الرادار الـكـمـومـي Quantum radar

عــمــر الـمـخــتــار

رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي
عضو قيادي
إنضم
14/5/19
المشاركات
5,688
التفاعلات
30,121
بسم الله الرحمن الرحيم
1443/9/9 - 2022/4/10

istaustriasc.jpg


عندما تم تقديم تقنية التخفي لأول مرة من قبل القوات المسلحة الأمريكية في نهاية الحرب الباردة، مثلت هذه التقنية تحولًا كبيرًا في إدارة العمليات العسكرية، إذ سمحت تقنية المقطع الراداري المنخفض (المصطلح الأكثر ملاءمة لـ "الشبح") للطائرات الأمريكية باختراق المناطق شديدة الدفاع/ التحصين دون أن يتم اكتشافها بواسطة رادارات العدو، وأظهرت قيمتها العملياتية لأول مرة خلال حرب الخليج عام 1991. ثم أصبحت تلك التقنية جزءًا لا يتجزأ من العمليات العسكرية الأمريكية، وهو جزء تم تطبيقه تدريجياً على منصات أخرى، بما في ذلك المنصات البحرية (السفن). في حين أنها لم تعد اليوم احتكارًا للولايات المتحدة؛ نظرًا لأن قوى أخرى مثل روسيا والصين قد نشرت أيضًا أنظمة ذات مقطع راداري منخفض، وأصبحت هذه التقنية توفر ميزة تشغيلية كبيرة. ومع ذلك، فإن التقنيات التجريبية الجديدة التي تسمى "الرادارات الكمومية" لديها القدرة على تغيير الوضع الراهن، وتحمل وعدًا باكتشاف منصات التخفي، وقد تكون بداية للفصل التالي في الجدلية الدائمة بين الدفاع والهجوم في الحرب.

ما هي الرادارات الكمومية؟

تتمثل الخطوة الأولى لتقييم التأثير الاستراتيجي المحتمل للرادارات الكمومية في فهم كيفية عملها وكيف تختلف عن النماذج التقليدية.


EDLn-XdU0AAIGZY.jpg


"الرادار" هو في الواقع اختصار لعبارة "الكشف وتحديد المدى بالموجات اللاسلكية radio detection and ranging"، وهو مصطلح يكشف عن مبدأ عمله الأساسي. إن الرادارات تصدر موجات راديوية تنعكس عندما تصطدم بجسم ما إلى المصدر، ومن خلال تحليل إشارة العودة هذه، تكون الرادارات قادرة على اكتشاف وتتبع الجسم. ولتجنب هذا النوع من التتبع، هناك حلان محتملان: الأول هو التشويش، وهو ما يعني إنتاج إشارة بنفس الطول الموجي للرادار من أجل التداخل معها بحيث لا يستطيع الرادار التمييز بين إشارة العودة والانبعاث المخادع، وبالتالي فإن تلك الإشارات "ستحجبه". الثاني هو استخدام أنظمة التخفي التي تستغل ميزات التصميم مثل الأشكال العاكسة للرادار والمواد الماصة للرادار لتقليل المقطع العرضي للرادار، وتجعل اكتشافها أكثر صعوبة. على الرغم من عدم وجود منصة خفية "غير مرئية" بصورة كاملة عن الرادارات، إلا أنه يمكن لأجهزة الاستشعار التي تعمل في نطاق الترددات العالية جدًا أو الفائقة (VHF / UHF) من اكتشاف هدف بنجاح له مقطع عرضي منخفض.

