أداء الدبابات العراقية T-72 خلال الحرب مع إيران .

anwaralsharrad

باحث عسكري
مستشار المنتدى
إنضم
12/12/18
المشاركات
2,661
التفاعلات
18,086
مـــن ذاكـــرة التاريـــخ ..
أداء الدبابــــات العراقيـــة T-72 خـــلال الحـــرب مــــع إيـــران

original.jpg

بعد اندلاع الحرب مع إيران بتاريخ 22 سبتمبر العام 1980، أوقف الإتحاد السوفييتي مبيعاته إلى العراق بشكل مؤقت في الوقت الذي كانت فيه القيادة السوفيتية تتملق للإيرانيين أيضاً. على أية حال، الإتحاد السوفيتي عمل على تشجيع شركاءه في حلف في وارسو لأخذ مكانه في عمليات التصدير. هكذا وفي شهر يناير العام 1982 باعت بولندا العراق دفعة من 250 دبابة T-72M (Object 172M-1-E4)، تلتها في السنوات اللاحقة بالنموذج المحسن T-72M1 (Object 172M-1-E6). وفي شهر سبتمبر من نفس السنة، رفع الإتحاد السوفيتي حظر التسليح على نظام صدام حسين وبدأ ثانية بيع الدبابات مجدداً للعراق. في المجمل، كان هناك حوالي 1.038 دبابة T-72 قد سلمت للجيش العراقي لاستخدامها من قبل قوات النخبة المسماة "الحرس الجمهوري" republican guard خلال الحرب مع إيران. أغلب هذه الدبابات كان من بولندا حيث أعيد طلائها بشكل مميز باللون الرملي الخافت dim-sandy color، الذي احترق بسرعة بعد ظهور الدبابة للشمس وكشف عن الطلاء الزيتوني الأصلي (تحدثت بعض التقارير عن فقدان العراق نحو 60 دبابة من هذا النوع جراء التدمير الشامل، ناهيك عن أعداد غير محددة جرى الاستيلاء عليها وهي بحالة جيدة من قبل الإيرانيين).

irak.jpg

خلال حربهم مع الإيرانيين، الدبابات T-72 مثلها مثل أي دبابة أخرى في المخزون العراقي، استخدمت بشكل رئيس كمدفعية ذاتية الحركة بدلاً من أدوار حرب المناورة maneuver warfare. في الحقيقة، هم أهدروا مخزون كبير من القذائف شديدة الانفجار HE والقذائف شديدة الانفجار المضادة للدبابات HEAT في مهام وأدوار نيران غير مباشرة، أطلقت من مواقع ثابتة ومخفية. لقد أدى نمط الاستخدام هذا لاستنزاف هائل لسبطانات مدافع الدبابات العراقية، الأمر الذي كان له تأثير سلبي لاحقاً على نتائج التصويب ومهارات الرمي في حرب الخليج 1991. هكذا ونتيجة لسياسة التصدير السوفيتية، زبائن مثل العراق لم يتلقوا دبابات تقارن بالنوعية الأفضل لتلك التي في خدمة الجيش السوفيتي آنذاك. في العام 1990 أفضل نسخة عراقية لدبابة T-72 كانت T-72M1، التي هي تقريباً مكافئه إلى السوفيتية T-72A والتي كانت بالأساس متخلفة بنحو عقد عن نماذج الدبابة اللاحقة، ولم تكن مسلحة أو محمية جيداً كما هو الحال مع نماذج T-72 المخصصة لاستخدامات الجيش السوفييتي. وبنفس الاهتمام، الإتحاد السوفيتي لم يصدر ذخيرة دباباته الأفضل للخارج، واعتمد الجيش العراقي في المقابل على أداء ذخيرة من الدرجة الثانية second-rate لدباباته من طراز T-72.

chiyaten.jpg

مع ذلك ومن باب التوضيح، فإن لقاء مطول أجرته مجلة التاريخ العسكري Military History مع قائد سرية دبابات في الجيش الإيراني يدعى "أدار فوروزان" Adar Forouzan وذلك في عددها الصادر في أبريل العام 2004، تحدث الضابط الإيراني من خلاله عن معارك الدبابات التي جرت بين الطرفين الإيراني والعراقي خلال البدايات الأولى من الحرب، وتحديداً من ربيع العام 1981 وإلى أواخر خريف العام 1982 ووجه من خلاله بعض الثناء لأداء الدبابات العراقية T-72 وأطقمها (الحرب امتدت بين الدولتين لثمان سنوات، وتحديداً من 22 سبتمبر 19080 وحتى 20 أغسطس العام 1988).

