. واندلعت مناوشات ضارية بين الطرفين يوم 23 مارس بـ Oued Ras، تمكن فيها الأسبان من التفوق نتيجة استعانتهم بالمدفعية. وتنازل الإسبانيون خلال المفاوضات الجديدة التي أعقبت هذه المعارك عن شرط تسليم تطوان، وذلك نتيجة الخسائر التي تكبدوها.

ـ نتائج الهزيمة على المستوى الترابي والمالي

دفعت الإجراءات الأولية لاتفاقيات وقف إطلاق النار الموقعة يوم 25 مارس 1860 ومعاهدة الصلح التي أعقبتها يوم 26 أبريل 1860 المغرب إلى قبول أداء غرامة 100 مليون بسيطة لأسبانيا، وسمحت لهذه الأخيرة بتوسيع حدود نفوذها بسبتة ومنحها حق الصيد بالجنوب المغربي (سيدي إفني)، إضافة إلى التمتع بنفس الامتيازات التي منحت لبريطانيا سنة 1856. وقد اعترضت السلطان صعوبات حادة أثناء أداء الشطر الأول من الغرامة البالغ قدره 25 مليون بسيطة. ولأداء الشطر الثاني، كان عليه إحداث جبايات جديدة بجانب اللجوء إلى اقتراض مبلغ 10 مليون بسيطة من إنجلترا. قبل الأسبان الجلاء عن تطوان بموجب الاتفاق المعقود في أكتوبر سنة 1861، سمح لهم بتثبيت موظفين في بعض المواني المغربية لاقتطاع نسب معينة من العائدات الجمركية لفائدة حكومتهم.
حسب لغة الأرقام، وصل المبلغ المالي الذي التزم المغرب بأدائه إلى 119 مليون بسيطة. وقد تم أداؤه بالعملة المعدنية الخالصة من قطع الذهب والفضة. وأحدثت هذه الغرامة " استنزافا قويا لم يخلف فقط خرابا للدولة، وإنما أحدث نزيفا دائما أضر بالاقتصاد المغربي، الذي كان يومها اقتصاداً ما قبل رأسماليا سمته ضعف الناتج القومي"

أصول الأزمة في العلاقات المغربية الجزائرية


اقتحم زكي مبارك بكتابه حول "أصول الأزمة في العلاقات المغربية الجزائرية" ميدانا يحتاج إلى شجاعة كبيرة وموضوعية عالية، لكثرة الألغام والقنابل الموقوتة فيه. فالعلاقات المغربية الجزائرية ساءت كثيرا مع مجيء الاستعمار، وازدادت سوءا مع رحيله، ولم يستطع السياسيون في البلدين التحرر من بقايا الاستعمار ومشاكله، ولا تجاوز الأزمة.

والعودة إلى أصول الأزمة هو عين الصواب لفهم أي مشكلة، فكيف إذا كانت المشكلة عويصة تولدت عنها مشاكل أخرى مثل العلاقات بين المغرب والجزائر.
وزكي مبارك من الباحثين المغاربة الأوائل الذين اشتغلوا بتاريخ المقاومة المغربية وجيش تحرير المغرب العربي واستقلال المغرب، وهو حاصل على دبلوم اللغة العربية والترجمة وليسانس في التاريخ والجغرافية ودبلوم العلوم السياسية في العلاقات الدولية.
كما أن لديه دكتوراه الدولة في التاريخ المعاصر وهو مدير لمجلات وطنية ورئيس تحرير لمجلات جامعية ورئيس شعبة التاريخ بوحدة البحث في تاريخ الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بالمعهد الجامعي للبحث العلمي. وهو مؤسس ومدير مجلة "ملفات في تاريخ المغرب".

أزمة متراكمة

يستهل المؤرخ كتابه بعبارة بليغة لا يمكن لأحد أن يردها فيقول: "إن الأزمات التي تندلع بين الأمم والشعوب لا تأتي فجأة من السماء، ولم تنبت من الأرض كالطفيليات دفعة واحدة، وإنما هي نتيجة أفعال وأعمال وأحداث تاريخية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو جغرافية.

ويمكن اعتبار الأزمة المغربية الجزائرية النموذج الأمثل في هذا الباب، إذ تتفاعل العوامل الجغرافية والتاريخية والسياسية وتتداخل وتتشابك وتتقاطع كلها خلال مسافات زمنية تتباعد وتتقارب، اندلعت خلالها أزمة تلو أخرى من حرب إيسلي إلى حرب الرمال (1844-1963) وما زالت تداعياتها حاضرة وبكل قوة في مسيرة العلاقات بين الشعبين الشقيقين".
ويتوقف المؤلف عند بعض المحطات التي تراكمت فيها الأزمات بين المغرب والجزائر وتعقدت حتى صارت ورما خبيثا يصعب علاجه
 

أم الأزمات

يقصد بأم الأزمات "حرب إيسلي"، وهي المعركة العسكرية التي واجهت فيها المقاومة المغربية جيش الاحتلال الفرنسي تضامنا مع الجزائر الشقيقة ومع مجاهدها البطل الأمير عبد القادر الجزائري يوم 14 أغسطس/آب 1844. وآزر المغاربة إخوانهم الجزائريين بعد أن أحسوا بخطورة الاحتلال واعتبروه بمثابة تجديد لجرح الأندلس وآلامها التي لا تنسى.

غير أن المغرب مني بهزيمة أمام القوات الغازية فرضت عليه الدخول في مفاوضات مع فرنسا، وشعر المغرب إثرها بأنه أصيب في كبريائه وطعن طعنة عميقة.
وفرضت فرنسا من موقع القوة على المغرب التوقيع على معاهدتين، معاهدة طنجة في 10 سبتمبر/أيلول 1844 ومعاهدة للامغنية في 18 مارس/آذار 1845.
وأرغم الفرنسيون المغاربة على التخلي عن مساندة المجاهد عبد القادر الجزائري واعتباره خارجا عن القانون، ومطاردته وإلقاء القبض عليه وتسليمه، ولم يكن أمام المغرب سوى أن يقبل شروط المستعمر المنتصر أو تحمل تداعيات الرفض.
وبهذا الموقف المغربي ولدت "أم الأزمات" كما سماها زكي مبارك، إذ لم يكتف الفرنسيون بهذا، بل اقتطعوا أراضي من المغرب وألحقوها بالتراب الجزائري، وتركت مناطق صحراوية مجرد مراع لسكان البلدين دون تحديد تبعيتها لأي منهما رغم أن سكانها كانوا يدينون بالطاعة والولاء لسلطان المغرب.
وهذا الأمر قاد إلى خلافات متتالية بين المغرب والجزائر طيلة قرن أو أكثر، وكان من نتائجه السيئة حرب الرمال التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 1963.

وعند احتلال فرنسا للجزائر هربت كثير من الأسر الجزائرية إلى المغرب على عهد السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن، فآواها السلطان وعاملها معاملة حسنة، غير أن الحال تغير بعد بسط فرنسا سيطرتها على المغرب، مستعينة بخدمات بعض هؤلاء المهاجرين الجزائريين حيث اختارت أسوأهم خلقا وأكثرهم خشونة وأقلهم تدينا لتسلطهم على المغاربة.
وأطلق المغاربة على هؤلاء الجزائريين لقب "دوزييم فرنسيس" أي الفرنسيون من الدرجة الثانية. وبالمقابل أطلق هؤلاء الجزائريون على المغاربة لقب "شعب سيدي".

ومن أبرز الأحداث التي عمقت الأزمة بين البلدين الاختطاف الجوي الذي قامت به فرنسا لزعماء الثورة الجزائرية بعد مغادرتهم اجتماعا بين المغرب وتونس لمؤازرة الجزائر.

وقد اتهم الزعيم بن بلا جهات في القصر الملكي المغربي بالمشاركة والتواطؤ في عملية الاختطاف يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 1956، رغم تنديد المغرب القوي بتلك القرصنة الجوية.

حرب الرمال

عندما اندلعت الثورة الجزائرية وظهر دعمها للمغرب، فكرت فرنسا في دق إسفين بين البلدين، فاقترحت على المغرب إرجاع ما اقتطعته من أراضيه وضمته إلى الجزائر سابقا، مقابل تخليه عن دعم الثورة الجزائرية، لكن ملك المغرب رفض الاقتراح الفرنسي مفضلا التفاهم المباشر مع زعماء الثورة.
وقد تعهد فرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة آنذاك كتابيا بأن "الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تعترف من جهتها بأن مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصفة جائرة، سيتوصل إلى حل في شأنها عن طريق المفاوضات بين حكومة المملكة المغربية وحكومة الجزائر عندما تحصل الجزائر على استقلالها".

وبعد تغلب بن بلا على منافسيه وترؤسه للجزائر بدعم من المغرب ومصر، انتظرت الحكومة المغربية أن تفي الجزائر بوعدها دون جدوى، بل ساءت العلاقات بين البلدين بسبب مواقف المعارضة المغربية الناشئة، وكانت معارضة يسارية اشتراكية تميل إلى الجزائر.
وتبنت الجزائر سياسة إضعاف جارها المغرب، حتى استفحل الأمر بين الحكومتين فاندلعت حرب الرمال في أكتوبر/تشرين الأول 1963، وسالت فيها دماء الأشقاء، دماء صفوة من رجالات الكفاح الوطني والجهاد التحرري، وبذلك دشن البلدان تاريخا من المد والجزر والتوتر في العلاقات.

وثائق وشهادات

يوشك الكتاب أن يكون مجموعة من الوثائق الهامة والنصوص النادرة والشهادات المؤثرة والصور التاريخية، فقد جمع الكاتب منها عددا كبيرا أغنى كتابه وجعله مصدرا ومرجعا لكل من يريد فهم ما جرى بين المغرب والجزائر.
الكتاب مهاد لرؤية تحليلية وتركيبية يمكن أن يقوم بها مختصون، وكفى المؤلف أنه أعد المادة الخام لذلك.
يبدأ الكتاب بنص رسالة خطية من الأمير عبد القادر الجزائري إلى السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن بن هشام، تتلوها رسالة السلطان الجوابية.
وفي الفصل الأول عرض المؤلف بعض الوثائق حول العلاقات الجزائرية المغربية خلال معركة التحرير بين 1942 و1956 واعتمد فيه على أبحاث قدمها في ندوات تاريخية نظمت في كل من تونس والجزائر والمغرب احتضنتها مؤسسات جامعية ومراكز للبحوث التاريخية والاجتماعية.
وعزز الفصل بشهادات نخبة من المجاهدين والوطنيين عاشوا الأحداث وكانوا من صناعها، منهم عبد السلام الهاشمي الطود المتطوع في حرب فلسطين سنة 1948 وكان ضمن أول بعثة عسكرية للأمير عبد الكريم الخطابي إلى بغداد بين 1948 و1951، وهو أيضا أول ضابط مغربي تولى تدريب اللبنة الأولى من جنود جيش التحرير المغاربي بالقاهرة، ومبعوث عبد الكريم الخطابي لتنسيق الكفاح المسلح بين الأقطار المغاربية سنة 1952.
وقد روى الهاشمي الطود بأسلوب مؤثر التحولات التي أحاطت بحركة الجهاد والتحرير التي قادها الخطابي ومشاركة بعض المنتفعين والوصوليين في إذكاء المشاكل وزرع الخلافات وإجهاض مشروع المقاومة وتوحيد حركات التحرير المغاربية.
ومن الوثائق المهمة رسالة محمد بوضياف إلى حمدون شوارق حول البدايات الأولى للتعاون بين المقاومة المغربية والمقاومة الجزائرية.

