أسباب محدودية الصدمة الروسية الأوكرانية وتفسير أكثر المستجدات الميدانية

الصيد الثمين

التحالف يجمعنا
عضو مميز
إنضم
26/4/22
المشاركات
990
التفاعلات
2,235
أسباب محدودية الصدمة الروسية الأوكرانية وتفسير أكثر المستجدات الميدانية


الخطة الأساسية الروسية الشبه استخباراتية للإطاحة بالقيادة الأوكرانية، والتي كانت مفضلة بنجاح شبه تام، ما كانت لتفشل لولا أخطاء بالحسابات الاستخباراتية الروسية حول حجم التدخلات الأمنية الغربية بالساحة الأوكرانية، فلم تكن روسيا تتوقع الخيانة الأوربية ومخاطرة هذه الأخيرة بمصالحها الاقتصادية مع روسيا، إلا أن الضغوط الأنجلو أمريكية ووعودها الخُلبية، والتزاماتها التحالفية، دفعتها لخيانة روسيا التي جعلتها اليوم تدفع الثمن بالمقابل.

وهو ما دفع الروس للولوج إلى الخطة البديلة بتنفيذ صدمة هجومية عرفت بعاصفة الشمال كان عمادها قوات المجموعات السيبيرية وفق استراتيجية هجوم الدببة السيبيرية، إلا أن الروس لم يتوقعوا حجم التدخلات الغربية العسكرية بالخطط المضادة الأوكرانية وحجم المعلومات الاستخباراتية المقدمة للأوكران من المخابرات الغربية، التي نفذت أسلوب الإغراق المائي بخلق عوائق مائية، بدد الصدمة الهجومية الروسية، وأبطل المفعول الخاطف للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والتي كانت مبنية على تجربة تاريخية سوفيتية سابقة.

ففي عام 1956 ميلادية قامت المجر بتمرد عسكري وسياسي على الاتحاد السوفيتي بتحريض من القوى الغربية ولكن بطريقة أكثر سرية وأقل تماسيه مع الاتحاد السوفيتي، فأرسل السوفييت حينئذ قوة ضاربة، متمثلة بقوام 17 فرقة قتالية كل فرقة مكونة من 12000 مقاتل موزعين على جيشين، استطاعوا من خلال هجومهم الخاطف من ناحية الشرق من إسقاط العاصمة المجرية بوقت قياسي خلال بضعة أيام، وبناء عليه تم إنهاء كامل المقاومة خلال أسبوعين، وعادت المجر إلى أحضان الإمبراطورية السوفيتية من جديد.

وعدول الروس عن أسلوب الصدمة الخاطفة والتحول إلى أسلوب القضم والهضم، يحقق أهم أهداف الاتحاد الروسي الخفية، وهو إنهاء وتدمير البنية التحتية العسكرية الأوكرانية بطريقة استنزافية مدروسة بدقة من خلال الضربات الجراحية العميقة الشاملة لأي نقطة في الأراضي الأوكرانية، وإبادة وتحييد التشكيلات القومية والمرتزقة الأجنبية، وحفظ ما يمكن حفظه من الموارد البشرية القتالية الأوكرانية.

فلو تابعنا الأحداث نجد أن الجبهة الأوكرانية انهارت مرة في بداية التحول الروس لمرحلة القتال في الدونباس، حيث ترك نحو 120 ألف مدافع أوكراني مواقعهم الدفاعية بحجة التدهور الصحي الذي أصاب أقدامهم نتيجة الرطوبة الداخلية في الخنادق، ليستدرك الأمر في ذلك الوقت القوى النخبوية والمتشددة القومية التي كانت متحصنة داخل المدن الرئيسية، ريثما يعاد تجميع وترتيب الصفوف الدفاعية من القوى الدفاعية الإلزامية، ولكن كانت الحقيقة في هذا الحدث تكمن بسبب تدهور الحالة المعنوية والنفسية للمدافعين، بسبب القصف الروسي الكثيف والعشوائي والمستمر للجبهات الأوكرانية، والتي كان عماده بشكل متعمد راجمات غراد القديمة الروسية، المنخفضة الدقة والضعيفة التأثير إلا التأثير النفسي وضرب الحالة المعنوية.

