أسباب فشل عقيدة غراسيموف التكتيكية وسلاح الرعب الروسي والمضاد الأمريكي

الصيد الثمين

التحالف يجمعنا
عضو مميز
إنضم
26/4/22
المشاركات
1,005
التفاعلات
2,269
أسباب فشل عقيدة غراسيموف التكتيكية وسلاح الرعب الروسي والمضاد الأمريكي

عقيدة غراسيموف Greasimov Doctrine عقيدة قتالية منسوبة لمهندسها رئيس الأركان الروسية الحالي "فاليري غراسيموف" وهذه العقيدة هي رؤيا أو تصور جديد قدمها رئيس الأركان عام 2013 لشكل حروب روسيا المستقبلية، كان أول تجربة لها في شبه جزيرة القرم، عام 2014 وحققت حينها نجاحاً مبهراً.

وهي عقيدة هجينة تجمع بين السياسة والعسكرة والأمن السياسي والعسكري، على أن تكون التحركات العسكرية مبنية على أسس استخباراتية غالبة على التكتيكات والخطط العسكرية، وكان القسم الأول منها في هذه الحرب متمثلاً بالتخطيط الاستخباراتي، وهو دعم الحركات الانفصالية للمليشيات الشعبية في منطقة دونيتسك DPR ومنطقة لوغانسك LPR بمنظمات سرية شبه عسكرية، وقد كان هذا الاجراء ناجحاً في كل حيثياته، كونه كان له أرضية استباقية وثابتة تجريبية، مع وجود أغلبية شعبية روسية في تلك المناطق الانفصالية المتهضة والمناهضة للحكومة الأوكرانية، أم عملية تشكيل تكتلات شعبية مناهضة للحكومة النازية وفق الوصف الروسي، في كييف فكانت فاشلة، رغم تعسفية وفساد تلك الحكومة الدكتاتورية، بسبب تأثير الأيدولوجيات الغربية الساحرة والواعدة بالحرية والاستقرار المعاشي والرفاهية الآمنة في حالة دخول أوكرانيا في الاتحاد الأوربي الاقتصادي، وفي حلف الشمال الأطلسي "الناتو" العسكري والأمني.

إضافة إلى الخوف الشعبي من العودة إلى ما كانت عليه أوكرانيا في الحقبة السوفيتية من فقر وقهر وديكتاتورية مقنعة بمفهوم الشيوعية، فكان الولاء لروسيا من قِبل رموز وقيادات شعبية موالية للسياسة الروسية الاتحادية تربطها بها المصلحة الوطنية والفكرية والسلطوية وحتى المادية، لكنهم كانوا مكشوفين للمخابرات الغربية المهيمنة على المخابرات الأوكرانية، والذين اخترقوا اجتماعاتهم السرية بعملاء مزدوجين منسوبين للمخابرات الأوكرانية.

أم القطاع الأكثر سرية لنجاح العملية العسكرية الخاصة الروسية، فهو الخلايا الانقلابية السياسية والعسكرية والأمنية في كييف، فلم تكشفهم المخابرات الغربية بطريقة اختراقية كما هو في الحالة الشعبية، إنما بتقديرات صحيحة وتحليلات استخباراتية ذكية بطاقات فكرية تحليلية بشرية مختصة، وفائقة الذكاء برمجية الكترونية، ومراقبة ومتابعة جدية للشخصيات المحتملة للعملية الانقلابية.

وأكبر عيوب العملية الانقلابية التي خططت لها المخابرات الروسية في أوكرانيا على ما يبدو هو أن الدعم والتمويل المالي خص الرؤوس الانقلابية فقط، على أنهم رؤوس آمره سلطوية، دون الاهتمام بدعم بقية الأركان الفرعية القيادية أيضاً، المكونة للعملية الانقلابية، وقد لا يكون هذا بخل روسي أو اقتصاد بالنفقات الأمنية، وإنما من باب الحفاظ قدر الإمكان على السرية.