الملكية والجمهورية

الفصل الثاني من الكتاب خصصه المؤلف لدعم المغرب المستقل للثورة الجزائرية، واستعرض فيه مواقف محمد الخامس والحسن الثاني والدعم الشعبي للثورة الجزائرية مع شهادات مغربية وجزائرية.
أما الفصل الثالث فقد عنونه بـ"نصوص في مقدمات أزمة حرب الرمال"، وقدم فيه عرض الدكتور عبد الكريم الخطيب ونداء علال الفاسي إلى الشعب الجزائري ورسائل وشهادات أخرى.
وعلق زكي مبارك على تلك الوثائق والنصوص فقال "من خلال هذه الوثائق والنصوص والشهادات يتضح جليا أن موقف بعض قادة الثورة وممثليها، حتى داخل المغرب، أصبح عدائيا واحترازيا تجاه عناصر مقربة من الحاشية الملكية تتهمها بالتواطؤ في مؤامرة اختطاف طائرة الزعماء الخمسة في أكتوبر 1956، وقد حلوا ضيوفا بالمغرب على ملكه وحكومته وشعبه".
كما قال الباحث إن زعماء الثورة الجزائرية تصرفوا حسبما تمليه أهداف ثورتهم ومسيرة كفاحهم وما يخدم بالدرجة الأولى إستراتيجيتهم التحريرية، "فسعوا في سبيل هذه الغاية إلى تشجيع الجهات والأطراف المغربية والمنظمات السياسية لمساندة الثورة الجزائرية، حتى وإن أدى ذلك إلى المساس بالمصالح العليا للمغرب وتأزم العلاقات المغربية الفرنسية".

أمان وآمال

في ختام كتابه أعرب المؤلف عما يتمناه كل مغربي وكل جزائري شريف وعاقل ومحب لوطنه ولشعبه، من طي للصفحات الماضية السوداء وفتح صفحات جديدة بيضاء. لكن متى سيتحقق ذلك؟
أجاب زكي مبارك بأن ذلك "سيتحقق عندما يتحمل المفكرون والمؤرخون والمثقفون النزهاء، من مغاربة وجزائريين قبل غيرهم من السياسيين والعسكريين، ورجال المال والأعمال مسؤوليتهم التاريخية والوطنية بعقد حوار فكري وتاريخي مشترك لاستخلاص الدروس والعبر من هذه الأزمات التي عطلت مسيرة البلدين الإنمائية، وأضرت بالمصالح الحيوية للشعبين".
وخلص المؤلف إلى أنه لا بد من قراءة تحليلية ونقدية متحررة من رواسب الماضي ونزعة التعالي، للأحداث التاريخية التي أدت إلى حدوث هذه الأزمات لتستفيد منها أجيال الحاضر الموكل إليها بناء مستقبل الشعبين.

بعد رفض الجزائر فتح الحدود مع المغرب

جنرالات الجزائر متخوفون من مطالبة المغرب بصحرائه الشرقية

تعتبر إشكالية الحدود الشرقية بين المغرب والجزائر من القضايا التي ظلت قائمة منذ اندلاع مشكل الصحراء، إلا أنها، بالرغم من كل شيء، لا تمثل إلا الشجرة التي تخفي الغابة، وذلك باعتبار أن إشكالية تحديد وترسيم الحدود الشرقية، أراد من أراد وكره من كره، قضية لا يمكن أن يطالها التقادم مهما حَدَث.
يقول الكثيرون، جميل أن يطالب المغرب بإعادة فتح الحدود البرية بين الجارين، لكن الأجمل من ذلك، هو: متى سيحرك القائمون على أمورنا مسألة المطالبة بالصحراء الشرقية التي كانت السلطات الفرنسينة قد سلمتها للجزائر وأقحمتها في ترابها؟
لقد سبق للمغرب أن طالب أكثر من مرة بإعادة فتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر، إلا أن هذه الأخيرة مازالت لم تُوَلِّ الأمر نفس الأهمية التي يُوَلّيها لها القائمون على الأمور ببلادنا.
وقد سبق لمراد مدلسي، وزير الخارجية الجزائري، وأن أكد أن بلاده لا ترفض إعادة فتح الحدود البرية المغلقة منذ أكثر من 14 سنة، وإنما تحاول قدر الإمكان بناء علاقات سلام مع مختلف جيرانها، اعتبارا لكون بلده لا يرغب في إلغاء اتحاد المغرب العربي أو عرقلته
 

أم الأزمات

يقصد بأم الأزمات "حرب إيسلي"، وهي المعركة العسكرية التي واجهت فيها المقاومة المغربية جيش الاحتلال الفرنسي تضامنا مع الجزائر الشقيقة ومع مجاهدها البطل الأمير عبد القادر الجزائري يوم 14 أغسطس/آب 1844. وآزر المغاربة إخوانهم الجزائريين بعد أن أحسوا بخطورة الاحتلال واعتبروه بمثابة تجديد لجرح الأندلس وآلامها التي لا تنسى.

غير أن المغرب مني بهزيمة أمام القوات الغازية فرضت عليه الدخول في مفاوضات مع فرنسا، وشعر المغرب إثرها بأنه أصيب في كبريائه وطعن طعنة عميقة.
وفرضت فرنسا من موقع القوة على المغرب التوقيع على معاهدتين، معاهدة طنجة في 10 سبتمبر/أيلول 1844 ومعاهدة للامغنية في 18 مارس/آذار 1845.
وأرغم الفرنسيون المغاربة على التخلي عن مساندة المجاهد عبد القادر الجزائري واعتباره خارجا عن القانون، ومطاردته وإلقاء القبض عليه وتسليمه، ولم يكن أمام المغرب سوى أن يقبل شروط المستعمر المنتصر أو تحمل تداعيات الرفض.
وبهذا الموقف المغربي ولدت "أم الأزمات" كما سماها زكي مبارك، إذ لم يكتف الفرنسيون بهذا، بل اقتطعوا أراضي من المغرب وألحقوها بالتراب الجزائري، وتركت مناطق صحراوية مجرد مراع لسكان البلدين دون تحديد تبعيتها لأي منهما رغم أن سكانها كانوا يدينون بالطاعة والولاء لسلطان المغرب.
وهذا الأمر قاد إلى خلافات متتالية بين المغرب والجزائر طيلة قرن أو أكثر، وكان من نتائجه السيئة حرب الرمال التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 1963.

وعند احتلال فرنسا للجزائر هربت كثير من الأسر الجزائرية إلى المغرب على عهد السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن، فآواها السلطان وعاملها معاملة حسنة، غير أن الحال تغير بعد بسط فرنسا سيطرتها على المغرب، مستعينة بخدمات بعض هؤلاء المهاجرين الجزائريين حيث اختارت أسوأهم خلقا وأكثرهم خشونة وأقلهم تدينا لتسلطهم على المغاربة.
وأطلق المغاربة على هؤلاء الجزائريين لقب "دوزييم فرنسيس" أي الفرنسيون من الدرجة الثانية. وبالمقابل أطلق هؤلاء الجزائريون على المغاربة لقب "شعب سيدي".

ومن أبرز الأحداث التي عمقت الأزمة بين البلدين الاختطاف الجوي الذي قامت به فرنسا لزعماء الثورة الجزائرية بعد مغادرتهم اجتماعا بين المغرب وتونس لمؤازرة الجزائر.

وقد اتهم الزعيم بن بلا جهات في القصر الملكي المغربي بالمشاركة والتواطؤ في عملية الاختطاف يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول 1956، رغم تنديد المغرب القوي بتلك القرصنة الجوية.

حرب الرمال

عندما اندلعت الثورة الجزائرية وظهر دعمها للمغرب، فكرت فرنسا في دق إسفين بين البلدين، فاقترحت على المغرب إرجاع ما اقتطعته من أراضيه وضمته إلى الجزائر سابقا، مقابل تخليه عن دعم الثورة الجزائرية، لكن ملك المغرب رفض الاقتراح الفرنسي مفضلا التفاهم المباشر مع زعماء الثورة.
وقد تعهد فرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة آنذاك كتابيا بأن "الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تعترف من جهتها بأن مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصفة جائرة، سيتوصل إلى حل في شأنها عن طريق المفاوضات بين حكومة المملكة المغربية وحكومة الجزائر عندما تحصل الجزائر على استقلالها".

وبعد تغلب بن بلا على منافسيه وترؤسه للجزائر بدعم من المغرب ومصر، انتظرت الحكومة المغربية أن تفي الجزائر بوعدها دون جدوى، بل ساءت العلاقات بين البلدين بسبب مواقف المعارضة المغربية الناشئة، وكانت معارضة يسارية اشتراكية تميل إلى الجزائر.
وتبنت الجزائر سياسة إضعاف جارها المغرب، حتى استفحل الأمر بين الحكومتين فاندلعت حرب الرمال في أكتوبر/تشرين الأول 1963، وسالت فيها دماء الأشقاء، دماء صفوة من رجالات الكفاح الوطني والجهاد التحرري، وبذلك دشن البلدان تاريخا من المد والجزر والتوتر في العلاقات.

وثائق وشهادات

يوشك الكتاب أن يكون مجموعة من الوثائق الهامة والنصوص النادرة والشهادات المؤثرة والصور التاريخية، فقد جمع الكاتب منها عددا كبيرا أغنى كتابه وجعله مصدرا ومرجعا لكل من يريد فهم ما جرى بين المغرب والجزائر.
الكتاب مهاد لرؤية تحليلية وتركيبية يمكن أن يقوم بها مختصون، وكفى المؤلف أنه أعد المادة الخام لذلك.
يبدأ الكتاب بنص رسالة خطية من الأمير عبد القادر الجزائري إلى السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن بن هشام، تتلوها رسالة السلطان الجوابية.
وفي الفصل الأول عرض المؤلف بعض الوثائق حول العلاقات الجزائرية المغربية خلال معركة التحرير بين 1942 و1956 واعتمد فيه على أبحاث قدمها في ندوات تاريخية نظمت في كل من تونس والجزائر والمغرب احتضنتها مؤسسات جامعية ومراكز للبحوث التاريخية والاجتماعية.
وعزز الفصل بشهادات نخبة من المجاهدين والوطنيين عاشوا الأحداث وكانوا من صناعها، منهم عبد السلام الهاشمي الطود المتطوع في حرب فلسطين سنة 1948 وكان ضمن أول بعثة عسكرية للأمير عبد الكريم الخطابي إلى بغداد بين 1948 و1951، وهو أيضا أول ضابط مغربي تولى تدريب اللبنة الأولى من جنود جيش التحرير المغاربي بالقاهرة، ومبعوث عبد الكريم الخطابي لتنسيق الكفاح المسلح بين الأقطار المغاربية سنة 1952.
وقد روى الهاشمي الطود بأسلوب مؤثر التحولات التي أحاطت بحركة الجهاد والتحرير التي قادها الخطابي ومشاركة بعض المنتفعين والوصوليين في إذكاء المشاكل وزرع الخلافات وإجهاض مشروع المقاومة وتوحيد حركات التحرير المغاربية.
ومن الوثائق المهمة رسالة محمد بوضياف إلى حمدون شوارق حول البدايات الأولى للتعاون بين المقاومة المغربية والمقاومة الجزائرية.

الملكية والجمهورية

الفصل الثاني من الكتاب خصصه المؤلف لدعم المغرب المستقل للثورة الجزائرية، واستعرض فيه مواقف محمد الخامس والحسن الثاني والدعم الشعبي للثورة الجزائرية مع شهادات مغربية وجزائرية.
أما الفصل الثالث فقد عنونه بـ"نصوص في مقدمات أزمة حرب الرمال"، وقدم فيه عرض الدكتور عبد الكريم الخطيب ونداء علال الفاسي إلى الشعب الجزائري ورسائل وشهادات أخرى.
وعلق زكي مبارك على تلك الوثائق والنصوص فقال "من خلال هذه الوثائق والنصوص والشهادات يتضح جليا أن موقف بعض قادة الثورة وممثليها، حتى داخل المغرب، أصبح عدائيا واحترازيا تجاه عناصر مقربة من الحاشية الملكية تتهمها بالتواطؤ في مؤامرة اختطاف طائرة الزعماء الخمسة في أكتوبر 1956، وقد حلوا ضيوفا بالمغرب على ملكه وحكومته وشعبه".
كما قال الباحث إن زعماء الثورة الجزائرية تصرفوا حسبما تمليه أهداف ثورتهم ومسيرة كفاحهم وما يخدم بالدرجة الأولى إستراتيجيتهم التحريرية، "فسعوا في سبيل هذه الغاية إلى تشجيع الجهات والأطراف المغربية والمنظمات السياسية لمساندة الثورة الجزائرية، حتى وإن أدى ذلك إلى المساس بالمصالح العليا للمغرب وتأزم العلاقات المغربية الفرنسية".