إن مبدأ عمل الرادارات الكمومية مختلف؛ إذ تستغل هذه الأنظمة خاصية مادية معينة تُعرف بالتشابك الكمومي. فعندما يتشابك جسيمان، يكون لهما نفس الحالة الكمومية وأي تغيير في حالة أحد الجسيمات ينتج عنه تغيير موازٍ في حالة الآخر حتى لو كانا بعيدان بشكل كبير عن بعضهما البعض، حيث يستغل الرادار الكمومي هذه الخاصية عن طريق توليد حزمة ضوئية مرئية من الفوتونات المتشابكة والتي تنقسم بعد ذلك إلى قسمين. يتم تحويل نصف واحد إلى نطاق الموجات الصغرية دون تغيير حالته الكمومية ثم ينبعث من الرادار، وعندما تصطدم الإشارة بجسم ما، تنعكس مرة أخرى إلى المصدر وتحول مرة أخرى إلى الطول الموجي المرئي من أجل مقارنتها بالنصف الآخر من الحزمة الأصلية. نظرًا لأن الحالة الكمومية لجزيئاتها تغيرت عندما اصطدمت بالجسم، فيمكن للنظام اكتشاف وجوده من خلال ملاحظة الاختلافات في الحالة الكمومية للجسيمات الموجودة في الحزمتين، وبالتالي فإن الرادار الكمي الذي يعمل بشكل صحيح يجعل تقنية التشويش والتخفي عديمة الفائدة؛ نظرًا لأن نظام التشويش لا يمكنه معرفة الحالة الكمية لإشارة الرادار، لذلك فلن تتطابق خصائص انبعاث الانتحال وسيتم تجاهلها تلقائيًا.


103341_071401_enqra.jpg

الرادارات التقليدية تصدر موجات راديوية تنعكس عندما تصطدم بجسم ما إلى المصدر


أما بالنسبة لمنصات التخفي، فستظل تحتفظ بقدرتها على تشتيت معظم إشارة الرادار الواردة، لكن جزءًا صغيرًا - غير كافٍ لاكتشافه بواسطة الرادارات التقليدية - سيعود إلى المصدر ومراقبة التغيرات في كم الجسيم، مما ستؤدي بهذه الحالة إلى اكتشفاف المنصة المتخفية. بطبيعة الحال، للرادارات الكمومية حدودها أيضًا بصرف النظر عن حقيقة أنها تقنية تجريبية تحتاج إلى إتقان كبير قبل أن تصبح جاهزة للعمل، فإن المشكلة الرئيسية تكمن في نطاقها المحدود. في الواقع، تفقد الجسيمات خصائص التشابك الخاصة بها في مرحلة ما بسبب ظاهرة تسمى فك الترابط الكمي، مما يعني أن الرادارات الكمومية تفقد أيضًا قدرتها على اكتشاف الأهداف. في عام 2015، خلصت دراسة إلى أن المدى الفعال للرادارات الكمومية سيكون أقل من 7 أميال، ولكن في العام الذي بعده ادعى فريق صيني أنه صنع رادارًا كميًا يبلغ مداه 61 ميلًا. في حين أن القدرة على اكتشاف منصات التخفي من هذه المسافة ستظل إنجازًا كبيرًا، إلا أنها تظل أقل بكثير من مدى الرادارات التقليدية. ومع ذلك، قد يكون للإدخال المرتقب للرادارات الكمومية في السنوات المقبلة عواقب وخيمة من الناحيتين العسكرية والجيوسياسية.

تعتبر المنطقة القطبيّة الكنديّة المتجمّدة مكاناً غير مناسبٍ للإمساك بالجواسيس، كونها من أكثر المناطق قرباً من القطب المغناطيسيّ الشّماليّ للكرة الأرضيّة، حيث تكون أكثر عرضةً لزيادة الأيونات والجسيمات المشحونة نتيجةً لوجود البقع والتّوهّجات الشّمسيّة، فيصبح من الصّعب فصل الإشارات الرّاديويّة عن الضّجيج الأيونيّ، وخاصّة أثناء كشف الصّواريخ المصمّمة لصدّ الموجات الراديويّة، ممّا جعل العلماء الكندييّن يُبدون رغبةً في رفع مستوى تقنيّات التّجسّس في بلادهم من خلال استبدال محطّات الرّادار التّقليديّة بأخرى تعتمد على الرّادار الكموميّ Quantum Radar فائق الفاعليّة المدعوم بأحد أكبر ألغاز الفيزياء الكموميّة، وهي ظاهرة التّشابك الكموميّ quantum entanglement.

