الأسـلـحـة الـبـيـولـوجـيـة Biological weapons

عــمــر الـمـخــتــار

رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي
عضو قيادي
إنضم
14/5/19
المشاركات
5,688
التفاعلات
30,129

2-PS-Venkatesh-Rao-corona-bio-weapon-edited.jpg


الأسلحة البيولوجية تشتمل على كائنات دقيقة عبارة عن فيروسات وبكتيريا وفطريات، ومجموعة من السموم الأخرى، يتم إنتاجها في مختبرات خاصة، وتقوم بعض الدول أو الجماعات بإطلاقها بهدف التسبب في أمراض خطيرة لدول أخرى. ويمكن عدّها نوعا من أسلحة الدمار الشامل؛ التي تشمل أيضا الأسلحة الكيميائية والنووية والإشعاعية، وهي من الأسلحة التي تسبب مشاكل خطيرة للغاية، ويمكن لأي شخص أن يشن بها هجوما إرهابيا بيولوجيا، نظرا لانخفاض تكلفتها وسهولة الحصول على مكوناتها وسرعة تحضيرها ويسر نقلها.

خصائص الأسلحة البيولوجية

ومن خصائص الأسلحة البيولوجية أن الكمية المطلوبة لتحضيرها أقل مما تتطلبه الأسلحة الكيميائية، كما أنها عديمة الرائحة واللون، ويتم إنتاجها من دون الحاجة إلى أي معدات متخصصة، ويتم تحضيرها على هيئات كثيرة؛ فتأتي في شكل عبوات ناسفة، أو على هيئة بخاخات أو في طعام أو شراب. وهي على العكس من القنابل النووية والكيميائية، يسهل إحاطتها بالسرية التامة، كما أنها تنتشر بشكل خفي عبر الهواء؛ فهي بلا لون ولا رائحة، وبالتالي لا يمكن اكتشافها أو تحديد مصدرها؛ وأمام كل هذه الخصائص تكمن خطورتها.

ومن مخاطر السلاح البيولوجي أنه يصيب الكائنات الحية غير المقصودة بالهجمات العسكرية، كما يصعب التفريق بين تداعياتها وبين الحالات المرضية الطبيعية التي قد تشترك معها في الأعراض. ومع التقدم العلمي، فإن الهندسة الحيوية زادت خطورة استخدام السلاح البيولوجي لقدرتها على تحضير أسلحة جرثومية لأهداف عسكرية محددة. واستعمال الأسلحة البيولوجية يخلف جراثيم الأمراض الملوثة للهواء والماء والغذاء والبيئة بشكل عام، مما يسبب أمراضا وبائية للإنسان والحيوان والنبات على حد سواء. هذه الجراثيم المرضية لا تظل ساكنة بصورة وبائية في الطبيعة ولعدة سنوات فحسب، بل إن لها قدرة على مقاومة الظروف البيئية الصعبة.

وهنالك عدد كبير من الأمراض الملوثة للهواء والمستخدمة في الحرب البيولوجية وتعد الفطريات من أشهرها، حيث إنها تنتقل بالهواء لمسافات بعيدة لتصيب النباتات السليمة بأمراض خطيرة. أما تلوث الأغذية فهو من أقوى الطرق المستخدمة في تنفيذ هجمات الحرب الجرثومية، حيث تنقل العدوى إلى الإنسان مباشرة من خلال تناول الطعام أو الشراب الملوثين، أو بطرق غير مباشرة. أما المياه فتنقل عددا من الأمراض الفتاكة؛ فمثلا يعدّ سم بكتيريا "كلوستريديوم الكزازية" من أقوى السموم المستخدمة حربيا، حيث يستطيع غرام واحد من هذا السم قتل 8 ملايين نسمة خلال 6 ساعات فقط، وفي الحال. وحتى يكون الضرر مزدوجا على الحيوان والإنسان معا، تستخدم ميكروبات الأمراض المشتركة كالحمى المالطية والحمى القلاعية وجدري الأبقار والقُرَّاع والحمى القرمزية وغيرها، كثيرا.

