الخط الحديدي الحجازي من الشام حتى المدينة المنورة

Hejaz-railway-line-e1357592835412.jpg
 

خريطة السكةمن دمشق وحتى المدينة النورة


571px-Map_of_Al_Hijaz_Train_Lines.png
 

سكة الحجاز الحديدية
=========


سكة الحجاز الحديدية


أقول عن نفسي، وأظن أن كل صحفي مسلم كان موقفه من سكة الحجاز الحديدية مثل موقفي: إن هذا التراث الإسلامي العظيم ما زال شاخصًا أمام عيوننا في جميع الأوقات، لأن الجهود التي بذلها آباؤنا في جميع أقطار المعمور لإنشاء هذه السكة الحجازية تعد من أعظم الجهود التي كتب الله لنا فيها النجاح، فكيف يستطيع الرجل المسلم أن ينسى هذه الناحية من أعمال المسلمين الناجحة، وكيف يرضى المسلم بحال من الأحوال أن يصير مجهود أمته إلى غير أيديها؟.



سكة الحجاز الحديدية وقف إسلامي، والذين أنفقوا على تكوين هذا الوقف ووضعوا فيه أموالهم لا يزالون موجودين، والذين ماتوا منهم لا يزال أبناؤهم في قيد الحال. ومنذ وضعت الحرب العظمى أوزارها حتى اليوم ما برحت الصحف الإسلامية تردد صدى الرأي العام الاسلامي بشأن هذه السكة الحديدية، لكن المسلمين لم يشاؤوا أن يثيروا هذه المسألة بجد واهتمام انتظاراً لما يكون للحكومة الحجازية في هذا الشأن من تدبير، ولاسيما في مدة حكم جلالة الملك ابن السعود الذي عرف فيه المسلمون بعد النظر وحسن اختيار الوقت الملائم لكل عمل، فكان من المعقول أن لا نثير نحن الصحفيين هذه المسألة في وقت لعله لا يكون مناسباً لإثارتها فيه. ولكن لكل شيء حد، والحق مهما انتظر صاحبه ليصل إليه فسيأتي وقت يأخذ فيه بالعزم والحزم معاً طلباً لهذا الحق الذي يراه مقدساً.



والآن فإن المائدة الخضراء قد وضعت تحت سقف البناية الفخمة التي أنشأها المسلمون بأموال هذا الوقف الإسلامي، وأعني بها البناية التي فيها إدارة الخطوط الحديدية في حيفا. واجتمع حول هذه المائدة مندوبو الانتداب الفرنسي في سوريا والانتداب البريطاني في فلسطين وجلس معهم رجلان أحسن جلالة الملك ابن السعود كل الإحسان في اختيارهما وهما الدكتور عبد الله بك الدملوجي القائم بالشؤون الخارجية في الحجاز وخالد بك الحكيم الاختصاصي في شئون سكة الحجاز الحديدية من أيام إنشائها، والواقف على دخائلها والعارف بما للمسلمين من حقوق فيها.



إن هذا الخط واقع الآن تحت أيدي سلطات ثلاث: السلطة الفرنسية من دمشق إلى منتهى حدود الانتداب الفرنسي في سمخ، والسلطة البريطانية في فلسطين من سمخ إلى حيفا ونصيب، وفي شرق الأردن من نصيب حتى معان وما يليها من الحدود المؤقتة التي هي نفسها موضع نزاع أيضاً، ومن هناك إلى المدينة المنورة تحت سلطان جلالة الملك العربي.



ولما انتهى أمر هذا الخط الحديدي إلى السلطات الواقع الآن تحت تصرفها كانت فيه قاطرات وقطارات كثيرة العدد، وكان له فرع يمتد أثناء الحرب العظمى إلى بلدة طول كرم، وله في محطة القدم بظاهر دمشق (مصنع) واسع ذو آلات وأدوات ثمينة. ولعل محطة هذه السكة في حيفا تعد من أعظم محطات الخط غنى بما فيها من مصنع ومركبات وأدوات. زد على هذا أن الأجزاء الواقعة من هذا الخط تحت سلطة الفرنسيين والإنكليز هي الأجزاء الغنية، يدلك على ذلك أن واردات الخط في الجزء الفرنسي فقط بلغت في العام الماضي نحو ثلاثين مليون فرنك وفي العام الذي قبله (1926) نحو واحد وعشرين مليونا.



مع أن هذا الخط يدار بيد شركة فرنسية تعد بمقام الضرة للخط الحجازي لأنها كانت تملك خطاً موازيا له في جنوب دمشق يخترق حوران إلى المزيريب، فكان الخط الحجازي قاضياً عليه. ويقال إن سلطة الانتداب أسلمت إدارة الخط الحجازي لهذه الشركة تعويضاً لها عما ألحقه الترك بها من ضرر أثناء الحرب العظمى، ولعل مؤتمر السكة الحجازية في حيفا إذا اطلع على حسابات ذلك القسم يظهر له أن فائدة الشركة الفرنسية في سوريا والإدارة الانكليزية في فلسطين غير مقصورة على إصلاح قاطراتهما ومركباتهما في مصنع محطة القدم ومصنع حيفا.



وبعد فإن مؤتمر لوزان اعترف بأن هذا الخط الحجازي وقف إسلامي، لأنه لم ينشأ بأموال تركيا فيكون غنيمة للذين غلبوها بل أنشئ بإعانات المسلمين في جميع أنحاء الأرض. ومؤتمر حيفا الذي أرسل جلالة الملك ابن السعود مندوبيه لحضوره يجب أن يبت في هذا الحق الإسلامي الذي لا ريب أن تصرف الأيدي غير الإسلامية فيه يولد في قلوب المسلمين جميعاً أضغانا نظن أن الانتدابين البريطاني والفرنسي في غنى عنهما وقد كان هذا الخط سبب عمران المدينة المنورة سنين طويلة، ثم كان انقطاعه سبب فقرها وقلة سكانها وبقائهم في عزلة عن المعمور.



وان الجزء الواقع تحت سلطة الحكومة الحجازية هو أفقر أجزاء هذا الخط، لأنه يمر ببلاد غير معمورة، فضلا عن أنه خال من الأدوات والقاطرات والقطارات، وجميع محطاته خربة وخطوطه منتزعة، وقناطره وجسوره تحتاج إلى بناء من جديد. ولا يمكن استئناف العمل عليه إلا بإعطاء هذا القسم نصيباً متناسباً مع مساحته من جميع أدوات الخط التي توجد في منطقتي الانتدابين.



ومن الواجب أن يعد مجموع هذه السكة الحجازية عملا واحداً ينفق من بعضه على البعض الآخر، فيقوم القسم العامر منه بسد حاجة القسم الخرب. وهذه القاعدة تستلزم تقديم حساب عن واردات هذا الخط الإسلامي في السنين السابقة بعد الحرب وعن قيمة طوابع السكة الحجازية التي صرفت في سوريا وفلسطين، فيحجز منها احتياطي معتدل المقدار لما يحتاج إليه الخط في منطقتي الانتداب، ويرصد باقي ريعه في كل السنين السابقة واللاحقة لإصلاح الخط من معان إلى المدينة المنورة، بعد تأسيس إدارة له مرتبطة بالحجاز يكون مركزها المدينة ولها فرع في حيفا، ويكون الخط كله وحدة مستقلة ذات صندوق مستقل يرد إليه جميع ما يفيض عن نفقاته من وارداته لمواصلة إصلاحه، وللاستمرار بعد ذلك على مد خطوطه من المدينة إلى ينبع ورابغ ومن راب إلى مكة كما أشار بذلك كمال بك الخشن المهندس المصري في تقريره الذي سبق لنا نشر هذا الجزء منه.



إن الحجاز يفاخر الآن باستقرار الأمن في ربوعه من حدود عسير إلى حدود الشام، وهذا الأمن هو الخطوة الأولى في سبيل العمران. فمن الواجب على أوربا التي تقدر الأمن والعمران قدرهما أن تساعد هذه الحكومة الحجازية العادلة الحازمة فتمكنها من أهم أسباب عمران بلادها وهو إعادة إنشاء هذه السكة الحجازية. والمسلمون إذا ألحوا بالمطالبة بذلك فإنما هم يطالبون بحق مالي لا دخل له في السياسة والحكم. وإنما هو وقف اعترفت معاهدة لوزان نفسها بصفته الإسلامية، وأقرت بوجوب تسليمه إلى لجنة إسلامية والمسلمون قد سجلوا على أوربا هذا الاعتراف وباتوا يترقبون الوقت المناسب لتحقيقه، وهم يرون أنه قد آن الأوان لذلك بانعقاد مؤتمر حيفا الذي حضر مندوبا الحجاز لتمثيل الحجاز فيه، وسننظر ما يكون من أمر حقنا الصريح فيما يقرره هذا المؤتمر (عن الفتح).



المصدر: "مجلة الإصلاح"، العدد الثاني - 15/ربيع الأول/1347هـ، ص16

 
جسر السكة الحديدية المجامع على نهر اليرموك بعد تعرضه لهجوم منظمة البلماخ الصهيونية سنة 1946م.

