الحجاج بن يوسف الثقفي : ايجابياته وسلبياته وادارته وفتوحاته وشهادات فيه

لادئاني

مستشار المنتدى
إنضم
16/12/18
المشاركات
27,935
التفاعلات
76,809

نسبه :


هو أبو محمد الحجاج واسمه كليب بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف بن مُنبّه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خَصَفَة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، الثقفي


الميلاد: 1 يونيو 661 م الموافق لعام الجماعة 41 هجرية ، الطائف، السعودية

الوفاة: 1 يونيو 714 م، واسط، العراق




نشأته
=====


وُلِدَ في منازلِ ثقيف بمدينة الطائف، في عام الجماعة 41 هـ. وكان اسمه كُليب ثم أبدَلَهُ بالحجَّاج.

وأمُّه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي الصحابي الشهيد.

نشأ في الطائف، وتعلَّم القرآن والحديث والفصاحة، ثم عمل في مطلع شبابه معلم صبيان مع أبيه، يعلم الفتية القرآن والحديث، ويفقههم في الدين، لكنه لم يكن راضياً بعمله هذا، على الرغم من تأثيره الكبير عليه، فقد اشتُهِر بتعظيمه للقرآن. كانت الطائف تلك الأيام بين ولاية عبد الله بن الزبير،وبين وِلاية الأمويين، لكن أصحاب عبد الله بن الزبير تجبَّرُوا على أهل الطائف، فقرَّر الحجاج الانطلاق إلى الشام، حاضرة الخلافة الأموية المتعثرة، التي تركها مروان بن الحكم نهباً بين المتحاربين. قد تختلف الأسباب التي دفعت الحجاج إلى اختيار الشام مكاناً ليبدأ طموحه السياسي منه رغم بُعدِ المسافة بينها وبين الطائف، وقرب مكة إليه، لكن يُعتقد أن السَّبب الأكبر كراهته لولاية عبد الله بن الزبير.



التحاقه بالامويين
=========

في الشام، التحق بشرطة الإمارة التي كانت تعاني من مشاكل جمة، منها سوء التنظيم، واستخفاف أفراد الشرطة بالنظام، وقلة المجندين. فأبدى حماسةً وانضباطاً، وسارع إلى تنبيه أولياء الأمر لكل خطأ أو خلل، وأخذ نفسه بالشدة، فقربه روح بن زنباع قائد الشرطة إليه، ورفع مكانته، ورقاه فوق أصحابه، فأخذهم بالشدة، وعاقبهم لأدنى خلل، فضبطهم، وسير أمورهم بالطاعة المطلقة لأولياء الأمر. رأى فيه روح بن زنباع العزيمة والقوة الماضية، فقدمه إلى الخليفة عبد الملك بن مروان، وكان داهية مقداماً، جمع الدولة الأموية وحماها من السقوط، فأسسها من جديد.

إذ أن الشرطة كانت في حالة سيئة، وقد استهون جند الإمارة عملهم فتهاونوا، فأهم أمرهم عبد الملك بن مروان، وعندها أشار عليه روح بن زنباع بتعيين الحجاج عليهم، فلما عينه، أسرف في عقوبة المخالفين، وضبط أمور الشرطة، فما عاد منهم تراخ ولا لهو إلا جماعة روح بن زنباع، فجاء الحجاج يوماً على رؤوسهم وهم يأكلون، فنهاهم عن ذلك في عملهم، لكنهم لم ينتهوا، ودعوه معهم إلى طعامهم، فأمر بهم، فحبسوا، وأحرقت سرادقهم. فشكاه روح بن زنباع إلى الخليفة، فدعا الحجاج وسأله عما حمله على فعله هذا، فقال إنما أنت من فعل يا أمير المؤمنين، فأنا يدك وسوطك، وأشار عليه بتعويض روح بن زنباع دون كسر أمره.

وكان عبد الملك بن مروان قد قرر تسيير الجيوش لمحاربة الخارجين على الدولة، فضم الحجاج إلى الجيش الذي قاده بنفسه لحرب مصعب بن الزبير.

ولم يكن أهل الشام يخرجون في الجيوش، فطلب الحجاج من الخليفة أن يسلطه عليهم، ففعل. فأعلن الحجاج أن أيما رجل قدر على حمل السلاح ولم يخرج معه، أمهله ثلاثاً، ثم قتله وأحرق داره وانتهب ماله، ثم طاف بالبيوت باحثاً عن المتخلفين. وبدأ الحجاج بقتل أحد المعترضين عليه، فأطاعه الجميع، وخرجوا معه بالجبر لا الاختيار.





حرب مكة وقتل عبد الله بن الزبير
========


في 73 هـ قرر عبد الملك بن مروان التخلص من عبد الله بن الزبير، فجهز جيشاً ضخماً لمنازلة ابن الزبير في مكة، وأمر عليه الحجاج بن يوسف، فخرج بجيشه إلى الطائف، وانتظر الخليفة ليزوده بمزيد من الجيوش، فتوالت الجيوش إليه حتى تقوى تماماً، فسار إلى مكة وحاصر ابن الزبير فيها، وهنا يزعم البعض بأن الحجاج قد ضرب الكعبة بالمنجنيق حتى هدمها، وقد رد ابن تيمية على ذلك، فقال في الجواب الصحيح (5|264): «والحجاج بن يوسف كان معظما للكعبة لم يرمها بمنجنيق». ويقول في الرد على المنطقيين (1|502): «والحجاج بن يوسف لم يكن عدوا لها ولا أراد هدمها ولا أذاها بوجه من الوجوه ولا رماها بمنجنيق أصلا». أما حكاية المنجنيق فبها شك من أصلها. فالحجاج قد تقدم جيشه واحتل الأخشبين (جبل أبي قبيس الذي عليه القصر الملكي اليوم، وجبل قعيقعان)، وهما مطلان على المسجد الحرام من المشرق والمغرب وقريبين إليه جداً. فما الحاجة للمنجنيق؟ والمسجد الحرام من طابق واحد غير مرتفع، ومن السهل بمكان على جيش من آلاف أن يعلوه ويدخله، وهو ليس مبني أصلاً ليكون حصناً. وهدمه لا يحتاج أكثر من بضعة أيام. فلم طال الحصار إلى عدة شهور؟ وإن دل هذا على شيء، فيدل على حرص الحجاج على الكعبة المشرفة...

أعلن الحجاج الأمان لمن سلم من أصحاب ابن الزبير، وأمنه هو نفسه، غير أن عبد الله بن الزبير لم يقبل أمان الحجاج، وقاتل رغم تفرق أصحابه عنه الذين طمعوا في أمان الحجاج [بحاجة لمصدر] فقتل. وكان لابن الزبير اثنتان وسبعون سنة، وولايته تنوف عن ثماني سنين، وللحجاج اثنتان وثلاثون سنة


قتل الحجاج ابن الزبير وصلبه، وأرسل إلى أمه "أسماء بنت أبي بكر" أن تأتيه، فأبت، فأرسل إليها لتأتين أو لأبعثن من يسحبك بقرونك، فأرسلت إليه: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني. فلما رأى ذلك أتى إليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعبد الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، وقد بلغني أنك كنت تعيره بابن ذات النطاقين، فقد كان لي نطاق أغطي به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم من النمل ونطاق لا بد للنساء منه فانصرف ولم يراجعها. وقيل دخل الحجاج عليها فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم. قالت: كذبت، كان برا بوالديه، صواما قواما، ولكن قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج من ثقيف كذابان، الآخر منهما شر من الأول، وهو مبير. إسناده قوي وهذا درس في الصدع بقول الحق أمام الجبابرة، لا يقدر عليه إلا من أوتي قوة وشجاعة دين وتوكل.



