أسرار حالة الجمود والإخفاقات القتالية الروسية في الحرب الأوكرانية

الصيد الثمين

التحالف يجمعنا
عضو مميز
إنضم
26/4/22
المشاركات
920
التفاعلات
2,106
أسرار حالة الجمود والإخفاقات القتالية الروسية في الحرب الأوكرانية


الشائع والشبه المجمع عليه عند كافة المحللين أن الوضع المذري الذي وصل له الروس في أوكرانيا سبب أنه يحاربون الناتو بالقناع الأوكراني.

والنقطة الثانية أن أغلب عتاد الروس المستخدم بهذه الحرب متقادم وقديم من الحقبة السوفيتية، وهذا تعليله لسببين الأول أن أوكرانية تملك نفس الفئة التسليحية الثقيلة وكثير من الفردية، وكان يكفي الروس التفوق النسبي بنظم الحماية وزيادة فاعلية الذخائر مع بعض التفوق النوعي مع وجود السيادة الحيوية الجوية.

ولكن في الحقيقة المشكلة الكبرى هي الاقتصاد الحربي الروسي في هذه الحرب المبرر وغير المبرر، فالمبرر منها خوف روسيا من وقوع تقنيات التطوير بالأيدي الغربية مما يجعلها جبهة مكشوفة خالية من أي مفاجئات سرية وتقنيات خفية في حالة حصول مواجهة مباشرة حقيقية مع الناتو.

وهذا كان سبب في محاولة تحجيم خسائرها البشرية بأمر جنودها في حالة الإحساس بخطر الهلاك أو الأسر بترك آلياتهم ودروعهم بدل تزويد دباباتهم بالحماية النشطة المتطورة الفعالة، لذلك نجد الروس في المرحلة الأولى في المدن الكبرى خسروا 244 دبابة وتركوا 273 دبابة، ولكن أكثرها إما قديمة أو متقادمة من الحقبة السوفيتية، أجري عليها بعض الإضافات الفرعية في الحماية مثلاً بإضافة دروع حماية ردية تفاعلية من الجيل الثاني والثالث، ودعمها مثلاً بالذخائر الترادفية المباشرة الأكثر فاعلية، ولو دعمت بالحماية النشطة وأهمها تزويدها بدروع الصد الوثابة المتفجرة المعروفة بأرينا لما شهدنا عشر هذه الخسائر، وارتفعت الحالة المعنوية للقوات الروسية، ولم سقطت الهيبة الروسية!

ومما زاد الطين بلة فشل هجوم تشكيلات الدببة السيبيرية بسبب الإعاقة المائية التي تعتمد على تفجير السدود، فكان هذا الخطء بالاقتصاد التجهيزي من أجل تمرير الأهداف العميقة السياسية، خطء فادح لا يبرر لروسيا، قوى الأوكران خصوصاً مع زيادة الإمدادات الغربية التي كان سببها هذه السلبية الروسية، التي كانت سبب رئيسي في توالي الإخفاقات النسبية الروسية.

وبعد تجربة المدن ومع دخول المرحلة الثانية من هذه العملية العسكرية، لم يكتفي الروس بالاقتصاد بالعتاد بل بعدد الأفراد أيضاً!

فقد دخلت روسيا هذه الحرب بعديد 175 ألف مقاتل، وعندما تحولت إلى المرحلة الثانية قلصت العدد إلى 115 ألف مقاتل!

ومن المعروف أن اقتصاد الحرب الروسي لا يحتمل الحرب الطويلة، وإنما يعتمد على الحرب الصاعقة السريعة بالقوة التدميرية الغاشمة، فعدم استخدام الروس ذلك التكتيك في بداية الحرب في المدن كان لأسباب سياسية، فلماذا لم يفعلوا العكس بالمرحلة الثانية لأسباب سياسية عكسية إيجابية موافقة لأهداف النصر العسكرية؟!

هل السبب لأن روسيا يحكمها فرد مستبد؟

الجواب قد يكون بوتين ديكتاتور مستبد لحد ما وفي مجالات معينة، ولكنه وطني بجدارة، وصادق بإرادة استعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية، وصاحب قضية قومية وأخلاقية، وطموح لإعادة التوازن العالمية والقطبية.

وهنا لا يبقى لدينا إلا جواب واحد منطقي وهو لأن روسيا هي من تريد أن تطيل الحرب وليس الناتو، لن روسيا هي المستفيد الأكبر من هذه الحرب!