PalestineRailways-1946-sabotage-YarmukBridge-1.jpg
 

الحج قبل السكة الحديدية

الحج في زمن المشقة.. قطاع طرق وموت بالعطش وطاعون
================



424


"سمعتُ بين الناس شتى الإشاعات والمخاوف عن هجوم البدو؛ اليوم سلبوا أحد الحُجاج 5 ليرات، وقتلوا آخر وأخذوا 40 ليرة، في حضوري جاء جندي وأبلغ الضابط أن رفيقه الذي راح معه من جدة إلى مكة قتلوه بالحجارة"[1]

عبد العزيز دولتشين: الحج قبل مائة سنة



رغم التنظيم الجغرافي والمناطقي لقوافل الحاج عبر أقطار العالم الإسلامي شرقا وغربا؛ والتي كانت مؤمنة بفرقة عسكرية تحرسها وتذلل لها العقبات، فإن مصاعب الطريق ومصائبه لم تكن تنتهي أبدا، ولعل أخطرها على الإطلاق عبر ذلك التاريخ "قُطّاع الطرق".



يروي البريطاني جوزيف بتس الذي أسره رجل جزائري وأجبره على الدخول إلى الإسلام في القرن الثامن عشر الميلادي، ثم أخذه معه إلى الحج ودوّن هذه الرحلة في كتاب مهم، يروي أنه تعرض إلى هجوم من هؤلاء اللصوص في نهر النيل قائلا: "لا يخلو نهر النيل من اللصوص الذين ينهبون القوارب، وهم يكثرون في هذا الوقت من العام لكثرة عدد الحجاج الذين يتخذون طريقهم مبحرين في النيل من رشيد للقاهرة، ويعلم اللصوص أن الحُجاج يحملون معهم مبالغ مالية، وقد اعترانا الخوف من مهاجمتهم لنا، لكننا عندما أطلقنا النار من أسلحتنا ولوّا هاربين"[2].



4701a2bd-3a75-40e6-b1c7-3348dad8d702




كان قُطَّاع الطرق في كل مكان مهجور يتربّصون بالحجاج أينما كانوا وحيثما وجدوا، ولم يسلم منهم كبار القوم وعليته، فضلا عن صغار الحجاج، والتاريخ يعطينا أمثلة لا تحصى من الحوادث المؤلمة التي تعرّض فيها قطاع الطرق للحجاج، فمنها ما وقع لقافلة/ركب الحجاج المدنيين الخارجين من المدينة المنورة إلى مكة المشرفة، والمسافة بينهما قريبة لا تقارن بالحجاج القادمين من المغرب أو الهند أو أدغال أفريقيا، ومع ذلك فقد تعرضت هذه القافلة لانتهاب العربان سنة 982هـ، "فكان موقفا شنيعا، ومنظرا قبيحا، وقع فيه قتل وسلب وطعن وضرب، وأهل الركب مُحرِمون، والطوائف المذكورة مجرمون"[3].



ويبدو أن لصوص الطرق كانت لهم مكامنهم المعروفة في طريق الحجاج، فأبو البركات السويدي صاحب "النفحة المسكية في الرحلة المكية" والتي دوّنها سنة 1157 هـ/ 1744 م أشار إلى منطقة العُلى التي تبعد عن المدينة المنورة 300 كم تقريبا، وإلى خطورة هذه المنطقة على الحُجاج في زمنه قائلا: "وأهل العلى صورهم قبيحة لا دمّ في وجوههم، أكثرهم عور، وقد شاع عند الحجاج أنهم يتجرأون على قتل الإنسان ونهب أمواله، وليس بصحيح، بل الذي يفعل ذلك عرب عنزة، يستخفون بين النخيل والأشجار، فإذا مر بهم الحاج المنفرد قتلوه وسلبوه، وأما أهل العلى فلا يخرجون من بيوتهم إلى خارج القرية إلا القليل، خوفا على أنفسهم من عسكر الحاج، فتبقى الحدائق خالية من الناس، فتأتي الأعراب فيكمنون فيها ويفعلون القبائح، فيظنهم الذي لا علم له ولا خبرة أنهم أهل العلى، حاشا لله، فهم قوم مسلمون يقيمون الجمعة والجماعات، ويؤون من انقطع من الحجاج، ويقومون بأودهم كما شاهدته عيانا"[4].



وحتى فاتحة القرن العشرين ظل قُطَّاع الطرق عبر تلك القرون المتوالية شوكة في حلق الحجاج، ومصيبة أضحت أقصوصة في أرجاء البلدان شرقا وغربا، ففي سنة 1899م جاء الرحالة والعسكري الروسي عبد العزيز دولتشين لأداء فريضة الحج، والقيام برحلة استخبارية للجيش الروسي عن المسلمين الروس في مواسم الحج ومدى تأثرهم بأفكار الوحدة الإسلامية التي كانت منتشرة، ومدى تقبلهم لدور السلطان عبد الحميد في تلك الجامعة.



ومع ذلك أشار دولتشين إلى خطورة هؤلاء القُطّاع على الحُجاج، يقول: "سمعتُ بين الناس شتى الإشاعات والمخاوف عن هجوم البدو؛ اليوم سلبوا أحد الحُجاج 5 ليرات، وقتلوا آخر وأخذوا 40 ليرة، في حضوري جاء جندي وأبلغ الضابط أن رفيقه الذي راح معه من جدة إلى مكة قتلوه بالحجارة"[5].



بل إن علامة الشام محمد بهجت البيطار تعرّض في سفره للحجاز سنة 1910م إلى سطو أخذ منه ماله وثيابه، يقول في رسالته لأحد الأمراء في الجزيرة العربية: "لم يكن يخطر في بال السيد ولا في بالي ما لاقيته في السفر من المتاعب، وما قاسيته من الأهوال والشدائد. وأول ما صادفنا عصابة شقية، من بني عطية، سلبتنا نقودنا وثيابنا وزادنا، وسلبوني مقدار خمسين جنيها ذهبا، عدا ثيابي وزادي، وأصبحت نفقتي على حساب رفيقي وأخي في الله تعالى شلاش، جزاه الله خيرا"[6].

65cf81be-feb2-431a-8cd7-2c73f848813d




هجير الصحراء وشربة الماء الغالية!



تصف رحلة ابن رشيد الفهري للحج في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي أخطر التحديات التي واجهت حجاج تلك العصور، والتي تمثلت في قلة المياه، يقول: "ومن تبوك يُرفع المال إلى العُلا، وما بينهما أشق شيء في الطريق وأقلّه ماء؛ لأنه ليس فيه ماء أصلي سوى بئر بوادي الأخضر قلّ أن يفي بالركب، وقد هلك فيه في بعض الأوقات خلق كثير وعدد كبير"[7].



وظلت مشكلة قلة المياه في طريق الحجيج حتى فاتحة القرن العشرين، فقد ذكرها أيضا الرحالة والعسكري الروسي عبد العزيز دولتشين في رحلته التي جُمعت بعد ذلك في كتاب "الحج قبل مائة عام"؛ فقد روى مشاهد بالغة الصعوبة في طريق الحج من جدّة على البحر الأحمر إلى مكة المشرفة، ولا سيما قلة المياه وأثرها على الحجاج، يقول عقب خروجه من جدة قاصدا مكة: "نسير منذ خمس ساعات، أنا ملتفّ بثوب الإحرام، مكشوف الرأس؛ أخذ عطش رهيب يُعذّبني، جفّ فمي كله، لا أستطيع تحريك لساني... الطريق يستمر بين صخور جرداء؛ أحيانا تقع العين على أدغال عالية من الشوك"[8].



ومن الأسباب الأخرى التي كانت تؤدي إلى موت الحجاج والمعتمرين شدة الحر في طرق الجزيرة العربية الموصلة لمكة والمدينة، وعُدَّ هذا الأمر شائعا ومعروفا بين الحجاج على مر العصور، فالعياشي في رحلته للحج والمعروفة بـ"ماء الموائد" والتي كانت سنة 1072هـ يقول عن حجاج الشام وما لاقوه في طريقهم إلى المدينة النبوية: "نزل الركب الشامي (المدينة) ليلة السبت، ولقوا من الحرّ في الطريق شدة عظيمة كالذي وقع للمصري قبلهم أو أشد، فماتت منهم جملة كثيرة في الطريق، وجملة بعدما وصلوا إلى المدينة"[9].



كانت شدة الحر هذه سببا في ضيق الناس، وقيام بعض الشجارات التي تحولت بعضها إلى مأساة، فالرحالة والمستكشف البريطاني ريتشارد بيرتون الذي زار المدينة المنورة وقضى موسم الحج تحت اسم مستعار هو عبد الله سنة 1853م يروي في رحلته معاناة الحجاج وبعض المآسي التي رآها من جراء لفحات حر الجزيرة.