ولما وجدت روسيا تأقلم ومقاومة النسق الجديد للمقاومين الأوكران، لهذا الإجراء الهجومي المدفعي الشبه عشوائي الأولي، بعد إعادة التموضع مع تشديد القوميين على المدافعين كشرطة ضبط عسكرية، بدأت تشارك راجمات غراد عيار 122 ملم المجهزة برؤوس حربية أثقل وزن لها 20 كغ براجمات "أورغان كي" عيار 220 ملم 16 أنبوب برؤوس عنقودية (30 قنيبلة) زنة الرأس الحربي 100 كغ وحتى مدى 40 كم تعادل قوة الراجمة الواحدة منها بتأثيرها 12 راجمة من نوع غراد السوفيتية، وبدأت روسيا تستبدل راجمات غراد بشكل تدريجي براجمة "تورنادو جي" عيار 122 ملم تفوق بسرعة التجهيز والانتشار راجمة غراد بخمسة مرات، ومزودة بنظام توجيه بتغذية بمعلومات الأقمار الصناعية الملاحية ووحدة إرشاد جيرسكوبي ذاتي التوجيه، واسوء قذائفها براس حربي متشظية زنة 35 كغ، تفوق بدقتها وكفاءتها أفضل قذائف غراد وقدرة تفجير تقاربية حتى بعد 5 متر قبل الارتطام بالأرض التي تبدد بالارتطام 30% من القدرة التأثيرية، تفوق قذيفة غراد بثلاثة مرات من الناحية التأثيرية، وبدقة لا تقارن بقذائف غراد العبثية، والنوع الثاني برأس انفصالي عند الانقضاض مع برشوت، يفوق تأثير قذيفة غراد بعشرة مرات، والنوع الثالث موجه بالأقمار الصناعية والقصور الذاتي إما انشطاري تراكمي أو عنقودي يفوق كفاءة قذيفة غراد حتى 22 ضعف، أي فوارق نوعية بالدقة وقوة التأثير والفتك دون أي عبثية.

وآخر ما حرر هو بدء روسيا باستخدام راجمات سميرتش بقذائف عنقودية (75 قنيبلة) وزن الرأس الحربي 250 كغ وحتى مدى 90 كم أي أكثر من أربعة أضعاف مدى غراد وقوة الراجمة المزودة باثنا عشر ماسورة إطلاق تفوق راجمة غراد بأربعين ماسورة إطلاق، بأكثر من واحد وعشرين ضعف.

وبدأوا بشكل محدود كنوع من التحذير أخير يستخدمون الحشوات الفسفورية برؤوس النوع الأول التقاربي التفجير (9M538) من قذائف راجمات "تورنادو جي" عيار 122 ملم، وهو سلاح فتاك يفرغ الأوكسجين باستمرارية ويستمر بحرق كل شيء قابل الاحتراق حتى لا يبقى شيء يحترق.

بل واستخدام إطلاق قذائف فردي أو مزدوج تلامسي التفجير وتقاربي ضد أهداف مهمة ومرصودة براجمات توس ون "سولنتسيبيوك" المعروفة بلهيب الشمس المزودة برؤوس فراغية حرارية زنة 125 كغ.

فلك أن تتخيل حجم الفوارق النارية الحالية، وهو ما صعد عدد القتلى اليومي من عموم المدافعين ما بين 1000 إلى 1500 قتيل يومياً!

واستراتيجية الروس اليوم في إقليم الدونباس لم تعد تعتمد على الاختراقات السريعة بالكتائب المدرعة المسبوقة بنيران كبيرة وكثيفة تمهيدية مدفعية ميدانية وصاروخية، والنيران المواكبة من الهاون وقاذفات لهيب الشمس الفراغية "توس"، إضافة لنيران الكتائب الذاتية الكثيفة المسددة والعشوائية.

إنما على نيران دقيقة وكثيفة أرضية وجوية يتم تحديد أهدافها وتوجيه قذائفها بالدرونات الاستطلاعية ووحدات الاستطلاع والكشف الخاصة الأرضية، والتي هي طليعة الوحدات الراجلة المهاجمة من مشاة البنادق الآلية، التي أصبحت رأس الحربة القتالية بحيث تصبح التشكيلات المدرعة والميكانيكية هي الخط الثاني الداعم بالنيران غير المباشرة بمدافع الدبابات ومدافع الهاون وقاذفات لهيب الشمس الفراغية، بالحالة العادية، فإذا ما اشتد الدفاع ضد ألوية مشاة البنادق المستقلة بدء دور الكتائب التكتيكية المدرعة والميكانيكية بمعارك مشتركة قوية، ولكن ذات صبغة استطلاعية وليست اختراقية، لكشف كوامن الدفاعات الأوكرانية ليتم التعامل منها بشكل سريع عاجل من طرف النيران الأرضية أو القذائف الصاروخية الغير موجهة للحوامات الهجومية.