1422653449_irano_irakskaya_ovyna.jpg

فوروزان تلقى تدريباً لمدة ثلاثة أشهر في مدينة شيراز على إدارة وصيانة الدبابة Chieftain، التي أصبح لاحقاً قائداً لها وانضم بعد ذلك إلى وحدة دبابته كقائد سرية في ربيع العام 1981. تحدث فوروزان بعد ذلك عن البدايات وذكر أن سريته كانت تضم فقط عشرة دبابات Chieftain من أصل خمسة عشر كان من المفترض أن تكون تحت أمرته. الخمسة دبابات الأخرى كانت متضررة ولا تصلح للمعركة وأستخدم بعضها للحصول على قطع الغيار. وعن انطباعه عن الدبابة Chieftain، ذكر فوروزان أن قادة في الجيش النظامي الإيراني أخبروه منذ البداية أنها ليست جيدة أبداً وهو ما تأكد له شخصياً بعد ذلك. فأكبر مشاكل الدبابة كان في ارتفاع درجة سخونة محركها في الأجواء الحارة overheat ونتيجة لذلك لم يكن بالإمكان قيادتها لمسافة بعيدة لأنك ستحتاج للتوقف بعد ذلك من أجل اتاحة الفرصة للمحرك لكي يبرد. لسوء الحظ، جميع العمليات القتالية التي شارك بها فوروزان وقعت في جنوب إيران، لذا مشكلة ارتفاع حرارة المحرك كانت عائق ونقيصة جدية major drawback، خصوصا وأن الأجواء خلال الصيف تصبح حارة جداً لدرجة أنك لا تستطيع مس جسم الدبابة لفترة طويلة. نقيصة أخرى ذكرها فوروزان في المقابلة وتتحدث هذه عن قوة محرك الدبابة Chieftain التي كانت ضعيفة وتفتقر للكفاية مقارنة بوزنها. نتيجة لذلك، لم يكن بالإمكان التحرك بالسرعة التي نحتاجها أو نرغب بها، مقارنة بدبابة أخرى بعهدة الجيش الإيراني آنذاك وهي الأمريكية M60.