07TB-AURORAS1-videoSixteenByNineJumbo1600-v2.jpg

صورة للشفق القطبي aurora borealis، حيث يكون المجال المغناطيسي الشمالي أكثر عرضة لزيادة الأيونات والجسيمات المشحونة، فيصبح من الصّعب فصل الإشارات الراديوية عن الضجيج الأيوني

نظرًا لأهمية أنظمة التخفي في الجيش الأمريكي، فإن أي قوة مصممة على مواجهة تفوقها ستكون مهتمة بالرادارات الكمومية. اعتبارًا من اليوم، يبدو أن الصين تقود الطريق في هذا المجال، لكن المنطق نفسه ينطبق أيضًا على روسيا. ستمثل الرادارات الكمومية تعزيزًا كبيرًا لاستراتيجية منع الوصول (A2 / AD) المصممة لمنع القوات الأمريكية من العمل بالقرب من أراضيها. نظرًا لأن تقنيات التخفي والحرب الإلكترونية مثل التشويش لعبت دورًا مركزيًا في العمليات العسكرية الأمريكية للتغلغل في بيئة شديدة الدفاع/التحصين لضرب مراكز القيادة والسيطرة للعدو والبنى التحتية اللوجستية الهامة، فإن الرادارات الكمومية ستؤثر بشكل كبير على القدرات الهجومية للقوات الأمريكية.

في الوقت نفسه، يحد النطاق المنخفض للرادارات الكمومية أيضًا من قيمتها كحلول مضادة للتسلل، على الرغم من أن اندماج المستشعرات - مشاركة البيانات بين المنصات المختلفة للحصول على رؤية أكبر لساحة المعركة - يمكن أن يعوض هذه المشكلة إلى حد ما على الأقل. إذا كانت الرادارات الكمومية قادرة على إرسال بيانات مفصلة كافية عن الموقع (بما في ذلك ارتفاع الطائرات) والسرعة والاتجاه، فيمكن للأخيرة استخدام المعلومات لتوجيه أسلحتها إلى الهدف، لكن هذا الحل يطرح تحدياته التقنية الخاصة.


اعتمادًا على تكلفة وقدرات الرادارات الكمومية، هناك ثلاثة سيناريوهات نظرية ممكنة، والتي قد تتزامن مع مراحل مختلفة من تطورها.

ــ إذا اتضح أنها أنظمة باهظة الثمن ومحدودة المدى (كما هو متوقع على المدى الزمني القصير) فلن يكون لها أي قيمة تشغيلية؛ لأن منصات التخفي للعدو ستكون قادرة على الاشتباك مع هدفها بأسلحة بعيدة المدى قبل مدى بعيد من الدخول في منطقة الكشف عن الرادارات الكمومية.

ــ إذا كانت تكلفتها ستنخفض دون إجراء تحسينات كبيرة على مداها (سيناريو محتمل على المدى الزمني المتوسط )، فمن المحتمل أن يتم نشر الرادارات الكمومية لتشكيل "شبكات" كثيفة من أجهزة الاستشعار المتصلة بالشبكة لضمان تغطية واسعة على الأقل فوق المناطق الحساسة والغنية بالأهداف. على الرغم من أنه سيعقد بنية القيادة والتحكم للمدافعين، فإن هذا النوع من السيناريو سيشكل أيضًا تحديات كبيرة للمهاجم بسبب صعوبة تحديد موقع عدد كبير من الرادارات وتحييده وبالتالي تعطيل فعالية الشبكة. إذ سيكون هذا مسعى مستهلكًا للوقت ويستهلك الكثير من الموارد، ويمكن تبسيطه فقط من خلال استخبارات دقيقة حول موقع المحطات الفردية (التي لن يكون من السهل الحصول عليها) أو ربما باستخدام أسراب الطائرات بدون طيار لإجراء بحث معقد وتدمير العملية.

ــ أخيرًا، على المدى الزمني الطويل، قد يزداد مدى الكشف عن الرادارات الكمومية، مما يؤدي إلى استخدام مماثل للرادارات التقليدية مع التكلفة التي تؤثر فقط على عدد المحطات المنتشرة. ومن خلال ضمان الكشف عن طائرات العدو أو السفن السطحية فوق مناطق بأكملها (على سبيل المثال بحر الصين الجنوبي)، سيكون لذلك عواقب استراتيجية عميقة. إن من الآثار المحتملة الأخرى للأنظمة بعيدة المدى ولكن منخفضة التكلفة هو بتصغير حجم تلك الأنظمة، مما يسمح بتثبيتها على مركبات أرضية متحركة، والطائرات المقاتلة وما إلى ذلك. وإن هذا من شأنه أن يوفر قدرات مضادة للتخفي ومضادة للحرب الإلكترونية لقوات التدخل السريع وقد يؤدي إلى انتشار و "تطبيع" الرادارات الكمومية التي من شأنها أن تغير الحرب بشكل كبير.


