التشابه بين التتار والأمريكان في احتلال العراق ( الحملة المغولية )

لادئاني

مستشار المنتدى
إنضم
16/12/18
المشاركات
27,908
التفاعلات
76,796
ما أشبه اليوم بالبارحة!

ما أشبه سقوط بغداد تحت أقدام الأمريكان بسقوطها تحت أقدام التتار!

وما أشبه المسلمين أيام التتار بمسلمي اليوم!

وما أشبه حكام المسلمين أيام التتار بحكام المسلمين اليوم!

وما أشبه التتار بالأمريكان!

وما أشبه حلفاء التتار بحلفاء الأمريكان!


فهي صورة متكررة في التاريخ بشكل عجيب، والأمثلة على هذه الصورة كثيرة جداً في التاريخ، ونحن سنحاول ربط هذه القصة بواقعنا، وإذا أردنا أن نتحدث عن صور أخرى من جوانب التاريخ الإسلامي بصفة خاصة، أو جوانب التاريخ الإنساني بصفة عامة فسنجد كثيراً من الصور تتشابه مع واقعنا الآن، وانظروا إلى هذه المقارنة بين سقوط بغداد الأول وسقوطها الثاني.


ظهر التتار فجأة على مسرح الأحداث تماماً كما ظهر الأمريكان، فأمة التتار أمة بلا تاريخ، قامت على السلب والنهب، وقتلوا الملايين من الأبرياء؛ ليقيموا دولتهم على جماجم البشر، ولتسقى حضارتهم إن كانت هذه حضارة بدماء الملايين المظلومين، وكذلك فعل الأمريكان، فقد قتلوا مئات الألوف بل الملايين من الهنود الحمر؛ لكي يقيموا لهم دولة، ونهبوا ثروات غيرهم، وأقاموا ما يسمونه أيضاً بحضارتهم على أشلاء وجماجم سكان البلاد الأصليين، ومرت الأيام وصار الأمريكان قطباً أوحداً في الأرض تماماً كما صار التتار، ولم يقبلوا بالآخر أبداً، ورسخوا الظلم والبطش والقهر في الأرض مع ادعائهم المستمر أنهم ما جاءوا إلا لنشر العدل والحرية والأمان للشعوب، وهكذا فعل التتار.



وما أشبه طاولة مفاوضات التتار بطاولة مفاوضات الأمريكان، فهم يعطون عهوداً ولا ضمير، ومواثيق ولا أمان، وكلمات جوفاء تطلق في الهواء لتسكين الشعوب وخداعهم إلى حين، وعزمهم مبيت قبل التعهد على نقض العهود، والنية معقودة قبل اللقاء على الطعن في الظهر،

وقد دخل الأمريكان بلاد المسلمين بحجج واهية كما دخلها التتار بحجج واهية، ولم يحتاجوا أبداً إلى دليل دامغ أو إلى حجة ساطعة، بل كلها أوهام في أوهام، وادعاءات في ادعاءات، فهم تارة يدعون محاربة الإرهاب، وتارة ترسيخ الديمقراطية، وتارة تحرير الشعوب، وتارة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وتارة البحث عن زعيم هنا أو هناك، وهكذا، فهم يريدون أي سبب ليدخلوا من ورائه؛ لأنهم حتماً سيدخلون.


وحارب الأمريكان في بلاد المسلمين حروباً كحروب التتار، وكانت حروبهم بلا قلب، لا تفرق بين مدني ومحارب أبداً، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين طفل أو شاب أو شيخ كبير، واستولى الأمريكان على ثروات المسلمين تماماً كما فعل التتار، وإلا فما الفارق بين البترول، وبين الذهب والفضة، وما الفارق بين تغيير المناهج وتبديلها وتزييفها، وبين إغراق مكتبة بغداد وطمس كل ما هو إسلامي، فكلاهما يتميزان بروح همجية لا تقبل الحضارة، وكأن الله عز وجل أراد أن يطابق بين أفعال الأمريكان وأفعال التتار، فجعل خطوات الأمريكان في إسقاط بغداد شديدة الشبه بخطوات التتار، فكما تمركز التتار أولاً في أفغانستان كذلك تمركز الأمريكان في أفغانستان، وكما تحالف بدر الدين لؤلؤ زعيم الأكراد في شمال العراق مع التتار، كذلك تحالف أكراد الشمال العراقي مع الأمريكان.


وكما فتح كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع المجال الأرضي التركي لقوات التتار، فتح الأتراك الآن المجال الجوي التركي، وليس هناك فرق بين المجال الأرضي والمجال الجوي.


وكما اخترقت الجيوش التترية أراضي المسلمين دون مقاومة لتصل إلى العراق، كذلك اخترقت جيوش الأمريكان أراضي المسلمين الآن، وليس فقط بدون مقاومة، ولكن بترحيب عال وباستقبال حار
، فما أشبه اليوم بالبارحة.


وكما فكر التتار في التعاون مع الشيعة في العراق فكر الأمريكان في ذلك،


وكما استغل التتار بعض المنافقين من المسلمين لبث الحرب الإعلامية التي تحط من نفسيات المسلمين وتلقي الرعب في قلوبهم، قام الأمريكان بنفس الشيء، حتى رأينا الصحف القومية في البلاد الإسلامية تتحدث عن تدريبات وتسليحات وإمكانيات الأمريكان، وتوسع الفجوة جداً بين أمريكا والمسلمين، وتحبط المسلمين من المقاومة.


وكما عمد هولاكو إلى توصية مؤيد الدين العلقمي الشيعي بمحاولة إنقاص أعداد الجيوش الإسلامية، كذلك فعل الأمريكان مع كثير من بلاد المسلمين، فوضعوا عليها قيوداً في التسليح وفي أعداد الجنود وفي التدريبات.. وفي غير ذلك من الأمور العسكرية.


وكما حوصرت بغداد من التتار فكذلك حوصرت من الأمريكان،

وكما قصفت بغداد من التتار فكذلك قصفت من الأمريكان، وكما انهارت أسوار بغداد تحت قذائف التتار، فكذلك انهارت أيضاً تحت قذائف الأمريكان، وكما طلب التتار تسليم المجاهدين فعل كذلك الأمريكان، وكما طلب التتار تدمير الأسلحة فعل كذلك الأمريكان، وكما هرب المستعصم بالله من الموقف ورضي بالهوان كذلك فعل صدام حسين .


وكما قتل ولدا المستعصم بالله قبل أن يقبض عليه، كذلك قتل ولدا صدام قبل أن يقبض عليه،


وكما خالف التتار عهودهم بالأمان قبل دخول بغداد، كذلك خالف الأمريكان،



وكما قال التتار: إنهم سيخرجون من البلاد بعد تحريرها من المستعصم بالله كذلك قال الأمريكان، ولم يخرج التتار ولا الأمريكان، وكما كون التتار مجلساً للحكم في العراق من المسلمين الموالين لهم، كذلك كون الأمريكان نفس المجلس وبنفس الطريقة، وكما كان ذلك المجلس لا يساوي شيئاً عند التتار، فكذلك كان هذا المجلس لا يساوي شيئاً عند الأمريكان، فهما صورة بالكربون من التاريخ.


راغب السرجاني​
 
إعداد هولاكو لاسقاط الدولة العباسية:


1- أصلاح البنية التحتية

arrow3.gif

(( شق الطرق ومد الجسور وتهيئة الطرق لاستيعاب الحشود التترية مع دوابهم))

2- الإعداد السياسي والدبلوماسي

arrow3.gif

(( تحالفات مع الصليبيين والأرمن والجورجيين ونصارى الشرق))

تحالف التتار مع هيثوم ملك أرمينية والأسباب الدافعة لذلك
arrow3.gif



سعي التتار لعقد تحالفات مع ملوك النصارى ونتائج ذلك
arrow3.gif



عقد التتار تحالفات مع بعض الإمارات الإسلامية
arrow3.gif



الحرب النفسية ضد المسلمين
arrow3.gif



إضعاف جيش الخلافة العباسية(( عبر مؤيد الدين العلقمي
 
تركيبة الجيش المغولي التتري
============



بعد خمس سنوات كاملة من الإعداد وفي سنة (654هـ) شعر هولاكو أن الظروف أصبحت ملائمة للهجوم المباشر على الخلافة العباسية، فبدأ في عملية حشد هائلة للجنود التتار، فجمع أكبر جيوش التتار على الإطلاق منذ قامت دولة جنكيز جان،

وكان الذين كلفهم بحصار بغداد فقط أكثر من مائتي ألف جندي، هذا بخلاف الأعداد الهائلة من الجنود المنتشرة في شمال العراق وشرقه وجنوبه، وغير القوات المكلفة بحماية الطرق وتأمين عمليات الإمداد والتموين، وغير الفرق المساعدة للجيوش، سواء فرق الإمداد والتموين، أو فرق الاستطلاع والمراقبة.


ونتبين تركيبة الجيش التتري في عشر نقاط:


النقطة الأولى: الجيش التتري الأصلي كان متمركزاً منذ سنوات طويلة في منطقة فارس وأذربيجان في شرق العراق.



النقطة الثانية:
استدعى هولاكو فرقة كبيرة من جيش التتار الذي فتح روسيا، والتي كانت متمركزة في حوض نهر الفولجا الروسي، وكان على رأس هذا الجيش ثلاثة من أبناء أخي باتو ، القائد الشهير الذي فتح أجزاء من أوروبا.



النقطة الثالثة:
أرسل هولاكو أيضاً في طلب فرقة من جيش التتار الذي فتح أوروبا، والذي كان متمركزاً في ذلك الوقت على أطراف الأناضول في شمال تركيا، فجاءت الفرقة الكبيرة وعلى رأسها القائد المغولي الكبير جداً بيجو الذي تكلمنا عنه من قبل.