يقول: "كانت رياح السموم -كالمعتاد- تهبّ بقسوة، وراحت تؤثر في أمزجة المسافرين، ففي أحد الأماكن رأيت تركيا لا يستطيع النطق بكلمة عربية واحدة، يتجادل بعنف مع عربي لا يستطيع أن يفهم كلمة تركية واحدة، والحاج التركي يُصرّ على تحميل الجمل -بالإضافة لحمله- بضعة أعواد من الحطب لاستخدامها كوقود للطبخ، ويقوم الجمّال بقذفها تخلصا من الحمل الزائد، فيتعاركان بعنف، ويدفع أحدهما الآخر، وأخيرا وجّه التركي لطمة قوية للعربي، وقد سمعتُ بعد ذلك أن الحاجّ التركي جُرح جرحا مُميتا في تلك الليلة، فقد شُقّ بطنه بخنجر، ولما سألت عن مصيره، علمتُ أنه كُفّن بارتياح كامل، ودُفن في قبر لم يُحفر جيدا، وهو ما يحدث -بشكل عام- للبؤساء والذين يُسافرون فرادى"[10]!

f9fdb65f-ea95-48a8-8777-0765797cf52b




ولم يكن غريبا أن يموت عشرات بل مئات وربما الآلاف من الحجاج في سبيل وصولهم إلى الحج في تلك الأزمنة التي انعدمت فيها وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة، والتي بلغ طول الرحلة فيها حدا مزعجا، فعلى سبيل المثال، يحسب الرحالة البريطاني بتس المدة الزمنية من مكة إلى مصر في طريق العودة من الحج بأربعين يوما، وذلك في أثناء القرن الثامن عشر الميلادي[11]، فما بالنا بحجاج المغرب الأقصى وغرب أفريقيا وتركيا والهند وجنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا وغيرهم من القادمين من البقاع البعيدة التي كانت تصل مدة السفر لبعضهم إلى ستة أشهر أو تزيد في الذهاب ومثلها في الإياب!



وفي مكة أيضا لم تخلُ المخاطر!



لم تكن مصاعب الحج ومخاطره في طرق الحج ذهابا وجيئة فقط، وإنما في مكة نفسها طالما تعرّض الحُجّاج إلى خطر السرقة أو اختلاف الفرق العسكرية القادمة مع قوافل الحج وتقاتلهم دون اعتبار لحرمة المكان والزمان، أو حتى بين الأشراف الذين كانوا يحكمون الحجاز في أغلب فترات التاريخ الإسلامي وإن دانوا بالطاعة للدول الكبرى التي حكمت المنطقة العربية.



إن أعظم مأساة تعرّض لها الحجاج في عصر العباسيين كان هجوم القرامطة على مكة المكرمة سنة 317هـ، ذلك الهجوم الذي نجم عنه مقتل ثلاثين ألفا من أهل مكة وحجاجها، وسرقة الحجر الأسود الذي ظل القرامطة مستولين عليه مدة تسعة عشر عاما، فقد جاء أبو طاهر القُرمطي زعيم هذه العصابة الخارجية الشيعية "فقتل الحجّاج قتلا ذريعا في المسجد وفي فجاج مكة، وقتل أمير مكة ابن محارب، وقلع باب الكعبة، واقتلع الحجر الأسود وأخذه إلى هجر، وكان معه تسعمائة نفس، فقتلوا في المسجد ألفا وسبعمائة، وصعد على باب البيت وصاح: أنا بالله وبالله أنا، يخلق الخلق وأفنيهم أنا. وقيل إن الذي قُتل بفجاج مكة وظاهرها زهاء ثلاثين ألفا، وسبى من النساء والصبيان نحو ذلك، وأقام بمكة ستة أيام ولم يحجّ أحد"[12].



لم تخل الخلافات بين الأشراف حكّام الحجاز ومكة في القلب منها وبين القوات العسكرية التي كانت تأتي مصاحبة لقوافل الحج من القاهرة أو دمشق أو اليمن، فعلى سبيل المثال، ثمة صدام عنيف وقع بين الأشراف وقوات المماليك التي جاءت مع ركب الحاج المصري سنة 743هـ/1342م لمخالفة الأشراف لبعض أوامر القائد العسكري المملوكي، وترتب على ذلك قيام معركة في أيام الحج، وبسببها فإن أكثر الحجّاج "لم يعتمروا ولم يطوفوا طواف الوداع خوفا على أنفسهم، وتُعرف هذه السنة بسنة المظلمة"[13].



6f63e961-7721-4c13-8b61-371e203456fe




وتكررت المأساة سنة 812هـ/ 1410م حين أصدر السلطان المملوكي في القاهرة مرسوما بعزل أمير مكة الشريف حسن بن عجلان الذي رفض تنفيذ الأمر، وبسبب ذلك ارتكب أمير الحاج المصري الذي استصحب معه آلات عسكرية ثقيلة "مشاجرة عظيمة، أفضت إلى قتله بعض الحجاج ونهبهم غير مرة، ولم يحج بسبب ذلك من أهل مكة إلا اليسير"[14].



بل إن أبا الطيب الفاسي مؤلف كتاب "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام" كان من جملة حجاج ذلك العام، وروى مأساة أخرى بسبب اختلال الأمن، فحين توجه الناس من عرفة إلى منى للمبيت بها ورمي الجمرات تعرّض لهم قُطاع الطرق واللصوص "ونهبوهم وقتلوهم وجرحوهم، وذلك في ليلة النحر، ولم نستطيع أن نبيت بالمزدلفة إلى الصباح، فرحلنا منها بعد أن أقمنا بها مقاما تتأدى به السنة، ووقع بمنى في ليلة النحر قتل ونهب"[15].



وإذا لم تخل مكة من نشوب الصراع والخلافات السياسية والعسكرية وأثرها المباشر على حياة الحجاج، فإنهم من بعض جهات أخرى كانوا معرضين للخطر لا سيما في أوقات الحر التي تميزت بها المدينة المباركة طوال العام والتي لفتت انتباه الرحالة الغربيين في القديم والحديث، والتي كان أهل مكة بسببها ومعهم الحجاج يلجأون إلى النوم فوق أسطح البيوت طلبا لبرودة الجو في الليل[16].



من جهة أخرى، وفي تلك الأزمنة لم تفرض السلطات الحجر الصحي والتعقيم على الحجاج القادمين من كل فج، وكان لذلك آثاره الخطيرة والمميتة على حياتهم، وحين حاولت السلطات العثمانية إقامة الحجر الصحي سنة 1812م حيث أنشأت مستشفى لهذا الغرض، رفض البدو أصحاب الجمال والحمّالين هذا الإجراء الذي يعطلهم ويقلل من أرباحهم في موسم الحج؛ ولأجل ذلك هاجموا تلك المستشفى ودمروها، بل قتلوا وأصابوا عددا من القناصل الأوروبيين الذين وقفوا وراء ذلك المقترح الصحي وعلى رأسهم القنصل البريطاني[17].



ab4b22e4-2056-4cca-87c7-15613e740927




لذلك كان انتشار الأمراض الوبائية والمعدية شائعا بين الحجاج، ففي سنة 1892م تطابق وباء الكوليرا مع موسم الحج وكان رهيبا، "كان الموتى متمددين مجموعات كبيرة متراصّة، ولم يتسن الوقت لدفنهم، بدأت الوفيات بأعداد كبيرة في عرفات، وبلغت أوجها في منى، وفي تلك السنة كان تدفّق الحجاج كبيرا"[18].



لا يقارن مجهود الحج في عصرنا هذا بما واجهه الناس عبر أزمنة طويلة من مصاعب ومآسٍ لا تُحصى، بعضها دوّنه التاريخ وسجله، وأكثرها غاب مع من غيّبهم الموت في طريقهم إلى الحج وما أكثرهم، من أجل ذلك أطلق الناس مثلا سائرا على حُجّاج بيت الله حينذاك، وسار إلى اليوم صدى من آثار تلك الصعاب: "الذاهب مفقود والعائد مولود"!!


ref.png
المصادر
  • 1عبد العزيز دولتشين: الحج قبل مائة سنة ص72
  • 2رحلة جوزيف بتس
  • 3العصامي: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي
  • 4السويدي: النفحة المسكية في الرحلة المكية ص301
  • 5دولتشين: الحج قبل مائة سنة ص72
  • 6المختار من الرحلات الحجازية 4/943
  • 7ابن رشيد الفهري:ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة
  • 8الحج قبل مائة سنة ص77
  • 9العياشي: رحلة ماء الموائد
  • 10رحلة بيرتون إلى مصر والحجاز
  • 11المختار من الرحلات الحجازية 1/344
  • 12ابن الضياء: تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام ص177
  • 13المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك 2/3 / 636
  • 14ابن حجر: إنباء الغمر 2/501
  • 15الفاسي: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 2/307
  • 16الرحلة إلى مكة والمدينة، كتاب المجلة العربية 3/25
  • 17الحج قبل مائة سنة ص66
  • 18المصدر السابق
 


طريق المعاناة.. قصص تاريخية عن الوجه المأساوي لرحلة الحج
=================


424

في كتاب "مرآة الحرمين" يصف إبراهيم رفعت أحوال الأمن في مكة المكرمة في مطلع القرن العشرين بصورة تكشف حجم الخلل والضرر والمأساة التي كانت تُصيب الحُجاج والمعتمرين، فمن يريد زيارة جبل النور وهو جبل قريب من المسجد الحرام الذي يُوجد به غار حراء، كان عليه أن يحمل معه الماء الكافي، وأن يكون الحجّاج على شكل جماعات يحملون السلاح حتى يدافعوا عن أنفسهم من اللصوص الذين يتربّصون بهم لسلب أمتعتهم، ومن الصور البشعة التي ذكرها في كتابه أنه بلغه أن أعرابياً قتل حاجّاً فلم يجد معه غير ريال واحد فقيل له: تقتله من أجل ريال؟ فقال وهو يضحك: الريال أحسن منه[1]!