توليته الحجاز
==

بعد أن انتصر الحجاج في حربه، أقره عبد الملك بن مروان على ولاية مكة وأهل مكة. وكان وإياهم وأهل المدينة على خلاف كبير، وفي 75 هـ قدم عبد الملك بن مروان المدينة، وخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فعزل الحجاج عن الحجاز لكثرة الشكايات فيه، وأقره على العراق.



توليته العراق
===

دامت ولاية الحجاج على العراق عشرين عاماً، وفيها مات. وكانت العراق عراقين، عراق العرب وعراق العجم، فنزل الحجاج بالكوفة، وكان قد أرسل من أمر الناس بالاجتماع في المسجد، ثم دخل المسجد ملثماً بعمامة حمراء، واعتلى المنبر فجلس وأصبعه على فمه ناظراً إلى المجتمعين في المسجد فلما ضجوا من سكوته خلع عمامته فجأة وقال خطبته المشهورة التي بدأها بقول:

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ..... متى أضع العمامة تعرفوني

وبين في خطبته سياسته الشديدة، وبين فيها شخصيته، كما ألقى بها الرعب في قلوب أهل العراق. ومن العراق حكم الحجاج الجزيرة العربية، فكانت اليمن والبحرين والحجاز، وكذلك خراسان من المشرق تتبعه، فقاتل الخوارج، والثائرين على الدولة الأموية في معارك كثيرة، فكانت له الغلبة عليهم في كل الحروب، وبنى واسط، فجعلها عاصمته.



حروبه مع الخوارج
===========

في عام 76 هـ وجه الحجاج زائدة بن قدامة الثقفي لقتال شبيب الشيباني البكري الوائلي، فكانت الغلبة لشبيب. وفي السنة التي تلتها بعث الحجاج لحرب شبيب: عتاب بن ورقاء الرباحي، الحارث بن معاوية الثقفي، أبو الورد البصري، طهمان مولى عثمان. فاقتتلوا مع شبيب في سواد الكوفة، فقتلوا جميعاً، وعندها قرر الحجاج الخروج بنفسه، فاقتتل مع شبيب أشد القتال، وتكاثروا على شبيب فانهزم وقتلت زوجته غزالة الحرورية وكانت تقود النساء الخارجيات. ويروى أنها نذرت أن تصلي ركعتين في مسجد الكوفة والحجاج بها تقرأ فيهما سورتي البقرة وآل عمران ووفت بنذرها في حماية 70 من جند الخوارج ولم يستطع الحجاج منعها، وقيل في ذلك الكثير من أبيات الشعر ومن أشهرها: "وفت غزالة نذرها رب لا تغفر لها"، فهرب شبيب إلى الأهواز، وتقوى فيها، غير أن فرسه تعثر به في الماء وعليه الدروع الثقيلة فغرق. وقضى الحجاج على من بقي من أصحابه.

في 79 هـ أو 80 هـ قُتل قطري بن الفجاءة رأس الخوارج، وأُتي الحجاج برأسه، بعد حرب طويلة.




ثورة ابن الاشعث على الحجاج
============

في 80 هـ ولى الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث على سجستان، وجهز له جيشاً عظيماً للجهاد. فلما استقر ابن الأشعث بها خلع الحجاج، وخرج عليه، وكان ذلك ابتداء حرب طويلة بينهما. وفي 81 هـ قام مع الأشعث أهل البصرة، وقاتلوا الحجاج يوم عيد الأضحى، وانهزم الحجاج، فقيل كانت أربع وثمانون وقعة في مائة يوم، ثلاث وثمانون على الحجاج والباقية له. وفي 82 هـ استعرت الحرب بين الحجاج وابن الأشعث، وبلغ جيش ابن الأشعث مبلغاً كبيراً من القوة والكثرة، ثم جاءت سنة 83 هـ وفيها وقعة دير الجماجم بين الحجاج وابن الأشعث.كانت من أكثر الوقائع هولاً في تاريخ بني أمية، وكان له فيها النصر على الثوار من أصحاب ابن الأشعث. وقُتل فيهت خلق كثير، وغنم الحجاج شيئاً كثيراً.

وكانت تلك معركة الفصل بين الثقفي والكندي. فيها ظفر الحجاج بكل أصحاب ابن الأشعث، بين قتيل وأسير، إلا ابن الأشعث، فقد قرر الالتجاء إلى رتبيل. إلا أن الحجاج هدد رُتبيل بغزو بلاده إن لم يسلِّمه ابن الأشعث، ووافق رتبيل شريطة ألاّ تغزى بلاده عشر سنين، وأن يؤدي بعد هذه السنين العشر مئة ألف درهم في كل سنة. أدرك ابن الأشعث أنه سيُسلّم إلى عمارة بن تميم اللخمي قائد جيش الحجاج، فتحيّن غفلة من الحرس وألقى بنفسه من فوق القصر فمات واحتز جند رتبيل رأسه وأرسلوه إلى الحجاج سنة 85 هـ، وانتهت بموته ثورة كانت من أقسى الأزمات التي واجهتها الدولة الأموية.




الخليفة الوليد بن عبد الملك واقرار الحجاج على ولايته
============

ثم مات عبد الملك بن مروان في 86 هـ، وتولى ابنه الوليد بعده، فأقر الحجاج على كل ما أقره عليه أبوه، وقربه منه أكثر، فاعتمد عليه. كان ذلك على كره من أخيه وولي عهده سليمان بن عبد الملك، وابن عمه عمر بن عبد العزيز. وفي ولاية الوليد هدد سليمان بن عبد الملك الحجاج إذا ما تولى الحكم بعد أخيه، فرد عليه الحجاج مستخفاً مما زاد في كره سليمان له ولمظالمه، وإذ ذاك كان قتيبة بن مسلم يواصل فتوحه في المشرق، ففتح بلاداً كثيرة في تركستان الشرقية وتركستان الغربية واشتبكت جيوشه مع جيوش الصين وكان الحجاج من سيره إلى تلك البلاد. وفي نفس الوقت قام ابن أخ الحجاج بفتح بلاد السند (باكستان اليوم).




وفاته
=====



وتوفي بمدينة واسط في العشر الأخير من رمضان 95 هـ (714 م)، قال محمد بن المنكدر: كان عمر بن عبد العزيز يبغض الحجاج فنفس عليه بكلمة قالها عند الموت: «اللهم اغفر لي فإنهم زعموا أنك لا تفعل». وروى الغساني (لم أعرفه) عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: «ما حسدت الحجاج عدو الله على شيء حسدي إياه على: حبه القرآن وإعطائه أهله عليه، وقوله حين حضرته الوفاة: "اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل"». وقال الأصمعي: لما حضرت الحجاج الوفاة أنشأ يقول:


يَا رَبِّ قَدْ حَلَفَ الأَعْدَاءُ وَاجْتَهَدُوا .... بِأَنَّنِي رَجُلٌ مِنْ سَاكِنِي النَّارِ
أَيَحْلِفُونَ عَلَى عَمْيَاءَ؟ وَيْحَهُمُ .... ما عِلْمُهُمْ بكريم العَفْوِ غَفَّارِ؟

ترك الحجاج وصيته، وفيها قال: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف: أوصى بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك، عليها يحيا وعليها يموت وعليها يبعث.. الخ.