النقطة الرابعة:
أرسل هولاكو إلى صديقه ملك أرمينيا يطلب المساعدة، فجاءه هيثوم ملك أرمينيا بنفسه على رأس فرقة من الجيش الأرميني.




النقطة الخامسة:
طلب هولاكو أيضاً من ملك الكرج (( جروجيا حالياً)) أن يرسل فرقة للمساعدة في حصار العراق فاستجاب فوراً.



النقطة السادسة:
استدعى هولاكو ألفاً من الرماة الصينيين المهرة، الذين اشتهروا بتسديد السهام المحملة بالنيران.


النقطة السابعة:
وضع هولاكو على رأس الجيوش أفضل قواد التتار في ذلك الوقت واسمه كتبغانوين ، وفوق إمكانيات هذا القائد القيادية والمهارية، فإنه كان نصرانياً، وكان هذا اختياراً مناسباً من هولاكو ؛ لأن كتبغانوين النصراني سيستطيع التعامل مع الأعداد الكبيرة النصرانية المشاركة في الجيش من أرمينيا والكرج وأنطاكيا.

وقد ضم الجيش التتري بين صفوفه ثلاثة من أمهر القادة العسكريين في تاريخ التتار قاطبة، وهم هولاكو وكتبغانوين وبيجو .


النقطة الثامنة:
راسل هولاكو أمير أنطاكيا بوهمند ، فتعذر عليه أن يخترق الشام كله، إلا أنه كان على استعداد تام للحرب، ومجهزاً كل جيوشه، وعلى استعداد -حال سقوط العراق- للمشاركة في إسقاط الشام.​



النقطة التاسعة:
كان هناك فرقة إسلامية في داخل الجيش التتري، على رأسها ولي عهد دمشق العزيز بن الناصر يوسف الأيوبي حفيدصلاح الدين الأيوبي رحمه الله، تشارك في جيش التتار لإسقاط العراق.

النقطة العاشرة: كانت هناك فرقة إسلامية أخرى أرسلها بدر الدين لؤلؤ أمير الموصل؛ لتساعد أيضاً جيش التتار في إسقاط العراق.


وهاتان الفرقتان الأخيرتان كانتا هزيلتين، وليس لهما أي قيمة، ولكنهما كانتا تحملان معان كثيرة، فهناك مسلمون في جيش التتار يشتركون مع التتار في حرب المسلمين، بل اشترك في عملية إخلاء العراق من الخلافة العباسية عراقيون متحالفون مع التتار، باعوا كل شيء في مقابل شيء حقير أو إمارة تافهة أو دراهم معدودة، أو مجرد حياة أي حياة.​
 


بدء تحرك جيش التتار نحو بغداد وسحقهم للإسماعيلية الشيعة على طريقهم الى بغداد
==========================


هذا الإعداد العالي المستوى للتتار اكتمل جيش التتار، وبدأ في الزحف من فارس في اتجاه الغرب إلى العراق، وبدأ هولاكو يضع خطة المعركة، وبدراسة مسرح العمليات وجد هولاكو أن طائفة الإسماعيلية الشيعية التي تتمركز في الجبال في غرب فارس وشرق العراق، يعني: بين الجيش التتري وبين الخلافة العباسية، سوف تمثل خطورة كبيرة على الجيش التتري،


وطائفة الاسماعيليين اليعية الحشاشة فهي مشهورة بقوة القتال والحصون المنيعة، وهي طائفة لا عهد لها ولا أمان، ومع أن التتار يعلمون أن الإسماعيلية على خلاف شديد مع الخلافة العباسية، وأنها من المنافقين الذين يتزلفون إلى الأقوياء، إلا أن التتار لم يطمئنوا لهم أبداً، فآثروا ألا يتركوا شيئاً للمفاجآت، وقرروا عدم دخول بغداد إلا بعد استئصال شأفة الإسماعيلية تماماً، ومع أن هذا سيأخذ منهم وقتاً إلا أنه لابد أن يعمل لكل شيء حسابه.


فتحركت الجيوش المغولية التترية الهائلة صوب معاقل الإسماعيلية وحاصرتها حصاراً محكماً، ودارت حروب شرسة بين التتار والإسماعيلية انتهت بسحق كامل للإسماعيلية وخلو المنطقة تماماً منهم، وأصبح الطريق مفتوحاً إلى بغداد. وقد استغرقت هذه الحروب سنة (655) للهجرة بكاملها.



وهذا الإسهاب النسبي في شرح إعداد هولاكو للحرب مع الخلافة لم نقصد منه إظهار الانبهار بـهولاكو أو الاحتقار للمسلمين، وإنما هو محاولة للبحث عن مبرر واضح للنتائج الرهيبة التي حدثت عند سقوط بغداد، فالناظر للأحداث دون تعمق، أو الدارس للأمر بسطحية قد يتساءل: لماذا يسمح الله عز وجل للتتار وهم أخس أهل الأرض بسفك دماء المسلمين، واستباحة الحرمات بهذه الصورة، مع أن المسلمين مهما وقع منهم من قصور إلا أنهم موحدون، ومقيمون للصلاة، وقارئون لكتاب الله عز وجل؟


أقول: أحببت أن أتابع معكم هذا الإعداد الطويل المرتب، الذي لم يقابل بأقل درجات الاهتمام من جانب المسلمين، لتحدث بذلك المأساة الكبرى والبلية العظمى، والذي يعتمد فقط على كونه من الموحدين المسلمين، ولا يعد العدة للقتال، ولا يأخذ بالأسباب، فهو واهم في إمكانية تحقيق النصر.


وكثيراً ما رأينا في التاريخ وفي الواقع اليهود أو النصارى أو البوذيين أو الهندوس أو الشيوعيين الملاحدة ينتصرون على المسلمين، بل ويكثرون من إهانتهم، عندما يأخذ هؤلاء الأقوام بالأسباب المادية ويتركها المسلمون، وسنة الله عز وجل لا تبديل لها ولا تغيير.


ثم اجتمع هولاكو مع كبار مستشاريه في مجلس حرب يعد من أهم مجالس الحرب في تاريخ التتار، فالقرار فيه هو غزو العاصمة بغداد وإسقاط الخلافة الإسلامية، وعقد مجلس الحرب هذا في مدينة همذان الفارسية، وأخذ القرار فعلاً بالحرب، واهتم هولاكو بوضع مراقبة لصيقة على الفرق الإسلامية، فقد كان خائفاً من الخيانة، ولكن هذا الخوف لم يكن حقيقياً، فالأمراء المسلمون الذين انضموا إلى هولاكولم يكن في نيتهم أبداً الغدر بـهولاكو ، وإنما كانت نيتهم وعزمهم أن يغدروا ببغداد، ثم انطلقت الجيوش من همذان في اتجاه العراق، وبينهما (450) كيلو متر.




قسم هولاكو جيشه إلى ثلاثة أقسام:
=========



القسم الأول: القلب، وهو القسم الرئيسي من الجيش، وقاده هولاكو بنفسه، ثم لحقت به أكثر من فرقة من الفرق الهامة في الجيش التتري، فلحقت به الفرقة التي أتت من روسيا، والفرق المساعدة من مملكتي أرمينيا والكرج، واخترق الجبال الواقعة في غرب فارس صوب بغداد، ومر بمدينة كرمان شاه، بعد أن نقيت هذه المنطقة تماماً من الإسماعيلية، ليحاصر بغداد من الجهة الشرقية.


القسم الثاني: الجناح الأيسر لجيش التتار، وقاده كتبغانوين أفضل قواد هولاكو ، وقد تحرك هذا الجيش بمفرده في اتجاه بغداد إلى الجنوب من الجيش الأول. وتم فصل الجيشين حتى لا تستطيع المخابرات الإسلامية -إن كان هناك مخابرات- أن تقدر العدد الصحيح للجيش التتري، بالإضافة إلى أن الطرق لا تستوعب هذه الأعداد الهائلة من الجنود، فضلاً أنه كان على جيش كتبغانوين اختراق سهول العراق والتوجه لحصار بغداد من جنوبها.

ومع أن المسافة من همذان إلى بغداد (450) كيلو متر إلا أن هولاكو كان يتميز بالحذر، الذي استطاع معه أن يخفي هذا الجيش بكامله عن عيون العباسيين، ولم يكتشف العباسيون جيش التتار إلا وهو على بعد أقل من (50) كيلو متر من بغداد.


القسم الثالث: الجيش التتري الرابض على أطراف الأناضول شمال تركيا الآن، وهو الذي اجتاح أوروبا، وكان على رأسه الزعيم التتري الكبير بيجو ، وقد جاء هذا الجيش من المناطق الشمالية في اتجاه الجنوب، حتى وصل إلى بغداد؛ ليحاصرها من الشمال، ثم التف أيضاً ليحاصرها من الغرب، وبذلك حوصرت بغداد بين هولاكو شرقاً وكتبغانوين من الجنوب وبيجو من الغرب والشمال.


وعلى قدر هذا الأداء المبهر لهذا الجيش الثالث، الذي اخترق كل هذه المسافات، ليصل في وقت متزامن مع هولاكو وكتبغا، كانت على قدر الفضيحة الكبرى التي لحقت بالمسلمين، نتيجة وصول هذا الجيش الثالث بسلامة إلى بغداد، وهذه الفضيحة كانت مركبة؛ لأن هذا الجيش الثالث كان عليه لكي يصل إلى بغداد أن يخترق مسافة (500) كيلو متر داخل الأراضي التركية، وهي أراض إسلامية، ثم (500) كيلو متر أخرى داخل الأراضي العراقية، وهي أيضاً أراضٍ إسلامية، فقد كان يجب عليه أن يسير مسافة (1000) كيلو متر في أعماق العالم الإسلامي حتى يصل إلى بغداد، ومع ذلك فقد قطع بيجو بجيشه (95%) من الطريق، يعني: حوالي (950) كيلو متر، دون أن تدري الخلافة العباسية عنه شيئاً مطلقاً، وباغتها على بعد (50) كيلو متر في شمال غرب بغداد، كما فعل هولاكو.​

واختراق بيجو للأراضي الإسلامية ساعد عليه مصيبتان عظيمتان:
----


المصيبة الأولى: غياب المخابرات الإسلامية عن الساحة تماماً، وقد كان الجيش العباسي لا علم له ولا دراية بإدارة الحروب وفنونها.