B2BOMBER.jpg

في السابق، سمحت تقنية التخفي (الشبح) للطائرات الأمريكية باختراق المناطق شديدة التحصين دون أن يتم اكتشافها بواسطة رادارات العدو


الآثار الاستراتيجية للرادارات الكمومية

من المرجح أن يتخذ الواقع أشكالًا بينية اعتمادًا أيضًا على البيئة الإستراتيجية المحددة للمستخدم. ومع ذلك، فإنه السيناريوهات تسمح بإجراء بعض التنبؤات حول تأثير الرادارات الكمومية على الاستقرار الدولي. بفضل قدرة رادارات الكم على تجاهل ميزات الحد من المقطع العرضي للرادار وتقنيات التشويش، فإن تلك الرادارات ستجعل من الصعب على المهاجم شن هجوم مفاجئ بقصد إضعاف خصمه. لتجاوز "فقاعات/مناطق'' A2 / AD في الصين وروسيا التي تنشئها الرادارات الكمومية إلى جانب لأنظمة الأخرى، فإن الولايات المتحدة ستركز بشكل معقول على الغواصات، والتي لا يمكن أن تكتشفها الرادارات (طالما أنها تظل مغمورة). هناك تقنية أخرى متعلقة بالكم، وهي مقاييس المغناطيسية الكمية المعروفة باسم جهاز التداخل الكمي فائق التوصيل quantum interference device أو SQUID، ومما لا يثير الدهشة هو أن الصين مصممة على تطوير هذه التكنولوجيا أيضًا.

إن الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت هي حل آخر حيث يكاد يكون من المستحيل اعتراضها ويمكن استخدامها لتحييد الرادارات الكمومية (وكذلك الأهداف الحرجة الأخرى)، ولكن هذا قد يكون له آثار مزعزعة للاستقرار من خلال إطلاق ديناميكية "إطلاق النار أولاً" حيث تميل الولايات المتحدة إلى استخدامها للتغلب بسرعة على الدفاعات الصينية / الروسية، وستفكر الصين وروسيا بتوجيه ضربة استباقية بأسلحة تفوق سرعة الصوت خوفًا من أن تكونا هما الضحية. لكي يكون الهجوم فعلا سيتطلب ذلك معلومات استخباراتية كاملة ودقيقة حول موقع الرادارات الكمومية المراد استهدافها، وهو أمر يصعب الحصول عليه وسيتطلب العديد من الصواريخ (خاصة في سيناريو "الشبكة" الموضح أعلاه، مما يعني ضمناً تدمير عدد كبير من المحطات)، وبهذا المعنى، قد يكون للرادارات الكمومية تأثيرات غير مباشرة مزعزعة للاستقرار.

في الختام، تمثل الرادارات الكمومية تقنية واعدة، إذ إن لها القدرة على إحداث تحول كبير في الحرب في القرن الحادي والعشرين من خلال جعل تقنية التخفي والتشويش عفا عليها الزمن في صراعات افتراضية بين القوى العظمى. ومع ذلك، فهي تظل في الوقت الحالي أنظمة تجريبية لا تزال بعيدة عن الوصول إلى الاستخدام التشغيلي، وكما هو الحال مع جميع التقنيات الجديدة، لا يزال هناك هامش كبير من عدم اليقين، مما يعني أن الوقت وحده هو الذي سيحدد كيف ستؤثر الرادارات الكمومية على الحرب في العقود القادمة.








geopoliticalmonitor
livescience
nasainarabic
 

إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وكندا والصين وأستراليا، أعلنت تركيا ممثلة بـ (SSB) عن بدء مشروع البحث والتطوير لتقنيات الرادارات الكمومية - فبراير 2022


defenceturk



 
عودة
أعلى