أمان وآمال

في ختام كتابه أعرب المؤلف عما يتمناه كل مغربي وكل جزائري شريف وعاقل ومحب لوطنه ولشعبه، من طي للصفحات الماضية السوداء وفتح صفحات جديدة بيضاء. لكن متى سيتحقق ذلك؟
أجاب زكي مبارك بأن ذلك "سيتحقق عندما يتحمل المفكرون والمؤرخون والمثقفون النزهاء، من مغاربة وجزائريين قبل غيرهم من السياسيين والعسكريين، ورجال المال والأعمال مسؤوليتهم التاريخية والوطنية بعقد حوار فكري وتاريخي مشترك لاستخلاص الدروس والعبر من هذه الأزمات التي عطلت مسيرة البلدين الإنمائية، وأضرت بالمصالح الحيوية للشعبين".
وخلص المؤلف إلى أنه لا بد من قراءة تحليلية ونقدية متحررة من رواسب الماضي ونزعة التعالي، للأحداث التاريخية التي أدت إلى حدوث هذه الأزمات لتستفيد منها أجيال الحاضر الموكل إليها بناء مستقبل الشعبين.

بعد رفض الجزائر فتح الحدود مع المغرب

جنرالات الجزائر متخوفون من مطالبة المغرب بصحرائه الشرقية

تعتبر إشكالية الحدود الشرقية بين المغرب والجزائر من القضايا التي ظلت قائمة منذ اندلاع مشكل الصحراء، إلا أنها، بالرغم من كل شيء، لا تمثل إلا الشجرة التي تخفي الغابة، وذلك باعتبار أن إشكالية تحديد وترسيم الحدود الشرقية، أراد من أراد وكره من كره، قضية لا يمكن أن يطالها التقادم مهما حَدَث.
يقول الكثيرون، جميل أن يطالب المغرب بإعادة فتح الحدود البرية بين الجارين، لكن الأجمل من ذلك، هو: متى سيحرك القائمون على أمورنا مسألة المطالبة بالصحراء الشرقية التي كانت السلطات الفرنسينة قد سلمتها للجزائر وأقحمتها في ترابها؟
لقد سبق للمغرب أن طالب أكثر من مرة بإعادة فتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر، إلا أن هذه الأخيرة مازالت لم تُوَلِّ الأمر نفس الأهمية التي يُوَلّيها لها القائمون على الأمور ببلادنا.
وقد سبق لمراد مدلسي، وزير الخارجية الجزائري، وأن أكد أن بلاده لا ترفض إعادة فتح الحدود البرية المغلقة منذ أكثر من 14 سنة، وإنما تحاول قدر الإمكان بناء علاقات سلام مع مختلف جيرانها، اعتبارا لكون بلده لا يرغب في إلغاء اتحاد المغرب العربي أو عرقلته

كيف كانت البداية؟

لقد لعبت فرنسا الاستعمارية لعبتها القذرة عندما اضطرت إلى الاعتراف باستقلال المغرب.

سلمت فرنسا الاستعمارية جزءا من المغرب إلى الجزائريين سنة 1962 قبل انسحابها من الجزائر، وذلك رغم أن كل الوثائق التاريخية، التي كانت بحوزتها، والموجودة حاليا ضمن الأرشيف الفرنسي، تأكد بما لا يترك أدنى شك أن ملوك المغرب ظلوا يتحكمون في تلك المنطقة، المسلمة للجزائر، بدون منازع، وهذا منذ عهد السلطان الحسن الأول.كما أن "جورج سالفي" سبق وأن وضّح، في إحدى مقالاته بجريدة "لوموند" الفرنسية، أن مدينة كلومب بشار، إضافة إلى مدينة تندوف هما مدينتان مغربيتان تاريخيا، مؤكدا أنه إلى حدود سنة 1960، كانت أجور الجيش بتندوف تؤدى بالعملة المغربية.
عندما اضطرت فرنسا الاستعمارية مغادرة الجزائر بفضل ثورة مليون شهيد الجزائرية المدعمة والمساندة من طرف المغرب، شعبا وحكومة وملكا، لم تسع إلى إرجاع الأراضي المغربية التي ألحقتها بالجزائر عندما كان الاستعماريون الفرنسينون يراهنون على "استدامة" احتلالهم للجزائر "الفرنسية" كجزء لا يتجزأ من التراب الفرنسي.

ومنذ استقلال شعب الجزائر ظل الملك الراحل الحسن الثاني يحمل هما واحدا، لا ثاني له، وهو المتمثل في مشكلة الحدود المترتبة على ما أقدمت عليه فرنسا الاستعمارية المنهزمة.

ويتعلق الأمر بالصحراء الشرقية، والمقصود بها الشريط الممتد جنوب الجزائر إلى حدود ليبيا والنيجر شرقا، وتشكل ما يضاهي ثلث مساحة المغرب.

سبق في غضون شهر أبريل من عام 1957 أن استقبل الملك الراحل محمد الخامس وفدا يمثل سكان الصحراء الشرقية، ترأسه آنذاك محمد الطاهر شيخ الزاوية القندوسية، الذي كان مرفوقا بزعيم حزب الاستقلال، علال الفاسي، وبعد عرض القضية على الملك (المطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية المغربية)، طلب منهم هذا الأخير أن لا يهتم سكان المنطقة بالأمر، وسوف يتولى هو بنفسه القضية، أي تحرير الصحراء الشرقية من قبضة الاستعمار الفرنسي آنذاك، إلا أنه توفى قبل أن يتحقق المراد. وبعد مرور 5 سنوات زار نفس الوفد الملك الراحل الحسن الثاني بمدينة فاس، وأكد لهم، هو كذلك حرصه على استرجاع الصحراء الشرقية إلى حظيرة الوطن
 

سكان الصحراء الشرقية يلجؤون إلى المحكمة الدولية

منذ أن قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية بضم الصحراء الشرقية إلى النفوذ الترابي للإدارة الجزائرية الفرنسية، ظهر استياء سكان المنطقة، ومباشرة بعد الإعلان عن استقلال الجزائر بادروا إلى إنشاء
الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة في منتصف ستينات القرن الماضي، وظلت منذئذ تطالب القائمين على الأمور بالمغرب تحمل مسؤولياتهم بهذا الخصوص، تحرير الصحراء الشرقية، وصاغ أعضاؤها عرائض وضعوها بين يدي السلطات العليا، كما كاتبوا الأمناء العامين للأمم المتحدة في الموضوع وكذلك رؤساء الجمهورية الفرنسية.

ولازالت الهيأة الوطنية، بخصوص المناطق الشرقية المغربية المغتصبة، حتى الآن تلتمس من الدولة المغربية الدعم والمساندة وتعبئة واحتضان كل المطالبين بإرجاع الصحراء الشرقية لحظيرة المغرب.

كما سبقت للهيأة أن طالبت بإحداث إذاعة وإشراك شخصيات من الصحراء الشرقية في هياكل الدولة وضم بعضهم إلى وفد المفاوضات الخاصة بالصحراء المغربية.

إلا أنه لم يسبق لأية حكومة مغربية أن حركت ساكنا بهذا الخصوص، بما فيها حكومة عباس الفاسي، رئيس حزب الاستقلال، الذي ظل منفردا عن باقي الأحزاب السياسية باستمرار مطالبته باسترجاع الصحراء الشرقية إلى حظيرة الوطن.

وقد سبق لـ "
بن بريك القندوسي"، رئيس الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة، أن طرح الموضوع على أنظار محكمة العدل الدولية، إلا أنها رفضت الطلب استنادا إلى قانونها الداخلي.

إذ أكد مدير القسم القانوني بمنظمة الأمم المتحدة، "سيرجي تراسينكو"، جوابا على طلب الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة، أن الفصل 34 من ذلك القانون الداخلي ينص على أن الدول هي وحدها المخول لها رفع قضايا من هذا القبيل أمام محكمة العدل الدولية.

قشة قصمت ظهر البعير

رغم مساعي الملك الحسن الثاني إلى الحوار والتفاوض لم يقدم الرئيس الجزائري أي حل للتفاهم، لقد تمادى في تعنته، إذ قال إن مشكلة الحدود مشكلة وهمية ويجب السكوت عنها في الوقت الحاضر لتجاوزها في المستقبل، وعلى النظام الملكي المغربي أن يواجه، مشاكله الداخلية وأن يعلم بأن النظام الجزائري حصين منيع لا يملك النظام الملكي المغربي النيل منه.

إن هذا الكلام يبين بجلاء الحقد والعداء الدفينين للمغرب.

لم يكد يمر إلا يوم واحد على صدور بلاغ الوفاق بعد لقاء وزيري خارجية المغرب والجزائر بمدينة وجدة، حتى قام الجيش الجزائري بهجوم مباغث على مركز "إيش" العسكري الواقع على مسافة خمسين (50) كيلومتر شمال شرق مدينة فكيك، وهنا لا يتعلق الأمر بمجرد حادثة عابرة، وإنما كان مخططا له، إذ قامت به قوات نظامية مجهزة بالأسلحة الثقيلة، كما أن الطيران الجزائري شارك بدوره في الهجوم على منطقة تيندرارة، علما أن منطقتي "إيش" وتيندرارة لم تكونا موضوع خلاف بين البلدين، حيث كانتا واقعتين داخل النفوذ الترابي المغربي إلى حين الإعلان عن الاستقلال ولم تكونتا ضمن الجزء الذي اقتطعته فرنسا من المغرب. إن ما قام به الجيش الجزائري ذلك اليوم، كان في واقع الأمر مجرد استعراض لعضلاته ومحاولة للرهبة والتخويف، إنه مجرد عدوان جزائري سافر، بكل ما تحمل كلمة عدوان من معنى.

وكان أول ما قام به الملك الحسن الثاني، بعث برقية إلى الرئيس الجزائري أحمد بن بلا، مما جاء فيها: "[...] بوصفكم المسؤول الأول عن مصير الجزائر ومستقبل شعبها، لا يمكنكم أن لا تقدروا حجم العدوان المرتكب، وأن لا تحسبوا عواقبه. إن الاتجاه الذي يبدو أن الجزائر تسير في وجهته والذي تجلى في أعمال عدوانية على التراب المغربي لن يساعد بكل تأكيد على خلق جو ملائم للبحث عن حل لمشاكلنا عن طريق التفاوض والحوار المباشر، لذا أناشد مرة أخرى المسؤولين الجزائريين أن يترفعوا عن الاعتبارات العاطفية، ويتحكموا في انفعالاتهم، وأن يأخذوا بعين الاعتبار أن الأجيال الحاضرة والمقبلة محكوم عليها، ليس فقط بالارتباط بعلاقة يطبعها السلم، ولكن أيضا بالارتباط بعلاقات التعاون الأخوي لتشييد مستقبلنا المشترك. ذلك أن قرننا (القرن العشرين) يقوم على علاقات المجاملة، ويلتزم بمقتضيات الأوقاف والمواثيق الدولية التي تفرض على جميع الدول المحترمة أن تستبعد اللجوء إلى العنف. نقول هذا ونضيف أن المغرب على استعداد لمواجهة جميع الاحتمالات وجميع الأوضاع بجميع الوسائل الملائمة".

لم يعبأ الرئيس أحمد بن بلا بكتاب الملك واستمر في تجاهله، وبالرغم من ذلك، بعث الحسن الثاني وفدا إلى الجزائر ضم أحمد بلا فريج وعبد الهادي بوطالب اللذان لاحظا أن الرئيس الجزائري لم يكن مستعدا لأي نوع من الحوار. وبعد ذلك أرسل الملك عبد الهادي بوطالب رفقة مدير ديوانه الكومندار محمد المذبوح إلى الجزائر لتوضيح خطورة الموقف.

ظل الملك الحسن الثاني دبلوماسيا في محاولة إقناع الرئيس أحمد بن بلا، إذ حاول أن يبلغه أنه لا يتصور، ولو لحظة واحدة، أن يكون قد أعطى الأمر بمهاجمة المغرب، ويعتقد أن العدوان هو من تدبير عناصر تقع خارج دائرة مراقبة الحكومة الجزائرية، وأن أحمد بن بلا وضع أمام الأمر الواقع.