نعم هي كذلك، ولكن لماذا؟

الجواب لأسباب بعيدة المدى والنتائج وليست آنية، والتي أهمها:

أولاً: استنزاف قوة الناتو العسكرية بأسلحة أكثرها قديمة أو متقادمة سوفيتية وربما إيرانية أو حتى كورية شمالية، بقوات أكثرها مرتزقة أو خارجية أو انفصالية! ويوازي ذلك إضعاف القوة المادية من خلال سوق الطاقة، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية بالمرحلة الحالية، أي الاكتفاء بالمرحلة الحالية بتقطيع الأوصال وإخراجها عن نطاق الهيمنة والوصاية الأمريكية.

ثانياً: كسب وتطوير التجارب الميدانية المعاصرة ضد عدو محتمل وخطير متمثل بالناتو، فروسيا لم تخض تجربة واقعية حقيقية قبل تجارب الحرب الأوكرانية.

ثالثاً: تسريع برنامج التحديث والإنتاج للأسلحة المتطورة النوعية التقليدية الغير نووية، لتصبح دولة عظمى حقيقية، مع وجود الدعم المادي الخارجي الغير مباشر وغير المحدود أو المحدد بقيمة معينة مادية.

رابعاً: تمكن الروس من الحصول على أكثر أو ربما جميع أسرار الأسلحة الحديثة وتقنياتها الغربية، المتاحة بالحرب الأوكرانية.

خامساً: استقطاب حلفاء أقوياء لتشكيل قوة عسكرية ومادية مستقلة عالمية وفي مقدمتهم الماردين الصين والهند ولو كانت هذه الأخيرة بالمرحلة الحالية تأخذ الصورة الحيادية، والحالة العدائية للصين، إلا أن حرب المصالح تنهي كل الخلافات.

سادساً: ثبات الروس على هذا المستوى القتالي التجهيزي المحبط دليل كبير وخطير على أن روسيا تملك زمام التصعيد الآني والمرحلي متى أرادت التصعيد وفقاً لمخططاتها الاستراتيجية.

سابعاً: تخلص الروس من ترسانة متهالكة منذ الحقبة السوفيتية تشمل حتى أسلحة المقابر بطريقة أكثر منفعة وأقل كلفة مادية.

ثامناً: قيام روسيا بتشكيل جبهة متقدمة للصين بالوكالة ضد الناتو مقابل استمرار الصين بالدعم المقنع لروسيا من الناحية المادية، لاستمرار الحرب وإعادة بناء قوة الإمبراطورية العسكرية الروسية.

تاسعاً: تمكن الروس في حالة استمرار هذه الحرب من اجتزاز عرى القومية الأوكرانية النازية، لإعادة أوكرانية للحاضنة الروسية، والتخلص من شر تحولهم إلى مقاومة داخلية في حالة انهارت الجبهة العسكرية الأوكرانية الحالية.

عاشراً: قدرة روسيا على الاستمرار للمدى الطويل وبشكل مستقر بقدراتها الذاتية في ظل العقوبات الغربية التي انعكست على الغرب سلباً أكثر من انعكاسها على روسيا المُعَاقبة بكثير.

وربما هناك أسباب أخرى لم نذكرها هنا وذكرناها في مقال تحليلي سابق تحت عنوان: "تحليل أسباب تأخر نتائج المرحلة النهائية للحرب الأوكرانية والسر الأكبر في المرحلة الاستباقية".

وبناءاً على ما تقدم نجد اليوم أمريكا تسعى إلى فتح باب التفاوض، وربما على ما يبدو لفهمها الصحيح لعمق الاستراتيجيات العميقة الروسية في الحرب الأوكرانية، ولأنها استنزفت جدوى الأسلحة المتطورة الأرضية الغربية، التي دعمت بها الجبهة الأوكرانية التي لم يعد ينقصها إلا الدبابات والطائرات الأمريكية، وغالباً أحجمت عن تزويد أوكرانيا بالدبابات الأمريكية حتى لا تدمرها الوسائل المضادة الروسية خصوصاً بعد تجربة مجنزرات برادلي التي تعتبر دبابات لتعزيزها بالدروع تفاعلية ردية وأخرى نشطة انفجارية مع سرعة مناورة أكبر من دبابات أبرامز التي أصبحت لا تزيد عنها إلا بدروعها الذاتية.
 
عودة
أعلى