نطلب اعتذارا فرنسيا / شمس الدين العجلاني

  • بادئ الموضوع Nabil
  • تاريخ البدء

Nabil

التحالف يجمعنا
مستشار المنتدى
إنضم
4/5/19
المشاركات
10,804
التفاعلات
19,817
نطلب اعتذارا فرنسيا عما اقترفته من مجازر وحشية في سورية خلال 9487 يوما

شمس الدين العجلاني



تسعة آلاف و أربعمائة و سبع و ثمانين يوما جثم المستعمر الفرنسي على صدورنا و تمتع بجمال بلادنا ، و نهب و سرق خيرات سورية و قتل رجالها وشيوخها ، أطفالها ونساءها ، و لم يكتف بذلك بل هدم المدن والقرى وجعلها كعصف مأكول .! و كانت دمشق من أولى المدن التي قام هذا المستعمر الوحشي بتدميرها حين قصفها بلهيب نيرانه ، مرة عام 1925 م والأخرى عام 1945 ، وقائمة الأعمال الوحشية لهذا المستعمر الفرنسي تبدأ ولا تنتهي ، فمنذ الساعة الرابعة بعد ظهر الأحد الواقع في 25 تموز 1920 م حين دخلت قوات الانتداب الفرنسي دمشق بقيادة المدعو غوابيه إلى الساعة التاسعة من صباح 15 حزيران 1946 م حين رحل آخر جندي فرنسي مستعمر عن أرض الوطن ، وسورية تدفع ضريبة الدم وضريبة الحرية التي اغتصبها المستعمرون الفرنسيون...

قصص وحكايات .. بطولات لا تنتهي ..حكايات تناقلها الأبناء عن الآباء والأجداد ، وسطرتها كتب التاريخ عن سورية التي تصنع الحضارة وتسطر التاريخ .. إنها سر الكون والتكوين لم تزل باقية حتى الآن ترد الأذى عن العرب والعروبة وتنشر المسيحية والإسلام وتنبئ عن النصر القادم . إنها تختزن التاريخ وتحكي أحجارها وسماؤها عن أسرارها...إنها مدرسة العروبة و سيفها و قلمها و تاريخها المجيد . واليوم نستذكر ذكرى مؤلمة ألمت بمدينة دمشق حين غضب المستعمر الفرنسي على دمشقنا فارتكب بحقها أولى مجازره الوحشية يوم 18-12- 1925 ، ونحن نستذكر هذا الاعتداء الوحشي نطلب من فرنسا اعتذارا رسميا عما اقترفته من مجازر وحشية في سورية خلال تسعة آلاف وأربعمائة وسبع وثمانين يوما .