0_efafe_919d9f57_orig.jpg
وعند سؤاله عن أكثر سلاح عراقي كانوا يخشونه، أجاب فوروزان أن العراقيون تسلحوا ببعض الدبابات الجديدة من طراز T-72، وكانت سرعتها وقدرتها على إصابة الهدف جيدة، علاوة على أن دروعها كانت قادرة على الصمود أمام قذائف RPG المحمولة من قبل مشاتنا. لقد مثلت الدبابة T-72 تهديداً خطيراً بالنسبة لنا. ثم هو تحدث عن أول مواجهة له مع الدبابة T-72 وذكر: كان ذلك خلال تجربة قتالي الأولى عندما بدأنا المعركة ضد القوات العراقية في منطقة "دشت عباس" Dasht Abbas قرب مدينة "ديزفول" Dezful وكان ذلك ضمن عملية "الفتح المبين" Fatah al Mobin في ربيع العام 1982 (عملية عسكرية إيرانية امتدت لستة أيام وعلى مراحل، من تاريخ 22 مارس وحتى 28 مارس 1982 بهدف طرد القوات العراقية من خوزستان والجنوب الإيراني). كنت حينها في القيادة عندما صدرت الأوامر لوحدتي للتقدم باتجاه وحدة عراقية عند منتصف الليل. لسوء الحظ، وحدتنا لم تكن تتحصل على أية أجهزة رؤية ليلية night-vision devices، على الرغم من أن وحدات أخرى كانت تمتلك هذا النوع من التجهيزات، لذا التحرك كان صعباً أثناء الليل. كان علينا قطع مسافة خمسة كيلومترات وهي عموماً ليست مسافة طويلة. خلال التقدم، اصطدمنا بحقل ألغام في طريقنا ولحسن الحظ كانت ألغام مضادة للأفراد antipersonnel mines وقد تم تفجير أحدها بواسطة جنازير دبابتي. واصلت مجموعتنا التحرك وأصدرت الأوامر لأفراد الوحدة بالبقاء داخل الدبابات وعدم الخروج منها. مع ذلك، أبطأ حقل الألغام تقدمنا وشتت تركيزنا، وعندما حل الصباح أبلغنا أحد الضباط الكبار بأننا لم نبلغ النقطة المحددة لنا، لذا كان علينا الحركة بشكل أسرع. بعد وصولنا للموقع المطلوب، بدأنا بقصف القوات العراقية المتراجعة، وتمكن رامي المدفع في دبابتي من إصابة شاحنتين عراقيتين. لقد كان الجميع سعداء وفرحين وبدأت التفكير في التقدم أكثر لتحرير المزيد من الأراضي ومطاردة العراقيين لإجبارهم على مواصلة التراجع والتقهقر retreating. ربما لم يعلم الضباط الأعلى رتبة بخططي ورغبتي في ملاحقة العراقيين، لذا أقنعت طاقم دباباتي وطاقم دبابتين أخريين بالتقدم للأمام أكثر.

iran.jpg

كان لدي في دبابتي مدفعي ممتاز وكان أثناء تقدمنا يراقب المحيط وهذا كان أمراً إيجابياً لأني كنت ما أزال أحتاج لتعلم الكثير. فجأة، شاهد الرامي مجموعة من الدبابات تتقدم باتجاهنا فقام بسؤالي هل هي دبابات إيرانية أم عراقية؟ فقمت بالنظر بالاتجاه الذي حدده لي ورأيت عدداً كبيراً من الدبابات تتقدم باتجاهنا، وعبر منظار الأفق periscope كانت هذه الدبابات تبدو صغيرة جداً وكجيش من النمل يتجه نحونا. لقد كنت قادراً على التحقق من أنها ليست إيرانية وأبلغت الرامي بأنها دبابات عراقية فرد علي وقال إننا بخطر شديد وعلينا أن نتراجع فوراً باتجاه الدبابات الأخرى الصديقة. لذا أبلغت الدبابات الأخرى بأن علينا التراجع بسرعة، وأثناء التراجع، أصيب محرك دبابتي بقذيفة معادية، مما أدى لارتفاع الضغط pressure بشكل كبير داخل مقصورة القتال والتسبب كذلك في قذف خوذتي الرأسية بعيداً عني. لحسن الحظ، كانت الكوة فوق رأسي مفتوحة وإلا لكنت الآن في عداد الأموات. جميعنا كان يعلم خطر انفجار الدبابة عند إصابتها، لذا قمنا بالقفز منها فوراً. كانت الدبابة لا تزال تتحرك عندما قفزت ولامست قدماي الأرض وكان علينا بعد ذلك الهرب على الأقدام. لا أستطيع الحديث عن طول المسافة التي قطعناها مشياً ولكنها على أية حال بدت بعيدة بالنسبة لي. في ذات الوقت، أستمر العراقيين في توجيه نيرانهم باتجاهنا وفي بعض الأوقات بدا الرصاص وكأنه زخات من المطر، حيث كان علينا الانبطاح أثناء إطلاق النار والجري عند توقف الرصاص.

