أسعار الغاز الطبيعي الأمريكية توسع المكاسب ، العقود الآجلة تزيد بنسبة 10٪

 
990B6988-BAD6-461E-9780-236EFC58AE53.jpeg

من سيكون الخاسر الأكبر إذا توقفت إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا؟

روسيا تمتلك إمكانات هائلة لإنتاج الغاز، وسوقا عالمية ومحلية ضخمة، وقدرة على توفير أكثر من 300 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.

موسكو – شكل إعلان الإدارة الأميركية أنها تتواصل مع الدول المنتجة للغاز لتوفير الإمدادات لأوروبا، مقدمة لأزمة محتملة جديدة مع روسيا، وبوادر حرب اقتصادية جديدة ضدها، تهدف إلى وقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا، وحرمان موسكو من أحد أكبر الأسواق المستهلكة للغاز في العالم.

وفي حال تم ذلك، سيبرز السؤال الملح حول الأضرار الاقتصادية التي ستتعرض لها روسيا، والبدائل التي يمكن أن تتوفر لها لتعويض الخسائر الباهظة في حال توقفت إمدادات الغاز إلى أوروبا.

صراع على السيادة

ويتجاوز موضوع العقوبات على صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا البعد السياسي المرتبط شكليا بالأزمة الأوكرانية، فليس سرا أن الولايات المتحدة التي تهيمن على معظم صادرات الطاقة في العالم، لا تقبل بأن يزاحمها أحد على هذا العرش، وخصوصا من الخصم الجيوسياسي الأكبر بالنسبة لها.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يندلع فيها النزاع بين البلدين على القضايا المتعلقة بالطاقة، وخطوط إمداداتها، إذ يكفي أن نتذكر التنافس الشرس في التسعينيات من القرن الماضي حول اتجاه شحنات النفط والغاز في بحر قزوين، والتي بذل الغرب حينها جهودا كبيرة لمنع إمداد منطقة بحر قزوين بالنفط والغاز عبر الأراضي الروسية، وحينها أكد المسؤولون الأميركيون بشكل علني أن الولايات المتحدة ستكون راضية عن أي خيار لمد خطوط الأنابيب، طالما أنه سيتجاوز روسيا.

ولكن مع بداية القرن الـ21، تغيرت الأوضاع في السياسة الدولية، وفي الوقت نفسه، تغيرت السياسة الأميركية تجاه موارد النفط والغاز الروسية أيضا.

ويرى خبراء روس أنه في ظل غياب تأثير فعال لإنهاء عقود روسيا طويلة الأجل مع الدول الأوروبية، ذهبت الولايات المتحدة إلى خيار صب الزيت على نار الأزمة الأوكرانية، والتي كان أحد أسبابها، برأيهم، تقويض سلطة شركة "غازبروم" (Gazprom).

وفي السابق، واجهت روسيا معارضة قوية في تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز "ساوث ستريم"، الذي كان من المفترض أن يتم وضعه في بلغاريا، لكن الضغوط القوية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حالت دون تنفيذه، ونتيجة لذلك، تم الاستغناء عنه بمشروع خط أنابيب الغاز التركي، ورغم أن روسيا حصلت على فرص إضافية لإمدادات الغاز، فإنها في نفس الوقت أصبحت تعتمد على مستهلك واحد.

رئة اقتصادية

تشكل صناعة الغاز ركيزة الاقتصاد الروسي، وأهمها ميزاته التنافسية، ومصدرا أساسيا لحصيلة النقد الأجنبي في الموازنة العامة للدولة.

وتمتلك روسيا إمكانات هائلة لإنتاج الغاز وسوقا عالمية ومحلية ضخمة وقدرة على توفير أكثر من 300 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، علاوة على ذلك، تعتمد مناطق بأكملها في العالم على إمدادات الغاز الروسي.

وتبلغ حصة الغاز الروسي في الاستهلاك الأوروبي نحو 40%. وفي المجموع، يتم تصدير أكثر من 200 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا، مع استهلاك سنوي يبلغ حوالي 550 مليار متر مكعب.

ومنذ بداية العام الماضي، زادت شركة غازبروم من إمدادات الغاز إلى تركيا بنسبة 188.5%، وألمانيا 41.5%، وإيطاليا 15.9%، ورومانيا 332.4%، وبولندا 13.8%، وصربيا 121.5%، وفنلندا 27.9%، وبلغاريا 48.9%، واليونان 17.5%.

وكان عملاق الغاز الروسي أعلن العام الماضي 2021 أنه رفع إنتاج الغاز بنسبة 18.1% (48.6 مليار متر مكعب) مقارنة بالفترة نفسها من العام قبل الماضي، لتصل إلى 316.5 مليار متر مكعب، وارتفعت صادرات الغاز بنسبة 21.5% (بنسبة 21.8 مليار متر مكعب)، وهو ما جعل روسيا تقترب من الحد الأقصى التاريخي.

ووفق معطيات فبراير/شباط 2022، نمت صادرات الغاز الروسي في العام الماضي بمقدار 2.1 مرة وبلغت 54.2 مليارا، مقارنة بالعام 2020 عندما بلغت 25.7 مليار دولار.

أسواق بديلة

ويرى الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون أن مغادرة سوق الغاز الأوروبي لا شك يعني خسائر كبيرة لروسيا، لكنها في المقابل، تملك أسواقا بديلة هائلة من حيث حجم الاستهلاك، كالصين، خصوصا بعد توسيع خط أنابيب "قوة سيبيريا" الذي ساهم في زيادة صادرات الغاز الروسي إلى الصين لأكثر من 10 مليارات متر مكعب، فضلا عن الأسواق البديلة في الهند وجمهوريات آسيا الوسطى وبلدان جنوب شرق أسيا، وحتى مستقبلا في أفريقيا.

ويوضح لاشون للجزيرة نت أن آسيا تبقى أكثر الأسواق الواعدة بالنسبة لروسيا، التي تملك أكبر احتياطيات الغاز في العالم، وتعتزم زيادة حجم صادراتها إلى الدول الآسيوية، وبشكل أساسي إلى الصين.

ورغم أن أوروبا تشكل السوق الرئيسي لشركة غازبروم، فإن البيروقراطية الأوروبية تمنع زيادة الإمدادات من روسيا، على الرغم من نقص الغاز والارتفاع القياسي لأسعار الوقود قبل موسم الشتاء، وفق المتحدث ذاته.

خيارات صعبة

لكن الخبير الاقتصادي لاشون يؤكد أن الخسارة الأكبر نظريا، هي فقدان سلاح الطاقة كوسيلة لحماية المصالح القومية، ومقاومة الضغوطات أمام السياسات غير الودية لبلدان الاتحاد الأوروبي.

وبرأيه، فإن الحديث الأميركي عن إيجاد مصادر بديلة للغاز الروسي إلى أوروبا، سيعني من الناحية العملية إرغامها على شراء غاز أكثر تكلفة وبشروط أقل ملائمة، إذ تبقى التكاليف العدو الرئيسي للحلم الأميركي بتوريد الغاز الطبيعي إلى أوروبا، لأن إمدادات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة أكثر تكلفة من صادرات الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا.
علاوة على ذلك، لن تشتري ألمانيا الغاز الطبيعي المسال الأميركي، لأنها لا تملك البنية التحتية اللازمة لذلك، كما أن بناء محطات جديدة لا يمكن أن يكون مربحا، ناهيك عن إعلان برلين أنها تخطط بالفعل للتخلي تماما عن مصادر الطاقة الكربونية بحلول عام 2050.