والعملية التحليلية والتقديرية الاستخباراتية الغربية المضادة كانت أكثر دقة وفاعلية ضد التقديرات والتجهيزات والتحضيرات الاستخباراتية للمخابرات الفيدرالية الروسية، للعملية العسكرية الهجينة أو ما يسمى اصطلاحاً بالتحضير الاستخباراتي لحقل المعركة Intelligence Preparation of the Battlefield (IPB) والتي فشلت بسبب ضعف تقدير ومعرفة الإجراءات الاستخباراتية المضادة، واستمر الفشل حتى بالخطة البديلة التي كانت تعتمد على اشغال الجبهة الشرقية لكييف بهجمات الكتائب التكتيكية المستقلة BTG ليتثنى للقوات المحمولة جواً "المجوقلة" VDV الروسية المظلية والاقتحامية، السيطرة على مطار هوستوميل للجعل منه قاعدة لتجميع قوة نخبوية تكمل ما بدأته الوحدة الاستخباراتية الخاصة المظلية الروسية، التي نفذت في ليلة بدء الحرب إنزال شراعي مظلي فوق المجمع الرأسي لاعتقال الرئيس الأوكراني وعائلته لإتمام أخر فقرة بالعملية الانقلابية.

إلا أن القوات المجوقلة الروسية في مطار هوستوميل، لقيت مقاومة غير متوقعة من قوات النحبة الأوكرانية القومية النازية، عطلت عمليتها الاختراقية، أو حنى التسللية.

وهنا حاولت روسيا إضعاف مقاومة الجبهة الغربية لكييف بإشعال جبهتها الشرقية بالكتائب الخاصة المستقلة التكتيكية BTG التي كانت تعاني من نقطتي ضعف وهما تجهيزها بعتاد ثقيل قديم من الحقبة السوفيتية، ولوجستيات ذاتية أي محدودة دون امدادات خارجية، لذلك لم تكن مهمتها اختراقية بل استكشافية لتوجيه نيرات المدفعية، وكانت محدودة الاشتباك، وكانت على سبيل المثال دباباتها في البداية من نوع T-62 وT-72AV ودبابة النموذج الأول من دبابة T-72B إلا أن دبابات تي 72 فيها كانت معززة بدروع رديه تفاعلية ERA من الجيل الأول من دروع "كونتاكت" الأحادية التفجير ولكن يسبقها طبقة قرميد عازلة صديه، وهو ما جعلها بخط المواجهة الأول.

لم يكن دور الدبابات في الكتيبة التكتيكية ولا حتى العربات المدرعة الناقلة للجند المرافقة لها المجنزرة والمدولبة المتقادمة أيضاً، دخول معارك تلاحميه، انما اسناد وتغطية تقدم مشاة الكتيبة الهجومية الراجلة، إما بقذائف حرارية اختراقية، وهذا دور دبابات تي 72 حتى مدى 3 كم، أو قذائف الأغراض العامة حتى مدى 9 كم وهذا كان دور دبابة تي 62، التي اعيد تجهيزها بمدافع عيار 125 ملم بدل مدافع عيار 115 ملم الأساسية، وهذا المدى البعيد لهذه الدبابة جعلها في منأى عن النيران الدفاعات الأوكرانية النشطة المسلحة بأحدث القذائف الغربية الفردية الموجهة من نوع صاروخ الرمح القصير "جافلين" Javelin حتى مدى 2500 متر بسرعة 240 م/ث أو الصاروخ "إنلاو" NLAW البربطاني حتى مدى 1200 متر بسرعة 200 م/ث، إضافة أنها كانت مجهزة بمحركات قوية كانت تزود بها دبابات تي 72 التي تزيد بالوزن عن تي 62 بأكثر من ثلاثة طن، وهو ما زاد من مناورتها الحركية.

ومنه تبين على أرض المعركة أن خسائر الروس من دبابة تي 62 يساوي أقل من 5% من خسائرهم من تي 72 بكافة أنواعها أثناء تلك المرحلة.

وتلك الصواريخ المضادة الذكية الأنجلو أمريكية كبدت الكتائب التكتيكية المدرعة (800 جندي) والميكانيكية (600 جندي) الكثير من الخسائر على مستوى العتاد الثقيل من المدرعات وحتى الدبابات من فئة تي 72 التي كانت تتطاير أبراجها نتيجة تفجير قذائف ملقم الدبابة تحت البرج الرئيسي مما كان يؤدي لتبخير الطاقم فوق الملقم وشمل ذلك الأنواع T-72AV و T-72B1 و T-72B2 وتجاوز هذا الخطر بشكل جيد كل من دبابة T-72B3 و T-72B3M التي استخدمت دروع تفاعلية ردية ثنائية التفجير المتداخل من الجيل الخامس لدروع "كونتاكت" إضافة لوجود سبائك وخلائط تدريع معدني مقاومة أكثر للحرارة وأكثر عزل وكثافة وسماكة تدريعيه، بتدعيم وتدريع الأبراج القتلي.