وهذا يفسر لنا تسارع تشكيل روسيا لفيالق مشاة بنادق جديدة إما روسية تطوعية وطنية، أو إسلامية ارتزاقيه عن طريق شركة فاغنر مكونة من عدة دول إسلامية مثل طاجاكستان وأوزباكستان وغالباً إيران أيضاً وهذا يفسر سبب شراء روسيا لأكثر من 300 درون متعدد المهام استطلاعي ضارب من نوع شاهد 129 نظير "أوريون ون" الروسي وأوريون تو من ناحية الطاقة الحمولياتية (400 كغ) إضافة إلى درون مهاجر 6 المشابه لدرون "فور بوست" الروسي والمقارب لدرون بيرقدار التركي، ودرون شاهد 191 الذي يملك ميزات شبحية.

لتكون قوة طليعة لألوية المشاة الإسلامية الضاربة الاستطلاعية بقيادة وتسيير القوات الإيرانية المتعاقدة ضمن ألوية المشاة المستقلة القتالية.

لأن روسيا لا تحتاج إلى مسيرات ضاربة استطلاعية لأنها كانت تملك قبل الحرب 30 مسيرة ضاربة من نوع "فور بوست" كارسار، وأربعين درون أوريون ون أو إي مع بدء طاقة إنتاج يومية بمعدل أربع درونات قتالية مع عربة قيادة وتحكم لاسلكية، منذ الشهر الأول من الحرب، بالإضافة إلى درون "أوريون تو" الأكثر تقدم وقدرات قتالية وكفاءة تحليقيه.

وفي إقليم خيرسون توضع الأوكران بدباباتهم ومدرعاتهم كوضع يوحي بالاستعداد لمرحلة اختراقية هجومية، إلا أن الروس استدركوا الأمر بتنفيذ عملية اقتحام ليلي جوي للقوات المجوقلة الروسية كانت سرية نقلوا بعائلة الحوامة الهجومية مي 24 هايند التي كانت تقل مجاميع ثُمانية الأفراد، غطى عليها هجمات كثيفة بالحوامات الهجومية الأخرى الأصغر والأكثر تخصصية، قامت هذه القوات بتعين الأهداف الأوكرانية الخفية من الكتلة الهجومية لتنال منها نيران الضربات الجوية والمدفعية الروسية؛ وهو ما أبقى الأوكران بأوضاع دفاعية والاكتفاء بتبادل نيران المدفعية مع الروس.

وحاول الأوكران إرسال وحدات متقدمة خاصة سرية متسللة ليلية بإدارة بريطانية ومتابعة ومراقبة أمريكية، لتعين الأهداف الروسية المتحركة وتوجيه نحوها قذائف ذكية معززة بالإضاءة الليزرية من المجاميع الأرضية المتقدمة، لكن وحدات المراقبة الأرضية السرية من السبتسناز الخاصة الروسية، كشفت أكثر هذه الوحدات الخاصة المتسللة الأوكرانية، وأجبرت أكثر من تبقى على الانسحاب.

وإهمال روسيا لموضوع الجسور في خيرسون وتدمير الأوكران لها بل حتى أن الروس دمروا أحد هذه الجسور، وعدم نقل بشكل ملحوظ لجسور عائمة يوحي أن الروس سوف يقاتلون بطريقة بر جوية بألوية القوات المجوقلة الروسية VDV وربما بمشاركة أفواج مشاة البحرية الروسية MPR التي غالباً سوف تكون مجهزة بمدرعات برمائية لتجاوز العوائق المائية والقوات المجوقلة يتم انزالها بالحوامات وليس المظلات أي اقتحام جوي بغطاء مرافق ومتقدم من الحوامات الهجومية والمسيرات الضاربة ونفاثات الدعم القريب، إضافة لنيران الدعم الأرضي المدفعية، ووحدات مشاة الكشف المتقدمة السرية المتخفية لتوفير مواطن انزال آمنة بصليات متتالية، وهو ما سوف يسهل تقدم ألوية مشاة البنادق الراجلة كخط هجوم ثاني، يتبع ذلك مجموعات الكتائب التكتيكية المدرعة والآلية كخط هجوم أخير.
 
عودة
أعلى