تاريخ الأسلحة البيولوجية

الحرب البيولوجية قديمة قدم التاريخ، ويعتقد أن أول استخدام لذلك السلاح كان على يد القائد اليوناني "سولون" عام 600 قبل الميلاد، واستخدم جذور نبات "هيليوروس" في تلويث مياه النهر الذي يستخدمه أعداؤه للشرب، وهو ما أدى إلى إصابتهم، ومن ثم سهل عليه إلحاق الهزيمة بهم. وهكذا لجأت الجيوش إلى تسميم ينابيع المياه والآبار والعيون والطعام في وجه الجيوش المعادية، وإلقاء الجثث المتعفنة للقتلى والمصابين بالأوبئة في معسكرات أعدائهم حتى تنتشر الأوبئة والأمراض بينهم، محاولين بذلك الإبادة الجماعية بالعوامل البيولوجية.

وكان اليونانيون والرومان والفرس والروم يلجؤون لذلك ضد أعدائهم، وعندما كانت جيوشهم تقترب من منطقة أو مدينة تستهدفها، كانوا يلقون الجثث الميتة والحيوانات النافقة في ينابيع وآبار وأنهار تلك المدينة لتلويث مياه الشرب، كما تم استخدام الحرب البيولوجية من قبل قوات المغول؛ وكان ذلك عام 1347 في "ميالدي" عندما قامت هذه القوات بإلقاء جثث موبوءة لكي تنشر الطاعون، ونجحت في نشر الطاعون الأسود الذي اجتاح أوروبا كلها على مدى السنين التالية، وقضى على حياة 25 مليون شخص تقريبا.

وفي العصور الوسطى، احتل الإمبراطور الروماني "فريدريك بربروسا" (فريدريك الأول) مدينة تورتونا الإيطالية بعد تسميم خزانات مياه الشرب فيها. وخلال الحروب الصليبية قامت الجيوش الصليبية بإلقاء جثث الجنود الموتى داخل معسكرات الجيوش المصرية والشامية في محاولة منهم لنشر الأمراض الفتاكة والأوبئة مثل الطاعون والجدري والكوليرا بين صفوف الجنود. ومنذ القرن 15، وبعد اكتشاف القارتين الأميركيتين؛ أتيح للمهاجرين الأوروبيين التخلص من أعداد كبيرة من السكان الأصليين الذين أصيبوا بالأمراض غير المعروفة هناك، التي لا توجد مناعة طبيعية لديهم ضدها، وكان لمرض الجدري الدور الرئيسي في القضاء على أعداد كبيرة من هؤلاء السكان الأصليين.

يذكر أن قائد القوات الإنجليزية في المستعمرات الأميركية قام بإرسال ملابس وأغطية مجلوبة من مستشفى العزل الصحي للمصابين بالجدري على أنها هدايا إلى رؤساء القبائل من السكان الأصليين؛ فكانت النتيجة أن انتشر ذلك المرض بينهم وفتك بعشرات الآلاف منهم. وخلال الحرب الأهلية الأميركية، قام جنود الجيشين الشماليين والجنوبيين بتلويث الأنهار والآبار بإلقاء جثث الخنازير والماشية النافقة فيها. وتم استخدام الأسلحة البيولوجية في العصر الحديث كذلك؛ وذلك منذ الحرب العالمية الأولى؛ عندما بدأت ألمانيا تنفيذ برنامج سري كان هدفه القضاء على الخيول الخاصة بالأعداء، وكان هدفها الأساسي هو نشر الطاعون في سانت بطرسبورغ لإضعاف المقاومة الروسية.

بروتوكول جنيف لحظر استخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية

وبعد أهوال الحرب العالمية الأولى، وقّعت معظم الدول على ما يسمى "بروتوكول جنيف"، وذلك عام 1925، وهذا البروتوكول يحظر استخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية في الحروب؛ غير أن اليابان قامت رغم ذلك ببدء برنامج للبحث والتطوير في مجال الحرب البيولوجية بشكل سري، خارقة بذلك هذه المعاهدة، واستخدمت هذا النوع من الأسلحة ضد الصين وغيرها، بل وحتى ضد الأسرى. أما في أعقاب الحرب العالمية الثانية فليس هناك دليل قاطع على استخدام الأسلحة البيولوجية، وأشيع على نطاق واسع في وسائل الإعلام في منتصف الخمسينيات أن القوات اليابانية قامت بإجراء تجارب على أسرى الحرب لديها بحقنهم بجراثيم التيفوس، أو إعطائهم مواد غذائية أو مياها ملوثة بميكروب الكوليرا.