ويتابع الخبير الاقتصادي أن المخرج الوحيد أمام البلدان الأوروبية لاستبدال استيراد الغاز الروسي هو التسخين بالفحم بدلا من الغاز، والذي يصل جزء كبير منه من روسيا نفسها، ولكنه في نفس الوقت، يتناقض مع المعايير البيئية السائدة في القارة.

البديل الأوروبي

ويلفت الخبير الاقتصادي لاشون إلى أنه داخل أوروبا نفسها، تعتبر النرويج المورد الرئيسي الوحيد للغاز، لكنها ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، وكل الغاز المنتج في بحر الشمال والذي يبلغ حوالي 100 مليار متر مكعب، يتم بيعه من قبل الدولة إلى المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت نفسه، لا تستطيع النرويج زيادة الإنتاج بشكل جدي بسبب قاعدة الموارد المحدودة، فضلا عن تقديرات العديد من الخبراء بأن إنتاج الغاز النرويجي سينخفض اعتبارا من عام 2024.

أما البلدان الأخرى التي تملك قاعدة موارد كافية وغير ملزمة بالتزامات تصدير الغاز التي يمكن أن تحل محل الإمدادات الروسية إلى أوروبا، فإما أنها تحت العقوبات أو لا تملك البنية التحتية للنقل وعمليات التسليم إلى أوروبا، أو لا تريد توتير العلاقات مع موسكو.

ويعيد الخبير الروسي إلى الأذهان تحذيرات العديد من شركات الطاقة الدولية لوزارة الخارجية الأميركية، من الغياب شبه الكامل لبدائل الغاز التي توفرها روسيا في السوق الأوروبية.

علاوة على ذلك، يؤكد لاشون أن مزيد من تدهور العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة والتلويح بالبحث عن بدائل للغاز الروسي لن يلغي حقيقة اعتماد أوروبا موضوعيا على إمدادات النفط والغاز من روسيا، وبالتالي، لن يكون بمقدورها، ليس فقط التخلي عن روسيا كمصدر للطاقة، بل حتى المشاركة بفرض عقوبات جدية على موسكو.
 
أوجـه الـضـعـف الأوروبي في مجال الطاقة

يـعـتـبـر الـشـكـل النهائي للطاقة، أي أشكال الـطـاقـة كـأنـواع وقود المركبات الآلية والكهرباء المستهلكة في المنازل والصناعة، من المدخلات المهمة للغاية في الاقتصادات الحديثة. وقد أدت حالات الانخفاض الحادة فـي تـوافـر الـشـكـل النهائي للطاقة إلى ارتفاعات في الأسعار كان لها أثرها في إضعاف القوة الشرائية عند المستهلك أو تسببت في سلب القدرة التنافسية للمنتجات المصنعة؛ فقد ساهمت حالات الانخفاض في ركـود سـوق مـنـتـجـات النـفـط الـمـكـرر. وفـي أسـوأ الأوضاع. يمكـن أن تـعـانـي الـمـنـازل مـن الـبـرودة بـسـبـب حالات نقص الغاز الطبيعي وأنواع الـوقـود الأخـرى الـمـسـتـخـدمـة فـي الـتـدفـئـة.

ونظرا لأهمية الطاقة في الاقتصاديات الحديثة، فإن الحكومات يساورها بالغ الـقـلـق إزاء مـخـاطـر الـتـعـرض لانخفاض فـي الإمداد. وبالإضافة إلـى كـل مـن الـتـخـزيـن الاحتياطي، ودعم الإنتاج المحلي، وتنويع مصادر الإمداد، فإن الـحـكـومـات لـديـهـا حـوافـز لـتـظـل على علاقة طيبة مع الـمـورديـن الـرئـيـسـيـيـن. ولـطـالـمـا كـان الـحـرص على وجود الإمدادات الـعـالـمـيـة مـن الـنـفـط مـن المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الـمـوردة في الخليج الفارسي، على سبيل المثال، أحـد الـعـوامـل الـمـهـمـة فـي سـياسـة الولايات الـمـتـحـدة فـي هـذا الـجـزء مـن الـعـالـم.

تستخدم المنتجات النـفـطـيـة الـمـكـرة بـصـورة أساسيـة فـي وسـائـل الـنـقـل، بينما تسـتـخـدم الـكـهـربـاء عمليا في جميع الأغراض الأخرى. وباستثناء القليل من الاستخدامات الهامشية، لا يمكن أن يحل شكلان من أشكال الطاقة النهائية محل بعضهما البعض، ومن ثم، فـفـي تـقـيـيـمـنا للاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية، نركز على حصة الإمدادات الروسية لأنواع وقود محـددة مثل الغاز الطبيعي أو الفحم أو النفط، وهـي الأمـور الـتـي قـد تـكـمـن بها نقاط الضعف الأوروبي. ونـحـن لا نـحـسـب حـصـة إمدادات الاتحاد الأوروبي من إجمالـي الـطـاقـة الـتـي تـوفـرهـا روسيا حيث لا يعكس مجموع هذه الأرقام الآثار الاقتصادية المترتبة على انخفاض الواردات من روسيا بالنسبة إلى اقتصادات الاتحاد الأوروبي.


Rand.Org
 
ضوء الأهمية الاقتصادية للطاقة، كان الدور الـجـوهـري للغاية الذي لعبته الطاقة الروسية (والـسـوفيتية) في إمداد الطلب الأوروبي أحد مصادر الـقـلـق لدى الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) عـلـى مـدار عـقـود. وخلال فترة الاتحاد الـسـوفـيـتـي، فقد تركـزت هذه المخاوف على احـتـمـالـيـة الـنـفـوذ الـسـوفـيـتـي عـلـى الأعضاء الأوروبييـن لـحـلـف شـمـال الأطلسي (الناتو)، حيث كان ينظر إلى رغبات الأوروبيين في التأكد من اسـتـقـرار إمدادات النفط والغاز الطبيعي على أنها قد تؤدي إلى تفكيك وحدة التحالف. وفي تسعينيات القرن العشرين، غيرت المناقشات السياسية وجهتها إلى مدى موثوقية روسيا كـمـورد بسبب تدهور البنية التحتية للطاقة الروسية ووجود حالات انخفاض في الإنتاج بسبب انخفاض الاستثمار. وقد انصب التركيز خلال العقد الماضي على انقطاع الإمدادات من الـغـاز الـطـبـيـعـي نـظـرا لـنـشـوب نـزاعات بين روسيا وبلدي الـعـبـور روسيا البيضاء وأوكرانيا. كما أن صناع الـقـرار قـلـقـون بشأن الآثار المهلكة لحالات الفساد والابتزاز الـمـرتـبـطـة بالـتـجـارة فـي مجال الطاقـة فـي الـدول الأوروبية.