ويروى أنه قيل له قبل وفاته: ألا تتوب؟ فقال: إن كنت مسيئاً فليست هذه ساعة التوبة، وإن كنت محسناً فليست ساعة الفزع. وقد ورد أيضاً أنه دعا فقال: اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل.

دُفن في قبر غير معروف المحلة في واسط، فتفجع عليه الوليد، وجاء إليه الناس من كل الأمصار يعزونه في موته، وكان يقول: كان أبي يقول أن الحجاج جلدة ما بين عينيه، أما أنا فأقول أنه جلدة وجهي كله.



ميراث الحجاج
=====



بنى الحجاج واسط، وسير الفتوح لفتح المشرق، خطط الدولة وحفظ أركانها قامعاً كل الفتن.

غير أن الحجاج خلف أيضاً ميراثاً من الظلم وسفك الدماء لم يسبق له مثيل.

كما خلف في قلوب الناس، حتى الأمويين، كرهاً له وحقداً عليه لأفعاله، ومنها حرب ابن الزبير وقتله إياه في مكة، وما فعله في وقعة دير الجماجم.

وحقد عليه الخوارج لعظيم فعله بهم، والشيعة لعدم احترامه آل البيت.

بقي ميراث الحجاج حياً إلى الآن، فلا يزال موضع حرب وتطاحن بين المختلفين، ولا تزال الأخبار المختلقة تخالط سيرته، ولا زال يُلعن ويُسب. ويراه الباحثون في التاريخ السياسي نموذجاً للطاغية الظالم سفاك الدماء.



مذهبه في الحكم
========

كان الحجاج يرى بتكفير الخارج على السلطان وطرده من الملة، لذلك كان يرى ما يفعله تقرباً لله يرجو به الأجر. وهذا تناقض في فعل الحجاج بين قتله المتقين من الناس من أمثال سعيد بن جبير وبين أعمال الخير التي قام بها كالفتوحات وتعظيم القرآن وتنظيم أمور المسلمين.

قيل بعد موته أن رجلاً رفض الصلاة خلف إمام من الخوارج، فقال له أحد أئمة البصرة: إنما تصلي لله ليس له، وإنما كنا نصلي خلف الحروري الأزرقي. قال: ومن ذاك؟ قال: الحجاج بن يوسف، فإنك إن خالفته سماك كافراً وأخرجك من الملة، فذاك مذهب الحرورية الأزارقة.



الحجاج وعلاقته مع اهل العراق واهل الشام
===========



العلاقة بين الحجاج وأهل العراق هي من أكثر العلاقات تعقيداً وطرافة، ومن أكثرها ترويعاً في التاريخ الإسلامي، فالحجاج وُلي على العراق كارهاً لأهلها، وهُم له كارهون، واستمرت العلاقة بينهما بالإجبار.

كان الحجاج دائم السب لأهل العراق في خطبه، فكثيرة خطبه التي يذكر فيها أهل العراق بشكل سيئ، والتي يرى فيها العراقيون إساءة إلى اليوم.

فدائماً كان يذكرهم:

"يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق...." إلى آخر خطبه، والتي يمعن فيها في ذكر صفاتهم:
"فإنكم قد اضجعتم في مراقد الضلالة..."، وغير ذلك من الخطب الكثيرة فيهم، كراهة منه لهم.

ومن ذلك أنه لما أراد الحج[؟] استخلف ابنه محمد عليهم، وخطب فيهم أنه أوصى ولده بهم بغير وصية الرسول في الأنصار، أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، فقد أوصاه ألا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم، وقال لهم: أعلم أنكم تقولون مقالة لا يمنعكم من إظهارها إلا خوفكم لي، لا أحسن الله لك الصحابة، وأرد عليكم: لا أحسن الله عليكم الخلافة.

وأنهم شمتوا به يوم فُجع بولده محمد، وأخيه محمد في نفس اليوم، فخطب فيهم متوعداً إياهم.
ومن ذلك أنه مرض فشاع بين الناس موته، فخرج أهل العراق محتفلين بموته، غير أنه قام من مرضه ليخطب فيهم خطبة قال فيها: "وهل أرجو الخير كله إلا بعد الموت"

أما أهل الشام[؟] فكانوا أكثر الناس محبة للحجاج، وأكثرهم نصرة له، وبكاء عليه بعد مماته، وقيل أنهم كانوا يقفون على قبره فيقولون رحم الله أبا محمد. وكان الحجاج محباً لهم، دائم الإشادة بخصالهم، والرفع من مكانتهم، وكان كثير الاستنصار بهم، ومعظم جيشه كان منهم، وكان رفيقاً بهم.


شخصيته
=====

كان معروفاً بحُسن العبادة، وكان غيوراً على القرآن معظّماً له وكان هو وأبوه يعلمان القرآن للصبيان في الطائف بلا مقابل ويجزل العطاء لأهله، وكان الحجاج بعيداً كل البعد عن الملذات، زاهدا في المال وكان صاحب مواعظ بليغة معروف ببعده عن صفات النفاق الثلاثة، وكل هذه الصفات لا تنفي مغالاته في التكفير أي أنه يفعل ما يفعله تديناً وتقربا لله حتى أنه لقب نفسه بـ مبير المنافقين


 
التعديل الأخير:

الايجابيات:
=====


كان الحجاج بن يوسف الثقفي والياً على العراق من قِبل عبد الملك بن مروان وثم الوليد ..


1- الحجاج نشأ شابا لبيبا فصيحا بليغا حافظا للقرآن ، قال بعض السلف : كان الحجاج يقرأ القرآن كل ليلة ، وقال أبو عمرو بن العلاء : "ما رأيت أفصح منه ومن الحسن البصري ، وكان الحسن أفصح منه" .


وقال عقبة بن عمرو : "ما رأيت عقول الناس إلا قريبا بعضها من بعض ، إلا الحجاج وإياس بن معاوية ، فإن عقولهما كانت ترجح على عقول الناس"البداية والنهاية - ----(9/138-139) .



2-قال ابن كثير : "" وكانت فيه شهامة عظيمة وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر ، وكان يكثر تلاوة القرآن ، ويتجنب المحارم ، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج ،



3- وقد كان الحجاج حريصا على الجهاد وفتح البلاد ، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن ، فكان يعطي على القرآن كثيرا ، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلاثمائة درهم " انتهى ......."البداية والنهاية" (9/153)



4- قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء : وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن .



5- أمر الحجاج بتنقيط القرآن الكريم وقسمه الى أجزاء ثلث وربع وخمس ونصف وتعريب الدواوين من الفارسية والرومية الى العربية


6- كان حريصا على الجهاد وفتح البلاد واختيار القادة الأكفاء لذلك مثل قتيبة بن مسلم الباهلي (( فتح بخاري وسمرقند وخوارزم و بلخ وكاشغر ...)) ومحمد بن القاسم الثقفي الذي فتح بلاد السند وماحولها وقنوج ....