كذلك تواردت أنباء عن قيام القوات اليابانية بنشر ميكروب الكوليرا في آبار المياه في مناطق الصراع الصينية، وكان مقر المعامل اليابانية في "هربن" قرب منشوريا، التي استولى عليها الاتحاد السوفياتي في ما بعد، ونقل تلك المعامل إلى روسيا. وخلال الحرب الكورية وَجَّهت الصين وكوريا الشمالية للولايات المتحدة اتهامات باستخدام أسلحة جرثومية ضدها، وعام 1952 دعيت اللجنة العلمية الدولية للأمم المتحدة للتحقيق في الشكاوى المقدمة من الصين وكوريا، فخرجت بتقرير تضمن "احتمال حدوث تعرض الأفراد في مناطق النزاع لمواد جرثومية، ورصد وجود جراثيم الكوليرا والجمرة الخبيثة، وبراغيث مصابة بجراثيم الطاعون، وبعوض يحمل فيروسات الحمى الصفراء، وحيوانات منزلية تم استخدامها لنشر الأمراض الوبائية". وخلال حرب فيتنام استخدم الجيش الأميركي الأسلحة الجرثومية ضد قوات "الفييت كونغ" والقرى والبلدات الفيتنامية، كما تم استخدام الأسلحة ذاتها في محاولة من الأميركيين لتدمير محصول القصب في كوبا في الستينيات والسبعينيات، الذي كان مصدر الدخل الرئيسي للبلاد.

أشهر حوادث الأسلحة البيولوجية

وقع أكبر حادث استنشاق بشرى لجراثيم الجمرة الخبيثة عام 1979 في المركز البيولوجي العسكري في "سفيردلوفيسك" في روسيا، حيث أطلقت جراثيم الجمرة الخبيثة عن طريق الخطأ؛ مما أدى إلى حدوث 79 حالة إصابة توفي منها 68. وبالإضافة إلى "بروتوكول جنيف" عام 1925، الذي يمنع اللجوء إلى الأسلحة البكتريولوجية في الحروب، قدمت بريطانيا أواخر الستينيات مسودة لمعاهدة شاملة لحظر استحداث وتطوير وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة البيولوجية. وأتيحت المعاهدة للتوقيع في العاشر من أبريل/نيسان 197، وأصبحت نافذة في 26 مارس/آذار 1975 عندما صادقت على المعاهدة 22 دولة، وهذه المعاهدة حاليا من المفترض أنها تلزم 165 دولة موقعة، لكن العديد منها وقع على المعاهدة من دون أن يصادق عليها مما حد من فاعليتها، وأسهم في ذلك غياب نظام دولي وآلية فاعلة للتحقق من الالتزام بالمعاهدة.

وأخيرا، وفي العقد الأول من القرن 21 فقط عانت الإنسانية من أكثر من 5 أوبئة خطيرة، حيث شهد العالم أزمات وبائية بيولوجية مريعة، منها فيروس السارس عام 2002، وإنفلونزا الطيور عام 2003، وإنفلونزا الخنازير عام 2009، ووباء إيبولا عام 2013، وفيروس كورونا عام 2020. وبصرف النظر عن مصدرها أو أسبابها أو المستفيد منها؛ فإن الإنسانية هي المتضرر الأول عندما تتهاوى قيمة الحياة الإنسانية للآخرين من منظور طرف معين يأبى إلا أن يحقق مصالحه السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية بأي ثمن وبأي وسيلة حتى لو كانت نتيجتها فناء الإنسانية كلها وهلاك المجتمعات. ذلك أنه وعلى الرغم من توقيعها على كل هذه المعاهدات والبروتوكولات، فإن الدول تحتفظ من دون شك ببرامج بحث وتطوير نشطة، وهذا استعدادا منها للرد، والدفاع في أي وقت إذا لزم الأمر.



aljazeera


 
عودة
أعلى