ونقيم في هذا الفصل أوجه الضعف الأوروبي الناجمة عن استيراد الطاقة من روسيا. وبالنسبة لـجـمـيـع الـوقـود الـمـسـتـورد، يتناول هذا الـفـصـل مـسـألـتـيـن:

.1 ما مدی أهمية الإمدادات الروسية لنوع محدد من الطاقة لاقتصاديات الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي (الناتو)؟ إلى أي مدى يتعرض الاتحاد الأوروبـي كـكـل أو دول أعضاء معينة لمخاطر بسبب الدور الذي تـلـعـبـه روسيا كمصدر للطاقة؟

.2

النفط الخام والمنتجات المكررة

تعد المنتجات النفطية الـمـكـررة ضرورية لاقتصادات الـسـوق الحديثة. ويعـمـل قـطـاع الـنـقـل بصورة شبه مطلقة بالمنتجات النفطية المـكررة. ومع ذلك، فإن احتمالية التعرض لانقطاع في إمدادات النفط الخام أو المنتجات النفطية الـمـكـرة مـن مـورد بـعـيـنـه تـتـوقـف على ما إذا كانت الدولة قادرة على إيجاد إمدادات بديلة من مصادر أخـرى بـسـهـولـة أو لديها مخزون احتياطي يمكنها الاعتماد عليه لتحمل الانقطاعات قصيرة الأجل. كما تتوقف هذه الاحتماليـة عـلـى لـيـونـة الـطـلـب: والـتـي تـعـنـي الـسـهـولـة الـتـي يـسـتـطيع بها المستهلـكـون تقليل استهلاك المنتجات النفطية الـمـكررة استجابة للأسعار الـمـرتـفـعـة فـي حـالـة حـدوث عجز في عملية الإمداد.


الاعتماد الأوروبي على النفط الخام والمنتجات النفطية المـكررة من روسيا

يسـتـخـدم الاتحاد الأوروبي النفط الخام المستورد في إنتاج المنتجات النفطية المكررة بغرض تصديرها، ولا يقتصر على الاستهلاك المحلي فحسب. حيث يصـدر حـوالـي 28 بالمئة من الإنتاج الكـلـي على أساس صاف. وينتج 11 بالمئة فقط من النفط الخام الذي يكرره ويـسـتـورد الباقي. وتعد روسيا المصدر الأكبر للنفط والمنتجات النفطية المـكررة للاتحاد الأوروبي. فـفـي عام 2013، وعلى أساس صاف، زودت روسيا الاتحاد الأوروبي بما يصل إلى 35 بالمئة من المنتجات النفطية الخام والـمـكررة المستهلكة أو المصدرة من قبل الاتحاد ومـا يـقـرب مـن نـصـف صـافـي الـواردات.3

كيف سيتأثر الاتحاد الأوروبي بـالـقـطـع الـروسـي لإمدادات المنتجات النفطية


الـمـكـررة؟


قد تهدد روسيا بقطع صادرات جميع المنتجات النفطيـة والـمـنـتـجـات النـفـطـيـة الـمـكـررة إلى الاتحاد الأوروبي. كما أنها قد توقف صادراتها عـن طـريـق خـطـوط أنابيب تستهدف بلاد تتم خدمتها من خلال خطوط الأنابيب تلك. وإذا نجحت روسيا في حرمان الاتحاد الأوروبي من هذه المنتجات، ســتـكـون الـعـواقـب الاقتصادية وخيمة على الاتحاد الأوروبي.

ورغم ذلك فإنه يمكن نقل كل من النفط الخام والمنتجات النفطية المـكررة بسهولة تامة، على عكس الغاز الطبيعي الذي لا يمكـن نـقـلـه إلا عـبـر خـط أنابيب أو سـفـن باهظة الثمن أو سيارات صهريج مصممة خصيصا لنقل الغاز الطبيعي المسال. ويتمتع الاتحاد الأوروبي بـشـكـل عـام بنظام ضـخـم وحـديـث مـن المحطات ومصـافـي الـتـكـريـر وخـطـوط الأنابيب التي تعالج كميات هائلة من النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة. ويتم تجهيز مصافي تكرير الاتحاد الأوروبي الضخمة بوحدات متخصصة من أجل "تكسير" المواد الخام الثقيلة أو إزالة الكبريت من النفط الخام الحاذق، بما يتيح لها تهيئة عملياتها من أجل قبول مواد خام مختلفة نوعا ما عن تلك الواردة من الموردين العاديين. ونظرا لأن النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة تمثل بضائع متداولة عالميًا تستطيع مصافي الاتحاد الأوروبي الاستفادة من مجموعة واسعة من المواد النفطية الخام الـمـسـتـوردة للحفاظ على عملياتها.

وبـفـضـل البنية التحتية القائمة، يتمتع قطاع النفط بغرب أوروبا بمرونة كبيرة فيما يتعلق بمعالجة المصادر البديلة لإمداد النفط الخام والتعامل مع الانقطاعات بطرق معتادة للإمداد. ومن ثم، لن تـتـكـبـد الـدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي تكاليف باهظة إذا قررت روسيا حـظـر مبيعات النفط إلى الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فـأسـواق النفط العالمية متكاملة: وتـوجـيـه المبيعات الحالية بـواسـطـة روسيا إلى أسواق أخـرى قـد النفط المباع مسبقا في تلك الأسواق من أجل بيعه إلى الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي.

وهـو ما وقـد تـخـتـار روسيا إيقاف جميع صادراتها مـن الـنـفـط ومنتجات النفط الـمـكـرة مـن أجـل الـتـصـدي لـقـدرة الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي على الحصول على نفط بديل من مصادر أخرى نتيجة للقطع الروسي، ونظرا لأن روسيا تعد ثاني أكبر مصدر للنفط ومنتجات الـنـفـط الـمـكـرة فـي الـعـالـم، فـسـوف يـؤدي قـطـع روسيا للصادرات إلـى هـزة فـي الإمداد الـعـالـمـي مما سيؤدي إلى ارتفاع في أسعار السوق العالمية للنفط یـعـنـي بطء النمو أو التعجيل بـركـود عالمي. ولـكـن خـطـوة كهذه من شأنها أن يكون لها عواقب كارثية أكثر على الاقتصاد الـروسـي. حيث إن إنتاج النفط وتـكـريـره يمثلان ما يعادل خمس إجمالي الناتج الـمـحـلـي لـروسيا، ويشكل كل من النفط ومنتجات النفط المكررة نصف صادرات روسيا. ولهذا من غير المرجح أن تتخذ الـحـكـومـة الروسية قرارا بوقف تصدير النفط والمنتجات النفطية الـمـكـررة بالكامل.

وبدلا من ذلك، قد توقف روسيا شحن النفط إلى أوروبا الوسطى عبر أنابيب نفط أجل استهداف دول بعينها. يـتـشـعـب خـط أنابيب، أو بالأحرى خـطـوط أنابيب، دروجبا (أو الصداقة) داخل روسيا، حيث يـوجـد فـرع يجتاز روسيا البيضاء إلى بولندا لينتهي في ألمانيا الشرقية، والـفـرع الآخر يعبر أوكرانيا حيث يتشعب مرة أخرى إلى سلوفاكيا والـمـجـر. وجميع المصافي الرئيسية في دول حلف وارسو السابق يتم خدمتها بواسـطة خط أنابيب دروجبا. وفي حالة تم إغلاق خط الأنابيب هذا، فإن هذه الـمـصـافـي سـوف تـنـقـل مصادر بديلة للنفط الخام مـن أجـل تـعـويـض غياب الـنـفـط الـروسـي ولـكـن بـتـكـلـفـة أكـبـر. وتتمتع هذه الـمـصـافـي بـأوروبا الـوسـطـى بـتـوصـيـلات لـخـطـوط أنابيب بديلـة إلـى الـمـوانـئ ولـكـن سـعـة خـطـوط الأنابيب البديلة هذه ستكون غير كافية كي تسمح لها بالتشغيل بكامل طاقتها مـا يـعـنـي فـرض تكاليف مالية على هذه الـشـركـات. وعلى الرغم من هذا، سيكون الاتحاد الأوروبي قادرا على الاستجابة لـخـطـوة كهذه بـفـضـل سـعـة الـتـكـريـر الـكـبـيـرة الـفـائـضـة للدول الأعضاء. إذا قررت روسيا إيقاف تـصـديـر الـنـفـط