كانت تبدو على خلفية مشاهد الفرحة الغامرة على الحجاج قديما، مشاعر من الخوف والقلق من المجهول، بل من المخاطر التي جعلت الذاهبين إلى الحج في تلك الأزمنة القديمة يُقال في شأنهم: الذاهب مفقود والعائد مولود. كان على الحاج أن يودّع أهله، ويكتب وصيته، فلربما لن يعود إليهم، ولن يعرفوا مثواه!



caf6bb4b-fdea-4ccb-b7b9-eb66a2416dba




على الرغم من ذلك المجهول في طريق الحج ذهابا وإيابا، فقد امتثل المسلمون في طوال التاريخ الإسلامي نداء الله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27]. فمن تلك الفجاج البعيدة في أقاصي الأرض من مشرقها ومغربها يحج المسلمون منذ شُرع الحج في العام التاسع من الهجرة، ومنذ حجة النبي صلى الله عليه وسلم التي عُرفت باسم حجة الوداع وإلى اليوم يفعلون، وفي سبيل ذلك واجهوا – لا سيما في عصور ما قبل الدولة الحديثة – ما لم نكن نتخيله في يومنا هذا لولا تواتره في التاريخ!



الحاجّ رهينة لحمّاله!



حين لا تملك وسيلة مواصلاتك في ذلك الزمن الغابر إلى الحج فأنت في غالب الأحيان تقع تحت رحمة الحمّالين والجمّالين، وكان الأغلب الأعم منهم يستغل موسم الحج في زيادة مضاعفة أرباحه للكساد وقلة الأرباح التي كان يواجهها بقية العام، ولأجل ذلك كان الحُجّاج يُعانون معهم أيما معاناة!



تلك المعاناة التي دوّنها عدد من الرحّالة الأقدمين، منهم الأندلسي ابن جبير البلنسي الذي جاء حاجًا في زمن صلاح الدين الأيوبي سنة 579هـ/1183م، ورأى بنفسه ما كان يلقاه الحجاج من سكان ميناء عيذاب وهم من البجاة السودان، ساكني الجبال، فيستأجر الحجاج منهم الجمال، ويسلكون بهم الصحراء المصرية الشرقية القاحلة، فيصبح الحاج معهم كالأسير!



يقول:" فربما ذهب أكثرهم عطشًا وحصلوا (أي الجمّالين) على ما يُخلّفه من نفقه أو سواها" بل إن الذين يؤثرون أن يعبروا الصحراء الشرقية للوصل إلى ميناء عيذاب على الحدود المصرية السودانية اليوم، كانوا يصلون في صورة مروّعة من الجوع والعطش، بل يصف ابن جبير بعضهم "كأنه منَشر من كفن، شاهدنا منهم مُدّة مقامنا أقوامًا قد وصلوا على هذه الصفة في مناظرهم المستحيلة، وهيئاتهم المتغيرة آيةً للمتوسّمين"[2].



c1a259e1-b27e-479e-9af9-34f4948a97d5




لم تقف معاناة الحجاج في العصر الوسيط عند ذلك الحد من قسوة الحمّالين وغلظتهم، وإنما كان البحر مهلكة كما البر، وكما كان البُجاة السودان المتحكمون في رقاب حجاج مصر والمغرب في الصحراء، كان أصحاب المراكب والسفن في ميناء عيذاب منهم أيضا يتحكمون به في رقاب الحجيج في البحر، فقد كانوا يكدسونهم في المراكب تكديسا طلبا للربح السريع والوفير على حساب أرواح هؤلاء البؤساء.



يقول ابن جبير في ذلك: "ولأهل عيذاب في الحُجّاج أحكام الطواغيت، وذلك أنهم يشحنون بهم الجلاب (المراكب) حتى يجلس بعضهم على بعض وتعود بهم كأنها أقفاص الدجاج المملوءة، يحمل أهلها على ذلك الحرص والرغبة في الكراء حتى يستوفي صاحب الجلبة منهم ثمنها في طريق واحدة"[3].



فوق ذلك، وحينما يمر الحجاج إلى العدوة الأخرى من البحر الأحمر، كانت السلطات في مكة وحتى زمن السلطان صلاح الدين الأيوبي تفرض على الحجّاج القادمين من المغرب خاصة ضريبة مرهقة، ومن لم يكن يدفع هذه الفريضة لم يكن يُسمح له بالمرور والحج، يقول أبو شامة في تاريخه: " كان الرسم بمكة أن يؤخذ من حجاج المغرب على عدد الرؤوس، بما ينسب إلى الضرائب والمكوس، ومن دخل منهم ولم يفعل ذلك حُبس (مُنع) حتى يفوته الوقوف بعرفة، ولو كان فقيرا لا يملك شيئا".


وبعد معاناة استمرت عشرات السنوات بفرض هذه الضريبة على الحجاج، ومعاناة الفقراء منهم "رأى السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إسقاط ذلك، ويعوض عنه أمير مكة، فقرّر معه أن يحمل إليه في كل عام مبلغ ثمانية آلاف أردب قمح إلى ساحل جدة، ووقف على ذلك وقوفا، وخلّد بها إلى قيام الساعة معروفا، فانبسط لذلك النفوس، وزاد السرور، وزال البؤس، وصار يرسل أيضا للمجاورين بالحرمين من الفقهاء والشرفاء"[4].



[5].



بل كان نجاح فريضة الحج لأهل شنقيط (موريتانيا) من بلاد الصحراء المغربية الكبرى في تلك الأزمنة يعد في ذاته استثناءً، نظرا لكثرة فشل رحلات الحج التي كانت بسبب الأمراض أو هلاك الحجاج في الطريق، وعُدت رحلات الحج الناجحة تلك بمثابة "الكرامات" التي نُسبت لأصحابها، كما هو الشأن بالنسبة للشيخ ماء العينين الذي كان من أوائل من استطاعوا العودة سالمين من رحلتهم للحج، وذكره التاريخ كأحد هؤلاء الناجين "أصحاب الكرامات"[6]!



وفي شرق أفريقيا فإن الرحلة إلى الحج كانت كنظيرتها في الغرب الأفريقي تتميز بالصعوبات البالغة في الطريق، وإن تميز الشرق الأفريقي بالقرب الجغرافي من الأراضي الحجازية التي لم يكن يفصل بينهما سوى البحر الأحمر، ومع ذلك يؤكد الباحثون في تاريخ رحلات الحج الشرق أفريقية إلى تلك الصعوبات والمشاق المهلكة.



فمن أخطر تلك الصعوبات عند الذهاب والعودة تعرض الحجاج للموت دون معرفة مصيرهم والمكان الذي فُقدوا فيه، ورغم ذلك لم يترك الناس أداء هذه الفريضة ولكن بأعداد بسيطة، حتى في بعض الأحيان كان الناس يتذكرون الأحداث والوقائع بالسنة التي حجّ فيها فلان؛ دليل على قلة من حجوا في تلك السنوات.



فمن جملة تلك الصعوبات انتظار الحجاج الأفارقة للسفن التي تقلهم، والتي كانت في الغالب سفنا تجارية تحمل بضائع وتنتقل من ميناء إلى آخر، فكان الحجاج ينتظرون إفراغ تلك البضائع، وحين كانوا يصلون إلى الضفة الأخرى في ميناء عدن اليمن كان الأغلب الأعم منهم ينطلق إلى مكة ماشيًا، وهم في مشيهم سواء في شرق أفريقيا أو في اليمن كانوا يتعرضون لمشكلات جملة وخطيرة مثل السيول والفيضانات التي كانت تقطع الطرق، بل إن الحجاج كانوا يفقدون الطريق الصحيح، فيصلون إلى مكة متأخرين عن موسم الحج، فيضطرون إلى أداء العمرة والرجوع إلى بلدانهم دون أداء الفريضة، على أن المتبع في مثل تلك الحالة مكوث ذلكم الحجيج إلى العام التالي لأداء فريضة الحج دون أن يطمئن أهلهم عليهم في بلدانهم نظرا لانعدام الاتصالات حينذاك[7].



46832d06-bafa-4a3d-b4ac-48146f1e8165




البحث عن الأمان!