معركة دمشق :
في تشرين الأول من عام 1925 م ، اجتمع المجاهدون السوريون في قرية حران العواميد ، وتداولوا الرأي في مهاجمة دمشق وطرد قوات المستعمر الفرنسي منها ، و تم الاتفاق على بدء الهجوم عصر يوم 18 تشرين الأول لتحرير دمشق وتم توزيع المجاهدين على ثلاث فرق : الفرقة الأولى بقيادة نسيب البكري و تضم في أغلبها الثوار من جبل العرب وتدخل دمشق من بوابة الميدان ، و الفرقة الثانية بقيادة أبي عبدة ديب الشيخ و تدخل دمشق من بساتين باب السلام و العقبة ، والفرقة الثالثة بقيادة حسن الخراط و تدخل دمشق من بساتين الشاغور و تضم في أغلبها ثوار جبل العرب المقيمين في جرمانا ، كما تم الاتفاق مع سلطان باشا الأطرش ان يدخل دمشق عن طريق الميدان مع ألفي مجاهد و الأمير زيد الأطرش مع ألفي مجاهد عن طريق المزة ، وعقب ذلك تهيأ أهالي دمشق للانضمام للثوار حين دخولهم دمشق ، دخلت الفرق الثلاث حسب المتفق علية دمشق دون مقاومة تذكر من قوات المستعمر التي هربت من الثوار عدا فرقة حسن الخراط التي دخلت دمشق من بساتين الشاغور فجابهتها قوات المرتزقة من السنغال التي رابطت على مدخل دمشق فهاجمها المجاهدون بقتال ضار واستعملوا السلاح الأبيض ففرت القوات الفرنسية المرتزقة مذعورة طالبة للنجدة ، وتروي أيليس بوللو كيف دخل الخراط حي الميدان على حصانه يوم 18 تشرين الأول 1925 وهو يسير بين الناس وكلهم يحيونه على الصفين ويهتفون باسمه، ويتذكر أحد كبار السن منظره عندما دخل الميدان مع خمسين من رجاله يومها وهو يحمس الناس ويقول لهم: ( يلا يا رجال .. يلا يا أسوده .. يلا يا أهل النخوة والحميّة.. يلا نقاتل الفرنساوي..) حيث تبعه مئات الأشخاص بسلاحهم فنزل بهم إلى ساحة المرجة حيث مباني الدولة الفرنسية فاحتلها بكل سهولة.. اعترى الفرنسيون الوجل والذهول والارتباك وفقدوا صوابهم ، و دعا المفوض السامي الفرنسي المقيم في بيروت الجنرال موريس ساراي (1856-1929) أركان حربة ومستشاريه و صبحي بركات رئيس الدولة السورية آنذاك إلى الاجتماع به للتداول فيما آلت إليه الحالة الراهنة بدمشق ودخول الثوار إليها لتحريرها ، فأجمع الرأي على تدمير دمشق بعد أن سيطر الثوار على أكثر أحيائها ، وسافر ساراي إلى دمشق ليشرف بنفسه على تدمير المدينة ، وبدأت المدفعية تقصف دمشق من قلعة المزة و قلعة دمشق دون تمييز ، وانتشرت الدبابات و المصفحات في شوارع دمشق بنيرانها الوحشية ، و جابت الطائرات الفرنسية سماء دمشق تقصفها بحمم من النيران ، و انتشر جنود المستعمر في حارات وأزقة دمشق يعبثون بها ، لقد نهب الجنود الفرنسيون أسواق دمشق ومتاجرها كسوق الطويل الذي دمرت مدافع المصفحات متاجره بالكامل، وحي المسكية والدرويشية، وقصفوا بشدة الشاغور والميدان والعمارة، واحترقت البزورية، والسنانية، وجزء من باب سريجة وجزء من القنوات، وحي سيدي عمود الذي احترق بالكامل وصار اسمه الحريقة منذ ذلك اليوم. وفرضت فرنسا غرامة باهظة على أهل مدينة دمشق (مئة ألف ليرة ذهبية وتسليم ألوف البنادق) تحت طائلة العودة لقصفها ومحوها بالكامل.. وكما روت الصحفية الفرنسية المقيمة في دمشق آنذاك والمتعاطفة مع مأساة السوريين في ظل الاحتلال الفرنسي : ( أعلن القائد الفرنسي على الملأ في تحذير واضح أنهم جهزوا من القنابل ما يكفي لهدم مدينة دمشق بأكملها ثلاث مرات متتالية – أليس بوللو ) .

استمر القصف ثلاثة أيام من عصر يوم الأحد 18 تشرين الأول إلى مساء الثلاثاء في 20 تشرين الأول فهدمت المتاجر وحرقت المنازل ودمرت المنازل الدمشقية الأثرية و في اليوم التالي ( 19 تشرين الأول ) أرسل المفوض السامي الفرنسي رسالة إلى رعايا الدول الأجنبية بدمشق كي يلتجئوا مع عائلاتهم إلى مدرسة الفرنسيسكان ( دار السلام) الواقعة في ساحة النجمة والمستشفى الفرنسي في القصاع و طلب من العائلات الفرنسية رفع أقمشة بيضاء على أسطح و شرفات منازلهم مع الصليب الأحمر لتمييز أماكن سكنهم خشية عليهم من التدمير والقتل.؟ و هنا نستذكر رسالة البطل حسن الخراط إلى المفوض السامي الفرنسي الجنرال موريس ساراي بعد قصفه لدمشق والتي قال فيها : ( إني كللت شرف العرب بما هو أهله واستحسن فعلي العالم كله لحسن إدارة رجالي ومحافظتهم على إخواننا المسيحيين والأجانب خصوصاً، وعلى الضعفاء عموماً. وأما أنت فقد نحرت شرف فرنسا وصوبت قنابلك إلى قلبها...أنت ممثل فرنسا وأنا حارس دمشق. أسرت جندك أسراً شريفاً وأنت ضربت النساء والأطفال والشيوخ ضرباً دنيئاً...كان بودك أن تجعلها حرب دينية إسلامية وتفرق بيننا وبين إخواننا ، ولكن الله أبى .فضيعت رشدك وخربت الأحياء الإسلامية على رؤوس أهلها آملاً أن أقابلك بالمثل، وقد فاتك أننا عرب ونحافظ على الجار - أمين سعيد: الثورة العربية.)