المصيبة الثانية وهي الأعظم: فقد كان هناك خيانة واضحة من أمراء الأناضول والموصل المسلمين وشعوبهم، وقد فتحت هذه الخيانة الأبواب لجيش التتار، ولم يحدث أي نوع من المقاومة بالمرة، فقد ارتكب أمير الأناضول كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع الخيانة العظمى،

وارتكب بدر الدين لؤلؤ أمير الموصل خيانة أعظم منهما، فهو لم يكتف بتسهيل مهمة التتار وفتح القنوات، وإقامة الجسور فوق نهر دجلة لتسهيل مرور التتار إلى بغداد، ولكنه أيضاً شارك بفرقة إسلامية تعين التتار على عملية إخلاء العراق من حكم الخلافة العباسية، مع العلم أن بدر الدين لؤلؤ عراقي أيضاً، وقد كان يبلغ من العمر (80) سنة على أقل تقدير، وبعض الروايات تقول: (100) سنة، ومن الجدير بالذكر أيضاً أن بدر الدين لؤلؤ هذا مات بعد هذه الخيانة وبعد سقوط بغداد بشهور قليلة على هذه الخيانة، ونسأل الله عز وجل حسن الخاتمة.​
 


حال بغداد قبيل الهجمة التترية (( الخليفة - الحكومة - الجيش - الشعب ))
==



كانت بغداد في ذلك الوقت من أشد مدن الأرض حصانة، وكانت أسوارها من أقوى الأسوار، فهي عاصمة الخلافة الإسلامية لأكثر من خمسة قرون، فقد أنفق على تحصينها أموال طائلة وجهود هائلة، وكانت هذه الجهود جهود سنين وقرون، ولكن وا أسفاه على المدينة الحصينة، فالحصون تحتاج إلى رجال يحمونها، ويبدو أن الرجال قد ندروا في ذلك الزمان.


حال الخليفة المستعصم
=========

كان رأس الدولة في الخلافة العباسية الخليفة السابع والثلاثين والأخير من خلفاء بني العباس في بغداد المستعصم بالله واسمه كبير جداًالمستعصم بالله ، ووظيفته كبيرة جداً خليفة المسلمين، ولكن أين مقومات الخلافة في المستعصم بالله ؟

وعندما تقرأ عن سيرةالمستعصم بالله الذاتية في كتب السير مثل تاريخ الخلفاء للسيوطي أو البداية والنهاية لـابن كثير.. أو غيرهما من الكتب تجد أمراً عجباً، فتجدهم يصفونه بأنه كان رجلاً فاضلاً في حياته الشخصية وفي معاملاته مع الناس، بخلاف ما ذكرنا عن محمد بن خوارزم من أنه قطع العلاقات بينه وبين من حوله، لكن تعالوا نرى ما هي مشكلة المستعصم بالله ،


يقول ابن كثير في البداية والنهاية واصفاً المستعصم بالله: ((( إنه إنسان فاضل في نفسه، كان حسن الصورة، جيد السريرة، صحيح العقيدة، مقتدياً بأبيه المستنصر بالله في العدل وكثرة الصدقات وإكرام العلماء والعباد.وكان سنياً على مذهب السلف.)))


ولا أعرف ماذا يقصد بكلمة (على مذهب السلف)، أفلم يكن في مذهب السلف جهاد وإعداد للقتال، ودراسة لأحوال الأرض وموازين القوى العالمية، وحمية ونخوة لدماء المسلمين التي سالت على مقربة من العراق في فارس وأذربيجان وأفغانستان وباكستان.. وغيرها؟! ألم يكن في مذهب السلف وحدة وألفة وترابط؟

فالخليفة المستعصم كان جيداً في ذاته، ولكنه افتقر إلى أمور لا يصح أن يفتقر إليها حاكم مسلم، فقد افتقر إلى القدرة على إدارة الأمور والأزمات، وإلى كفاءة القيادة، وإلى علو الهمة والأمل في سيادة الأرض والنصر على الأعداء، ونشر دين الله عز وجل في الأرض، وإلى الشجاعة التي تمكنه من أخذ قرار الحرب في الوقت المناسب،


فلم يكن عنده للخيفة العباسي المستعصم القدرة على تجميع الصفوف وتوحيد القلوب، ونبذ الفرقة، ورفع راية الوحدة الإسلامية الواحدة، ولم يكن قادراً حتى على اختيار أعوانه، ففشت في بلاده بطانة السوء، فالوزراء يسرقون، وأفراد الشرطة يظلمون، وقواد الجيش يتخاذلون، والفساد عم وطغى في كل مكان، وكثرت الاختلاسات من أموال الدولة، وعمت الرشاوى، وطغت الوساطة، وانتشرت أماكن اللهو والفساد والإباحية والمجون في كل مكان، بل وأعلن عنها صراحة، ودعي إليها على رءوس الأشهاد، والراقصات والخليعات كن يعلن عن أنفسهن صراحة في هذا البلد المسلم، والخليفة كان يصلي ويصوم ويزكي، وكان لسانه نظيفاً ومحباً للفقراء والعلماء، وكل ذلك جميل في مسئوليته أمام نفسه، ولكن أين مسئوليته أمام مجتمعه وأمته؟ فقد ضعف تماماً عن حمل مسئولية الشعب.


وكان باستطاعة الخليفة أن يجهز من داخل العراق في ذلك الوقت مائة وعشرين ألف فارس، فضلاً عن المشاة والمتطوعين، فالجيش التتري الذي حاصر بغداد كان مائتي ألف، فكان هناك أملاً كبيراً جداً في رد الغزاة، ولكن الخليفة كان مهزوماً من داخله، وفاقداً للروح التي تمكنه من المقاومة، كما أنه لم يربِ شعبه أبداً على الجهاد، ولم يعلمهم فنون القتال، فلم يوجد معسكرات للتدريب تعد شباب الأمة ليوم كيوم التتار، ولم يهتم بالسباحة والرماية وركوب الخيل، ولم يجهز الأمة معنوياً لتعيش حياة الجد والنضال.


وأنا لست متحاملاً على الخليفة أبداً، فقد حكم البلاد (16) سنة، وأعطي الفرصة الكاملة لإدارة البلاد، فكان عليه أن يعد العدة، ويقوي من شأن البلاد، ويرفع من هيبتها، ويعلي من شأنها، ويجهز جيشها، ويعزز رأيها إن كان كفؤاً، وإن لم يكن كفؤاً وكان صادقاً فعليه أن يتنحى عن الحكم ويترك الأمر لمن يستطيع، فهذه ليست مسئولية أسرة أو قبيلة، وإنما مسئولية أمة عظيمة كبيرة جليلة، أمة هي خير أمة أخرجت للناس، ولكن الخليفة لم يعمل هذا ولا ذاك، فلا قام بالإعداد ولا بالتنحي، فكان لا بد أن يدفع الثمن، ولا بد لشعبه الذي رضي به أن يدفع الثمن معه.


والبلاد لم يكن ينقصها المال اللازم لشراء السلاح أو تصنيعه، فقد كانت خزائن الدولة ملأى بالأموال والسلاح، ولكنه إما سلاح قديم بال عفا عليه الزمن، وأكل عليه الدهر وشرب، أو سلاح جديد عظيم جداً، ولكنه ما تدرب عليه أحد.

فهذا هو جيش الخلافة العباسية الذي سيواجه التتار.




حال الحكومة في بغداد
===



أما الحكومة التي هي بطانة الحاكم فقد كانت مثله وهو مثلها، فالحكومة كانت مثل الجيش هزيلة وضعيفة ومريضة، وكانت مكونة من أشباح، فالوزراء ليس همهم إلا جمع المال والثروات وتوسيع نطاق السلطة، واستعباد رقاب العباد، والتنافس غير الشريف بين بعضهم البعض، والتصارع المرير من أجل دار أو منصب أو حتى جارية، وكان على رأس هذه الوزارة الساقطة رئيس وزراء خائن، باع البلاد والعباد، ووالى أعداء الأمة وعادى أبناءها.