نظرًا للمصاعب والمخاطر التي كان يواجهها الحجاج منذ العصور الإسلامية المبكرة؛ فقد تعارف المسلمون على المجيء إلى الحج في جماعات منظمة ومدعومة بفرق عسكرية لتأمين الحجيج؛ كانت أشهر تلك القوافل أو الركائب في الغالب أربعة، ركب الحاج المغربي الذي يضم حجاج المغرب وغرب أفريقيا ويسيرون متحدين أو متفرقين في البر في شمال أفريقيا حتى الوصول إلى القاهرة أو بحرا من المغرب إلى الإسكندرية ومنها إلى القاهرة عبر النيل.



والركب الثاني وهو الأهم والأكبر على مدار العصور الإسلامية وهو ركب الحاج المصري الذي كان أكثر تنظيما وأهمية لأنه في الغالب كان منوطا به حمل كسوة الكعبة المشرفة من مصر إلى مكة المشرفة عبر طريق عُرف على مر التاريخ باسم "درب الحاج المصري"، وظلت عادة المحمل وكسوة الكعبة تخرج من القاهرة حتى خمسينيات القرن العشرين، ومع هذا الركب كان ينضم ركب المغاربة وأهل أفريقيا الغربية.



والركب الثالث وهو ركب الشام الذي ينطلق من دمشق إلى الحجاز وكان ينضم إلى هؤلاء حجاج تركيا والقوقاز والروس والتتار وغيره. ثم الركب الرابع ركب الحاج البغدادي والخراساني القادمون من وسط آسيا وإيران والعراق، وثمة ركب للحجاج الهنود الذي كان يأتي بحرا من الهند وجنوب شرق آسيا ويصل إلى ميناء جدة وكان الغالب عليهم تجارة البهارات والمنسوجات وغيرها[8].



رغم ذلك التنظيم لعملية الحج السنوية؛ فإن الحجاج على الدوام كانوا يتعرضون لأكبر خطر هدّد رحلتهم وحياتهم في عالم العصر الوسيط، ذلك الخطر الذي تمثّل في وجود "قُطّاع الطرق" حتى إن تتبعنا لأخبارهم في بطون التاريخ ومصادره ليوحي إلينا أنهم كانوا جماعات منظمة ومدربة لهذه الجرائم المروعة التي ارتكبوها في حق زوّار الله وقُصّاده، ومع هؤلاء سنقف في تقريرنا القادم!



ref.png
المصادر
  • 2رحلة ابن جبير البلنسي ص42
  • 3رحلة ابن جبير ص43
  • 4الفاسي: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 2/287
  • 5محمد بوزنكاض: رحلات الحج بالغرب الصحراوي خلال الفترة الاستعمارية
  • 6محمد المامي: مخطوط جمان البادية، نقلا عن محمد بوزنكاض
  • 7رحلات الحج من شرق أفريقيا إلى بلاد الحرمين
  • 8رحلة جوزيف بتس
 
أعظم مشاريع السلطان عبد الحميد الثانى
للاسف عصابات العربان التابعين للشريف بن الحسين و الانجليز فجروا هذا الخط عام 1916
 

السكة الحديد.. الإنجاز الذي دمره العرب حقدا على أنفسهم
==============


كانت سكة حديد الحجاز التي أنجزتها حكومة الدولة العثمانية بفضل تعاون وتمويل المسلمين وأموالهم نموذجا مُبكرا للنجاح المُبهر في مشروعات البنية التحتية عابرة الدول والقوميات، لكن تاريخ هذا المشروع العظيم وحجم الإنجاز فيه سرعان ما خبا لسبب واحد فقط وهو انتهاء عهد الدولة العثمانية ونشأة كيانات جديدة كانت معنية بأن تبرر (وتبرز) خيانتها للدولة العثمانية وعملها ضد مصلحة هذه الدولة وضد مصلحة المسلمين فضلا عن مصلحة الشعوب التي أصبحت هذه النُظم الجديدة مُتحكمة في أمرها بما تشاء من فرض الظواهر المعنوية المعادية للهوية الإسلامية ورواية التاريخ بأسلوب مُخالف للحقيقة. وسأحاول في عُجالة أن ألخص حجم الإنجاز العظيم الذي لم يتكرر منذ مائة عام، وإن كان الإسرائيليون قد بدأوا في الآونة الأخيرة يُبشرون بقدرتهم على إنجاز مشروع شبيه، وإن لم يكن بكامل إنجاز المشروع القديم.

أولا: بلغت أطوال هذه السكة قرابة ألفي كيلو متر، وإذا علمنا أن بعض الدول الرائدة في إدخال السكك الحديدة لم تكن قد وصلت إلى هذا الرقم، ولم تصل إليه إلا بعد ذلك بكثير، فإننا نُدرك حجم وضخامة الإنجاز الذي تم في إنجاز ما يزيد على ألف وتسعمائة متر من السكك الحديدية، وقد تمثلت الصعوبة الكبرى في هذا المشروع في أنه تم في أرض غير مستوية وغير سهلة، فقد وصلت خطوط السكك الحديدية إلى مستوى 400 متر فوق سطح البحر في بعض المناطق و200 متر تحت سطح البحر في مناطق أخرى، ويكفي هذا للتدليل على حجم وطبيعة الإنجاز الإنشائي الذي كان يتطلب كما نعرف في السكك الحديدية أن يكون مستواها من بدايتها إلى نهايتها هو نفس المستوى سواء استدعى هذا بناء خطوط السكك عالية عما يُحيطها أو منخفضة عما يُحيطها، وما يستتبعه هذا من أعمال إنشائية كثيرة وضخمة.

ثانيا: كان السلطان عبد الحميد الثاني هو الذي تحمس للمشروع، وكان الذي اقترحه عليه وتولاه ورعاه هو أحمد عزت العابد على نحو ما ذكرنا في مدونة سابقة، وقد سمي المشروع باسمه "سكك الحجاز الحميدية" وأطلق في ذكرى توليه العرش في أول سبتمبر 1900 وكان من الذين بذلوا الجهد في إنجازه كثير من العرب العاملين في ظل العثمانية ومنهم محمد فوزي باشا العظم والي دمشق ووالد الرئيس السوري خالد العظم، وكان الخط الرئيسي يمتد من مزيرب إلى درعا إلى الزرقاء إلى دمشق إلى عمان إلى معان إلى تبوك إلى مدائن صالح إلى المدينة المنورة ويبلغ طوله 1464 كيلومتر أما الخط الواصل إلى شرق البحر فكان يمتد ما بين القدس وحيفا ودمشق وبيروت وحلب.


الصحافة البريطانية شنت حملة على هذا المشروع وصورته (بأقلام مناصريها العرب) على أنه نهب لأموال المسلمين، وكان السبب في هذا أن الخبرة الهندسية كانت ألمانية القيادة

ثالثا: كانت النتيجة الفورية لإنشاء هذا الخط أن ارتفعت أعداد الحجاج إلى ما بين ثلاثة وأربعة أضعاف، ارتفعت الأعداد من 80 ألف إلى 300 ألف حاج.

رابعا: وصلت تبرعات المسلمين لبناء هذا الخط إلى 4 مليون ليرة تركية وهو ما يوازي أكثر من 85 % من تكلُفته التي بلغت 4,5 مليون ليرة وتكفل الوازع الديني وحده بكل هذا الإخلاص لهذا المشروع الحضاري، وكانت الدولة العثمانية عند حسن الظن بها فلم تبخل على من تبرعوا لهذا المشروع بالأوسمة والميداليات والشهادات على نحو ما كان معهودا في ذلك الزمان.

خامسا: تمثل قصر نظر العرب الشديد فيما لقيه هذا الخط العظيم من كراهية العرب له، وقد فهم الأوربيون هذا في إطار ما وصفوه بأنه كراهيتهم الوراثية (أو الفطرية) لأي رابطة تُقوي الصلة بينهم وبين بعضهم البعض، وهي الصفة التي يذهب بعض مؤرخيهم إلى القول بأنها كانت السبب الحقيقي في سقوط دولة العرب في الأندلس، وقد ذكرتُ في إحدى محاضراتي في أوروبا أن بعض المواطنين في مناطق البدو في الأردن كانوا لا يزالون حتى سنوات قريبة يتذكرون أن أكبر فائدة عادت عليهم من الثورة (!!) التي قادها الشريف حسين كانت هي الفلنكات الخشبية الضخمة التي ورثوها بالمجان بعد تدمير السكك الحديدية، وسرقة خطوطها.

فقد ظلت هذه الفلنكات في أماكنها يلجأ إليها هؤلاء البدو من عام لآخر ليستدفئوا بخشبها في برد الشتاء، وهكذا يظن هؤلاء أن الثورة العربية (المنكوبة) أورثتهم هذه الثروة من أخشاب التدفئة، ولا يدركون أن السكك الحديدية لو ظلت على كيانها الذي أقامه العثمانيون لارتفع مستوى دخل بلادهم أضعافا مضاعفة ولنقلتهم من حال الفقر المدقع إلى ثراء لا يقل عن الثراء الأوروبي في المناطق الواقعة على مثل هذا الخط الحضاري الذي لا يوجد مثله استراتيجيا في أمريكا ولا أوروبا حتى الآن.. لكن هذا المثل البارز على الترويج بالباطل للخراب يدلنا بكل وضوح على قيمة الوعي وعلى نتائج أزمة غياب الوعي.