ولكنه ضروري. إلى الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في أوروبا الوسطى، فسيكفي إنتاج النفط الـمـكـرر الحالي للاتحاد الأوروبي لتغطية احتياج دول الاتحاد تاركا فائض تصدير صغير للغاية كما يمكن أن يزيد إنتاج التكرير عن طريق تشغيل هذه المصافي عند مستويات سـعـة شـبـه كـامـلـة. هـذا لـن يـكـون سهلاً: قطاع الـتـكـريـر بالاتحاد الأوروبي سيـضـطـر إلى تعديل طرق الإنتاج والتوزيع الـمـوجـودة بشكل يزيد من ناتج المنتجات المكررة من الـمـصـافـي الـسـاحـلـيـة الـتـي تـتـمـتـع فـعـليا بإمكـانيـة الـوصـول الـسـهـل إلـى الـنـفـط الـخـام الـبـحـري وينقل هذه المنتجات المكررة إلى أوروبا الـوسـطـى مـن أجـل تـعـويـض الناتج المخفض من المصافي الواقعة على خط أنابيب دروجبا، ومع ذلك ستكون روسيا في مأزق أصعب لأن سعة الموانئ الـمـوجـودة لديها وخـطـوط الأنابيب الموصلة إلى الـمـوانـيء أصـغـر بـكـثـيـر مـن أن تتعامل مع النفط الـمـصـدر حـالـيـا عـبـر خـط الأنابيب. وبالتالي فإن اتخاذ روسيـا قـرار بإيقاف شحن النفط إلى دول أوروبا الوسطى سيفرض تكاليف إضافية كبيرة على روسيا (فيما يتعلق بالصادرات الـمـنـخـفـضـة) أكـثـر مـن أهـدافـهـا الـمـنـشـودة.
 
تقديرات RAND بناءً على البيانات الواردة مـن مـكـتـب الإحصاء الأوروبي

الاعتماد الاوروبي على الغاز الروسي

لقد كان ثلثا الغاز الطبيعي الذي استهلكه الاتحاد الأوروبي في 2013 مـسـتـوردا، وذلك على أساس صاف. و41 بالمئة من هذا الاستيراد كان من روسيا. وقد كانت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعـي الـروسـي تـعـادل 27 بالمئة تقريبا من إجمالي استهلاك الاتحاد ذلك كانت واردات الغاز الطبيعي من روسيا أكـبـر مـن الـمـتـوسـط في عام 2013، حيث أمـدت روسيا الاتحاد الأوروبي بما يتراوح بين 20 بالمئة و25 بالمئة من استهلاكها على مدى الـعـقـد الـفـائـت.
وفيما يخص الكميات وقيمتها بالنسبة إلى شركة غازبروم، تعد ألمانيا وإيطاليا وتـركـيـا أكـبـر الـمـسـتـوردين الأوروبيين للغاز الطبيعي الروسي (الشكل 4.1). وتليهم بصـورة أبعد من ذلك اقتصادات بولندا وفرنسا وجمهورية التشيك والـمـجـر والـنـمـسـا وجـمـهـورية سـلـوفـاكـيـا وهـولـنـدا وفنلندا.
وعلى أساس النسبة المئوية، فإن حصة الواردات الروسية من إجمالي استهلاك الـغـاز الـطـبـيـعـي للاقتصادات الصغيرة في جنوب شرق أوروبا ووسطها وشمالهـا بشكل اكبر

E381DCF2-8954-4F08-8ADF-2D4D0ED06181.jpeg


ينتج غرب أوروبا حصة كبيرة من الغاز الطبيعي الذي يستهلكه محليا. أما هولندا والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا والدنمارك فهي دول تنتج جميعها بعضا من الغاز الطبيعي. وتـعـد النرويج مـصـدرا رئيسيا للواردات لغرب أوروبا. كما تمتد أنابيب الغاز الطبيعي إلى غرب أوروبا من الجزائر وليبيا وتحصل على إمدادات الغاز الطبيعي المسال من نيجيريا، وقطر، ومصر، وترينيداد وتوباجو بالإضافة إلى الـجـزائـر وليبيا.
 
C4363546-40AF-4321-A660-C9ECE7B87CE7.jpeg



والدول التي تعتمد بشكل كبير على روسيا ولديها إمكانية وصول محدودة أو منعدمة إلى مـوردين بدلاء هي دول البلطيق ودول جنوب شرق أوروبا (انظر الشكل 4.2).

ويـلـعـب الـغـاز الـطـبـيـعـي دورا صغيرا نسبيا في إمدادات الطاقة بـصـورة عـامـة فـي بـعـض الـدول

التي تعتمد بصورة كبيرة على الغاز الروسي. ومع ذلك، لا تزال هناك إمكانية كي يلعب

الـغـاز الـمـسـتـورد دورا كبيرا في أغراض معينة، مثل التدفئة المحلية.

كيف ستتأثر أوروبا بـعـواقـب قـطـع الغـاز الـروسـي؟

نظرا لأهمية إمدادات الغاز الروسي بالنسبة إلى العديد من الدول الأوروبية، كيف سيضر قطع هذه الواردات باقتصاداتها؟

الـصـعـيـديـن الـفـردي والـجـمـاعـي، مـعـرضـة لـقـطـع روسـي كـامـل مـحـتـمـل أو تـخـفـيـض لإمداد الـغـاز الطبيعي أو قـطـعـه مـن خـلال خـطـوط أنابيب معينة؟ يـتـوقـف مـدى تـعـرض الاتحاد الأوروبي لـقـطـع الإمدادات الروسيـة مـن الـغـاز الـطـبـيـعـي عـلـى

.1

تـوفـر مـصادر أخرى للغاز الطبيعي

.2

إمكانية أن تـحـل أشـكـال أخـرى مـن الـطـاقـة محـل إمدادات الغاز الـطـبـيـعـي الـتـي نـقـصـت

.3

حـدة الـعـواقـب على الاقتصاد إذا لم يتم العثور على بدائل للغاز الـطـبـيـعـي الـمـفـقـود

كلما زادت صـعـوبة إيجاد إمدادات بديلة للغاز الـطـبـيـعـي، قـل الـوقـود الـبـديـل الـذي يـمـكـن اسـتـخـدامـه لاستبدال الغاز الطبيعي، ولذلك كلما زادت أهـمـيـة الـوقـود بـالـنـسـبـة إلى الأعمال التجارية والمنازل، كان تأثر الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي بـالـقـطـع أكـبـر أحـد الـتـحـالـيـل الـعـمـيـقـة لما يحتمل أن تـقـوم بـه أوروبا بدون الـغـاز الـطـبـيـعـي الـمـسـتـورد من روسيا هو تحليل معهد أوكـسـفـورد لـدراسات الطاقة "تخفيض الاعتماد الأوروبي على الـغـاز الـروسـي: فـصـل تـأمـيـن الـغـاز الـطـبـيـعـي عـن السياسات الـجـغـرافـيـة."7 ينصب تركيز هذه الدراسة على ما إذا كانت أوروبا قادرة عـلـى الـتـوقـف عـن اسـتـيـراد الـغـاز الـطـبـيـعـي مـن روسيا مع وجـود فـاعـلـيـة مـن حيث التكلفة. حيث تلعب التكاليف التنافسية دورا مهما في التحليل. وخلصت الدراسة إلى أن الواردات من روسيا ستظل مصدرا تنافسيًا كبيرا للغاز الطبيعي للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وأن التخلي عن الحصول على واردات الغاز الطبيعي من روسيـا سيـكـون أمرا صعبا ومكلفا.

