التغطية مستمرة الحرب الحديثة .. و مفهوم مركز الثقل في العمليات المشتركة

Nashab

لا تمت قبل أن تكون نداً
صقور التحالف
إنضم
22/2/19
المشاركات
4,284
التفاعلات
19,046
الحرب الحديثة .. و مفهوم مركز الثقل في العمليات المشتركة
مقال من مجلة الأقصى التابعة للقوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي / المقدم الركن طارق إبراهيم العميان

الجيش.jpg


توظف الجيوش في جميع أنحاء العالم منهجيات تخطيط مختلفة لمعالجة المشاكل التي تواجهها وعلى جميع مستويات الحرب، سواء أكانت إستراتيجية أم عملياتية أم تكتيكية، كلا وفقاً لعقيدتها وتاريخها وثقافتها المؤسسية وتجاربها السابقة ونوع التهديدات التي تواجهها. ومع تطور بيئة العمليات في الحرب الحديثة، ظهرت الحاجة إلى عقيدة معاصرة توظف التخطيط المشترك لتنفيذ العمليات المشتركة، والتي تتضمن في مفهومها العام معنى جوهري وهو الدمج الأمثل لكافة عناصر القوة العسكرية المباشرة وغير المباشرة بصورة منسقة ومتزامنة ضمن قيادة موحدة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية العسكرية بفعالية أكبر .

وباستخدام أقل للوقت والجهد والموارد". يطول الحديث حول ماهية العمليات المشتركة وأهميتها في الحرب الحديثة، إلا أن هذا المقال يركز على مفهوم مركز الثقل كأحد عناصر فن العمليات والتصميم العملياتي التي تقوم عليها العمليات المشتركة في الحرب الحديثة.

هنالك عدة تعاريف لمفهوم مركز الثقل الذي طوره في البداية المنظر العسكري والخبير الإستراتيجي كارل فون كلاوتزفتز في كتابه الشهير "في الحرب"، ولعل أبرزها ما ورد في كراسة تخطيط العمليات المشتركة الأمريكية (5.0 JP) بأنه "المصدر الذي يوفر القوة المعنوية أو المادية، أو حرية الحركة، أو الإرادة للقتال لأي قوات مسلحة.

"ويعرف كلاوتزفتز مركز الثقل بأنه "محور الطاقة والحركة التي يعتمد عليها كل شيء آخر". وعلى الرغم من أن مصطلح مركز الثقل ربما يكون من أكثر المصطلحات المختلف عليها على مدى عقود من السنوات، سواء من حيث الفهم أو التطبيق، إلا أن دراسة مركز الثقل أثناء عملية التخطيط للعمليات المشتركة، أي معرفة نقطة قوة العدو على المستويين الاستراتيجي والعملياتي، سيوفر إمكانية تحقيق النصر بأقل الكلف، وخلافا لذلك قد يؤدي التحليل الخاطئ أو المتسرع لمركز ثقل العدو إلى خطر فقدان المبادرة وتضييع الوقت والجهد في التركيز على أهداف لا تؤثر على قوة العدو المعنوية أو حرية الحركة الخاصة به أو إرادته للقتال.
كما يتضح من هذه التعاريف أن مركز الثقل قد يكون قوة عسكرية (مثل قوات الدفاع الجوي لجيش ما)، أو منطقة حيوية (مثل عاصمة دولة ما)، أو مرافق بنية تحتية معنية (مثل محطات توليد الطاقة)، ولا يقل أهمية عن فهم وتحليل مركز الثقل للعدو فهمه وتحليله للقوات الصديقة، حيث يساعد ذلك في تعزيز إجراءات الأمن والحماية المركز الثقل وبالتالي حرمان العدو من فرصة مهاجمته والتأثير على عمليات القوات الصديقة.

