لماذا فقدت الدبلوماسية الإسبانية توازنها التقليدي بين المغرب والجزائر؟
واشنطن
11 يونيو 2022
حافظت مدريد باستمرار على علاقات جيدة مع جارتيها الجنوبيتين، المغرب والجزائر، لكن تغيير موقفها التقليدي من قضية الصحراء الغربية لصالح المغرب قربها كثيرا من الرباط، وأبعدها أكثر من الجزائر. وفي النتيجة، وجدت مدريد نفسها وسط دوامة كبيرة، يستبعد مراقبون أن تنجح في الخروج منها من دون التضحية بالعلاقة مع أحد البلدين.
في مارس الماضي، غامرت إسبانيا و عدّلت بشكل جذري موقفها من قضية الصحراء الغربية الحساسة لتدعم علنا مقترح الحكم الذاتي المغربي، مثيرة بذلك غضب الجزائر، الداعم الرئيسي للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "بوليساريو".
وفي رد الفعل، سحبت الجزائر سفيرها من مدريد، ولوحت بإجراءات اقتصادية ألقت مزيدا من الشكوك حول مستقبل علاقاتها الاقتصادية مع المملكة الأوروبية.
أسباب ميل إسبانيا للمغرب
وتجد الحكومة الإسبانية برئاسة الاشتراكي، بيدرو سانشيز، نفسها في وضع صعب جدا لخلق توازن في علاقاتها بين المغرب والجزائر، ورغم إدراكها لخطورة الموقف، مالت للمغرب في قضية الصحراء، فما الذي يبرر قرارا بهذا القدر من الحساسية؟
بالنسبة لأستاذ العلوم الدستورية في جامعة ابن طفيل بالمغرب، رشيد لزرق، فإن إسبانيا بدعمها لمقترح الحكم الذاتي، اختارت "دعم حل يعمر طويلا ويفسح المجال للتعاون وتحقيق التنمية على ضفتي البحر الأبيض المتوسط" بحسب تعبيره.
ويضيف لزرق في حديث لموقع "الحرة" أن إسبانيا "أعرف الدول بطبيعة المشكل المفتعل في جنوب المغرب باعتبارها الدولة التي كانت تستعمر المنطقة".
وفي أحدث خطوة في التصعيد، علقت الجزائر، الأربعاء، "معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون" التي أبرمتها عام 2002 مع إسبانيا.
ولوّحت مصارف جزائرية بإمكان قطع العلاقات مع إسبانيا، ما دفع مدريد إلى اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي الذي حذر، الجمعة، من تداعيات القيود التجارية التي فرضتها على إسبانيا.
ويرى المحلل الجزائري، محمد سي بشير، في حديث لموقع "الحرة" أن دوافع مدريد لدعم الموقف المغربي قد "يكون في إطار ما بات يعرف بالتضامن داخل المنظومة الأطلسية خاصة بعد الموقف الأميركي بمناصرة سيادة المغرب على الصحراء الغربية".
ولا يستبعد المحلل أن تكون الدوافع أيضا متصلة بتهديد المغرب باستخدام أداة الهجرة غير الشرعية نحو سبتة و مليلية مما أربك مدريد كثيرا"، إضافة إلى انخراط فاعل جديد في تفاعلات غربي المتوسط الصراعية و هي إسرائيل بعد التطبيع مع المغرب"، بحسب تعبيره.
ولم يتأخر رد الاتحاد الأوروبي على قرار الجزائر تجاه إسبانيا، وفي بيان مشترك الجمعة، اعتبر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ونائب رئيسة المفوضية المسؤول عن التجارة فالديس دومبروفسكيس أن هذا القرار "مقلق للغاية".
وأضاف البيان "نقيّم تداعيات الإجراءات الجزائرية" ولا سيما التعليمات الصادرة إلى المؤسسات المالية "لوقف المعاملات بين البلدين والتي يبدو أنها تنتهك اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، خصوصا في مجال التجارة والاستثمار".
وأكد المسؤولان الأوروبيان بعد اجتماع في بروكسل مع وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، أن "هذا من شأنه أن يؤدي إلى معاملة تمييزية لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي ويضر بممارسة حقوق الاتحاد بموجب الاتفاقية".