وكانت هذه الوزارة سيفاً مسلطاً على رقاب وأموال المسلمين، ولم تكن علاقتها بالمسلمين الذين يحكمونهم علاقة الأخ بأخيه، وإنما كانت علاقة سيد بعبد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


حال الشعب في بغداد
===


أما الشعب في بغداد فلم يكن مظلوماً بهذا الخليفة الضعيف الهزيل، فالحكام إفراز طبيعي جداً للشعوب، وكما تكونوا يولى عليكم، فالشعب في بغداد آنذاك كان شعباً كبيراً ضخماً، عدده ثلاثة ملايين نسمة على الأقل، فقد كانت بغداد أكبر مدينة على وجه الأرض، وسكانها كانوا أكبر عدد من السكان في مدينة واحدة، وهذا غير السكان الذين في المدن والقرى المحيطة ببغداد، فلم تكن تنقصهم الطاقة البشرية أبداً ولا الأموال، فقد كانوا شعباً مترفاً حقاً، ألفوا حياة الدعة والهدوء والراحة،


والملتزم دينياً فيهم قد اكتفى بتحصيل العلم النظري، وحضور الصلوات في المساجد، وقراءة القرآن، وقد نسي الفريضة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذروة سنام الإسلام، فريضة الجهاد،


وأما غير الملتزمين بالدين فقد كانوا كثيرين جداً، عاشوا لشهواتهم وملذاتهم، وتنافسوا في ألوان الطعام والثياب، وفي أعداد الجواري والغلمان، وأنواع الديار والحدائق والبساتين والدواب، ومنهم من التهى بسماع الأغاني والألحان عن سماع القرآن والحديث، ومنهم من شرب الخمر، ومنهم من سرق المال، ومنهم من ظلم العباد، وفوق ذلك فقد ظلوا قرابة أربعين سنة يسمعون عن المذابح البشعة، التي لحقت بإخوانهم المسلمين في أفغانستان، وأوزباكستان، وتركمانستان،وفارس، وأذربيجان، والشيشان.. وغيرها ولم يتحركوا، وسمعوا عن سبي النساء المسلمات، وخطف أطفال المسلمين، واغتصاب بناتهم، ولم يتحركوا، وسمعوا عن سرقة الأموال، وتدمير الديار، وحرق المساجد، ولم يتحركوا، بل سمعوا أن خليفتهم الناصر لدين الله جد المستعصم بالله كان يساعد التتار ضد المسلمين الخوارزمية، ولم يتحركوا،


فلابد أن يكون الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، وسيأتي يوم يفعل فيه بهذا الشعب كما فعل في الشعوب المسلمة الأخرى، ولن يتحرك لهم أحد من المسلمين، بل سيساعدون التتار عليهم، كما أنهم ساعدوا التتار قبل ذلك على إخوانهم الخوارزمية، فقد ساعد أهل سوريا وتركيا في ذلك الوقت التتار على فتح العراق للتتار، وهكذا تدور الدوائر، ولا يقولن قائل: إن الشعب مغلوب على أمره، فالشعوب التي تقبل بكل هذا الانحراف عن نهج الشريعة لا تستحق الحياة، والشعوب التي لا تثور إلا من أجل لقمة عيشها ليس لها أن ترفع رأسها أبداً.


ثم أين العلماء؟ وأين الرجال؟ وأين الشباب؟ وأين المجاهدون؟ وأين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر؟ وأين الحركات الإصلاحية في هذا المجتمع الفاسد؟ وأين الفهم الصحيح لمقاصد الشريعة ولأصول الدين؟ أفليس في بغداد رجل رشيد؟ كان هذا هو الوضع في بغداد، وأما خارج بغداد، فكما تعلمون أن جيوش التتار كانت تتحرق شوقاً لتعذيب المسلمين، والمسلمون في استكانة ينتظرون التعذيب.

 


حصار هولاكو لبغداد
==


في يوم (12) محرم سنة (656هـ) ظهر جيش هولاكو فجأة أمام الأسوار الشرقية للمدينة العظيمة بغداد، وبدأ ينصب معدات الحصار الثقيلة جداً حول المدينة، وجاء كذلك كتبغا بالجناح الأيسر من الجيش ليحيط بالمدينة من الناحية الجنوبية.


ارتاع خليفة المسلمين، وعمل اجتماعاً عاجلاً طارئاً جمع فيه كبار المستشارين، وكان على رأسهم الوزير الخائن مؤيد الدين العلقمي، فكان رأي مؤيد الدين العلقمي مهادنة التتار وإقامة مباحثات سلام، ولا مانع عنده من كثير من التنازلات، وكان يقول: ليس هناك أمل، والحل الوحيد هو السلام غير المشروط، ولكن الخير لا يعدم في هذه الأمة،


فقام رجلان من الوزراء، وهما مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه يشيران على الخليفة بحتمية الجهاد، وهذه الكلمة كانت جديدة تماماً على هذا الجيل من الدولة العباسية، وجاءت الإشارة إليها متأخرة جداً، فقد انتهى زمن الإعداد ووقت الاختبار، ولكن لعله يحرك جيشاً،


وكان الخليفة محتاراً، فهواه مع كلام مؤيد الدين العلقمي ، فهو ليس قادراً على الحرب، وعقله مع كلام مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه ؛ لأن تاريخ التتار كله لا يبشر بأي فرصة للسلام، كما أنه كان يسمع من أجداد أجداده أن الحقوق لا توهب إنما تؤخذ، فكان الخليفة محتاراً متردداً هيناً ليناً ضعيفاً، والجهاد لا ينفع أبداً مع هذه الصفات، فالجهاد ليس قراراً عشوائياً، ولا يوجد مجاهد بالصدفة أبداً، فالجهاد إعداد وتربية وتضحية مع الإيمان، فهو ارتقاء إلى الأعلى، حتى الوصول إلى ذروة سنام الإسلام، فهو ليس على سبيل التجربة نجرب لنجاهد، ما ينفع هذا الكلام.


فسمح الخليفة للمرة الأولى تقريباً في حياته باستخدام الجيش، فكانت هذه هي المرة الأولى التي يحارب فيها هذا الجيل من الجنود، وأول مرة ينتقل إلى الأعمال العسكرية، فقد انتقل من الأعمال المدنية في الزراعة والصناعة وزراعة الخيار والطماطم إلى الأعمال العسكرية،

فخرجت فرقة هزيلة من الجيش العباسي على رأسها مجاهد الدين أيبك لتلاقي جيش هولاكو المهول، فخرجوا من أسوار بغداد في اتجاه الشرق لمقابلة جيش هولاكو ، ثم سمعوا بقدوم جيش بيجو من الشمال، وحتى لا تحاصر بغداد أيضاً من الشمال والغرب فتصبح مطوقة تماماً، عدل مجاهد الدين أيبك إلى محاربة جيش بيجو بدلاً من محاربة جيش هولاكو ؛ لكي لا تحاصر بغداد من كل الجهات، فانتقل بجيشه الضعيف الهزيل لملاقاة جيش بيجو في الشمال، والتقى معه في منطقة الأنبار، التي شهدت انتصاراً خالداً قبل أكثر من (600) سنة على يد البطل الخالد خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، وأما في هذه المرة للأسف لم يوجد خالد ولا جيشه، فاستدرج الجيش المسلم في أرض الأنبار وسحق فيها، واستطاع مجاهد الدين أيبك بأعجوبة أن يهرب بفرقة ضعيفة جداً من الجيش الضعيف أصلاً ويعود إلى داخل بغداد، وهلك الجيش العباسي أو معظمه.

وكانت هذه الموقعة الأليمة غير المتكافئة في (19) محرم، يعني: بعد أسبوع من ظهور هولاكو أمام الأسوار الشرقية لبغداد.
 


بداية المفاوضات بين التتار والخليفة
===


لم يضيع بيجو الوقت، فانتقل بجيشه من الأنبار مباشرةً إلى شمال بغداد وحاصرها، فطوقت بغداد بين هولاكو وبيجو وكتبغا .

فاستغل مؤيد الدين العلقمي الفرصة وقال للخليفة: لابد أن نجلس مع التتار على طاولة المفاوضات، وكان الخليفة عارفاً أنه إذا جلس قوي شديد القوة مع ضعيف شديد الضعف، فإن هذا لا يعني أبداً مفاوضات، وإنما يعني استسلاماً، وفي الاستسلام عادة ما يقبل المهزوم بشروط المنتصر دون تعديل أو اعتراض،

ومع ذلك وافق الخليفة المسكين على الاستسلام، أي: على المفاوضات، فبعث وفداً رسمياً للمفاوضات مكوناً من مؤيد الدين العلقمي الشيعي الذي يكن في قلبه كل الحقد والغل والغيظ على الخلافة العباسية، وأرسل معه البطريرك النصراني ماكيكا ،


فكان الوفد الرسمي الممثل للخلافة الإسلامية العباسية العريقة في المفاوضات مع التتار لا يضم إلا رجلين فقط: أحدهما: شيعي، والآخر: نصراني.


فدارت المفاوضات السرية جداً بين هولاكو وبين ممثلي الخلافة العباسية الإسلامية، وأعطيت الوعود الفخمة من هولاكو لكليهما إن ساعداه على إسقاط بغداد، وكان أهم هذه الوعود أن يكونا عضوين في مجلس الحكم الجديد الذي سيحكم العراق بعد احتلالها من التتار،


فعاد المبعوثان الساميان من عند هولاكو إلى الخليفة بالشروط التترية، وهذه العروض والوعود كانت:
=========


أولاً: إنهاء حالة الحرب بين الدولتين، وإقامة علاقة سلام دائم.

ثانياً: زواج ابنة هولاكو الزعيم التتري، الذي سفك دماء مئات الآلاف من المسلمين بابن الخليفة المسلم المستعصم بالله ، وكان هذا شيئاً كبيراً على المستعصم بالله .

ثالثاً: بقاء المستعصم بالله على كرسي الحكم، وكان هذا شيئاً مهماً جداً بالنسبة له.

رابعاً: إعطاء الأمان لأهل بغداد جميعاً لو فتحت أسوارها.



وأما الشروط التترية
==


فأولها وأهمها: قمع حركة الجهاد التي أعلنت في بغداد؛ لأن الدعوة إلى الجهاد ستنسف كل مباحثات السلام، وعلى خليفة المسلمين أن يسلم إلى هولاكو رءوس الحركة الإسلامية ببغداد مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه .


ثانياً:
تدمير الحصون العراقية، وردم الخنادق، وتسليم الأسلحة.


ثالثاً:
الموافقة على أن يكون حكم بغداد تحت رعاية أو مراقبة تترية.


وختم هولاكو المباحثات مع المبعوثين الساميين بأنه جاء إلى هذه البلاد لإرساء قواعد العدل والحرية والأمان، وبمجرد أن تستقر الأمور وفق الرؤية التترية، فإنه سيعود إلى بلاده، ويترك العراقيين يضعون دستورهم، ويديرون شئون بلادهم بأنفسهم.