وعكفت دراسة للمفوضية الأوروبية في تموز (يوليو) 2014 على تحليل كيفية صمود الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في حالة قطع واردات الغاز الـطـبـيـعـي القادمة من روسيا لمدة ستة أشهر على أن يتبع ذلك نوبة برودة تمتد لأسبوعين. وتبحث الدراسة سيناريوهين، الأول يشمل تعامل كل دولة بـمـفـردها مع الأزمة والثاني يشمل تعاون الدول الأعضاء من خلال مشاركة إمدادات الغازية وتخلص الدراسة إلى أن دول البلطيق وعدد
من الدول في جنوب شرق أوروبا ستواجه مشكلات عديدة في توفير ما يكفي من الغاز الـطـبيعـي لـلـمـواطـنـيـن والأعمال التجارية وذلك في حال قررت الدول الأعضاء التعامل مع الأزمـة بـشـكـل فـردي. وإذا قررت الدول الأعضاء التعاون فيما بينها، فإن هذا كفيل بتخفيف الأثر الأكـبـر لـلـقـطـع ونوبة البرودة.

ونحن بدورنا نجري تحليلنا الخاص لنقاط الضعف التي ستصيب الاتحاد الأوروبي نتيجة قطع واردات الغاز الطبيعي الروسي لنجيب عن أسئلة مختلفة عن تلك التي طرحتها دراسات معهد أوكـسـفـورد لـدراسـات الطاقة والـمـفـوضية الأوروبية. حيث إن تـقـريـر معهد أوكـسـفـورد لـدراسات الطاقة يقيم تكلفة قرار الاتحاد الأوروبـي وجـدواه بالـتـخـلـي عـن واردات الغاز الروسي، بينما نحن نقيم الـعـواقـب الاقتصادية على الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي من القرار الـروسـي بقطع الواردات. وفي حين تتولى دراسة المفوضية الأوروبية تـقـيـيـم عـواقـب إيقاف الإمدادات الروسية للغاز لمدة ستة أشهر، نقيم نـحـن عـواقـب الـقـطـع

غير المحدد بمدة زمنية على الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي. وفـي تـحـلـيـلـنانـعـتـمـد عـلـى الـبيانات الواردة مـن مـكـتـب الإحصاء الأوروبـي وغـيـرهـا مـن الـبـيـانـات المـتـعـلـقـة بـطـرق استهلاك الـغـاز الـطـبـيـعـي والـطـاقـة حـسـب الـدولـة، وإمـكـانـيـة الاسـتـبـدال بـوقـود بديل، وخـطـوط الأنابيب، ومصادر الـتـوريـد الـبـديلة. كما أننا نعتمد على البيانات المستخلصة من دراسات معهد أوكـسـفـورد لـدراسات الطاقة والمفوضية الأوروبية. ونفترض أن الاتحاد الأوروبـي سـيـضـطـر إلـى اسـتـبـدال 110 مليارات مـتـر مـكـعـب مـن الـغـاز الـطـبـيـعـي سـنـويـا فـي حـالـة قررت روسيا قطع صادرات الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي. فهذا يمثل متوسط حجم الـغـاز الـطـبـيـعـي الـوارد من روسيا بـيـن الـعـامـيـن 2009 و2012، ونـعـتـقـد أن كـمـيـة الغاز الطبيعي الـمـسـتـوردة فـي 2013 التي تبلغ 126 مليـار مـتـر مـكـعـب كـانـت اسـتثناء بسبب الشتاء البارد.9 أجـل مـواكـبـة قـطـع الـغـاز الـروسـي بهـذا الحـجـم لـفـتـرة طـويـلـة مـن الـوقـت، ســتـضـطـر الـدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي إلى إيجاد إمدادات بديلة، والاستبدال بوقود آخر، أو الاقتصاد في اسـتـخـدام الـغـاز الـطـبـيـعـي.
 
ونـتـبـحـر فـي أبـعـاد كـل خـيـار مـن تلك الخيارات أدناه.

من النرويج أو الـجـزائـر أو ليبيا، وهم الـمـصـدرون الـحـالـيـون الـمـرتـبـطـون بالاتحاد الأوروبي بـخـط أنابيب بخلاف روسيا، محدودة جدا. إلا أن هناك حلولاً أخرى. فبحلول عام 2019 سـيـكـون مـن الـمـفـتـرض الانتهاء مـن خـط أنابيب الـغـاز الـطـبـيـعـي الـعـابـر لـلأنـاضـول "Trans-Anatolian" الذي بدأ في 2015. وعند الانتهاء منه، سينقل 16 مليار متر مـكـعـب مـن الـغـاز مـن أذربيجان إلى تركيا (6 مليار متر مـكـعـب) ثم إلى أوروبا (10 مليارات متر مكعب) 10 ونظريا سيستطيع الاتحاد الأوروبي أيضا تغطية النقص الكامل الناتج عن قطع الصادرات الروسية للغاز الطبيعي من خلال استيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال. يتمتع الاتحاد الأوروبي بـالـقـدرة على إعادة تحويل ما يزيد عن 200 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال وجاري تشييد المزيد من المنشآت لزيادة هذه القدرة؛ حيث بلغ حجم الـتـجـارة الـدوليـة لـلـغـاز الطبيعي المسال 299 مليـار مـتـر مـكـعـب فـي عام 2013 بلغ نصيب الاتحاد الأوروبي منها 43 مليار متر مكعب، أي 14 بالمئة، تاركا الباب مفتوحا أمام إمدادات إضافية محتملة تبلغ 256 مليار متر مـكـعـب ولـكـن تـغـطـيـة كـامـل الـنـقـص بـواردات الغاز الطبيعي المسال سيكون حلا باهظا. فالـسـوق الآنية للغاز الطبيعي المسال أصغر بـكـثـيـر مـن الـسـوق الآنية للنفط وأقل سيولة منها، وبالتالي سيرفع الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي المسال الأسعار تقـدر وكالة الطاقة الدولية بأن شـراء الغاز الطبيعي المسال في الأسواق الآنية لتغطية 40 بالمئة من الـنـقـص فـي الاتحاد الأوروبـي قـد يـؤدي إلـى مـضـاعـفـة الأسعار السائدة للسوق الآنية.12 وذهـب تـقـريـر الـمـفـوضية إلى أن واردات الغاز الطبيعي المسال قد تصل إلى الضعف ولكنها لن تتخطاه، بسبب ضغوط الأسعار 13 وبالتالـي نـحـن نـقـدر أن الاتحاد الأوروبي قد يحصل على 43 مليار متر مـكـعـب إضافي، ما يبلغ 17 بالمئة من الاستهلاك الـعـالـمـي للغاز الطبيعي المسال بخلاف استهلاك الاتحاد الأوروبي، للـمـسـاعـدة فـي تـغـطـيـة النقص الناتج عن إيقاف الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي.