0_efafb_e718fd65_orig.jpg

أما بالنسبة لخسائر قواته، فقد ذكر فوروزان أن الدبابتين المرافقتين لدبابته تمكنت من النجاة، كما أن أطقم الدبابات المرافقة له لم تتلقى أية إصابات لكنه في المقابل تعرض للنقد criticized من شركاءه في السرية على قراره بالتقدم بعيداً ثم بعد ذلك قراره بالتراجع دون قتال. في الحقيقة هو كان يتوقع إجراء تحقيق معه من قبل قيادته العليا لكن القادة لم يجروا أي تحقيق!! وبعد المعركة، قام بعض كبار الضباط بزيارة وحدته التي كانت مهزومة وأبلغوا فوروزان أن اختياره للمعركة كان عن قصد وذلك بهدف امتصاص هجمات الدبابات T-72، ولهذا السبب هم أمروا وحدته بالهجوم قبل باقي الوحدات. هكذا وأثناء قيام وحدته بمشاغلة دبابات T-72 العراقية، قامت وحدات إيرانية أخرى بشن الهجمات في نقاط أخرى وحققت الانتصارات المطلوبة.. وعلى الرغم من أن دبابته هي الوحيدة التي أصيبت في المعركة، إلا أن فوروزان تحدث عن مشاهدته الكثير من الدبابات الإيرانية المضروبة من وحدات أخرى بعد انتهاء المعركة. كما تحدث الرجل عن إصابة دبابته مره أخرى خلال معركته الأخيرة في شهر أكتوبر العام 1982. ويذكر فوروزان الحادثة بالتفصيل حين قال: حين أستولينا على نقطة حدودية عراقية تدعى "زيد" Zeid، كان العراقيين في المقابل يحاولون استعادتها باستماته. وفي المساء تم إبلاغي من قبل مركز القيادة بأن العدو سيشن هجومه في اليوم التالي على النقطة زيد، وفعلاً باشر العراقيين هجومهم المتوقع باستخدام الدبابات T-72. وبينما كنت أصوب على إحدى دبابات العدو المتقدمة، فوجئت بإطلاقهم النار باتجاهي قبل أن أقوم بفتح النار، وكانت دبابتي متمركزة خلف كومة رمل sand pile ولا يظهر منها سوى البرج. فجأة، لم أعد أرى شيء من خلال منظار الأفق، فأخرجت رأسي من فتحتي السقفيه لأرى ما حدث، فشاهدت جزء من كومة الرمل وقد أزيحت من مكانها فيما كانت سحابة غبار تحيط بنا من كل الاتجاهات. وحين نظرت لمقدمة الدبابة، رأيت بقعة على البرج حيث القذيفة ارتطمت بنا وتجاوزت كومة الرمل التي كنا نستتر بها، لكن لحسن الحظ هي لم تخترق الدرع بكامل سماكته. لذا قمت بإرجاع الدبابة للخلف لإخفائها عن نظر العدو. وبحلول منتصف ذلك اليوم، كان بالإمكان مشاهدة بعض دبابات وحدتي وقد اشتعلت بها النيران. لقد كان يوما حزيناً جداً بالنسبة لنا، حافظنا على خط الجبهة، لكننا منينا بخسائر فادحة heavy casualties. وحيثما نظرت، كنت تجد الجثث ملقاة على الأرض!! لقد ضربت خمسة من دباباتي، فيما الدبابات الأخرى لم تصب. لقد أدركنا أن عدد القوات العراقية كان يفوق قدراتنا في التعامل معها ولم تكن هناك قوة قادمة لمساعدتنا والوضع ببساطة كان أشبه بجيش من دبابات T-72 يتقدم باتجاه خطوطنا الدفاعية. مع ذلك ولحسن الحظ، كان هناك دعم مؤثر من سلاح مدفعيتنا وكان لديهم عدد من المراقبين الأماميين forward observers في خط الجبهة المتقدم لتوجيه النيران. نيران المدفعية المصوبة باتجاه العراقيين بعد الظهيرة كانت شديدة جداً، لدرجة أنها أجبرت العراقيين على التقهقر والتراجع. لقد حسمت المدفعية تلك المعركة لصالحنا. مع ذلك، يمكنني القول إن وحدات الدبابات العراقية T-72 كانت جيدة جداً، حيث أنها كانت تتمتع بمرونة وحركية عالية جداً، إضافة لوجود أعداد كبيرة منها.


0_efafa_f6ecbad9_orig.jpg
 
عودة
أعلى