وكان الحجاج يقول لأمراء الفتوح : سيروا فأنتم أمراء على ما افتتحتم ...وكتب الى الباهلي والثقفي يحثهما على فتح الصين : أيكما سبق الى الصين فهو اميرها


7- كان بعض الصحابة كأنس وابن عمر يصلون خلفه


8-كان كريماً و رائداً من رواد الحزم والاصلاح والزهد والتقوى وذو شجاعة ومروءة واقدام ومكر وحفظ أركان الدولة الأموية وقمع كل الفتن وقاتل الخوارج وكل الحركات الهدامة للاسلام



9- منع الحجاج النياح على الموتى وقتل الكلاب الضالة ومنع توسيخ الأماكن العامة ومنع بيع الخمور وقام باتلاف الخمور وبنى الجسور


10- أنشأ الصهاريج قرب البصرة لتخزين المياه وجمع مياه الأمطار لتكون مياه شرب لحجاج بيت الله الحرام وحفر الآبار في الأماكن المنقطعة


11- بنى مدينة واسط بالعراق


12- كان يختار حكام الشرق من ذوي الكفاءة والخبرة ويراقبهم ويمنع تجاوزاتهم


13- ضرب على أيدي اللصوص وقطاع الطرق


14- أصلح حال الزراعة بالعراق وحفر الأنهار والقنوات وأحيا الأراضي الزراعية المتروكة



15- اهتم بالفلاحين ووفر لهم الدواب لمهمة الحرث
 
التعديل الأخير:

السلبيات:

===



1- كان معروفاً بالظلم وسفك الدماء وانتقاص السلف وتعدي حرمات الله بأدنى شبهة ، وقد أطبق أهل العلم بالتاريخ والسير على أنه كان من أشد الناس ظلما ، وأسرعهم للدم الحرام سفكا ، ولم يحفظ حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، ولا وصيته في أهل العلم والفضل والصلاح من أتباع أصحابه ، وكان ناصبيا بغيضا يكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآل بيته . وحصاره لابن الزبير بالكعبة ثم قتله وصلبه ، ورميه إياها بالمنجنيق ، وإذلاله لأهل الحرمين ، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحروب ابن الأشعث له ، وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله .




2- قال ابن كثير: " كان ناصبيا يبغض عليا وشيعته في هوى آل مروان بني أمية ، وكان جبارا عنيدا ، مقداما على سفك الدماء بأدنى شبهة .


وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر ، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها ، وإلا فهو باق في عهدتها




3-عن أسماء بين أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت للحجاج : (أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا ، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ).

والمبير : المهلك ، الذي يسرف في إهلاك الناس .



4- قال ابن كثير: وكان في سيفه رهق ، وكان كثير قتل النفوس التي حرمها الله بأدنى شبهة ، وكان يغضب غضب الملوك" انتهى



5- كان فيه سرف وإسراع للباطل ، مع لجاجة في الحقد والحسد .


فعن عاصم بن أبي النجود والأعمش أنهما سمعا الحجاج يقول للناس : "والله ولو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا الباب لحلت لي دماؤكم ، ولا أجد أحدا يقرأ على قراءة ابن أم عبد إلا ضربت عنقه ، ولأحكنها من المصحف ولو بضلع خنزير" .




6- وقال الأصمعي : قال عبد الملك يوما للحجاج : ما من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه ، فصف عيب نفسك . فقال : أعفني يا أمير المؤمنين ، فأبى ، فقال الحجاج : أنا لجوج حقود حسود . فقال عبد الملك : إذاً بينك وبين إبليس نسب . ....البداية والنهاية - (9 /149- 153) .



7- فعن قتادة قال : قيل لسعيد بن جبير : خرجت على الحجاج ؟ قال : إني والله ما خرجت عليه حتى كفر .



8-وقال الأعمش : اختلفوا في الحجاج فسألوا مجاهدا فقال : تسألون عن الشيخ الكافر. ..."البداية والنهاية" (9 /156- 157) .



9-وقال الشعبي : الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت كافر بالله العظيم .




10- وقال القاسم بن مخيمرة : كان الحجاج ينقض عرى الإسلام .




11-وعن عاصم بن أبي النجود قال : ما بقيت لله تعالى حرمة إلا وقد انتهكها الحجاج . ..."تاريخ دمشق" (12 / 185-188) .




12- وروى الترمذي في سننه (2220) عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ : " أَحْصَوْا مَا قَتَلَ الْحَجَّاجُ صَبْرًا فَبَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ قَتِيلٍ " .




13- وقال عمر بن عبد العزيز : لو تخابثت الأمم وجئتنا بالحجاج لغلبناهم ، وما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة . "تاريخ دمشق" (12/185).




14- وكان مضيعا للصلوات ، مفرطا فيها ، لا يصليها لوقتها :




كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة : بلغني أنك تستن بسنن الحجاج ، فلا تستن بسننه ، فإنه كان يصلي الصلاة لغير وقتها ، ويأخذ الزكاة من غير حقها ، وكان لما سوى ذلك أضيع " . ...."تاريخ دمشق" (12 / 187) .



15- قال الذهبي رحمه الله :" كان ظلوما جبارا ناصبيا خبيثا سفاكا للدماء .



16- كان مذهبه تكفير الخارج على السلطان واخراجه من الملة



17- كانت لديه جرأة شديدة على بعض الصحابة : جاء بتاريخ الخلفاء وفي سنة 74 هجرية سار الحجاج للمدينة وأقام بها ثلاثة أشهر يتعنت أهلها، واستخفّ ببقايا الصحابة كأنس بن مالك وجابر بن عبدالله وسهل بن مالك الساعدي ،
 
التعديل الأخير:


شهادة ابن كثير فيه (( البداية والنهاية )):

======



قال ابن كثير رحمه الله :

"
كان الحجاج ناصبيا يبغض عليا وشيعته في هوى آل مروان بني أمية ، وكان جبارا عنيدا ، مقداما على سفك الدماء بأدنى شبهة .

وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر ، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها ، وإلا فهو باق في عهدتها ، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه ، فإن الشيعة كانوا يبغضونه جدا لوجوه ، وربما حرفوا عليه بعض الكلم ، وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات" .

"وكانت فيه شهامة عظيمة ، وفي سيفه رهق ، وكان كثير قتل النفوس التي حرمها الله بأدنى شبهة ، وكان يغضب غضب الملوك" .


"وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر ، وكان يكثر تلاوة القرآن ، ويتجنب المحارم ، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج ، وإن كان متسرعا في سفك الدماء ، فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وساترها ، وخفيات الصدور وضمائرها .

وأعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء ، وكفى به عقوبة عند الله عز وجل ،


قد ذهب جماعة من الأئمة إلى كفره ـ وإن كان أكثر العلماء لم يروا كفره ـ وكان بعض الصحابة كأنس وابن عمر يصلون خلفه ، ولو كانوا يرونه كافراً لم يصلوا خلفه .


 
التعديل الأخير:


شهادة الامام الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء:

=========



وقال الذهبي رحمه الله :

"
كان ظلوما جبارا ناصبيا خبيثا سفاكا للدماء .


وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن .

قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ، ورميه إياها بالمنجنيق ، وإذلاله لأهل الحرمين ، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحروب ابن الأشعث له ، وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله .


فنسبه ولا نحبه ، بل نبغضه في الله ؛ فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان .


وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله .

وله توحيد في الجملة ، ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء "

انتهى .

"سير أعلام النبلاء" (4 / 343) .



 
التعديل الأخير:



وبالجملة : فقد كان الرجل على درجة كبيرة من الظلم والعدوان ، والإسراف على نفسه .

وكانت له حسنات مغمورة في بحر سيئاته ، وكان له جهد لا ينكر في الجهاد وقتال أعداء الله وفتح البلاد ونشر الإسلام .

فالله تعالى حسيبه ، ونبرأ إلى الله تعالى من ظلمه وعدوانه ، ونوالي من عاداهم من سادات المسلمين من الصحابة والتابعين ، ونعاديه فيهم ، ونكل أمره إلى الله تعالى .