وخلال مختلف اللقاءات مع الرئيس الجزائري، ظل مبعوثو الملك يشيرون بوضوح إلى مطالبة المغرب وتشبثه بترابه المدمج من طرف فرنسا الاستعمارية في التراب الجزائري وبالمطالبة بإرجاعه طبقا للحجج والبراهين المؤيدة له، عن طريق التفاوض لا المواجهة والحرب.

كانت أول زيارة ملكية للجزائر يوم 13 مارس 1963، وكان الملك الحسن الثاني آنذاك يحمل همّ مشكلة الحدود المغربية الجزائرية. وكل الدلائل تبين مغربية أراضي الصحراء الشرقية التي ألحقتها فرنسا الاستعمارية بالجزائر "الفرنسية"، ومنها اعتراف فرنسا وحكومة الجزائر المؤقتة بمغربية تلك الأراضي بدون جدال.

إذ حمل الملك معه نص الاتفاقية التي أمضاها الرئيس عباس فرحات مع الملك يوم 6 يوليوز 1961، والتي نصت على أن الجزائر تعترف بأن مشكلة الحدود قائمة نظرا لفرضها من طرف فرنسا بشكل متعسف، كما أشارت إلى تعهد الحكومة الجزائرية المستقلة بإجراء مفاوضات مع المغرب لتسوية المشكل، معلنة أن ما أبرم من وفاق بين الجزائر وفرنسا، في هذا المضمار لا يمكن استخدامه كحجة على المغرب.

ومن المعلوم أن فرنسا قبل اضطرارها لمغادرة الجزائر عرضت على المغرب الدخول في مفاوضات بخصوص الحدود الشرقية أثناء حرب التحرير الجزائرية، إلا أن الملك محمد الخامس رفض المفاوضات المباشرة مع فرنسا باعتبارها خيانة للثورة الجزائرية وطعنا لها من الخلف.

خلال هذه الزيارة عقد الملك الحسن الثاني اجتماعا خاصا مع الرئيس أحمد بن بلا على انفراد لمناقشة إشكالية الحدود، إلا أن الرئيس الجزائري طلب إرجاء الموضوع إلى حين بناء الدولة الجزائرية، وقد قبل الملك ذلك تجنبا لعرقلة المسار نحو المغرب العربي، لكن الأمل ذهب سدى
 

معركة إيسلي

حدثا تاريخيا بارزا باعتبارها قد دشنت مرحلة جديدة في تاريخ المغرب.
وتعتبر هذه المعركة واحدة من المواقف التاريخية التي تشهد على مدى التزام المغرب إزاء جيرانه بالمغرب العربي وخاصة تجاه جارته الجزائر.
فبسبب مساعدة المغرب للمقاومة الجزائرية، تدخلت فرنسا بأسطولها الحربي وقصفت مدينة طنجة في 6 أغسطس 1844، ثم مدينة الصويرة في11 أغسطس. وفي 14 أغسطس وقعت معركة إيسلي التي انهزم فيها الجيش المغربي .

لقد كان السلطان مولاي عبد الرحمان تربطه علاقة بيعة وولاء مع الأمير عبد القادر وسكان تلمسان ونواحيها بالغرب الجزائري، لدى فقد اعتبر أن من مسؤولياته الاهتمام بشؤون الأمة والدفاع عنها. فوجه السلطان إنذاراً إلى القوى الأوروبية بتاريخ8 سبتمبر 1785 جاء فيه أن "الذي قبل كلامنا من الدول ولم يدخل الجزائر فنحن معهم على الصلح والمهادنة كما كنا، والذي أراد منهم دخول الجزائر ومراسيها ولم يمتثل ما أمرنا به فنحن معهم على المحاربة".

ولم يتوان السلطان المولى عبد الرحمان عن تقديم المساعدة للجزائريين وخاصة من أبناء مدينة تلمسان لمواجهة الاحتلال الفرنسي، فكانت المعدات من الأسلحة والذخيرة والخيام والخيول ترسل إليهم من المغرب، وكانت بنادق المجاهدين الجزائريين تصنع في
معامل فاس ومكناس ومراكش وتطوان، بل إن علماء المغرب كانوا يصدرون الفتاوى لدعم هذه المساندة في وجه المحتل الأجنبي. وأشار تقرير للدبلوماسية الفرنسية الصادر بطنجة يوم 13 يوليو 1830 لهذا: "إن سقوط الجزائر الذي تم الإعلان عنه في خبر الساعة الرابعة قد أثار البلبلة وسط المغاربة" .
وأمام تمادي سلطات الاحتلال الفرنسي في سياسة "الأرض المحروقة" وملاحقتها للثوار الجزائريين وشنها حملات ضد قبائل الحدود داخل التراب المغربي، توجه الجنود المغاربة بقيادة ابن السلطان وخليفته سيدي محمد لملاقاة العدو و كان الجيش المغربي يعوزه التنظيم والتسلح بسلاح المدفعية وفرق المشاة(
على عكس في معركة وادي المخازن حيث كان الجيش المغربي متفوقاً) فاقتصرت قوته الأساسية على عناصر الفرسان. إذ اعتمدت السرايا المُشكلة أساساً من مقاتلين لا يتجاوز عدد السرية الواحدة ثلاثين مقاتلا على المهاجمة الاندفاعية لِندها.
فانهزم الجيش المغربي سريعا من طرف مدفعية العدو في لحظة خاطفة. وفي الجهة الغربية قام أسطول الأمير جوانفيل بقصف مدينتي طنجة والصويرة. وعلى إثر ذلك وجد السلطان مولاي عبد الرحمان نفسه بين كماشتين من النيران مما اضطره للإنصياع لرغبة الفرنسيين.

الدروس المستفادة من معركة إيسلي

كان المغرب مركز إشعاع ديني وحضاري وقبلة لطالبي أسباب القوة في المعرفة والعلم وظل المغرب لقرون طويلة قوة سياسية لها هيبتها وتأثيرها وإشعاعها الحضاري. غير أنه مع بداية القرن التاسع عشر ظهرت معالم الضعف والتراجع مع نهاية عصر المرينيين.
فالديون والتدفق غير المنقطع للسلع الأوروبية والمجاعات والأوبئة بدأت تنخر الحكم والقاعدة الاجتماعية التقليدية. وعجز المغرب عن مقاومة الضغوط الاستعمارية لفرنسا نظرا لعدم وجود جيش قوي ومالية نظيفة.
كما جمدت الحياة الثقافية والفكرية، وضعفت الدولة المركزية وفقدت سيطرتها على الأطراف وعادت عوامل التفرقة القبلية وسيطر التقليد في مجال الفكر، وجمدت حركة الاجتهاد وصار ينظر إلى أية محاولة للتجديد والتحديث باعتبارها بدعة منكرة.
فتأكد الاستعمار الغربي أن المغرب لم يبقى بتلك الصورة المخيفة من القوة والتنظيم التي كان يعتقد. فسقط من عينيه واستصغره حتى صار يملي عليه من الشروط ما يريد في ما تلا لمعركة إيسلي من اتفاقيات مشروطة،
كاتفاقية لالة مغنية 1845 التي ترتب عليها ما ترتب من مشاكل معقدة ومتعددة في ما بعد.

نتائج معركة إيسلي


ضريبة دعم الجزائر :

-
فرضت فرنسا على المغرب معاهدة للامغنية سنة 1845 التي تركت الحدود مبهمة بين المغرب وفرنسا بالجزائر. وقد تعمدت فرنسا ذلك لتتمكن فيما بعد من التوغل بالمغرب.

- في1848 إحتلت إسبانيا الجزر الجعفرية ووسعت نفوذها انطلاقا من سبتة ومليلية، مما أدى إلى معركة تطوان (1859-1860) حيث تم احتلال مدينة تطوان في 6 فبراير 1860. وأبرم المغرب صلحا مع إسبانيا يوم26 أبريل من نفس السنة، وفق شروط قاسية كالموافقة على توسيع حدود سبتة ومليلية وغرامة مالية باهظة وسبّب ذلك في إفراغ حزينة المغرب وتنازله عن 50% من مداخيله الجمركية لصالح إسبانيا!

- التجأ المغرب إلى الاقتراض من إنجلترا مقابل التنازل لها عن 25% من رسومه الجمركية، وبذلك أصبحت مداخيل المغرب الجمركية تحت مراقبة الأجانب. ففرضت بريطانيا على المغرب معاهدة تجارية سنة 1856 حصلت بموجبها على امتيازات ضريبية وقضائية.
 
15285024_1386367261441278_152049964838686554_n.jpg


الصحراء الشرقية المغربية المحتلة من طرف الجزائر







سعى الحسن الثاني لاستعادتها لكن الجزائر فتحت له ملف "الصحراء الغربية"




الصحراء المنسية اللتي لم ولن تسقط بالتقادم :


"أذكر أننا ذهبنا للمنفى في العشرين من غشت 1953 يوم عيد الأضحى، وقبل ذلك بشهرين جاء باشا تيندوف لتقديم البيعة، وكان ذلك في أواخر شهر رمضان. ومعلوم أنه إلى حدود 1953 لم يكن يروج في تندوف إلا الطابع البريدي المغربي، وهذا بصرف النظر عن الأراضي الأخرى"، هكذا تحدث الملك الراحل الحسن الثاني، عن "الصحراء الشرقية" وشرعية المطالب المغربية بشأنها. رغم أنه هو من اتخذ قرارا عسكريا حاسما سنة 1963، حين دعا قوات جيشه إلى الانسحاب من هذه الصحراء، رغم تحقيقها لانتصار كاسح على نظيرتها الجزائرية ، لأنه لم يكن مقتنعا أن هذا النصر سيحقق السلم. واختار الملك الراحل سبيل التفاوض العسير مع جيرانه الشرقيين، إلى أن اضطر للتوقيع على اتفاقية الحدود عام 1972 في إفران ، تحت ضغط "الدور المشؤوم" للجنرال أوفقير، بتعبير المؤرخ والخبير محمد المعزوزي. فهل يعود هذا الملف إلى الواجهة بعدما غير المغرب إستراتيجيته تجاه خصومه في ملف الصحراء، وأصبح يبادر بالهجوم عوض الاكتفاء بالدفاع؟

بعد زوال يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، وفي قاعة داخل أحد أفخم وأكبر فنادق العاصمة الرباط، جهزت منصة للخطابة، واعتلت واجهتها لافتة كبيرة بعنوان اللقاء:" صحراؤنا الشرقية والخطة الاستعمارية لمحاولة طمس هويتها المغربية". وحملت اللافتة توقيع أحد الأحزاب السياسية المعترف بها قانونيا، هو حزب المجتمع الديمقراطي.

لم يقصد منظمو الندوة منطقة صحراوية متاخمة لجهة تافيلالت أو المغرب الشرقي، بل وضعوا لتوضيح هذا الأمر خريطة في خلفية لافتتهم الرسمية تشمل التراب المغربي ونصف مساحة الجزائر، لكن الركن الغربي الجنوبي من الأرض الخاضعة لسيادة جارتنا الشرقية، رصع بأعلام مغربية صغيرة، تبين المنطقة المقصودة بعبارة "صحراؤنا الشرقية".

عبارات ومشاهد كافية لترك الأغلبية الساحقة من سكان المغرب، بما ان النسبة الأكبر منهم شباب فتحوا أعينهم على بلد يردد في كل صياح عبارة "الصحراء مغربية"، ويرد عليهم الأعداء بعبارة "الصحراء الغربية" ، (تركهم) فاغرين أفواههم. ففي مرحلة اشتد فيها ترديد هذه العبارات إلى درجة اقترح معها أكبر حزب في البرلمان المغربي، حزب الأصالة والمعاصرة، إحداث جهة "الصحراء الغربية" ونزع سمة الشيطنة عن هذه العبارة، وبتزامن مع زيارات كل من الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي للمملكة تحضرا لجولة جديدة من التفاوض حول "الصحراء" موازاة مع معركة إعلامية ودبلوماسية طاحنة بطلتها الجارة الشرقية الجزائر؛ ارتفعت أصوات مغربية بمناسبة هذه الندوة لتقول "صحراؤنا الشرقية المغتصبة من طرف الجزائر" ، فاتحين بذلك جرحا غائرا في التاريخ القريب للمملكة، أحدثه اقتطاع هذه الصحراء الشاسعة من نفوذ سلاطينها العلويين، وإلحاقه بتراب جارتنا الشرقية.