فقال: مؤيد الدين العلقمي الشيعي للخليفة: إن هذه المفاوضات مرضية جداً، وشروطها بسيطة سهلة، والتتار عندهم وعود وعهود، وهولاكو رجل طيب، فكان الخليفة مضطراً إلى الموافقة مع شك كبير جداً، فالشروط في قلبه قاسية جداً، فهو متردد وليس قادراً على الموافقة عليها، مع أن الموقف خطير، والوزراء يحاولون إقناعه بأنه لا أمل له في الحياة إلا إذا أطاع هولاكو ، فهو يرى أنه سيعيش ذليلاً وضيعاً، وسيبيع كل شيء بثمن بخس، فهو متردد، والشعب الضخم الذي كان يعيش في بغداد كان أيضاً متردداً، ونداء الجهاد لم يعد ينبعث إلا من بعض الأفواه القليلة جداً، فعامة الناس انخلعت قلوبهم لحصار التتار، فقد عظمت الدنيا جداً في عيون أهل بغداد في ذلك الزمن، واستحال عليهم أن يضحوا بالدنيا، فقد كثر الخبث فعلاً في بغداد، وإذا كثر الخبث فالهلكة قريبة جداً.
 

قصف التتار لبغداد
===


كان الخليفة يريد القليل من الوقت ليفكر، وهولاكو ليس عنده وقت.


كان هولاكو محاصراً لبغداد بجيوش تترية ضخمة تكلفه آلاف الدنانير كل يوم، وكان هذا الحصار في شهر محرم سنة (656) هجرية الموافق لشهر يناير سنة (1258) ميلادية في جو شديد البرودة، وفوق كل هذه الصعوبات كان هولاكو ينظر إلى بغداد ويرى الحلم الجميل الذي راود أجداده من قبل، حلم اجتياح بغداد وإسقاط الخلافة العباسية الإسلامية، فهو لن ينتظر وقتاً طويلاً، فبدأ يقصف بغداد بالقذائف الحجرية والنارية، ومع أول قذيفة سقط قلب الخليفة في قدمه، واستمر القصف على بغداد أربعة أيام متتالية.


وقد ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية موقفاً بسيطاً ولم يعلق على الموقف، ولكنه حمل معاني كثيرة،


يقول ابن كثير :

((( وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل مكان، حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت تسمى عرفة ، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة.


فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب:
إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم، فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرة الستائر على دار الخلافة.)))



هذا الحدث ذكره ابن كثير ولم يعلق عليه، وهو وإن كان في ظاهره أمر بسيطاً عابراً، إلا أنه يحمل معاني هائلة عندي، فقد تمكنت الدنيا تماماً من قلوب الناس في بغداد، وأولهم الخليفة، فالخليفة الموكل إليه حماية هذه الأمة في هذا الموقف الخطير يسهر هذه السهرة اللاهية.


وقد تكون الجارية ملك يمينه حلالاً له، ولكن أتحاصر عاصمة الخلافة الإسلامية، والموت على بعد خطوات منها، والمدفعية المغولية تقصف بمنتهى العنف، والسهام النارية تحرق، والناس في ضنك شديد، والخليفة يستمتع برقص الجواري! أين العقل والحكمة؟ فقد أصبح رقص الجواري في الدماء، وصار كالطعام والشراب لابد منه حتى في وقت الحروب، ولا أدري والله كيف كانت نفسه تقبل أن تنشغل بمثل هذه الأمور، والبلاد والشعب وهو شخصياً في مثل هذه الضائقة،


وما أبلغ العبارة التي كتبها التتار على السهم الذي أطلق على دار الخلافة، فقد اختيرت بعناية، فقد كتب عليه: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم. يعني: أن الله عز وجل قضى على بغداد بالهلكة في ذلك الوقت، وأذهب عقل الخليفة وعقل أعوانه وشعبه.


ولاشك أن هذه العبارات المنتقاة كانت نوعاً من الحرب النفسية المدروسة، التي يمارسها التتار بمنتهى المهارة على أهل بغداد، ويكفي دليلاً على قلة عقل الخليفة، أنه بعد قتل الجارية الراقصة لم يأمر الشعب بالتجهز للقتال، وإنما فقط أمر بزيادة الاحتراز! ولذلك كثرت الستائر حول دار الخلافة لحجب الرؤية، ولزيادة الوقاية، ولستر الراقصات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

واستمر القصف على بغداد من يوم (1) صفر إلى (4) من صفر في سنة (656) من الهجرة، وفي (4) من صفر سقطت الأسوار الشرقية لبغداد وانهارت.​

 
خروج الخليفة ووزرائه وكبار قومه إلى هولاكو وقتل التتار لهم
=========

مع انهيار الأسوار الشرقية انهار الخليفة تماماً، فلم يبق من عمره إلا لحظات قليلة، فأشار عليه الوزير مؤيد الدين العلقمي أن يخرج بنفسه لمقابلة هولاكو ؛ فلعله يقتنع هولاكو في مباحثات السلام، فذهبت الرسل من عند الخليفة إلى هولاكو تخبره بقدوم الخليفة، فأمر هولاكوأن يأتي الخليفة ومعه كبار رجال الدولة من الوزراء والفقهاء والعلماء وأمراء الناس وأعيانهم؛ حتى يحضروا جميعاً المفاوضات، وتصبح المفاوضات ملزمة للجميع،


فلم يكن عند الخليفة اختيار، فجمع كبار قومه، وخرج في وفد مهيب إلى خيمة هولاكو ومعه (700) من قادة المسلمين وعلمائهم في بغداد، وخرج وقد تحجرت الدموع في عينيه، وتجمدت الدماء في عروقه، وتسارعت ضربات قلبه، فهذه أول مرة يخرج فيها بهذه الذلة والمهانة، فقد كان من عادته أن يستقبل في قصره وفود الأمراء والملوك، والآن يخرج بهذه الصورة، وكان ماشياً بجواره وزيره مؤيد الدين العلقمي الشيعي، فلما اقترب الوفد من خيمة هولاكو اعترضه فرقة من الحرس الملكي التتري قبل الدخول على هولاكو ، ولم يسمحوا لكل الوفد بالدخول على هولاكو ، وقالوا: سيدخل الخليفة ومعه (17) رجلاً فقط، وأما الباقي فعليهم الخضوع للتفتيش الدقيق، فدخل الخليفة ومعه (17) من رجاله، وحجب عنه بقية الوفد، ولكنهم لم يخضعوا للتفتيش، بل أخذوا جميعاً للقتل، فقتل الوفد بكامله إلا الخليفة ومن كان معه في داخل الخيمة، فقتل كبراء القوم ووزراء الخلافة وأعيان البلد وأصحاب الرأي، وفقهاء وعلماء الخلافة العباسية، ولم يقتل الخليفة؛ لأن هولاكو كان يريد استخدامه في أشياء أخرى، وبدأ هولاكو يصدر الأوامر في عنف وتكبر، واكتشف الخليفة أن وفده قد قتل بكامله، واكتشف ما كان واضحاً لكل الخلق ولم يره هو إلا الآن، اكتشف أن التتار وأمثالهم لا عهد لهم ولا أمان،

sQoos.gif

هولاكو يصدر الأوامر الصارمة:
==========


الأول: على الخليفة أن يصدر أوامره لأهل بغداد بإلقاء أي سلاح، والامتناع عن أي مقاومة، وكان هذا أمراً سهلاً؛ لأنه لا يوجد شخص في المدينة رافعاً للسلاح.


الأمر الثاني:
تقييد الخليفة المسلم وسوقه إلى المدينة يرسف في أغلاله؛ لكي يدل التتار على كنوز العباسيين.


الأمر الثالث:
قتل ولدي الخليفة أمام عينه: أحمد وعبد الرحمن، ما كان اسمهما: عدي وقصي، وإنما أحمد وعبد الرحمن.


الأمر الرابع
: أسر أخوات الخليفة الثلاث: فاطمة، وخديجة، ومريم .


الأمر الخامس:
أن يكتب ابن العلقمي أسماء علماء السنة وحملة القرآن وخطباء المساجد داخل بغداد، ثم أمر بإخراجهم مع أولادهم ونسائهم إلى مكان خارج بغداد بجوار المقابر، فكان ينام العالم على الأرض ويذبح كما تذبح الشياة، ثم تؤخذ نساؤه وأولاده سبايا أو للقتل، فكانت مأساة بكل المقاييس،



وقد ذبح على هذه الصورة أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف ابن العالم الإسلامي المشهور ابن الجوزي رحمه الله، وذبح أولاده الثلاثة معه: عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم، وذبح المجاهد مجاهد الدين أيبك وزميله سليمان شاه ، وذبح شيخ الشيوخ ومؤدب الخليفة ومربيه صدر الدين علي بن النيار ، ثم ذبح بعد ذلك خطباء المساجد والأئمة وحملة القرآن، والخليفة حي يشاهد هذا، فيا ترى كم من الألم والندم والخزي والرعب الذي كان يشعر به الخليفة؟!


ولو تخيل الخليفة ولو للحظات أن العاقبة ستكون بهذه الصورة، فلا شك أن إدارته للبلاد ستختلف اختلافاً جذرياً، والأيام لا تعود، وهذه سنة الأيام، فألقى أهل المدينة السلاح وقتلت الصفوة.
 


مقدمة المؤرخ الشهير ابن الأثير عما قاله عن التتار :


ونقدم على هذه الأحداث ما قاله المحدث الجليل ابن الأثير في كتابه" الكامل في التاريخ " فقد قال "

(( لقد بقيت عدة سنوات معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها فأنا أقدم إليه رجلا وأواخر أخرى فمن ذا الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك فيا ليت أمي لم تلدني ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا إلا أنه حثني جماعة من الأصدقاء على تسطير هذا ثم رأيت أن ترك هذا لم يجدي نفعا " .

هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها عمت الخلائق وخصت المسلمين ولو قال قائل ( إن العالم منذ خلق الله – سبحانه وتعالى – آدم إلى الآن لم تبتلى بمثلها) لكان صادقا فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله " بختنصر " ببني إسرائيل من القتل وتخريب البيت المقدس وما البيت المقدس إلى ماخرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كانت المدينة منها أضعاف البيت المقدس وما بنوا إسرائيل إلى من قتلوا فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل ؛ ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج ؛

وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه ويهلك من خالفه أما هؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والأطفال والرجال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة في بطون أمهاتهن –

فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " . ))))



كانت هذه هي المقدمة التي كتبها ابن أثير في بداية كتابة " الكامل في التاريخ " والذي كان يتحدث عن التتار وكان هو شاهد عيان على ذلك فقد كان معاصرا للأحداث في ذلك الوقت.
 

كانت دولة التتار عند احتلال بغداد ممتدة من كوريا الى الصين الى فيتنام الى منغوليا وتايلاند وكل وسط أسيا وغالب روسيا وبولندة واوكرانيا وبلغاريا والقوقاز وصربيا وكرواتيا ودول البلقان وكانو قد وصلو الى حدود المانيا وحدود ايطالية حاليا ...
 


سقوط بغداد على يد الامريكان هو نفس يوم سقوطها على يد التتار


بدأ غزو العراق 16 محرم
بدأ غزو بغداد – الخلافة 16 محرم سنة 656هـ
دخول بغداد 7 صفر
دخول بغداد 7 صفر
انهيار المقاومة ودخول بغداد يوم الاربعاء
انهيار المقاومة ودخول بغداد يوم الاربعاء
مدة الغزو 21 يوم حتى سقوط بغداد – العراق
مدة الغزو 21 يوم حتى سقوط بغداد- الخلافة
 

وكان سقوط بغداد متزامناً مع سقوط قرطبة وإشبيلية في الأندلس،

فإن قرطبة سقطت سنة (636هـ) قبل بغداد بعشرين سنة،

وإشبيلية سقطت سنة (646هـ) قبل بغداد بعشر سنين،

وها هي بغداد تسقط في صفر سنة (656هـ).
 

سلطة التافهين.. كيف ساهمت رعونة "المستعصم" في انتصار التتار؟
============================









يحكي شاهد عيان نجا من مجزرة المغول الدموية في بغداد التي أوقعت عشرات الآلاف من القتلى ويسمى الفقيه جمال الدّين سليمان بن فخر الدين عبد الله بن رطلين هو ووالده ممن شاهدوا تلك الأهوال وقد أفلت ووالده من الموت بأعجوبة، وكان جمال الدين في حدود السادسة والعشرين من عمره، استطاع أن يتخفّى في أنفاق بغداد حينها يقول:


(( جاء هولاكو في نحو مائتي ألف جندي، ثمَّ طلب الخليفة المستعصم العباسي، فخرج إلى معسكره ومعه القضاة والمدرّسون والأعيان في نحو سبعمائة إنسان، فلمّا وصلوا إلى منطقة شمال بغداد وكانت تسمى الحربية جاء الأمر بحضور الخليفة ومعه سبعة عشر شخصًا فقط، فاتّفق أنّ أبي كان أحدهم، فحدّثني أنّهم ذهبوا مع الخليفة، وأنزلوا من بقي عن خيلهم، وقتلوهم من لحظتهم. ثم أشهر النداء ببدء المجزرة في بغداد، فظل القتل أربعين يوما. وأنزلوا الخليفة في خيمةٍ صغيرة، والسّبعة عشر في خيمة أخرى.

قال أبي: فكان الخليفة يجيء إلى عندنا كلّ ليلةٍ ويقول: ادعوا لي. ثمَّ جرت للخليفة وابن الخليفة أبي بكر محاورات ونقاشات مع هولاكو. لكنه في نهاية الأمر أصدر قراره بإعدامهم وقتلهم رفسًا في بعض الأجولة، وأطلقوا سراح السّبعة عشر ليكونوا في مرمى سهام التتار استهزاءً بهم، فقُتل منهم رجلان، واستطاع البقية ومنهم أبي الهرب، لكنهم حين رجعوا إلى بغداد وجدوها خاوية مليئة بالجثث والقتلى!

حينها ذهبوا إلى المدرسة المغيثية على شاطئ نهر دجلة، وقد كنتُ ظهرتُ من أنفاق بغداد فبقيت أسأل عن أبي، فدلني عليه بعض الناس، فأتيته هو ورفاقه، فسلّمت عليهم، فلم يعرفني أحدٌ منهم، وقالوا: ما تريد؟ قلت: أريد فخر الدّين بن رطلين. وقد عرفته، فالتفت إليّ وقال: ما تريد منه؟ قلت: أنا ولده. فنظر إليّ وتحقّقني، فلمّا عرفني بكى، وكان معي قليل سمسم فتركته بينهم[1]. )))


هذه الحكاية المأساوية من شاهد عيان عايش عصر الهزيمة والسقوط المدوي لبغداد تحت جحافل التتار منذ ثمانمائة عام، تجسد لنا فصلا من فصول الهزيمة في تاريخنا، وهو الفصل الذي لا نكاد نقف عنده كثيرا؛ استحبابًا للحظات النصر والشموخ كمثل أي أمة تحب من تاريخها لحظات العزة والقوة فقط.
300



هناك روايات تاريخية تشير إلى أن الخليفة العباسي الأخير المستعصم بالله لم يكن المؤهل للخلافة وأن ثمة أياد خفية أبعدت الأمير الخافجي المستحق لمنصب الخلافة



تدور روايات سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية لمدة أكثر من خمسة قرون حول مشاهد الحصار والتدمير العمراني والحضاري والبشري، كما تشير كذلك إلى أعمدة الخيانة الداخلية وعلى رأسها مؤيد الدين بن العلقمي الوزير الخبيث الذي تراسل مع المغول وكشف لهم مكامن الضعف في جسد الدولة سياسيًا وعسكريًا، لكن هذه الروايات لا تقف كثيرا مع مقدمات السقوط وأسبابه الكامنة في شخصية رأس الدولة.

لماذا اختاروا المستعصم الضعيف؟!
--------------------------​


هناك روايات تاريخية لم تقف معها مصادر التاريخ العباسي كثيرا تشير إلى أن الخليفة العباسي الأخير المستعصم بالله (640- 656هـ/ 1242- 1258م) لم يكن المؤهل للخلافة وأن ثمة أياد خفية أبعدت الأمير الخافجي المستحق لمنصب الخلافة، وهذا الأمير كان ذكيا شجاعًا، تابع عن كثب تطور التمدد المغولي في شرق العالم الإسلامي من بخارى وسمرقند حتى مشارف العراق.

بل ومن الملاحظ أن كثيرا من مصادر تاريخ تلك الحقبة لم تذكر أن المستنصر قد عهد لولده عبد الله المستعصم بالعهد ليكون خليفة من بعده؛ وحتى اللحظة الأخيرة من حياته لم نجده يميل إلى هذا؛ ولعل هذا الفعل أو بالأحرى الاطمئنان وعدم التسرع قد يُرجح رواية المؤرخ المقريزي التي يذكر فيها أن المستنصر والد المستعصم مات مسمومًا [2] ما يعني أن الوفاة أو القتل كان مفاجأة؛ وقد لا يُستبعد من هذه الجريمة بعض كبار رجال الدولة مثل ابن العلقمي المسئول عن قصر الخلافة آنئذ، والأمير إقبال الشرابي أحد كبار قادة الجيش.

cb609dda-78b5-4f80-9d4e-a8051c109a34




هذه الرؤية يؤكدها مؤرخ آخر هو العصامي الذي يقول:


" كان للمستنصر ابنان: أحدهما يسمى بالخفاجي، كان شديد الرأس، شديد الرأي، شجاعًا صعب المراس، والثاني هذا المستعصم، وكان هينًا لينًا، ضعيف الرأي، فاختاره الأمير شرابي على أخيه الخفاجي؛ ليستبدّ هو بالأمر، ويستقل بأحوال الملك؛ فإنه لا يخشاه كما يخشى من أخيه الخفاجي. فلما توفي المستنصر أخفى الأمير إقبال موته نحوًا من عشرين يومًا، حتى دبر الولاية للمستعصم، وبويع له بالخلافة، ففر أخوه الخفاجي إلى العربان وتلاشى أمره"[3].

وتتزايد نظرية المؤامرة حين نتبين أن الأسرة العباسية وأقارب المستعصم وعلى رأسهم أعمامه قد أُجبروا على مبايعته من العسكر، وقد وضعوا في الإقامة الجبرية ومنع عنهم الطعام والماء حتى استسلموا في نهاية المطاف.

يقول أحد المؤرخين المعاصرين لتلك الأحداث " استُدعي أحد أعمامه وهو أبو الفتوح حبيب وأُوهم أن جماعة إخوته (أعمام المستعصم) حضروا وبايعوه فلما حضر لم يرهم فبايع وعاد إلى داره بالفردوس ثم طُلب الباقون للمبايعة فامتنعوا ... وأما أعمامه وكذا عم أبيه الممتنعون من الحضور والمبايعة فأُشير باستدامة غلق باب الفردوس الذي يحتوي على بيوتهم بحيث لا يدخل إليهم طعام ولا غيره فبقوا على ذلك ثلاثة أيام، فسألوا المبايعة وأُحضروا فبايعوا»[4].