سادسا: تكشف لنا كتب التاريخ الأوروبي عن تلك الفترة كثيرا من الحقائق الجوهرية في نظرة الغربيين إلى مستقبل التنمية في الأقطار العربية (سواء في ذلك العثمانية أو التي خرجت من الحرب العالمية الأولى إلى مسميات قومية وقُطرية)، وعلى سبيل المثال فإن الصحافة البريطانية شنت حملة على هذا المشروع وصورته (بأقلام مناصريها العرب) على أنه نهب لأموال المسلمين، وكان السبب في هذا أن الخبرة الهندسية كانت ألمانية القيادة وضمت بعض الفرنسيين والنمساويين والبلجيكيين بينما لم يشترك فيها أحد من الإنجليز.. لكن العجيب في الأمر أن بعض الألمان تورطوا أيضا في مهاجمة المشروع ومنهم سفير ألمانيا لدى الدولة العثمانية.

bf30bd7b-40a9-4b9e-90a4-db370100b2c2


لكن هذا يهون إذا علمنا أن معاهدة سيفر المشئومة (1920) أجبرت الدولة العثمانية على التخلي عن حقوقها في هذا الخط أن تترك ملكيته للدول التي يمر بها لتتولى هذه الدول تخريبه بنفسها إلا بعض أجزاء كان يستحيل تخريبها لكثافة استعمالها وفي مقدمتها الخط الواصل بين العاصمتين الأردنية والسورية وإن كان هذا التدهور قد ظل يُلقي بتبعاته المتكاثرة على كل مكونات ومقومات هذا الخط حتى توقف في 2011.

سابعا: من الطريف في هذا المقام أن نذكر للمهندسين الأمريكيين ريادتهم المبكرة (التي يُنكرها مؤرخونا ويظنون أنها لم توجد إلا بعد الحرب العالمية الثانية) فمن الثابت أن أول من اقترحه 1864كان مهندسا أمريكيا وقد تقدم بالاقتراح للسلطان عبد العزيز بالمواكبة لابتهاج مصر بإنشاء مصر لخطوطها الحديدية، وقد أعجب بها السلطان عبد العزيز حين زار مصر 1863 في مطلع عهد الخديوي إسماعيل الذي تسلم مصر بعد ما كانت خطوط سككها الحديدية قد تمت في عهد الواليين المظلومين عباس وسعيد.. لكن السلطان عبد العزيز لم يتحمس وقتها للمشروع.

ثامنا: من المدهش أن إسرائيل التي طرحت فكرة إعادة مثل هذا الخط لتقفز على الصراع السياسي بتعاون اقتصادي، لا تكف عن التلويح بإنجازه ليكون لها دور الأسد فيه، لكنها حين تفعل ذلك لا تقرنه كما يفعل العرب بكراهية العثمانيين، بل إنها رغم كراهيتها التامة للدولة العثمانية وشماتتها في نهايتها لم تغفل أن تحتفل بالذكرى المئوية لوصول خط سكة حديد الحجاز إلى حيفا الفلسطينية التي لم تكن بالطبع خاضعة للاحتلال الصهيوني في ذلك الوقت الذي وصلتها سكة الحديد العثمانية (1905) ومع هذا فقد احتفلت إسرائيل بما يكره العرب أن يحتفلوا به حقدا على أنفسهم.

https://blogs.aljazeera.net/blogs/2019/1/11/السكة-الحديد-الإنجاز-الذي-دمره-العرب-حقدا-على-أنفسهم
 

ينشر مزورو التاريخ ان العثمانيين اشادو السكة لسرقة الحجرة النبوية ومقتيناتها:



ولم يسرق فخري باشا أموال أهل المدينة كما يزعم هؤلاء الافاكين بل بقيت صناديق الذهب والفضة والمجوهرات الخاصة بالوقف في صناديق محفوظة حتى سقوط حكومة الشريف حسين وأبنائه, وهناك شهادة مُسجلة صوتياً لمواطن سعودي حضر فتح تلك الصناديق, وسوف أرفقها هنا لإثبات كذب وافتراء ما يروجه أزلام آل سعود حول تلك الفرية,

حيث يروي المُحقق السعودي عايض بن عمر الرويس قائلاً :




أما من سرق الحجرة النبوية فهو سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود (( أحد حكام الدولة السعودية الأولى حكم من 1803 حتى وفاته عام 1814)) , الذي نهب مُقتنيات الحجرة النبوية, فباع بعضها ووزع الحلي والمجوهرات على زوجاته وبناته, وقام ولده عبد الله بن سعود بإرجاع ما تبقى من تلك المسروقات وهو عبارة عن صندوق صغير فيه بعض المقتنيات, وذلك بعد سقوط الدرعية وأخذه أسيراً إلى مصر, ثم قدمه إلى والي مصر محمد علي باشا لعله يشفع له عند الباب العالي, فقال له: خذ الصندوق معك وقدمه للسلطان لعله يعفو عنك,

إذن من سرق مُقتنيات الأوقاف وحجرة الرسول هم آل سعود وليس الأتراك, بل السلاطين الأتراك وزوجاتهم هم من كانوا يتبرع بتلك الحُلي والأموال لتكون وقفاً عاماً للمُسلمين.
 

خريطة المشروع ان يكون من اسطنبول حتى مكة المكرمة

Dxnnro1WoAEDgGC.jpg
 
كان المهندسين من المانيا اما العمال فالجيش التركي اما استفادة اهالي المناطق التي يمر بها القطار فهو سوء العذاب اللذي يمارسه الترك على الاهالي ومازالو في العذاب المهين انذاك حتى قطعت اوصال تلك السكك بثورة عربيه والتخلص من احتلال تركي الى غير رجعه وما بقي منه الان الا الاطلال الشاهدة على معاناة الاجداد من هاك الاحتلال.
 
كان المهندسين من المانيا اما العمال فالجيش التركي اما استفادة اهالي المناطق التي يمر بها القطار فهو سوء العذاب اللذي يمارسه الترك على الاهالي ومازالو في العذاب المهين انذاك حتى قطعت اوصال تلك السكك بثورة عربيه والتخلص من احتلال تركي الى غير رجعه وما بقي منه الان الا الاطلال الشاهدة على معاناة الاجداد من هاك الاحتلال.
أى احتلال اى احتلال
 

كيف زور العرب لأولادهم تاريخ الدولة العثمانية
=============



قبل 8 ساعات


في أحيان كثيرة تضطر مناهج التاريخ إلى التنازل عن موضوعاتها لصالح مادة دراسية أخرى تُسمٌى بالتربية القومية أو التربية الوطنية، وتُصبح هذه المادة أحد فروع الدراسات الاجتماعية في مرحلة التعليم الإعدادي فتُصبح هناك حصة دراسية للجغرافيا وحصة دراسية للتاريخ وحصة دراسية للتربية الوطنية، وكذلك الحال في التعليم الثانوي بحيث تُصبح هذه المادة من مواد المجموع ومن مواد النجاح والرسوب بل إن مُخصٌصاتها الزمنية تتضاعف في الأقسام الأدبية وإن احتفظت بحقها أيضا في الأقسام العلمية من التعليم الثانوي.



في منهج هذه المادة تقدم أنظمة الحكم الشمولية التاريخ بعد أن تضربه (أو تخفقه) في الخلاط فيُصبح في حالة سيولة تتحكم في سُكٌرها أو سُكٌريتها أو حلاوتها وملوحتها وحمضيتها أو قلويتها وكثافتها ولزوجتها كما يُمكن لها أن تتحكم في خصائصها الأخرى بأن تُضيف إليها ما تشاء من أيدولوجيتها أو ادعاءاتها.



وفي الدول التي تلتزم بحقوق الإنسان وبمبدأ الحريات السياسية لا يجوز للدولة أٌيٌا ما كانت أن تلجأ إلى هذه المادة الدراسية المُصطنعة بل إن أحد مُقوٌمات التحوٌل من الحياة الشمولية أو نظام الحزب الواحد يتطلب أن تتنازل الدولة عن حقٌها في فرض هذه المادة كمادة دراسية من الأساس.

من الجدير بالذكر والإشادة أن البديل الذي كان موجودا في نظام التعليم المصري في بداية عهد النهضة وبعد ثورة 1919 كان هو بالضبط ما يُسٌمى الآن بالتربية المدنية والسياسية وهي مادة تحرص المجتمعات الحرة على تدريسها ومن حق مصر أن تفخر بأنها في ظل حكومات الوفد والمعارضة في عهد الليبرالية على حد سواء كانت تدرس هذه المادة وكان من أعدٌها و وضع كتبها أدباء عظماء من طبقة الأستاذ عبد العزيز البشري حيث تُقدٌم التربية السياسية والحضارية والمدنية والمجتمعية من خلال التعريف الذكي بالمصطلحات ومعانيها ومراميها ووجودها وتاريخها كما تُقدم مفاهيم علم الاجتماع السياسي والنظم السياسية و نُظم الدولة والحكومة.. الخ. كنت ولا أزال أُجاهد من أجل أن نعود إلى تدريس هذه الكتب على نحو ما أُلٌفت منذ ما يقرب من مائة عام حين كان كل شيء يُصاغ بإتقان وأمانة.