الصحراء الشرقية "المغتصبة"



"حتى نفهم جانبا آخر من الصراع المغربي الجزائري، ينبغي أن نقف ولو لحظة قصيرة أمام خارطة الجزائر المستقلة سنة 1962، لنرى كيف أن بطنها منتفخ بشكل غير طبيعي وممتلئ بأراضي وقبائل وشعوب الجيران التي اقتطعت وانتزعت بالقوة من طرف الاستعمار الفرنسي المتواجد في منطقة شمال إفريقيا منذ 1830"، يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الدار البيضاء ، عبد الرحمان المكاوي. فما هي قصة هذه الصحراء الشرقية "المغتصبة"؟ كيف كانت مغربية ثم بدلت جنسيتها وارتدت سيادة الجيران؟ لماذا يتحدث الجميع عن هوية أهل وسكان الصحراء الغربية ولا يتساءل أحد عن مقابل ذلك في أختها الشرقية؟ ثم لماذا يسكت المغرب الرسمي عن هذه الأرض الشاسعة التي تفوق مساحتها مساحة الإقليم المتنازع عليه مع "البوليساريو"؟

يجيب الجزء الأول من كتاب "المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربي" عن بعض هذه التساؤلات، حين يقول إن هذه المناطق الصحراوية كانت جزءا لا يتجرأ من التراب المغربي، بل أقاليم خاضعة للنفوذ السلطاني، يدفع سكانها الجبايات ويحظون لدى كل السلاطين طوال القرون التي أعقبت إقامة الدولة المرابطية، "خصوصا وأن الوثائق الكثيرة المتوفرة لا تعتبر محط نقاش أو نزاع". ويضيف الكتاب الذي ألفه قيدوم الصحافيين المغاربة مصطفى العلوي في الثمانينات: "وقد لاحظنا كيف أن الحكومة الفرنسية كتبت كيف أن الحكومة الفرنسية كتبت للسلطان محمد عبد الرحمان تخبره بان بعثة "بوران" في إقليم توات إنما كانت بعثة دراسية، بينما الوثائق الممضاة قبل سنة 1880، سواء من طرف الفرنسيين أو الإسبان، كانت تتعامل مع المغرب على أساس أن توات وكورارا وتيدكلت في مناطق مغربية". وتنضاف إلى ذلك حجة أخرى تتمثل أن الفرنسيين عندما احتلوا الجزائر، أقاموا في حدودهم الجنوبية مركزا عسكريا هو معسكر "الكولية" بتكلفة باهظة، من القتلى الفرنسيين والمغاربة من سكان "كورارا"الذين لم يكن لهم حول ولا قوة لمواجهة الجيوش الفرنسية التي احتلت طرفا صغيرا من إقليم كورارا بدعوى حماية الحدود، لكنهم توقفوا في الكولية .

عملية تصفح سريعة للكتب التاريخية المتعلقة بالمغرب في مرحلة ما قبل الحماية، والقرن التاسع عشر عموما، تكشف عن دولة "منتفخة الظهر" تمتد ككتلة ضخمة في الركن الأعلى جهة اليسار، يحدها البحر من الشمال والغرب، ونهر السينغال من الجنوب والإمبراطورية العثمانية من الشرق. وتظهر المنطقة المسماة اليوم "صحراء شرقية" وسط هذا المجال الترابي. و"بعد أن حل الاستعمار الفرنسي محل الاستعمار الفرنسي محل الاستعمار العثماني في الجزائر، وبعد أن احتلت الجيوش الفرنسية والبريطانية أجزاء هامة من الأطراف الإفريقية العربية والسودان، بقي المغرب راسخا موحدا لا تشوب حدوده الشاسعة أية شائبة ولا يجد أي نعل أجنبي موقع قدم له على أي شبر من أرضية باسم الاحتلال. أراضيه باسم السينغال جنوبا إلى عين صالح شرقا حيث العمالات الثلاث :"كورارا" في الشمال الشرقي ، و"توات"في الوسط الشرقي ،و"تيدكلت" في الجنوب الشرقي " يقول كتاب "المناورات الأجنبية".



صحراء الحسن الأول مقابل صحراء الحسن الثاني



بينما يرتبط ملف "الصحراء الغربية" ومعركة تحريرها، بملك اسمه الحسن الثاني، من خلال المسيرة الخضراء التي نظمها نحو هذا الإقليم الصحراوي ، واسترجاعه إياه من تحت الاحتلال الإسباني ، يعتبر الكثيرون قضية "الصحراء الشرقية" مرتبطة باسم الملك آخر هو الحسن الأول. ذلك أن المحاولات الاستعمارية الجادة لانتزاعها من النفوذ المغربي، تمت في عهد هذا السلطان الذي كان آخر سلاطين الدولة العلوية القوية قبل الحماية. و"لم يكن الحسن الأول غريبا عن الأحداث ولا الأحداث غربية عنه، عندما جاءه مرسول إلى البيت الذي كان يسكنه في حاحة ، بإقليم سوس، وهو الخليفة لوالده ، وأخبره بأنه بويع ملكا على المغرب. فقد كانت أربع واجهات مفتوحة تتفاوت في حجمها وتتبارى في ضخامتها ، وقاسم مشترك بين الواجهات الأربع، هو إصرار القوات الدولية على احتلال المغرب وتخريب اقتصاده وتشتيت شمله واستغلال جهله. وهذه الواجهات الأربع هي أولا الجبهة الداخلية وما تحمله من جهل ورجعية وعمالة واحتماء بالأجنبي وديون... وجبهة المناورات الدولية وأطماع الدول الاستعمارية الكبرى، وجبهة الصحراء الجنوبية، ثم جبهة الصحراء الشرقية مع رغبة الفرنسيين في التوسع وشروعهم في إقامة منشئات عسكرية في "كورارا" يقول مصطفى العلوي في الجزء الأول من كتابه.

هذا الأخير استغرب كيف أن أغلب الأحداث التي ربطها المؤرخون بشخص الحسن الثاني، لم تشر لا من بعيد ولا من قريب للمعركة الحقيقية التي خاضها الحسن الأول في حياته بالصحراء بينما خصصوا مجلدات ومؤلفات كثيرة لقضايا كانت بالنسبة إليها جانبية. "فبعدما تناقلت البرقيات العالمية نبأ تنصيب الحسن بن محمد ملكا على المغرب في الحادي عشر شتنبر 1973، أعادت القوات الدولية خلط الأوراق وتوزيعها من جديد. وبدأت الأخبار تتوارد على الحسن الأول، وتتحدث عن غزو الفرنسيين لإقليم توات والساورة بأسلوب جديد، هو إغراق المنطقة بالمواد الفرنسية والسلع التي كانت تغري السكان وتسيل لعابهم، وتجعل "التجار" الفرنسيين يكسبون تعاطفهم ... ففطن الحسن الأول إلى أن الغزو المادي لإقليم الصحراء الشرقية أصبح أمرا واقعيا".

السلطان الواعي بالتحديات الكبرى التي تطرق أبواب مملكته، والخائف من فقدان هيبة مملكته، والخائف من فقدان هيبة دولته الخارجية، اختار في البداية سلوك طريق الحل الإداري الداخلي من أجل تحصين المنفذ الصحراوي الذي يريد الفرنسيون فتحه نحو مملكته ، فبادر إلى تفقد مستوى حضور جيشه في المنطقة ، فلاحظ أن جنود قبائل "الغنانمة" متواجدون أكثر من غيرهم في مناطق بني عباس، كرزاز ، لواتة، كرزيم، القصابي، الزاوية الكبرى... فسارع إلى مكاتبتهم بعد سنة واحدة من اعتلائه العرش، وأوصاهم بالدفاع عن حدود البلاد والانتباه إلى الأخطار المحدقة بها من الخارج. إلا أن الفرنسيين كانوا قد عمدوا إلى استعمال تقنية ناجعة لضمان تسربهم التدريجي إلى المنطقة الصحراوية المتاخمة لهم في الجزائر، وهي تقنية "حق المتابعة"التي بدأ الجيش الفرنسي في ممارستها ضد من يفرون من الجزائر نحو "الصحراء الشرقية".

وفيما كانت إحدى أشهر القبائل الجزائرية القريبة من الأراضي المغربي، قبيلة "سيد الشيخ" كان من بين أعضاء هذه القبيلة علم كبير، كان يرابط في "موكرار" داخل الجزائر، وخاض الحرب ضد الفرنسيين وعندما انهزم حمل رجاله ومتاعه وجاء إلى منطقة "دلدول" المغربية في إقليم توات واستقر فيها، وبعد مدة قصيرة تحول بيته إلى شبه زاوية يتوجه إليها المغاربة نظرا للمكانة الدينية التي أبان عنها هذا الوفد. فأصبح "بوعمامة" أحد رموز الجهاد ضد النصارى في المنطقة وانتشر صيته بشكل واسع، أكثر من ذلك، تحول تدريجيا إلى دولة داخل الدولة بعدما تكاثرت الخيام والأتباع من حوله. لكن اغريب هو أن النشاط الذي كان يشتكي منه الحسن الأول كلن يتركز في منطقة نفوذ "بوعمامة" حيث المبادلات التجارية الواسعة مع الفرنسيين، وكان ذلك أولى بوادر مهمة "خاصة" لهذا الشيخ . فشكل رجال السلطة بقيادة الشيخ "باحسون" قائد "تيمي" وفدا من أعين المنطقة وذهبوا للسلام عليه معتقدين أن السلطان الحسن الأول قد أوكل أوامرهم لهذا لا الرجل ونسيهم. لكن مفاجأتهم كانت كبيرة حين أخرج " بوعمامة"رسالة توصل بها من الحسن الأول، يقول له فيها :"لا تتدخل في شؤون أبناء عمومتك... فإنه ليس بيننا وبين جيراننا إلا ما تنص عليه الاتفاقيات المعقودة بيننا في إطار السلم. فعش في اطمئنان واعتبر نفسك بعيدا عن الحرب ، وكن من بين رعايانا واحدا منهم ملتزما بتعاليم الله ورسوله وفي رعايتنا الشريفة. لكن، إذا حصلت بعض المشاكل نتيجة سوء تصرفك فلا تلومن إلا نفسك في ما قد يحصل لك وارحل آنذاك عن بلادنا".

هذه الرسالة تكشف عن رغبة الحسن الأول في تجنب الوقع في أي مشاكل مع الفرنسيين، حتى لا يسهل عليهم عملية الغزو التي يخططون لها. وهو ما بدا في ما بعد أنه نبوءة من السلطان، حيث سرعان ما تحول "بوعمامة" إلى مناوأته والتأمر عليه، وسوف يلتحق في وقت لاحق بجيش "بوحمارة" الذي قاد عملية انفصال انطلاقا من الشرق ضد خليفة الحسن الأول، السلطان مولاي عبد العزيز، و عندما وقع "بوعمامة" في قبضة القبائل الصحراوية، طالب الفرنسيون بإطلاق سراحه معتبرين إياه مجرد "مواطن فرنسي" في مهمة بالمغرب. ولم يكن "بوعمامة" وحده من جر الفرنسيين على الصحراء الشرقية ، بل كان من آخرون مثل "بوشاشا" المنحدر من قبيلة سيد الشيخ أيضا، الذي فر إلى المغرب وأخذ الفرنسيون يلاحقونه داخل الأراضي المغربية.