وتم تدعيم أيضاً دبابات T-80BVM وT-90S بقذائف دخانية مضللة من فئة شتورا لكل أشكال التوجيه نتج عنه خفض نوعي لنسبة الدبابات المدمرة منها، حيث لم يتم تدمير منها إلا ستة من النوع الأول واثنتين من النوع الثاني تي 90 لأنها عززت ايضاً بدروع رديه ديناميكية شبه نشطة ثنائية التفجير الترادفي من نوع "ريليكت".

ونقطة قوة الكتائب التكتيكية المستقلة قدرتها الفريدة على إدارة نيران المدفعية المباعدة الميدانية والصاروخية، وخاصة القذائف الذكية الليزرية، أم نقاط ضعفها فتكمن فيما ذكرنا سالفاً في ضئالة ذخائرها لأنها لا تعتمد الامداد اللوجستي القتالي بسبب المناورة والسرعة الحركية بالكر والفر، وضعف حمايتها الراجلة الخاصة بالدروع لأنها هي التي تحمي المشاة الراجلة المتقدمة وليس العكس، وهذه الأخيرة تدير نيران الآليات بالإجمال القريبة المواكبة والبعيدة المساندة، إضافة لعدم مواكبتها بمنظومة حماية أرضية حاسمة وقوية، مثل راجمات "توس ون" سولنسيبيوك Solntspyok المدرعة المعروفة بلهيب الشمس ذات القذائف الفتاكة الفراغية، وذلك حرصاً على تحجيم الخسائر المدنية، أو مواكبتها لمنظومات دفاع جوي قريب مدفعية مثل عربات "شيكا" المجنزرة الرباعية السبطانات عيار 23 ملم أو المدفعية الصاروخية "تنغوسكا" الثنائية السبطانات عيار 30 ملم، والتي توفر أيضاً نيران دعم أرضي كثيفة مدفعية، أو عربات تور المجنزرة أيضاً الصاروخية التي بإمكانها في حالة التفعيل المنتظم المنسق والكافي، تدمير حتى صواريخ جافلين الذكية.

وكل هذه النقاط الضعيفة في هذه الكتائب تم تجاوزها في الساحات المفتوحة في إقليم دونباس، ومثال على ذلك رفع عديد الكتائب إلى ألف عنصر وجعلها كلها مدرعة واعتماد الدبابات المجربة والناجحة فيها، إضافة إلى دعمها بوحدات استطلاع متقدم مظلية بدل مشاتها بالتبعية، والتي خُصصت لحماية آليات الكتيبة، إضافة إلى تعزيز الكتائب بمدرعات BMP3 بدل النموذج الأول والثاني، وتعزيزها وتعزيز الدبابات بالقذائف الموجهة الليزرية.

واليوم عادت روسيا في إقليم دونباس إلى عقيدتها القتالية الأساسية التي تعتمد على التمهيد الناري الكثيف المساحي بالأسلحة العمياء الغبية والقصف المعتدل الجراحي بالأسلحة الموجهة الذكية، مع هجمات أرضية مدرعة أكثر تنظيم وتنسيق واستمرارية، وبدأت بتجهيزها وتطويرها للعمليات الاختراقية، وكان سلاح الرعب والصدمة التمهيدي الجديد هو راجمة "توس تو" توسوتشكا TOS-2 Tosochka وهو الجيل الأحدث من راجمات لهيب الشمس توس ون TOS-1A Solntspyok ولكن بتفوق تدميري أكبر بكثير حيث أن راجمة لهيب الشمس " سولنسيبيوك" يغطي تأثير قذائفها الأربعة والعشرين مساحة ثمانية ملاعب كرة قدم، بينما القذيفة الواحدة من توسوتشكا يغطي تأثيرها أكثر من ملعب كرة قدم (1.25 ملعب) ومجموع قذائفها الأربعة والعشرين أيضاً (النموذج الأولي 18 أنبوب) تغطي بتأثيرها نحو ما يعادل 30 ملعب كرة قدم، ومدى صواريخها مضاعف حتى 20 كم (الأولي 10 كم)، وبنظام توجيه ثنائي، ورغم أن وزن رأسها الحربي لا يتعدى 45 كغ، ووزن الرأس الحربي لصاروخ لهيب الشمس 125 كغ، إلا أن قوة تأثيره تعادل نحو أربع رؤوس حربية لصواريخ راجمة سولنسيبيوك، والسبب أن رؤوس صواريخ لهيب الشمس فراغية حرارية، أما رؤوس صواريخ توسوتشكا فضغطية حرارية (باروحرارية) عصف حراري.