الاستعاضة بالـوقـود البديل عن الغاز الطبيعي

على عكس المنتجات الـنـفـطـيـة الـمـكـرة الـتـي يـسـتهـلكـهـا قـطـاع الـنـقـل بـصـورة أسـاسـيـة، فـإن الـغـاز الطبيعي يتم استهلاكه بواسطة مجموعة متنوعة من المستخدمين النهائيين. في 2012 استهلكت شركات تدفئة المقاطعات بالإضافة إلى المستخدمين من السكان 30 بالمئة تـقـريـبـا مـن الـغـاز الـطـبـيـعـي فـي الاتحاد الأوروبـي فـي أغـراض تـدفـئـة الأمـاكـن والـمـيـاه بـصـورة أساسية. واستهلك المستخدمون التجاريون 11 بالمئة في نفس الأغراض تقريبا، واستهلك قطاع الصناعة 28 بالمئة بشكل أساسي في معالجة الحرارة في القطاع الكيميائي، وتم استهلاك 30 بالمئـة فـي تـولـيـد الـطـاقـة الـكـهـربائية، و1 بالمئة فـي أغـراض "أخـرى"، أهـمـهـا الـنـقـل (الـشـكـل 4.3). ونتيجة لهذه الاسـتـخـدامات، سـيـكـون مـن الـمـسـتـحـيـل الاستعاضة عن الغاز الطبيعي بـالـوقـود الـبـديـل فـي القطاع التجاري والـسـكـنـي وقطاع النقل: 88 بالمئة من الغاز الطبيعي الـذي يـسـتـخـدمـه الـسـكـان والـمـسـتـهـلـكـون الـتـجـاريـون يـتـم حـرقـه فـي الأفران الخاصة، وسخانات

64A42AA8-7F3C-40D4-9E9E-B831EB924453.jpeg
 
45B3A5FB-F405-407B-BB12-B336BDDCEF0A.jpeg


الدول مـنـفـردةً

يـمـكـن لـدول الاتحاد الأوروبي، الـمـعـتـمـدة كليا أو جزئيا عـلـى واردات الـغـاز الـطـبـيـعـي الـروسـي مـواجـهـة تحديات اجتماعية واقتصادية خـطـيـرة، عـلـى الـرغـم مـن قـدرة الاتحاد الأوروبـي كـكـل عـلـى الـصـمـود أمام قطع الصادرات الروسية للغاز الطبيعي، وإن كان مع بعض الـتـكـلـفـة. ويبيـن الـشـكـل 4.4 الحالات الـمـتـوقـعـة لـنـقـص الـغـاز الـطـبـيـعـي الـتـي تـواجـه الـدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الأكـثـر ضعـفـا أو تأثرا (بلغاريا، وإسـتـونـيـا، وفـنـلـنـدا، والـيـونـان، والـمـجـر، ولاتفيا، وليتوانيا، ومـقـدونيا، وبـولـنـدا ورومانيا) فـي الـسـيـنـاريـوهـيـن الـمـقـدمـيـن فـي تـقـريـر الـمـفـوضـيـة الأوروبية.

ونـحـن نـقـيـم الاعتماد الـكـلـي عـلـى الغـاز الـطـبـيـعـي، باسـتـخـدام مـعـلـومـات أكثر تفصيلاً فـي إجـمـالـي مـزيـج الـطـاقـات غـيـر الـنـفـطـيـة لهذه الدول (باستثناء البوسنة والهرسك، بسـبـب نقص المعلومات) وذلك حسب الاستخدامات المحمية وغير المحمية. ولأغراض هذا الـتـحـلـيـل، نطلق مصطلح الاستخدامات المحمية على كل الغاز المستهلك في محطات توليد الطاقة والـتـدفـئـة، بـافـتـراض ضرورة تـولـيـد الـتـدفـئـة مـن أجـل الـتـدفـئـة الـمـنـزليـة، ومحطات التدفئة المحلية، والـمـسـتـخـدمين المقيمين والتجاريين.17 ويتصدر هؤلاء الـمـسـتـخـدمـون

• تشير دراسـة الـمـفـوضية الأوروبية بشـأن الـمـرونـة قـصـيـرة الأجـل لـنـظـام الـغـاز الأوروبي إلى أن "اللوائح التنظيمية لأمن إمداد الغاز حددت فئة يطلق عليها العملاء المحميون والتي تتضمن الأسر بالمنازل، علاوة على الخدمات الاجتماعية الأساسية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.

608C3639-985D-42CA-9471-E9F90E1ECD93.jpeg


قائمة أولويات حكوماتهم المعنية، وتشمل الاستخدامات غير المحمية الغاز الطبيعي المستخدم في الصناعة أو فـي تـولـيـد الـكـهـرباء.

وكما يتبين في الشكل 4.5، يبلغ دور الغاز الطبيعي في الصناعة غير النفطية عـمـومـا ذروته فـي لـيـتـوانـيـا، والـمـجـر، ورومانيا، ولاتفيا. وتستمد أكثر من نصف جميع الطاقات غير النفطية في ليتوانيا من الغاز الطبيعي، ورغم ذلك، لا يستخدم المسـتـخـدمـون المحميون معظم الغاز الطبيعي في ليتوانيا، بل يستخدمه قطاع الطاقة الكهربائية والصناعة؛ حيث يتم استهلاك 17 بالمائة فقط من الغاز الطبيعي بواسطة محطات توليد الطاقة والتدفئة، أو التدفئة المحلية، أو الـمـسـتـخـدمـيـن الـتـجـارييـن والـمـقـيـمـيـن. ويتم عندما تقرر الدول الأعضاء ذلك، في غضون مدة زمنية محددة، ومنشآت التدفئة المحلية التي لا يمكنها تبديل الـوقـود وتلك التي تـوفـر الـتـدفـئة إلى عملاء مـحـمـيـيـن آخـريـن".

13A7C248-DCF4-4F38-A199-F47C03FA1F14.jpeg


توفير ما يقرب من نصف جميع أنواع الطاقة غير النفطية المستهلكة في المجر من الغاز الطبيعي. وبالمقارنة بدولة ليتوانيا. تذهب نسبة 71 بالمئة من الغاز الطبيعي إلى الـمـسـتـخـدمـيـن الـمـحـميين، مما يجعل المجـر تتأثر على وجه التحديد بقطع إمدادات الغاز الطبيعي، وتنتج المجـر بعـض الغاز الطبيعي محليا، غير أن جميع وارداتها تأتي د من روسيا وتعتمد رومانيا ولاتفيا على الغاز الطبيعي بنسبة أقـل مـن لـيـتـوانـيـا والـمـجـر: حيث يشكل الغاز الطبيعي حوالي 40 بالمئة من إجمالي استهلاك الطاقة غير النفطية في كلتا الدولتين، ويستهـلك الـمـسـتـخـدمـون الـمـحـمـيـون مـعـظم الغاز الطبيعي في كلتا الحالتين يلعـب الـغـاز الـطـبـيـعـي دورا أقل بكثير فـي الـتـوازن الإجمالي للطاقة غير النفطية في البلاد الأخرى، حيث يتراوح بين 5.6 بالمئة فـي مـقـدونـيا إلى 25.4 بالمئة ة في اليونان. وتمثل الاستخدامات المحمية أقل من نصف إجمالي استهلاك الغاز الطبيعي في بلغاريا. واليونان، وبولندا. رغم أن الاستخدامات المحمية تمثل الحصة الأكبر في الاستهلاك في