الفرنسيون يتسللون


بدل القيام بهجوم مباشر من أجل احتلال المزيد من الأراضي، لجأ الفرنسيون إلى رجل آخر من أبناء قبيلة "سيد الشيخ" وهو الحاج عبد القادر الذي استقر في الحدود الشمالية لتوات، وأصبح أميرا له طابع يوقع به على الاتفاقيات مع الفرنسيين، من بينها اتفاقيات تسمح للفرنسيين بحق المتابعة داخل الأراضي المغربية. لتندلع شبه حرب باردة بين الفرنسيين والحسن الأول، وأصبح هذا الأخير يبعث بالأسلحة لتوزع بين أبناء المنطقة ، لتقع أو معركة بين أبناء منطقة "حاسي الشيخ"والفرنسيين سنة 1886، انتهت بمقتل الضابط "بالاط" الذي كان يقود كتيبة الفرنسيين، فشكل أعيان المنطقة وفدا لزيارة الحسن الأول في فاس، وطلب الدعم في انتظار انتقام الفرنسيين المؤكد. فاستقبلهم السلطان رغم اعتراض السفير الفرنسي في طنجة ، ثم أرسل الحسن الأول بعثة عسكرية بقيادة الضابط أحمد الدليمي، فدخل منطقة "الدلدول" رسميا، وكان في استقباله "بوعمامة" ضمن المستقبلين. وجمع الحسن الأول الصحراء الشرقية مع تافيلالت تحت قيادة عسكرية واحدة تولاها الضابط الدليمي، ثم أرسل خبيرا في الاستطلاع السياسي لإعداد تقرير شامل عن المنطقة... وسرعان ما تطورت الأمور ليعلن الحسن الأول الحرب على قبيلة سيد الشيخ كما أعلن سخطه على "الشريف" مولاي عبد السلام الوزاني الذي قاد بعثة فرنسية ممن ادعوا إسلامهم، وراح يبشر بالسلم والأمن والتعاون بين قبائل الصحراء الشرقية والفرنسيين.

بالمقابل وموازاة مع كل ذلك، شجت القيادة العسكرية الفرنسية المستقرة بوهران الجزائرية ، ظاهرة قطاع الطرق الذين أخذوا ينبهون القوافل ويغتالون رجالها ثم يفرون، وغاية ذلك كانت هي خلق حالة من الرعب في نفوس السكان ، وقطع الاتصال بين الإقليم والعاصمة فاس، حيث كانت مهام مبعوثي السلطان إلى توات تتحول إلى عمليات انتحارية، وأصبح الحسن الأول يبحث لبعثاته عن طرق سرية حتى تبلغ إلى مناطق الصحراء الشرقية. بينما أخذ الفرنسيون في بناء مراكز المراقبة داخل "توات" بذريعة تضررهم من قطاع الطرق. وتلك وسيلة أخرى للتغلغل، تنضاف إلى أسلوب التسرب التجاري عبر جلب بضائع جديدة وإبهار السكان المحليين بالمنتوجات الغريبة. فكتب الحسن الثاني إلى قائد "الدلدول" في توات بتاريخ 13 ماشي 1893، وقال له "لقد أخبرتنا عن وصول المزيد من الناس من النواحي الجزائرية، ودائما وكما هي العادة تحت ستار التجارة ، ولقد سار بالبال.

وبدأ السلطان في تحضير "الرأي العام"المحلي واستنفار أعيان المنطقة، وتوالت رسائل السلطان إلى سكان المنطقة للدعوة والتحميس، "يا سكان توات والخنافسة والساورة، إن الإسلام الحنيف دينكم الذي ارتضاه الله لكم، فتشبثوا به واتخذوا منه وسيلة للحيطة والحذر من جواسيس الأعداء المحيقين بكم وبأراضيكم" تقول إحدى تلك الرسائل . وبعدما علم السلطان أن الفرنسيين يرسلون خبراءهم للبحث والتنقيب عن المعادن النفسية في صحرائه الشرقية ، بعث رجال السلطة إلى المنطقة ، وبعث بها إلى مختبرات غربية. فجاءته النتائج نافية لوجود الفضة، بينما كانت تقارير علمية قد رفعت إلى الحكومة الفرنسية تقول بوجود كميات كبيرة من هذا المعدن النفيس.
لكن عدم تأكده من وجود الفضة لم يمنعه من مواصلة "المقاومة" لمنع التدخل الفرنسي، وقرر القيام بزيارة إلى الصحراء، من أجل تثبيت حكمه وسيادته عليها، واستنفر لذلك 15 ألف جندي لمرافقته. واختار لموكبه الطريق الوعرة المليئة بقطاع الطرق، كي يعيد غليها الأمن والاستقرار. وكانت نقطة التحول في مسار هذه الرحلة وفي حياة السلطان الحسن الأول وفي تاريخ "الصحراء الشرقية" هي حين كان متوقفا في تافيلالت، وأخذ يستقبل الوفود والأعيان للسلام عليه، وعندما استدعى عامل "توات" باحسون، سمع البعض صراخ وصياح السلطان ، تبعه خروج العامل متوترا مفزوعا. وتقول المصادر التاريخية إن السلطان كان متفقا مع عامله على مخطط سري لإفشال التحركات الفرنسية بالمنطقة ، أدخل فيه الطوارق. لكن شيئا ما أفشل تلك الخطة وأغضب السلطان الذي ظهر عليه المرض الذي سيموت منه منذ تلك اللحظة. كما مات "باحسون" على أيدي "قطاع الطرق" بعد ذلك ببضعة أشهر دون أني يفصح عن حقيقة ما دار بينه وبين السلطان. والباحثين في الموضوع، يرجحون أن السلطان كان يخطط لإطلاق حرب شاملة، يشغلها الطوارق وينضم إليها بجيشه رفقة مقاتلي المنطقة، لتلقين الفرنسيين درسا يجعلهم يتوقفون عند الحدود المغربية. لكن ذلك لم يتم ، وكانت تلك أولى خطوة في طريق فقدان المغرب لصحرائه الشرقية، رغم أن الفرنسيين لم يبسطوا سيطرتهم العسكرية الشاملة عليها إلا في 1929، تاريخ وصول الجيش الفرنسي إلى تندوف. ورغم أن إخضاع فرنسا للمغرب عبر معاهدة الحماية، جعلت الحدود بين الأراضي المغربية والجزائرية غامضة، خاصة أن اتفاقية "لالة مغنية" التي وقعها المغرب بعد هزيمته أمام فرنسا في معركة إيسلي سنة 1844، لم توضح الحدود بين المغرب والجزائر المحتلة من طرف فرنسا، واقتصر ذلك التحديد على المسافة بين ساحل السعيدية وفكيك؛ إلا أن الوثائق العسكرية الفرنسية تبين أن باريس ظلت تتعامل مع منطقة "الصحراء الشرقية" على أنها أراضي مغربية إلى وقت قريب من استقلال المغرب، ولم تضمها على الجزائر غلا عندما بدأت تفكر في الانسحاب من المغرب والإبقاء على الجزائر كإقليم فرنسي



أخطاء التحرير



ضياع إقليم شاسع من تحت السيادة المغربية اسمه "الصحراء الشرقية" لا يعود لعوامل خارجية واستعمارية فقط، بل إن أخطاء فادحة زكت هذا المسار، و"عوض أن نتجنب والدسائس التي زرعها لنا المستعمر، سلكنا طريقا خططوه لنا من قبل، ووقعنا في كمين نصبوه لنا بعدما أقاموا التقسيمات الحدودية المصطنعة ليكون الإرث الاستعماري عسيرا جدا يقول شيخ العارفين بأسرار هذا الملف، المؤرخ محمد المعزوزي. هذا الأخير الذي يتساءل :"من منا لا يعرف ما قاساه المغرب بعد احتلال الجزائر ، وعندما بدأت الجيوش الفرنسية ابتداء من الجهة الشرقية والصحراء الجنوبية، مما مهد لتحويل جزء من أراضيها إلى أرض الجزائر التي كانت تعتبر جزءا من فرنسا". ورغم أن المغرب طالب بهذه المنطقة منذ 1953، حسب الخبير عبد الرحمان المكاوي، فإنه وفي "المرحلة الممتدة من 1956 تاريخ استقلال جزي من المغرب، إلى 1962 تاريخ استقلال الجزائر، سكت المغرب عن مطالبه على صحرائه الشرقية، حتى لا يربك ويشوش على الكفاح المسلح للإخوة في الجزائر" يقول المكاوي قبل أن يستدرك :"إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فمباشرة بعد استقلالها سنة 1962، قامت الدولة الجزائرية بضم الصحراء الشرقية التي انتزعت من المغرب خارقة بذبك عهودها والتزاماتها المتضمنة في اتفاقية 6 يوليوز 1961، هذا التنكر للماضي تبعه طمس كل الرموز التي تؤكد على مغربية المنطقة من طرف الجيش الجزائري، كما قتل العددي من السكان المطالبين بمغربيتهم في المواجهات بسبب رفضهم لاستفتاء تقرير مصير الشعب الجزائري المنظم من طرف فرنسا ، فالعديد من زعماء ركيبات الشرق هربوا إلى المغرب...".

وهو ما يؤكده محمد المعزوزي الرجل الذي كان ضمن الوفد المفاوض للجزائر حول الحدود ، "استقلت الجزائر بعد نضال مشترك، وحدث ما لم يكن في الحسبان : التنكر لاتفاقية 1961 التي كانت قائمة على الثقة. وبدأت الاعتداءات على بعض المراكز المغربية بالجنوب، وتخلت الجزائر على الالتزام ، مستندة إلى عدم خرق الحدود الموروثة عن الاستعمار" يقول المعزوزي. بعدما كانت وجدة تضم ما يقارب أربعين مركزا لتجميع الجنود والسلاح وصناعة القنابل والتدريب العسكري وتسريب السلاح للمقاومة الجزائرية، "وكان لي الحظ لأساهم لمدة 4 سنوات في ذلك كمسؤول في السلطة بمدينة وجدة والجهة الشرقية بكاملها. وأدى المغرب ضريبة التضامن والمساندة للأشقاء الجزائريين بانتهاك حرمة أراضيه من طرف القوات الفرنسية، وقتل مواطنيه... وقامت فرنسا بتجارب نووية بصحراء "ركان" وكان ذلك موضوع احتجاج شديد اللهجة من قبل السلطات المغربية" يضيف المعزوزي بحنين كبير.

الرجل الذي عايش تلك المرحلة وساهم فيها إلى جانب السلطات المغربية، شد انتباه وأسماع الحاضرين لندوة "الصحراء الشرقية" الأخيرة، وقال جازما "منذ استقلالنا وجد المغرب نفسه في مواجهة عنيفة مع الهيمنة الجزائرية، التي تطمع في السيطرة على مزيد من الأراضي للوصول إلى المحيط الأطلنتي، غير مكتفية بالأراضي الشاسعة المغربية التي ورثتها عن الاستعمار الفرنسي. وأصبح التراب المغربي مبتورا من بعض أراضيه واختار المغرب كل طرق السلم مع كل التنازلات الممكنة، إلى غاية اتفاقية 1972". هذه الاتفاقية اعتبر المعزوزي أنها وقعت في فترة "حرجة" من تاريخ المغرب، "لعب فيها أوفقير دورا مشؤوما، وقد كان رهانه مركزا على تصفية الحدود لصالح الجزائر".


الصحراء الشرقية خط أحمر لجنرالات الجزائر


يبدي حكام الجارة الشرقية حساسية كبيرة كلما تعلق الأمر بملف "الصحراء الشرقية"ويبدون استعدادا لارتكاب ما يفوق التصور في حال الإقدام على فتح هذا الملف أو مناقشته، وهو ما قد يفسر قبول الملك الراحل الحسن الثاني نسيان هذا الأمر والتضحية به مقابل تحقيق الأمن والاستقرار للبلدين. رغم مواصلة بعض الشخصيات والهيئات السياسية في مناوشته ومشاغبته بهذا الملف، بل إن الزعيم التاريخي لحزب الاستقلال ، الراحل علال الفاسي، جعل من قضية "الصحراء الشرقية" السبب الذي خلق من أجله ، وظل حزبه يضمن وثائقه الرسمية تشبثه بتحقيق الوحدة الترابية الشاملة، بما فيها استعادة هذا الجزء من الصحراء التاريخية للمغرب.

فيما يروي الخبير المتخصص في هذا الملف، عبد الرحمان المكاوي، حادثتين معبرتين عن حساسية الجزائريين تجاه هذا الملف. الأولى مع رضا مالك، المفاوض الأول من جانب الجزائر مع الجنرال دوغول قبيل استقلال الجزائر ،"الذي قال لي إنني رفضت رفضا باتا أن أتنازل عن الصحراء الشرقية عام 1959، حيث أن دوغول اقترح علينا استقلال الجزائر بعد استفتاء شعبي يجري عام 1960، وأن حدود الجزائر الطبيعية تقف عند مدينة توكولت وولاية ورغلة، وأن الصحراء الشرقية ليست بجزائرية، وأنه ينوي إقامة دولة بين مالي والجزائر تسمى تارغستان ، وأن أعيان هذه الدولة يطالبونه بإقامة دولة وعمهم في ذلك". وبرر مالك هذا التشبث الجزائري بهذه الصحراء، بقوله:"إننا إذا تركنا الصحراء الشرقية سواء للمغرب أو لدولة مستقلة، فإن مصير الجزائر هو التفكك لا محالة"، لتستمر الحرب الفرنسية الجزائرية سنتين إضافيتين من 1960 إلى 1962.