 
التعديل الأخير:

قال عنه الحسن البصري :


إن الحجاجَ عذابُ اللهِ ، فلا تدفعوا عذابَ اللهِ بأيديكم ، و لكن عليكم بالاستكانةِ والتضرعِ ،


فإنه تعالى يقول : " وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ " [ المؤمنون :76] .
 
التعديل الأخير:


أن الحجاج عندما اشتدت عليه العلة عمل على تدبير شؤون العراق من بعده بما يحفظه من الاضطراب والفتن ، و يبقيه جزءً من الدولة الأموية ، حتى إذا اطمأن إلى ذلك كتب وصيته ليبرئ فيها نفسه و ذمته تجاه خالقه وخليفته المسؤول أمامه في الدنيا حتى آخر لحظة من حياته ، فكتب يقول :

بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف : أوصى بأنه يشهد أن لا إليه إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده و رسوله ، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك ، عليها يحيا و عليها يموت و عليها يبعث .. الخ .

تهذيب تاريخ دمشق (4/68 ) .

و يروى أنه قيل له قبل وفاته : ألا تتوب ؟ فقال : إن كنت مسيئاً فليست هذه ساعة التوبة ، وإن كنت محسناً فليست ساعة الفزع . ...

محاضرات الأدباء (4/495 ) .


و قد ورد أيضاً أنه دعا فقال : اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل .

تاريخ دمشق (4/82) . والبداية والنهاية (9/138) .


ونقول للذين يطعنون في نيات الناس اسمعوا إلى قول الحسن البصري رحمه الله حينما سمع أحد جلاسه يسب الحجاج بعد وفاته ، فأقبل مغضباً و قال : يا ابن أخي فقد مضى الحجاج إلى ربه ، و إنك حين تقدم على الله ستجد إن أحقر ذنبٍ ارتكبته في الدنيا أشد على نفسك من أعظم ذنبٍ اجترحه الحجاج ، و لكل منكما يومئذٍ شأن يغنيه ، و اعلم يا ابن أخي أن الله عز وجل سوف يقتص من الحجاج لمن ظلمهم ، كما سيقتص للحجاج ممن ظلموه فلا تشغلن نفسك بعد اليوم بسب أحد . ذكره أبو نعيم في الحلية (2/271) .

والله أعلم ..



ابو عبد الله الذهبي ...صيد الفوائد
 
التعديل الأخير:


خطبة الحجاج في أهل الكوفة:

=====



قال: يا أهل العراق! أنا الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود.


أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني



أما و الله فإني لأحمل الشر بثقله و أحذوه بنعله و أجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى.


ثم قال: والله يا أهل العراق، إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً، وأشدها مسكا، فوجهني إليكم، ورماكم بي.


يا أهل العراق، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق، إنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مناخ الضلال، وسننتم سنن الغي، وأيم الله لألحونكم لحو العود، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، إني والله لا أحلق إلا فريت، ولا أعد إلا وفيت، إياي وهذه الزرافات، وقال وما يقول، وكان وما يكون، وما أنتم وذاك؟.


يا أهل العراق! إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفرتم بأنعم الله، فأتاها وعيد القرى من ربها، فاستوسقوا واعتدلوا، ولا تميلوا، واسمعوا وأطيعوا، وشايعوا وبايعوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار والإبذار والأهذار، ولا مع ذلك النفار والفرار، إنما هو انتضاء هذا السيف، ثم لا يغمد في الشتاء والصيف، حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم، ويقيم له أودكم، وصغركم، ثم إني وجدت الصدق من البر، ووجدت البر في الجنة، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت الفجور في النار،


وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين، وقد أمرت لكم بذلك، وأجلتكم ثلاثة أيام، وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به، ويستوفيه مني، لئن تخلف منكم بعد قبض عطائه أحد لأضربن عنقه. ولينهبن ماله.


ثم التفت الحجاج إلى أهل الشام فقال: يا أهل الشام! أنتم البطانة والعشيرة، والله لريحكم أطيب من ريح المسك الأزفر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: "ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء"



والتفت الحجاج إلى أهل العراق فقال: لريحكم أنتن من ريح الأبخر، وإنما أنتم كما قال الله تعالى: "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار".


ثم قال الحجاج :اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام: فقال القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله، فسكتوا


فقال الحجاج من فوق المنبر: "أسكت يا غلام"، فسكت،

قال الحجاج :" يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق. يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون السلام؟ هذا أدب ابن أبيه؟ والله لئن بقيت لكم لأؤدبنكم أدباً سوى أدب ابن أبيه، ولتستقيمن لي أو لأجعلن لكل امرئ منكم في جسده وفي نفسه شغلاً،


اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام"، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم فلما بلغ إلى موضع السلام صاحوا وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته، فأنهاه ودخل قصر الإمارة ."



هذا مشهد تلفزيوني من مسلسل الحجاج عن الخطبة في الكوفة

 
التعديل الأخير:



خطبة الحجاج في أهل البصرة

===



يا أهل البصرة قد بلغكم ما كان من قول لأهل الكوفة واني لا اعيد عليكم بل ازيد

أيها الناس من أعياه داؤه فعندى دواءه و من استطال أجله فعلي أن أعجله ومن ثقل عليه رأسه، وضعت عنه ثقله ومن طال ماضى عمره قصرت عليه باقيه


إن للشيطان طيفا، و ان للسلطان سيفا فمن سقمت سريرته، صحت عقوبته و من وضعه ذنبه، رفعه صلبه ومن لم تسعه العافية، لم تضق عنه التهلكة ومن سبقته بادرة فمه، سبق بدنه بسفك دمه اني انذر ثم لا انظر. واحذر ثم لا اعذر. واتوعد ثم لا اعفو.


انما أفسدكم ضعف ولائكم أما أنا فان الحزم و العزم قد سلباني صوتي وابدلاني به سيفي فمقبضه بيدي و نجاده في عنقي وحده في عنق من عصاني


والله لا آمر أحدكم أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه

 
التعديل الأخير:


ذكر ابن الأثير في تاريخه



أن الحجاج لما غلب جيش ابن الأشعث أخذ يبايع الناس وكان ظالما ، وكان لا يبايع أحدا إلا قال له اشهد على نفسك أنك كفرت ، يعني بنقضك البيعة وحملك السلاح ، فإن قال نعم بايعه ، وإلا قتله .

فأتاه رجل من خثعم كان معتزلا للناس كلهم ، فسأله الحجاج عن حاله فأخبره باعتزاله ، قال الحجاج ، بل أنت متربص بنا ، أتشهد أنك كافر ؟

قال الرجل :

بئس الرجل أنا أعبد الله ثمانين سنة ، ثم أشهد على نفسي بالكفر


قال الحجاج : أقتلك إذا ؟


قال الرجل : وإن قتلتني


فقتله الحجاج ، ولم يبق أحد من أهل الشام والعراق إلا رحمه ، وحزن لقتله


 
التعديل الأخير:


قال شيخ الاسلام ابن تيمية:

=====


وَالْكَلَامُ فِي أَحْوَالِ الْمُلُوكِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ مُتَعَسِّرٌ أَوْ مُتَعَذِّرٌ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ : أَنَّهُمْ هُمْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ النَّاسِ مِمَّنْ لَهُ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ يَدْخُلُونَ بِهَا فِي نُصُوصِ الْوَعْدِ أَوْ نُصُوصِ الْوَعِيدِ . وَتَنَاوُلُ نُصُوصِ الْوَعْدِ لِلشَّخْصِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قِيلَ لَهُ : الرَّجُلُ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ لِيُقَالَ ؟ فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } .


وَكَذَلِكَ تَنَاوُلُ نُصُوصِ الْوَعِيدِ لِلشَّخْصِ مَشْرُوطٌ بِأَلَا يَكُونَ مُتَأَوِّلًا وَلَا مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا . فَإِنَّ اللَّهَ عَفَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ . وَكَثِيرٌ مِنْ تَأْوِيلَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَا يَعْرِضُ لَهُمْ فِيهَا مِنْ الشُّبُهَاتِ مَعْرُوفَةٌ يَحْصُلُ بِهَا مِنْ الْهَوَى وَالشَّهَوَاتِ . فَيَأْتُونَ مَا يَأْتُونَهُ بِشُبْهَةِ وَشَهْوَةٍ . وَالسَّيِّئَاتُ الَّتِي يَرْتَكِبُهَا أَهْلُ الذُّنُوبِ تَزُولُ بِالتَّوْبَةِ . وَقَدْ تَزُولُ بِحَسَنَاتِ مَاحِيَةٍ وَمَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ . وَقَدْ تَزُولُ بِصَلَاةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَبِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ .


فَلِهَذَا كَانَ أَهْل الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ فِيمَنْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ فِي الظَّاهِرِ - كَالْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَأَمْثَالِهِ - أَنَّهُمْ لَا يَلْعَنُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ ; بَلْ يَقُولُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } فَيَلْعَنُونَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَامًّا . كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيهَا وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا } وَلَا يَلْعَنُونَ الْمُعَيَّنَ .


كمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ : { أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا وَكَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِدُهُ . فَأُتِيَ بِهِ مَرَّةً . فَلَعَنَهُ رَجُلٌ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْعَنْهُ . فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } .


ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ مِنْ بَابِ الْوَعِيدِ وَالْوَعِيدُ الْعَامُّ [ لَا يُقْطَعُ بِهِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ ] لِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ : مِنْ تَوْبَةٍ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ أَوْ شَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ . وَغَيْرِ ذَلِكَ .


وَطَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَلْعَنُونَ الْمُعَيَّنَ كيزيد بن معاوية. وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بَلْ نُحِبُّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُوَالِيَ عَلَيْهِ . إذْ لَيْسَ كَافِرًا .




وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأُمَّةِ : أَنَّا لَا نَلْعَنُ مُعَيَّنًا مُطْلَقًا . وَلَا نُحِبُّ مُعَيَّنًا مُطْلَقًا [ فَإِنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ سَبَبُ هَذَا وَسَبَبُ هَذَا ] إذَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنْ حُبِّ الْأَمْرَيْنِ . إذْ كَانَ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّتِي فَارَقُوا بِهَا الْخَوَارِجَ : أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ تَجْتَمِعُ فِيهِ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ فَيُثَابُ عَلَى حَسَنَاتِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ . وَيُحْمَدُ عَلَى حَسَنَاتِهِ وَيُذَمُّ عَلَى سَيِّئَاتِهِ . وَأَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ مَرْضِيٌّ مَحْبُوبٌ وَمِنْ وَجْهٍ بَغِيضٌ مَسْخُوطٌ . فَلِهَذَا كَانَ لِأَهْلِ الْإِحْدَاثِ : هَذَا الْحُكْمُ .


وَأَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ الْمَحْضِ الَّذِينَ يَسُوغُ تَأْوِيلُهُمْ : فَأُولَئِكَ مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ : خَطَؤُهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ وَهُمْ مُثَابُونَ عَلَى مَا أَحْسَنُوا فِيهِ مِنْ حُسْنِ قَصْدِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ . وَإِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } .


وَلِهَذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَمَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ كَعُثْمَانِ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَنَحْوِهِمْ : لَهُ هَذَا الْحُكْمُ . بَلْ وَمَنْ هُوَ دُونَ هَؤُلَاءِ الْأَكَابِرِ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ . وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } .


فَنَقُولُ فِي هَؤُلَاءِ وَنَحْوِهِمْ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ : إمَّا أَنْ يَكُونَ عَمَلُ أَحَدِهِمْ سَعْيًا مَشْكُورًا أَوْ ذَنْبًا مَغْفُورًا أَوْ اجْتِهَادًا قَدْ عُفِيَ لِصَاحِبِهِ عَنْ الْخَطَأِ فِيهِ . فَلِهَذَا كَانَ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ الْكَلَامِ فِي هَؤُلَاءِ بِكَلَامِ يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمْ وَدِيَانَتِهِمْ بَلْ يُعْلَمُ أَنَّهُمْ عُدُولٌ مَرْضِيُّونَ وَأَنَّ هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا سِيَّمَا وَالْمَنْقُولُ عَنْهُمْ مِنْ الْعَظَائِمِ كَذِبٌ مُفْتَرًى مِثْلَمَا كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ يَتَّهِمُونَ عَلِيًّا بِأَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ عُثْمَانَ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ . وَكَانَ بَعْضُ مِنْ يُقَاتِلُهُ يَظُنُّ ذَلِكَ بِهِ . وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ شُبَهِهِمْ الَّتِي قَاتَلُوا عَلِيًّا بِهَا . وَهِيَ شُبْهَةٌ بَاطِلَةٌ


وَكَانَ عَلِيٌّ يَحْلِفُ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ - أَنِّي مَا قَتَلْت عُثْمَانَ وَلَا أَعَنْت عَلَى قَتْلِهِ . وَيَقُولُ : " اللَّهُمَّ شَتِّتْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالسَّهْلِ وَالْجَبَلِ وَكَانُوا يَجْعَلُونَ امْتِنَاعَهُ مِنْ تَسْلِيمِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ مِنْ شُبَهِهِمْ فِي ذَلِكَ . وَلَمْ يَكُنْ مُمَكَّنًا مِنْ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ مَا يُرِيدُهُ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِكَوْنِ النَّاسِ مُخْتَلِفِينَ عَلَيْهِ وَعَسْكَرِهِ وَأُمَرَاءِ عَسْكَرِهِ غَيْرَ مُطِيعِينَ لَهُ فِي كُلِّ مَا كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِهِ . فَإِنَّ التَّفَرُّقَ وَالِاخْتِلَافَ يَقُومُ فِيهِ مِنْ [ أَسْبَابِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ وَتَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ مَا يَعْلَمُهُ ] مَنْ يَكُونُ [ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْعَارِفِينَ بِمَا جَاءَ مِنْ النُّصُوصِ فِي فَضْلِ ] الْجَمَاعَةِ وَالْإِسْلَامِ .


[ وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ : قَدْ أَتَى أُمُورًا مُنْكَرَةً . مِنْهَا : وَقْعَةُ الْحَرَّةُ . وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عِيرٍ إلَى كَذَا . مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى ] مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ } وَقَالَ { مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءِ أَمَاعَهُ اللَّهُ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ } .


وَلِهَذَا قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَد : أَتَكْتُبُ الْحَدِيثَ عَنْ يَزِيدَ ؟ فَقَالَ : لَا وَلَا كَرَامَةَ أَوَلَيْسَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِأَهْلِ الْحَرَّةِ مَا فَعَلَ وَقِيلَ لَهُ - أَيْ فِي مَا يَقُولُونَ - أَمَا تُحِبُّ يَزِيدَ ؟ فَقَالَ : وَهَلْ يُحِبُّ يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ؟ فَقِيلَ : فَلِمَاذَا لَا تَلْعَنُهُ ؟ فَقَالَ : وَمَتَى رَأَيْت أَبَاك يَلْعَنُ أَحَدًا . وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ : أَنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ بِمُجَرَّدِ الذُّنُوبِ وَلَا بِمُجَرَّدِ التَّأْوِيلِ ; بَلْ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ إذَا كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ .


وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَتْ زِيَادَاتٌ : بَعْضُهَا صَحِيحٌ وَبَعْضُهَا ضَعِيفٌ وَبَعْضُهَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ .


وَالْمُصَنِّفُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ : كالبغوي وَابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَنَحْوِهِمَا : كَالْمُصَنِّفِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي سَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ : هُمْ بِذَلِكَ أَعْلَمُ وَأَصْدَقُ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُمْ يُسْنِدُونَ مَا يَنْقُلُونَهُ عَنْ الثِّقَاتِ أَوْ يُرْسِلُونَهُ عَمَّنْ يَكُونُ مُرْسِلُهُ يُقَارِبُ الصِّحَّةَ بِخِلَافِ الْإِخْبَارِيِّينَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّا يُسْنِدُونَهُ عَنْ كَذَّابٍ أَوْ مَجْهُولٍ . وَأَمَّا مَا يُرْسِلُونَهُ فَظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ . وَهَؤُلَاءِ لَعَمْرِي مِمَّنْ يَنْقُلُ عَنْ غَيْرِهِ مُسْنَدًا أَوْ مُرْسَلًا .


وَأَمَّا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَنَحْوُهُمْ : فَيَعْتَمِدُونَ عَلَى نَقْلٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ أَصْلًا لَا ثِقَةٌ وَلَا مُعْتَمَدٌ . وَأَهْوَنُ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ الْكَذِبُ الْمُخْتَلَقُ . وَأَعْلَمُ مَنْ فِيهِمْ لَا يَرْجِعُ فِيمَا يَنْقُلُهُ إلَى عُمْدَةٍ بَلْ إلَى سماعات عَنْ الْجَاهِلِينَ وَالْكَذَّابِينَ وَرِوَايَاتٍ عَنْ أَهْلِ الْإِفْكِ الْمُبِينِ .


فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي يَذْكُرُونَ فِيهَا حَمْلَ رَأْسِ الْحُسَيْنِ إلَى يَزِيدَ وَنَكْتَهُ إيَّاهَا بِالْقَضِيبِ كَذَبُوا فِيهَا وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ إلَى ابْنِ زِيَادٍ - وَهُوَ الثَّابِتُ بِالْقِصَّةِ - فَلَمْ يُنْقَلْ بِإِسْنَادِ مَعْرُوفٍ أَنَّ الرَّأْسَ حُمِلَ إلَى قُدَّامِ يَزِيدَ . وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ إلَّا إسْنَادًا مُنْقَطِعًا . قَدْ عَارَضَهُ مِنْ الرِّوَايَاتِ مَا هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ وَأَظْهَرُ


- نَقَلُوا فِيهَا أَنَّ يَزِيدَ لَمَّا بَلَغَهُ مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ أَظْهَرَ التَّأَلُّمَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ : لَعَنَ اللَّهُ أَهْلَ الْعِرَاقِ . لَقَدْ كُنْت أَرْضَى مِنْ طَاعَتِهِمْ بِدُونِ هَذَا . وَقَالَ فِي ابْنِ زِيَادٍ : أَمَا إنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُسَيْنِ رَحِمٌ لَمَا قَتَلَهُ . وَأَنَّهُ ظَهَرَ فِي دَارِهِ النَّوْحُ لِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ وَأَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَتَلَاقَى النِّسَاءُ تَبَاكَيْنَ وَأَنَّهُ خَيَّرَ ابْنَهُ عَلِيًّا بَيْنَ الْمُقَامِ عِنْدَهُ وَالسَّفَرِ إلَى الْمَدِينَةِ فَاخْتَارَ السَّفَرَ إلَى الْمَدِينَةِ . فَجَهَّزَهُ إلَى الْمَدِينَةِ جَهَازًا حَسَنًا . فَهَذَا وَنَحْوَهُ مِمَّا نَقَلُوهُ بِالْأَسَانِيدِ الَّتِي هِيَ أَصَحُّ وَأَثْبَتُ مِنْ ذَلِكَ الْإِسْنَادِ الْمُنْقَطِعِ الْمَجْهُولِ تُبَيِّنُ أَنَّ يَزِيدُ لَمْ يُظْهِرْ الرِّضَا بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَأَنَّهُ أَظْهَرَ الْأَلَمَ لِقَتْلِهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِسَرِيرَتِهِ . وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِ ابْتِدَاءً لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مَا انْتَقَمَ مِنْ قَاتِلِيهِ وَلَا عَاقَبَهُمْ عَلَى مَا فَعَلُوا ; إذْ كَانُوا قَتَلُوهُ لِحِفْظِ مُلْكِهِ [ الَّذِي كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْ ] الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ الْبَيْتِ . رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ


و الْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ نَقْلَ رَأْسِ الْحُسَيْنِ إلَى الشَّامِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي زَمَنِ يَزِيدَ . فَكَيْفَ بِنَقْلِهِ بَعْدَ زَمَنِ يَزِيدَ ؟ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ : هُوَ نَقْلُهُ مِنْ كَرْبَلَاءَ إلَى أَمِيرِ الْعِرَاقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ بِالْكُوفَةِ . وَاَلَّذِي ذَكَرَ الْعُلَمَاءَ : أَنَّهُ دُفِنَ بِالْمَدِينَةِ . وَأَمَّا مَا يَرْوِيهِ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ يُمَيِّزُ بِهِ مَا يَقُولُ وَلَا لَهُ إلْمَامٌ بِمَعْرِفَةِ الْمَنْقُولِ : مِنْ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ سُبُّوا وَأَنَّهُمْ حُمِلُوا عَلَى الْبَخَاتِيِّ وَأَنَّ الْبَخَاتِيَّ نَبَتَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ سَنَامَانِ : فَهَذَا مِنْ الْكَذِبِ الْوَاضِحِ الْفَاضِحِ لِمَنْ يَقُولُهُ . فَإِنَّ الْبَخَاتِيَّ قَدْ كَانَتْ مِنْ يَوْمِ خَلَقَهَا اللَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ ذَاتَ سَنَامَيْنِ كَمَا كَانَ غَيْرُهَا مِنْ أَجْنَاسِ الْحَيَوَانِ . وَالْبَخَاتِيِّ لَا تَسْتُرُ امْرَأَةً . وَلَا سَبَى أَهْلَ الْبَيْتِ أَحَدٌ وَلَا سُبِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ . بَلْ هَذَا كَمَا يَقُولُونَ : إنَّ الْحَجَّاجَ قَتَلَهُمْ .


وَقَدْ عَلِمَ أَهْلُ النَّقْلِ كُلُّهُمْ أَنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَمَا عَهِدَ إلَيْهِ خَلِيفَتُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَرَأَوْهُ لَيْسَ بِكُفْءِ لَهَا . وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا . بَلْ بَنُو مَرْوَانَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمْ يَقْتُلُوا أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَا آلِ عَلِيٍّ وَلَا آلِ الْعَبَّاسِ إلَّا زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ الْمَصْلُوبَ بِكُنَاسَةِ الْكُوفَةِ وَابْنَهُ يَحْيَى .


الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ حُمِلَ رأس الحسين إلَى يَزِيدَ فَأَيُّ غَرَضٍ كَانَ لَهُمْ فِي دَفْنِهِ بِعَسْقَلَانَ وَكَانَتْ إذْ ذَاكَ ثَغْرًا يُقِيمُ بِهِ الْمُرَابِطُونَ ؟ فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُمْ تَعْفِيَةَ خَبَرِهِ فَمِثْلُ عَسْقَلَانَ تُظْهِرُهُ لِكَثْرَةِ مَنْ يَنْتَابُهَا لِلرِّبَاطِ . وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُمْ بَرَكَةَ الْبُقْعَةِ فَكَيْفَ يَقْصِدُ هَذَا مَنْ يُقَالُ : إنَّهُ عَدُوٌّ لَهُ مُسْتَحِلٌّ لِدَمِهِ سَاعٍ فِي قَتْلِهِ ؟ ثُمَّ مِنْ الْمَعْلُومِ : أَنَّ دَفْنَهُ قَرِيبًا عِنْدَ أُمِّهِ وَأَخِيهِ بِالْبَقِيعِ أَفْضَلُ لَهُ .


الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّ دَفْنَهُ بِالْبَقِيعِ : هُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ عَادَةُ الْقَوْمِ . فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي الْفِتَنِ إذَا قَتَلُوا الرَّجُلَ - لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ - سَلَّمُوا رَأْسَهُ وَبَدَنَهُ إلَى أَهْلِهِ كَمَا فَعَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ لَمَّا قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَى أُمِّهِ . وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ سَعْيَ الْحَجَّاجِ فِي قَتْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَّ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنْ الْحُرُوبِ : أَعْظَمُ بِكَثِيرِ مِمَّا كَانَ بَيْنَ الْحُسَيْنِ وَبَيْنَ خُصُومِهِ .


فإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ ادَّعَى الْخِلَافَةَ بَعْدَ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ وَبَايَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ . وَحَارَبَهُ يَزِيدُ حَتَّى مَاتَ وَجَيْشُهُ مُحَارِبُونَ لَهُ بَعْدَ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ . ثُمَّ لَمَّا تَوَلَّى عَبْدُ الْمَلِكِ غَلَبَهُ عَلَى الْعِرَاقِ مَعَ الشَّامِ . ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ فَحَاصَرَهُ الْحِصَارَ الْمَعْرُوفَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ صَلَبَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَى أُمِّهِ . وَقَدْ دُفِنَ بَدَنُ الْحُسَيْنِ بِمَكَانِ مَصْرَعِهِ بِكَرْبَلَاءَ وَلَمْ يُنْبَشْ وَلَمْ يُمَثَّلْ بِهِ . فَلَمْ يَكُونُوا يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَسْلِيمِ رَأْسِهِ إلَى أَهْلِهِ كَمَا سَلَّمُوا بَدَنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ إلَى أَهْلِهِ وَإِذَا تَسَلَّمَ أَهْلُهُ رَأْسُهُ فَلَمْ يَكُونُوا لِيَدَّعُوا دَفْنَهُ عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عِنْدَ عَمِّهِ وَأُمِّهِ وَأَخِيهِ وَقَرِيبًا مِنْ جَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْفِنُونَهُ بِالشَّامِ حَيْثُ لَا أَحَدَ إذْ ذَاكَ يَنْصُرُهُمْ عَلَى خُصُومِهِمْ ؟ بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كَانَ يُبْغِضُهُ وَيُبْغِضُ أَبَاهُ . هَذَا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ .

 
التعديل الأخير:

كيف تولى الحجاج بن يوسف الثقفي حكم العراق
======


عِندَما ضَرَبَت الفِتْنَة والفَوضى العِراق واضْطَرَبَ أَهلُها قَامَ عبد الملك بن مَروان بِجَمع أهل بِيْتِه وأُلي النَّجدة من جُندِه وخَاطَبَهُم قَائلًا: "إنَّ العراق قَد كَدُرَ مَاؤُه وكَثُر غَوغَاؤُه وعَظُمَ خَطْبُه وظَهَرَ ضِرَامُه وعَسَر إخْمادُ نِيرانِه فَهَل من مُمَهّدٍ للعراق بِسيفٍ قَاطِع وعَقلٍ جامِع وقَلبٍ ذَكي وأَنِفٍ حَمِي فَيُخْمِدُ نِيرانه ويَردَعُ غِيلانه ويُنصِفُ مَظْلومه فَتَصفو البِلاد وتأمَنُ العِباد،

فَسَكَت القَوم ولَم يَنطِق أي مِنهُم بِكَلِمة إلى أن قَامَ الحجّاج وقال يا أمير المؤمنين أنا للعراق،

قال عبد الملك: ومَن أنت لله أبوك،


فردّ الحجّاج: أنا الحجّاج اللّيثُ الضَّمضام والهِزبَرُ الهَشام من ثقيف كُهوف الضّيوف ومستعمل السّيوف،


فقال لَهُ عبد الملك لا أر:اكَ لَها يا حجّاج،


فَوَجّه عبد الملك حَديثه للقَوم فقال: ما لي أرى الرُّؤوس مُطرِقَة والألسُنَ مُعْتَقَلة فَلم يُجِبهُ أحَد



فقام إليه الحجّاج وقال يا أمير المؤمنين إني للعراق ومُجَندل الفُساق ومُطفىء نار النّفاق


فَقَال عبد الملك ومن أنت؟



فأجاب: أنا الحجّاج قاسِمُ الظُلمة ومَعدن الحِكْمة وآفَةُ الكُفرِ والريبة،


فقال عبد الملك: لا أراك لها يا حجّاج ثمّ توجّه للقوم وسأل من للعراق؟


فسَكَت القَوم، و
قام الحجّاج وقال: أنا للعراق،


فقال له عبد الملك: أظُنّك صَاحِبها والظّافرُ بِغنائمِها ولِكُلّ شيءٍ آيَةٌ وعَلامَة فَما آيَتُك وعَلامَتُك في هذا،



فقال الحجّاج: العُقوبَةُ والعَفو، والاقْتِدارُ والبَسط، والإدْناءُ والإبْعاد، والجَّفاء والبِّر والوَفاء، والتّأهُب والحَزم وخَوضْ غَمَرات الحُروب فَمَن جَادَلني قَطعتُهُ، ومن ناَزَعني قَسَمْتُهُ، ومن خَالَفَني نَزَعتُهُ، ومن دَنَا مِني أكْرَمتُهُ، ومن طَلَبَ الأمَانَ أعْطَيتُهُ ومن سارعَ إلى الطّاعَةِ بَجّلتُهُ هّذه آيَتي وعَلامَتي، وما عَلَيكَ يا أمير المؤمنين إلا أن تبلُوَني، فإن كُنتُ للأعْنَاقِ قطّاعًا، وللأرْواحِ نزّاعًا وللأمْوالِ جَمَّاعًا ولكَ نفَّاعًا، وإلّا فليَسْتِبدِل بي أمير المؤمنين غَيري، فإن النَّاس كُثُر لكن من يقُومُ بِهذا الأمرِ قليل،


فقال له عبد الملك: أنتَ لَها يا حجّاج فما الّذي تَحتاجُ إليه".


وهَكذا بدأ حُكم الحجّاج للعراق، فبَعد أن استَلَم حُكمَها انطَلَقَ مُتّجهًا توَاقًا إلى العراقَيْن الكوفة والبصرة ليَبدأ عَصر حُكم الحجّاج للعراق.


 
عودة
أعلى