الدول الباقية (إستونيا، وفنلندا، ومـقـدونيا، وصربيا). يظهر الشكل 4.6 درجة الاكتفاء الذاتي لهذه الدول. وكما يتبين، تعد رومانيا الوحيدة التي تنتج غازا طبيعيا أكثر مما يستهلكه المستخدمون الـمـحـمـيـون. وتتجاوز الاستخدامات المحمية الإنتاج المحلي بفارق كبير في جميع الدول الأخرى، ويستورد هذا الغاز بالكامل تقريبا من روسيا أو عبرها، وتعد اليونان، وبدرجة أقل، بولندا الـوحـيـدتـيـن
 
358B661D-63B7-48C7-954D-FADC2F1DF1D4.jpeg


اللتين تستوردان كميات كبيرة من الغاز من مصادر غير روسية. كما يبين الرسم أهمية الاستخدامات المحمية في استهلاك الغاز الطبيعي عموما وتمثل الاستخدامات المحمية نصف الاستهلاك الكلي للغاز الطبيعي أو أكـثـر مـن في جميع هذه الدول باستثناء اليونان وليتوانيا. ومـجـمـل الـقـول، تعـد إسـتـونيا وفنلندا والـمـجـر ولاتفيا وليتوانيا وبـولـنـدا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الأكثر تأثرا بـقـطـع الـغـاز الـطـبـيـعـي مـن روسيا. مع ذلك، يـوجـد عـدد مـن الـخـيـارات مـتـوسـطـة إلـى طـويلة الأجل لصالح هذه البلاد للحـد من تأثرها بقطع الغـاز الـروسـي. وتشير دراسـة معهد أوكـسـفـورد لـدراسات الطاقة إلى أن محطات الغاز الطبيعي المسال الـمـقـر بنـاؤهـا فـي لـيـتـوانـيـا وبولندا خلال الفترة من 2015 إلى 2030 ستجعـل تـوريـد الغاز الطبيعي المسال إلى منطقة البلطيق أمرا ممكنا، مما يؤدي إلى تقليل اعتمادها على الغاز الروسي، وإن كان بتكاليف أعلى.
كما تظهر دراسة المفوضية الأوروبية قدرة التدابير التعاونية للاتحاد الأوروبي على الحد بشكل كبير من تأثيـر الـقـطـع قصير الأجل على هذه الدول الأعضاء للاتحاد الأوروبي الأكثر تأثرا


Rand.Org
 
 
 
 
 
 
 

شبح الحرب بين روسيا وأوكرانيا يهدد الاقتصاد العالمي بخسائر فادحة​


فرض تصاعد التوتر بين موسكو وكييف، في ظل تعبئة روسيا حشوداً عسكرية بالقرب من الحدود الأوكرانية وفي بلدان أخرى بشرق أوروبا، مخاوف عالمية من تأثر أسواق الطاقة العالمية، خاصة في ظل الاعتماد الأوروبي المُفرط على إمدادات الغاز الروسي، بالإضافة إلى تداعيات أخرى محتملة على الصادرات الزراعية من منطقة شرق أوروبا لأسواق الاستهلاك في أنحاء العالم كافة.

ومع ذلك، تشير معظم التقييمات إلى أنه من المستبعد أن تقوم موسكو بغزو الأراضي الأوكرانية، ما يخفف نسبياً من ذعر الأسواق الدولية بسبب التصعيد العسكري الراهن، لكن تظل هشاشة الوضع في شرق أوروبا واستمرار التوترات بين روسيا وأكرانيا عاملاً في استمرار الضغوط على أسواق السلع الأساسية على مستوى العالم.

ذعر عالمي:

تسبب تصاعد حدة التوترات بين روسيا وأوكرانيا منذ نهاية العام الماضي في ارتدادات حادة على أسواق السلع الأساسية والمعادن، وهو ما يتبين على النحو التالي:

1- ارتفاع أسعار الطاقة: شهدت أسعار خام النفط ارتفاعات قياسية خلال شهري يناير وفبراير من العام الجاري، متخطية حاجز الـ 90 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوياتها في الـــ 7 سنوات الماضية. وقد تستمر الأسعار في الارتفاع في ظل التصعيد العسكري بين الجانبين. ومن المحتمل حدوث ارتفاع فجائي يصل إلى 10 دولارات في سعر برميل النفط الخام حال أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا، وفقاً لبعض التقديرات.

أما على صعيد أسواق الغاز، فقد تسببت التوترات بين أوكرانيا وروسيا، في ارتفاع متواصل لأسعار الغاز الطبيعي على المستوى العالمي، خاصة بالقارة الأوروبية، الأمر الذي تزامن مع نقص الإمدادات الفورية من الغاز الروسي لبلدان القارة منذ أواخر العام الماضي. وفي ضوء التطورات الحالية، يتوقع “جولدمان ساكس” أن يستمر ضيق المعروض في أسواق الغاز الأوروبي لثلاث سنوات قادمة، حيث ستكون له آثار ممتدة على سقف أسعار الغاز في أوروبا والعالم.

2- ارتفاع أسعار السلع الزراعية: تلعب كل من روسيا وأوكرانيا دوراً جوهرياً في استقرار الأمن الغذائي العالمي، وهما يساهمان معاً بحوالي ربع الصادرات العالمية من الحبوب. ومن المتوقع أن تصل صادرات روسيا وأوكرانيا من القمح للسنة التسويقية 2021 – 2022 نسبة 23% من إجمالي الصادرات العالمية، وفقاً لتقديرات مؤسسة “ستاندرد آند بورز.

ونتيجة المخاوف من انقطاع إمدادات الحبوب بسبب التوترات الحالية، ارتفعت العقود الآجلة للقمح على المستوى العالمي بحوالي 10% منذ منتصف يناير 2022، واقتربت أسعار الذرة خلال أواخر يناير 2022 من أعلى مستوياتها منذ يونيو 2021.

وتنبغي الإشارة هنا إلى أن الأزمة الروسية الأوكرانية ليست العامل الأوحد المؤثر في ارتفاع أسعار السلع الزراعية مؤخراً، فهناك ثمة اعتبارات أخرى متعلقة بظروف الطقس غير المعتادة بعدد من دول أمريكا اللاتينية، والتي قد تؤثر على حجم إمدادات الذرة عالمياً، فضلاً عن تراجع الصادرات الروسية من القمح بسبب ارتفاع ضرائب التصدير، وفرض حصص على تصدير الحبوب الغذائية.

3- ارتفاع أسعار المعادن: تُسيطر روسيا على إنتاج وتصدير عدد من المعادن على المستوى العالمي، ومنها: الألمنيوم، والنيكل، والبلاديوم، وقد عززت التوترات الروسية – الأوكرانية من الاتجاه الصعودي لأسعار بعض المعادن، فعلى سبيل المثال، يتم تداول الألمنيوم والنحاس مؤخراً بالقرب من أعلى مستوياتهما في السنوات الأخيرة.

وفي السياق ذاته، فقد حذرت شركة “ألكوا كورب” (Alcoa Corp)، أكبر شركة منتجة للألمنيوم في الولايات المتحدة، من أن التوترات بين روسيا وأوكرانيا ستزيد من مخاوف تأثر إنتاج الألمنيوم، ومن ثم احتمالية زيادة الأسعار، وذلك لأن روسيا تعد ثاني أكبر منتج للألمنيوم في العالم، الأمر الذي يفاقم الارتفاع المتواصل لأسعار الطاقة على الصعيد العالمي.