ازدواجية المعايير ؟
الصحفي الإسباني المختص في شؤون الدول المغاربية، إغناسيو سامبريرو، استغرب مسارعة إسبانيا للشكوى للاتحاد الأوروبي بعد قرارات الجزائر، ولم تقم بذلك مع المغرب رغم أن هناك أسبابا للقيام بذلك، بحسب تعبيره
وتساءل سامبريرو، في تغريدته هل يعتبر ذلك "معايير مزدوجة".
وجاء تحذير الاتحاد الأوروبي للجزائر رغم أن البعثة الجزائرية لدى الاتحاد الأوروبي أبدت أسفها لأن المفوضية "لم تتحقق" من أن "تعليق الجزائر معاهدة سياسية ثنائية مع شريك أوروبي، في هذه الحالة إسبانيا، لا يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على التزاماتها الواردة في اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي".
وأضافت البعثة الجزائرية في بيان بالفرنسية أنه "في ما يتعلق بإجراء الحكومة المزعوم بوقف المعاملات الجارية مع شريك أوروبي، فإنه موجود فقط في أذهان من يدعونه ومن سارعوا إلى استنكاره".
ونفت الجزائر أي اضطراب في تسليم الغاز لإسبانيا، وأورد البيان "لقد سبق للجزائر أن أوضحت من خلال... رئيس الجمهورية أنها ستستمر في الوفاء بكل الالتزامات التي تعهدت بها في هذا السياق، على أن تفي الشركات التجارية المعنية بكل التزاماتها الواردة في العقود".
ويقر الصحفي المتخصص في المغرب الكبير، سامبريرو أن : "الإجراءات التي اتخذتها الجزائر تتعارض مع اتفاقية الشراكة التي لا تزال سارية المفعول بين الاتحاد الأوروبي والجزائر".
ويُنظر إلى التحوّل في الموقف الإسباني على أنه انتصار للمغرب، وأثار استياء الجزائر التي تمد إسبانيا بكميات كبيرة من الغاز الطبيعي، وتدعم حركة "بوليساريو" الانفصالية في الصحراء الغربية.
وحتى داخل إسبانيا يلقى موقف الحكومة الإسبانية بخصوص الصحراء معارضة من سياسيين ومنظمات حقوقية، إلا أن بيدرو سانشيز تشبث بموقفه، الأربعاء، أمام البرلمان واعتبره قرار دولة.
يقول الإعلامي، حكيم بوغرارة، في حديث لموقع "الحرة" "إن رئيس الحكومة الإسبانية ورط نفسه، خاصة في ظل تزايد عزلته في الكونغرس الإسباني، والحكومة. والكثير من الوزراء حملوه مسؤولية ما يحدث من تدهور للعلاقات مع الجزائر".
ويضيف بوغرارة "يظهر أن طموحه الانتخابي للعام المقبل جعله يقع في المحظور، فبعد إعادة العلاقات مع الرباط، وكان ذلك أمرا سياديا، أخفى بأنه استعمل ورقة ملف الصحراء الغربية، من خلال تأييد الحكم الذاتي كحل للقضية الصحراوية.. وهو ما يناقض معاهدة الصداقة مع الجزائر التي تنص على التشاور".
وأعلنت الرئاسة الجزائرية تعليق "معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون"، متهمة إسبانيا بـ "انتهاك لالتزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية".
من جانبه، يقول رشيد لزرق، إن "تعليق اتفاقية حسن الجوار والصداقة مع إسبانيا من جانب واحد تدخل ضمن التهديدات"، مضيفا "هي مناروة ستفشل في تحقيق هدفها".
وقالت صحيفة الكونفيدناشل الإسبانية في تقرير حصري إن إسبانيا تستعد لجر الجزائر إلى المفوضية الأوروبية في حال قطعت الأخيرة الغاز.
وفي الوقت الذي تسعى فيه إسبانيا للتحرك ضد الجزائر أمام المفوضية الأوروبية لضمان استمرار تدفق الغاز، نفت الجزائر أي اضطراب في تسليم الغاز لإسبانيا.
وتجد الحكومة الإسبانية صعوبة كبيرة في الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من الجزائر والمغرب، وأكّدت أنّها لم تغيّر موقفها من قضية الصحراء الغربية بل اتّخذت مجرّد "خطوة إضافية" من أجل المساهمة في حلّ النزاع الدائر بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ رحيل الإسبان عن المستعمرة السابقة عام 1975، إلا أن ذلك يقنع الجزائر ومعارضي القرار في الداخل الإسباني.