الحادثة الثانية بطلها الجنرال الراحل الذي شغل مهمة سفير لبلاده بالمغرب في آخر أيام حياته، "ومن الضباط الفرنسيين الذين دفعت بهم فرنسا للصعود إلى الجبال قبل 8 أشهر من استقلال الجزائر، للانضمام إلى الجبهة والاستيلاء على الحكم، وهو ما تحقق من 1962 إلى الآن" يقول المكاوي، ثم يضيف: "وقال لي إنك عندما تكتب في القدس العربي أو الشرق الأوسط أو لوموند، فإنك تزعج الجماعة كثيرا، وأضاف أنه يتلقى رسائل للبحث في شأني هنا بالمغرب وفي فرنسا، وتحديدا في سبب حديثي عن الصحراء الشرقية. وقال لي ، يمكنك الحديث عن الجنرالات وعن الفساد والرئيس وكل شئ، لكن لا تتحدث عن الصحراء الشرقية، فإنها خط أحمر بالنسبة للجماعة".



حرب الرمال.. حرب الصحراء الشرقية المغربية


بعيدا عن الحجج المغربية والحجج المضادة الجزائرية، خصص الكاتب والمؤرخ الفرنسي بيير فيرمورين، فصلا من كتابه "تاريخ المغرب منذ الاستقلال"، لـ"حرب الرمال" التي دارت بين المغرب والجزائر . وقال إن المغرب على عهد محمد الخامس، ساند جبهة التحرير الوطني خلال حرب التحرير الجزائرية. ولم يفاوض بعد استقلاله مع فرنسا حول حدود الصحراء،"بل آثر أن يفاوض فيها الحكومة الجزائرية المستقلة. مع ذلك، فقد كانت فرنسا عاقدة العزم على الإبقاء على سيادتها على الصحراء، حيث قامت يومئذ بتفجير قنبلتها الذرية في "ركان" يوم 21 فبراير 1960، والتي كانت تجربة مشتركة بين فرنسا وإسرائيلفت فيها حقولا نفطية زاخرة...".

وما إن تحقق استقلال الجهورية الجزائرية في 5 يوليوز 1962، يضيف المؤرخ الفرنسي، حتى اندلعت حوادث على الحدود المغربية الجزائرية. وتعود أسباب ذلك إلى تخلي فرنسا عن الصحراء (شكليا)، "وتعجل الحكومة الجزائرية الإعلان عن الإبقاء على الحدود الاستعمارية وعدم المساس بها عملا بميثاق منظمة الوحدة الإفريقية ". وبلغ التوتر ذروته سنة 1963، عندما لجأ "الاشتراكيون المغاربة المطاردون إلى الجزائر". وتعرضت القوات المسلحة الملكية للمحاصرة في نقطة حدودية، "وهذا ما جعل أوفقير يدين الصلة الواضحة لهذا الحصار بمن أسماهم "المتآمرين المغاربة" .. أعلن نظام الحزب الوحيد في الجزائر ، فكان سببا في توتر واضطراب في منطقة القبائل. " وكانت المواجهة العسكرية يوم 14 أكتوبر 1963.

مواجهة يرى الخبير العسكري عبد الرحمان المكاوي أنها كانت "مفبركة من طرف الهواري بومدين وبنبلة وعبد العزيز بوتفليقة ، وعندما لاحظوا أن الجيش الثالث الذي كان متمركزا في القبائل، يزحف نحو العاصمة للاستيلاء على الحكم، فأشعلوا الحرب مع المغرب.. نعم فبركوها وصنعوها صنعا. وجلبوا المغرب إلى فخ الصراع في حاسي بيضا، لكن المرحوم الحسن الثاني انتبه لذلك، وأمر الجنرال إدريس بنعمر بالعودة فورا إلى المواقع السابقة للجيش المغربي". وتؤكد جميع الوثائق المتعلقة بتلك الحرب، أن القوات المغربية حققت انتصارا يمكنها من السيطرة بسهولة على الصحراء الشرقية، لكن الملك الراحل أصر على الانسحاب، مثيرا غضب قائد قواته في تلك المعركة ، الجنرال إدريس بنعمر. لتنطلق بذلك سلسة من المشاورات والمفاوضات حول الحدود في المناطق الصحراوية :" وتدخلت لجنة التحكيم المكونة من دول إفريقية لإيقاف القتال ، وهي شاطئ العاج وإثيوبيا ومالي ونيجيريا والسنغال والسودان وتانزانيا. واستمرت المفاوضات حول أراضي يعرف الجزائريون أنها مغربية، لكن الأطماع وروح الهيمنة والدسائس الاستعمارية دفعت إخواننا إلى سلوك هذا الطريق غير المشرف نحو بلد لم يبخل بالعطاء في المجال العسكري والدبلوماسي والاجتماعي أثناء حرب التحرير" يقول محمد المعزوزي الذي شارك في تلك المفاوضات.
استمرت المفاوضات من 1963 إلى 1967 وكانت اجتماعات متتالية في أديس أبابا وأبيدجان والقاهرة والجزائر ونيروبي وطنجة. "وكان لي شرق المساهمة في الوفد المغربي، خصوصا في طنجة. وهناك تقررت مشروعية المطالب المغربية، وطلب الوفد الجزائري مهلة للتفكير، لكنه لم يفي بالتزاماته، حيث قالوا لنا نحن ضيوف عندكم فانتظروا جلسة مقبلة في الجزائر. فتم إخراج ملف آخر ، وبدأت المناورات مع الإسبان ضد المغرب الذي شرع في استرجاع ترابه. وهكذا تحولت الأنظار من الصحراء الشرقية إلى الصحراء الغربية لمحاولة فصلها هي كذلك عن الوطن بواسطة عملاء مرتزقة "يتذكر المعزوزي بحرقة واضحة.


الحسن الثاني: تجنبت الحرب مع الجزائر لأنها لا تحقق السلم

أصحيح أنه عندما كان يلوح في الأفق انتهاء حرب الجزائر اقترحت السلطات الفرنسية علا والدكم التفاوض معه بشكل منفرد حول الحدود الشرقية والجنوبية للمغرب؟

لقد جائنا السيد بارودي موفدا من قبل الجنرال دوغول ، وصرح قائلا: "نحن على وشك تسوية سلكية مع الجزائر ، ونعتقد أنه من المناسب أن يتباحث المغرب وفرنسا من الآن في مشكل حدودهما ".فكان جواب والدي:"إنه غير وارد أن أتفاوض في هذه الظروف، فذلك سيكون مني طعنا من الخلف للجزائر المكافحة. إننا سنسوي قضايانا في ما بعد". وهكذا بدأت العلاقات المغربية الجزائرية بالنسبة لأحد الطرفين بالاقتناع بأنه سلب منه شيء وبالنسبة للطرف الآخر بالإصرار على ألا يتنازل عن شيء ويتشبث بالفصل المعروف من ميثاق أديس أبابا القاضي بالإبقاء على الحدود كما تركها الاستعمار. لقد كانت السلطات الفرنسية تعتقد منذ وقت مبكر أن الجزائر ستظل فرنسية، في الوقت الذي بدا فيه المغرب يتحرك . ثم كان هناك استغلال غاز الصحراء ونفطها. فبالنسبة لباريس كانت الفرصة ما تزال سانحة لتحلق بالجزائر ، وهي الإقليم الذي ظنت فرنسا أنه سيبقى لمدة طويلة خاضعا لها، أقصى ما يمكن أن ينتزع من المغرب، وكانت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بقيادة فرحات عباس اعترفت أنه لا يمكن تحقيق الوفاق مع المغرب على حساب مشكلات الحدود ومطالب بلدي. لقد كان المغرب إذن غداة إعلان استقلال الجزائر محقا في تقديم بعض المطالب. بينما لم تكن الجزائر مرتاحة لأنها مصممة سلفا أن لا تعيد أي شيء للمغرب ، وبسبب ذلك وقعت أحداث الحدود مع بن بلة.
 

الصحراء الشرقية النخلة التي تحجب واحات الخلا بين المغرب و الجزائر

حتى نفهم جانبا آخر من الصراع المغربي الجزائري، ينبغي أن نقف ولو لحظة قصيرة أمام خارطة الجزائر المستقلة سنة 1962، لنرى كيف أن بطنها منتفخ بشكل غير طبيعي وممتلئ بأراضي وقبائل وشعوب الجيران التي اقتطعت وانتزعت بالقوة من طرف الاستعمار الفرنسي المتواجد في منطقة شمال إفريقيا منذ 1830.

فهذه الأراضي وهذه القبائل هي عبارة عن ألغام موقوتة خلفها المعمر الفرنسي كي تنفجر تباعا متى شاء ووقت ما أراد سواء في شرق أو غرب أو جنوب الصحراء الكبرى ، فالحدود المغربية الجزائرية عرفت في الماضي عدة مراحل في ترسيمها وتحديدها، فالجزائر حتى تضمن تماسكها الداخلي، حاولت مرارا وتكرارا افتعال مشاكل أخرى جانبية وثانوية للتغطية على المشكل الأساس والمركزي و اعني بذلك الصحراء الشرقية المنطقة الممتدة من ولاية بشار إلى تيميمون.

كان الحكام الجزائريون يخافون أن يسترجع المغرب صحرائه الغربية وبعد ذلك يتفرغ لصحرائه الشرقية، التي هي الأخرى تعتبر دائما امتدادا تاريخيا و طبيعيا للمملكة المغربية، ففرنسا التي استعمرت الجزائر مند 1830 أنشأت نظام الحماية على المملكة المغربية سنة 1912 مباشرة بعد انتصارها على المغاربة في حرب إيسلي سنة 1844 فنتائج الحرب كانت كارثية على وحدة المغرب و مناسبة لفرنسا المنتصرة لاتخاذ إجراءات عسكرية لتغيير معالم الحدود المغربية بدعوى محاربة التهريب و القضاء على التمرد المنطلق من الأراضي المغربية ولفائدة مقاطعة الجزائر الفرنسية و هكذا اقتطعت من المغرب مدن وقرى بأكملها كتلمسان و ﯕورارة و سيدي كلت و كلوم بشار و تندوف إضافة إلى منطقة توات التابعة آنذاك للمغرب والتي هي تعتبر في جميع المخطوطات التاريخية و الانثروبولوجية إلا امتدادا جغرافيا و سياسيا و قبليا لمنطقة تافيلالت المغربية وقد تناولها العديد من المؤرخين العرب كالإدريسي وحسن الوزان Léon l’Africain ، وابن خلدون و الزياني، كما تكلمت عنها الصحافية الفرنسية التي عاشت في موريتانيا ما بين 1919 إلى 1962 أوديت بيكودو Odette du Puigaudeau، حيث اعتبرت المنطقة ولايات مغربية، بدليل أن السكان كانوا يؤدون الضرائب باسم السلطان وان صلاة الجمعة والأحكام القضائية تنطق باسمه ويصومون مع المغاربة.

وللعلم ففي كل الدول، الضريبة تدفع إلى السلطة الحاكمة للإقليم الموجود تحت سيادتها الشرعية والقانونية ،فالفرنسيون في الجزائر لم يحددوا بصفة نهائية الحدود الممتدة بين فجيج الى عين صالح، أي حدود الصحراء الشرقية،كما كان الشأن في اتفاقية للامغنية التي رسمت حدود البلدين من السعيدية الى فجيج، تاركين وضع هذه الحدود المغربية الجزائرية غامضا وذلك لنية في نفس يعقوب.

