ثقافة الحطيئة شاعر يهجو أهله ونفسه

لادئاني

مستشار المنتدى
إنضم
16/12/18
المشاركات
27,902
التفاعلات
76,796
الشاعر الحُطَيئَة ( المتوفى سنة 45 هـ ) واسمه :جرول بن أوس بن مالك العبسي، أبو ملكية , وهو شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام.عاش في الجاهلية وأسلم في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، وارتد، ثم عاد إلى الإسلام في عهد أبي بكر. وكان هجاءاً عنيفاً، لم يكد يسلم من لسانه أحد.


ولقد كان الحطيئة فاسد الدين، سطحي العقيدة، وكان من قبل قد اسلم ثم ارتد ولم تعلم له وفادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحبة له، ولعل مما جعله يتهم برقة دينه دفاعه عن الوليد بن عقبة الذين اتهم بشرب الخمرة والعبث في الصلاة.


وقد ولد الحطيئة لدى بني عبس من أَمةٍ اسمها (الضراء) دعِيًّا لا يُعرفُ له نسب فشبّ محروما مظلوما، لا يجد مددا من أهله ولا سندا من قومه فاضطر إلى قرض الشعر يجلب به القوت، ويدفع به العدوان، وينقم به لنفسه من بيئةٍ ظلمته، ولعل هذا هو السبب في أنه اشتد في هجاء الناس، ولم يكن يسلم أحد من لسانه فقد هجا أمّه وأباه وزوجته حتى إنّه هجا نفسه وإبله .


ولقد اشتهر الحطيئة من بين شعراء عصره بالهجاء والشتم , وكأن هذه الطبيعة المنحرفة فيه لم يغير الإسلام منها شيئا , بل بقي على حاله , وقد سبب له لسانه السليط متاعب كثيرة ,


فمما يروى أن الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس حينما سار إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصدقات قومه، لقيه الحطيئة ومعه أهله وأولاده يريد العراق فراراً من السنة والجدب وطلباً للعيش، فأمره الزبرقان أن يقصد أهله وأعطاه أمارة يكون بها ضيفاً له حتى يلحق به، ففعل الحطيئة، وأكرمه أهل الزبرقان غاية الإكرام , ولكنه الحطيئة لم يحفظ الجميل بل رده بأن هجاه وشنع عليه فقال:


مـا كان ذنب بغيض أن رأى رجلاً * * * ذا حاجةٍ عاش في مستوعرٍ شاسِ

جـاراً لـقومٍ أطالوا هون منزله * * * وغـادروه مـقيماً بـين أرماسِ

مـلَّـوا قِـراهُ وهـرَّته كـلابهُمُ * * * وجـرحـوه بـأنيابٍ وأضـراسِ

دع الـمكارم لا تـرحل لـبغيتها * * * وأقـعد فـأنت الـطاعم الكاسي​


فشكاه الزبرقان إلى عمر بن الخطاب ، فسأل عمر بن الخطاب حسان بن ثابت عن قوله إنه هجو، فقال حسان : ما هجاه يا أمير المؤمنين ، قال فماذا صنع به ؟ قال سلح عليه ، فقال عمر : علي بجرول ، فلما جئ به قال له : يا عدو نفسه تهجو المسلمين فأمر به فحبسه عمر في مطمورة . فأرسل إليه معتذرا ومستعطفا :


مَاذَا تَقُولُ لأَفْرَاخٍ بِذِي مَرَحٍ * * * زُغْبِ الْحَوَاصِلِ لا مَاءٌ وَلا شَجَرُ

أَلْقَيْت كَاسِيَهُمْ فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ * * * فَاغْفِرْ عَلَيْهِ سَلامُ اللَّهِ يَا عُمَرُ

أَنْتَ الإِمَامُ الَّذِي مِنْ بَعْدِ صَاحِبِهِ * * * أَلْقَتْ عَلَيْك مَقَالِيدَ النُّهَى الْبَشَرُ

لَمْ يُؤْثِرُوك بِهَا إذْ قَدَّمُوك لَهَا * * * لَكِنْ لأَنْفُسِهِمْ كَانَتْ بِك الأَثَرُ

فَامْنُنْ عَلَى صِبْيَةٍ بِالرَّمْلِ مَسْكَنُهُمْ * * * بَيْنَ الأَبَاطِحِ يَغْشَاهُمْ بِهَا الْعُذْرُ

أَهْلِي فِدَاؤُك كَمْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ * * * مِنْ عَرْضِ دَاوِيَّةٍ يُعْمَى بِهَا الْخَبَرُ​

فَحِينَئِذٍ كَلَّمَهُ فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه وَاسْتَرْضَاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ ثُمَّ دَعَاهُ فَهَدَّدَهُ بِقَطْعِ لِسَانِهِ إنْ عَادَ يَهْجُو أَحَدًا .