وفي حالة تم تزويد راجمات سولنسيبيوك بقذائف عصف حراري تقاربية التفجير، فإن هذا سوف يزيد تأثير القذيفة الواحدة إلى ما يعادل مساحة أربع ملاعب كرة قدم تقريباً، ولمدى أقصاه 10 كم؛ حيث أن راجمات " توسوتشكا" لم يصور أو يوثق لها أحد وجود في أرض المعركة إلا من الناحية الإعلامية الروسية، أي أن تجربتها كانت سرية.

وتتميز راجمة توسوتشكا بالاستقلالية وتبعيتها للقوات النووية، وتجهيزها بمذخر ذاتي ورادار كشف ميداني ضد الأخطار المضادة، ونظام حماية حرب الكترونية.

وتدرس أمريكيا تزويد أوكرانيا براجمات M142 HIMARS وراجمات M270 MLRS التي يحتمل أن تزود بصواريخ الضربة العميقة Deep Strike البعيدة المدى التكتيكية الموجهة حيث تطلق الراجمة "هيمارس" منه صاروخين وراجمة "ملرس" أربعة، وممكن أن يصل مداه حتى 500 كم برأس حربي يزن 300 كغ، ومن الممكن أن يزود بذخائر فرعية ذاتية التوجيه فائقة الذكاء من نوع أسطوانات اسكيت Skeet تتفرع عادتاً من عصي معدنية تسمى أفكوسكيت BLU-108 SFW ذات مظلات يتفرع من كل عصا أربع أسطوانات اسكيت على ارتفاع 300 متر بعيد الاسقاط، لتقوم هذه الأسطوانات بحركة دورانية لولبية لتغطي دائرة بحث حراري وبالمسح الليزري تزيد عن 30 كم لتطلق من الأعلى على المدرعات والدبابات سيال حراري معدني خارق للدروع وهذه الأسطوانات من الذكاء بحيث تبتعد عن الأهداف المدمرة بقياس فارق البصمة الحرارية، وفي حالة لم تجد ما تدمره تنفجر تفجير متشظي على ارتفاع 10 أقدام لتقتل المشاة أو تخترق بشظاياها أجسام الآليات المصفحة أو الضعيفة التدريع الجانبية.

ويمكن تزويد رؤوس المدى 500 كم بعشرة عصي أفكوسكيت (40 أسطوانة اسكيت)، ومدى 300 كم بخمسة عشر عصا أفكوسكيت (60 أسطوانة اسكيت) أما مدى 70 كم فبخمسة وعشرين أفكوسكيت وهذا التجهيز المرجح المرعب لأنه ينتج 100 أسطوانة اسكيت، أي ما يكفي لتدمير وابادة كتيبة تكتيكية كاملة BTG روسية، إلا أنه ورغم خطورة هذا السلاح الخارق، إلا أنه يمكن خداعة وتضليله، بالدخان المضلل مثلاً أو المشاعل الحرارية؛ إلا أن هذا يحجم بشكل نسبي عدد أهدافه ليبقى مرعب وخطير، هو سلاح تخشاه روسيا لأنه ربما يعيد تصعيد خسائرها كما في مرحلة حصار المدن الأوكرانية، وربما يصعب عليها تدمير آليات اطلاقه لأنها ذاتية الحركة تعمل على مبدأ اضرب واهرب، وغالباً سوف تكون محمية بمظلة منظومة باتريوت الصاروخية.
 
ويبقى السؤال القائم الآن، لما عدلت أمريكا عن تزويد أوكرانيا بالصواريخ التكتيكية البعيدة المدى؟
إن شاء الله هذا سوف يكون موضوعي إن أعانني الله تعالى.
 
دبابة T-72B3 نجم المعركة الروسية ضد أوكرانيا الصامد:

51712394200_f1fb6d4c18_h.jpg
 
عودة
أعلى