خسائر دمشق :
لم ينشر الكثير عن قصف دمشق عام 1925 م و لم تنشر الصور عن همجية التدمير الفرنسي ، واعتقد مرد ذلك لسببين الأول التعتيم فرنسي على هذه المجزرة خشية من الرأي العام العالمي و للتخفيف من هيجان الشعب السوري ، والسبب الثاني يعود للزعامة الوطنية السورية في الرغبة بعدم معرفة الناس للأرقام الحقيقية للشهداء وحجم الدمار والتخريب الذي لحق بدمشق ، لأن الخسائر المذهلة والدمار الوحشي اللذين وقعا بدمشق كانا سيعوقان الحركة الوطنية، وتذكر بعض المصادر أن عدد الشهداء من أهل دمشق و الثوار تجاوز 1500 شهيدا من بينهم حوالي 350 امرأة و طفلا ، بينما قدر حجم الخسائر المادية التي لحقت بدمشق من جرائم النهب و السرقة للمحال التجارية والقطع التراثية التي سرقت من بيوتات دمشق إضافة إلى تدمير العديد من الأسواق والحارات والأزقة وأهمها تدمير منطقة سيدي عامود و قصر العظم بأكثر من مليوني فرنك فرنسي،إن ما وقع في دمشق من قتل و تدمير و حرق وفتك بالأهالي من قبل جيش نظامي هو الجيش البري الأقوى في العالم ، قد فاق بفظاعته ووحشيته الغزاة الذين كتب عن فظائعهم التاريخ ، وسيبقى ما حدث لدمشق لطخة عار في جبين فرنسا التي تتشدق بأنها من حماة الحرية .هذا و قام المفوض السامي الفرنسي لاحقا بتوزيع أوسمة على كافة ضباط الجيش الفرنسي الذين شاركوا في الأعمال الوحشية بقصف و تدمير مدينة دمشق .

و الآن :
المطلوب من الجهات المعنية في سورية الحكومية والأهلية والمنظمات والأحزاب العمل على قدم وساق لإعادة الضوء و توثيق جرائم المستعمر الفرنسي بحق دمشق وكل المدن والقرى السورية ، والعودة إلى هذه القرى والمدن و استنهاض الذاكرة الشعبية ، العودة إلى ما كان يسمى قرى مثل دوما والقرى المحيطة بها التي تعرضت للدمار ، وقرى كفر بطنا، و يلدا، و المليحة وجرمانا و جسرين، هذه القرى التي محاها المستعمر الفرنسي من الخارطة وحرقها ونهبها آنذاك ، وأتلفوا المحاصيل وداسوا بأرجلهم عصير المشمش (القمر الدين)، وباع الجنود السجاجيد والتحف التي سرقوها منها في السوق بعشر ثمنها. وكان البلاء الشديد نزل بالقرى التي تؤوي الثوار وتم إعدام سكانها بشكل جماعي وعرضت جثثهم في ساحة المرجة بدمشق. ولاحقاً دمّر الفرنسيون قسماً من جوبر، وقرية المزرعة، وعربين. وتقول الصحافية الفرنسية أليس بوللو عن مجازر الفرنسيين : ( لقد كان المنظر مرعباً، على الأرض كانت هناك خطوط طويلة من الدم، وأحذية الجثث متناثرة هنا وهناك، وأذرعتها ممتدة ووجوهها محزنة، ولقد بدا أحد أصحابها وهو شاب يافع وكأنه يريد أن يقول شيئاً من خلال فمه المفتوح، وينبغي أن نضيف إلى ذلك منظر الجماجم المصبوغة بالدم، والأحشاء التي خرجت من البطون المبقورة، حتى بدت ساحة المرجة وكأنها خشبة تقطيع اللحم عند اللحام ) و من حقنا نحن أبناء وعشاق دمشق أن نطالب فرنسا التي تدعي الحرية وحماية حقوق الإنسان نطالبها بالاعتذار عن جرائم وحشية ارتكبت بحق آبائنا و أجدادنا ، بحق بيوتنا وآثارنا ، ألا يحق لدمشق أن تطالب باعتذار رسمي من دوله تعتبر نفسها أنها دوله الحق والقانون ، وتدافع عن حقوق الإنسان والحيوان .؟!
نطلب من فرنسا اعتذارا رسميا عما اقترفته من مجازر وحشية في سورية خلال تسعة آلاف وأربعمائة وسبع و ثمانين يوما .

عن موقع رابطة أدباء الشام
 
تبقى مجرد أماني فقط ومن الصعب لفرنسا الإعتراف بتلك المدائح.
 
عودة
أعلى