 

لقد هجا الشاعر الحطيئة أقرب الناس إليه فهجا امرأته فَقَالَ :


أطوّف ما أطوّفُ ثم آوي * * * إلى بيتٍ قَعيدته لَكاعِ


لَهَا جِسْمُ بُرْغُوثٍ وَسَاقُ بَعُوضَةٍ * * * وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْقِرْدِ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ
تَبْرُقُ عَيْنَاهَا إذَا مَا رَأَيْتَهَا * * * وَتَعْبِسُ فِي وَجْهِ الْجَلِيسِ وَتَكْلَحُ
لَهَا مضحك كَالْحَشِّ تَحْسِبُ أَنَّهَا * * * إذَا ضَحِكَتْ فِي أَوْجُهِ النَّاسِ تَسْلَحُ
إذَا عَايَنَ الشَّيْطَانُ صُورَةَ * * * وَجْهِهَا تَعَوَّذَ مِنْهَا حِينَ يُمْسِي وَيُصْبِحُ

 


الحطيئة
يهجو أباه وعمه وخاله بقوله:


لـحـاك الله ثــم لـحــاك حـقـا * * * أبـا ولحــاك مـن عـم وخــال


فنعم الشيخ أنت لدى المخازي * * * وبئس الشيخ أنت لدى المعالي


جمعت اللؤم لا حياك ربي .... وأبواب السفاهة والضلال





 

ووصل به الحال الى ان قام الشاعر الحطيئة بهجاء وذم أمه بقوله :



تَنَحِّي فَاجْلِسِي عَنِّي بَعِيدًا * * *
أَرَاحَ اللَّهُ مِنْك الْعَالَمِينَا

أغربالا إذَا اُسْتُوْدِعَتْ سِرًّا * * * وَكَانُونَا عَلَى المتحدثينا

حَيَاتُك - مَا عَلِمْت - حَيَاةَ سُوءٍ * * * وَمَوْتُك قَدْ يُسِرُّ الصَّاحِبِينَا




 

الحطيئة يهجو نفسه


ويروي عنه أنه رغب في قول الهجاء فلم يجد من يطلق عليه سهام هجائه وشتمه فضاق ذرعا فلم يجد إلا نفسه يهجوها ويشتمها فقال:

أَبَتْ شَفَتَايَ الْيَوْمَ إلا تَكَلُّمًا * * * بِسُوءٍ فَمَا أَدْرِي لِمَنْ أَنَا قَائِلُهُ ؟

أَرَى لِي وَجْهًا قَبَّحَ اللَّهُ خَلْقَهُ * * * فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وَقُبِّحَ حَامِلُهُ


 

ولم يسلم أحد من قومه من لسانه الشتام فقال يذكر إبله وكثرة شحومها:


عظام مقيل الهام غلب رقابها * * * يباكرن جرع الماء في السبرات

مهاريس يروي رسلها ضيف أهلها * * * إذا النار أبدت أوجه الخفرات


يعني شدة الشتاء مع الجدوبة، يقول: فهذه الإبل لا تجرع من برد الماء لسمنها واكتناز لحومها وقد كان ذكر في هذه القصيدة قومه فنال منهم فقال :


فإن يصطنعني اللّه لا أصطنعكمُ * * * ولا أعطكم مالي على العثراتِ
لَعَمْرِي لقد جَرَّبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ * * * قِبَاحَ الوُجُوهِ سَيِّىء العَذِرَاتِ
وجدتكمُ لم تجبُروا عظم مغرمٍ * * * و لاتنحرون النّيب في الجحراتِ


فقال له عمر بن الخطاب فيما يروى: بئس الرجل أنت تهجو قومك وتمدح إبلك , فخرج الحطيئة وقال:


رأيتُ ابنَ خطاب تجاهل بعدما * * * رأيتُ له عقلاً وما كان جاهلا
ألا قد علمنا أن ما قال هكذا * * * ومن قال حقاً غَيرَ ما قال باطلا


 
عودة
أعلى