كان هذا المدخل ضروريا لأفسٌر للقارئ كيف صيغت مفاهيم الأجيال المعاصرة عن التاريخ العثماني، فمن الحق أن نقول إن مادة التاريخ لم تتورط في هذا التزوير لا في المقرٌرات ولا في الامتحانات وبخاصة أن المساحة الزمنية المُتاحة لتدريس التاريخ الإسلامي كله محدودة ولا تتناسب مع أي مساحة مناظرة تُقدمها الولايات المتحدة الأمريكية أو أيٌة دول غربية لتاريخها الوطني والقومي والحضاري.. بل إن بعض المناهج الأوروبية المعاصرة تُخصٌص لتاريخنا (باعتباره جزءا من التاريخ الإنساني) أكثر مما يُخصص له في المناهج المصرية.



ماذا حدث للتاريخ العثماني بالضبط في مناهجنا، ومن أن أين أتى التركيز على كل هذه العبارات المتهمة للعثمانيين بالظلم والجور والعسف وإيذاء العرب وإعدامهم؟


في الحقيقة فإن تسعين في المائة من الانتقادات التي تُوجٌهُ للعثمانيين الذين حكموا قرونا طويلة تتعلق بالسنوات الأخيرة من حكم الدولة العثمانية حين تحولت هذه الدولة إلى حكم العسكر الذي نجح في أن يُقدٌم نفسه على أنٌه ملكية دستورية على غرار الملكيات الدستورية المعروفة في بريطانيا وغيرها بينما كان هو البروفة الأقرب إلى النظام الشمولي السوفييتي الذي نشأ بعده واستمرٌ حتى سقط في 1989 مع سقوط حائط برلين.



حتى الآن لم يُسمٌ أحد من الأوروبيين ولا العرب بالطبع ما حدث في الدولة العثمانية منذ 1908 بالاسم الحقيقي وهو "الانقلاب العسكري العثماني". حدث هذا الانقلاب من خلال حزب عسكري الهوى والنوى والأشخاص والطبيعة وقد استولى على الحكم فأنهى عهد السلطان عبد الحميد الذي هو آخر السلاطين العثمانيين حقيقة، وأسند الخلافة أو السلطة أو رئاسة الدولة إلى أخيه محمد الخامس (1909) ثم إلى أخيهما محمد السادس (1918) تحت تهديد السلاح بينما حُكمت الدولة بالجنرالات.



كان الثوب السياسي الذي ارتداه هؤلاء العسكريون الانقلابيون أنهم حزب تركيا الفتاة وقد وصلوا إلى ما قبل ذروة انقلابهم بوصولهم إلى الاستحواذ على صفة المعارضة ضد السلطان عبد الحميد، واستطاعوا الإطاحة بالسلطان عبد الحميد وأصبحوا هم القوة الفاعلة والحاكمة وجاءت الحرب العالمية الأولى فزجٌوا بالدولة العثمانية فيها برعونة العسكر فأطاحوا بالدولة نفسها على نحو ما يفعل العسكريون في كل مكان وزمان حين يتولون السياسة فتخسر شعوبهم كل شيء حتى كيان الدولة وأرضها.



في سنوات حكم العسكر الذين عرفوا تاريخيا باسم الباشوات الثلاثة: طلعت باشا وأنور باشا وجمال باشا عرفت الشعوب العربية البطش الشديد الذي جعل حاكم سوريا جمال باشا يستحق لقب "السفٌاح" الذي أطلقه عليه السوريون، وكان جمال السفٌاح على سبيل المثال حريصا على أن يُبيد كل الزعماء الوطنيين المدنيين وليس في هذا التعبير مبالغة فكلٌ زعماء الشام الذين عاش بعضهم حتى الستينات من القرن العشرين كانوا قد حُكم عليهم بالإعدام في عهده الذي هو عهد عثماني اسما لكنه كان حكم العسكر قبل أن يعرف المصطلح، ومن قلب الحكم العسكري هذا برز مصطفى كمال أتاتورك والأتاتوركية.



وهنا نجد العرب الذين درسوا على مناهج الناصرية والبعث ينسُبون فظائع حكم العسكر الذين استولوا على مقدُرات الأمور في الدولة العثمانية منذ انقلابهم واستيلائهم على مقاليد الحكم في 1909 إلى العثمانيين
بينما كان هؤلاء عسكر كحكام الناصرية والبعث والقوميين العرب.

من ناحية أخرى نجد الإسلاميين وهم يظنون ويتناقلون ما لقنوه من أن التتريك والانحياز ضد العرب لم يبدأ إلا في عهد أتاتورك. بينما كان أتاتورك نفسه حلقة متأخرة من حلقات حكم العسكر الذي بدأ منذ 1909.




من الجدير بالذكر أنه طبقا لمبدأ الفعل ورد الفعل فإن الجمعية العربية للفتاة نشأت كرد فعل على تركيا الفتاة، ومن الطريف انها نشأت في باريس 1909، أما تركيا الفتاة نفسها فتعود بدايتها إلى بدايات القرن العشرين، وفي أكثر التقديرات عراقة فإن جذورها تعود إلى 1889 فقط، وهي في البداية والنهاية حركة طُلاب عسكريين وليست حركة مجتمع مدني، كما أنها في البداية والنهاية كانت صدى لاضطرابات الإنكشارية التي عرفتها الدولة العثمانية في مراحل متأخرة من حياتها ولم تكن حركة إصلاحية ذات مشروع حضاري وإنما كانت في معظم نصوصها وأدبياتها حركة تتريك أو تحيز للمركز الحاكم، يُمكن وصفها بالوصف الشائع الآن عن أبوظبي التي تتحمل الجزء الأكبر من نفقات الإمارات أو الوصف الشائع في السبعينات حين كانت روسيا تتحمل عبء الاتحاد السوفييتي، وحين كانت ألمانيا الديموقراطية تتحمل عبء حلفاء وارسو.. أو ما يزعمه الرئيس ترامب من أنٌ الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل نفقات حلف الأطلنطي بأكثر من الباقين وهو زعم يفتقد الدٌقة. ومن هذه الروح كانت تنشأ دعوات التتريك والانحياز للجنس الطوراني الذي يتحمٌل مسئولية الدولة بينما الأطراف لا تتحمل بل تزدهر.



هكذا زور العرب لأولادهم تاريخ العثمانيين مرتين حين نسبوا سنوات العسكر بطغيانها إلى العثمانيين لا إلى العسكر
، وجعلوها بديلا لخمسة قرون ومرة أخرى حين ظنوا العسكرة لم تبدأ إلا مع أتاتورك بينما كان أتاتورك نفسه هو ثمرتها الأخيرة التي ربما كانت اقٌل قسوة من فترة الباشوات الثلاثة الذين أذاقوا العثمانيين والعرب معهم سوم العذاب.

https://blogs.aljazeera.net/blogs/2019/1/25/كيف-زور-العرب-لأولادهم-تاريخ-الدولة-العثمانية

 

الأتراك لم يخونوا العرب لحظة واحدة منذ 96 عاما وعن مساندة تركيا للعرب في حرب 1973
=============



18/1/2019


نعرف أن الخيانة العربية كانت من الأسباب الرئيسة لانتهاء الدولة العثمانية وما عانته تركيا من هذا الموقف الذي لم يكن له أي مبرر إلا الرغبة المراهقة في قبول الخيانة المؤذية لهم رغم أن السم كان واضحا ولم يكن خفيا. ومع هذا فإن الأتراك الذين أسسوا دولة جديدة باسم الجمهورية في 1923 عاشوا مع العرب حتى الآن 96 عاما يُعانون من تحرشات العرب المتكرٌرة التي لا يُمكن تفسيرها في ضوء الطب النفسي إلاٌ بنزعة جبر التكرار المسيطرة على كثير منهم،

وفي المقابل فإن الأتراك لم يخونوا العرب لحظة واحدة طيلة هذه السنوات الستة والتسعين (1923 ـ 2019) بل على العكس من هذا فإن تركيا وقفت مع العرب ومع مصر بالذات مواقف بطولية تُكتبُ بأحرُف من نور،
ولعلٌ أبرز هذه المواقف هو موقف تركيا في حرب 1973 وهو موقف حقٌق لمصر (والعرب) ما لم تكن تحلم به من أي حليف أو صديق فما بالك بأن هذا الموقف النبيل جاء من دولة عانت من الفتور والنفور المتكررين و اللذين كانت ثورة 1952 قد جعلتهما الطابعين المسيطرين على العلاقات التركية المصرية.