4- زيادة الطلب على الأصول الآمنة: تزايد لجوء المستثمرين إلى الملاذات الاستثمارية الآمنة، كالذهب والدولار في ظل تصاعد التوترات العسكرية في شرق أوروبا. وفي هذا الصدد، وصلت أسعار الذهب خلال تعاملات الاثنين 14 فبراير لأعلى مستوى لها منذ 3 أشهر وبقيمة 1869.40 دولار للأوقية، وهو اتجاه صعودي يحتمل استمراره، لاسيما حال تصاعد التوترات بين أوكرانيا وروسيا.

5- تصاعد الضغوط التضخمية: من المرجح أن تعمل التوترات الحالية بين روسيا وأوكرانيا على تفاقم الضغوط التضخمية العالمية، والمرتفعة بالفعل، خاصة إذا ما استمر ارتفاع أسعار الطاقة، والسلع الزراعية الأساسية بسبب مخاوف الحرب. وفي هذا الصدد، حذرت مديرة صندوق النقد الدولي في وقت سابق من احتمالية ارتفاع معدل التضخم العالمي بسبب التوترات بين روسيا وأوكرانيا.

ضغوط روسية:

أدت التوترات السياسية بين روسيا وأوكرانيا إلى تداعيات ملحوظة على الاقتصاد الروسي، ويتضح ذلك على النحو التالي:

1- ضعف الروبل الروسي: تراجع سعر صرف العملة الروسية بحوالي 5% خلال شهر يناير 2022، وبلغ أدنى مستوى له عند 79.3 روبل مقابل الدولار في 27 يناير الفائت، وذلك قبل أن يسترد بعض خسائره لاحقاً.

وقد تراجع بنك “جيه بي مورجان” عن توصيته للعملاء بزيادة استثماراتهم في الروبل الروسي وتوقعاته السابقة بتحقيقه مكاسب، في ظل زيادة حالة عدم اليقين المتعلقة بتصاعد التوترات بشأن أوكرانيا.

وفي الاتجاه نفسه، حذر بنك الاستثمار “رنيسانس كابيتال” من احتمال تدهور سعر صرف الروبل مقابل الدولار بنسبة 20%، حال حدوث تصعيد عسكري.

2- ارتفاع التضخم: في ظل ضعف الروبل وموجة التضخم العالمي، ارتفع معدل التضخم في روسيا إلى أعلى مستوى في ست سنوات حيث بلغ 8.73% في يناير 2022، مما دفع البنك المركزي الروسي خلال الاجتماع الأخير له إلى رفع سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، للمرة الثالثة في أقل من عام لتصل إلى 9.5%.

3- تدفقات رؤوس الأموال إلى الخارج: من المتوقع أن يقوم مديرو الأموال بسحب السيولة من صناديق سندات الأسواق الناشئة ومنها روسيا؛ نتيجة للتشديد النقدي من قِبل الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة لتهديدات الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

خسارة جماعية:

يكتنف مسألة الأزمة الأوكرانية قدر كبير من الغموض، وتتباين التقديرات العالمية بشأن نوايا موسكو الحقيقية بشأن أوكرانيا، ويتضح ذلك كتالي:

1- سيناريو التصعيد: تذهب تقييمات بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن روسيا قد حشدت ما يكفي من القوات بالقرب من الحدود الأوكرانية استعداداً لغزوها، وعليه، اتجهت واشنطن نحو تسليح الجيش الأوكراني بمعدات عسكرية؛ لمواجهة الخطر الروسي المُحتمل، كما هددت بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا في حال شنها حرباً ضد أوكرانيا، والتي تتضمن ما يلي:

‌أ- قطع وصول روسيا لنظام “سويفت” للتحويلات: جرى طرح مقترح غربي يدعم خروج روسيا من نظام “سويفت” العالمي، حال غزوها الأراضي الأوكرانية، وهو أمر قد يُحدث تأثيراً سلبياً على الاقتصاد الروسي، خاصةً في ظل تسوية مُعظم المعاملات التجارية ومبيعات النفط والغاز الروسية من خلال هذا النظام، إلا أن هذا المقترح ليس مطروحاً بجدية في ظل معارضة بعض القوى الأوروبية له، لما له من تداعيات على نظام التجاري الأوروبي، والمصارف الأوروبية، وهي الأكثر ارتباطاً على المستوى العالمي مع البنوك الروسية.

‌ب- التهديد بقطع الغاز: في حال قيام أوروبا بفرض عقوبات على روسيا، فقد ترد موسكو بقطع صادرات الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي، والتي توفر لأوروبا حوالي ربع احتياجاتها الكلية من الطاقة، بيد أنه وفقاً لمجموعة “أوراسيا” الاستشارية فإن قيام روسيا بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا بشكل مفاجئ يُعد سيناريو غير مرجح؛ لأن هذه الخطوة ستكون لها تكاليف مالية كبيرة على الميزانية الروسية نفسها، وعلى عائدات الصادرات.

‌ج- وقف مشروع “نورد ستريم 2”: هددت الإدارة الأمريكية مراراً بأن إقدام روسيا على عمل عسكري ضد أوكرانيا، سيؤدي إلى وقف تشغيل خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي يربط بين ألمانيا وروسيا عبر بحر البلطيق، مما يُعرقل آمال روسيا في تقليل الاعتماد على الأراضي الأوكرانية في نقل إمدادات الغاز لأوروبا.

‌د- منع وصول روسيا إلى أسواق الدين: من المقترح أيضاً، أن تقوم الدول الغربية بالضغط على الاقتصاد الروسي، من خلال حظر وصول موسكو لأسواق الدين والأسهم، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من تراجع الروبل الروسي، وارتفاع تكلفة الاقتراض المحلي، مما يهدد بالنهاية الاستقرار المالي والنقدي للبلاد.

2- تهدئة محفوفة بالحذر: تشير بعض التقديرات الأخرى إلى أن تصاعد التوترات بين الجانبين لن يمتد لعمل عسكري روسي ضد أوكرانيا. ولعل بوادرها ظهرت بإعلان وزارة الدفاع الروسية مؤخراً سحب جزء من القوات الروسية المنتشرة قرب الحدود مع أوكرانيا، والتأكيد على استمرار إمدادات الغاز لأوروبا عبر الأراضي الأوكرانية. فسيناريو الغزو أو الحرب الشاملة، ستترتب عليه تكاليف سياسية وعسكرية ثقيلة للأطراف كافة بما فيها روسيا، حيث من شأنه إنهاك الاقتصاد الروسي، ويُعرضه لعقوبات اقتصادية طويلة الأمد من قبل الدول الغربية.

وهنا، تذهب بعض التحليلات إلى أن موسكو تستهدف من التصعيد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية الضغط على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للاستجابة للهواجس الأمنية الروسية، خاصة فيما يتعلق بوقف تمدد الحلف باتجاه الحدود الروسية، أو منع أوكرانيا من الانضمام إليه، وذلك خلاف ما جرى تطبيقه بعد غزو روسيا لشبه جزيرة الرقم في عام 2014.

وبلا شك أن بوادر التهدئة بين الجانبين الروسي والغربي بشأن الأزمة الأوكرانية، تٌجنب الاقتصاد العالمي مزيداً من الخسائر الاقتصادية الفادحة وسط جائحة كورونا. وعلى الرغم من ذلك يظل الوضع الهش بمنطقة شرق أووربا، عنصراً ضاغطاً على أسواق السلع الأساسية في العالم، وسيدفع أسعار الطاقة والغذاء للتصاعد، وذلك لحين توصل روسيا والغرب لتفاهمات أمنية وسياسية حاسمة بشأن أوكرانيا
 
 
عودة
أعلى