وهذا النص الذي ذكره الإربلي في غاية الأهمية إذ يبين لنا أن المستعصم لم يكن مرغوبًا فيه من الأسرة العباسية ذاتها لوهنه وضعفه أو لأنه لم يكن الابن الأكبر للمستنصر وهو الخفاجي الذي كان ينظر إليه على أنه الأقوى والأليق بهذا المنصب الخطر. في المقابل هرب الأمير الخافجي إلى البادية العراقية واختفى حتى تردد اسمه عند لحظات السقوط، لكن سرعان ما تلاشى اسم الخلافة العباسية بالكلية حين أعدم المغول أفرادها وعلى رأسهم المستعصم ذاته.​

الخليفة المخدوع!
-----------------​



5466d938-cbae-423c-878a-253bf356acd4



امتازت شخصية المستعصم بأمرين غريبين للغاية، :

الأول ثقافته واطلاعه وحبه للقراءة مع الدعة والرفاهية وحب المال،

والثاني التقتير والبخل الشديد على تطوير مؤسسات الدولة ومرافقها وعلى رأسها المؤسسة العسكرية التي كانت تواجه أخطر تحدٍ وجودي تمثّل في اجتياح المغول واحتلالهم لمعظم القارة الأسيوية وبلدان العالم الإسلامي الشرقية حتى تخوم العراق.


صحيح أن ابن العلقمي كان له الدور الأخطر والأكبر في إثناء عزم الخليفة على تطوير الجيش، لكن ابن العلقمي ذاته لم يكن ليتمكن من الخليفة لولا ضعف هذا الأخير وحبه للمال والكسل والغفلة.

رأى المستعصم أن أسهل وأفضل حل أن يبرم مع التتار اتفاقًا يتم بمقتضاه تخفيض عدد الجيش العباسي من مائة ألف مقاتل في كافة الأراضي العباسية إلى أقل من عشرين ألفًا، ويعطي في المقابل جزية سنوية لهم، وبهذا لم يعد من المتوقع حدوث الصدام العسكري بين الفريقين كما ظن المستعصم[5].


كان صراع مراكز القوى في الدولة العباسية على أشده، فهناك ثلاثة أشخاص كانوا أكابر رجال الدولة حينها، هم مؤيد الدين العلقمي الوزير ورئيس ديوان الخلافة، وإقبال الشرابي قائد الجيش، ومجاهد الدين الدويدار الرجل الثاني في قمة الجيش.

كان رأي القائد العسكري مجاهد الدين أيبك أن يبادر العباسيون بمواجهة التتار، لأنهم إن عاجلاً أم آجلا سيدخلون العراق، ولن يقنعوا أبدا بالمال المرسل إليهم سنويًا، وقد حفظ لنا التاريخ مقولته: «لو مكنني أمير المؤمنين المستعصم، لقهرت التتار، ولشغلت هولاكو بنفسه»[6]. أما المستعصم فكان عازفًا عن سماع نصيحة قادة جيوشه، غير آبه لهم، فقط يقتنع بما يمليه عليه ابن العلقمي، ولذلك لا نستغرب الوصف المتكرر في وصف المؤرخين المعاصرين له وغير المعاصرين بأنه "ضعيف الرأي"[7]!​
جنكيز خان .. سيرة قائد الجحافل التي بسطت سلطان #المغول على ثلاثة أرباع العالم في القرن الثالث عشرpic.twitter.com/M0j0wf5YAs
— قناة الجزيرة (@AJArabic) 21 November 2017
أحد هؤلاء المؤرخين هو كمال الدين ابن الفوطي وهو قريب من زمن سقوط بغداد يروي بمأساة حال الجيش العباسي الذي صار يتسول جنوده وقادته في الأسواق حينذاك، قائلاً: "كان الخليفة قد أهمل حال الجند ومنعهم أرزاقهم وأسقط أكثرهم من دساتير ديوان العرض (أسقط رواتبهم وفصلهم من وزارة الجيش)، فآلت أحوالهم إلى سؤال الناس، وبذل وجوههم في الطلب في الأسواق والجوامع، ونظم الشعراء في ذلك الأشعار فمما قاله الشاعر المجد النشّابي من قصيدة جاء فيها:
يا سائلي ولمحض الحقّ يرتاد

أصخ[ii] فعندي نشدان وإنشاد
أما الوزير فمشغول بعنبره

والعارضان فنسّاج ومدّاد
وحاجبُ الباب[iii] طورًا شاربٌ ثملٌ

وتارة هو جِنكي[iv] وعوّادُ[v]
وشيخ الإسلام[vi] صدر الدين همّته

مقصورة لحُطام المال يصطادُ
وا ضيعة الملك والدّين الحنيف وما

تلقاه من حادثات الدّهر بغدادُ
أين المنية مني كي تُساورني
فللمنية إصدار وإيرادُ
هتك وقتل وأحداث يشيب بها

رأس الوليد وتعذيب وأصفاد[8]

السقوط المدوّي!
-------------


منذ ما قبل سقوط بغداد بخمس سنوات على الأقل والمثقفين وعامة الناس في بغداد كانوا يرون خطورة المد المغولي واقترابه، خصوصا مع حملة المغول الحربية التي خرجت من عاصمتهم سنة 651ه/1253م، لا تريدـ شيئًا سوى استكمال السيطرة المغولية على بقية أقطار العالم الإسلامي، هذه الحقيقة التي رآها الجميع غفل عنها رأس الدولة الخليفة المخدّر بأوهام الكسل والبلاهة.
وفي ذلك يقول المؤرخ المعاصر ابن الطقطقى في كتابه «الفخري»: "في آخر أيّامه (المستعصم) قويت الأراجيف (الشائعات) بوصول عسكر المغول صحبة السّلطان هولاكو فلم يحرّك ذلك منه عزما، ولا نبه منه همّة، ولا أحدث عنده همّا، وكان كلّما سُمع عن السّلطان (هولاكو) من الاحتياط والاستعداد شيء ظهر من الخليفة نقيضه من التّفرط والإهمال، ولم يكن يتصور حقيقة الحال في ذلك، ولا يعرف هذه الدّولة حقّ المعرفة ... وما زالت غفلة الخليفة تنمي ويقظة الجانب الآخر تتضاعف"[9].
ومع ذلك منّى الخليفة نفسه بعلاقات طيبة مع المغول، فقد اشتُهر عنه قوله: "لا خوف من المستقبل؛ لأن بيني وبين هولاكوخان وأخيه منكو قآن روابط ودية، ومحبة صميمية لا عداوة ونفرة، وحيث إني أحبهم فلا شك أنهم يحبونني ويميلون إليّ، وأحسب أن الرسل قد بلّغوني عنهم كذبًا، وإذا ظهر خلاف فلا خشية منه؛ لأن كل الملوك والسلاطين على وجه الأرض بمنزلة جنود لنا"[10].
المغول لم يأبهوا بهذه المراهقة السياسية، فقد كانت القوة بيدهم، والإمدادات لا تنقطع عنهم، بل إن بعض الأمراء المسلمين كانوا مضطرين للوقوف معهم ضد الخلافة العباسية مثل أمير الموصل الذي منحهم الإمدادات اللوجستية اللازمة لعبور نهر دجلة وتذليل الصعوبات حتى الوصول إلى بغداد[11].
وبحلول يوم 4 المحرم سنة 656هـ استطاع قائد المغول هولاكو أن يصل بالفعل إلى أسوار بغداد الشرقية غير أن فرقة من القوات العباسية كانت متمركزة حالت لمدة أسبوعين فقط، قال ابن الطقطقى: "وأما حال العسكر السلطاني (عسكر هولاكو) فإنه في يوم الخميس رابع محرم من سنة ست وخمسين وستمائة ثارت غبرة عظيمة شرقي بغداد على درب باعقوبا بحيث عمت البلد، فانزعج الناس من ذلك وصعدوا إلى أعالي السطوح والمناير يتشوفون، فانكشفت الغبرة عن عساكر السلطان هولاكو وخيوله وقد طبّق وجه الأرض وأحاط ببغداد من جميع جهاتها"[12].


وأمام هذه الهجمة الشرسة من قوات تقدر بعشرات الآلاف انهارت الدفاعات العباسية بعد استنفاد الجهد والطاقة، وأمست بغداد الشرقية بين مطرقة هولاكو من الشرق وسندان القائد المغولي الآخر بايجو من الغرب الذي كان قد استولى على بغداد الغربية بالفعل منذ أسبوع تقريبا[13]!
وبحلول نهاية محرم وبداية صفر من العام ذاته كان المغول قد استولوا على بغداد وعاثوا فيها فساد ودمروا حاضرتها الثقافية، وقتلوا ما لا يقل عن مائة ألف بغدادي في بعض الروايات ومليون في أكثرها، يقول الذهبي: "والأصح أنهم بلغوا ثمانمائة ألف (قتيل)"[14]! وفي 2 محرم قُتل الخليفة المستعصم وأولاده وعائلته وكبار قادته في معسكر الجيش المغولي وسقطت الخلافة العباسية رسميا بعد حكم استمر خمسة قرون.
لم نقف في هذا التقرير مع دور ابن العلقمي الوزير الفاسد، ورجل المخابرات المغولية في بغداد وهو الوزير صاحب الأمر والنهي في الشئون التنفيذية بعد الخليفة، لم نقف معه لأن دوره معروف للكافة وكتب حوله الكثير، لكن المشكلة الحقيقية بدأت مع اعتلاء هذا الخليفة الضعيف لعرش الدولة، وعلى مدار ستة عشر عامًا قضاها في الحكم، دمّر المستعصم ما بناه أبوه المستنصر وجده الناصر من قوة عسكرية وحضارية كان لها شأن في حماية واسترجاع قوة العباسيين من بعد ضعف استمر لعشرات السنين.
وبهذا نتبين أن أهم حدث شكّل عصر الهزيمة العباسية في العراق تمثّل في صعود شخصية "تافهة" لمنصب خطير مثل منصب الخلافة، ولا شك أن هذه الحادثة تكررت كثيرا في عصور الهزيمة في تاريخ التجربة الإسلامية، فلم يكن النصر حليفا إلا مع الأقوياء الأذكياء.
_______________________________________________


مجد الدين أسعد بن إبراهيم بن الحسن الكاتب الإربلي ولد سنة 581هـ استوطن بغداد وكان أحد شعراء ذلك الحين، كان مقدامًا على ذم رجال الدولة العباسية، نجا من أيدي المغول سنة 656هـ لكنه توفي في آخر السنة نفسها.
[ii] أي استمع إلى صوت قارع، ويقصد به الأحداث المؤلمة التي كان يراها.
[iii] الحاجب: المسئول عن قصر الخليفة ومن يدخل عليه.
[iv] الجنكي: الموسيقي.
[v] عوّاد: لاعب العود الموسيقي.
[vi] شيخ الإسلام: قاضي القضاة والمفتي الأكبر لبغداد وقتها.​



لمصادر
 
المغول كان كل همهم جمع الجزية و الجباية و الضرائب من الامارات التى تحتلها و جمع ثرواتها و لم يبحثوا عن المباشر لهذه الولايات و حكمهم لم يستمر لفترة طويلة بسبب هذا و الحمد لله قد دخلوا الدين الاسلامى ( المغول و التتار) و على المذهب السنى
 
ما أشبه اليوم بالبارحة!