3ث.jpg


وقد أثبت تطور الحرب الحديثة وتغير طرق الصراع أن مركز الثقل لا يزال أحد ركائز النصر وليس كما يعتقد البعض بأن هذا المفهوم يرتبط بالحرب التقليدية فقط والتي يتواجه فيها الجيوش بكامل عدته وعتاده، فعلى النقيض من الحروب السابقة التي كان يتم فيها تحديد مركز ثقل العدو بطريقة تقليدية كما شهد التاريخ العسكري في الحرب العالمية الأولى والثانية أو حرب فيتنام أو الحرب الباردة، فإن الغموض المحيط بالعدو في الحرب على الإرهاب على سبيل المثال يمثل تحديات جديدة أكثر تعقيدا في تقييم مقولة كلاوزفيتز حول مركز الثقل بنجاح.
في السابق، كان يكفي إعلان أن جيش دولة ما، أو قيادتها، أو ثروتها الوطنية هو مركز ثقلها، وبعد تحديد ذلك، يمكن تشكيل مجموعة مناسبة من الأهداف لإلحاق الضرر أو تدمير مركز الثقل وبالتالي قدرة الخصم على شن الحرب أو إرادته القتالية، إلا أن الحرب على الإرهاب تتطلب أن يذهب تفكير المخططين إلى أبعد من ذلك بكثير إن التخطيط السليم للعمليات المشتركة التي تستهدف الإرهاب يتطلب النظر إلى مركز ثقل أي منظمة إرهابية بطريقة غير تقليدية، فلا يكفي استهداف العوامل الحرجة الملموسة للمجموعة ، مثل قواعدها العسكرية العملياتية، أو أعضاؤها البارزين، أو قدرتها المالية للقضاء عليها، حيث أن الفكر الأيديولوجي المتطرف للمنظمة، أو علاقتها بقاعدتها الشعبية الحاضنة، أو رسالتها الإعلامية، قد تكون مركز ثقلها الحقيقي، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال إيقاف استهداف المنظمات الإرهابية من خلال العمليات العسكرية التقليدية، فالعمل بشكل متواز بين الاستهداف التقليدي والحرب الناعمة سيؤدي إلى تحقيق النهاية المرغوبة والتي قامت الحرب من أجلها أساسا.

والصراع في الحرب الحديثة لا يقتصر على مواجهة عدو بشري فقط، سواء كان جيشا نظاميا أو جماعات متطرفة، فالأزمات الصحية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية تفرض تحديات على القوات المسلحة قد لا تقل ضراوة عن الحرب بمعناها المتعارف عليه، وقد أثبتت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) أن التأثير الوبائي يستهدف الجيوش كما يستهدف مؤسسات الدولة الأخرى، وعلى الرغم من أن الجهد الرئيسي لمواجهة مثل هذا الوباء قد لا يقع على عاتق المؤسسة العسكرية بقدر ما يقع على عاتق المؤسسات الحكومية الأخرى مثل السلطات الصحية والإعلامية وغيرها، إلا أن بيئة العمليات الجديدة هذه تحتم على الجيوش القيام بالتخطيط لعمليات مشتركة بتفكير مختلف يأخذ بالاعتبار طبيعة هذا العدو ومدى تأثيره، حيث يمكن للقوات المسلحة على سبيل المثال وضع آلية عمل واضحة للسيطرة على مناطق المسؤولية للوحدات والتشكيلات المختلفة ومنع حركة الدخول والخروج إليها من خلال تسخير كافة الإمكانيات المتوفرة وبتنسيق جميع الأجهزة المعنية للضبط والسيطرة وغلق المناطق الموبوءة وتنفيذ عمليات الحجر الصحي على كافة قاطني هذه المناطق ومن ثم عزل المصابين في المستشفيات المخصصة لذلك، وتبقى عملية تحليل مركز الثقل للعدو، حتى وإن لم يكن بشريا، الفيصل لقدرتنا على مجابهته أم لا، ومركز الثقل لفيروس كورونا المستجد (كوفيد۱۹-) قد يكون سرعة انتشاره وارتفاع نسبة العدوى به، وهذا يتطلب إجراءات وقاية للحد من تأثير هذا الفيروس على المؤسسة العسكرية والتي قد يمثل تفشي الوباء فيها خطرا كبيرا يهدد الأمن القومي للدولة.
لقد سعت القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي ومنذ تأسيسها في أوائل عشرينيات القرن الماضي، إلى مواكبة التطورات في مختلف المجالات العسكرية، مثل التخطيط والعمليات والتدريب والتأهيل والتسليح، حيث تفرض البيئة العملياتية المعقدة الحالية تحديات مستمرة تستدعي أهمية الاستمرار في الهيكلة والتطوير بهدف إبقاء القوات المسلحة الأردنية قادرة على أداء الواجبات الموكلة لها باحترافية ومهارة عالية، وهذا التطور شمل في السنوات الأخيرة العمليات المشتركة، حيث يتم التدريب عليها وتطبيقها في مختلف الخطط والاستراتيجيات الخاصة بالقوات المسلحة الأردنية، والتي تأخذ بالاعتبار مركز الثقل كمفهوم مهم للغاية في العمليات المشتركة.
 
عودة
أعلى