ففي رسالة صادرة بتاريخ 6 يناير1886 عن الوزير الفرنسي للخارجية دوكليرك DUKLERC إلى زميله وزير الداخلية أرمان فاليير ARMAND FALLIERES حيث تعرض فيها إلى الحدود بين الجزائر الفرنسية والمغرب المستقل آنذاك أي مسمى بالإمبراطورية الشريفة،

قائلا :" إن الحكومة الفرنسية من مصلحتها الاعتماد على النظرية المعروفة التي تتمثل في أن أفضل الحدود هي الحدود الغير المحددة مع جيران الجزائر الفرنسية (النزاع الليبي الجزائري التونسي حول المياه الجوفية للصحراء لازال قائما و لازالت اللجنة الثلاثية متعثرة في إيجاد حل متفق عليه بين البلدان الثلاث)".

إن هذه النظرية منحت لفرنسا الاستعمارية امتيازا مزدوجا ، الأول يتمثل في اجتناب مشاكل السيادة مع الجيران، و الثاني مهد لها إقامة قواعد محتملة للتوسع الفرنسي في اتجاه المغرب و ليبيا وتونس و دول الساحل، فالمعطيات الجغرافية لمنطقة توات مثلا تؤكد أنها محددة في الشمال من طرف تديمايت وموازية لوادي الصاورة، فهي منطقة تتكون من العديد من الواحات و القصور(قرى صغيرة)، أهمها واحة اتوات وواحة تيدي كلت ، وواحة ﯕورارة وواحة عين صالح وواحة اليزي و قصر تيميمون وواحة المطارفة ، وواحة انتيمي ،وواحة بندا، وواحة عين الغار. إنها منطقة ممتدة على مسافة تقدر ب 250 كلم طولا، حيث تخترقها العديد من الوديان القادمة من المغرب كوادي غيير ووادي زوزفان. فهذه الواحات تتوفر على مياه جوفية كبيرة تغذي منطقة الصاورة بأكملها .

لهذا السبب فكر سكان اتوات و الصاورة و منذ القدم في طرق عملية تقليدية لاستغلالها، مما مكنهم من البقاء و التحضر و زرع أراضي قاحلة، و كما جاء في التاريخ فان القبائل المغربية الأصل عاشت من خلال الزراعة و تربية المواشي. هذا الرخاء و الاستقرار توفر بسبب غنى الصحراء الشرقية بالمياه الجوفية و المعادن المختلفة كالفحم الحجري في القنادسة و الصفاية و في كسيكسو و الغزاريف، أما المنغنيز والرصاص فهما موجودان في جبل ﯕطارة، والحديد فنجده في غار الجبيلات.

إن هذه الواحات تكون في الوقت الحاضر منطقة الصاورة و عاصمتها بشار و تمتد إلى ولاية تندوف، فالأرشيفان العثماني و الفرنسي، المنشوران مؤخرا في اسطنبول ( 52 مليون وثيقة التي يمكن ترتيبها الواحدة بعد الأخرى على مسافة 16 كلم) يؤكدان أن السيطرة التركية لم تصل بتاتا إلى هاته الواحات بالرغم من محاولات العثمانيين العسكرية المتكررة التي قام بها البايات و الدايات و الأغاوات المتمركزين في مدن شمال الجزائر. كل الصحراء الشرقية الجزائرية كانت تحت الحماية والسيادة المغربية، فالمخزن المغربي (الإدارة المغربية) حسب الوثائق العثمانية، كان حاضرا وبقوة في المنطقة منذ الإمبراطورية الادريسية، أما سكانها فهم في أغلبيتهم منحدرون من قبائل معقيل و بني هلال والزناتيين و التوارق، واولاد أشبل، وهذه الأخيرة هي فرع من قبيلة أولاد ادليم القبيلة الصحراوية المغربية. لقد نجحت هذه القبائل في الفلاحة والتجارة و في تربية المواشي فكانت قوافلهم تتبضع في تلمسان ووهران و فاس و مراكش و تومبوكتو .

أما منتجاتهم الأساسية فكانت الثمور و القمح و الصوف و الغنم و الزرابي و الجلود ، فعندما دخلت فرنسا إلى الجزائر، أرسل المغرب وحدات عسكرية لقطع الطريق أمام المعمرين الفرنسيين الزاحفين على الواحات المكونة للصحراء الشرقية، التابعة حاليا للجزائر نظرا لاختلال ميزان القوى و خيانة البعض.

أما إذا عدنا إلى الأسس و الروابط التاريخية بين الإمبراطوريات المغربية المختلفة و القنادسة و اتوات والصاورة، فإننا نعثر على العديد من العلاقات بين هذه المنطقة و المغرب و ذلك منذ ملوك البربر ، فالوثائق القديمة تتحدث عن واحة اتوات كمركز تابع لموريتانيا (مصطلح قديم يعني المغرب و جمهورية موريتانيا الإسلامية )، و لم تكن لها بتاتا أي علاقة مع نوميديا (الجزائر). فلقد قام الشريف الإدريسي مولاي سليمان في منتصف القرن الثاني عشر الهجري بإنشاء العديد من القصور، أهمها قصر أولاد أوشن، حيث دفن فيه و أصبح ضريحه يزار إلى الآن، أما المرابطون و الموحدون فقد نشروا فيها عقيدتهم و ثقافتهم و اقتصادهم وحتى سلوكهم المغربي، حتى أصبحت جهة اتوات نقطة ارتكاز و انطلاق لهاته الإمبراطوريات نحو السودان و إفريقيا السوداء، أما المرينيون فقد أتوا بنظام إداري و اقتصادي نظم المنطقة و دعم روابطها بمدن فاس ومراكش كمراكز موجودة في المغرب، أما احمد المنصور السعدي، ملك الإمبراطورية السعدية، فقد عين سنة 1590 الحاج جدور باشا على تومبوكتو و قواد على اتوات و لقنادسة .

أما الإمبراطورية العلوية الشريفة، فقد استمرت ولايتها على المنطقة إلى غاية دخول الاستعمار الفرنسي سنة 1830. و في هذا السياق، لا ننسى دور الزوايا في الصحراء الشرقية الذي كان هو الآخر أساسيا و جوهريا، فشرفاء وزان كان لهم ممثلون محليون لجمع الهدية في المنطقة و ذلك لحساب الزاوية القادرية بفاس، كما أسست بالصحراء الشرقية زاوية البكرية نسبة لمؤسسها المغربي محمد البكري (1618) كما أقامت الزاوية الشادلية مراكز مهمة لها في تندوف وبني ونيف و الكرارزة، فالزوايا المغربية لعبت دورا دينيا و سياسيا مهما و استراتيجيا في الصحراء الشرقية سواء في نشر تعاليم الإسلام في إفريقيا السوداء أو في الدفاع عن المنطقة ضد الدخلاء و الصليبيين.
فكانت مدن و مدارس تارودانت و مراكش و فاس في المغرب هي قبلة التلاميذ القادمين من الصحراء الشرقية و حتى من إفريقيا السوداء.
ولاستحضار التاريخ الدبلوماسي للصحراء الشرقية، يؤكد المؤرخون أن مرحلة حكم العثمانيين للجزائر لم تهتم بالصحراء بصفة عامة، نظرا لانشغالهم بالحروب المتعددة في البحر الأبيض المتوسط، تاركة للإمبراطورية العلوية الشريفة تدبير شؤون الصحراء الكبرى سواء الشرقية أو الغربية، والتي كانت تحت نفوذها و سيادتها السياسية، وهذا ما تبث في الوثائق المفرج عنها مؤخرا في اسطنبول بتركيا و التي لم تستغل من طرف الدبلوماسية المغربية كأدلة واضحة عن روابط البيعة بين السلطان و القبائل في الصحراء الشرقية و الصحراء الغربية (الأمم المتحدة و محكمة العدل الدولية بلاهاي).

أما بعد واقعة إيسلي غشت 1844، فيمكن الإشارة إلى أن الجنرال الفرنسي دولمورسيار في الحرب الأولى الفرنسية المغربية Général de la Mourcière رفع شعار" لا سلم على حدودنا الغربية قبل القضاء على المغرب ككيان و كدولة مستقلة " ، فهذه الحرب المشار إليها أنتجت كل عناصر الأزمة الحالية المغربية الجزائرية، فلقد أظهرت المواجهات آنذاك اختلالا كبيرا في ميزان القوى بين المغرب الذي كان موزعا بين قبائل السيبة و قبائل المخزن وفرنسا، حتى سميت تلك الحرب بالغوغاء، حرب مكنت فرنسا بقطع كل طرق التواصل بين الدولة المغربية - التي أصبحت هدفا لأطماع ألمانيا و فرنسا و اسبانيا و البرتغال- وأقاليمها في الصحراء الشرقية، وضع نتج عنه ضعف في العاصمة وفوضى عارمة في القبائل البعيدة، مشجعة من طرف الاستعمار الفرنسي بسبب غياب رموز الدولة المغربية (القواد والباشاوات و الإدارة المخزنية).
و بما أن الشر لا يأتي وحده، فالمنطقة عرفت جفافا متواصلا لمدة طويلة طيلة سنوات متوالية مصحوبة بمرض الطاعون. كل هذه الأسباب المختلفة جعلت العديد من سكان الصحراء الشرقية، يلجؤون بالآلاف إلى المدن المغربية على الساحل الأطلسي أو مراكش، او يموتون بسبب المرض أو التهجير القسري إلى مستعمرات أخرى فرنسية ككلدونيا الجديدة و كويان بأمريكا اللاتينية، فالفرنسيون المنتصرون في واقعة إيسلي 1844 سطروا حدود المغرب ومقاطعة الجزائر الفرنسية بشكل أحادي، يناسب مصالحهم الاستعمارية التي كانت تقوم على ابدية الجزائر الفرنسية تاركين المنطقة الممتدة بين فجيج إلى عين صالح بدون ترسيم.

إن ضعف الجيش المغربي وتفككه جعلا فرنسا تمتد وتتوسع نحو الشرق والجنوب الشرقي للصحراء، تمدد لم يكن بالسهل عسكريا على فرنسا، فلقد قامت حروب كبيرة مع القبائل في مدينة عين صالح، التي كان يتزعمها القايد الحاج المقري، الذي استشهد هو و أولاده في هذه المواجهات الدموية.
فسقطت الصاورة تم اتوات وبعدها تيميمون، أما مدينة تندوف فقد سقطت في يد الاستعمار الفرنسي سنة 1925، حيث وجدها الجيش الفرنسي شبه فارغة من سكانها، الذين هربوا إلى المغرب الذي تم بسط الحماية عليه هو الآخر منذ سنة 1912.
فمطالب المغرب للصحراء الشرقية بدأت سنة 1953 وبصفة متكررة، فهي لم تأت من فراغ ولا بنية الهيمنة وإضعاف الجزائر المستقلة ، فكانت المنطقة تشهد مظاهرات شعبية في كل من تندوف ولعبادلة و تيميمون وعين صالح وبني ونيف و بشار وذلك برفع الأعلام المغربية وصور السلطان محمد الخامس، منادين بالعودة والانضمام إلى المغرب البلد الأم، في المرحلة الممتدة من 1956 تاريخ استقلال جزء من المغرب إلى 1962 تاريخ استقلال الجزائر، سكت المغرب عن مطالبه على صحرائه الشرقية، حتى لا يربك ويشوش على الكفاح المسلح للإخوة في الجزائر، موقف تضامني دفع بالعديد من قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية إلى المطالبة بالسلطان محمد الخامس رحمه الله كملك واحد لمنطقة المغرب العربي بأكملها (تصريح المرحوم فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة الجزائرية)
 
هناك وثيقة البيعة للصحراء الغربية والشرقية وبلاد شنقيط وهما محفوظتان جيدا فالارشيف الملكي (سابقا السلطاني) وهي تاتي فوق اي انتخابات ديموقراطية او اتفاقيات
 
بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على رسوله الحبيب الكريم
على اثر عزمنا في معانقة رمال صحرائنا ب الصحراء الشرقية
نعلن عن انطلاق هاشتاغ بكافة مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان
*** انا مغربي و اطالب ب استرجاع صحرائنا الشرقية **
*


 
بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على رسوله الحبيب الكريم
على اثر عزمنا في معانقة رمال صحرائنا ب الصحراء الشرقية
نعلن عن انطلاق هاشتاغ بكافة مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان
*** انا مغربي و اطالب ب استرجاع صحرائنا الشرقية **
*


على بركة الله القومية المورية المغربية
انا مغربي اطالب بارجاع الصحراء الشرقية
 
عودة
أعلى