ما أشبه سقوط بغداد تحت أقدام الأمريكان بسقوطها تحت أقدام التتار!



وما أشبه المسلمين أيام التتار بمسلمي اليوم!



وما أشبه حكام المسلمين أيام التتار بحكام المسلمين اليوم!



وما أشبه التتار بالأمريكان!



وما أشبه حلفاء التتار بحلفاء الأمريكان!





فهي صورة متكررة في التاريخ بشكل عجيب، والأمثلة على هذه الصورة كثيرة جداً في التاريخ، ونحن سنحاول ربط هذه القصة بواقعنا، وإذا أردنا أن نتحدث عن صور أخرى من جوانب التاريخ الإسلامي بصفة خاصة، أو جوانب التاريخ الإنساني بصفة عامة فسنجد كثيراً من الصور تتشابه مع واقعنا الآن، وانظروا إلى هذه المقارنة بين سقوط بغداد الأول وسقوطها الثاني.





ظهر التتار فجأة على مسرح الأحداث تماماً كما ظهر الأمريكان، فأمة التتار أمة بلا تاريخ، قامت على السلب والنهب، وقتلوا الملايين من الأبرياء؛ ليقيموا دولتهم على جماجم البشر، ولتسقى حضارتهم إن كانت هذه حضارة بدماء الملايين المظلومين، وكذلك فعل الأمريكان، فقد قتلوا مئات الألوف بل الملايين من الهنود الحمر؛ لكي يقيموا لهم دولة، ونهبوا ثروات غيرهم، وأقاموا ما يسمونه أيضاً بحضارتهم على أشلاء وجماجم سكان البلاد الأصليين، ومرت الأيام وصار الأمريكان قطباً أوحداً في الأرض تماماً كما صار التتار، ولم يقبلوا بالآخر أبداً، ورسخوا الظلم والبطش والقهر في الأرض مع ادعائهم المستمر أنهم ما جاءوا إلا لنشر العدل والحرية والأمان للشعوب، وهكذا فعل التتار.







وما أشبه طاولة مفاوضات التتار بطاولة مفاوضات الأمريكان، فهم يعطون عهوداً ولا ضمير، ومواثيق ولا أمان، وكلمات جوفاء تطلق في الهواء لتسكين الشعوب وخداعهم إلى حين، وعزمهم مبيت قبل التعهد على نقض العهود، والنية معقودة قبل اللقاء على الطعن في الظهر،



وقد دخل الأمريكان بلاد المسلمين بحجج واهية كما دخلها التتار بحجج واهية، ولم يحتاجوا أبداً إلى دليل دامغ أو إلى حجة ساطعة، بل كلها أوهام في أوهام، وادعاءات في ادعاءات، فهم تارة يدعون محاربة الإرهاب، وتارة ترسيخ الديمقراطية، وتارة تحرير الشعوب، وتارة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وتارة البحث عن زعيم هنا أو هناك، وهكذا، فهم يريدون أي سبب ليدخلوا من ورائه؛ لأنهم حتماً سيدخلون.





وحارب الأمريكان في بلاد المسلمين حروباً كحروب التتار، وكانت حروبهم بلا قلب، لا تفرق بين مدني ومحارب أبداً، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين طفل أو شاب أو شيخ كبير، واستولى الأمريكان على ثروات المسلمين تماماً كما فعل التتار، وإلا فما الفارق بين البترول، وبين الذهب والفضة، وما الفارق بين تغيير المناهج وتبديلها وتزييفها، وبين إغراق مكتبة بغداد وطمس كل ما هو إسلامي، فكلاهما يتميزان بروح همجية لا تقبل الحضارة، وكأن الله عز وجل أراد أن يطابق بين أفعال الأمريكان وأفعال التتار، فجعل خطوات الأمريكان في إسقاط بغداد شديدة الشبه بخطوات التتار، فكما تمركز التتار أولاً في أفغانستان كذلك تمركز الأمريكان في أفغانستان، وكما تحالف بدر الدين لؤلؤ زعيم الأكراد في شمال العراق مع التتار، كذلك تحالف أكراد الشمال العراقي مع الأمريكان.





وكما فتح كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع المجال الأرضي التركي لقوات التتار، فتح الأتراك الآن المجال الجوي التركي، وليس هناك فرق بين المجال الأرضي والمجال الجوي.





وكما اخترقت الجيوش التترية أراضي المسلمين دون مقاومة لتصل إلى العراق، كذلك اخترقت جيوش الأمريكان أراضي المسلمين الآن، وليس فقط بدون مقاومة، ولكن بترحيب عال وباستقبال حار، فما أشبه اليوم بالبارحة.





وكما فكر التتار في التعاون مع الشيعة في العراق فكر الأمريكان في ذلك،





وكما استغل التتار بعض المنافقين من المسلمين لبث الحرب الإعلامية التي تحط من نفسيات المسلمين وتلقي الرعب في قلوبهم، قام الأمريكان بنفس الشيء، حتى رأينا الصحف القومية في البلاد الإسلامية تتحدث عن تدريبات وتسليحات وإمكانيات الأمريكان، وتوسع الفجوة جداً بين أمريكا والمسلمين، وتحبط المسلمين من المقاومة.





وكما عمد هولاكو إلى توصية مؤيد الدين العلقمي الشيعي بمحاولة إنقاص أعداد الجيوش الإسلامية، كذلك فعل الأمريكان مع كثير من بلاد المسلمين، فوضعوا عليها قيوداً في التسليح وفي أعداد الجنود وفي التدريبات.. وفي غير ذلك من الأمور العسكرية.





وكما حوصرت بغداد من التتار فكذلك حوصرت من الأمريكان،



وكما قصفت بغداد من التتار فكذلك قصفت من الأمريكان، وكما انهارت أسوار بغداد تحت قذائف التتار، فكذلك انهارت أيضاً تحت قذائف الأمريكان، وكما طلب التتار تسليم المجاهدين فعل كذلك الأمريكان، وكما طلب التتار تدمير الأسلحة فعل كذلك الأمريكان، وكما هرب المستعصم بالله من الموقف ورضي بالهوان كذلك فعل صدام حسين .





وكما قتل ولدا المستعصم بالله قبل أن يقبض عليه، كذلك قتل ولدا صدام قبل أن يقبض عليه،





وكما خالف التتار عهودهم بالأمان قبل دخول بغداد، كذلك خالف الأمريكان،





وكما قال التتار: إنهم سيخرجون من البلاد بعد تحريرها من المستعصم بالله كذلك قال الأمريكان، ولم يخرج التتار ولا الأمريكان، وكما كون التتار مجلساً للحكم في العراق من المسلمين الموالين لهم، كذلك كون الأمريكان نفس المجلس وبنفس الطريقة، وكما كان ذلك المجلس لا يساوي شيئاً عند التتار، فكذلك كان هذا المجلس لا يساوي شيئاً عند الأمريكان، فهما صورة بالكربون من التاريخ.





راغب السرجاني

هناك بعض النقاط أود توضيحها أخي الكريم
صحيح أن الأمريكان إحتلو العراق و حصل ما حصل لكن العقلية الأمريكية مختلفة تماما عن العقلية التترية و الدليل أنهم لم يسحقو بغداد و سكانها و غيرها العديد من المحافظات العراقية بالرغم من قدرتهم على ذلك
كما أن الأمريكان كان في نيتهم تحويل العراق لدولة خليجية من حيث الإقتصاد المربوط بالدولار الأمريكي و البنوك و الشركات الأمريكية و كذلك تحويل الجيش العراقي إلى نسخة مصغرة من الجيش الأمريكي لكنهم غفلوا عن نقاط مهمة و هي المشروع الفارسي في العراق و هذا من جهة و من جهة أخرى أصر سنة العراق على القتال بدل الجلوس على طاولة المفاوضات و التي قدمها الأمريكان كثيرا لهم على طبق من فضة و دون أي مقابل فقط لتتم العملية الديمقراطية الأمريكية لكن سبحان الله العناد لم يعطنا شيئا سوى التشرد و ضياع البلد لصالح بني فارس الذين عرفو كيف يلعبون مع العم سام

موضوع العراق في هذه الحقبة مختلف بشكل واضح عن حقبة العباسيين لكن الأعداء الإقليميين هم أنفسهم و التخاذل العربي هو نفسه مع شديد الأسف
 
عودة
أعلى