سأبدأ بمُقاربة بسيطة تكشف عن مقارنة ذكية تثبت عظمة الدور التركي فأذكر أنٌنا كنا نقرأ ما يتلمظ به الأستاذ هيكل عن سفر الرئيس أو المشير عامر أو سفره معهما إلى موسكو فنجد الإشارة إلى أن الرحلة طالت مسافتها وطال زمنها لتفادي المرور فوق الأراضي التركية وذلك بسبب أن الطيران السوفييتي لا يمر في الأجواء التركية بسبب أنها عضو في حلف الناتو (حلف شمال الأطلسي) ما بالنا بالمفاجأة المذهلة التي حدثت في حرب أكتوبر 1973 حين سمحت تركيا للجسر الجوي السوفييتي الذي كان ينقل السلاح إلى مصر والعرب بالمرور في الأجواء الجوية التركية (التي لم يكن هناك اتفاقات مرور خاصة بها) وذلك إسعافا للقوات المصرية والعربية المحاربة في حرب أكتوبر 1973 وذلك على الرغم من عضوية تركيا في حلف الأطلنطي الذي تقوده أمريكا التي كانت تُحارب مع إسرائيل!



هل يتصوٌر القارئ الحقيقة التاريخية التي لا يُمكن إنكارها (وإن كان قد تم إخفاؤها عمدا من الجانبين) وهي أن حوالي ألف طائرة سوفييتية قد عبرت الأجواء الجوية التركية إلى القوات العربية المحاربة وقد حملت على متنها 15 ألف طن من الأسلحة والمُعدٌات العسكرية لدعم الجبهة المصرية المحاربة في 1973. وذلك في مواجهة مع الجسر الأمريكي لإسرائيل الذي نقل أكثر من 22 ألف طن من الإمدادات العسكرية ما بين 14 أكتوبر و14 نوفمبر 1973.


ليس هذا فحسب بل إن تركيا التي هي عضو في حلف الأطلنطي وملتزمة بسياسته رفضت أن تستخدم أجواءها الجوية لعبور طائرات الجسر الجوي الأمريكي إلى إسرائيل، وكانت النتيجة أن زادت ساعات الطيران المطلوبة لهذا الجسر، وما ترتٌب على ذلك من ضرورة هبوط هذه الطائرات للتزود بالوقود بعد أن زادت ساعات طيرانها على المعدلات المعروفة سلفا. أكثر من هذا فإن تركيا التي كانت تحكمها حكومة منتخبة رفضت استخدام قاعدة انجرليك التركية التابعة لحلف الأطلنطي في أي دعم لإسرائيل ضد مصر أثناء الحرب.


الموقف التركي المؤيد على طول الخط للرئيس السادات كان سببا جوهريا من أسباب التحريض الأمريكي للانقلاب العسكري في سبتمبر 1980 على حكومة الرئيس سليمان ديميريل



وحين واجهت الدول العربية حملة دولية بسبب قرار حظر تصدير النفط لأمريكا فإن تركيا أعلنت بكل وضوح أنها تقف مع الحق العربي في منع تصدير النفط 1973، وأكثر من هذا فإنه عندما استطاع الرئيس السادات الوصول إلى اتفاقيات فض الاشتباك الأول والثاني ثم كامب ديفيد ومعاهدة السلام ولقي ما نعرفه من تعنٌت الأنظمة العربية في المزايدة عليه لدفعه بشدة وعنف للفشل (وهو التعنٌت الذي وصل إلى حد فرض عقوبات على مصر) فإن حكومة تركيا المنتخبة لم تتوان عن تأييد الرئيس السادات في كل خطواته مؤكدة على ما نادت به تركيا على مدى تاريخها من رفضها العدوان الإسرائيلي في 1967 ومطالبتها إسرائيل بالتخلي عن الأراضي التي استولت عليها بالقوة، وتأكيدها الدعوة إلى مؤتمر جنيف للسلام.



ومن الحق أن نُشير إلى ما لم تُصرٌح به الأدبيات التاريخية حتى الآن من أن الموقف التركي المؤيد على طول الخط للرئيس السادات كان سببا جوهريا من أسباب التحريض الأمريكي للانقلاب العسكري في سبتمبر 1980 على حكومة الرئيس سليمان ديميريل الذي تبادل السلطة مع مُنافسه بولنت أجاويد على مدى سنوات. ولهذا فقد تكفٌل الانقلاب العسكري في 1980 في أولى توجهاته بإعادة السفراء بين تركيا وإسرائيل.



ربما كان هذا المدخل الذي بدأت به كفيلا بأن يشير إلى عدة مظاهر لإخلاص الأتراك للعرب وقضاياهم:

1ــ ففي حرب 1956 كان لحكومة عدنان مندريس دور فدائي في تنبيه الرئيس عبد الناصر إلى المؤامرة التي كانت تجهز ضده، وفضلا عن هذا فقد كان لها موقف داعم لمصر. ووصل الأمر بحكومة مندريس أنها في احتجاجها على هذا العدوان خفضت علاقتها الديبلوماسية بإسرائيل.



2ــ وطيلة فترة الحروب وما بعدها كانت القواعد التركية البحرية (وغير البحرية) تستقبل تدريبات البحرية المصرية بالترحاب والكرم والعناية.



3ــ وكانت تركيا من أوائل الدول الداعمة لمنظمة التحرير الفلسطينية ولكونها الممثل الشرعي لفلسطين.



4ــ وكان لتركيا دورها في إقرار الأمم المتحدة لفكرة اعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتميز العنصري.



5ــ وفي 2006 وقفت تركيا بوضوح مع المقاومة اللبنانية ضد العدوان الإسرائيلي على الرغم من التواطؤ العربي وفي 2008 وقفت تركيا مع غزة وهو ما تكرر في 2010 و2012 و2014 و2018.



6ــ وموقف تركيا من الحرب على العراق موقف مُشرٌف.



7ــ نحن لا نعرف أن لتركيا منذ 1991 مشروع أنابيب السلام لتُزوٌد دول الخليج العربي بالمياه التركية عبر أنابيب طولها 6500 كيلو متر.



300

نعرف أن عبد الناصر كان مع اليونان ضد تركيا في قبرص، لكن المفاجأة التي لا يعرفها الناس لأنها غُيٌبت عنهم أن إسرائيل كانت هي الأخرى مع اليونان ضد تركيا.. وهكذا اصطفٌ الرئيس عبد الناصر للمرة الثانية مع إسرائيل



بقيت مفارقات سياسية قاسية تحتاج شيئا من التمهل في استيعابها:

ــ فنحن نعرف من كتب التاريخ ومن حملات الناصرية المستمرة حتى الآن أن الرئيس عبد الناصر كان ضد حلف بغداد وكان يعتبره ضد العروبة، وكان هذا الحلف يضم ثلاث دول إسلامية هي تركيا وباكستان وإيران مع بريطانيا والعراق التي هي مقر ذلك الحلف.. نعرف هذا ولكننا لا نعرف الجانب الآخر من الحقيقة وهو أن إسرائيل كانت أشدٌ هجوما على حلف بغداد من الرئيس عبد الناصر نفسه.



- نعرف أيضا أن عبد الناصر كان مع اليونان ضد تركيا في قبرص، لكن المفاجأة التي لا يعرفها الناس لأنها غُيٌبت عنهم أن إسرائيل كانت هي الأخرى مع اليونان ضد تركيا.. وهكذا اصطفٌ الرئيس عبد الناصر للمرة الثانية مع إسرائيل (بعد المرة الأولى في الموقف من حلف بغداد).


ــ في المقابل نعرف أن حكومة العسكر في تركيا اعترفت بإسرائيل في 28 مارس 1949 لكننا نتجاهل أن هذا الاعتراف كان ضروريا لأن تُصبح تركيا عضوا في مجلس أوربا وفي حلف شمال الأطلنطي الذي كان قبول تركيا فيه متوقفا على هذا الاعتراف، ومع هذا فإن عسكر تركيا لم يُعيٌنوا رئيس بعثتهم الدبلوماسية إلى إسرائيل إلٌا بعد مدة.

https://blogs.aljazeera.net/blogs/2019/1/18/الأتراك-لم-يخونوا-العرب-لحظة-واحدة-منذ-96-عاما

 
كيف زور العرب لأولادهم تاريخ الدولة العثمانية
=============


الاخ العزيز لادئاني ايضاً الاتراك زوروا تاريخ نهاية الدولة العثمانية بالقول لأولادهم ان العرب خانوا الدولة العثمانية
فيما المصادر العلمية الحيادية " الإنجليزية " تحديداً تقول ان اشرس من قاتل في صفوف القوات العثمانية في معارك نهاية الدولة العثمانية هم مقاتلي بلاد الشام
و لم يخونوا الدولة العثمانية حتى عند أسرهم و تقديم المغريات لهم
و لم ارى اي جهد علمي تركي لتصحيح هذا الخطأ و الإفتراء خاصة بعد وصول حزب العدالة و التنمية الى السلطة ما خلق اجيال تركية تنظر بعين العنصرية البغيضة للعرب
 
عودة
أعلى